رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الاربعون
في غرفة زين في المستشفى يضجع زين على فراشه ، يجلس أمامه عاصم وجواره عمار يجلس صامتا لا يشارك سوى ببضع كلمات بسيطة وابتسامة باهتة ترتسم على شفتيه كلما وجه زين حديثه إليه ، لاحظ عاصم شرود عمار ليلف ذراعه حول كتفيه ؛ لينتفض عمار يبتعد عنه يصفر وجهه أما عاصم فسأله قلقًا :
- مالك يا عمار وشك أصفر وساكت وسرحان
حرك رأسه للجانبين ينظر لأسفل صامتا لعدة لحظات قبل أن يهمس متوترًا :
- أنا كويس
تنهد عاصم ينظر لولده يائسا ، يبدو أن عمار لن يتقبل وجوده أبدا ، دُق الباب ودخل محسن يبحث عن عمار ؛ ليقوم عمار يتحرك إليه يسأله :
- مالك يا عم محسن ، شكلك قلقان ليه كدة ، حصل حاجة ؟
اومأ محسن برأسه يحادثه قلقا خائفا :
- رقية لسه ما رجعتش لحد دلوقتي وبكلمها موبايلها مقفول ، وأنا على طول بنسى عنوان الفندق اللي هي شغالة فيه ، إنت عارف ، فاكر العنوان
اومأ عمار برأسه بالإيجاب ، مد يده يربت على كتف الرجل يبتسم في وجهه يحادثه :
- ايوة عارفه يا عم محسن ، خليك وأنا هروح أشوفها ، ولما أوصل هتصل اطمنك عليها من هناك
حرك الرجل رأسه موافقا سريعا ، وتحرك عمار إلى خارج المستشفى متوجها إلى الفندق القريب منهم ، أخذ سيارة أجرة عشرة دقائق تقريبا ووصل لهناك ، حاسب السائق ودخل إلى الفندق ، لمحها تقف في الحديقة قبل أن يكمل طريقه لداخل الفندق ، توجه إليها ما أن بات بالقرب منها بادر يقول :
- أنتِ هنا يا رقية، موبايلك مقفول وعم محسن قلقان عليكِ جدا ، والوقت أتأخر ، ثواني هكلمه
حين ألتقط هاتفه من جيب سرواله وشرع يتصل برقم محسن ، لاحظ شرود عينيها ووجها الشاحب ، أنزل هاتفه يقطب جبينه يسألها :
- مالك يا رقية ، إنتِ كويسة ؟
لفت رأسها له ، نظرت إليه وأطالت النظر لم تكن تراه على الأغلب ، عينيها شاردة مشوشة بداخلها يعتمر الكثير من الألم وكأنها قنبلة تنتظر من يشد فتيلها ، لم تصرخ وتنهار فقط جرت الدموع تُغرق وجهها في لحظة وكأن نهر النيل فاض هنا ، تكلمت دون صراخ ولكن نبرة الألم في صوتها كانت وكأنها تصرخ وتتعذب بشدة:
- هي ليه الدنيا فيها ناس مؤذية أوي كدة ، هيستفيدوا ايه من أذية وعذاب غيرهم ، هو أحنا موجودين في الدنيا عشان نتفنن في أذية بعض ، أنا شوفت العذاب ألوان على أيد مريض مجنون ضحك عليا وعلى الكل خلاني حبيته واتجوزته ، عشان أشوف بسببه كل ألوان العذاب ، بقيت عايشة زي الميتة من الخوف ، ربنا لطف بيا لما مات ، عيشت بعدها شهور مرعوبة ومش مصدقة أنه مات ، بخاف اتنفس مش بس أتحرك أحسن يظهر تاني ، لحد ما ظهر البطل المنقذ هو اللي ساعدني وعرفت أخرج من الضلمة اللي كنت فيها ووقفت على رجليا تاني ، زي ما هو قال مشاعري اتعلقت بأول واحد عاملني كأنثى واحترم كياني بعد كل اللي شوفته ، بس حتى هو طلع مؤذي ، ليه هو كمان يطلع مؤذي أوي كدة
نظر عمار لها مشفقا ، دقات قلبه تتسارع يشعر بالبرد يغزو كيانه ، يبدو أن رقية عانت الكثير من مريض نفسي يشبه نصار ويشبهه للأسف ، ولكنه ظن أن حديثها عن جاسر بسبب ما فعله مع زين ، ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيه ابتلع لعابه يتمتم :
- في ناس بتأذي من كتر ما اتعرضت للأذى ، أو بتأذي خوف من أنها تتعرض للأذى لو ما أذتش ، أنا أعرف واحد عاش سنين عمره من ساعة ما كان طفل مع مريض نفسي شبه الحيوان اللي مات ، وراله العذاب سنين طويلة مش يوم ولا شهر ولا سنة ، ولما كبر بقى لازم يأذي عشان ما يتأذيش ، لما تشوفيه من بعيد تفتكريه القوي الجامد المؤذي اللي ما بيخافش ، لو قربتي خطوة واحدة هتلاقيه عيل صغير خايف يرجع يتأذي تاني ، بس عارفة اللي اتعلمته من عم محسن ، أن الدنيا دايما بتدي فرصة تانية ، زي ما ادتك فرصة تانية تبعدي عن أذى المؤذي وتبدأي من جديد وأفضل كمان ، أدتني فرصة تانية وأنا ما استاهلهاش صدقيني ، ما توقفيش حياتك عند صورة البطل المنقذ ، اعتبريه محطة وعدت ما حدش عارف أبعاد الصورة يا رقية ، وعلى رأى عم محسن ما حدش عارف الخير فين ، يا نهار أبيض صحيح عم محسن
رفع هاتفه سريعا يطلب رقم محسن يطمأنه على رقية ، أعطى الهاتف لرقية ووقف يشاهدها وهي تحادث أبيها تطمأنه أنها بخير إلى أن انتهت ، أعطته الهاتف تنهد متعبا يردف :
- يلا عشان تروحي ، تعرفي يا رقية أنا بحسدك عشان اتربيتي مع أب زي عم محسن ، تحبي نركب تاكسي ولا عاوزة تتمشي
التقطتت حقيبتها الملقاة على مقعد جوارها ومن ثم نظرت إليه تنهدت تهمس متعبة :
- لاء أنا عاوزة أمشي
اومأ برأسه وتحرك جوارها صامتا ينظر أرضا يركل الحصا الصغيرة أمامه يبتسم كلما ابتعدت الحصى أكثر ، نظرت إليه من جانب عينيها مستنكرة ما يفعل ، هل يظن نفسه طفلا ؟! تنهدت تنظر أمامها لترى حصى صغيرة أمامها ببضع خطوات حمحمت خفية ؛ لتركلها بطرف حذائها دون أن يراها ، ارتسمت ابتسامة باهتة
على شفتيها حين ابتعدت الحصى ؛ لتسمعه يقول بجدية مبالغ فيها :
- الطوبة بتاعتي بعدت أكتر على فكرة
ضيقت عينيها مغتاظة كادت أن تقول شيئا حين أشار فجاءة إلى بائع على جانب الطريق يتحدث متلهفا :
- استني بتاع درة مشوي ، زين بيحبه أوي
وتحرك إليه مسرعا يبتاع الكثير لأجل زين ، وتذكر قبل أن يعطي للرجل نقوده أنها تسير بصحبته فجلب لها واحدًا ، التفت لها يعطيها إياه ، أخذته دون جدال وتحركت تسير جواره نظرت إليه ولم تستطع سوى أن تقول :
-أنت بتحب أخوك أوي ربنا يخليه ليك ، تعرف كان نفسي يبقى عندي أخ يخاف عليا كدة
اومأ برأسه ، ابتسم ما أن ذُكر اسمه يتحدث عنه سعيدا مبتهجا وهي نادرًا ما تراه سعيدا :
- زين دا كل حاجة ليا في الدنيا ، إحنا الاتنين تؤام بس مش شبه بعض ، لا في الشكل ولا في الطباع ، هو طيب أوي وجدع وحنين ، هو كل حاجة ليا في الدنيا ، لما كنت بغيب وبختفي ببقى عارف يا عيني أنه عمال يدور عليا ، تعرفي أنا لما اضربت بالرصاص كنت خايف من الموت ، وكنت خايف على زين أوي ،خايف للكلب دا يأذيه بعد موتي ، خايف من الزعل عليا يحصله حاجة ، أنا صحيح الدنيا قضت على كل حاجة حلوة في حياتي ، بس سابتلي زين وأنا مش هسمح لأي حد في الدنيا أنه يأذيه
وقفت تنظر لعمار وكأنها تراه للمرة الأولى ، يبدو أنها كان يجب أن تتعرف على الشاب الذي اقتحم حياتهم فجاءة منذ أكثر من عام أكثر من ذلك ، ربما ما كانت رأت في جاسر البطل المنقذ تحرك عمار يسبقها لعدة خطوات نظر جواره ليقطب جبينه مستنكرا حين لم يرها ، وقف والتفت ليراها تقف هناك تبعد عنه عدة خطوات ؛ ليقول سريعا :
- يلا يا رقية الوقت أتأخر ووالدك قلقان عليكِ جداا
تحركت تكمل طريقها معه إلى حيث المستشفى ، أبصرت أبيها الذي هرع إليها ما أن رآها يحتضنها يعاتبها قلقا :
- كدة يا رقية ، نشفتي دمي ، اكتبيلي عنوان الفندق دا في ورقة دلوقتي ورقم أي حد فيه ، طالما بتقفلي موبايلك ولا كأن ليكِ أهل هيموتوا من القلق عليكِ
في بضع كلمات أدركت رقية لما قال عمار أنه يحسدها على أبيها ، وأدركت أنها لفترة طويلة بعد أن تخلصت من شخصية الضحية بمساعدة جاسر ، بدأت هي بملئ إرادتها تعيش هذا الدور من جديد ، تنظر لجميع الأمور بنظرة سوداوية للغاية غاضة الطرف عن كل ما تملك ويعطيها إياه والديها والحياة بأكملها ، عانقت أبيها بقوة تغمض عينيها ، أما عمار فكان يقف على بعد عدة خطوات منهم ينظر إليهم وقبل أن يشعر بالحرمان ، انتفض حين شعر بأحدهم يضع كفه على كتفه ، التفت سريعا ليرى عاصم يقق خلفه مباشرة اقترب منه خطوة واحدة فبات جواره ابتسم له قبل أن يصدمه في كتفه بخفة ، غمزه بطرف عينيه يهمس يحادثه عابثا :
- اااه عشان كدة بقى عاوز تقعد هنا ، بس بصراحة هي زي القمر ، تحب أروح أكلم باباها دلوقتي
انتفض عمار ، أصفر وجهه يحرك رأسه للجانبين سريعا ؛ ليضحك عاصم بخفة يلف ذراعه حول كتفي عمار ، ما يحاول عاصم فعله معه يضايقه ، محاولته إكتسابه له تجعله يشعر بالتوتر الشديد ، انتبه حين قال عاصم :
- بقولك ايه يا عمار أنا جعان أوي وجاي من سفر وزين خلاص نام ما تقلقش عليه ، تعالى وديني اي مطعم ولا محل ناكل لقمة
زفر أنفاسه متوترًا وأراد بشدة أن يرفض ، هو يعرف أن عاصم يفعل ذلك ليتقرب منه ، تأوه متألما حين لكزه عاصم في ذراعه يحادثه ساخرا :
- ما يلا يا عم ولا لازم يبقى اسمي رقية عشان توديني
يبدو أن والده لن يغير الفكرة التي أخذها بسهولة وسيظل يضايقه بها ، ولكن لحظة لما ردد عقله كلمة والده! لما لم يقل عاصم ، الكلمة الأولى التي تبادرت إلى ذهنه كانت والده !!
