رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم دينا جمال


 رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل التاسع والثلاثون 

انتفضت بكت وصرخت وتوسلته أن يبتعد ، توستله إلا يفتت حياتهم قبل حتى أن تبدأ ولكنه لم يستمع ، لم يستمع أبدا ، أغمضت عينيها تعتصر جفنيها من الألم ، وحين فتحت مقلتيها أبصرت حسين يجلس أمامها في السيارة يبسط كف يده أسفل ذقنه يستند إلى عجلة القيادة ينظر إليها ساخرا قبل أن يتمتم يتهكم منها :
- ها اغتصبك كام مرة ؟!
جعدت جبينها مستنكرة ما يقول تنظر لنفسها وللمكان حولها لا تفهم ما الذي حدث توا ، التفتت برأسها هنا وهناك قبل أن توجه أنظارها إليه تصرخ فيه :
- أنت عملت فيا ايه يا حيوان ، بابا مش هيسيبك ، أنا هخليه يموتك 
ابتسم حسين ساخرا يومأ برأسه يتهكم مما تقول من جديد :
- وهتقوليله ايه بقى ، اقتله يا بابا عشان اغتصبني في الحلم ! ، چوري أنا قولتلك ألف مرة بطلي فُرجة على مسلسلات وأفلام تركي ، أهي لحست دماغك 
لم تقتنع بما يقول الوغد يحاول خداعها ، كورت كف يدها تصدمه على صدره بعنف كبير تصرخ بلا توقف :
- أنت فاكر أنك هتعرف تضحك عليا ، فاكر أنك هتوهمني إني كنت بحلم ، أنا هوديك في ستين داهية وهرفع قضية وهقدم فيك بلاغ ، وهقول لبابا أنك خدتني بيتك المهجور دا ، وقطعت هدومي واغتصبتني ، والطب الشرعي هيثبت دا 
ظل ينظر إليها مدهوشا مما تقول يتأوه من ألم ضرباتها العنيفة على صدره ، إلى أن مل مما تقول أمسك بقبضتيها بين كفيه يصرخ فيها لتتوقف عن الصراخ :
- بس خلاص ، ااايييه بلاعة واتفتحت ، ولا خدوهم بالصوت عشان ما أحاسبكيش عل المصيبة اللي عملتيها ، بيت مين يا أمي أنا أقسملك بالله لسه ما جبت شقة حتى نتجوز فيها ، وهدومك عليكي أهي هقطعهالك إزاي ، مش أنا قولتلك بطلي فرجة على تركي ، شوفي البيت دا في أنهي مسلسل بقى 
صمتت فجاءة وهدأت موجة غضبها أخيرا ، حين تذكرت شيئا واحدًا فقط ، أن ذاك البيت الذي أخذها حسين إليه هو نفسه البيت الذي رأته في حلقة مسلسل الأمس الذي اعتدى فيه الشرير على البطلة المسكينة ، ابتلعت لعابها متوترة تُخرج كفيها من بين كفي حسين ، رفعت يدها إلى رأسها تشعر بالصداع الشديد لتتأوه متألمة حين لامست يدها رأسها ، شعرت بألم شديد ، فتحت حقيبة يدها تُخرج مرآة صغيرى نظرت من خلال لترى كدمة قوية ، في منتصف جبينها تحتل جزء كبير من جبينها ، نظرت إلى حسين تسأله :
- هو أنا اتخبطت إزاي 
تنهد هو السبب في تلك الكدمة القوية في رأسها ، توتر يتهرب بعينيه منها قبل أن يقول مرتبكا  :
- أنا ما كنش قصدي أنا كنت سايق العربية على سرعة عالية ووقفت فجاءة بسبب الإشارة ، جسمك اتحدف على قدام واتخبطتي في دماغك واغمي عليكي 
كدمة رأسها أفضل بكثير من حُلمها البشع تنهدت مشوشة تغمض عينيها تحاول أن تتخلص من بقايا ذلك الحلم السيء الذي علق برأسها ، انتفضت في الثانية التالية حين تحدث غاضبا :
- أديكِ فوقتي وحمد لله على السلامة وطلعت في الآخر المغتصب الشرير ، ممكن تقوليلي بقى ايه القرف اللي أنا شوفته دا ، أنتِ إزاي تسيبيه يبوسك يا هانم يا محترمة يا بنت الناس
انتفضت غاضبة منه ، التفت قليلا ناحيتها تُشهر سبابتها أمام وجهه تصرخ فيه:
- ما اسمحلكش يا حسين ، لو شاكك واحد في المية أن أنا مش محترمة اتفضل طلقني حالا ، الحيوان دا باسني بالعافية وأنا كنت بزقه وببعده عني لما أنت جيت ، أنت لو بتشوف أصلا ، كنت شوفت إني بزقه وبضربه مش حضناه وببوسه يا أعمى البصر والبصيرة 
توسعت حدقتاه ذهولا چوري سليطة اللسان تشتمه ، ولكنها محقة هو لم يرها تقبله رآها تدفعه وهو من يمسك برأسها يجذبها نحوهه ، الوغد يشعر أن ما فعله معه ليس بكافيا ، سيعود ويحطم عظام جسده أجمع ويطحنهم إلى فتات ، تنفس بعمق مسح وجهه بكف يده قبل أن ينظر إليها ابتلع لعابه يتمتم يعتذر منها :
- أنا آسف ! 
توسعت عيناها هي الأخرى لم تكن تظن أنه سيعتذر هكذا ببساطة ، تشعر بالغضب الشديد منه بسبب الحُلم ، ولكنه لم يفعل شيئا وها هو الآن يعتذر ، تنهدت هي الأخرى تومأ برأسها تتحدث بهدوء :
- حصل خير ، هو الحيوان دا من البداية ما كنتش نيته سليمة وأنا اللي كنت مخدوعة فيه ، وأكيد هو عمل كدة عشان تشوفنا ويخرب علاقتنا 
حرك رأسه يوافق ما تقول ، يقسم أن ما فعله لن يمر مرور الكرام أبدا ، سيعمل على طرد الوغد من عمله بعد أن يحطم عظامه ، نظر إليها مقررا أن يبدل دفة الحديث ، مد يده برفق يتحسس الكدمة على جبينها لتتأوه متألمة تنكمش بعيدا عنه ، اضطربت حدقتيها خوفا ليتنهد يتحدث يائسا :
- چوري والله العظيم كان حلم ، وبعدين أنتي دماغك مش كويسة عشان تحلمي بيا حلم زي دا يا قليلة الأدب 
توسعت عيناها ذهولا تنظر إليه حانقة وقبل أن تصرخ ارتسمت إبتسامة عابثة على شفتيه يحرك حاحبيه يشاكسها :
- وبعدين في نظرية في علم النفس بتقولك ان الأحلام تفريغ لرغبات الإنسان اللي مش عارف يحققها ،يا قليلة الأدب
شهقت بعنف ، قبضت على حقيبة يدها بعنف تصدمه بها مرارا وتكرارا تصرخ فيه غاضبة :
- أنت اللي قليل الأدب ، طلقني بقولك طلقني 
ضحك عاليا يدير مُحرك السيارة يكمل طريقه إلى منزل أبيها ، وهي تصرخ فيه طوال الطريق أن يطلقها ، وهو يضحك يسخر منها ، حين وصلوا إلى حديقة المنزل ، رأت سيارة أبيها تقف ورأت يوسف ومعه صديق أبيها ذلك الرجل بات جزءًا لا يتجزء من حياتهم ، يخرجان من السيارة سريعا ، يُسندان أبيها ، هنا شهقت بعنف نزلت من السيارة تهرول صوب أبيها وقفت أمامه تنظر إليه مذعورة تسأله :
- مالك يا بابا ، حصل ايه ؟ ماله بابا يا يوسف 
ابتسم جاسر في وهن ، قبل أن يقطب جبينه قلقا ينظر لكدمة رأسها مد يده يتحسسها بخفة يسألها :
- مالك يا حبيبتي أنتِ اتخبطتي ولا إيه 
كادت أن تقول شيئا حين سمعت صوت حسين يأتي من خلفها يبرر بدلا منها :
- اتخبطت في العربية يا عمي وأنا سايق كدمة بسيطة ما تقلقش
حركت رأسها سريعا تدمع عينيها ، لتشعر بيد أبيها تمسح على تلك الكدمة في رأسها برفق شديد ، لتمسك بيده سريعا تُقبل كف يده تبكي ، ربت على وجنتها برفق يحادثها :
- يا حبيبتي ما تعيطيش أنا كويس أنا بس تعبت شوية ، چوري أنا عاوز أفرح بيكِ بقى ، أنتِ وحسين اتصالحتوا الحمد لله ، فيها ايه لو عملنا فرح كبير 
توترت مما يقول أبيها ، زفاف بتلك السرعة ابتلعت لعابها تحاول أن تقول شيئا :
- ايوة يا بابا بس اصلا لسه ما جابش شقة ، ولسه الشقة ونختار ديكوراتها والعفش وكل الكلام دا محتاج وقت 
حرك جاسر رأسه للجانبين بخفة يبتسم يطمأنها :
- لا يا چوري ، مش محتاج وقت وبعدين مالكوش انتوا دعوة بموضوع الشقة ، اتجوزوا وسافروا شهر العسل ولما ترجعوا هكون أنا وعاصم ومامتك ومرات خالك ظبطنا كل حاجة ، عشان خاطري يا حبيبتي أنا عاوز أفرح بيكي قبل ما يجرالي حاجة 
توسعت عينا چوري ذعرا تحرك رأسها للجانبين بسرعة تتمتم خائفة :
- ما تقولش كدة تاني أرجوك ربنا يديك الصحة وتفضل دايما معانا 
ابتسم جاسر يحرك رأسه قبل أن يعاود الإلحاح من جديد علها توافق :
- ماشي مش هقول كدة تاني ، بس أنا بردوا عايز أفرح بيكِ ، ولا أنت عندك اعتراض يا حسين
نظرت چوري صوب حسين لتراه يحرك رأسه للجانبين يتحدث متلهفا :
- والله أنا لو عليا اتجوز النهاردة ، فاللي تشوفه يا عمي أنا موافق عليه 
ابتسم جاسر يومأ برأسه نظر لابنته يغمغم مبتهجا متعبا في الآن ذاته :
- بعد اسبوع أو 10 أيام بالكتير كويس أوي أكون استرديت صحتي ، مبروك يا حبيبتي
وتحرك إليها يقبل جبينها بخفة يربت على وجنتها برفق ، لف ذراعه حول كتفيها يطلب منها يمازحها:
- يلا تعالي طلعيني أوضتي ، أنا هسند على چوريتي حبيبتي يلا امشي أنت وهو من هنا 
ابتسمت في وجه أبيها حزينة متوترة ، تتحرك معه لأعلى استأذن حسين وغادر وتحرك البقية لداخل البيت ، أبصر نصار مريم تجلس في منتصف الصالة تضم كفيها تنظر للفراغ شاردة ، تحرك يقف أمامها لترفع وجهها إليه تنظر له متوترة ، بينما أبتسم هو يحادثها مبتهجا :
- بقولك إيه ، چوري أختك هتتجوز هي وحسين ابن خالك دا تقريبا بعد 10 أيام على حسب كلام جاسر ، ما تيجي نعمل خطوبتنا مع فرحهم أو نخليها خطوبة وكتب كتاب ، قولتي ايه ، عشان هطلع دلوقتي أفاتح جاسر ، جاسر تعبان بجد ومحتاج أننا نكون جنبه ونفرحه على قد ما نقدر 
_______________
في صباح اليوم التالي 
أمام مطار القاهرة الدولي ، تقف هي بسروال من الجينز الأسود وسترة زرقاء تلملم خصلات شعرها للخلف تضع نظارة سوداء على عينيها في إنتظار خروجه ، ابتسمت ما أن رأته ترفع يدها تلوح له ليبتسم هو الآخر يرفع يده سعيدا يلوح لها يُسرع خطاه إليها ، إلى أن باتت أمامها شاب طويل القامة عريض المنكبين أصلع الرأس لديه طبقة خفيفة من الشعر ، ولحية مهذبة ، في بداية حياته حين كان لا يزال طالبا في الجامعة كان يعمل عارض أزياء لحُلل الرجال الباهظة ،وكان نجم العروض الأساسي لوسامته اللافتة للنظر ، إذا لا داعي لوصف مدى قدر وسامته ، ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيه يحادثها مبتهجا :
- طرب وحشتيني أوي ، أنا حقيقي مبوسط إني سمعت صوتك إمبارح ، ومبسوط جداا أنك أنتي بنفسك الي مستنياني في المطار 
مدت يدها تزيح النظارة من فوق عينيها تضعها فوق رأسها تحادثه وهي تبتسم :
- وأنت اي حد بردوا يا ظافر ، حمد لله على سلامتك نورت ، اتفضل معايا أوصلك لكمال بيه ، تحب تسوق أنت ولا أسوق أنا
ابتسم يأخذ منها مفتاح السيارة فتح الباب المجاور للسائق ينحني لها قليلا بحركة مسرحية تقليدية مبتذلة يردف :
- لاء طبعا أنا اللي هسوق وأنتي هتقعدي أميرة ، اتفضلي يا أميرة 
ضحكت طرب بخفة تدخل إلى السيارة ليغلق الباب عليها ، يضع حقائبه فيها ألتف حول السيارة يجلس على المقعد المجاور لها يدير محرك السيارة لف رأسه إليها يحدثها مبتسما :
- أخبار يونس إيه صحيح ، أشتقتله كتير
ابتسمت طرب بخفة تومأ برأسها تردف :
- كويس كبر شوية صغيرين هتشوفه لما نوصل ، هو كمان بيحبك أوي
ابتسم ظافر يحرك رأسه ، وجه أنظاره للطريق أمامه لعدة دقائق قبل أن يزفر أنفاسه متضايقا يسألها :
- نسيت أسألك صحيح ، أخبار جوزك إيه ، كنتي بتقولي في بينكوا مشاكل هتتحل ، عملتي ايه 
- أنا ورعد هنتطلق قريب يا ظافر
قاطعته وقالتها بنبرة هادئة قاطعة ؛ لتشخص عيناه يوقف السيارة سريعا التفتت لها يسألها متلهفا :
- أنتِ بتتكلمي بجد ؟!
