رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الثاني والاربعون 42 بقلم دينا جمال


 رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الثاني والاربعون 

في مخزن الأقمشة القديم ترى جاسر يجلس على أحد المقاعد يضع ساقًا فوق أخرى ، يجلس عاصم مجاورا له 
وأمامهم مباشرة نصار وتهاني ، تهاني التي كان الجميع على أتم ثقة من أنها ماتت حتى نصار نفسه كان يثق أنها ديدان الأرض تسممت من لحمها الملعون ، حرك جاسر عينيه بين نصار وتهاني يخترز النظر لوجه اثنين من الشياطين سعوا بكل الطرق الفاسدة لتدميره هو وأسرته ، نظر لعاصم ليراه يقبض كفه على ذراع ينظر لتهاني عينيه تكاد تُخرج لهيبا من شدة غضبه ، وله كامل الحق هو لا يلومه مقدار ذرة ، تخيل أن تعلم بعد ما يزيد عن عشرين عاما أن لك طفلين لاقى أحدهما العذاب منذ طفولته على يد ذلك المختل الجالس أمامهم والآخر نجى بفضل شقيقه وكل ذلك بسبب الحية التي كانت زوجته ، تهاني لها باع كبير في محاولة تدميره ويبدو أنها لم تكتفِ بعد كل ما فعلت ، لا يصدق كيف لأم إن تقامر بطفليها بتلك الطريقة البشعة ، لو تركها لعاصم سيمزق لحمها بيديه العارتين فقط ، من شدة غضبه
تحركت عينيه صوب نصار ليبتسم ساخرا يقول مرحبا :
- يا أهلا بالصحبة الحلوة ، مدام تهاني ، شادي بيه ، وطبعا عاصم طليقك يا تهاني تعرفيه كويس ، وأخيرا العبد لله جاسر مهران 
حرك عينيه وقف عند تهاني ينظر إليها مشمئزا قبل أن يتحدث يشعر بالقرف الشديد منها :
- أنا بجد مش فاهم أنتِ مخلوقة من إيه ، مستحيل تكوني إنسانة ، أنتِ أكيد واحدة من بنات إبليس ، أنا كل ما أفتكر أني وصلت لنهاية شرك وقرفك ، تبهريني أن لسه عندك أكتر ، أنتِ بتكرهي جاسر نفسك تدمريه ، عايزة تموتيه .. العيال الصغيرين ذنبهم ايه ، ولادي وولاد عاصم اللي للأسف يبقوا ولادك ذنبهم ايه ، ما جتيش إنتِ تاخدي حقك ليه ، طالما بتقولي أنه حقك ، زي البيه المرمي جنبك ، خد ورثه بالكامل وجاي عايز يموت عيالي وياخد فلوسي ويقول حقي ، كاك كسر حُقك أنت وهي، هو كل مريض مجنون يجي يقولي حقي ، انتوا فاكرين أن أنا هسيبكوا ، دا هوريكوا عذاب الكفار ، انتوا أقذر من الل .. والله ما لاقي حاجة بقدر قذرتكوا أشبهكوا بيها 
قام من مكانه متوجها إلى نصار وقف أمامه يقبض على فكه بعنف اقترب منه يهسهس غاضبا :
- اديتك فرصة واتنين وتلاتة وعشرة ، عشان عضم التربة بس ، أنت اللي زيك كان لازم يموت من زمان من ساعة ما قتل أمه ، وحاول يقتل أبوه ، أنا للأسف متأخر أنك كنت بتلعب ببنتي ، تعرف أنا لو كنت أعرف من الأول طنت نهشت لحمك ، ولا أديتك لا فرصة ولا غيره
وبعد كل اللي أنت عملته وكل التخطيط اللي أنت فرحان بيه أوي ، أديك تحت جزمتي ، وصدقني اللي جاي سواد على دماغك

ابتسم نصار ساخرا يحرك رأسه للجانبين قبل أن يتهكم منه :
- أنت ممكن تكون كسبت ، بس أنا خسرتك حاجة مهمة أوي ، مريم حبيبة بابا ، البنوتة البريئة الصغيرة ، كانت في سريري بدل المرة اتنين وتلاتة ، ولو مش مصدقني تقدر تسألها ، ولو هي قالت إني كداب عندك الدكاترة تتأكد منهم 
أحمرت حدقتي جاسر غضبا قبض على عنق نصار يلكمه بعنف يصرخ فيه :
- كداب وكلب ، أنا واثق أن بنتي ما تعملش كدة ، بنتي أشرف من ألف واحد من عينتك يا قذر 
تحرك عاصم سريعا يجذب جاسر بعيدا عنه بصعوبة ولكن يبدو أن نصار لن يتوقف قريبا ، بل صدحت ضحكاته العالية يتهكم :
- زيها زي چوري كدة ، حبيبة بابا الشريفة اللي عملت علاقة مع ابن خالها ، أنا شوفت الفيديو كتير أوي يا جاسر ، أنا قطعت منه جزء كبير عشان ما أخدش حيائك 
نزع جاسر نفسه من يدي عاصم يصرخ غاضبا ، قبض على عنق نصار يصرخ فيه :
- بنتي كان ضحية لعبتك يا وسخ ، لسانك القذر دا لو نطق حرف تاني على واحدة من بناتي هقطعهولك ودلوقتي ، وجربني يا نصار ، أنت لسه ما شوفتش وش الشيطان 
ابتسم نصار ساخرا يقلب عينيه متهكما ، أما جاسر فكانت الدماء تغلي في أوردته مما قاله الوغد على ابنتيه ، توجه صوب تهاني قبض على خصلات شعرها يصرخ فيها :
- أنتِ يا حية السبب ، صدقيني هخليكي تتمني الموت هسلخ جلدك وأنتِ عايشة 
ودفعها بعيدا لتسقط أرضا تبكي مذعورة ، اقترب عاصم منها قبض على فكها ينظر لوجهها مشمئزا يردف يتوعدها :
- أنتِ بتعيطي يا توتا ، دا أنتِ طريقك معايا صحراوي على اللي حصل لعيالي بسببك ، على اللي سيبتي الكلب دا يعمله في ابني ، و رحمة أبويا لهخليكي تبوسي رجلي عشان ارحمك وأموتك 
ودفعها بعنف ليصطدم رأسها بأرضية الغرفة تحرك جاسر لخارج الغرفة يجذب عاصم معه ، يغلق باب الغرفة من الخارج ، كاد أن يقول عاصم شيئا حين سمعا صوت توقف سيارة فجاءة أمام المخزن ، قطب جاسر جبينه ظنه أحد الأولاد وعاد ولكنه تفاجئ بدخول زيدان يجذب رجل من تلابيب ملابسه صوب الغرفة المقابلة لهم ودون مقدمات بدأت يضربه يبدو غاضبا لأقصى درجة ، نظر عاصم لجاسر يحادثه سريعا :
- الحقه يا جاسر دا هيموته 
- هو كلب ويستاهل الموت صدقني
ألتفت جاسر خلفه ليرى خالد يقف أمامهم يدس يديه في جيبي سرواله ينظر لما يفعل زيدان بهدوء ، وقبل أن يسأله جاسر بادر يقول :
- الكلب دا يبقى حارس الكيذر أريا في نادي كبير بتروحه لينا بنتي ومعاها وتين وياسين ، امبارح لقيت وتين جاية تقولي ( جدو هقولك حاجة عشان أنا خايفة أقول لبابا ، عمو اللي في النادي ، بيحط أيده على جسم توتا في حتة ماما قالت أنها No وعيب وبيقولي لو قولتي لبابا هيضربك ) الكلب بيحط أيده على حفيدتي وبيرهبها ، وطلع القذر بيعمل كدة مع بنات كتير ، دا زيدان حالف لينفخه ، قولي خلصتوا ليلتكوا عشان إحنا لسه ليلتنا هتبدأ 
اومأ جاسر برأسه ينظر لذلك المتحرش القذر تحت يدي زيدان بلا ذرة شفقة واحدة :
- ايوة ، هكلمك بكرة ، ربنا معاكوا 
أخذ عاصم وتحرك للخارج ليبصر سيارة مسرعة تقف فجاءة وكان أول من قفز منها وتكاد تشتاط غضبا ، لينا إبنة خالد ومن خلفها حسام شقيقها ، لينا إبنة خالد شرسة تماما أبيها 
ذلك القذر سيلاقي ليلة عصيبة للغاية على ما يبدو !!
____________
على كورنيش النيل قرابة الفجر يجلس العروسان ، تنهد مراد بحرقة يعاتبها :
- كدة يا مريم أهون عليكِ ، كنتِ بتحرقي قلبي وأنا حاسس أنك كرهاني ومش عايزة تشوفيني ، وفي الآخر أقعد في قراية فتحتك على واحد غيري ، تلبسي الفستان الأبيض لواحد غيري يا مريم ، يعني دلوقتي لو نصار دا ما كانش قذر وكان راجل كويس ، كنتي هتنسيني خالص وتتجوزيه عادي ، أهون عليكِ تعملي فيا كدة 
سحبت يدها من يده تدمع عينيها ، أخفضت رأسها أرضا تهمس بألم عميق :
- أنت جرحتني يا مراد ، عملت أكتر حاجة أنا كنت مرعوبة منها ، كنت مرعوبة إني ما ابقاش كفاية ليك ، كنت مرعوبة لتزهق وتدور على الأحلى والأحسن ، وشوفت دا ، وشوفت الأبشع منه ، كل ما كنت أحاول أقول خلاص هو غلط عديها ، كنت أفتكر الفيديو وأقول أن أكيد اللي حصل دا هيتكرر تاني ، وإني عمري ما هكون كفاية لأي راجل ، جه وقتها نصار وحسسني أني ملكة ، مش بس كفاية لأي راجل ، دول رجالة الدنيا ما تحلمش حتى أني م أبصلهم ، كان لازم في كل جملة يقولي قد ايه هو بيحبني ، ويقولي قد ايه أنا شخص مميز ما فيش مني غير نسخة واحدة بس ، مع كل دا مستغرب أني كنت ببعدك عني بأي شكل ، أنت جرحتني جرح كبير أوي يا مراد وخصوصا أن أنت عارف وواثق من إني ما عنديش أي ثقة في نفسي ، أنت عارف أنا أكتر حاجة مخلياني قرفانة من نفسي ، هي يوم ما بابا عرف أني كنت بكلم نصار
Flash back
أول ما رآه أمامه مريم ابنته تجلس على مقعد في منتصف الصالة تحرك ساقيها تقضم أظافرها ، تحرك إليها يمد يده يمسك بذراعها يجذبها بخشونة يطلب منها :
- تعالي معايا فوق عايزك 
في اللحظة التالية سمع صوت سليم وهو يصرخ بما فعل حسين ، ورأى حسين وهو يركض خلف سليم يحاول الإمساك به في مشهد أشبه بالقط والفأر ، أصفر وجه حسين ما أن رأى جاسر ، ليتحدث جاسر يتوعده :
- لما انزلك حاضر أنت والهانم التانية 
وتحرك لأعلى يجذب مريم معه ، الصغيرة ترتجف بين يديه كل ذرة بها ترتعد خوفا ، تحرك إلى غرفته دفعها داخلها يغلق الباب عليهم ، التفت إليها عينيه على وشك أن تنفجر من الغضب كل خلية به ترتجف ، اقترب منها في لحظة بات أمامها قبض على عضد يدها يقربها منها طحن أسنانه يهمس غاضبا :
- إيه اللي بينك وبين نصار يا مريم وصدقيني أنا حايش نفسي عنك بالعافية ، أنا عايز الحقيقة أحسن ما هكسر عضمك
انتفضت تنهمر الدموع بكثرة تنظر لوالدها خائفة قبل أن تهمس من بين شهقاتها المتتابعة :