تنهد متوترا يومأ برأسه موافقا يتمتم :
- هوقف تاكسي
تحرك خطوة ليمسك عاصم بذراعه التفت عمار له ليحرك عاصم رأسه للجانبين يردف :
- لاء هنتمشى
وتحرك يسير جواره ترك عمار مسافة بينهما ينظر أرضا يتحاشى النظر لأبيه تماما ، تنهد عاصم كاد أن يقول شيئا حين لمح عربة طعام تقف هناك أمامه ، أشار له يتحدث ضاحكا :
- تعرف خالتك رؤى مدمنة كبدة من الشارع ما فيش مرة كنت باخدها ونخرج غير لما تقف وتشبط ، كنت دايما بقول عليها معفنة ، أوقات الواحد بيتمنى أنه يرجع شاب تاني
ومن ثم صمت نظر إلى وجه عمار وابتسم يقول :
- بس لما بشوفك أنت واخواتك ، بحس أن سعيد أكتر من أي وقت في حياتي ، عمار انسى وشيل من دماغك أن أنا هسيبك أو لما تقولي أبعد عني ، أنا هبعد ، أنت اكبر أخواتك حتى أكبر من زين بكام دقيقة ، ومع ذلك خايف عليك أكتر من مراد الصغير
ومن ثم صمت يزفر أنفاسه يتمتم حانقا :
- صدقني ما حدش هيجلطني غير الواد مراد دا ، عيل مستفز وهوائي حتى البنت اللي حبها ما عرفش يحافظ عليها ، نفسي أرزعه علقة ، بس أنا مستني ليوم فرحه ، عشان يروح الفرح متدشمل ويتحفل عليه !!
____________
في مستشفى كبيرة ترى أمام غرفة الجراحة جمع كبير يقف هناك ، جاسر ورؤى وچوري ومريم ، الصدمة التي تحتل وجه كل منهم لا تُوصف ، وخاصة ملاك ، ملاك التى لم تنفك تبكي لحظة تنظر لغرفة الجراحة يكاد قلبها يخرج من مكانه ، ليتها سامحته ، ليتها وافقت على إعطائه فرصة أخرى احتضنت والدتها تنفجر في البكاء بلا توقف ، الألم والصدمة والذعر هي فقط المشاعر التي تسيطر على كل منهم ، يوسف في غرفة الجراحة بين الحياة والموت ، بعد أن تلقى رصاصة من شقيقه هدفه بها قتله ، ما يحدث أشبه بفيلم رعب أو كابوس بشع يبتلع الجميع ، خطوات تأتي تهرول إليهم كان صاحبها حسين ومعه مراد ، اقترب حسين من چوري قبل أن يقول شيئا ارتمت بين ذراعيه تتمسك به مذعورة جسدها يرتجف عينيها جاحظة ، لا تصدق ما رأت لا تصدق أبدا ، شعر حسين بجسدها يرتجف حاول أن يهدئها قليلا :
- چوري اهدي يا حبيبتي يوسف هيبقى كويس ما تقلقيش
حركت رأسها للجانبين ، لسانها وكأنه انعقد رافضا قول شيء ، جل ما تفعله أنه تزداد به تشبثا ، الدموع متحجرة في عينيها ، أما مريم فكانت في حالة غريبة من الصمت هي الأخرى ، يوسف شقيقها التؤام على شفا الموت على يد شقيقهم الأكبر ، رعد الذي تحول للنقيض وبات أسوء من الجميع ، شعرت وكأن أحدهم ينظر إليها حين رفعت عيناها رأت أمامها مراد وجواره وليد صديق يوسف ، التقت عينيها بعيني مراد رأته ينظر لها حزينا مشفقا على حالها ، معاتبا لما فعلت ، خائفا على صديقه ، مزيج عاصف من المشاعر اجتاح نظراته إليها ، قاطعه صوت خطوات تسرع إليهم وظهر نصار على وجه القلق الشديد ، توجه إليها هي أولا يحادثها قلقا :
- مريم ، حصل ايه يوسف ماله حصله ايه ، وأنتِ مالك وشك أصفر ليه كدة ، إنتِ كويسة يا حبيبتي
انثنى جانب فم مراد بابتسامة ساخرة يبعد وجهه عنها ، أما هي فنظرت إلى نصار قبل أن تنظر لأبيها ، نظر نصار خلفه ليرى جاسر يقف هناك بعيدا ، يحتضن زوجته عينيه شاردة .. تركها وتحرك إليه وقف أمامه يسأله قلقا :
- جاسر يوسف أخباره ايه ، طمني عليه ، ايه اللي حصل
تحرك جاسر برؤى إلى أقرب مقعد تركها هناك وعاد لنصار وقف أمامه لعدة لحظات قبل أن يحمر وجهه غضبا يهسهس متوعدًا :
- رعد ضرب يوسف بالرصاص عايز يموته ، عشان ما يتبقاش غيره يورث مين عارف بكرة هيقتل مين تاني ، مريم ولا چوري ولا ياسين وسليم الصغيرين ، أنا كان ممكن أرميه في السجن ، بس لاء أنا مش هفضح نفسي عشان كلب زي دا ، بس زي ما هو ضرب ، ضربتي هتكسر ضهره اتنين ويبقى يقابلني لو لمح طيف مراته ولا ابنه تاني !!