حركت رأسها بالإيجاب تؤكد ما تقول ، لترى إبتسامة واسعة سعيدة تشق شفتيه ، عاد يدير محرك السيارة من جديد ينطلق في وجهته يحدثها مبتهجا :
- جبتلك معايا هدايا كتير أوي ، أنا واثق أنهم هيعجبوكي أنا حافظ ذوقك كويس 
ابتسمت تُخرج الهاتف من حقيبتها تحادثه وهي تبتسم :
- تعالا ناخد سلفي وننزلها على بيدج الشركة على الانستا 
أوقف محرك السيارة مرة أخرى يقترب منها ليظهر معها في الصورة وهو يبتسم ، رفعت طرب الصورة على صفحة الشركة ، وعلى صفحتها الشخصية لتتأكد أن رعد سوف يراها !! 
_____________
أما هناك في منزل زينب ووالدها ، قضت ليلة بشعة من البكاء المتواصل لساعات ، وحين استيقظت صباحا وخرجت لترى أبيها رأته يجلس بكل هدوء واريحية في صالة منزلهم وكأن شيئا لم يحدث بالأمس إطلاقا ، فاغتاظت بشدة تحركت صوب المطبخ حيث يوجد أبيها وقفت أمامه تتحدث منفعلة :
- بابا لو سمحت خليه يمشي طلعه برة أنا مش عاوزة أشوفه 
التفت أبيها لها يحادثها مترفقا بحالها :
- اهدي يا زينب ، شريف حكالي على كل حاجة ، وهو يا ستي جاي يعتذر ، وحلفي لي أنه مش هيكرر اللي قاله دا تاني أبدا ،  ما كنش يعرف أنه كدة بيضغط عليكِ حركت رأسها للجانبين تنهمر الدموع من عينيها يرتجف صوتها ألما :
- وأنا مش عيزاه ، مش عايزة اعتذاره مشيه يا بابا خليه يطلقني ويبعد عن حياتي بقى 
أقترب أبيها منها يعانقها برفق يربت على رأسها بخفة :
- يا حبيبتي اهدي ، ما تعلميش في نفسك كدة ، يا حبيبتي والله شريف جدع طيب وابن حلال وهو ما كنش قاصد ، وبعدين أنتي خدتي حقك منه وكسرتي عربيته
ابتعدت عن أحضان أبيها تحرك رأسها للجانبين بعنف تُغرق الدموع وجهها ضربت على قلبها بكف يدها تصرخ من الألم :
- وهو كسر قلبي ، وكسر نفسي ، أنا مش عوزاه ، يا ريتني ما قابلته ولا عرفته ولا حبيته !
وتحركت تخرج سريعا لتعود لغرفتها ؛ وقف أمامها سريعا يعترض طريقها ينظر إليها نادما يود فقط أن يعتذر ويطمع في أن تقبل إعتذاره ، ابتلع لعابه يهمس نادما :
- زينب أنا آسف أنا بجد آسف حقك عليا 
ولكنها لم تدعه يكمل هرعت إلى غرفتها توصد الباب عليها بالمفتاح من الداخل ، لحق بها سريعا يحاول فتح باب غرفتها يدق على سطحه يحادثها نادما حزينا :
- زينب أنا آسف ، والله ما هكلمك كدة تاني ، أنا عارف أني ضغطت عليكِ زيادة عن اللزوم ما كنش قصدي يا زينب ، أنا بس كنت عاوزك تبقي أنشف من كدة ، زينب عشان خاطري أخرجي خليني أشوفك طيب قبل ما أسافر ، والله العظيم ما بضحك عليكِ أنا مسافر مأمورية طويلة ، ومش عارف هرجع امتى ، ومش عارف هرجع حي ولا لاء ، آخر مرة كنت بين الحيا والموت ، عشان خاطري يا زينب افتحي الباب 
ولكنها لم تفعل ، قاومت بكل ذرة فيها ولم تفعل ، جلست أرضا تستند إلى الباب المغلق تضم قدميها لها تبكي بحرقة ، أما هو فظل يلح عليها ولكنها لم تستمع إليه ، إلى أن شعر بالإحباط ليتنهد يحادثها حزينا :
- ماشي يا زينب ، على راحتك ، أنا آسف 
وإن شاء الله لو كان ليا عُمر أشوفك لما أرجع 
، طب مش هتخرجي دقيقة واحدة طيب أشوفك قبل ما أمشي 
ولكنها لم تفعل ، جلست تصارع ذكريات الماضي وشعورها الدائم بالخوف والنقصان والحرمان ، أغمضت عينيها تنساب الدموع منهم ، لم تعد تريد ذلك الحب لم تعد تريده أبدا 
أما شريف فأعتذر من أبيها ونزل لأسفل يجلس في سيارة لأكثر من نصف ساعة علها تخرج لشرفة غرفتها ويراها ، في خضم ذلك دق هاتفه برقم مجدي يطلب منه الحضور في الحال لأنهم على وشك المغادرة فما كان منه إلا أن غادر نظر لشرفة غرفتها قبل أن يرحل يتمتم حزينا :
- مع السلامة يا زينب
________________
في شركة رعد في مكتبه الخاص 
يجلس رعد على سطح مقعده خلف مكتبه ينظر لأوراق آخر صفقة أقتنصها من براثن شركة مهران رغما عن الجميع ، دُق باب غرفة مكتبه ودخل المساعد الخاص به وبجوزته ملف ، وضعه على المكتب أمامه يحادثه :
- رعد باشا دي كشوفات مرتبات الموظفين محتاجين بس امضتك عشان يتم صرفها 
اومأ رعد برأسه فتح الملف وأمسك بقلمه ، ألتقط هاتفه يطلب رقم ما ، وضع الهاتف على أذنه وبدأ بتوقيع الأوراق ، يقرأها جيدا قبلا ، إلى أن أجاب من على الطرف الآخر  ؛ ليتحدث رعد سريعا :
- ايوة يا دكتور حامد ، كل دا بتحضر الورق ، أنا عارف أنك مش عاوز تجيب ورق مضروب عشان ما يتكشفش في المحكمة بس أنت طولت أوي ، أنجزني بالله عليك وليك اللي تطلبه كله ، آه أنا عاوز القاضي 
أول ما يشوف الورق يحكملي على طول ، تطلعه بقى متخلف مختل بياكل في المشباك مش فارقة معايا ، المهم إني أكسب قضية الحجر وهديك ضعف اللي متفقين عليه ، ماشي مستنيك سلام 
أغلق معه الخط ووقع الورقة الأخيرة يعطيها لمساعده الذي بدا على وجهه الذهول والصدمة أثر ما سمع ، ابتسم رعد ساخرا يصرفه بإشارة من يده ، خرج المساعد سريعا من مكتب رعد توجه إلى مرحاض الموظفين تأكد أن لا أحد هناك ليغلق على نفسه الباب الرئيسي ، وقف جانبا يتحدث في الهاتف بصوت خفيض للغاية :
- ايوة يا نصار بيه ، رعد دلوقتي كان بيكلم دكتور اسمه حامد عشان يخلصله الورق اللي هيحطه مع القضية عشان يتحكمله في القضية ، دا عيل جاحد وقليل الأدب وزبالة ، لو تشوفوا وهو بيتكلم عن أبوه وأنه عايز يطلعه مجنون بأي شكل عشان ياخد مكانه ، حاجة ما عدتش على رباية والله ، ماشي يا نصار بيه لو عرفت أي حاجة تانية هبلغك بيها  ، سلام
وأغلق معه الخط ، يخرج من المرحاض كأن شيئا لم يكن 
أما في غرفة مكتب رعد ، اضجع رعد إلى ظهر مقعده يعبث في هاتفه ، حين وقعت عينيه على صورة طرب بصحبة ذلك الرجل الذي لم يره قبلا ، نظر لما كتبت أسفل الصورة ، ربما يكون أخاها وهو لا يدري مثلا ليجدها كتبت
« بصحبة الوسيم ، الشريك الجديد »
بالطبع كلمة الوسيم ليست اسما له بل هي صفته ، زوجته المصون تتغزل برجلٍ آخر سينتزع رقبتها ويرتاح نهائيا وبعدها سيطمس ملامح ذلك الوسيم ، نظر للصورة من جديد يُمعن النظر إلى ما ترتدي طرب ، لم تعجبه ثيابها ، لم تعجبه إطلاقا وذلك المخنث لما يقترب منها هكذا ، ولما لم يخبرها رجاله أن زوجته خرجت بصحبة رجل آخر ! ، قام غاضبا ألم تكن هي من ألقت عليه محاضرة في الأخلاق ليلة أمس والآن تخرج بصحبة رجل آخر وتنعته بالوسيم أيضا ، خرج من مكتبه غاضبا يتوجه إلى سيارته يقودها غاضبا مسرعا إلى حيث بيت كمال ، أوقف السيارة بعد نصف ساعة تقريبا قفز خارجها يتحرك إلى الداخل بخطى سريعة ؛ ليبصر ذلك المخنث يقف في منتصف الحديقة يحمل طفله الصغير يقذفه لأعلى والصغير يضحك سعيدا ، يبدو أن يونس الصغير يراه وسيما هو الآخر كما تفعل والدته ، تحرك إليهم غاضبا يأخذ الصبي من بين يديه يصرخ فيه:
- أنت مين ، وإزاي تلمس ابني وفين طرب هانم؟
بكى الصبي مذعورا بسبب صوت صراخ أبيه الغاضب ، في حين خرجت طرب تهرول من الداخل رأت رعد أمامها يقف أمام ظافر ويبدو في قمة غضبه ... تحركت بخطى واسعة إليهم تأخذ الصبي من بين يدي رعد تحادثه منفعلة :
- أنت اتجننت أنت بتعمل ايه هنا اصلا
ولتزيد غضبه أعطت الصغير لظافر ليميل برأسه على صدره ظافر يغمض عينيه يخرج منه شهقات خافتة بعد أن هدأ كثيرا ، فاشتاط رعد غضبا من نفسه ومن الصغير ومنها ، قبض على رسغ يدها يهزها يصرخ فيها :
- مين دا يا هانم ، وإزاي تتصوري معاه وهو مقرب منك كدة ، وايه القرف اللي كتباه دا ، هو أنتي فاكرة نفسك متجوزة تور 
هنا أعطى ظافر الصبي لإحدى الخادمات لتدخل به إلى داخل البيت وتحرك يقف أمام رعد بينه وبين طرب ابتسم يتحدث ساخرا :
- سيب ايدها وخلينا نتكلم راجل لراجل 
ضحك رعد ساخرا يُفلت رسغ يد طرب من يده فعادت تقف خلف ظافر وكأنها تحتمي به وتلك الحركة جعلت نيران غضبه تتأجج ، تحتمي بذلك الوغد منه !! صرخ فيها :
- أنتِ اتجننتي بتقفي وراه بتتحامي فيه مني 
ابتلعت لعابها متوترة يبدو أن الوضع على وشك أن يخرج عن السيطرة وربما خرج ، كادت أن تقول شيئا حين أردف ظافر يستفزه بكل هدوء :
- ما هو طالما إنت شايف نفسك بلطجي وداخل تتهجم علينا بالمنظر دا ، يبقى من حقها تتحامى منك ، لما تزعق بالمنظر دا وأنت شايل طفل عمره شهور لدرجة أنه يتفزع ويعيط يبقى من حقها تتحامى منك ، وبعدين هو أنت مش خلاص هطلقها ماتطلقها وتحل عن سماها بقى 
الوغد استطاع ببضع جُمل ان يجعله ينفجر قبض على تلابيب ثيابه يقربه منه يصرخ فيه:
- أطلقها دا لما تشوف حلمة ودنك أنت وهي 
وتحرك إلى البيت يدخل من الباب المفتوح أخذ الطفل من الخادمة حمله يتحرك به صوب سيارته لتصرخ طرب مذعورة تركض خلفه :
- أنت رايح فين هات يونس ، هات ابني ، الحقووووني دا بيخطف الولد !!