- أنا بحبه وهو بيحبني أوي ، وقالي أنه هيقول لحضرتك عشان توافق على جوازنا 
شخصت حدقتي جاسر ذهولا يكور كف يده يقبض عليه بعنف، القذر يلف شباكه حول ابنته الصغيرة، ولكن منذ متى ، منذ متى وهو يفعل ذلك ، عاد ينظر إليها يسألها محتدًا :
- من امتى ، فيلم العذراء والشعر الأبيض دا ، داير من ورا ضهري من امتى ؟ ، انطقي 
شعرت بالذعر الشديد من أبيها ، أشفقت في تلك اللحظة على رعد ، ابتلعت غصتها تهمس بنبرة مرتجفة كقطة ترتجف ذعرًا :
- من بعد اللي عمله مراد ، هو حاول كتير يكلمني ، وكان دايما بيقولي أنه ما يستاهلنيش ، وبدأ واحدة واحدة يدخل لحياتي لحد ما خلاني اتعلقت بيه وحبيته
رأت عيني أبيها تتوسع ذعرا وضع يديه على رأسه يشعر بها ستنفجر ، ابتعد عنها يصيح مصعوقا :
- يعني بقالكوا سنة ، سنة وأنا نايم على ودني ، الكلب القذر ، ورحمة أبوك ما هرحمك
رفع رأسه ينظر إليها لعدة لحظات اقترب منها يمسك بذراعيها بين كفيه يصرخ فيها :
- انطقي ومن غير كذب ، كنتِ بتعملي إيه عنده في البيت ، وروحتيله قبل كدة ، الكلب دا لمسك ولا عملك حاجة
توسعت عينيها ذعرا تحرك رأسها للجانبين تردف باكية :
- والله العظيم دي أول مرة أروحله ، والله ما لمسني ، أرجوك صدقني 
ابتعد عنها حين رآها ترتجف بعنف ، ومريم ليست كچوري مريم حساسة لأبشع حد سيغشى عليها أن صرخ من جديد ، وقف بعيدا يتنفس بعنف يحاول أن يهدأ قدر الإمكان ، أما هي فكانت تنظر إلى أبيها مذعورة ، نظر جاسر إليها يحاول أن يبدو اهدأ يعاتبها :
- عارفة يا مريم نصار دا ، أكتر بني آدم قذر في الدنيا ، تعرفي أن هو عايز بس يموتني بحسرتي عليكوا كلكوا
توسعت عينيها ذهولا تحرك رأسها للجانبين لا تصدق ما يقول ، ليس ذلك ما تراه أمام عينيها والدها يعامل نصار على أنه شقيقه ، ليس فقط صديقه :
- لاء انتوا أصحاب أوي وأنا بشوف دا دايما ، إزاي حضرتك بتقول كدة
تنهد بقوة يمسح وجهه بكف يده ، يحاول أن يهدأ يحادثها بنبرة حزينة تحترق ألما :
- الموضوع أكبر مما تتخيلي ، نصار هدفه الأول والأخير أنه يدمر البيت ، عايز يقتل أخواتك ، وأذى چوري بس ربنا سترها ، ودلوقتي بيدور يأذيكِ أنتِ وأنتِ مش مصدقاني ، أنا حاطط ألف عين حوالين بيت نصار ، عارفة كان شعوري ايه وأنا بسمع بنت حضرتك نازلة من عربية نصار ودخلت بيته وهو فتحلها ، جريت زي المجنون بحاول أوصل بأي شكل قبل ما يأذيكِ ، وبعدين أعرف أنك هربتي من باب البيت اللي ورا ، ليه ترخصي نفسك كدة يا مريم ، عمرك ما كنتِ رخيصة يا بنتي ، أنتِ فاكرة أن حتى لو نصار دا كان شخص كويس ، أنا هوافق انك تدفني شبابك مع راجل بالعمر دا 
لو كان هيقدملي وزنك ألماس مش دهب 
ابتعد عنها يجلس على مقعد بعيد يزيح رابطة عنقه يحاول أن يلتقط أنفاسه ، أما هي فشعرت بأنها صاحبة لقب الغباء الأولى عالميا ، لا تعرف حقا كيف انجرفت خلف مشاعر مزيفة بلهاء ظننا منها أنه حقا يحبها ، نظرت لأبيها تشعر بالندم والاشمئزاز لما فعلت ، اقتربت منه تجلس على المقعد أمامه فاضت الدموع من عينيها تعتذر منه :
- أنا آسفة ، بجد آسفة ، أنا غبية وهو عرف يضحك عليا ، أنا مش هشوفه ومش هسمحله يكلمني تاني خالص ، أرجوك يا بابا سامحني أنا آسفة 
قربها جاسر إليه يحتضنها بقوة يربت على رأسها برفق حين شعر بها تنتحب ، أبعدها عنه قليلا يمسح الدموع عن عينيه تنهد يحادثها 
متعبا :
- مش والله أقولك إيه يا مريم ، أنا مش قادر أسامحك ، والله ما قادر ، بس المهم دلوقتي القذر دا لما يكلمك في أي وقت تقوليله أنك جيتي حكيتلي على كل اللي بينكوا ، وأن أنا مستنيه يجي يتقدملك 
Back
أغمضت مريم عينيها بقوة لتتساقط قطرات دموعها تهمس بحرقة:
- هو لحد دلوقتي مش مسامحني ، ولا أنا عارفة أسامح نفسي ، على نظرة الألم والعتاب اللي شوفتهم في عينيه ، چوري كان عندها حق بابا لما بيزعل من حد كفاية عليه بس بصاته ليه ، هو مش محتاج لا يزعق ولا يضرب ، هو بيخليك حتى مش قادر تبص في عينيه 
تنهد حزينا ، ناقما على ذلك الوغد الذي فرق بينهما ، أبرحه ضربا ولكنه يشعر أنه لم يأخذ بثأره بعد ، مد يده أسفل ذقنها برفق يحرك وجهها إليه ابتسم يحادثها مترفقا : 
- مريم خلاص ، أنا غلطت وأنتِ اتخدعتي والكلب دا هو اللي عمل كل دا عشان يفرقنا عن بعض وفي الآخر ايه ، اتجوزنا وهو اللي خسر ، هنعتبرها صفحة وهنقطعها من دفتر حياتنا خالص ، مريم إحنا لسه بنبدأ حياتنا سوا ، ما تخليش أي حاجة تنكد عليكِ
ومد يده يمسح الدموع عن وجهها يبتسم قبل أن يحادثها عابثا :
- بقولك إيه ، ماما تعبانة أوي وعايزة تشوفك ، ما تيجي نخطف رجلينا نشوف طنط حلم ونطمن عليها ، دي بتحبك أوي زي بنتها بالظبط 
قطبت جبينها قلقة منه ، طلبت منه هاتفه لأنها لا تملك فأعترض بشدة :
- أنتِ هتكلميها في الموبايل ولا ايه ، بقولك بتحبك زي بنتها تقومي تكلميها في الموبايل بس ما كنش العشم 
ضحكت بخفة تحرك رأسها للجانبين :
- لا والله مش هكلمها هشوف حاجة بس
ظنها تود رؤية إن كان يحادث فتيات غيرها ، فأعطاها الهاتف ، رآها تعبث على سطح الشاشة قليلا قبل أن ترفع الهاتف تضعه على أذنها وسمعها تقول ما جعل الدماء تفر من جسده ذعرًا :
- ايوة يا بابا أنا مريم يا حبيبي ، بقولك يا بابا معلش اسأل ماما كدة هي طنط حلم تعبانة ، أصل مراد بيقولي ماما تعبانة أوي وأنا بصراحة تعبانة أوي بس لو تعبانة أوي كدة هنروحلها
هنا وصل صوت جاسر لمراد دون حتى أن يفتحوا مكبر الصوت :
- وأنتِ صدقتييييه ، دي حجة مهروسة من أيام أفلام الأبيض والأسود ، عارف يا مراد الكلب لو قربت من البت هنفخك أنت وأبوك وأخواتك ، قال ماما تعبانة قال ، عشر دقايق والاقيك قدامي حتى لو كنت في الهند 
وأغلق الخط ، تدلى فك مراد ذهولا قبل أن يصيح فيها مذعورا :
- هو أنا مديكِ الموبايل عشان تكلمي أبوكِ ، أنا افتكرتك هتشوفي بكلم بنات غيرك ، وبديكِ الموبايل بكل ثقة ، تقومي تكلمي أبوكِ ، قومي يا أختي اروحك قلل ما أبوك ينفخني 
_________
وقفت سيارة حسين بعد ساعة ويزيد قضاها في التجول في الطرقات يحاول التحدث مع عمار الجالس جواره ، يتحدث ويتحدث ويتحدث والأخير شارد في اللاشيء عينيه كدرة حزينة ، أخيرا توقفت السيارة قام زين من مقعده في الحديقة يتحرك إليهم يتحدث متذمرًا :
- أنتوا روحتوا فين يا عم ، دا أنا هنا بقالي ساعة ونص 
نزل حسين من مكانه يفتح الباب لعمار لينزل الأخير ينظر حوله مرتبكا ، أقترب من زين يهمس بنبرة خفيضة ترتجف :
- زين ، أرجوك أنا عايز أمشي من هنا ، أنا هرجع أسوان وهكلمك دايمًا وهجيلك في أي وقت تحتاجني فيه بس صدقني أنا مش هقدر أعيش هنا ، أرجوك أنا حاسس إن أنا شخص مقرف ، أرجوك قول لباشمهندس عاصم 

- اسمه بابا مش باشمهندس عاصم  يا ولد 
انتفض عمار ينظر خلفه ليرى عاصم يقف على بُعد عدة خطوات منه ، وحسين هناك يقود سيارة عاصم يتوجه بها صوب الجراش ، اقترب عاصم منه يُمسك بكف يده ابتسم في وجهه يقول :
- تعالا أوريك أوضتك ، زين خد حسين وادخلوا المطبخ حضرولنا عشا 
تحرك عاصم يجذب عمار وكأنه يجذب طفل صغير يرفض الذهاب للمدرسة وعليه إجباره ، دخلا إلى البيت ، شعر عمار بالبرد الشديد تحرك خلف عاصم مجبرًا ، صعد به سلم إلى أن وصلا إلى باب غرفة كبير ، فتح عاصم الباب ودخل يُضيء الإنارة ، تحركت عيني عمار ينظر للغرفة أمامها غرفة كبيرة واسعة ألوانها هادئة مريحة دافئة ، بها فراش كبير ومرحاض خاص به ودولاب كبير لا يعرف أبهِ ملابس أم وهناك طاولة مستديرة حولها أريكتين، ومقعد هزاز جوار الشرفة أمام طاولة صغيرة عليها عدة كتب قرأ أحد العنوانين ليفهم أنها كتب تتحدث عن التنمية البشرية وحب الذات ، فابتسم ساخرًا ، انتبه حين جذبه عاصم لداخل الغرفة يُغلق الباب عليهم ومن ثم جذبه جلس وجذبه يجلس أمامه ، استند عاصم بمرفقيه إلى فخذيه يمسح وجهه بكف يده بعنف نظر لوجه ولده امتلئت عينيه بالدموع في لحظة ، غص قلبه يهمس بحرقة :
- أنا آسف ، آسف عشان مافيش في أيدي غير آسف ، آسف عشان أختارتلكوا أم بشعة زي دي ، آسف على اللي أنت شوفته وعيشته ، أبوس إيدك يا عمار سامحني 
أنزل عاصم رأسه يخفي وجهه خلف كفيه يبكي ، مد عمار يديه يمسك بكفي عاصم يزيحهم عن وجهه ، حرك رأسه للجانبين يتحدث سريعا يرتجف صوته :
- ما تعيطش أرجوك ، أنت مالكش ذنب ، أنا مش محملك أي ذنب ، صدقني أنا مش عاوز أعيش هنا بسببي أنا ، أنا أذيت حتى أخويا حسين وچوري ، كنت عارف اللي هيحصل وما حاولتش حتى أمنعه بالعكس دا أنا اتريقت على زين لما عمل كدة ، أنا ....