توسعت عيني نصار ذهولا وبداخله يرقص فرحًا ، خطته تسير دون مجهود منه ، عائلة مهران أسوء مما كان يتخيل ، الوحيد الذي كان يخشى منه ويخطط لقتله يوسف ولكن ها هو رعد تولى المهمة بدلا عنه ، وان نجى الوغد من رصاص شقيقه سيقتله في المشفى ، لن يخرج يوسف من هنا حيا ، الآن حسب خطته ، غدا سيتسلم كل أملاك جاسر ومن ثم يختطف الجميلة مريم ويقتل يوسف ويترك رعد يقضي على ما بقي من جاسر ، الأحمق يساعده في تدمير أبيه دون أن يدري حتى ، حمحم يحادث جاسر متوترا :
- بس مراته وابنه مالهمش ذنب في حاجة يا جاسر ، البت بتقول غلبانة جداا وابنه طفل عنده شهور بسيطة
هنا صرخ جاسر بعلو صوته منفعلا غاضبا :
- وابني أنا ذنبه ايييه ، دا مجنون ومريض وربي لهدفعه التمن غالي
ومن ثم سكت وضع يده على قلبه يرتسم الألم على وجهه ليقترب نصار منه سريعا يحاول أن يجعله يهدأ :
- طب اهدا ، أعمل ايه اللي أنت عاوزه بس اهدا ،أنت لسه تعبان
نظر جاسر إلى نصار مطولا قبل أن يتنهد بعمق يحادثه ممتنا :
- أنا بجد من غيرك مش عارف أنا كنت هعمل ايه يا نصار ، ربنا يخليك ليا ، متشكر يا صاحبي
دقائق وخرج الطبيب من غرفة الجراحة ليهرع الجميع راكضين نحوه ، خلع الطبيب قناع وجهه تنهد يحادثهم حزينا :
- صدقني إحنا عملنا كل ما في وسعنا ، بس هو وصل متأخر وكان نزف كتير جداا والرصاصة في موضع حساس جداا قريب من القلب ، ادعوله الساعات الجاية تمر على خير ، لأن كل المؤشرات الحيوية ليه سيئة جدااا
كانت أول صرخة من نصيب ملاك ، هرعت إلى الطبيب وقفت أمامه تبكي تترجاه :
- أرجوك ، أرجوك اعمل اي حاجة عشان يعيش ، يوسف ما ينفعش يموت أرجوك
اقتربت كاملا منها تجذبها إليها تحتضنها لتنفجر ملاك في البكاء تصرخ بحرقة :
- يوسف هيسيبني يا ماما ، أنا كنت هسامحه والله ، هو أنا كل حد بحبه في حياتي بيسيبني ، بابا وانتي وطرب ودلوقتي يوسف
صراخ الصغيرة جعل نصار يبتسم في نفسه ساخرا ، كان محقا حين قال ان يوسف هو الشوكة التي يجب أن يتخلص منها ،
تحرك جاسر ونصار مع الطبيب بعيدا عنهم يتحدث جاسر معه ، أما رؤى فجلست هادئة عينيها جامدة وكأن ما يحدث بالكامل كابوس بشع ترغب في الاستيقاظ منه بأي ثمن كان ، فُتح باب غرفة الجراحة وخرج الفراش الذي وُضع عليه يوسف يتحرك ناحية غرفة العناية ،
رأت چوري شقيقها وهو مسطح هكذا ، وتكرر أمامها مشهد إطلاق رعد النار على يوسف ، زادت رجفة جسدها بشكل عنيف حتى صرخت صرخة مدوية بين أحضان حسين وانفجرت في البكاء ، اقترب جاسر من حسين ينظر لابنته حزينا ، مد يده يربت على رأس ابنته مترفقا يوجه حديثه لحسين :
- حسين خد چوري معاك البيت عند عاصم ، وخلي بالك منها
ومن ثم نظر لمراد ووليد يطلب منهم :
- مراد روح مريم ورؤى ومدام كاميلا وملاك البيت ، أنا مش عايز حد يفضل هنا في المستشفى
والغريب في الأمر أن رؤى كانت أول من تحركت ، هي فقط نظرت إلى جاسر بقوة تحادثه بنبرة فارغة من الحياة :
- أنت السبب في كل اللي إحنا فيه دا ، ولادي بيموتوا بعض بسببك إنت ، أنا مش مسمحاك يا جاسر ، ولو ابني جراله حاجة أنا هموت نفسي
وتركته وتحركت للخارج ، نظر جاسر إلى ابنته يقول بحزم :
- الحقي ماما ، قاعدة ليه اتفضلي
تحاشت مريم النظر لم تعد تجرؤ على ذلك بعد كل ما عرف ، تحركت سريعا للخارج ، أما مراد فنظر لوليد يوصيه :
- أنا هروح أوصلهم بسرعة وأرجع
نظر لنصار محتدا ومن ثم عاد ينظر إلى وليد يقول :
- خلي بالك من يوسف على ما أرجع ، يلا يا مدام كاملا
نظرت كاملا إلى ابنتها التي رفضت الرحيل بكل الأشكال ، ابتعدت عن والدتها تردف محتدة :
-مش همشي ، مش هسيبه ، انتوا كلكوا بتعملوا اللي انتوا عايزينه إشمعنى أنا ، أنا مش هسيب يوسف
تحركت كاملا إليها تحاول جذب ذراعها لتنزع ملاك ذراعها منها تصرخ فيها :
- قولتلك مش همشي
الوضع حقا لم يكن يحتمل أي شيء ، نظر جاسر إلى كاملا يحادثها :
- سيبيها يا مدام كاملا ، أنا هجيبها وأنا جاي ، اتفضلي أنتِ
____________
قبل مطلع الفجر بقليل وصل جاسر بسيارته أمام منزل والد مليكة ، لم يكن ليتركها ... توجه سريعا صوب الباب يدقه مرة بعد الأخرى ، إلى أن فتح له فتحي الباب من نظرة الغضب التي رآها على وجهه علم أن مليكة أخبرته بكل شيء ، بادر فتحي قبل أن يقول جاسر أي شيء :
- وجودك مش مرحب بيه هنا ، أنا غلطان إني وثقت فيك وآمنتك على بنتي ، ورقة بنتي توصلي ، بدل قسما بالله هوريك اللي عمرك ما شوفته
حرك جاسر رأسه للجانبين يرفض ما يقول فتحي يتحدث سريعا متلفها :
- حقك ، والله العظيم حقك ، بس اقسملك بالله أنا بحبها وكل اللي عايزه فرصة تانية أصلح بيها اللي حصل ، والله العظيم يا عم فتحي بحبها ، خليني بس أقابلها
حرك فتحي رأسه للجانبين يرفض دخوله يصرخ في وجهه غاضبا :
- أنا قولتلك ، قولتلك اني ما عنديش في الدنيا غيرها ، حكتلك هي اتعذبت قد ايه ، يا أخي حرام عليك دا أنت عندك أخوات بنات ، أنا غلطان إني استجدعتك وافتكرتك هتحافظ عليها ، وسكت على الكلام اللي زي السم اللي قالته أمك عشان ما أكسرش فرحة بنتي ، بس دلوقتي خلاص ، يا هتطلقها يا هرفع عليك قضية وبعد كل اللي أنت عملته دا من أول جلسة هتطلق منك ، وهتتشبط من النقابة يا دكتور يا محترم ، مش عايز أشوف خلقتك تاني
- أرجوك خليني أشوفها لآخر مرة ، أنا عارف أني غلطت ، غلطت لما سلمت شيطاني بس فوقت قبل ما آذيها ما كنتش أعرف أنها بتاخد من الزفت دا والله ما كنت أعرف
غمغم بها يائسا حزينا يرجوه أن يوافق ، على الرغم من أن فتحي أشفق على حاله ، ولكن غضبه لما فعل بإبنته كان أقوى ، ومع ذلك ابتعد عن الباب ، دلف جاسر إلى داخل البيت سريعا ليبصر مليكة بين أحضان والدتها تبكي ، انتفضت ما أن رأته تصرخ فيه :
- أنت ايه اللي جابك هنا ، اطلع برة ، مش عاوزة اشوفك ، اطلع برة
اقترب خطوة وأخرى منها يحرك رأسه للجانبين رافضا ، انفعل بقوة يتحدث صارخا :
- مليكة اسمعيني ، أنا عارف أني اتنيلت غلطت ، بس ليكِ أنك تحاسبيني لو كنت أذيتك ، أنا قولتلك كانت فكرة متخلفة وشيلتها من دماغي وحبيتك ، حبيتك من كل قلبي ، لو ناسية أنا اللي كنت بتحايل عليكِ عشان اساعدك ، ما ببررش غلطي بس مين ما بيغلطش ، اعتبريها أول وآخر غلطة ، مليكة عشان خاطري ما تهديش كل اللي بينا
وقفت أمامه صامتة للحظات طويلة قبل أن تقول بنبرة قاطعة :
- الحب من غير ثقة مالوش لازمة ، وأنا ما بقتش بثق فيك يا جاسر ، شكرا على كل حاجة حلوة عملتها عشاني ، أرجوك طلقني
____________
مرت ساعات في حديقة منزل كمال ، خرجت طرب إلى الحديقة لترى ظافر ينتظرها هناك ، اقترب منها يحمل عنها الصغير ، نظر لوجهها الشاحب وعينيها الغائرة ، علم أنها بكت لساعات تنهد حزينا على حالها يحادثها :