______________
زين استفاق ، معلومة جعلته ينتفض يمسح الدموع التي غزت مقلتيه منذ الأمس ، وقف متلهفا يود الدخول لرؤية أخيه ، ولكن الطبيب خرج من غرفته يوجه حديثه لجاسر :
- دكتور جاسر باشمهندس زين عايز يشوفك لوحدك ، بس أرجوك ما تجهودش في الكلام لأنه لسه تعبان جدااا 
اومأ جاسر برأسه يتحرك إلى غرفة زين ، بينما وقف عمار في حيرة من أمره ما الذي يريده زين من جاسر .
دخل جاسر إلى غرفة زين ؛ ليرى الأخير مسطح إلى الفراش يلتف شاش أبيض حول رأسه ، ارتسمت على شفتيه ابتسامة متعبة للغاية يطلب من جاسر أن يتقدم منه ، أقترب جاسر يتحدث يعتذر عما فعل :
- زين أنا بجد آسف على اللي حصل ، وصدقني اقسملك بالله أنا مستعد أروح دلوقتي حالا أبلغ عن 
اللي عملته فيك في أقرب قسم ، أنا بجد مش متخيل أن أنا السبب في رقدتك دي 
حرك زين رأسه للجانبين ليتأوه متألما يهمس بصوت خفيض :
- لا يا جاسر اوعى تعمل كدة ، أنا عارف إن اللي حصل دا كان من غير قصدك أنا بس ليا رجاء عندك ، أرجوك نفذهولي 
حرك جاسر رأسه يوافق وهو شبه يعرف ما يريد زين تحديدا ، ابتلع زين لعابه يُكمل مجهدًا :
- أبعد عن عمار ، أنا عارف أنه غلط في حق أختك ، بس أنت ضربته بالرصاص وغيرك حاول يقتله ، دا كفاية أنك اتجوزت مليكة ، أنت مش عارف هو عايش في عذاب إزاي ، عمار بيتنفس حب مليكة ، أنا ما بقولكش كدة عشان تطلقها ،ولا أخرب ما بينكوا ، أنا قصدي أقولك أنك واخد حقك منه تالت ومتلت ، وهو مش هيرجع القاهرة تاني مش هتشوفه تاني ، أبعد عنه أبوس إيدك 

تنهد جاسر يشعر بالغضب الشديد لينفعل يحادث زين غاضبا :
- أخوك دا مؤذي ، لازم يتحط في مستشفي المجانين بدل ما يأذي ناس تانية مالهمش ذنب 
طرفت عيني زين الدموع رافضا ما يسمع خرج صوته منفعلا ضعيفا للغاية :
- أنا ما ببررلش ليه غلطه ، بس أقسملك هو مش هيعمل كدة تاني ، هو كان مجبور على كدة ، أنت ما شوفتش اللي هو شافه ، عمار شاف العذاب ألوان ، أنا سرقت المفكرة بتاعته مرة من وراه ، وقريت إللى خلاني بتنفض من الوجع من مجرد التخيل ، أقولك أبسط حاجة في اللي حصله ، عمار كان بيترمي يجري فريسة ووراه كلب مسعور وهو طفل عنده 8 سنين يا دكتور ، في الوقت اللي كنت بتروح فيه المدرسة مع زمايلك في الباص هو كان بيجري حافي عريان ووراه كلب مسعور ، أنا مش هقولك حاجة من اللي شافها تاني ، كل اللي أنا عاوزه منك ، أرجوك أبعد عنه
صمت زين تلمع الدموع في عينيه حزنا على حال شقيقه ، أما جاسر فظل ينظر إليه وعقله يحاول أن يحلل ما سمع توًا ، هل من الممكن أن يكن عمار ضحية هو الآخر ، هل فعلا لم يكن يملك خيارًا سوى الإيذاء ! ، هل يكتفي بما فعل
ويتركه يذهب لحال سبيله ، زين لا يكذب ... حرقته القوية والألم العميق في صوته حين كان يتحدث عما حدث لشقيقه لن يقدر على تمثيله شاب استيقظ من حادث مؤلم منذ دقائق فقط ، تنهد وقام واقفا مد يده يربت على كف زين يردف :
- حاضر يا زين ، أنا هبعد عنه وماليش دعوة بيه تاني ، بس بلغه أنه لو لمحته صدفة في حياتي حتى هقلته ، حمد لله على سلامتك يا زين عن إذنك
وتحرك يغادر الغرفة يحاول ألا ينظر صوب عمار ولكنه فعل ، وما رأى كان صورة هشة لرجل يقف بعيدا يرتجف يبكي عينيه معلقة بباب غرفة زين ، وكأنه طفل صغير ينتظر خروج والدته لتطمأنه ، زفر أنفاسه حانقا يتحرك لخارج المستشفى ، لم ينتظر عمار أن يسمح له الطبيب برؤية شقيقه ما أن خرج جاسر اندفع إلى غرفة زين ، ما أن دخل تجمدت قدميه وهو ينظر لشقيقه وكل ذرة به تصرخ فيه أنه السبب فيما حدث لشقيقه وأنه من يجب أن يموت ليتخلص الجميع من شيطان مثله ، تحرك صوب فراش شقيقه تفيض عينيه بالدمع ، اقترب منه يجلس أمامه على الفراش مسرعا مد يده يمسك بكف يد زين يحادثه باكيا :
- ما تسبنيش يا زين ، بالله عليك ما تسيبني ، أنا دايما كنت بقعد اتريق عليك وأقولك أنت طيب ، أنت ما تعرفش أنا أقدر أعمل ايه ، أبعد عني أنا مش عاوزك تقرب مني ، عشان كنت خايف عليك ، إنما في الحقيقة أنا أضعف وأجبن مما تتخيل يا زين ، أنا ما بحسش بالأمان غير لما أنت تكون موجود ، أنا دايما كنت بحاول أبعدك عشان ما تتأذيش عشان ما يطولكش شر نصار 
شد زين على يد شقيقه برفق يقاطع ما يقول مترفقا به :
- عمار عشان خاطري بطل عياط ، أنا كويس والله أهو صدقني ، خلاص يا عمار أنسى كل اللي فات ، وأنا مستعد أجي أعيش معاك هنا في أسوان ، ونبعد عن كل اللي فات 
حرك عمار رأسه للجانبين رفع يديه يحاول أن يمسح دموعه يرفض ما يقول أخيه :
- لا يا زين أنا مش هسيبك توقف حياتك عشاني ...
قاطعه زين حين أمسك بكف يده يقبض عليه يعلو بصوته رغم الوهن الشديد الذي هو فيه :
- أنت بتتكلم بجد يا عمار ؟! ، أنت ما عملتش حاجة في حياتك غير أنك ضحيت عشاني ، واقف دايما قدامي عشان تحميني من شر نصار وتهاني ، كل مرة كانوا بيحولوا يجبروني أنفذ خطة من خططهم كنت بتقف وتقول لاء زين مالوش دعوة أنا هنفذ ، لو مش واخد بالك فأنت اللي كنت بتحميني طول السنين دي يا عمار ، وجاي دلوقتي تقولي أنا مش هسيبك توقف حياتك عشاني ، ومين اللي كان بيحافظ على حياتي طول السنين دي يا عمار
رفع عمار وجهه ينظر لشقيقه يرتسم على شفتيه ابتسامة صغيرة شاحبة ، مد زين يده صوب عمار يطلب منه :
- قومني عايز أقعد 
مد عمار يده سريعا يُمسك بيد زين يساعده على الجلوس يضع وسادة وثيرة خلف ظهره ، أراح زين ظهره إلى الوسادة خلفه ينظر لوجه شقيقه يبتسم في حبور ، قبل أن يميل بجسده قليلا صوب عمار يعانقه ، تمسك الأخير به يبكي بحرقة :
- ما تسبنيش يا زين ، أنا ماليش غيرك في الدنيا 
ابتسم زين بوهن ، يربت على رأس شقيقه ، من خلال الجزء الزجاج المكشوف رأت رقية عمار وهو يحتضن شقيقه ويبكي ، اكتشفت أمس أنها لم تكن تعرف عمار ، علاقته به لم تزد عن علاقة سطحية ، رغم أن علاقة عمار بوالدها قوية جداا ، ألا أنها كانت تتجنبه بكل شكل ، كانت تظن أن خلف ذلك العمار كارثة ، ولكن ما رأته أمس رجل هش خائف مرتجف ، لم تذق عينيه النوم للحظة ينظر لغرفة شقيقه وكأنه ينظر للحياة خائف من أن يفقدها ، والآن تراه بين أحضان شقيقه ، كالطفل بين أحضان أبيه 
تنهدت حائرة وقلبها لا يزال يؤلمها على ضياع الرجل الوحيد الذي أحبت ولكن عمار محق ، كيف لها أن تتصور حياة مع رجل لا يحبها ، تنهدت تلتف جوارها حين وضع أبيها يده على كتفها وسمعته يقول حزينا :
- غلبان أوي الجدع دا ، اللي شافه في حياته مش قليل ، أنا كلمت أبوه عشان يجي، هو محتاجه أوي أكتر من زين !