حرك عاصم رأسه للجانبين يقاطع ما يقول :
- انسى ، انسى كل اللي فات ، حسين مسامحك وأنا مسامحك ، خليك هنا يا إبني معانا ، عشان خاطري ، أول مرة أطلب منك طلب ، حتى لو فترة بسيطة ولو ما ارتحتش هخليك تسافر مش همنعك ، قولت إيه عشان خاطري ما ترفضش 
ابتلع عمار لعابه ، يشد كفيه متوترا ، عاصم يتوسله حرفيا ... كل عضمة ترفض الموافقة ولكنه حرك رأسه يوافق ، رأى كيف ابتسم عاصم سعيدا وكأن موافقته فقط أكسبته جائزة كبيرة ، تحرك من مكانه يفتح دولاب الثياب على مصراعيه يريه ما في داخله يحادثه سعيدًا :
- بص زين هو اللي مختارهم لأنه عارف ذوقك والواد مراد ساعده ، مراد دا مشكلة أنا واثق انكوا هتبقوا دويتوا هايل ، قولي لو مش عاجبك أي حاجة في الأوضة وأنا أغيرها 
أقترب عاصم منه يجلس مجاورًا له ، جذب رأسه يعانقه لمعت الدموع في عينيه ، يعانقه بقوة ، فُتح الباب في اللحظة التالية وسمع ضحكات زين وحسين ، تحدث زين يسخر من شقيقه :
- دا أنت هتبقى زوج ممتاز بالبيض بالبسطرمة دا ، أول مرة أشوف واحد بيعامل البسرمطة معاملة الكفار دا أنت كنت بتعذبها مش بتسويها
دخل حسين يحمل صينية طعام كبيرة وقف أمام زين يرفع حاجبيه يسخر منه :
- شوف مين بيتكلم زين بيه بتاع دراعي واجعني مش هقدر أشيل الصينية ، ما تنشف يلا في ايه 
ابتسم عاصم حين رأى أن عمار يبتسم على ما يحدث بين شقيقه ، حمحم يوجه حديثه إليهما :
- ما تترزي يلا أنت وهو ، هنطفح اللقمة بسببكوا 
 جلس حسين جوار زين أمامهم كل منهما يصدم الآخر بكتفه يتنكفان كالأطفال ، دفع حسين زين وقف يتحدث ساخطا :
- بابا تعالا أقعد جنب الواد الرخم دا ، وأنا هقعد جنب عمار ، وقف عاصم يتبادل الأماكن مع حسين الذي سارع يجلس جوار عمار يلف ذراعه حول كتفيه يقربه منه يغيظ زين :
- أنت اللي أخويا بجد ، مش الحيوان دا ، دوق بقى البيض بالبسطرمة اللي أنا عامله ، عشان عايز اعمله للبت چوري يمكن تقع في حبي بقى
خرج من فم عمار ضحكة خفيفة صغيرة يومأ برأسه أعطاه حسين رغيف من الخبز ونظر إليه متلهفا وهو يأخذ القليل من الطعام يضعه في فمه ، امتعض وجه عمار ولكنه حاول أو يبتسم ابتلع ما في فمه يردف :
- هو حلو ، بس نصيحة ما تدخلش المطبخ تاني ، لو عايز چوري تحبك فعلا
ضحك زين عاليا ينظر لحسين يسخر منه :
- أحسن أحسن ، عاملي فيها الشيف شربيني طول ما أنت واقف ، والنار مسك في الفوطة وكنت هتولع في المطبخ 
بعد قليل من المشاكسات والضحك ، وقف زين فجاءة حمحم يقول بنبرة جادة:
-سيداتي وسادتي من ملعب باليرمو ، مع المعلق والمهندس زين عاصم ، أقر أنا وأعترف ، أن أنا وقعت في الحب ، وقلبي دق دق ، ونويت أخطب الفرتوغرافر اللي سرقت قلبي بدل ما  تصوره ، مرام عمرو ، عشان كدة أنا طالب من المهندس عاصم حسين أنه يكلم والدها عشان نروح نتقدملها وشكرا لحسن الإستماع 
وجلس مكانه من جديد في صمت ينظر إليه الجميع بدهشة ، كان عاصم أول من تحدث يسأله :
- أنت بتتكلم بجد ؟
 ابتسم زين يحرك رأسه بالإيجاب سريعا :
- أيوة والله يا بابا ، أنا بحبها وعاوز أخطبها ونتجوز 
ومن ثم تبدلت نبرته إلى أُخرى قلقة يسأله متوترا :
- ولا حضرتك عندك مانع ؟
ابتسم عاصم يحرك رأسه للجانبين يتحدث سعيدا :
- لاء طبعا دا يوم المُنى لما أخلص منك أنت والجحش اللي قدامي اللي كاتب كتابه بقالي 100 سنة ومراد انتوا التلاتة في ليلة واحدة ، وأخطب رقية لعمار عشان هو بيحبها ومكسوف يقول 
توسعت حدقتي عمار يحرك رأسه للجانبين والده أقر ومهما حاول تغيير فكرته لا يوافق
في منزل جاسر مهران ، اقتربت رؤى من جاسر الذي ينظر من شرفة غرفته صوب الخارج يبدو غاضبا ، اقتربت منه تندس بين أحضانه ؛ ليبتسم يطوقها بذراعيه نزل برأسه يستند إلى كتفها خرجت تنهيدة طويلة من بين شفتيه يهمس غاضبا  :
- الكلب دا قال كلام وحش أوي على مريم يا رؤى ، أنا واثق أنها ما تغلطش ، بس كلامه لسه بيدق في ودني 
رفعت يدها تمسح على رأسه برفق تتحدث تهدئه :
- ممكن تنسى ، خلاص القرف كله خلص ، بسبب الكلب دا عيشنا ليالي في صراعات وعذاب شتمت رعد واتبريت منه ، تعرف يا جاسر ، أنا بجد بشكرك من كل قلبي أنك كنت معرفني أنها خطة بينك وبين رعد ، أنا ما كنتش بجد هستحمل اللي بيحصل بينكوا ، دا أنا كنت موت من القهر والحسرة
رفع جاسر رأسه يكوب وجهه بين كفيها مال يطبع قبلة طويلة على جبينها يهمس :
- ما تقوليش كدة بعد الشر عليكِ ، أنا ماليش في الدنيا غيرك يا رؤى ، أنتِ كل حاجة في حياتي ، أنا من غيرك أغرق ، زي ما كنت غرقان زمان وأنتِ اللي انقذتيني ، أنتِ الجنة بالنسبة لي على الأرض يا رؤى 
تحركت عينيها السوداء على قسمات وجهه وقفت عند عينيه الرمادية تنظر إليها تلألأت الدموع في عينيها قبل أن تهمس سعيدة :
- كنت فاكرة أن بعد السنين دي كلها أنك ما بقتش تحبني ، أو الحب خلص بس كنت غلطانة ، أنا بحبك أوي يا جاسر بحبك أوي 
عانقها بقوة وتمسكت هي بأحضانه للحظات طويلة تغمض عينيها قبل أن تبتعد عنه تغمغم سعيدة :
- كدة رعد ومعاه طرب ويونس هيرجعوا الفيلا صح ، أنا ما شوفتوش غير مرة واحدة وهتجنن وأشوفه تاني ، ونعمله سبوع يا جاسر أنا عارفة انه تقريبا عنده 5 شهور بس
قاطعها حين وضع سبابته برفق على شفتيها يومأ برأسه يوافق :
- اللي تؤمري بيه هيتنقذ ، نعمله سبوع واتنين وعشرة ، ياكش بس ابنك الفالح يعرف يراضي البت ويجيبها أحسن هي مش طيقاه خالص 
في تلك اللحظة سمعوا صوت سيارة تقف في الحديقة ورأى جاسر سيارة أجرة تقف ، شمر عن ساعديه يغمغم حانقا :
- اهلا بمراد ، دا أنا هنفخ ابن أخوكِ 
ونزل لأسفل يهرول سريعا يتوعد للأحمق بالويلات ، حين فتح الباب رأى مراد يمسك بيد مريم يقول حالما :
- ما تجيبي بوسة بقى يا مريومة قبل ما أبوك يفتح ال.....
وصمت وأصفر وجهه حين رأى جاسر يقف أمامه ، مد يده يقبض على تلابيب ثيابه يجذبه للداخل ، ليتحدث مراد مرتعبا :
- أنت واخدني ورايح فين بس يا عمي
جذب جاسر مراد صوب مكتبه التف برأسه إليه يعطيه ابتسامة سوداء يتوعده :
- أبدًا أصل ماما تعبانة شوية وهتموت يا عيني ولازم تيجي تشوفها
توسعت حدقتي مراد ذعرا يستنجد بمن في البيت :
- يالهوووووي ، يا عالم يا ناس النجدة ، هيغت..صبني يالهووووي ، أنتِ يا ولية ياللي اسمك مريم ، حوشي أبوكِ عني ، هيعمل مني فراخ مفرومة يالهووووي، والله يا عمي أنا نيتي أجبلك أحفاد يونسوك مش أكتر
دفعه جاسر لداخل المكتب يغلق الباب بالمفتاح من الداخل ، توسعت حدقتي مراد ذعرا يعود للخلف يردف بنبرة خائفة مضحكة للغاية:
- أنت بتقفل الباب ليه يا معلم قصدي يا عمي
ضحك جاسر ساخرا يشمر عن ساعديه يردف :
- هنرقص دانس يا روح أمك 
______________
جاء الصباح بعد ليلٍ طوويل من المصائب ، فتح عينيه يبحث عنها هنا وهناك ليست جواره ولا يراها في الغرفة ، قام من الفراش ينظر صوب فراش يونس فلم يرى الصغير ، قلق من أن تكن تركته وغادرت فخرج سريعا من الغرفة ولكنه تنفس الصعداء حين رآها تجلس أمامه تلاعب الصغير الذي يضحك سعيدا ، لا يظن أن عينيه رأت ما هو أجمل مما يراه الآن ، ابتسم سعيدا وهو يستمع إلى ضحكات الصغير ، تحرك إليهم مد يده يأخذ الرضيع من بين يديها برفق ضمه إليه مترفقا يشعر بدقات قلبه تهدر بجنون وهو يحمل قطعة صغيرة من قلبه بين يديه ، حرك رأسه ينظر إليها ليراها تتحاشى النظر إليه تبدو غاضبة وللغاية ولا يلومها ، تنهد بقوة يهمس يعتذر منها :
- طرب أنا آسف ، أنا بجد آسف على كل القرف اللي عملته ، أنا ....