- هنتطلع على المحامي عشان يرفعلك قضية طلاق على المجنون دا ، وبعدين لازم تغيري جو ، سيبلي نفسك أنا هخرجك من الحالة دي
ارتسم على شفتيها ابتسامة باهتة للغاية ، توجهت تجلس جواره في السيارة تتحرك بهم إلى حيث المحامي ، جلست على المقعد المجاور له تحمل الصغير يونس على قدميها ، عينيها شاردة فيما حدث بينها وبين رعد ، الوغد كان على وشك الإعتداء عليها ولكنه توقف ، قلبها يتفتت ألما لا تصدق ما وصل الحال برعد الشاب الطيب الخجول ، كيف بدلته الحياة بآخر مختلف ، قلبها لا يزال يحب وبشدة رعد ولكن ذاك ليس رعد أبدا ، تنهدت حزينة يملأ قلبها الألم والحسرة والخذلان ، نظرت صوب ظافر أرادت أن تقول شيئا ولكنها لاحظت أن هناك سيارة سوداء ظهرت فجاءة تلحق بهم ، نفضت تلك الفكرة السخيفة من رأسها لما قد تلحق السيارة بهم ، نظرت إلى ظافر من جديد لتراه ينظر من مرآة السيارة يقطب جبينه يبدو متوترا ينظر إلى السيارة السوداء ، بحركة فطرية احتضنت الصغير إليها ، صاحت خائفة :
- هو في ايه، العربية دي عايزة مننا إيه
حرك رأسه للجانبين لا يعلم ، زاد من سرعة السيارة يحاول أن يبتعد عنها قدر الامكان ، أدار المقود سريعا يدخل إلى طريق صحراوي جانبي يقود السيارة مسرعا بقدر إستطاعته ، تنفس الصعداء حين اختفت السيارة ولم تعد تلحق بهم ، صحيح أنهم ابتعدوا كثيرا عن العمار وباتوا في منتصف الصحراء ولكن السيارة اختفت ، نظر إلى طرب يطمأنها :
- الحمد لله بعدنا عنهم ، أنا هلف أرجع ما تقلقيش
وقبل أن يفعل خرجت سيارة خرجت سيارة سوداء وقفت بالعرض أمام السيارة ، يبدو أنه كان فخا ، والسيارة كانت تدفعه من البداية ليدخل إلى هذا الطريق ، أدار محرك السيارة سريعا ليعود للخلف ولكنه وجد نفسه محاصرًا بسيارة أخرى منعته من فعل ذلك ، نظر إلى طرب التي أصفر وجهها ذعرا في تلك اللحظة كادت تموت خوفا على يونس من أن يصيبه أذى ، خرج من السيارة أمامهم رجل لم تره قبلا يمسك في يده مسدس ، تحرك ناحيتهم في هدوء مال على النافذة المجاورة لطرب يحادثهم مبتسما :
- مساء الخير ، حمد لله على السلامة ، دلوقتي إحنا عندنا حل من اتنين ، حضرتك تنزلي تركبي معانا أنتي والبيه الصغير في سلام ، ونسيب الأستاذ يمشي ، يا أما نقتلكوا أنتوا الاتنين وبردوا هاخد البيه الصغير دي الأوامر اللي عندي
على الرغم من الذعر الذي سيطر عليها ولكنها كانت على أتم ثقة من أنها إحدى خُدع رعد الدنيئة ، كاد أن يصرخ ظافر فيهم ولكنها أسرعت تقول :
- أنا هاجي معاكوا
ابتسم الرجل يفتح لها باب السيارة ، تحرك ظافر يود الخروج من السيارة ليشهر الرجل مسدسه أمام رأس طرب يهدده :
- لو اتحركت حركة واحدة هموتها ، اتفضلي معانا يا طرب هانم
أشارت طرب لظافر أن يظل مكانه ابتسمت تحادثه ساخرة :
- ما تقلقش يا ظافر دي واحدة من حركات رعد القذرة ، ما تخافش وأرجع الفيلا وطمن كمال
وتحركت وهي تحمل الصغير تسير جوار الرجل الذي فتح لها باب السيارة الخلفي ، همس لها قبل أن تدخل :
- كان نفسي أقولك أن عندك حق بس الموضوع أكبر بكتير من اللي اسمه رعد دا
أصفر وجهها ذعرا في حين ضحك الرجل يغلق باب السيارة عليها ، تحركت السيارة دخلت إلى أعماق الصحراء واختفت !!
___________
في المستشفى تسللت ملاك دون علم أحد توجهت إلى غرفة يوسف جلست جواره أرضا تنظر لوجهه تبكي بحرقة تحادثه :
- يوسف عشان خاطري ما تسبينش ، أنا كنت زعلانة منك أوي ، وأنت قسيت عليا أوي ، بس خلاص أنا مسمحاك ، قوم يا يوسف عشان خاطري
أما في الخارج في مقهى المستشفى الصغير جلس جاسر إمام نصار وها هو المحامي قد جاء بالأوراق ، التي تنص على أن جاسر يتنازل عن كل ما يملك لصالح نصار ، مقابل وصل بعشرة ملايين مهر مريم إبنة جاسر ، وقع جاسر الاوراق يعطيهم لنصار ، الذي سارع يأخذهم متلهفا يخط توقيعه على كل ورقة فيهم حتى وصل للورقة الأخيرة ، أخيرا عادت ثروته إليه ، لا يصدق أنه بعد كل تلك السنوات من التخطيط حدث ما أراد أخيرا ، ابتسم نصار في وجه جاسر ابتسامة كبيرة بها من الوعيد ما بها ، مد يده يصافحه يردد كل منهما :
- مبروك يا نصار / مبروك يا جاسر
وقف نصار عن مقعده يوجه حديثه لجاسر :
- أنا هروح أحط الورق في الخزنة عشان رعد ما يوصلوش وأغير هدومي واجيلك ، أنا من رأيي أنك تروح ترتاح شوية أنت من إمبارح ما نمتش وأنت لسه تعبان يا جاسر
كم هو محظوظ لأنه يملك صديق طيب القلب مثل نصار ، تنهد يحرك رأسه للجانبين رافضا ذلك :
- أنا مش همشي واسيب يوسف لوحده ، وبعدين البيت بقى مقرف ما بقتش طايق أقعد فيه ، خلي بالك من إمبراطورية مهران يا نصار أنا تعبت أوي عشان ابنيها ، بنتيها من الصفر ، تعرف أنا ما كانش حيلتي جنية ، كنت تحت الصفر ، بس نحت في الصخر لحد ما بقيت زي ما إنت شايف جاسر باشا مهران ، تعرف أن في إشاعات بتقول أن في راجل أعمال اسمه حازم سليمان سابلي كل أملاكه ، عشان كان عنده ابن واحد وابنه دا مات ، فخلاني أنا الوريث الوحيد ليه ، دي مش إشاعات دي حقيقة ، الله يرحمه شهاب بن حازم ، أنا عامله سبيل عشان الناس تدعيله بالرحمة ، موته فادني كتير بصراحة ، تخيل دا لو كان لسه عايش ما كنتش طولت جنية ، أنا عرفت من أبوه الله يرحمه أنه كان شاب صايع وقليل الأدب ، وفاسد وسكري وغلاوي وبتاع نسوان ، كانت أسوء صفة فيه أنه غبي وفاكر نفسه ذكي !!
وقف نصار صامتا ينظر لجاسر بملامح مبهمة غامضة عقب ما قال ، جل ما فعله أنه ابتسم يصحح له المعلومة الخاطئة :
- بس ابن حازم سليمان كان اسمه شادي مش شهاب
ابتسم جاسر في هدوء شديد ، ركز عينيه على عيني نصار ، قبل أن يرفع كتفيه قليلا يتحدث ساخرا بلامبلاة :
- شادي ولا شهاب هو مالوش قيمة عندي عشان أفتكر اسمه ، بالعكس موته كان مفيد ليا
ومن ثم سكت عقد جبينه قبل أن يسأل متعجبا :
-بس غريبة دي أنت عرفت اسم ابنه إزاي يا نصار ؟
أرتبك نصار للمرة الأولى تقريبا الذي يتحدث هو وجاسر في تلك النقطة ، وربما غضب كثيرا مما قال جاسر فقال ما قال دون أن يأخذه حذره ، ابتسم يرفع كتفيه قليلا يتحدث بهدوء:
- دول كانوا أشهر من النار على العلم مين في مصر ما كنش يعرف حازم سليمان وابنه شادي
ضحك جاسر يومأ برأسه يكمل سخريته :
- صح عندك حق ، خصوصا الاهبل اللي اسمه شادي دا ، كان عارر أبوه الله يرحمه كان راجل طيب ربنا ابتلاه بعيل عاق ، زيي دلوقتي
أحمر وجه نصار غضبا يقبض على الأوراق في يده بعنف ، بإستماتة ابتسم في وجه جاسر يقول بهدوء :
- طب أنا هروح أشيل الورق ، وارتاح شوية وأرجعلك ، خلي بالك من نفسك ولو احتجتني كلمني
ودعه وخرج من المستشفى يتوجه إلى سيارته جلس هنا يغلق النافذة ليبحجب الرؤية عنه ، نفرت عروق وجهه غضبا يضرب المقود بكف يده ، نظر للأوراق التي بحوزته يتوعد للاخير :
- مش كفاية يا جاسر ، أنا لسه هاخد عُمر يوسف ، والاميرة مريم ، أنا هوريك الفاشل هيعمل ايه !