____________
أما هناك في شقة رعد 
جلس رعد على أحد المقاعد في الصالة بعد أن نام يونس الصغير ووضعه في فراشه ، تنهد بعنف يمسح وجهه بكف يده ، فتح هاتفه يود الإتصال بالمحامي ليجد نفسه يفتح مجلد الصور التي جمعته بطرب ، صور لهما في الملاهي وأخرى في حديقة الحيوانات ، ضحك حزينا حين تذكر ما حدث هناك ، كيف ثارت حين علمت أن سعر الصورة مع الأسد مئة جنية ، وكيف ركضا هربا حين سمعا صرخًا وعلما أن الليث قد هرب من محبسه ، كان يوما لا ينسى ، ليته لم يعلم الحقيقة وظل مفتونًا بطرب الجميلة الحزينة 
أما بالأسفل فوقفت سيارة ظافر ، نظرت طرب إلى ظافر تطلب منه :
- ظافر أرجوك ما تطلعش 
معايا عشان رعد ما يعندش أكتر ، أنا هاخد يونس وأنزل
تنهد قلقا عليها ولكنه وافق :
- ماشي ، بس خلي بالك من نفسك ولو حصل اي حاجة رنة واحدة وهبقى عندك 
حركت رأسها تنزل من سيارته ، جسدها بالكامل يرتجف ، رعد اختطف طفلها الصغير ، أخذه بمنتهى القسوة وغادر ، وصلت أمام باب شقته عينيها حمراء كل ذرة بها ترتجف ، رفعت يدها تدق الباب قلبها يدق بعنف شديد ، لحظات وفُتح الباب ، رأته أمامها ابتسم ساخرا في وجهها يستند إلى حافة الباب يتحدث متهكما :
- اهلا اهلا ، خير يا طرب هانم أقدر أعرف أي ريح طيبة أتت بكِ 
شدت كف يدها تحاول ألا تصرخ في وجهه ، تحركت عينيها تبحث عن يونس في محيط الصالة ولكنها لم تره ، كادت أن تقول شيئا ولكنها سمعت صوت الصغير يبكي ، فانتفضت تهرول للداخل وهو لم يمنعها بل أغلق الباب  بعد دخولها وأوصده بالمفتاح !
تحركت طرب سريعا للداخل لتبصر يونس ينام في فراشه حملته سريعا تهدهده تنظر له عينيها تملئها الدموع ، قبلت كفيه الصغيرين وجبينه نظرت خلفها لترى رعد يقف عند باب الغرفة يحادثهل متهكما :
- مش شوفتي الولد ، اتفضلي مع ألف سلامة من غير مطرود أنا عاوز أنام ، وبعدين مش عايزين نأخرك على الباشمهندس اللي مستنيكِ في العربية
احتضنت الصغير إليها تحرك رأسها للجانبين تحادثه محتدة :
- أنا مش همشي من غير ابني يا رعد ، أنت مش هتاخده مني إنت فاهم ، أنا همشي بإبني

- ايه المقابل؟ 
قالها بابتسامة ساخرة خبيثة؛ لتقطب جبينها مستنكرة ما قال ، تحرك رعد إليها يدس يديه في جيبي سرواله وقف أمامها بخطوة واحدة ، أخرج يده اليمنى من جيب سرواله يبسطها على وجنتها يحادثه وهو يبتسم يتهكم منها :
- أنتِ عارفة لو أنا مش عاوز أرجعهولك مش هتاخديه لو شقيتي الأرض ، فإيه المقابل اللي هتدهولي عشان ارجعلك ابني
حركت عينيها على صفحة وجهه ، في تلك اللحظة شعرت بأنها ترى رجل غريب غير الذي تعرف ، انقبض قلبها خوفا ، ابتلعت لعابها تسأله متوترة:
- عاوز كام ؟
ضحك عاليا يضرب كفا فوق آخر ، ظل يضحك يتهكم مما قالت لمدة طويلة ، قبل أن تخف ضحكاته شيئا فشيء :
- صدقيني بقالي كتير ما ضحكتش كدة دلوقتي بقيتي بتتكلمي بالفلوس يا طرب ، وبعدين فلوس ايه ، دا أنا رعد مهران وقريب هيبقى في أيدي إمبراطورية مهران كلها ، فتحي مخك يا طرب ما تعمليش عبيطة ، بصي يا طرب أنا عملت حاجات كتير غلط ، ما عدا الزنا ، الموضوع بالنسبة لي كبير أوي وذنب ما أقدرش أتحمله ، خصوصا أن أنا راجل متجوز ولا إيه 
فهمت ما يقصد ، فزادت من احتضان الصغير تحرك رأسها للجانبين ترفض ما يقول ، لن تدعه يضع يده عليها ، لن تنسى أبدا ما كان يفعله هنا في هذه الشقة ، كان يهينها بأسوء الكلمات بعد أن يأخذ ما يريد منها ، صرخت فيه :
- لاء ، فاهم لاء يعني لاء ، أنا مش هخليك تلمس مني شعرة ، أنا مش هسلمك تاني يا رعد ، أنا مش هسلم لشيطان ، أنت ناسي الكلام اللي زي السم اللي كنت بتقولهولي ، أنا هاخد ابني وامشي، وأنت مش هتقدؤ تمنعني 
رفع كتفيه لأعلى يفسح لها الطريق لتتحرك للخارج سريعا توجهت إلى الباب حاولت فتحه دون فائدة الباب موصد بالمفتاح ، نظرت حولها هنا وهناك تبحث عن المفتاح ولكن لا أثر له ، سمعت صوت المفتاح فنظرت سريعا رأت رعد يمسك بميدالية المفاتيح يحركها في يده يبتسم ساخرا قبل أن يقول ببساطة :
- المفتاح أهو ، لو عوزاه هتلاقيني جوا ، نيمي يونس وتعالي
الوغد الحقير ، لن تجعله ينتصر عليها أبدا ، جلست على الأريكة في الصالة تحتضن الصغير تحرك ساقها اليسرى بسرعة ، تقضم أظافرها متوترة متضايقة خائفة ، ظلت هكذا لربع ساعة تقريبا ، نظرت للصغير لتراه عاد للنوم من جديد
قامت تحمله بخفة وتحركت للداخل، رأت رعد يجلس على الأريكة أمامه جهاز حاسب يبدو مشغولا ، ولكن رغم ذلك رأت ابتسامة ساخرة ترتسم على شفتيه ما أن دخلت الغرفة ، رفع وجهه إليها يسألها :
- ها قررتي 
نظرت إليه بإحتقار قبل أن تقول مشمئزة منه :
- هو أنت مش مكسوف من نفسك وأنت بتساومني عشان ترجعلي ابني ، بس تعرف ما حدش غلطان غيري ، أنا اللي سمعت كلام والدك ووافقت إني أرجع مصر ، أنا عايزة امشي ، عايزة ابني ، لو متضايق عشان ظافر أوعدك أني هبعد عنه تماما ولو شوفته قريب مني ساعتها ابقى خد الولد ، بس سيبني أمشي 

- لاء 
نطقها ببساطة ، يعاود النظر لشاشة الحاسوب مرة أخرى ، ظلت واقفة أمامه طويلا وهو لم يعاود النظر إليها ، تحركت تضع الصغير النائم في فراشه ، قبضت كفيها تشد عليهما ، تحركت إليه وقفت أمامه ؛ ليبتسم يُغلق الحاسوب يضعه جانبا ، تغاضى عن نظرات الألم والغضب الذي يراها في عينيها ، كاد أن يقول شيئا حين سمعها تتحدث بشق الأنفس :
- أنا موافقة ، بس بشرط تطلقني وتبعد عن حياتي أنا وابني ، أنا مش عيزاه يطلع زيك ، إنسان جاحد ما عندوش قلبي مؤذي 
شعر بالغضب الشديد مما قالت هب واقفا يقبض على مرفقها يصيح فيها :
- وأنتِ ملاك برئ ما ما تعشيش في دور الضحية يا طرب عشان مش لايق عليكِ ،كان ممكن أصدقه زمان ، لكن أنا اتلدغت منك مرة واتنين وتلاتة ، عايزة تطلقي عشان تروحي تتجوزي الواد دا ، دا بُعدك ، خليكِ كدة لا طايلة سما ولا أرض 
ودفعها للخلف فجاءة لتسقط على الفراش !!
_________
توقفت سيارته أمام مكتب الصفوة ، ذلك المكتب التابع لجواد ، يود أن يُشغل وقته بأكبر قدر ممكن ، عله ينساها كان يعلم من البداية أن مريم لن تكون له ، مريم تحب مراد ولكن بعد انفصالهم ظن أن لديه فرصة ، ولكن ها هي الفرصة تتلاشى ، مريم على وشك الارتباط بعجوز كبير في السن ، لا يعرف كيف تفكر حتى لتحب رجل كهذا 
توجه لداخل مكتب جواد يطلب من المساعد ، أن يقابل جواد، انتظر بضع دقائق ، إلى أن خرج المساعد :
- اتفضل يا أستاذ وليد هو في إنتظارك
ابتسم وليد يشكره تحرك للداخل ليقف جواد من خلف مكتبه اقترب منه يصافحه مبتسما :
- اهلا اهلا يا وليد ، نورت ، اتفضل اقعد
أشارت جواد إلى أريكة جلس وليد هناك وجلس جواد على مقعد مجاور له يحادثه مبتسما :
- تشرب ايه ؟ 
حرك وليد رأسه للجانبين يشكره ، حمحم متوترا قبل أن يردف محرجا :
- هو يوسف كان قالي انك....