لم تدعه يُكمل ما قال بل هبت واقفة ، لأول مرة لم تقاوم دموعها بل تركت لها العنان ، لولا الرضيع لصرخت بعلو صوتها ، ارتعش صوتها تهمس بحرقة :
- آسف على ايه ولا ايه يا رعد ، أنت آذتني فوق مل تتخيل ، أنت فاكر كنت بتعمل فيا ايه ، فاكر كنت بتقولي ايه ، وأنا بس كنت بحاول أحميكِ ، كنت خايفة أقول لمتصدقنيش وكان عندي حق ، حتى لما هربت منك كنت دايما بفكر فيك ، كنت كل ليلة بتمنى أنك تيجي وتلاقيني ، عيشت فترة حملي لوحدي وكنت دايما بتخيلك جنبي ، ولما رجعت لقيتك واحد مختلف تماما ، واحد ما تخيلتش في أسوء كوابيسي إني أشوفه ، وبعد ما قعدت تقولي فرصة واحدة ووافقت لقيتك بشع وجاحد وبتأذي والدك ، اتفزعت وقررت أبعد من غير رجوع ، جيت وخطفت الولد وساومتني بكل ندالة أني أسلمك جسمي عشان ترجعه ليا ، وجاي تقولي سامحيني يا رعد ، أسامحك على ايه ولا إيه 
وانهارت جالسة على المقعد تبكي بحرقة ، أشتاقت له ، كل ذرة بها ترغب في العودة ، عادا عقلها يرفض وبشدة ، أما هو فقام وضع الصغير على حامل مخصص له موضع قريبا منهم وعاد إليها جلست على ركبتيه أمامها يمسك بكفيها بين يديه ، ترك أحد كفيها يرفع وجهها إليه ، تقابلت عينيها مع عينيه قبل أن يهمس منفعلا :
- أنا عارف أني غلطت في حقك ، وغلطت أوي وماليش عين كمان أني أقولك آسف سامحيني ، بس أنا غلطت في حق الدنيا وأولهم في حق نفسي وقلبي ، أنا كنت عامل زي الطفل اللي عايز الكل يراضيه حتى لو غلطان ، طفل عايز يثور ويغضب وبس ، ودا اللي أنا عملته أذيتك وبعد ما اختفيتي أذيت نفسي ، مشيت في طريق عمري ما كنت أتخيل أني أوصل إليه ، روحت ديسكوهات وكبريهات شربت خمرة ولعبت قمار وشربت حشيش ، عملت كل حاجة حرام كنت فاكر أني كدة بنتقم من جاسر مهران ، بس طلعت مغفل أنا ما بنتقمش غير من نفسي ، أنا عملت كل الغلط اللي كان بيلمع في عينيا ، عشان أكتشف أنه ازاز مكسور أول ما تمسكه في ايدك هيصفي دمك ، عارفة أن رجوعك كان نجدة ليا فاكرة اليوم اللي بابا جه وأنتِ زعقتي فيا وخدتي يونس ومشيتي ، فضلت سنة وزيادة غافل وعاصي وجيتي أنتِ في لحظات فوقتيني 
Flash back
اقترب جاسر من رعد يقبض على تلابيب ثيابه يصرخ فيه:
- هو أنت فاكر عشان سيبتلك الحبل شوية تعمل ما بدالك ، إني هسيبك كدة على طول ، أنا سيبتك تجرب وتعيش ولقيتك أول حاجة عملتها ،دورت على الغلط وعملته ، كدة أنت راجل بقى صح 
فما كان من رعد إلا أنه أنتزع نفسه من بين يدي والده عاد عدة خطوات للخلف يلتقط علبة التبغ من فوق الطاولة خلفه ، أشغل سيجارة ينفث دخانها بهدوء نظر لأبيه يبتسك ساخرا :
- ما تبطل بقى ، هو أنت فاكر أن أنا كدة هنهار وأقول إزاي أنا وحش كدة ، إنت اللي عملت كدة واديك بتحصد اللي زرعته ، تقدر تقول ذنبك ربنا بيخلصه منك ، هو أنت فاكر اللي عملته زمان دا هيعدي بسهولة كدة ، فلو سمحت خليك بعيد عن بيتي ومراتي وابني 
زي ما أنا بعيد عنكوا ، شرفت يا جاسر باشا !! ، نتقابل في المناقصة الجاية
وقف جاسر مكانه ، للحظة شعر بأنه وهن وبات هرما ، رعد يطرده خارج منزله ، الوقح كيف يفعل ذلك ، شعوره بالغضب يدفعه بأن يبرحه ضربا حتى لا يفكر حتى في فعل ذلك من جديد ، لا يعرف حتى كيف يتمالك زمام نفسه ، ربما لأنه المخطئ منذ البداية ، ربما لأن ما يحدث الآن بفعل يديه ، ربما لأن رعد عانى منه كثيرا ، الكثير من الاحتمالات منعته من أن يصفعه حتى ، نزر إليه يبتسم في هدوء يحرك رأسه موافقا :
- نتقابل في المناقصة يا رعد باشا 
وتحرك للخارج يجذب الباب خلفه وارتمى رعد إلى المقعد خلفه يدهس سيجارته في الطاولة المجاورة له يشعر بغصة عنيفة تلكم صدره ، رفع كفيه يخفي وجهه خلفهما يتنفس بعمق ، يشعر أنه يتحرك إلى الهاوية يريد تلك اللحظات التي كان يعيش فيها مع أبيه وهما على وفاق ، مر أمام عينيه سريعا ما حدث منذ أن علم بالحقيقة يوم الحفل حتى اللحظة الحالية ، حين رفع وجهه رأى طرب تقف أمامه ترميه بنظرة حادة قبل أن تردف تنهره على ما قال :
- مبسوط لما طردت والدك ، تعرف يا رعد أنا لو بابا كان عايش ما كنش حصلي اي حاجة من اللي حصلتلي دي ، كان زماني لسه طرب هانم المهدي ، أقولك على حاجة والدك لما عرف مكاني فضل يلح عليا عشان ارجع مصر وأنا كنت رافضة وكنت بتحايل عليه ما يقولكش مكاني ، لحد ما في مرة لقيته بيكلمني وبيترجاني اني أرجع ، وبيحكيلي على العك اللي أنت بتعمله ، عشان خاطره رجعت ، رعد أنت مش ملاحظ أن كل اللي بيحبك وبيدور على مصلحتك أنت بتدور ازاي تأذيه ؟! ، أنا رايحة عند ماما عن إذنك
وتوجهت إلى الغرفة من جديد تصفع بابها بعنف وظلت جملتها تتردد في رأسه بعنف ، ظل هكذا إلى أن رآها تخرج تحمل طفلهم الصغير تتحرك صوب الخارج ، أمسك بكف يدها لتنزعه من كفه بعنف ، أعطته نظرة عتاب طويلة تحادثه محتدة :
- لما ترجع رعد اللي أنا عرفته وحبيته ، وتروح تعتذر لوالدك ، أنت عارف مكاني 
وتركته وخرجت من المنزل تصفع الباب عليه وحيدا ، كلمات طرب كشريط تسجيل تدق في أذنه بلا توقف ، نظر لانعكاس صورته في المرآة ليرى مشاهد متتابعة لما كان يفعل ، لكل ذنب فعله وكان سعيدا به ، شعر بالاشمئزاز الشديد من نفسه وهو يرى عرض حي ، عرضه عقله لكل ما فعل ، وقف مكانه يرتجف بعنف وكأنه أدرك في تلك اللحظة ما كان يفعل ، أدرك ما كان يقترف ، تسارعت أنفاسه يشعر بصدره يضيق ، تحرك إلى هاتفه بخطى ثقيلة يبحث بين الأرقام إلى أن وصل لرقمه ، أتصل به وعلى عكس ما توقع أجاب سريعا همس بنبرة مهزوزة ترتجف :
- أنا عاوز أقابلك ، ايوة عارفه هكون هناك
ألتقط مفاتيحه ينزل إلى سيارته ، يتحرك بها صوب وجهته طوال الطريق يمر أمام عينيه كل لحظة مضت ، حين وصل لم يرى أي سيارة تقف خارجا، أوقف سيارته ، ونزل منها توجه إلى الداخل دفع الباب ودخل تحرك إلى أقرب جدار أمامه جلس يستند إلى الجدار يغمض عينيه يشعر بالألم الشديد يطحن عظامه وروحه وجسده ، لحظات وسمع خطوات تلاها صوت أبيه وهو يحادثه قلقا :
- أنت مالك قاعد كدة ليه ، أنت كويس ، قوم معايا طيب ، ما ترد عليا يا رعد فيك ايه يا إبني
فتح رعد عينيه ليرى جاسر الدموع تملأ حدقتيه ، نظر لوجه أبيه ضائعا تائها اهتز صوته بالبكاء يهمس مذعورًا :
- بابا أنا عملت حاجات كتير وحشة أوي ، بابا أنا كل الحاجات اللي كانت بتلمع في عينيا فجاءة انطفت ، بابا أنا كنت عامل زي المسحور ، أنت عندك حق أنا عامل زي العيل الصغير ، بابا أنا أذيتك وأذيت طرب ، وأذيت نفسي ، أنا شربت وسكرت وعملت كل اللي أنت خايف منه عشان انتقم منك ودلوقتي بس اكتشفت أني كنت بنتقم من نفسي ، أنا غبي وساذج و....
- وإنسان يا رعد ، وما فيش إنسان ما بيلغطش المهم أنه يفوق قبل فوات الأوان ، الدنيا ضاعت من غيرك يا رعد والبيت اتفك ، واتقسمنا واتكشفت أنك كنت مسمار الأمان اللي محافظ على البيت مش أنا 
جلس جاسر أرضا أمام ولده ، مد يده يمسح الدموع عن وجهه برفق يبتسم له يقول :
- كل ابن آدم خطاء يا ابني إحنا مش ملايكة ولا هنكون ، أنسى يا رعد اللي حصل وأنا هنساه ، ونرجع كلنا الفيلا وكأن ما فيش حاجة حصلت ولو طرب لسه زعلانة أنا هتدخل وأصالحها
ومن ثم صمت جاسر لعدة لحظات قطب جبنيه وكأنه يفكر قبل أن يقل سريعا:
- ولا استنى ، أنا عندي فكرة ، فاكر لما قولتي مرة ما تخبيش عني أي حاجة ، أنا دلوقتي هحيكلك كل حاجة 
تنهد يأخذ نفسا قويا قطب رعد جبينه قلقا مما سيقول والده قبل أن يردف الأخير :
- هي حكاية طويلة هحكيهالك بالتفصيل بعدين مختصرها ، نصار الراجل اللي أنت شايفه رايح جاي معايا ، دا أكبر عدو لينا هو بس غرضه الوحيد أنه يدمر العيلة كلها ، أنا خدت بالي أن نصار بيتابع أخبارك أول بأول ومبسوط وسعيد أوي بالخلاف اللي بينا ، أنا بقى يا رعد عايزك تكبر الخلاف دا ، عايز اللي يشوفك يقول ما شافش رباية ، أقولك هخليك ترفع عليا قضية حجر 
جعد رعد جبينه متفاجئ مما يسمع ، اعتدل في جلسته حمحم يحاول أن يفهم :
- لاء معلش واحدة واحدة وفهمني عشان أنا مش فاهم أي حاجة خالص 
اومأ جاسر برأسه بهدوء ، يحكي له حكاية معرفته بحازم ، ومعرفته بأمر شادي ولده ومرضه النفسي :
- بس يا سيدي من اول ما روحنا الحفلة وشوفته وأنا واثق أنه ابن حازم سليمان ، وواضح أنه لسه مريض ما اتعالجش ولا حاجة ، وعمال يتدحلب ونفسه طويل ، دا زارع جاسوس عندك في الشركة الراجل اللي اسمه ممدوح ، أنا بقى هلعب معاه لعبته هخليه يحس أنه ملك اللعبة أي حاجة بيفكر بس يعملها هعملهاله أنا ، تعرف أنه كان ناوي يكبر العداوة اللي بينا بأي شكل ، أنا بقى هساعده ، هتساعدني يا رعد
اومأ رعد برأسه موافقا ليبتسم جاسر يعانقه صدمه على رأسه :
- وحشتني يا حيوان ، عارف ياض لو شوفتك ماسك سيجارة هنفخك 
Back
ابتسم رغما عنه تنهد يقول :
- ومن ساعتها وأنا أي حاجة بعملها ، بتبقى بأمر من جاسر باشا شخصيا ، ولما جالي البيت هو وماما لما عرفوا بموضوع قضية الحجر ، كنت هتجنن قبلها وهو بيقولي لما أقع على الأرض اطردني من البيت ،أقوله إزاي أعمل كدة ، قالي اللي أنا أقوله يتنفذ يا حيوان ، فنفذت أيده طارشة الحج والله 
قطبت طرب جبينها تسأله :
- هي مامتك كانت عارفة بالخطة دي 
تنهد يومأ برأسه يردف:
- ايوة بابا قالها ما كنتش هتستحمل ، لدرجة أنه هو قالها أن حتى السنة اللي أنا خربت الدنيا فيها دي تبع الخطة وأن كل اللي بيتقال دا ما حصلش ، ماما حساسة جداا  

سكت ينظر لوجهها حزينا ، مد يده يبسطها على وجنتها برفق تنهد يهمس يترجاها :
- مش أنتِ قولتيلي لما ترجع رعد اللي أنا عرفته وحبيته هرجعلك ، أنا والله هو يا طرب ، أنا آسف آخر فرصة ، ولو عملت أي حاجة اضربيني رصاصة وموتيني ، وأقسملك إني ما كنتش هلمسك غصب عنك ساعة ما خدت يونس ، أنا كنت هنفجر من الحيوان اللي اسمه ظافر اللي لقيته ظهرلي فجاءة دا ، ساكتة ليه يا طرب ردي عليا ، والله العظيم بحبك ، أنا آسف عمري ما هزعلك تاني ، بردوا ساكتة 

ظلت صامتة تنظر لقسمات وجهه خاصة عينيه التي ترجوها أن تسامح صاحبها ، تنهدت تقول فجاءة :
- أنا عاوزة أكل كبدة من اللي الراجل اللي على الكورنيش 

السابعة صباحا ، حين توقف أمام العمارة التي تقطن فيها بصحبة والدها ، عاد بعد غياب طويل ، ربما كان يحتاج وبشدة لذلك الغياب ليدرك أنه فعلا يُحبها يشتاق إليها يرغب فقط في رؤياها ، فجاء ليراها قبل حتى أن يعود لبيته ، صعد السُلم وقف أمام باب شقتها يدق الباب مرة بعد أخرى إلى أن سمع صوت والدها يتحدث من الداخل :
- يا ستار يارب مين اللي بيخبط الصبح كدة
ومن ثم سمع صوتها فابتسم حين قالت هي الأخرى :
- مش عارفة والله يا بابا 
فُتح الباب وتنهد والد زينب بارتياح حين رآه قبل أن يردف مبتسما :
- هو أنت يا شريف ، حمد لله على سلامتك طالت غيبتك ، خش يا ابني 