صمت يتنفس بعنف ، أغمض عينيه ليرى أمامه صورة مريم فابتسم ، فتح عينيه سريعا حين ابتسم يقطب جبينه مستنكرا ما حدث ، لما ابتسم وشعر بالسعادة حين مر طيفها أمام عينيه ، من سابع المستحيلات أن يكن أحب إبنة عدوه الذي يسعى بكل الطرق لتدميره ، أدار محرك السيارة ينطلق بها
______________
أوقف سيارته سريعا أمام الشركة التي يعلم أنها ملك لرعد ، نزل من السيارة غاضبا تحرك للداخل بخطى سريعة غاضبا ، توجه إلى مكتبه تلحقه المساعدة تطلب منه أن يتوقف ولكنه أكمل طريقه دفع باب غرفة مكتب رعد ؛ ليقف الأخير من مقعده ينظر إليه محتدا يصرخ فيه:
- أنت اتجننت ياض أنت ، أنت إزاي تسمح لنفسك أنك تيجي هنا اصلا
أقترب ظافر منه ، قبض على تلابيب ثيابه بعنف يصرخ فيه:
- أنت فاكرني خايف منك ، أنا هوديك في ستين داهية ، فين طرب ويونس عملت فيهم ايه ؟! ، المرة اللي فاتت خطفت يونس المرة دي خطفت طرب ويونس
توسعت عيني رعد ذهولا ، نفض يدي ظافر عنه بعنف يبعده عنه يصرخ فيه :
- طرب ويونس اتخطفوا يعني ايه ؟! ، امتى دا حصل وفين ، انطق
ضحك ظافر ساخرا يتهكم منه قبل أن يصرخ فيه يهدده :
- ايوة ايوة أعمل فيها برئ فيها ومش عارف ، طرب ويونس فين يا رعد ، بدل ما أقلب الدنيا على دماغك ، يونس مولود برة مصر معاه الجنسية البريطانية يعني حتى لو أنت أبوه وخاطفه هتروح في ستين داهية
احتدت عيني رعد غضبا كمش تلابيب ثياب ظافر في قبضة يده قربه منه يصرخ فيه :
- أنت فاكر لو أنا اللي خطفتهم هخاف من حتة عيل ،فاكر أن تهديدك دا هيخوفني يلا ، أنا اللي هدفن حي تحت رجلي لو عرفت أنك أنت اللي أذيتهم ، صدقني مش هرحمك
دخل مساعد رعد سريعا إلى المكتب يفصل بينه وبين ظافر يحاول أن يهدئه :
- يا رعد باشا اهدا ، بدل ما يحصل مصيبة ، حصل ايه بس
ابتعد رعد عن ظافر وقف مكانه يشعر برأسه على وشك أن ينفجر ، من اختطف زوجته وطفله والاجابة تبادرت لرأسه في لحظة بالطبع والده هو من سيفعل ، أسرع يلتقط هاتفه يبحث عن رقم أبيه إلى أن وجده اتصل به مرة بعد أخرى إلى أن أجاب الأخير ليصرخ رعد فيه غاضبا :
- مراتي وابني فين يا جاسر يا مهران
سمع ضحكات أبيه من الطرف الآخر وهو يسخر منه :
- مراتك وابنك ، وأنا مالي ومال مراتك وابنك ،
آه صحيح دول اتخطفوا النهاردة على الصحراوي ، آه أنا اللي خطفتهم وابقى قابلني لو شوفتهم تاني لباقي عمرك
اشتدت يد رعد على الهاتف أحمر وجهه يصرخ بعلو صوته :
- مراتي وابني يرجعوا يا جاسر ، بدل ما صدقني بدل ما هحرق قلبك على الباقي من عيالك
لم تهتز نبرة صوت جاسر للحظة بل بالعكس ضحك يحادثه بهدوء :
- وماله يا حبيبي ، ابقى فكر بس قرب من ضل واحد فيهم وأنا ابعتلك جثة مراتك وبعدها جثة ابنك وأنت عارف إن أنا أقدر أعمل كدة ، آه صحيح أحسنلك تطلق طرب أصل أنا ناوي اجوزها لواحد حبيبي أوي ، بدل ما تجيلك ضرة ، سلام يا حبيبي أشوفك في المحكمة
وأغلق الخط في وجهه لتشتعل الدماء غضبا في جسد رعد ، صرخة عالية غاضبة خرجت من بين شفتيه قبل أن يلقي هاتفه أرضا بكل عنف وغضب ليحدث الأخير دويا عاليا ، وقف مكانه يتنفس بعنف ، ألتفت إلى ظافر يصرخ فيه :
- لو كانت معايا ما كنش دا حصل ، ما كنش خطفها ، عارف لو عمل اللي قال عليه هقتلك وهقتله
توترت نظرات ظافر رعد يبدو غاضبا للغاية ومن مكالمته مع أبيه اتضح الأمر والد رعد هو من اختطف طرب ولكن لما يفعل ذلك ، ما تلك العائلة المختلة التي اقحمت طرب نفسها فيها ؟!
أما ممدوح مساعد رعد وجاسوس نصار في الآن ذاته ، راقب جيدًا ما يحدث لأن عليه إيصال كل ما حدث هنا لنصار
__________
تحركت إلى شرفة منزلها في منزل والديها ، فتحت الشرفة على مصراعيها ، دخلت تقف هناك تغمض عينيها تلتقط قدر كبير من الهواء ، سمعت صوته يهمس باسمها التفتت جوارها لتراه يقف في الشرفة المجاورة لها يتطلع إليها حزينا نادما ، التفتت لتغادر فسمعت صوته يقول متلهفا :
- فاطمة ، عشان خاطري استني ، فاطمة أرجوكِ أنا آسف ، فاطمة ، فاطمة سامحيني عشان خاطر اللي في بطنك حتى أرجوكِ
أغمضت عينيها بسطت كف يدها على بطنها تساقطت الدموع من عينيها قبل أن تتركه وتدخل إلى الشقة أغلقت الشرفة بكل عنف وعادت أدراجها إلى غرفتها جلست على سطح فراشها تضم ساقيها ليها ، تتذكر ما حدث
Flash back
أعدت فاطمة عشاءً لذيذًا للغاية وارتدت ثوب جديد لم تفتحه قبلا وتعطرت و وضعت القليل من الزينة على وجهها تنظر إلى نفسها في المرآة ، تبتسم سعيدة اتصلت بمحمود وأخبرته أنها متعبة للغاية وعليه العودة سريعا ، وها هو على وشك الوصول سمعت صوت مفتاحه والباب يُفتح ومن ثم صوته وهو ينادي باسمها قلقا :
- فاطمة أنتِ فين يا حبيبتي ، فاطمة أنتِ فين
ومن ثم سمعت خطواته تقترب من الغرفة ورأته يدخل ، توقف مكانه حين رآها بثوبها الخلاب ، توسعت عيناه قبل أن يبتسم مدركا أنها قد خدعته ولكنها خدعة أكثر من رائعة
تبسم ثغره وتحرك إليها ينظر إليها تتحرك عيناه على كل تفصيلة بها بتروٍ ، وقف أمامها يبتسم قبل أن يقول متغزلا بها :
- ايه الجمال دا ، يا أجمل ما رأت عيني ، فاطمة أنا بحبك ، بحبك أوي ، يشهد ربنا إني بحبك من زمان ، من وإحنا عيال صغيرين ، رغم كل اللي حصل إلا أن ربنا عوضني واتجمعنا أنا وأنتِ تاني يا طمطم
ابتسمت سعيدة أرادت أن تعانقه ولكنها خجلت ففعل هو لف ذراعيه حولها يضمها إليه بقوة يتنفس عبيرها الأخاذ تنهدت برقة تبتعد عنه بخفة تنظر لعينيه بنظرات ناعسة حالمة ، مدت يدها إلى مرآة الزينة خلفها تلتقط اختبار الحمل ، أرادت أن تعد مفاجأة حول ذاك الاختبار ولكنها لم تعرف ماذا تفعل تحديدا ، مدت يدها إليه بالاختبار ؛ لترى عينيه تشخص بعنف ، مد يده يلتقط الإختبار من يدها ينظر إليها مدهوشا قبل أن يسألها مصعوقا :
- فاطمة ، الإختبار دا بجد ، أنتِ حامل بجد
اومأت برأسها وجهها يكاد ينفجر من الخجل ، رأت عينيه تدمع قبل أن يعانقها من جديد يكاد يعتصرها داخل أحضانه يبكي بقوة يتحدث سعيدا :
- أنا مش مصدق نفسي أنا قلبي هيقف من الفرحة أنا مش مصدق قد ايه عوض ربنا جميل ، أنا بحبك أوي يا فاطمة
بعد لحظات طويلة سعيدة بينهما ، ستفسدها حالا دون أن تعرف ، كانت تجلس أمام على مقاعد قصيرة أمامهم طاولة قصيرة الأقدام عليها أصناف مختلفة من الطعام ، حمحمت تهمس متوترة :
- محمود في حاجة حصلت من فترة طويلة ، بس أنا حاسة بالذنب عشان مخبياها عنك
قطب جبينه قلقا يوجه أنظاره إليها همهم يحثها أن تتكلم ، فركت يديها بعنف متوترة تهمس :
- فاكر لما اتخطفت من المريض اللي اسمه منير
ظهر الغضب واضحا على وجه محمود يحرك رأسه ، لتحمحم هي تهمس متوترة :
- لما فوقت لقيت نفسي نايمة على سرير غريب ولابسة قميص نوم ، والمريض دا قالي أنه استغل إني غريبة عن الوعي ، واعتدى عليا بس أنا مش عارفة دا حصل بجد ولا لاء ، وبعدين وراني حاجات كتير كان بيسرقها من شقتي لما كنت متجوزة نور ، و....