قاطعته جواد يتحدث مترفقا به :
- متوتر ليه كدة ، يوسف كلمني وقالي أنك عاوز تبدأ الحياة العملية بدري ، وأنك بتدور على مكتب ديكور للتدريب فيه ، وأنا يا سيدي ما عنديش أي مانع انك تشرفني هنا ، أنا بإذن الله هعمل اجتماع بكرة مع كل موظفين كل أسبوع ، وبكرة بإذن الله الاجتماع ، وهنقعد ونتكلم في كل حاجة
ومن ثم قام من مكانه يضغط الزر على سطح مكتبه يوجه حديثه لوليد :
- دلوقتي أستاذ عادل هيعرفك مكان مكتبك 
دخل المساعد الخاص بجواد ، ليطلب منه جواد أن يوصل وليد إلى مكتبه ، ابتسم وليد يصافح جواد يشكره ، تحرك خلف عادل لخارج المكتب ينظر للوحات حوله هنا وهناك ، تصميم المكتب نفسه أكثر من رائع ، وهو ينظر هنا وهناك ، اصطدم في أحدهم نظر أمامه سريعا ليرى أنه اصطدم في فتاة وأسقط ما على الصينية التي في يدها ، نظر إليها يعتذر متوترا :
- أنا آسف ، أنا بجد آسف أوي ما خدتش بالي
لم ترد عليه ، فقط أعطته نظرة غاضبة رآها جيدًا فعينيها كانت الشيء الوحيد الظاهر من خلف نقاب وجهها ، تركته وعادت أدراجها ، أما هو فوقف مكانه يحرك يده على رقبته متوترا ، يبدو أنه أفسد الكثير في اليوم الأول
أما في مكتب جواد ، ارتمى جواد على مقعد مكتبه يلتقط هاتفه يطلب رقمها انتظر بضع لحظات إلى أن أجابت ليبادر يحادثها سعيدا :
- نور أخبارك ايه ، عاملة ايه ؟
- أنا كويسة يا جواد الحمد لله
- أنتِ روحتي ولا لسه ؟
- أنا واثقة أنك عارف أنا روحت ولا لسه يا جواد ، على العموم أنا لسه مخلصة درس التاريخ وواصلة البيت وكلها نص ساعة ومدرسة العربي هتيجي 
- طب ناقصك حاجة ، عاوزة حاجة اجبهالك ؟
- لا يا جواد إنت مش مخليني محتاجة حاجة 
- طب هو ينفع أجي نتغدا سوا بعد ما المدرسة تمشي 
- ماشي يا جواد ما فيش مشكلة
- متشكر أوي يا نور ، خلي بالك من نفسك ، مع السلامة
أغلق الخط معها يبتسم سعيدا يكاد قلبه يطير فرحا ، أخيرا سيراها بعد غياب تنهد بقوة صورتها لم تغب عن عينيه لحظة
______________
في سيارة سما 
جلست أريچ جوارها في السيارة ، تتنهد سما قلقة بين حين وآخر لتجفل على صوت أريج وهي تحاول أن تطمأنها :
- يا سما ما تبقيش عبيطة يا حبيبتي ، أنتِ بتقارني مين بمين اصلا ، دكتور طارق دا شخصية محترمة جدااا ، وبعدين كنتوا مخطوبين الأول ، سما أنتِ لو هتفضلي واقفة عند الماضي يبقى بتدمري حياتك ، وبعدين أنتِ بقيتي شخصية أقوى بكتير دلوقتي ، سما أرجوكِ أدي لدكتو طارق فرصة مش هتخسري حاجة 
أريج محقة عليها أن تحاول ، زفرت أنفاسها بقوة قبل  إن تحرك رأسها توافق لتبتسم أريج سعيدة تغمغم بمرح :
- نزليني بقى عند صيدلية الولا سامر خطشيبي وكملي طريقك للمستشفى 
ضحكت سما تومأ برأسها ، بعد عدة دقائق وصلت أمام الصيدلية نزلت أريج تودع شقيقتها تتحرك صوب الصيدلية سريعا ، لتكمل سما طريقها إلى المستشفى 
دخلت أريج إلى الصيدلية لتتفاجئ برؤية والد سامر بدلا منه في الصيدلية ، اقتربت منه تحادثه مبتسمة :
- صباح الخير يا عمي 
ابتسم الرجل سعيدا ما أن رآها غمغم مبتهجا يرحب بها :
- اهلا اهلا إزيك يا أريچ ، أخبارك ايه يا بنتي 
ببعتلك دايما سلامي مع الواد سامر ، عاملة ايه 

ابتسمت أريج تحرك رأسها تردف :
- بخير يا عمي الحمد لله ، أنا دايما بسأل سامر عنك وهو بيطمني عليك ، اومال هو فين صحيح 
اختفت الابتسامة من على وجه والده لتشعر بالقلق خاصة حين بدا الأخير حزينا ، تنهد الرجل بقوة يهمس حزينا :
- فوق في الشقة مش عاوز يخرج ، النهاردة سنوية نادية والدته الله يرحمها ، أنتِ عارفة هو أصلا مشيل نفسه ذنب موتها 
امتعضت قسمات وجهها حزنا على حاله ، انتهبت على صوت أبيه وهو يقول :
- بقولك ايه تعالي نطلع أنا هعملك الفطار بإيدي دا أنا عليا طبق فول ما يتوصفش ، وهو لما يلاقيكِ برة هيطلع من أوضته 
حركت رأسها توافق ما يقول ، تحركت بصحبته إلى العمارة المجاورة للصيدلية ، في الطابق الرابع وقف أبيه أمام باب الشقة يفتحه يتعمد أن يعلوا بصوته :
- تعالي يا أريچ خشي يا بنتي ماتتكسفيش 
ابتسمت له تخطو لداخل شقتهم ، جلست في صالون المنزل وتحرك والده إلى المطبخ ليعد لهم الإفطار ، نظرت حولها هنا وهناك تبحث بعينيها عنه ولكن لا أثر له ، تنهدت قلقة عليه ، ولكنها لن تبحث عنه بين الغرف ، سمعت صوت زقزقة عصفور تأتي من الشرفة ، قامت تتوجه إلى هناك لترى « سيتوش » قط سامر يلعب هناك بكرة صغيرة ، وقفص معلق على الحائط بعيدا عن مخالب القط به عصفور أبيض ريشه ناصع البياض كالثلج يزقزق يزقزق بصوت جميل ، نظرت إليه تبتسم مسحورة بشكله وصوته ، لتنتفض حين سمعت صوت سامر يأتي من خلفها يقول :
- اسمه زورو بتاع والدتي الله يرحمها ، تحبي تشيليه 
نظرت خلفها لترى سامر يبدو حزينا ، عينيه حمراء أسفل عينيه قاتم من قلة النوم ، شعرت بالحزن على حاله ولكنها ابتسمت في وجهه تومأ له ، تحرك صوب القفص يفتحه يُخرج العصفور الكبير ، وضعه على رأسها لتتسع عينيها أثر ما فعل أما العصفور فنزل من رأسها يقف على كتفها وهي تنظر لسامر بأعين متسعة مرتعبة جعلته يضحك رغما عنه يردف :
- ما تخافيش مش هيعملك حاجة ، والدتي كانت دايما بتقول أن زورو دا أطيب واحد في البيت هو الوحيد اللي بيسمع كلامها 
نظرت اريچ للعصفور لتراه يحرك رأسه لأعلى وأسفل وكأنه يرقص على إيقاع ما ، ضحكت على ما يفعل ، قبل أن تصرخ مذعورة تشير إلى ركن في الشرفة تصيح خائفة :
- برص ، برص 
نظر سامر خلفه سريعا ليضحك من جديد مد يده إلى ذلك البرص ليقفز يقل على ذراعه ، التفت لأريج يردف ضاحكا :
- دي إغوانا يا بنتي مش برص بس هي لسه صغيرة 
نظرت أريج حولها متوترة قبل أن تتمتم مذهولة :
- دا إيه حديقة الحيوانات اللي أنا فيها دي ، دا أنا ناقص ألاقي زرافة قاعدة في الصالة 
ضحك سامر يحرك رأسه للجانبين بخفة رفع يده لتعود الاغوانا مكانها قبل أن يردف :
- استني هوريكِ حاجة
وتحرك للداخل ، وغاب لعدة لحظات وحين عاد ورأت ما يحمل بين يديه صرخت بأعلى صوت ، خرج والد سامر من المطبخ على صوتها المذعور لتهرع أريچ تقف خلف ظهره تتمسك به تصيح مذعورة :
- ابنك مربي أسد في البيت، أنت إزاي عايس معاه مش خايف ياكلكوا 
ضحك سامر ووالده معا ، تحرك سامر يحمل الشبل الصغير جلس على أقرب مقعد يحمل زجاجة حليب غريبة الشكل يقربها من الشبل ، قبل أن يردف ضاحكا :
- يا بنتي دا شبل صغير بيبي ، بتاع واحد صاحبي من دبي ، كان في مصر واشتراه بس هو عنده شغل برة ، فقال يخليه عندي كام يوم لحد ما يرجع
خرجت أريج من خلف والد سامر تصيح مدهوشة :
- أنا خايفة أدخل الحمام والله العظيم ألاقي تمساح جوا ، هو في ايييه بقى 
وانتهى الوضع على ماذا ، أريج تجلس على المقعد جوار سامر تحتضن الشبل الصغير تطعمه وسامر يضع شيتوس الغيور بين أحضانه يربت على فراءه برفق ، ينظر لأريچ يبتسم سعيدا 
______________
في منزل رعد جلس رعد على سطح الفراش يخفي وجهه بين كفيه ، يتذكر ما حدث قبل ساعة تقريبا حين دفعها إلى الفراش لم تصرخ أو تقاومه فقط نظرت لوجهه ورأى كره العالم في نظراتها ورغم ذلك تغاضى عنه وابتسم يسخر منها :
- دا ايه الهدوء دا ، اومال فين اللي كانت بتكرهني من دقيقة واحدة
نظرت لوجهه تغمض عينيها متقززة منه تهمس بنبرة مختنقة :
- أنا عاوزة ابني ، ومستعدة عشان أدفع أي مقابل حتى لو كان إني أسلم نفسي لشيطان زيك !!
تجمدت يديه واتسعت حدقتيه وأصفر وجهه ، شيطان !! بات الشيطان الذي كان يخشاه أبيه ، بات هو وأسوء ، ابتعد عنها يجلس جوارها عينيه شاردة في الفراغ قبل أن ينظر إليها يتحدث بنبرة ثقيلة :
- قومي خدي يونس وامشي ، وورقتك هتوصلك 
ظلت متجمدة مكانها للحظات عينيها متسعة أثر ما سمعت ، قبل أن تهرع سريعا أخذت الصغير رأته يلقي المفتاح على الفراش أخذته تتحرك للخارج فتحت الباب تخرج من منزله تنزل سريعا لأسفل ، أما هو فأخفى وجهه بين كفيه ونزلت دموعه ، في اللحظة التي صور له عقله يونس الصغير وهو نسخة منه شيطان كأبيه أبتعد عنها خائفا ، دق جرس الباب توجه ليفتحه ظنا أنها طرب ، ولكنه تفاجئ حين فتح الباب ورأى نصار يقف أمامه ينظر إليه محتدًا يصيح فيه :
- أنت ايه اللي بتعمله دا أنت مجنون ، دا أبوكِ يا حيوان يا عديم التربية ، جاسر كان عنده حق لما قال أنه هيقتلك ويخلص منك ، أنت اللي زيك لازم يموت فعلا 
توسعت عيني رعد غضبا ليتحرك سريعا قبض على حلة نصار يصرخ فيه بعلو صوته :
- يقتلني !!! 
تصنع نصار الارتباك وكأنه كشف سرًا لم يكن يقصد أن يقوله ، مد يده يبعد يدي رعد عنه يحادثه غاضبا :
- يقتلك ايه لاء طبعا ، دا كلام قاله في ساعة غضب ، أكيد مش قصده ، ولا قصده مش عارف ، بس أنت فعلا
تستحق الموت 
وابتعد عنه التف بتوجه صوب المصعد ينظر لرعد الذي يكاد ينفجر غضبا من جانب عينيه ليراه يقبض كف يده وهمس بصوت خفيض ولكنه وصل لأسماع نصار يتوعد لأبيه :
- بقى عايز تقتلني ، أما نشوف مين اللي هيموت التاني يا جاسر باشا !!