خطى لداخل شقتهم لتتسع عينيها ذهولا حين رأته ، تشعر بقلبها يدق بعنف يكاد يسمعه من عنف دقاته ، امتلأت عينيها بالدموع اشتاقت له
 لا تصدق أنها تراه مرة أخرى ، دعت كل ليلة أن يعد سالمًا ، خافت من أن يصيبه مكروه كما حدث قبلا ولكن ها هو أمامها سالمًا ينظر إليها بطريقة لم تعهدها منه قبلا ، ودون مقدمات ودون أن تعي ما يحدث اقترب منها يجذبها إلى أحضانه يعانقها بكل شوق ، انتفض جسدها بعنف يكاد قلبها يتوقف من عنف دقاته ، سمعت صوته يهمس لها بشوق شديد :
- وحشتيني أوي يا زينب ، وحشتيني اوي أوي أوي ، أنا لما بعدت عرفت قد إيه أنتِ غالية ومهمة في حياتي ، أنا ما كنتش ببطل تفكير فيكِ كل لحظة ، زينب أنا بحبك ، بحبك أوي

صوت حمحمة غاضبة تأتي من والدها حاوا تجاهلها ولكن الرجل فاض به الكيل تحرك إليه يمسك بذراعه يحادثه حانقا :
- إيه يا شريف اللي أنت بتعمله دا ، أنا عارف أنها مراتك بس عيب أنا واقف احترمني ، دا أنا بقول أنت شاب مؤدب ومحترم
أبتعد شريف عن زينب ينظر لأبيها يبتسم محرجا رفع يده يضعها على رقبته من الخلف يعتذر عما فعل :
- أنا آسف يا عمي ، بس والله من شوقي ليها
بقولك إيه يا عمي أنا واقع من الجوع جاي عليكوا ، عندكوا فطار ولا أنزل أجيب على طول
ابتسم والد زينب في هدوء يربت على كتف شريف :
- لاء عندنا ، أقعد ارتاح من السفر وأنا هحضر الفطار ، زينب خشي أوضتك 
رفع شريف رأسه يتأكد أن حماه قد دخل إلى المطبخ ليتحرك بخفة سريعا يلحق بزينب رآها تقف عند باب غرفتها تضع يدها على قلبها وجهها يكاد يتوهج من الخجل ، أسرع يُمسك بكف يدها يحاصرها بينه وبين الحائط ، شهقت مدهوشة مما فعل ويفعل منذ قدومه ، مد يده يبسطها على وجنتها برفق نظر لعينيها يهمس ملتاعًا :
- وحشتيني يا زينب ، قد ايه كنت مغفل وغبي عشان ما أحسش طول المدة اللي فاتت أن أنا فعلا بحبك ، بحبك بجد 
كاد أن يغشى عليها مما تسمع منه ، توترت تتحرك عينيها هنا وهناك بتوتر شديد حين شعرت به يقترب أكثر أنفاسه تلفح وجهها بشكل ملحوظ يزيدها توترًا ، قبل أن تفتح عينيها على اتساعهما حين قبلها ، لا تصدق ما يحدث ربما تحلم ، كادت أن تسقط أرضا تمسكت بذراعه قبل أن تدفعه بعيدا حين سمعا صوت والدها يقول :
- أنت فين يا شريف ؟
هرعت إلى غرفتها تُغلق الباب في وجهه أما هو فشعر وكأنه مراهق أحمق تم ضبطه بالجرم المشهود ، من حسن حظه أن باب غرفة زينب قريب من المرحاض ، تحرك سريعا إلى المرحاض يفتح بابه كأنه يخرج منه يقول بصوتٍ عالي :
- أنا هنا أهو يا عمي كنت في الحمام 
وتحرك للخارج ، أما هي فجلست خلف باب غرفتها مذهولة تنظر وأمامها عقلها توقف عن إرسال أي إشارة رفعت يدها تضعها على فمها لا تصدق ما حدث توًا 
___________
تأوهت بصوت خفيض رفعت يدها تضعها على رأسها تشعر بالألم الشديد ، وصداع مبرح فتحت عينيها تنظر حولها هنا وهناك لتشهق بعنف حين أبصرت جاسر ينام جوارها يحتضنها بين ذراعيه هبت جالسة بعنف ، حركتها السريعة أيقظته ، نظر لها وابتسم قام يفرك عينيه يغمغم ناعسًا :
- صباح الفل يا حبيبتي ، ايه مالك مخضوضة ليه ؟
توسعت عينيها غضبا واستنكار ، المعتوه يحتاج إلى طبيب نفسي عاجل ، ابتعدت عن الفراش تصرخ في وجهه :
- أنت خاطفني وبتسأل أنا مخضوضة ليه ؟ أنت إزاي تعمل كدة، جاسر لو سمحت بكل هدوء أنا همشي وهرجع لأهلي وياريت ورقة طلاقي توصل لي 
تحركت صوب باب الغرفة تريد فتحه لتجده موصد بالمفتاح من الداخل ، تنهدت بعنف تزفر أنفاسها غاضبة التفت إليه تحادثه محتدة :
- جاسر إحنا مش في فيلم أجنبي واللي أنت بتعمله دا ما ينفعش 
ابتسم في هدوء تحرك صوب النافذة يزيح الستائر عنها لتشهق بعنف حين رأت البحر أمامها مباشرة ، توسعت عينيها تصيح فيه :
- إحنا فين بالظبط ، أنت إزاي تخطفني أصلا ، أنت مجنون صح ، أكيد أنت مش دكتور نفسي أنت مجنون 
ضحك بخفة على ما تقول ، توجه صوب الفراش يرتبه جيدا ، تعرف هوس جاسر الشديد بالنظام خاصة غرفة النوم مقدسة لديه ، انتظرت إلى أن انتهى من ترتيب الفراش لتذهب بكل عنف تلقي الوسائد وتجذب المفرض بكل غيظ ، انتهت تنظر إليه تبتسم متشفية به ، أما هو فابتسم في هدوء وأعاد ترتيب الفراش من جديد ، ومن ثم تحرك إلى دولاب الثياب أخرج له بعض الملابس وتوجه إلى المرحاض ، نظرت بغيظ للفراش لتعيد ما فعلت تُلقي كل ما فوقه تبحث هنا وهناك عن المفتاح ، ولكن لا أثر له ، وقفت مكانها تتنفس بعنف المجنون ستقتله ما أن يخرج من المرحاض ،المهووس عاشق النظافة والنظام ستنتهي منه ، خرج جاسر من المرحاض نظر للفراش ليبتسم كان على أتم ثقة من أنها ستفعل ذلك ، رآها تقترب منه تحاول ضربه !! ، أسرع يُمسك بيديها يلف جسدها ليصبح ظهرها مواجه لصدره ، صرخت تحاول تحرير نفسها منه :
- سيبني يا مجنون ، سيبني أنا بكرهك فاهم بكرهك ، أنت هتعيش في دور الأخرس رد عليا 

ضحك جاسر بخفة يحرك رأسه للجانبين يتحدث ببساطة:
- يا حبيبتي لا أخرس ولا حاجة ، أنا بس واحشني صوتك وعايز أسمعه ومش عايز أسمع معاه أي صوت تاني حتى لو صوتي ، ينفع اللي عملتيه في السرير تاني دي ، بس فداكِ أنا هعدله تاني وتالت وعاشر 
تركها يتحرك صوب الفراش يُعيد ترتيبه في هدوء ، وهو يطلق صفيرا طويلا ، اغتاظت بشدة منه قبضت كفيها قبل أن ترفع يدها اليسرى تحركها بعنف داخل خصلات شعرها المموج ، ضغطت فكيها تحاول أن تهدأ :
- جاسر أنا عايزة أمشي ، أظن حقي ولا إيه
تحرك صوب باب الغرفة يفتح الباب لها يفسح الطريق لتتنفس بعنف تحركت صوب الباب تنظر إليه حذرة ، خرجت من الغرفة تنظر للمكان حولها ، المكان أشبه بكوخ لم يكن لها الفرصة للتعرف عليه تحركت صوب باب الكوخ فتحت بابه ؛ ليُفتح ببساطة رغم أنها ظنت العكس ، خرجت من الكوخ تقف خارجا تنظر حولها مدهوشة تدلى فكها تنظر للفراغ حولها ، أين هي لا تعرف ، ولكن المكان حولها فارغ ، فارغ من كل شيء هي حتى لا تجد سيارته ، الوغد اختطفها في مكان معزول عن الجميع ، لفت رأسها إليه لتراه يقف عند الباب يبتسم لها:
- أنا بحب المكان دا أوي ، رغم أنه معزول وبدائي شوية ، بس أنا بحب الحياة دي ، بليل هنولع نار نتدفى بيها ، هتبقى سهرة لذيذة ، أكيد جعانة يلا يا حبيبي عشان نفطر 
وأولاها ظهره وتحرك للخارج اغتاظت بشدة مما يفعل ، تحركت خلفه تصدمه على ظهره بكل عنف ليرتد عدة خطوات للإمام نظر إليها مذهولا أما هي فصرخت :
- أنت هتمشيني من هنا، يا مجنون أنا مش هقعد هنا دقيقة واحدة كمان ، أنت أكيد سفاح بتيجي هنا تخطف البنات مش كدة
ضحك عاليًا يحرك رأسه يائسا مما تقول ، قبل أن يقرر إخفاتها ، رفعت كتفيه لأعلى يعيطها إبتسامة خبيثة يهمس بنبرة شريرة :
- كشفتي سري ، ومش هسيبك تمشي أبدا 
أصفر وجهها ذعرا ، أما عو فالتفت يعطيها ظهره يضع يده على فمها حتى لا يضحك على مظهرها وهي مرتعبة ، سيتسمع كثيرًا على ما يبدو 
__________
استيقظت صباحًا ، تنزل إلى أسفل توجهت إلى المطبخ أولا لتتسع عينيها ذهولا حين رأت الكثير من الأطباق المتسخة ومنشفة المطبخ محترقة ، والقلاية بها بقايا سوداء متفحمة لشيء لم تعرف ماهيته ، تحركت صوب الخارج لتتسع عينيها ذهولا حين رأت عاصم وزين وحسين ومراد كل منهم ينام على أحد الارائك كالقتلى وأمامهم الكثير من الأطباق المتسخة ، زفرت أنفاسها غاضبة تعيش مع مجتمع من الرجال يكادون يطيحون بعقلها ، نظرت هنا وهناك تبحث عن عمار ، عاصم أخبرها أنه سيأتي معهم ، وأخبرها أيضا بما عنى ذلك الشاب ، تشعر بالأسى الشديد عليه ، خاصة أنها كانت حاضرة واستمتعت إلى ما قال ذلك المجنون المدعو بنصار ، نظرت حولها هنا وهناك تبحث عنه إلى رأته يجلس في الحديقة خارج البيت ينظر للفراغ شاردًا حزينا ، تنهدت تتحرك صوب المطبخ من بين كومة الأطباق المتسخة استطاعت أن تصنع كوبي من الشاي ، فتحت البراد لتجد عدة قطع من الكعك لم يأكلهم التتار الذي تعيش معهم ، وضعت كل ذلك على صينية كبيرة بعض الشيء وخرجت للحديقة حيث عمار ، حين اقتربت منه ورآها هب واقفا ينظر إليها متوترًا :
- أنا آسف ، أنا عارف إن أنا مضايقكوا بس والله باشمهندس عاصم هو 
قاطعته قبل أن يكمل تقول رافضة ما يقول :
- إيه اللي بتقوله دا يا عمار ، دا بيتك مضايقنا إزاي يعني ، أنا قولت نفطر سوا ، واضح أن لسه بدري على ما التتار اللي جوا يصحى 
حاول أن يبتسم فخرجت منه ابتسامة صغيرة متوترة يومأ برأسه عاد يجلس على مقعده ووضعت حلم الصينية أمامهم وجلست في المقعد المقابل له ، صامتة لبضع لحظات قبل أن تقول مبتسمة :
- بس تعرف رغم أنكوا تؤام أنت وزين ، ألا انكوا مش شبه بعض خالص 
ابتسم مجاملا لها ولم يقل شيئا ، تنهدت تبتسم قبل أن تقول من جديد :
- هو أنت خريج كلية ايه صحيح؟ 
رأت وجهه يزداد حزنا قبل أن ترتسم ابتسامة ساخرة على شفتيه يتمتم حزينا :
- طب ، لكن لما تيجي تدوري هتلاقي معايا شهادات لكل الكليات لو عاوزة 
تغاضت عما قال تحادثه بنبرة سعيدة :
- بجد أنت خريج طب يعني إنت دكتور، أنا كان نفسي الواد مراد يدخل طب بس ما رضيش ، بس خلاص بقى في بيتنا  دكتور ، أنت تخصص إيه بقى 
- باطنة 
تمتم بها بنبرة خافتة ، يمر أمام عينيه الفترة التي قضاها في المستشفى حتى يوقع أريج شقيقة جاسر في شباكه ، كم كان وغدا وقتها 
انتبه على صوت خطوات رأى عاصم يقترب منهم يبتسم في وجهه ،وضع يده على كتف عمار يربت عليه برفق يحادثه :
- صباح الخير يا عمار ، نمت كويس؟
اومأ برأسه مرتبكًا ، تنهد عاصم حزينا قبل أن يقول مبتسما :
- الله انتوا بتفطروا من غيري ، مش كنتوا تصحوني بدل ما أنا نايم وسط العاهات دي ، شوفت مراد راجع وصوابع جاسر معلمة على قفاه ، وواخد كام بوكس محترمين 
قامت حلم من مكانها توجهت صوب عاصم تحادثه سعيدة :
- أنت ما قولتليش ليه يا عاصم ، أن عمار دكتور ، دا أنا فرحت أوي لما عرفت
قطب عاصم جبينه هو الآخر لم يكن يعرف على ما يبدو ، جلس على المقعد المجاور له يسأله :
- أنت خريج طب فعلا ؟
ابتلع عمار لعابه متوترًا يومأ برأسه بالإيجاب؛ ليبتسم عاصم يربت على كتفه يتحدث متفاخرا سعيدا :
- دا ايه الهنا اللي أنا فيه دا ، عندي 4 عيال، 2 مهندسين وواحد هيجبلي الضغط على ما يتخرج من الكلية ، ودكتور دا أنا هفتحلك أكبر وأحلى عيادة تشاور عليها ، صحيح عايزك تجهز نفسك عشان أنت الكبير دلوقتي عشان هاخدك أنت وزين ونروح نتقدم لمرام بنت عمرو النهاردة بليل ، بردوا مش عايزني أخطبلك رقية ، هشوف عيالك امتى طيب ، ما فيش ناصفني فيكوا غير الصغير اللي هيشلني ، 
بس مستعد يخلف بكرة 
___________
في شركة جواد بعد الظهر تقريبا ، كان وليد في مكتبه يعمل على تصميم بسيط كلفه به جواد حين سمع حمحة خافتة تأتي من أمامه ، رفع رأسه ليرى رحمة تقف أمامه تُمسك كوب من القهوة ، هب واقفا يتحدث متوترا :
- أنا ما طلبتش قهوة ، وبعدين باشمهندس جواد قال ...