وصمتت حين هب محمود واقفا جسده ينتفض من الغضب ، يصرخ فيها :
- وأنتِ إزاي ما تقوليليش حاجة زي دي من ساعتها ، جاية تقوليل بعد الهنا بسنة ،ازاي تخبي عني حاجة زي دي كل الوقت دا
وقفت فاطمة أمامه تشعر بالغباء الشديد لأنها قالت ما قالت ، مد محمود يده يقبض على عضدها بقوة يصرخ فيها :
- كان لازم تقوليلي يا فاطمة ، كان لازم أعرف ، ما كانش ينفع تخبي عليا كل الفترة دي
دفعها بعيدا عنه وخرج من الغرفة غاضبا لحظات وسمعت صوت باب الشقة وهو يُفتح ويُغلق بعنف شديد ، لتنهار أرضا باكية تندم كثيرا أنها أخبرته ، ساعات مرت عليها وهي فب حالة بشعة من الألم والحزن ، لا تصدق غضبه ، هل أخبرته أنها أقامت علاقة مع ذلك الوغد برضاها مثلا ؟! ، كيف يثور ويغضب وينسى أنها لم تتركه للحظة حين دخل تلك المستشفى ليتعالج ، إنها حاولت نوبات جنونه وغضبه في خضم مرضه وإدمانه ، أيعقل أنه يظن أن الطفل بين أحشائها ليس طفله ؟! في لحظة تحولت الليلة التي كانت تظنها الأسعد إلى أسوء ليلية في حياتها ، في تلك اللحظة تذكرت نور بعد أن كان نسيه عقلها حتى لا تكن خائنة لزوجها ، علاقتها بنور كانت الأسعد لم تعاني بمقادر ذرة كما تعاني منذ بداية علاقتها بمحمود ، محمود الذي ظل يشدو ليل نهار أنه يحبها وأنه ظل يعيش على ذكرى حبها أعوامٍ وأعوام ، محمود لا يستحق أن تظل معه لدقيقة أخرى ، تلك العلاقة من بدايتها كان خاطئة ، وهي كانت الحمقاء حين استمعت إلى إلحاح إخوتها لتوافق عليه ، قامت ضبطت حقيبة ثيابها ، وبدلت ثيابها ولكنها جين خرجت من غرفتها لتغادر رأته يدخل من باب الشقة ، تجمد مكانه مصعوقا حين رآها تحمل حقيبة ثيابها نظر إليها نادما يود أن يعتذر ، رأت ذلك جيدا في عينيه وكأنها لن تقبل ، ولن تستمر لدقيقة أخرى في تلك العلاقة الرثة المهلهلة ، أغلق باب الشقة اقترب منها عدة خطوات حمحم يعتذر كما فعل :
- فاطمة أنا آسف ، أنا انفعلت زيادة عن اللزوم ، على حاجة حصلت غصب عنك مالكيش ذنب فيها ، أنا بجد آسف
ضحكت ساخرة تبتعد عنه ، ألقت الحقيبة من يدها تحرك رأسها للجانبين تصرخ في وجهه بكل بحرقة :
- آسف !! ، بكل بساطة آسف ، لاء يا محمود أنا اللي آسفة لنفسي ، آسفة إني كملت معاك في العلاقة المؤذية الملغبطة ، من أول ليلة لما طلبت منك أنك ما تلمسنيش وقتها لأني بس محتاجة شوية وقت ، رفضت وأصريت وأنا حاولت الاقيلك مبرر ، كنت حاسة بالذنب ناحيتك وأنا ماليش دعوة أصلا ، أنت سافرت وأنا اتجوزت ، ليه بقى أحس بالذنب ناحيتك ، عشان هما السبب مامتك وأخواتي السبب ، اللي فضلوا يحكولي عن حبك ليا أشعار ، وقد ايه كنت منهار لما عرفت إني اتجوزت وأن بس نفسك أن قيس يتجوز ليلى حبيبته ، بس أنا اللي غلطانة ، غلطانة عشان قررت أنسى نور وأفتح قلبي ليك وأحبك ، وبالمقابل إنت لا عرفت تحافظ على الحب اللي عمال تغني بيه ، بالعكس أنت آذتني ، وكل مرة كنت بلاقيلك مبرر ، كل مرة كنت بقول معلش معذور ، إنما خلاص كفاية ، كفاية أوي يا محمود أنا مش هعيش معاك لحظة واحدة كمان ، وورقة طلاقي توصلني بهدوء احسنلك
ومن ثم انحنت تحمل حقيبة ثيابها تتحرك صوب باب المنزل ، انتفض محمود سريعا يلحق بها أمسك بكف يدها يمنعها من الرحيل التفتت له لترى عينيه تملأهم الدموع همس يترجاها ألا تغادر:
- ما تمشيش يا فاطمة عشان خاطري ، أنا آسف اقسملك اني مش هزعلك تاني ، ولو دا حصل تاني هطلقك في نفس اللحظة ومش هتشوفي وشي في حياتك تاني ، أنا آسف يا فاطمة ، عشان خاطري ما تمشيش
ناظرته بقسوة قبل أن تجذب كف يدها من يده بعنف التفتت تفتح باب شقتها وغادرت ، تعود إلى شقة والديها حيث البداية ، ولكن تلك المرة وهي شخصية مختلفة عما كانت لم تعد مشتتة حائرة ، بل تدرك كل ما يحدث ، تدرك أنها لا يجب أن تظل في خانة الضحية طوال الوقت
Back
خرجت من شرودها الطويل تشعر بالدموع تُغرق وجهها ، قامت تتحرك صوب دولاب ثيابها ، بدلت ثيابها بفستان أنيق بسيط من اللون البني وارتدت حجاب رأسها وحملت حقيبة صغيرة ، فتحت باب شقتها تتوجه للخارج ؛ لتبصره يخرج من شقته سريعا نظر إليها متلهفا يهمس باسمها :
- فاطمة ، سامحيني يا فاطمة حقك عليا أنا آسف
لم تعيره انتباها بل أكملت طريقها نزلت لأسفل تتوجه صوب محل صغير ولكنه أنيق في منتصف حيهم ، استطاعت أن تستأجره مؤخرا بما كانت تدخر من أموال ، تعرف أن إخوتها لديهم الكثير من المصائب فوق عاتقهم ولن تجلس هي الأخرى مع تلك المصائب تنتظر دورها حتى يعيروها انتباها ، هي لم تعد طمطم الصغيرة صاحبة الخمس أعوام على أي حال ،
دلفت إلى محال الثياب الصغيرة ابتسمت للعاملة التي تساعدها فيه ، اسمها ثناء فتاة جميلة مهذبة لطيفة للغاية ، اقتربت منها فاطمة تحادثها مبتسمة :
- صباح الخير يا ثناء
ابتسمت الفتاة تحييها ، توجهت فاطمة تجلس عند مكتب صغير ، نظر لمحتويات المحل حولها ، محل ملابس أطفال لا تهدف منه للربح بقدر ما تود فقط أن يضيع اليوم هنا بين الناس بدلا من أن تمكث وحيدة تأكلها الذكريات والوحدة والألم ، تحب النظر إلى الصغار وهم فرحون بالثياب الجديدة ، تنهد تمسح وجهها بكف يدها حين نظرت صوب الباب رأت محمود يدخل إلى المحل ، توجه إلى ثوب أبيض لطفل رضيع أخذه يتوجه إليها وضعه أمامها يسألها في هدوء :
- بكام دا لو سمحتي ؟
الوغد يأتي الآن ويتصرف بكل تهذيب ، أعطته ابتسامة صفراء قبل أن تقول :
- 200 جنية
أخرج من جيب سرواله النقود وأعطاها لها فطلبت من ثناء أن تضع له الثوب في حقيبة صغيرة ، وقف أمامها ينظر إليها بجانب عينيه قبل أن يتنهد يقول :
- على فكرة والدتي هترجع بكرة من العُمرة ، وبتقولي أنها دعتلنا كتير أوي ، فرحت أوي لما عرفت أنك حامل ، أنا بس هيصعب عليا حالها لما ترجع تلاقي الوضع بينا بالشكل دا
أعطته نظرة قاسية قبل أن ترتفع شفتيها بابتسامة باردة تقول :
- الوضع دا أنت السبب فيه مش أنا ، وياريت نقصر على بعض الطرق عن كدة وتطلقني ، أنا لحد دلوقتي مش عاوزة أقول لعاصم أو جاسر يطلقوني منك ، وعايزة الموضوع يخلص بينا
ظل ينظر إليها للحظات طويلة دون كلام ، إلى أن جاءت العاملة وأعطته الحقيبة الصغيرة أخذها منها يوجه حديثه لفاطمة :
- أنا مش هطلقك يا فاطمة ، قولي لعاصم ولجاسر قولي للدنيا كلها ، ما حدش هيقدر يجبرني إني أطلق مراتي أم ابني أو بنتي ، عن إذنك
وترك المتجر وغادر بينما قبضت كفيها تشعر بالغضب والغيظ الشديد منه !