___________
في المستشفى قبيل المغرب بقليل ،خرج عمار من غرفة زين تاركا إياه ينال قسطا من الراحة ؛ ليتفاجئ برؤية والده يتحرك إليهم ، توتر للغاية ، اقترب عاصم منه يسأله قلقا :
- طمني يا عمار زين عامل إيه
تحاشى النظر لوجهه يتمتم :
- كويس ، الدكتور قال إن حالته استقرت ، بس أرجوك ما تدخلوش دلوقتي لأنه لسه نايم من دقايق 
تنفس عاصم الصعداء يومأ برأسه ، تحرك عمار ليجلس على أحد المقاعد ليمسك عاصم بكف يده ، انتفض مصعوقا حين فعل ، نظرت إليه ليبتسم عاصم في وجهه مترفقا يحادثه :
- تعالا معايا ، أنا عاوز أتكلم معاك برة المستشفى ، أستاذ محسن قالي أنك بتحب تقف عند النيل ، وديني هناك
توتر عمار للغاية يومأ برأسه ، تحرك جوار أبيه كل ذرة به ترتجف ، إلى أن وصلا للمكان الذي اعتاد هو الذهاب إليه ، جلس عاصم على الأرض أمامه النيل يجري ، التفت لعمار يطلب منه :
- تعالا أقعد جنبي 
أرتبك لعدة لحظات يتبخط بين الرفض والقبول إلى أن تحرك يجلس جوار عاصم ينظر للمياه الجارية أمامه ، لف عاصم رأسه إليه :
- عينيك حمرا أوي ، أنت ما نمتش من إمبارح شكلك
أنزل عمار رأسه أرضا يحرك رأسه لأعلى وأسفل متوترا يتمتم متلعثما :
- أنا كنت خايف على زين 
مد عاصم يده يربت على كتف عمار لينتفض الأخير مصعوقا تتعالى أنفاسه يشحب وجهه ، لم يتعجب عاصم من حالته ، إنما هو فقط ابتسم في وجهه تنهد يحادثه :
- تعرف يا عمار ، أنا شايل ذنبك أنت وزين عشان ما عرفتش أختارلكوا أم سوية ، بس صدقني أنا لما عرفتها في الجامعة كانت جميلة ورقيقة وعلى طول مبتسمة ، ما كنتش أعرف أن كل دا قناع ، حاولت كتير اخليها ترجع البنت الرقيقة اللي شوفتها في الجامعة ولكن جشعها للفلوس خلاها تتحول لمسخ ، بس أقسملك يا ابني إن أنا ما كنتش أعرف أنها حامل ، لو كنت أعرف ما كنتش خليتكوا تتربوا معاها ساعة واحدة ، وأنت بالذات ، زين ربنا عوضه براجل زي جلال المهدي الله يرحمه ، إنما أنت اتعذبت أوي ، رغم كدة حبك لزين خلاك تدافع عنه في كل لحظة في حياتكوا 
عمار أنا مش بلومك ، ولا بحملك ذنب أي حاجة ، بالعكس أنا بلوم نفسي ، ولادي الاتنين كانوا قدام عينيا وما عرفتهمش ، الراجل اللي أذى أبني قدام عينيا ومش عارف أحاسبه ، بس صدقني هيقع تحت أيدي قريب أوي ، عمار أنا آسف يا إبني ، أنا مش عارف أقولك إيه ، أنا السبب المريضة دي كانت عاوزة تنتقم مني ودفعتوا انتوا التمن ، حقك عليا 
نظر عمار لوجه أبيه ليرى عينيه تملئهم الدموع والبعض منها سال على وجهه اختفت أنفاسه ينظر إليه مدهوشا ، لا يعرف ما يقول لسانه انعقد فجاءة ، جل ما خرج من بين شفتيه جملة متلعثمة مبعثرة:
- أنت مالكش ذنب في حاجة ، خلي بالك بس من زين ، ولما يفوق خليه يرجع معاك ، عشان هو عاوز يفضل ، وهو ما ينفعش يوقف حياته أرجوك ، أنا هرجع المستشفى 
وجاء ليقوم ليمسك عاصم بكتفه يمنعه ، نظر عمار إليه متوترا جسده يرتجف بعنف ، ليرى عاصم يحرك رأسه للجانبين قبل أن يردف :
- لاء مش هتمشي ، أنا لسه بكلمك ، بطل تهرب من كل مرة بحاول أتكلم فيها معاك ، أنا مش شايل هم زين ، عشان إنت موجود جنبه ، أنا شايل همك وذنبك أنت ، أنت باني بيني وبنيك سور بتهرب مني بأي شكل 
هب عمار واقفا يحاول الرحيل ؛ ليقف عاصم خلفه أمسك بذراعه يمنعه من ذلك يحادثه محتدا :
- أنت رايح فين أنا بكلم نفسي 
نزع عمار ذراعه من يد عاصم يبتعد للخلف يحرك رأسه للجانبين يصرخ فيه:
- لاء ما ينفعش ، أنا ما ينفعش أقرب منكوا ، أنا مؤذي أذيت ناس كتير منكم مالهمش ذنب ، أنا مش عايز حد جنبي ، أنا هفضل هنا ، أنا مش عايزك تقرب مني ، أنا شخص مقرف مؤذي 
أبعد عني ، زين طيب وكويس أوي والله ، خلي بالك منه ، وأنا والله ساعتها هبقى كويس ، لكن أنا مش هعرف أعيش إنسان طبيعي معاكوا ، أنا عمري ما كنت إنسان طبيعي ، أرجوك سيبني أمشي ، أرجوك أنا عايز أمشي 
ونزلت الدموع من عينيه تغرق وجهه ، والألم الذي شعر به عاصم من كلمات عمار كان لا يوصف ، أقترب منه يمسك بذراعيه بين كفيه يحادثه منفعلا :
- لاء أنت إنسان طبيعي ، وهترجع وهتعيش حياتك من الأول ، وأعرف أن وجودك هنا لفترة مؤقتة ، وهتعيش معايا في بيتي وسط أخواتك أنت فاهم 
أصفر وجه عمار ذعرا يحرك رأسه للجانبين بعنف يتخبط بين يدي عاصم يصرخ فيه بحرقة :
- لاء ، أبعد عني ، سيبني أمشي 
جذبه عاصم إليه فجاءة ليشهق عمار بقوة وكأنه يغرق ، تمسك عاصم به بقوة ، أما عمار فانفجر في البكاء 
________
أما هناك في غرفة الفندق حين توجد مليكة وجاسر ، جلست مليكة في صالة الغرفة الكبيرة تشاهد التلفاز ، جاسر عاد قبل عدة ساعات ودخل إلى الغرفة وغط في النوم يخبرها قبلها أن زين بات على ما يرام ، سمعت صوت باب غرفة النوم يُفتح مراته يخرج من الغرفة يضع يده فوق رأسه جبينه مقطب من الألم ، قامت توجهت إليه تسأله قلقا :
- مالك أنت كويس ؟
 حرك رأسه بالإيجاب قبل أن يتنهد يهمس :
- عندي صداع جامد ، مليكة معلش اعملي لي نسكافية ولا قهوة 
اومأت موافقة تحركت سريعا تُعد ما طلب ، أما هو فارتمى إلى الأريكة حيث كانت تجلس ، يضع يديه على جانبي رأسه يدلك رأسه بخفة ، كوابيس بشعة صورها له عقله الباطل عما حدث لعمار لم تتركه ولو للحظة ، سمع خطوات مليكة تقترب وضعت أمامه صينية عليها كوب قهوة وعلبة دواء ، ابتسم لها ممتنا قبل أن يميل يأخذ قهوته ، وقعت عينيه على علبة الدواء لتشخص عينيه ذعرا ، هب واقفا يمسك بعلبة الدواء يصيح في مليكة مرتعبا :
- أنتِ جبتي العلبة دي منين؟!
قطبت جبينها مستنكرة ما فعل ، ما به الدواء 
وقفت عن مكانها تحادثه ببساطة :
- في اي يا جاسر ؟ دي العلبة اللي أنت ادتهالي بنفسك لما جيتلك أنا وزينب العيادة أول مرة ، تعرف أنا وقتها ما خدتش منها غير حباية واحدة بس وأنا بقلب في حاجاتي قبل جوازنا بأيام بسيطة لقيتها ، وساعتها كان عندي صداع جامد جداا ، وخدت منها حباية ضيعت الصداع في دقايق من ساعتها وهي معايا 
حرك العلبة في يده ليصفر وجهه ذعرا يصرخ فيها :
- أنتِ خدتي كام قرص بالظبط ؟!
رفعت كتفيها لأعلى كأنها تخبره أنها لا تعلم حقا تردف :
- مش عارفة ، أنا الأول كنت باخد قرص في اليوم وبعدين بقيت باخد قرصين ، صحيح جي قربت تخلص ، ابقى هاتلي غيرها
ألقى العلبة من يده أرضا يضع يديه فوق رأسه يكاد عقله ينفجر ، كيف نسي أمر علبة الدواء ، والآن ماذا ، لا شيء زوجته باتت مدمنة بسببه 
وبسبب فكرة الإنتقام الغبية الذي كان يسعى إليها قبل عامٍ و أكثر 
جلست في مكتبها متأففة ، تدق بالقلم على سطح المكتب ، بعد حديثها مع أريچ صباحا ذهبت لمكتبه لتراه لتكتشف أنه لم يأتي اليوم من الأساس ، وحين حاولت الإتصال به وجدت هاتفه مغلقا ، ربما ما يحدث الآن هو إشارة لتتراجع عن موافقتها، تنهدت تخفي وجهها خلف كفيها ، سمعت الباب يدق ومن ثم فُتح ، ظنته أبيها فأبعدت كفيها عن وجهها ، لتتسع حدقتيها حين أبصرت طارق يقف أمامها يبدو مجهدا بشكل كبير ، ابتسم لها وتحرك يجلس على المقعد المجاور لمكتبها كاد أن يقول شيئا إلا أنه أسرع يلتقط محرمة من على مكتبها يعطس بقوة ، نظر إليها يتمتم :
- البرد مبهدلني ، أنا ما كنتش جاي النهاردة اصلا ، بس وأنا بسأل تامر المساعد بتاعي حد سأل عليا ، قالي مدام سما ، وبعدين لقيتك متصلة بيا ، فقولت لاء لازم اجي ، خير أنتِ كويسة
وقبل أن تجيب عطس من جديد لتبتلع لعابها تشعر بالسوء على حاله ، تنهدت تعتذر منه :
- أنا آسفة ما كنتش أعرف أنك تعبان كدة ، طب روح يا طارق ونبقى نتكلم بعدين ، أنت فعلا شكلك تعبان جداا 
حرك رأسه للجانبين يلقي المحرمة من يده في سلة المهملات قبل أن يلتقط واحدة أخرى يوجه حديثه لسما :
- أنا خلاص جيت يا سما ، قوليلي بس في إيه 
زفرت أنفاسها بقوة تشعر بدقات قلبها على وشك الانفجار مما ستقول ، قبضت كفيها تغرز أظافرها في كفيها تردف مرتبكة :
- أنا موافقة ، موافقة نتجوز 
توسعت عيني طارق ذهولا ارتسمت على شفتيه ابتسامة كبيرة كاد أن يقول شيئا يعبر عن سعادته ليعطس بقوة بدلا من ذلك ، نظر إليه يتحدث متحسرا :
- يعني جاية تقوليلي موافقة وأنا البرد بيموتني ، طب أفرح إزاي دلوقتي ، دا أنا أحمد ربنا أن أنا جيت على كدة ، أنا هقوم حالا أحدد ميعاد مع دكتور ياسر
ومن ثم عطس مرة بعد أخرى ؛ لتضع يدها على فمها تحاول ألا تضحك في حين هب هو واقفا يتوجه إلى الباب تعثر في طريقه كاد أن يسقط أرضا لتضحك رغما عنها على ما فعل ، ألتفت لها يزم شفتيه يتحدث متضايقا :
- عاجبك كدة خلتيني بجري زي العيال المراهقين ، ماشي يا سما ه....
وعطس من جديد يضع المحرمة على أنفه سريعا ، لتتعالى ضحكاتها على ما فعل لتعطس هي فجاءة فضحك هو قبل أن يلوح لها يخرج من الغرفة
___________
أوقف سيارته أسفل منزلها ، قلبه يقيم إحتفالا صاخبا لأنه سيراها أخيرا بعد شوقٍ قتل قلبه العاشق ، أخرج الكثير من الهدايا التي أحضرها لها ، وعمل جيدا على جلب الأشياء المميزة التي تحب ، حمل الهدايا وصعد حيث الشقة ، دق الباب ووقف ينتظر على أحر من الجمر ، إلى أن فتحت له السيدة صباح ، ابتسم في وجهها يعطيها ما في يده حين دخل إلى الشقة سمع صوت غريب غير مألوف بالنسبة له يوبخ نور :
- ما تركزي بقى ، أنتِ غبية ليه كدة ؟!