قاطعته قبل أن يُكمل تتحدث بصوت خفيض خجول :
- أنا عارفة ، بس أنا كنت حابة أشكرك على اللي عملته ، شكرا ليك ، واسفة عشان أحرجتك 
وضعت كوب القهوة على المكتب قبل أن تستأذن وتغادر ، عاد يجلس مكانه نظر للكوب يبتسم متوترا ، لأول مرة يشعر بأنه قد فعل شيئا جيدًا ، اختفت ابتسامته تغيم عينيه حزنا عميقا بالأمس فقط تزوجت مريم ، تزوجت ممن تحب ، ليس ذنبها أنه يحبها ، بل ذنبه هو 
الحب لا يُفرض على أحد ، ومريم تحب مراد كثيرا ، تنهد ينظر لكوب القهوة رفعه إلى فمه يرتشف منه القليل قبل أن يعد ليكمل تصميمه 
في تلك الأثناء خارج الشركة توقفت سيارة أجرة ونزلت منها نور ، تحركت بخطى سريعة صوب مكتب جواد ، حاولت مساعدته الجديدة أن توقفها ولكنها دخلت إلى مكتبه تبكي بحرقة ، هب جواد واقفا حين رآها تدخل عليه بتلك الهيئة أقترب منها يسألها مذعورا :
- مالك يا نور ، بتعيطي كدة ليه حصل ايه ؟
ما إن بات قريبا منها ارتمت بين أحضانه تتمسك به تشهق في البكاء ، تتحدث من بين شهقاتها المتتالية :
- أنا مش عايزة أروح الدروس تاني ، أنا مش عاوزة حاجة خالص ، أنا خايفة أوي ، أنا هرجع معاك الفيلا ومش هخرج تاني خالص
ابعدها عنه يمسك بذراعيها نظر لوجهها يسألها قلقا :
- في ايه يا نور حصل ايه يا حبيبتي
رفع يده يمسح الدموع عن وجهها برفق ظل يحاول أن يهدأها إلى أن هدات قليلا فقط وقتها سألها من جديد :
- حصل ايه يا نور ؟
أنزلت رأسها أرضا تقبض كفيها تهمس بحرقة:
- في شلة بنات وولاد بيتريقوا عليا ، وبيقولوا إني شكلي كبير عنهم ، وبيقولوا عني كلام سخيف ووحش أوي ، أنا حاولت اتجاهلهم بس خلاص ما بقتش قادرة استحمل ، في واحد منهم فضل ماشي ورايا لحد البيت يتريق عليا طول الطريق 
غضب بشدة من ذلك الوغد ، هو يعرف أن نور حساسة وضعيفة لن تأخذ بثأرها منهم ، جذبها لأحضانه يعانقها برفق يبسط كفه على رأسها تمسكت به وربما تلك المرة الأولى التي تفعل ، تنهد يحدثها مترفقا :
- عيال قلالات الأدب وأنا هتصرف معاهم ، المهم دلوقتي أنتِ فعلا عايزة ترجعي تعيشي معايا 
ابتعدت عن أحضانه تنظر أرضا قبل أن تومأ برأسها بالإيجاب ابتلعت لعابها تهمس متوترة :
- بس أنا في أوضة لوحدي لو ينفع 
أراد أن يصيح مغتاظا ولكنه وافق على أقل تقدير ستكن قريبة منه يفصلهم باب سيراها في اليوم عدة مرات ، ليس كل عدة أسابيع مرة :
-زي ما تحبي يا نور حاضر 
رفعت رأسها إليه وابتسمت ليحلق قلبه سعيدا من ابتسامة فقط 
________
نزل من سيارته أمام المنزل التي تعيش فيه بصحبة والدتها ، رآها تجلس في الحديقة ، هرع إليها يهرول ، لتقف عن مقعدها تنظر إليه مذهولة قبل أن تغمغم مذهولة :
- يوسف أنت بتمشي !!
ضحك يومأ برأسه يتحدث من بين ضحكاته :
- أصلهم اخترعوا علاج لحالتي في السويد ، فروحت جري اتعالجت وجيت ، وحشتيني يا أحلى ملاك في الدنيا ، بقولك إيه الواد مراد مش أحسن مني ، هو كتب كتابه وأنا هكتب كتابي وأعمل فرحنا بكرة 
كتفت ذراعيها أمامها ترفع حاجبيها تردف ساخرة :
- في السويد بردوا ، أنت كنت بتضحك عليا يا يوسف ، وبعدين جواز إيه مين قالك أصلا أن أنا 
هوافق اتجوزك
توسعت حدقته يخلع السترة التي يرتديها يلقيها على المقعد أمامه يصيح غاضبا :
- لاااا دا أنا أقلعلكوا فيها دي ، قال مش هتجوزك ، خشي ناديلي أمك يا بنتي ، على الطلاق منك لأتجوزك
توسعت حدقتي ملاك مذهولة يوسف جُن على ما يبدو ، كادت أن تقول شيئا حين توقفت سيارة رعد ونزل منها بصحبة طرب ويونس الصغير على يديه ، اقتربت طرب من شقيقتها تعانقها سعيدة ، نظرت ليوسف بجانب عينيها تتحدث بخبث :
- صحيح يا ملوكة جايلك عريس لقطة ، اسمه ظافر ولبناني وزي القمر 
أحمر وجه يوسف غضبا ينظر لشقيقه يصيح فيه :
- ما تشوف مراتك يا أبو يونس ، أقولك هات الواد دا
أخذ الصغير من بين يدي والده يحتضنه برفق يوجه حديثه لطرب يتوعدها :
- ابنك رهينة معايا لحد ما اتجوز أختك ، تعالا يا حبيب عمو يوسف ، أنت هتبقى خليفتي في الحياة 
وأخذ الصغير وركب سيارته وغادر ، صرخت طرب تصيح في رعد :
- الولد يا رعد ، أخوك خده 
ضحك رعد بخفة يحرك رأسه يائسا :
- يعني هو مع حد غريب ، مع عمه يا حبيبتي ما تخافيش يوسف هو اللي مربي اصلا ياسين وسليم هيعرف يتعامل ، يلا روحي سلمي على مامتك عشان نروح ناكل كبدة
وغمزها بطرف عينيه ، ضحكت بخفة تتوجه للداخل قبل أن تدلف للداخل سمعت صوت إحدى الخادمات تصرخ مذعورة :
- كاملا هانم ، كاملا هانم قاطعة النفس ، كاملا هانم ماتت!!

والدتها ماتت بعد أن ابتسمت لها الحياة أخيرا وانتهت كل المشاكل ، وعاد رعد الذي أحبت أعطتها الحياة صفعتها الأخيرة بموت والدتها فجاءة بلا مقدمات ، عشرة أيام مروا كالجحيم لا تعرف حتى كيف تتنفس من شدة الألم ، والدتها ماتت دون أي سبب أو بمعنى أصح ماتت لأنه أجلها قد جاء كما قال رعد ، لم تحضر الجنازة لم تكن موجودة حين أخذوا العزاء ، حبست نفسها في غرفة والدتها رافضة الخروج ، ترفض الحياة ، رعد لا يتوقف عن الدق على باب غرفتها ليل نهار يتوسلها لتخرج يخبرها أن يونس يبكي يريد والدته ، وهي أيضا تبكي تريد والدتها 
تحركت في محيط غرفة والدتها ذهابا وإيابا تحتضن نفسها بذراعيها تكاد تُجن من الألم ، نزفت عينيها الدموع ، تحركت صوب فراش والدتها تقرر أن تنام عليه للمرة الأولي، طوال المدة الماضية كانت تنام على الأريكة تنظر لفراش والدتها الفارغ ، وضعت رأسها على الوسادة بسطت كفها على سطح الفراش ، شعرت بملمس غريب تحت كف يدها ، نظرت لما لمس كفها ، لترى طرف ورقة يظهر من أسفل الوسادة ، اعتدلت تجذب الورقة تفتحها لتبصر رسالة من والدتها كتبت لها فيها
( طرب يا حبيبتي أنا عارفة أنك زعلانة مني ، أنا كمان زعلانة من نفسي أوي ، أنا ما عرفتش أكون أم كويسة لا ليكِ ولا لملاك ، إنتِ كنتي أم لملاك أفضل مني ، أنا بس عيزاكِ تعرفي أن أنا بحبكوا أوي ، أنا اللي قتلت عُدي يا طرب ، أنا عمري ما كنت هسيبه على اللي عمله فيكِ أنتِ بالذات ، طرب أنا بحبك أوي ومش عيزاكِ أبدا تزعلي بالعكس عيزاكِ دايما تفتكريني وأنتِ سعيدة ومبسوطة ، دي وصيتي ليكِ يا طرب خليكِ دايما سعيدة ما تخليش أي حاجة في الدنيا تزعلك ، خلي بالك من يونس واحضنيه ليا كتير ، كل ما تفتكريني احضنيه ، وخلي بالك من ملاك ، إنتِ طول عمرك مخلية بالك منها وأحسن مني ألف مرة ، والأهم من كل دا خلي بالك من نفسك ، واعرفي إني فخورة وسعيدة أوي ببنت زيك يا طرب 
وانتهت رسالة والدتها عانقت الورقة بقوة تُغمض عينيها تنهمر دموعها تجهش في البكاء 
مالت بجسدها إلى الفراش تحتضن الورقة إليها تبكي مغمضة العينين ، من التعب والألم نامت رغما عنها ، في الحلم رأت نفسها تجلس عند ضفة نهر تلامس الماء قدميها بلطف ، شعرت بمن يجلس جوارها فالتفت حولها رأت والدها يجلس على يسارها ووالدتها تجلس على يمينها 
ارتمت بين أحضان والدتها عانقتها وبكت تعاتبها :
- كدة يا ماما ، كدة تسيبني 
شعرت بيدي والدتها تعانقها تمسح على رأسها برفق تحادثها :
- أنتِ قوية يا طرب ، وأنا هفضل دايما معاكِ ، عشان خاطري يا طرب لو بتحبيني ما تقهريش نفسك كدة 
رفعت رأسها تنظر إلى وجه والدتها لتراها تبتسم لها ، حركت رأسها توافق على تقول ؛ لتتوسع ابتسامة والدتها مالت تقبل جبينها تشدد على عناقها قبل أن تشعر بيد والدها يمسح على رأسها برفق يحادثها :
- أنا فخور إني عندي بنت زيك يا طرب
فتحت عينيها فجاءة ، انتهى الحُلم السعيد سريعا ولكنها حين استيقظت كانت على شفتيها ابتسامة كبيرة ، سرعان ما تلاشت شيئا فشيء وبدأت دموعها تتساقط من جديد ، ضمت قدميها إليها تبكي بحرقة جسدها يتحرك للأمام وللخلف ، لم تتوقف عن البكاء إلا حين سمعت بكاء يونس من خارج الغرفة وصوت رعد يطلب منها:
- يا طرب عشان خاطر يونس اخرجي ، يونس مش مبطل عياط أنا خايف يجراله حاجة 
دق قلبها خوفا هرعت تفتح الباب سريعا ، تنظر للصغير الذي أحمر وجهه من شدة البكاء ، مدت يديها سريعا تأخذه إلى أحضانها تعانقه تتذكر جملة والدتها (خلي بالك من يونس واحضنيه ليا كتير ، كل ما تفتكريني احضنيه) 
انخرطت في البكاء وهي تحتضن الصغير بقوة تقبل يديه ووجهه تعتذر منه عن إبتعادها ، اقترب رعد منها ينظر لحالها حزينا ، لف ذراعه حول كتفيها يتحرك بها إلى الفراش يتمتم حزينا :
- اقعدي يا طرب ، هروح اجبلك حاجة تاكليها بسرعة 