____________
فتح عينيه حين سمع صوت الباب يُفتح ،رفع رأسه قليلا عن الوسادة لا يزال متألما ورأسه يلتف بعنف ولكنه أحسن حالا مما كان عليه ، نظر لمن دخل توسعت عينيه حين رأى مرام تدخل إلى الغرفة تحمل بين يديها باقة أزهار ، تقدمت نحوه تبتسم في وجهه جلست على المقعد المجاور لفراشه تبتسم لحظة اثنتين ثلاثة قبل أن تكور قبضتها غاضبة تصدمه على كتفه بكل غل تحادثه حانقة :
- تعرف أن أنا قولت أن أنا مش هكلمك تاني أبدا ولا هبص في خلقتك ولو شوفتك هشتمك ، فجاءة اختفيت واتصل بيك موبايلك مقفول ومش عارفة عنك أي حاجة ، لولا أن أخوك جالي وقالي أنك عملت حادثة ومحجوز في المستشفى ، وبعدين ثواني إنت مش قولتلي أن أخوك مات ، أنا لما شوفته اتصرعت وهو فضل يقولي والله أنا مش عفريت
ضحك زين رغما عنه ، بسط كفيه على سطح الفراش يعتدل جالسا ، نظر للأزهار قبل أن يعاود النظر إليها ابتسم يعتذر منها :
- أنا آسف ، صدقيني كان غصب عني ، ما كنش نفسي الأجازة تبوظ كدة
حركت رأسها للجانبين سريعا ، على ما يعتذر الأحمق على أن حادث أصابه ، تنهدت تقول :
- ما تعتذرش يا زين ، هو بمزاجك يعني الحمد لله أنك بخير ، أنا ما كنتش متضايقة منك قد ما كنت قلقانة ،كنت واثقة أن في حاجة حصلت ، بس الحمد لله عدت على خير ، بس أنا مش فاهمة هو أخوك عايش إزاي ؟
مرام لا يجب أن تعرف الحقيقة الآن ، الأمر معقد أكثر مما تظن ابتسم يغير دفة الحديث :
- هحكيلك كل حاجة بعدين ، هو أنتِ خلاص هترجعي القاهرة ؟
اومأت برأسها تنهدت قبل أن تقول متضايقة :
- ايوة ، هسافر بكرة جواد عمال يتصل بيا عشان الشغل المتعطل ، وبابا وماما كل يوم يقولولي ارجعي بقى ، محسسني إني مسافرة بقالي 30 سنة
ضحك زين بخفة ، نظر إلى باقة الأزهار مرة أخرى قبل أن يعاود النظر إليها يقول مبتسما :
- من حقهم يقلقوا عليكِ ، على فكرة الورد حلو أوي ، مرام هو أنا ممكن اسألك في سؤال
ضحكت بخفة حين تذكرت تلك الجملة من أحد الأفلام اومأت برأسها لترى نظراته تتوتر ابتلع لعابه عدة مرات يحاول استجماع شجاعته يقول :
- هو أنتِ موافقة تغيري لقبك من الآنسة مرام عمرو ، لحرم المهندس زين عاصم ؟
لحظتين من الصمت توسعت فيهم حدقتي مرام في ذهول ، رمشت بعينيها عدة مرات تحاول أن ترتب ما قال فجاءة دون مقدمات ، دق قلبها بقوة من مجرد صورة عابرة رسمها الذهن سريعا لها وله بفستان أبيض وحُلة سوداء ، شعرت بسعادة لم تشعر بها من قبل حتى مع شريف نفسه ، توترت للغاية شعرت بالخجل يُغرق كيانها ، وهي لم تكن يوما بالفتاة الخجولة ، تخبطت في جلستها قامت من مكانها تتحدث متوترة :
- حمد لله على سلامتك يا بشمهندش
قطبت جبينه متعجبا ما حدث ، أما هي فتحركت سريعا صوب باب الغرفة مدت يدها تفتح الباب ولكن قبل أن تفعل ، التفتت إليه ابتسمت وقالت :
- هحددلك معاد مع بابا يا حضرة المهندس زين عاصم
توسعت عينيه فرحا ، وشقت ابتسامة كبيرة شفتيه يحرك رأسه موافقا سريعا ، رفع يدها يضعها على رقبته يتنهد حالما سعيدا
أما في الخارج فجلس عمار جوار عاصم يتأفف متضايقا ، والده يلتصق به كالعلكة يتبقى فقط أن يدخل معه إلى المرحاض ، تلك المشاعر الأبوية الحنون التي يصر عاصم على أن يحيطه بها تجعله في ضغط نفسي بشع ، تجعله يشعر بالكثير من المشاعر المبعثرة السيئة وخاصة الندم على كل ما فعل ، تذكر ما عاش عليه لسنوات ، واحتاجه بشدة الألم هو علاج الندم الوحيد ، يود أن يشعر بالألم والآن
قام من مكانه ليقطب عاصم جبينه يسأله :
- رايح فين يا عمار ؟
تأفف في نفسه التفت ينظر إلى أبيه يقول :
- رايح الحمام ، عن إذنك
وتحرك من أمامه سريعا يبتعد عن محيط هالته التي يصر على أن يلفه بها ، سرق مشرط طبي من إحدى الغرف وتوجه إلى المرحاض ، دخل هناك ينظر حوله من الجيد أن المرحاض فارغ لن يستغرق الأمر لحظات معدودة لن يحتاج لأن يغلق الباب عليه ، نظر لانعكاس صورته في المرآة لاول مرة ترتجف يده وهو مقدم على ما اعتاد فعله لسنين وسنين ، الأمر أشبه بحقن الجسد بجرعة مخدر فاخرة ، أغمض عينيه بقوة قبل أن يحرك المشرط على ذراعه شعر بالألم في بداية الأمر ولحظة وشعر بحرارة جسد جواره واختفى الألم ويد شخص ما وضعت على ذراعه ، فتح عينيه سريعا لتجحظ عينيه ذهولا حين رأى عاصم يقف أمامه وأن المشرط جرح كف يد أبيه ، انتفض يلقي المشرط من يده ينظر للجرح الذي سببه على كف عاصم مذعورا ، رفع يديه يشد على خصلات شعره يصرخ فيه :
- أنت ايه اللي جابك ورايا ، أبعد عني وجودك جنبي هو السبب ، وجودك هنا بيأذيني ، أخرج من حياتي أبوس إيدك أبعد عني
لم يهتم عاصم بما قال بل أقترب منه ، مد يده يقبض على عضده ليصبح جرح ذراعه قريب منه نظر إلى الجرح ، يزيح قميص عمار لأعلى لتظهر الكثير من الآثار توسعت عيني عاصم ذهولا أثر ما رأى يصرخ فيه :
- أنت بتعمل في نفسك كدة ليه ، أنت مش عارف أنك هتتحاسب على اللي أنت بتهببه دا ،بتأذي نفسك ليه انطق
نزع عمار ذراعه من يد عاصم ابتعد عنه عدة خطوات للخلف ارتجف جسده ثارت دموعه يصرخ بحرقة :
- بسببك ، أنا كنت بطلت أعمل كدة ، إنما وجودك جنبي بيفكرني بكل القرف والأذى اللي أنا عملته ، الندم بينهش فيا ، الندم ما يقتلوش غير الألم أنا صاحب المذهب دا ، أبعد عني بقى ، وجودك بيأذيني اخرج من حياتي
اقترب عاصم من عمار يزيح أكمام قميصه رفع يده ودون مقدمات لكمه بعنف ، ترنح عمار للخلف ينظر إلى عاصم مصعوقا ليقول الأخير :
- عايز تحس بالألم ، غالي والطلب رخيص
اقترب عاصم من عمار قبض على تلابيب ثيابه رفع يده يود صفعه ؛ ليغمض عمار عينيه بعنف يشهق في البكاء كطفل صغير خائف يهمس يتوسله :
- ما تضربنيش زيه ، أرجوك
تجمد جسد عاصم يشعر بالألم يجتاحه ، نظر إلى عمار الذي ينتفض أمامه ، شده إلى أحضانه يعانقه بكل قوته لأول مرة يتمسك عمار به ، لأول مرة ينفجر عمار في البكاء بين ذراعيه ، وهو يردد جملة واحدة :
- أنا خايف ، خايف يا بابا !!
شدد عاصم على عناق عمار يمسح على رأسه ، يربت على ظهره وكأنه يعانق طفل في السابعة يهمس مترفقا بحاله :
- أوعى تخاف يا عمار ، أنا جنبك مش هسيبك تاني ، صدقني هدفعه تمن اللي عمله فيك غالي أوي ، بس عشان خاطر زين ما تأذيش نفسك تاني
تمسك عمار بثياب أبيه يستشعر منه الأمان، ظلا هكذا طويلا قبل أن يبتعد عمار عن عاصم ، رفع عاصم يده يمسح الدموع عن وجه عمار ليرى عمار كف يد عاصم وهو يغرق في الدنيا بفعل الجرح الذي سببه له ، انتفض يبتعد عنه يشير للجرح يتحدث بحرقة :
- مش قولتلك ابعد عني أنا مؤذي ، شوف بسببي حصلك ايه
نظر عاصم لكف يده قبل أن يعاود النظر لعمار يقول مبتسما :
- صحيح زي ما عورتني تعالجني ، اتفضل
مد عاصم يده صوب عمار الذي وقف مترددا لعدة لحظات قبل أن يتوجه سريعا يغسل كف يد عاصم من الدماء ، رفض عاصم تماما تدخل أي من الممرضات وأوكل المهمة إلى عمار الذي جلس أمام عمار يطهر له جرح كف يده قبل أن يلف الضماد عليه ، نظر إلى عاصم يعتذر منه :
- أنا آسف ما كنش قصدي آذيك
ابتسم عاصم ، رفع يده يربت على وجه عمار برفق ، توتر عمار يسأله :
- هو أنت مش ناوي تسافر ؟
حرك عاصم رأسه للجانبين كتف ذراعيه أمامه يحادثه ساخرا :
- أولا اسمها حضرتك مش أنت ، ثانيا لاء مش هسافر أنا عجباني القاعدة هنا ، مش هسافر غير لما اشوف عيالك ، ما قولتليش صحيح لسه مش عايزني أكلم أبو رقية ، هخلصلك الحوار وأنا هنا باين أنك بتحبها قول ما تتكسفش
ضحك عمار رغما عنه يحرك رأسه يائسا !!