احتدت عينيه غضبا توجه حيث يأتي الصوت من غرفة الصالون على طاولة الطعام الكبيرة أبصر سيدة تجلس أمام نور توبخها ، والأخيرة وجهها ممتعض حزين تكاد تبكي ... دس يده في جيب سرواله يخرج بعض المال وضعه على الطاولة أمامها يحادثها محتدا :
- فلوسك ومش عايز أشوف وشك هنا تاني ، اتفضلي من غير مطرود 
احتقن وجه السيدة غضبا لملمت أشياءها وتركت النقود مكانها وغادرت ، رفعت نور وجهها إلى جواد تساقطت قطرات دموعها تردف :
- ليه عملت كدة يا جواد ، هي عندها حق 
غضب بشدة يحرك رأسه للجانبين اقترب منها مد يده يمسك بعضدها بخفة يجذبها لتقف ، أمسك بذراعيها بين كفيه يحرك رأسه للجانبين يرفض ما تقول :
- لا يا نور أنتِ مش غبية ومش من حق أي حد يقول عليكِ كدة ، أنتِ بتحاولي وعايزة توصلي وتشقي لنفسك مكان وطريق وتثبتي أن ليكِ وجود ، لو أنتِ غبية فعلا كنتي رضيتي بالأمر الواقع ، ما تخليش أي حد مهما كان يقلل منك
ومن ثم صمت ينظر لرد فعلها ليراها تنظر إليه ممتنة لما قال ، تحرك رأسها لأعلى وأسفل ، ارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة ؛ ليرفع كف يده يمسح الدموع عن وجهها بخفة يهمس بنبرة خافتة حالمة :
- أنتِ وحشتيني أوي يا نور ، وحشتيني أوي أوي ، أنا لو عليا ما اسبكيش لحظة ، بس أنا مستحيل أقف في طريق تحقيق حلمك 
شعر بها ترتجف بخفة بين يديه ، بدت مضطربة لم يعرف أهي حزينة أم خائفة أم مشتتة أو ربما هي فقط خجلة وهو لا يدري ، ابتلعت لعابها تشجع نفسها لتقول بصوت خفيض للغاية :
- وأنت كمان وحشتني على فكرة 
توسعت حدقتيه ذهولا لا يصدق ما يسمع ، هل أستُجيبت دعواته التي يدعو بها ليل نهار وأحبته نور أخيرا ، ظل ينظر إليها مصعوقا لعدة لحظات قبل أن يجذبها لأحضانه يطوقها بذراعيه تجمعت الدموع في عينيه يحادثها بحرقة :
- بجد يا نور ، بجد وحشتك ، أنتِ ما تعرفيش أنا عايش حياتي إزاي من غيرك ، أنتِ ما تعرفيش أنا اتعذبت إزاي لما كنت فكرك بعد الشر موتي ، ولما رجعتي لحضني أنا اللي بعدتك عني ، أنا كل اللي عاوزه منك
حُبك بس يا نور ، نور ارجعي معايا الفيلا ، ولا أقولك أنا هجبلك فيلا ليا أنا وأنتِ بس ،قولتي ايه ؟
توترت تبتعد عن أحضانه كمشت بكفيها أطراف ثوبها ، هو يعرف تلك الحركة جيدا تفعلها حين تكون متوترة ، رفعت رأسها إليه تحركها للجانبين تتمتم :
- لا يا جواد ، أنت لسه بتقول أنا مش عاوز أقف في طريق حلمك ، سيبني أكمل حلمي أرجوك 
مد يده يمسك بأحد كفيها التي تقبض بها على أطراف الثوب قربه من فمه يطبع على سطحه قبلة صغيرة ، قبل أن يومأ برأسه ينظر إليها مبتسما :
- حاضر يا نور ،عشان خاطرك أنا مستعد أعمل أي حاجة 
ابتسمت تحمر وجنتيها خجلا ، جاءت السيدة صباح تضع الطعام على الطاولة ، ليوجه جواد حديثه إليها :
- طمنيني يا ست صباح ، نور بتاكل كويس مش ناقصكوا أي حاجة 
نظرت السيدة إليه تتحدث بلا توقف :
- ما تقلقش يا باشمهندس أنا بقعد فوق راسها لحد ما تخلص الأكل ، والشاب اللي حضرتك بتبعته كل يومين دا بيبقى جايب كل مرة كل حاجة البيت مش ناقصه حاجة خالص ، ربنا يخليك ليها 
ابتسم يومأ برأسه يشكرها جلس هو ونور على طاولة الطعام يتناولان الطعام عينيه لم تنزاح عن وجهها ولو للحظة ، يديه تتحرك رفع المعلقة فارغة يضعها في فمه لتضحك بخفة على ما فعل ، ابتهج قلبه أثر ضحكاتها وتمنى أن يبقى يسمعها للأبد ، حمحم محرجا رفع يده يضعها على رقبته يتحدث يغازلها :
- أعمل يعني الواحد مش عارف يركز في الأكل والحلويات قدامه !
أحمر وجهها بأكمله خجلا تقبض على المعلقة في يدها ،كاد أن يقول شيئا حين دق هاتفه برقم المكتب ، فتح الخط يجيب بعد لحظات أغلق المكالمة ومن ثم قام واقفا يعتذر منها :
- كان نفسي أقعد معاكِ أكتر من كدة ، بس عندي إجتماع ، خلي بالك من نفسك ولو عوزتي أي حاجة كلميني 
وضع يده في جيب سرواله يخرج بعض النقود وضعها على الطاولة لتبادر قائلة سريعا :
- أنا معايا فلوس يا جواد ، فلوس كتير أنت سايبها 
ابتسم لها عليه الرحيل ولكنه يرغب حقا في البقاء ، تنهد يقول :
- بردوا خلي دول معاكِ احتياطي ، خلي بالك من نفسك ، أنا ماشي بقى 
وتحرك صوب الباب مد يده يفتح المقبض ، التفت لها قبل أن يخرج نظر إليها مطولا يشبع عينيه منها ومن ثم غادر يجذب الباب خلفه ، تاركا إياها في حيرة واشتياق 
____________
جلست في شقتها تنظر حولها تشعر بأنها غريبة في بلد حيث لا مكان للغرباء فيها ، شهاب يغادر صباحا ويعود ليلا وهي تبقى هنا وحيدة لا تعرف أحد ولا يعرفها أحد ، حتى الطرقات لا تعرفها ، تشعر بالوحدة والفراغ والخوف في بعض الأحيان إلى أن يأتي شهاب ، تنهدت تلتقط هاتفها تحادث والدتها تطمأن على حال الجميع ، ظلت تتحدث مع والدتها كثيرا إلى أن سمعت صوت الباب ودخل شهاب ، تنهدت بعمق تُكمل حديثها مع والدتها لعدة دقائق قليلة قبل أن تودعها وتُغلق الخط ، نظرت صوب شهاب الذي يجلس جوارها على سطح الأريكة يغمض عينيه يبدو متعبا للغاية ، ولكنها هي الأخرى متعبة ، متعبة نفسيا حد الاستنزاف ، تنهدت بصوت مسموع تقول فجاءة :
- شهاب أنا عاوزة أرجع مصر 
فتح عينيه وقطب جبينه مستنكرا ما يسمع منها ، اعتدل في جلسته يغمغم مدهوشا :
- ايه اللي أنتِ بتقوليه دا يا ليان بعد ما بدأنا نستقر أخيرًا وخلاص خلصت كل ورق الشغل والإقامة تقولي عايزة أرجع مصر ، في حد عيان طيب ولا حاجة حصلت 
حركت رأسها للجانبين تجمعت الدموع في عينيها تحرك رأسها للجانبين تعلو بصوتها تتحدث بحرقة :
- أنا مش عايزة أقعد هنا ، أنا خايفة حاسة إني غريبة أنت بتنزل الصبح وبترجع بليل وأنا بفضل اليوم كله قاعدة لوحدي ، ما فيش حد حتى أتكلم معاه 
تنهد متعبا يمسح وجهه بكف يده ، يعرف أن الوضع جديد وغريب عليها كما عليه ، ليست هي فقط من تعاني هو أيضا يشتاق لشقيقتيه :
- يا بنتي هو أنا حابسك ما تنزلي تتعرفي على المكان ، إحنا في بلد عربي مش في الصين ، إللي حواليكِ كلهم بيتكملوا عربي ، وفي قريب من هنا مول وسوق وسوبر ماركت ، ما تكبريش الموضوع يا ليان وشوية وأنا وأنتِ هنتعود ، فكرك أنا أهلي مش وحشني يعني
ظلت تنظر إليه لعدة لحظات لم تأتِ بحرف ، بل قامت فجاءة وتوجهت للداخل إلى حيث غرفة نومهم تصفع الباب بعنف ، يبدو أن ما كان يخشى منه حدث ، وها هي ليان تخبره أنها تشعر بالغربة والوحشة وتود العودة ، قام من مكانه يتحرك إلى غرفة نومهم فتح الباب ودخل ليراها تجلس على الفراش تنظر بعيدا شاردة تضم قدميها لها ، توجه بجلس جوارها 
لف ذراعه حول كتفيها يقربها منه ليحط رأسها على صدره قبل قمة رأسها تنهد يحادثها مترفقا :
- ليان أنا حاسس بيكِ وعارف أنتِ قد ايه حاسة بالوحدة والضياع دلوقتي ، أنا كمان صدقيني خايف وقلقان ، بس أهي تجربة جديدة بحياة جديدة ، أوعدك أننا لو ما استرحيناش أو ما عرفناش نتأقلم هنرجع مصر اومأت برأسها موافقة تحتضنه بقوة ربما هي فقط كانت بحاجة لمن يطمأنها فقط !!
____________
في الفندق حيث جاسر ومليكة 
وقفت مليكة أمام جاسر لا تفهم لما هو غاضب لهذه الدرجة ، ألم يكن هو من أعطى علبة الدواء لها ، لما يضع يده على رأسه بتلك الطريقة وكأن صاعقة حلت به ؟! ، اقتربت منه تسأله متعجبة من حاله :
- مالك يا جاسر في ايه ؟ ماله الدوا دا أنت اللي مدهولي ، حصل إيه لكل دا ؟!