وتركها وخرج من الغرفة ، نظرت لوجه الصغير بعد أن هدأ أخيرا لتراه يمص أصابعه جائعا ، قربته من أحضانها ترضعه ، أغمضت عينيها تنهمر دموعها في صمت ، لم تنتبه سوى على يد رعد تمسح على رأسها ، فتحت عينيها له لتراه يقرب شطيرة من فمها يطلب منها راجيا :
- عشان خاطري كُلي 
اهتزت شفتيها بعنف وهي تفتح فمها تقطم قطعة من الشطيرة ، اهتزت حدقتيها بعنف ارتعش صوتها بالكاد سمعه :
- يونس جعان يا رعد ، اللبن اللي عندي قليل أوي مش هيشبعه 
حرك رأسه قام سريعا يحضر للصغير زجاجة الحليب الذي أعدها سلفا ، أخذتها منه تلقمها للصغير الذي بدأ يرضع بنهم ، مسحت على رأسه برفق بأصابعها ، اقتطع رعد قطعة من الشطيرة يضعها في فمها تنهد بارتياح يتنفس الصعداء :
- من الصبح وهو رافض الببرونة ، كنت هتجنن حتى إني طلبت من بابا يشوفله حد يرضعه ، بس الحمد لله الظاهر كان عاوزك أنتِ ، كلنا عاوزينك يا طرب
لم تنطق بحرف وهو لم يتوقف عن إطعامها وهي تطعم الصغير حتى سمعت منه :
- ملاك هتموت من الخوف عليكِ 
لفت رأسها هنا وهناك كأنها تبحث عنها فهم رعد  فأجاب قبل أن تسأل :
- ما تقلقيش عليها هي في البيت مع ماما ، مش سيباها هي ومريم جنبها ال 24 ساعة ، تاخدي تكلميها 
شردت عينيها لعدة لحظات قبل أن تومأ برأسها ، أخرج رعد هاتفه يطلب رقم والدته يطلب منها أن تعطي الهاتف لملاك ، ومن ثم مد يده بالهاتف لطرب وأخذ الصغير النائم من بين ذراعيها يهمس لها :
- أنا هحطه في السرير وراجعلك
تحرك صوب الباب يسحب المفتاح منه ، خوفا من أنه تغلقه من جديد ، وخرج أما هي فوضعت الهاتف على أذنها همست بصوت خفيض يرتجف :
- ملاك 
سمعت صوت بكاء شقيقتها يعلو شيئا فشيئ ونحيبها يزداد ، ومن ثم خرج صوتها تعاتبها :
- كدة يا طرب ، كدة تبعدي عني في أكتر وقت أنا محتاجاكِ فيه ، أنا عارفة أنك زعلانة أوي بس أنا كمان زعلانة وخايفة وكنت عايزة حضنك استخبى فيه 
انهمرت الدموع من عينيها تتمسك بالهاتف بقوة تحاول أن تكتم صوت بكائها قدر المستطاع ، رأت رعد يدخل إلى الغرفة وقف عند الباب يستند بكتفه إلى إطار الباب ينزل لها حزينا ، رفعت يديها تمسح الدموع عن عينيها تعتذر منها :
- أنا آسفة يا ملاك ، حقك عليا يا حبيبتي ، أنا بس كنت تعبانة أوي وكان الوجع المرة دي ، أكبر من كوني أقدر أتحمله ، سامحيني ، أنتِ كويسة
هدأ بكاء شقيقتها قليلا قبل أن تتحدث حزينة على حالها :
 - ايوة ما تقلقيش أنا كويسة طنط رؤى ومريم ويوسف حواليا دايما ، المهم إنتِ ، أنا عارفة أنك بتكرهي حد يشوفك بتبكي ، بس لو بتحبيني خلي بالك من نفسك ، وأرجعي بقى يا طرب أنا عيشت كتير أوي محرومة منك 
أغمضت عينيها بقوة تحرك رأسها بالإيجاب تتحدث تطمأنها :
- حاضر يا حبيبتي ، هرجع قريب خلي بالك من نفسك
وأغلقت معها الخط ألقت الهاتف أمامها لتراه يقترب منها ، جلس أمامها مد يده يمسح الدموع عن وجهها برفق ، اضطربت حدقتيها بعنف قبل أن ترتمي بين أحضانه تتشبث به كما الغريق بالقشة الأخيرة له في الحياة ، احتواها بين ذراعيه يربت على رأسها يهمس يواسيها :
- اهدي يا طرب ، اهدي يا حبيبتي ، ربنا يرحمها
أنتِ كدة بتزعليها ، وبتقهري قلبي عليكِ ، عشان خاطري طب عشان خاطر يونس ما تعمليش في نفسك كدا ، أنا بحبك والله بحبك أوي وهفضل طول العمر جنبك ، اعتبريني ماما يا ستي 
أغمضت عينيها بعد نوبة بكاء طويلة أرهقتها مالت برأسها إلى صدره تود النوم فقط ، لم تكن تعلم كم الساعة ولكن الشمس لا تزال ساطعة ، ولكنها في الآن ذاته مرهقة لحد كبير ، شعرت به يتسطح إلى الفراش يضمها إليه يعانقها يمسح بيده على شعرها برفق 
_____________
خرجت من جامعتها تبتسم كبلهاء لاتزال تتذكر قبلة شريف وهمسه لها بأنها اشتاقها ، طوال الأيام الماضية كانت تتجنب لقاءه بأي شكل كان ولكن اليوم بدأت الامتحانات وعليها أن تنزل إلى الجامعة ، الإمتحان لم يكن بالصعب بداية مبشرة ، انتبهت حين توقفت سيارة شريف فجاءة أمامها ورأته يمد يده يفتح لها الباب المجاور له ، ورأت على شفتيه ابتسامة كبيرة للغاية يتحدث سعيدا :
- أخيرا شوفتك بقالي 10 أيام بلف حوالين نفسي عشان أشوفك ، وأخيرا شوفتك ، اركبي يا زينب لو سمحتي 
تنهدت متوترة لاتزال غاضبة مما قال ، لم تسامحه بعد ، أراد أن تغادر حين سمعته يقول :
- لو مشيتي وسيبتيني يا زينب هصوت وأقول يا عالم يا نااس البت دي سرقت قلبي وهريت والله أعملها
وقفت مكانها تنظر إليه مدهوشة تفغر فاهها ، حين رأته يمد يده يود فتح الباب المجاور له دخلت سريعا إلى السيارة ابتسم سعيدا يُغلق الباب يتحرك مسرعا ، شهقت من سرعة السيارة المفاجئة ، لفت رأسها إليها تصيح فيه مذعورة:
- أنت اتجننت يا شريف ، هدي السرعة شوية هنعمل حادثة 
ضحك يخفف من سرعة السيارة ، تنفست الصعداء قبل أن تحبس أنفاسها تماما حين رأته يوقف السيارة جانبا ، تشتت حدقتيها تنظر إليه متوترة قلقة أما هو فابتسم سعيدًا حين لف رأسه لها ومد يده يمسك كفيها بين يديه تتحرك عينيه على وجهها :
- وحشتيني أوي يا زينب ، بجد أنتِ مش متخيلة أنتِ وحشاني إزاي ، صورتك حرفيا ما كانتش بتتشال من قدام عيني ، كنت عامل بالظبط زي العطشان ، وعايز بس أشوفك عشان أروي عطشي ، زينب أنا عارف أني زعلتك كتير ، وضايقتك بكلامي ، بس عارفة وأنا مسافر وعارف أنك زعلانة كنت متضايق أوي ، كنت متضايق أنك ما رضتيش تسمعيني وقفلتي الباب ، كنت متضايق من نفسي مش منك صدقيني ، أنا ما كنتش أعرف أن أنا بحبك أوي كدة 
لم تتحمل أكثر تشعر بأنفاسها تُزهق من شدة الخجل ، يديها التي بين يديه باردة ترتجف ، لا تصدق أن الرجل الوحيد الذي أحبت نفس المشاعر وأقوى ، أما شريف فاستغل تشتتها الظاهر ووجها الذي كاد ينصهر خجلا وقربها من فجاءة يقبلها ، توسعت حدقتيها أثر ما فعل ، تدفعه بعيدا عنها تصيح فيه خجلا:
- على فكرة بقى أنا هقول لبابا على اللي أنت عملته دا 
ضحك عاليا يومأ برأسه موافقا يؤيد ما تقول :
- ياريت والله ، وقوليله شريف بيقولك إحنا فرحنا بعد الامتحانات ، ولا أقولك تعالي أنا هوصلك وأقوله يا حمايا العزيز ، علي الطلاق لو ما جوزتني بنتك لأخطفها ومش هرجعها غير وهي معاها عيلين وحامل
شهقت مصعوقة أثر ما تسمع منه ، نظرت له بأعين جاحظة تتمتم مستنكرة ما تسمع منه :
- ايه اللي أنت بتقوله دا يا شريف إنت اتجننت ، إنت كنت مؤدب عن كدة بكتير
ضحك عاليا يدير محرك السيارة نظر لها من الجانب يغمزها بطرف عينيه يتمتم بنبرة خبيثة :
- يا حبيبي دا أنا مؤدب أدب 
___________
في شركة عاصم 
تحديدا في مكتب حسين ، وقف زين عند باب مكتب شقيقه ينظر لها من أعلى لأسفل بإشمئزاز وهو يجلس ملاصقا لچوري يحاول إطعامها بطريقة مبتذلة للغاية :
- عشان خاطري يا حبيبي ، طب لقمة واحدة بس ، عمتي بتقول أنك أكلتلك ضعفت خالص ، وإحنا لولا الظروف اللي حصلت عند أخوكِ كان زمانا متجوزين ، خلاص الشقة تمام وكل حاجة تمام
امتعضت قسمات وجه زين يتحدث متقززا :
- هرجع 
- وأنا كمان ملزق أوي
نظر زين جواره ليرى أبيه يقف مجاورًا له نظر إليه يسخر من حسين :
- اللي عامل فيها كتكوت حنين دا ، ما تسمعوش وهو بيزعق في الموقع ولا أكيد سمعته ما أنت اشتعلت معاه ، ساعتها بيبقى بالع تور 
- يا جماعة أنتوا بتقطعوا في فروتي قدامي 
تحدث حسين بنبرة قوية ، جعلت زين ينظر إليه يرفع حاجبيه يسخر منه :
- ايه الصوت دا ، اومال فين الصوت الشتوي الناعم 
ضحكت چوري أثر ما يقال ، فنظر حسين لها وابتسم سعيدا ، مما جعل عاصم يضرب كفا فوق آخر يردف يائسا :
- الواد حالته متأخرة أوي ، قومي يا بنتي من جنبه ، أنا خايف عليكِ والله 
أمسك حسين بيد چوري يمنعها من الابتعاد يصيح فيه :
- ايه يا جماعة ما تخليكوا محضر خير وبعدين تبعد تروح فين ، أنا وهي أصلا خارجين ، رايحين نشوف الستاير 
قام حسين وهو ممسك بيد چوري يتحرك للخارج ، أمسك عاصم بذراعه يمنعه من المغادرة رفعه حاجبه الأيسر اقترب من أذنه يهمس يسخر منه :
- ستاير ايه ياض أنت هتصيع ، ما الشقة متسلمة جاهزة من كله 
ضحك حسين قبل أن يقترب من أذن أبيه يهمس بنبرة خبيثة :
- ستاير أوضة النوم 
توسعت حدقتي عاصم ذهولا ، كاد أن يصرخ فيه حين أمسك حسين بيد چوري وغادر سريعا ، هنا أقترب زين من عاصم يسأله :
- ستاير ايه يا بابا 
لف عاصم رأسه صوب زين يتمتم :