____________
لا تعلم كم مر من الوقت عليها وهي تغط في نومٍ مزعج ملئ بالكوابيس ، ولكنها في خضم تلك الكوابيس البشعة كانت تشعر بيد أحدهم تربت على رأسها وصوت دافئ يهدئها ، فتحت عينيها فجاءة تنظر حولها لحظة واثنتين وثلاثة إلى أن تذكرت أنها في غرفة حسين في منزل خالها عاصم ، وها هو حسين ينام مجاورًا لها ، ليس نائما هو فقط يتمدد جوارها عينيه مفتوحة ينظر إليها ، ابتسم في وجهها ما أن استيقظت ، انتصفت جالسة في صمت ، ضمت ركبتيها إليها حاوطتهم بذراعيها تنظر أمامها في الفراغ انهمرت الدموع في لحظات من عينيها ، انتفض حسين يجلس جوارها ، جذبها لأحضانه لم تقاوم فقط استندت بجسدها إلى صدره وبكت ، وظل هو يهدئها بكلمات لا جدوى منها ، تمسكت به تتحدث بحرقة :
- أنا مش مصدقة أن رعد عمل كدة يا حسين ، أنت ما شوفتوش وشه وهو بينادي على يوسف قبل ما يضربه بالرصاص ، ويوسف عمره ما آذاه ، بالعكس دايما كان بيدافع عنه ، لما بصله ، بصله وهو مديله الأمان ، نظرة الألم اللي كانت على وش يوسف ما كانتش من الرصاصة قد ما كانت من الصدمة أن رعد هو اللي ضرب الرصاصة دي ، أنا مش مصدقة أن رعد وصل بيه الحال لهنا ، أنا بقيت خايفة منه ونفسي انتقم منه على اللي عمله ، أنا مش عايزة أرجع البيت يا حسين مش هقدر والله ما هقدر
ظلت بين ذراعيه وهو يتذكر الحكمة التي تقول رب ضارة نافعة ، ولكنها لن تكن نافعة في حالتها تلك ، ظل يهمس لها بكلمات من قبيل أنه جوارها ولن يتركها وأن كل شيء سيصبح على ما يرام ، حين هدأت قليلا دُق باب غرفتهم تركها حسين وقام يفتح ليرى مراد أمامه يغمغم سريعا مذعورا :
- استر نفسك بسرعة عمك جاسر جاي على الأوضة أنا حاولت أخره
نظر مراد إلى حسين من أعلى لأسفل قبل أن يقول ساخرا:
- حسرة قلبي عليك وأنا اللي كنت فاكرك بتجيبلي عيال رزلين شبهك يقولولي يا عمو ، على العموم عمك جاسر جاي ورايا
تنهد حسين ساخرا يصدم مراد على رأسه الوغد سيلقنه درسا ، رأى جاسر يقترب منهم أشار إلى حسين ليتنحى عن الباب يوجه حديثه إليه :
- سيبني مع چوري شوية لوحدنا
ومن ثم دخل إلى الغرفة حيث ابنته ، يغلق الباب في وجه كل من حسين ومراد ، ضحك مراد ينظر لحسين يتشمت به :
- دا أنت هيطلع عين أهلك لما يبقى حماك رسمي
ابتسم حسين يكتف ذراعيه ينظر لشقيقه ساخرا يتهكم منه :
- دا على أساس أنه مش هيبقى حماك إنت كمان
أصفر وجه مراد وتوسعت عينيه فزعا نظر إلى شقيقه يتمتم مذعورا :
- دا هيعملني ممسحة مطبخ ، يا ليلة بيضا دا ما بيطقنيش لوحده ، ما أنا ما كنش ينفع أروح أكل فطاره كل يوم !!
_______________
في المستشفى .. في غرفة يوسف ، لم تفارق ملاك يوسف ولو لحظة رغم محاولات جاسر لإقناعها ، واتصالات والدتها التي صرخت فيها مرارا وتكرارا أن عليها أن تعود ولكنها لم تستمع ظلت جالسة جواره ، رغما عن الجميع تنظر لوجهه وهو غائب عن الوعي ، إلى أن رأته يتأوه متألما ، انتفضت قلقة أما هو فحرك جفنيه المغلقين شيئا فشيء إلى أن فتح عينيه أخيرا ، شقت ابتسامة كبيرة شفتيها حين رأته قد استيقظ رفع يده السليمة إلى رأسه يتأوه متألما ، نظر حوله ليدرك أنه في غرفة مستشفى ، وجهها وابتسامتها كانوا أول ما رأى ، ابتسم متعبا منهكا فتح شفتيه يعتذر منها :
- سامحيني يا ملاك ، أنا آسف ، أنا بحبك أوي والله ، بحبك أكتر مما تتخيلي...
أغرقت الدموع عينيها تُحرك رأسها بالإيجاب ، تقاطعه قبل أن يكمل تقول سريعا :
- أنا مسمحاك يا يوسف ، وكل اللي فات هننساه كأنه ما حصلش ، أنا كنت هموت من الخوف لما شوفتك واقع على الأرض غرقان في دمك ، حسيت إني هبقى يتيمة تاني من غيرك يا يوسف
ابتسم لها سعيدا ، مد ذراعه السليم إليها يطلب منها مساعدته :
- طب ساعديني عايز أقعد
اقتربت منه تحاول أن تساعده ، أراد أن يدفع جسده بقدميه ولكن قدميه لم تستجب له !! ، توسعت عيناه ذعرا ينزع ذراعه من كف يدها يحاول أن يحرك قدميه لا شيء ، قدميه ترفض الاستجابة ، نظر إليها مرتعبا قبل أن يتمتم منهكا مذعورا :
- ملاك أنا مش عارف أحرك رجليا الاتنين ، ملاك رجليا ما بتتحركش
توسعت عيني ملاك قبل أن تصرخ مذعورة مما جعل تلك الممرضة التي تقف عند باب الغرفة تحمل في يدها مصل به سُم أعطاه نصار إليها ليتخلص من يوسف عقابا لجاسر على ما قال ، ترتبك بشدة ابتعدت عن الغرفة تتوجه إلى مرحاض بعيد ، أخرجت هاتفها تطلب رقم نصار تحادثه متوترة :
- الحق يا نصار باشا الولد اللي اسمه يوسف ، تقريبا حصله شلل مش عارف يحرك رجليه الاتنين وعمال يصرخ ، أعمل ايه دلوقتي
تعالت ضحكات نصار العالية ، لا يصدق تسير أفضل مما يتصور ، يوسف الشوكة الذي كان يخشى منها انكسرت على ما يبدو وجاسر سيعيش المرار والألم والقهر وهو يرى ولده قعيد لا يقدر على الحراك بفعل من ، ولده الآخر يالها من لعبة مسلية تُلعب لصالحه وجه حديثه للممرضة يردف ضاحكا :
- لالا مش محتاجينه خلاص ، ارميه دا كدة الموضوع أحسن بكتير ، هبعتلك باقي فلوسك سلام يا حلوة
___________
في منزل نصار أغلق الخط مع الممرضة يضحك بعلو صوته سعيدا ، التف حول نفسه ينظر لحوائط الغرفة حوله التي تحوي صور الجميع ، ها هي خطته تسير لصالحه ، تبقى فقط مريم لم تكن ضمن الخطة ولكنه يبدو أنه أحبها ، والحياة معه ستكون أفضل بكثير من حياة القحط التي على وشك أن يلقي جاسر فيها هو وعائلته ، أما الصغيرة مريم فستصبح دمية لطيفة في فراشه ، رن هاتفه تلك المرة برقم ممدوح مساعد رعد ، فتح الخط ليجد ممدوح يغمغم سريعا :
- ايوة يا نصار باشا ، جاسر مهران خطف مرات رعد وابنه ، ورعد شايط وواضح أن اللي حصل دا مش هيعدي على خير
ضحك نصار منتصرا جميع خيوط اللعبة في يده الآن وهو المنتصر ، أغلق الخط مع ممدوح يتصل بجاسر يقول له :
- ايوة يا جاسر ، جاسر أنا عاوز اتجوز مريم ، أنا خلاص ما بقتش قادر أعيش من غيرها، أنا عارف أنك هتشوف كلامي دا وقاحة ، بس إحنا أصحاب وأنا دايما صريح معاك قولت ايه
- النهاردة الخميس ، الخميس الجاي فرحكوا مبروك يا نصار !