- أخواتك الاتنين حالفين يتضربوا من جاسر ، صحيح شوفلي عمار فين ؟
تحرك زين يبتعد عن أبيه يُمسك هاتفه كاد أن يطلب رقم زين حين رآه يدخل من الباب ابتسم يرفع يده يلوح له ، أقترب عمار منهم يزيح نظارته من فوق عينيه يوجه حديثه  لزين :
-أنا شوفت حسين برة وكان بيشد چوري وكان شكله مستعجل أوي ، هو في مشكلة ولا إيه ؟
ضحك زين بخفة يحرك رأسه للجانبين ، خرج عاصم ابتسم ما أن رأى عمار أقترب منهم يوجه حديثه إليه :
- كويس انك ما اتأخرتش عايزك تيجي معايا في حد مهم هنروح نجيب من المطار والطيارة على وصول ، وأنت يا زين روح اجهز عشان بليل  هنروح نخطبلك مرام 
ابتسم زين يصفق سعيدا قبل أن يعانق عمار بقوة ويفر من أمامها ، أمسك عاصم بيد عمار يحادثه باسما :
- يلا عشان ما نتأخرش وأعمل حسابك أنت اللي هتسوق 
_____________
أخبرته والدته أنها عادت من حصة درسها ودخلت غرفتها ، فخرج من عمله مقررا العودة ، لا يصدق أنها معه تحت سقف واحد وهو من يتجنب رؤياها ، خوفا من أن تتضايق منه ، أو من أن تغلبه عاطفته وشوقه إليها ، نزل من سيارته يتوجه إلى الباب فتحه وظن كالعادة أنها ستكون في غرفتها و لكنه تفاجئ حين رأى والدته تُمسك بيدها تنزل بصحبتها تحادثها وهي تبتسم :
- أخيرا وافقتي تخرجي من أوضتك أنا مش فاهمة أنتِ ليه دايما شايفة نفسك غريبة أنتِ مرات جواد يعني واحدة من العيلة يا حبيبتي 
 شعر جواد بسعادة غامرة أثر ما سمع من والدته ، هنا فتح الباب ودخل يلقي عليهم التحية ، ابتسمت والدته وقامت تعانقه :
- وحشتيني يا جواد
ومن ثم اقتربت من أذنه تهمس له خفية :
- اديني خرجتها من الأوضة أهو عشان تعرف تشوفها ، بدل ما بتبص عليها وهي بتذاكر من خرم الباب زي الحرامية 
أصفر وجهه شعر بالحرج الشديد لأن هناك من يراه وهو في حالته البائسة تلك يحاول رؤياها 
انتبه حين ابتعدت والدته عنه وتحدثت وهي تبتسم :
- كويس أنك جيت ، أقعد مع نور وأنا هجبلكوا الغدا ، ونتغدى كلنا سوا 
دون كلمة أخرى كان يجلس على المقعد المجاور للاريكة التي تجلس عليها ينظر إليها يبتسم كمراهق عاشق رأى معشوقته أخيرا ، حاول رؤية وجهها ولكنها كانت تنظر أرضا إلى كفيها تنهد يتحدث مشتاقا :
- وحشتيني أوي يا نور ، طب ارفعي وشك وبصيلي طيب ، معقول أنا ما وحشتكيش ، معقول لسه زعلانة مني يا نور 
حركت رأسها للجانبين بحركة سريعة جعلته يبتسم ، قام يجلس جوارها مد يده يُمسك بكف يدها ، فتوترت رفعت
وجهها إليه ، اضطربت حدقتيها خجلا وأحمر خديها ، بسط كفه على خدها برفق تنهد بقوة يهمس بنبرة تقطر عشقا :
- لو تعرفي أنا بحبك قد إيه ، لو بس تشوفي كمية الحب اللي في قلبي ليكِ ، عمرك أبدا ما هتبعدي عني بعدها ، أنا بحاول ابقى بعيد عنك عشان ما يغلبنيش شوقي ليكِ ، وتفتكري كالعادة إني عاوز استغلك ، والله يا نور أنا بحبك ويوجع قلبي أوي أنك دايما ظنك بيا وحش أوي كدة
شعرت بقلبها ينتفض بين أضلعها يلامسه صدق كلماته ، كادت أن تقول شيئا حين دخلت مرام فجاءة تصيح سعيدة :
- يا أهل الدار ، الباشمهندس زين عاصم جاي يغير لقبي من الآنسة مرام عمرو ، لحرم المهندس زين عاصم ، بابا اتصل بيا وبيقولي أنه عمو عاصم كلمه أنه بيستأذن يجي بليل عشان يطلبوا أيدي لزين 
ضحك جواد عاليا قام من مكانه يضرب كفا فوق آخر اقترب من شقيقته ليصفعها بخفة على رقبتها من الخلف يتهكم منها :
- ما فيش بنص جنية حياء ، بربع جنية خجل ، اقرصي خدودك حتى يحمروا يمكن نصدق أنك مكسوفة ، ربنا يكون في عونه زين والله
ضحكت مرام قبل أن تدفعه من أمامها تتحدث ضاحكة :
- اوعى يا عم أنا لسه هحط ميكب والبس 
ما كادت تتحرك أمسك جواد بكف يدها أقترب من أذنها يهمس:
- خليكِ جدعة كدة وخدي نور معاكِ وحاولي تخليها تفك ، وحطيلها ميكب وشوفي لو  تحب أي فستان أروح أجبهولها دلوقتي 
ابتسمت مرام تومأ برأسها موافقة ، تحركت صوب نور أمسكت بكف يدها تشدها دون مقدمات تجذبها معها لأعلى تصيح فيها سعيدة :
- يلا يا بنتي قدامنا شغل قد كدة 
ابتسم جواد سعيدا حين رأى ابتسامة ترتسم على شفتي نور وهي تصعد مع مرام ، يتنهد حزينا لو تعلم فقط كم يحبها 
_____________
أمام مطار القاهرة الدولي توقفت سيارة عاصم ، طلب من عمار أن يخرج من السيارة وينتظره بالخارج ففعل دون اعتراض أو أسئلة ، وقف جوار السيارة ينظر أرضا يركل حصى صغيرة رآها تحت قدميه مر بعض الوقت حين رفع رأسه يبحث عن أبيه رآه يخرج ، توسعت حدقتيه حين رأى محسن ومعه زوجته ورقية يخرجون بصحبته ، ابتسم لمحسن ما أن رآه ، تحرك إليه يعانقه بقوة يتمتم سعيدا :
- وحشتني أوي 
ابتسم محسن يربت على رأسه برفق يحادثه باسما :
- وأنت كمان يا عمار ، ما شاء الله شكلك أحسن كتير ، واضح أن عاصم واخد باله منك كويس 
ابتسم عمار ينظر لأبيه ، اختطف نظرة سريعة صوب رقية لاحظها أبيه جيدا ، عاد عمار ينظر لمحسن يسأله :
- هو أنتوا خلاص هترجعوا تعيشيوا هنا ، ولا جاي زيارة
ابتسم محسن يردف :
- لا يا ابني ، أبوك بصراحة اقنعني إني أرجع القاهرة تاني ، وأنا عشان خاطرك وعشان ابقى قريب منك رجعت ، إنت في غلاوة ابني يا عمار ، ربنا يعلم بحبك قد إيه 
ابتسم عمار ينظر لأبيه ممتنا قبل أن يعاود النظر لمحسن :
- طب اتفضلوا أنا فاكر العنوان كويس هوصلكوا 
تحركوا جميعا إلى السيارة جلس عاصم جوار عمار ، وجلس محسن وزوجته وابنته بالخلف ، مال عاصم على أُذن عمار يهمس له :
- شوفتك وأنت بتبصلها ، أنا قولت يجيوا القاهرة عشان تبقى قريبة ، في أي وقت تقولي يلا يا بابا أنا جاهز أخطب دلوقتي 
ابتسم عمار يحرك رأسه يائسا ، يفكر جديا في أن يذهب لخطبة رقية ليتوقف فقط والده عما يقول ، مد يده يضبط المرآة الأمامية فالتقت عينيه بعينيها للحظة واحدة جعلتها تتوتر وتبتعد بعينيها سريعا وفعل المثل و لكنه سمع أبيه يدندن بصوت خفيض :
- غريب الحب مين فاهمه
____________
في أحد المتاجر توقف حسين ومعه چوري أمام ستارة من اللون البني الفاتح ، أشار حسين إليها يردف :
- أنا شايف أنها مناسبة جداا ولاقية مع الأوضة 
زمت چوري شفتيها تفكر ، حين سمعوا من خلفهم صوت فتاة تتحدث :
- حضرتك عندك زوق راقي فعلا الستارة دي جميلة جداا ، وبتليق مع معظم الديكورات 
ابتسم حسين في هدوء يومأ برأسه يشكرها :
- متشكر
عقدت چوري ذراعيها تنظر لها ثم له قبل أن تتحدث ساخرة :
- لا بجد ، مين طلب رأيك أصلا ، مش في نجفة واقفة جنبه ولا مش مالية عينك أقولك مش حلوة الستارة ، الستاير كلها مش حلوة ، أقولك مش شاريين من هنا أصلا 
مدت يدها تُمسك بيد حسين تتحرك للخارج تبدو غاضبة ، ما أن باتا في السيارة انفجرت فيه :
- متشكر وبتبتسم أوي ، ايه عجبتك أوي 
ضحك حسين يضرب كفا فوق آخر يائسا مما تفعل :
- والله انك مجنونة ، يا بنتي واحدة بتقولك ذوقك حلو فبقولها شكرا ما عملتش جريمة
- ما تقولهاش اصلا وما تبتسمش ليها
صاحت چوري غاضبة ، مما جعل حسيت يتضايق اختفت ابتسامته يتحدث بنبرة حادة :
- چوري هدي الرتم ، صوتك علي أوي ، أنا آه بحبك بس ما تعليش صوتك عليا ، أنا كنت واخدها هزار وغيرانة بس خلاص زاد عن حده  أوي
تضايقت هي الأخرى تشيح بوجهها صوب النافذة ، وتحرك بالسيارة انتظرت طوال الطريق أن يلتفت ويراضيها ولكن الوغد لم يفعل 
_______________
عشرة أيام مرت وهي في الكوخ ، عشرة أيام من الجحيم ، فهمت لما اختطفها حتى يتخلص جسدها من إدمانه الذي كان هو السبب فيه ، الأيام مرت جحيما ، ارتفعت حرارتها عدة مرات ، شعرت بجسدها خامل تارة ويؤلمها تارة أخرى ولكنه كان جوارها في كل لحظة يساعدها في فعل كل شيء ، صرخت في وجهه كثيرا وسبته أكثر ، وضربته أكثر وأكثر و لكنه لم يعترض ،ولا حق له في ذلك بعد ما فعل 
استيقظت صباحا تشعر بألم في معدتها ورغبة ملحة في الغثيان ، هرعت إلى المرحاض تتقيأ بكل قوتها حين رأته يدخل إلى الغرفة يهرع إليها يُمسك بجسدها بقوة خوفا من أن تسقط ، فلفت رأسها تصرخ فيه :
- ابعد عني مش طايقة ريحتك 
تشبث بها رافضا الابتعاد فزاغت عينيها وفقدت الوعي ، حين بدأت تفتح عينيها رأت جاسر يقف جوار الفراش ومن خلفه المكان غريب لا تعرفه ورأت رجل غريب يقف أمامه وسمعته يقول :
- جاسر إحنا لازم نعمل فحوصات كتير خوفا من أن يكون الجنين اتأذي أو أصابه تشوهات لأنها حملت فيه في فترة ما كانت بتاخد الحبوب دي ، وعليه هنضطر ساعتها أننا نجهضه !!

تعليقات



×