نظر إليها ورأت في عينيه كم هو مشتت نادم تنهد بحرقة يصرخ فيها بلا أي مبرر :
- أنا قايلك تاخدي منه عند اللزوم بس مش تسفي العلبة كلها 
لا ، هو لم يقل ذلك ، هو أخبرها أن تأخذ منه كلما شعرت بالألم ، حركت رأسها للجانبين تحادثه محتدة :
- لا يا جاسر أنت ما قولتش كدة ، أنت قايلي خدي منه في اي وقت تتعبي فيه ، وبعدين أنت بتزعق فيا كدة ليه ؟ ، ومالك متعصب ليه كدة ؟
لم يرد ،ابتعد خطوة للخلف يتهرب من النظر لعينيها ، ماذا يقول بأي شيء يبرر ، ما سيقوله سيزيد موقفه سوءًا لم يشعر يومًا بالخزي كما يشعر الآن ، فكرة الإنتقام الأعمى الذي تخلص منها لم تتخلص منه ، وأذاها دون حتى أن يعلم ، انتبه على صوتها تسأله ونبرة الإتهام واضحة في صوتها :
- ماله الدوا دا يا جاسر ؟ ، فيه ايه مخليك متعصب أوي كدة يا دكتور ، أول مرة من ساعة ما عرفت دكتور جاسر ، أشوفه بيتهرب من أنه يبص لوش اللي قدامه 
نظر إليها وانعقد لسانه لم يقدر على النطق بحرفٍ واحد ، تحرك صوب الشرفة وقف هناك ينظر للفراغ شاردا عينيه حزينة كدرة 
أما هي فأمسكت بعلبة الدواء ودخلت إلى الغرفة والتقطت صورة لها وبعثها إلى إحدى الصيدليات الكبيرة تسأل إن كانت متوافرة عندها وانتظرت الرد وعينيها تتخبط في رد فعل جاسر الغريب ، إلى أن سمعت تنبيه يأتي من هاتفها يبدو أن الرد قد جاء أخيرا ، فتحت الرسالة وقرأت رد الصيدلية والذي كان صادما حد الموت 
« مساء الخير يا أفندم ، بنعتذر لحضرتك ما نقدرش نوفر لحضرتك العلاج دا بدون وجود روشتة حديثة تُسلم لنا بختم الطبيب المعالج »
تعجبت من الرد لتبعث تسأل من جديد 
« ليه يعني ؟ ، ايه الخطير في العلاج » 
وبعد دقائق من الانتظار القاتل وصل الرد
« يا أفندم العلاج دا نازل جدول ، ولازم الجرعة اللي تتاخد منه تكون محددة وتحت إشراف الطبيب وفي الظروف الضرورية فقط ، وإلا يسبب إدمان »
سقط الهاتف من يدها وحجظت عينيها ألما شعرت وكأن لكمة قوية ضربت قلبها في مقتل وفهمت ، فهمت لما غضب جاسر لتلك الدرجة وما سر الأعراض الغريبة التي باتت تشعر بها مؤخرًا خاصة النوم المبالغ فيه 
أما هو في الخارج فألتقط نفسا قويا يحاول أن يهدأ به يحادث نفسه :
- أنا السبب ، أنا هدخل أقولها أن العلاج دا غلط على الحوامل ، وأن خايف لتكون حامل وهاخدها ونعمل تحاليل كأنها تحاليل حمل وأنا هعرف أخلصها منه إزاي 
تحرك صوب غرفة النوم ، فتح الباب بخفة ودخل؛ليبصرها جالسة على الفراش متجمدة مكانها عينيها جاحظة بشكل مخيف ، حمحم يقترب منها جلس أمامها على سطح الفراش ، مد يده يبسط كفه على وجنتها برفق يتحدث يعتذر منها :
- مليكة أنا آسف إني اتعصبت عليكِ ، الحكاية وما فيها أن العلاج دا غلط جداا على الحوامل وأنا خايف لتكوني حامل ، أقولك تعالي نروح نعمل تحاليل عشان نتأكد في حمل ولا لاء
رأت شفتيها ترتفع بإبتسامة ساخرة تحمل أبشع أنواع الألم تسأله متهكمة منه :
- تتأكد في حمل ولا لاء ، ولا تتأكد أنا بقيت مدمنة ولا لسه 
شعر بالصدمة جمدت كل ذرة به ، توقفت الكلمات في منتصف حلقه ينظر لها مدهوشا ، أما هي فقامت من أمامه التقطت الهاتف تفتحه أمام وجهه تُريه المحادثة التي دارت بينها وبين الصيدلية ، تأكدت أنه قرأها حين أصفر وجهه ، ألقت الهاتف إلى الفراش وقفت أمامه تنظر له خائفة ! شعرت فجاءة أنه أمام رجل غريب لا تعرفه أبدا ، انهمرت دموعها رغما عنها تسأله بحرقة :
- ليه ؟ أنا عملتلك ايه ؟ رد عليا ليه ؟
لم يجد ما يقوله ، أنزل وجهه أرضا يغمض عينيه يشعر بالاشمئزاز الشديد من نفسه ، اقتربت هي منه تضربه بكفيها على صدره وكتفه تصرخ فيه تنهمر دموعها بحرقة :
- عملت كدة ليييه ، رد عليا أنت ساكت ليييه ، أذتني ليه يا جاسر أنا عملتلك ايه عشان تعمل فيا كدة 
رفع عينيه ينظر لوجهها وهي تصرخ فيه والألم هو الشيء الوحيد الصارخ ينهش وجهها ، يبدو أنه يجب أن يُعاقب على نوياه السيئة وها هو على وشك أن يتلقى عقابه ، لا يجد ما يقوله هي تعرف أنه لن يصف دواءً غير صحيح أبدًا ، 
ومصارحتها بالحقيقة ستنهي حياتهم الزوجية التي لا تزال تبدأ 
وفف عن مكانه ، أقترب منها يعانقها تخبطت بين يديه بعنف تصرخ فيه أن يبتعد عنها إلى أن دفعته بعيدا عنها تصرخ في وجهه :
- ابعد عني ، قسما بالله يا جاسر ولو ما قولتليش الحقيقة لهرجع عند أهلي دلوقتي حالًا 
وكأنها لن تفعل إن علمت الحقيقة ، مسح وجهه بكف يده لا مفر من إخبارها بما ظن أن الزمن طواه ، نظر لوجهها الحزين قبل أن يتنهد يهمس نادما :
- أنا آسف يا مليكة ، أنا الشيطان لعب في دماغي بعد ما لقيت مذكرات والدتي وعرفت اللي جدك عملوا فيها ، كنت غضبان هنفجر والشيطان عمال يصورلي اللي الشيطان دا عمله فيها ، أنا والدتي عانت سنين بسببه ، ما طفاش نار غضبي حتى اللي عمله خالي ، فقررت أنتقم أنا ، أنتقم من صبري الميت في حفيدته ، قد ايه كانت فكرة غبية ومتخلفة بس الشيطان وقتها كان مصورلي أن دا الحل الوحيد عشان أجيب حق والدتي 
هنا شهقت هي بعنف وكأن الحياة تُسحب منها جحظت عينيها تصيح مذعورة :
- يعني إنت لما كنت بتكلمني شات قبل ما أشوفك كان عشان تنفذ انتقامك المريض !
حرك رأسه للجانبين رغم أنها محقة ولكنه لن يعترف بذلك ، انفعل يردف سريعا :
- اسمعيني يا مليكة للآخر ، أنا لما قابلتك في العيادة وشوفت جدعنتك ووقوفك جنب زينب وبعدين وقوفك جنب أريچ ، خلاني أدركت أنا قد ايه كنت شخص غبي وبفكر في فكرة غبية ، ويوم بعد يوم كان بيزيد إعجابي بيكِ ، ويوم بعد يوم كنت بحبك أكتر ، وكنت بحاول أنكر دا ، صدقيني أقسملك بالله أنا شيلت الفكرة المتخلفة دي من دماغي من زمان جداا ، أنا بحبك، ونسيت موضوع العلاج دا خالص وإلا كنت منعتك تاخدي منه ، أنا آسف يا مليكة ، أنا بجد آسف ، بس الموضوع بسيط وهيتحل إن شاء الله أنا هفضل جنبك في كل لحظة أن شاء الله أسيب الشغل خالص 
اقتربت منه تنظر إلى وجهه لا تصدق ما تسمع ، لا تشعر في تلك اللحظة سوى بالخذلان والألم المصاحب له ، تحركت عينيها الدامعة على صفحة وجهه لعدة لحظات ابتعدت عنه تحرك رأسها للجانبين تهمس بأحرف تنزف ألمًا :
- أنا كنت فكراك عوض ليا يا جاسر عن كل الوجع اللي شوفته في حياتي ، تعرف الدكتورة اللي حكتلك عنها قبل كدة كان عندها حق ، أنا ما استحقش أي حاجة حلوة في الدنيا ، أنا مش هعرف أثق فيك تاني يا جاسر ، مش هعرف ، طلقني يا جاسر أرجوك 
جحظت مقلتيه فزعا ، يحرك رأسه للجانبين بعنف يقطب جبينه تتسارع أنفاسه أما هي فتحركت إلى دولاب الثياب أخذ بعض الملابس وتحركت إلى المرحاض ، ما أن دخلت أغلقت الباب عليها وجلست أرضا تجهش في البكاء بحرقة ، الخواء والألم والخذلان تجمعوا عليها جميعا ينهشون قلبها ، أما هو فظل متجمدا مكانه ويشعر وكأن الأرض تلتف به ، ظل واقفا مكانه إلى أن رآها خرجت من المرحاض بعد أن بدلت ثيابها تأخذ هاتفها وحقيبة يدها تتحرك صوب باب الغرفة ، انتفض سريعا يتحرك خلفها وقف أمامها يمنعها من المغادرة يصيح قلقا :
- أنتِ رايحة فين يا مليكة ، لاء مش هتمشي ، أنا عارف أني غلطت ، صدقيني كنت موهوم وغبي ، عشان خاطري يا مليكة افتكري أي حاجة حلوة بينا ، أرجوكِ ما تسبينش 

عادت خطوة للخلف تمنعه من الاقتراب منها تحرك رأسها للجانبين ترفض ما يقول ، رفعت عينيها إليه فتحت شفتيها تحادثه بحرقة وهي تبكي :
- سيبني أمشي يا جاسر ، صدقني أنا خايفة منك ، حاسة إني قدام واحد تاني غير اللي عرفته وحبيته ، أنا اللي برجوك أنك تسيبني أمشي ، أنا ما كنش لازم أحب ما كنش لازم أحلم ، ما كنش لازم أبعد عن أهلي ، أنا عند بابا يا جاسر وأرجوك ورقة طلاقي توصلني هناك في أسرن وقت 
تجاوزته تاركة إياه يتخبط من الألم ، حين نزلت لأسفل رأت رقية أمامها اقتربت مليكة منها لتتعجب رقية من منظرها المزري ، أما مليكة فوقفت أمامها ابتسمت لتنزل دموعها رغما عنها تحادثها ساخرة:
- الدكتور اللي عينيكِ بتلمع وبتتحول قلوب لما تشوفيه ، خلى مراته اللي هي أنا يعني مدمنة مخدرات 
شهقت رقية بعنف أما فمليكة فتركتها وغادرت تخرج من الفندق سريعا ، رأت رقية جاسر يهرول لأسفل يبحث هنا وهناك عنها ، اقترب منها يسألها سريعا:
- رقية ما شوفتيش مليكة ؟
 نظرت له من أعلى لأسفل بإزدراء مظهر الفتاة المزري الباكي لا يمكن أبدا أن تكن تكذب ، يبدو أنها لا تزال غبية وقعت في حب مريض آخر كزوجها الراحل ، أشارت إلى باب الفندق دون كلام ومن ثم تركته وغادرت 
___________
في منزل جاسر مهران ، في غرفته
يضجع جاسر إلى الوسائد خلفه ينظر للفراغ شاردًا عينيه حزينة كدرة غائمة ، تنهد يغمض عينيه ، عليه أن ينام يجب أن يستعد جيدا لما سيحدث في الأيام القادمة ، شعر بيد رؤى تمسح على رأسه برفق فتح عينيه وابتسم لها متعبًا ، يقرب رأسه من أحضانه يهمس مرهقا ساخرا :
- والله يا بنتي أنا كل اللي كنت عاوزه كيكة بالشوكولاتة ما أعرفش ايه اللي دخلني في الحوارات دي كلها ، عيالك ولاد الكلب هيقصفوا عمري ، ابقى ما ألحق أجيب تؤام كمان
ضحكت رؤى رغم الألم الذي تشعر به ، ظلت تمسح على رأسه دون أن تقول شيئا كاد أن يغط في النوم العميق حين سمعوا صوت سيارة تقف بعنف في حديقة البيت ، انتفضت رؤى من مكانها تهرع إلى الشرفة ليصفر وجهها خوفا حين رأت رعد ينزل من سيارته يحمل في يده مسدس!! وجهه لا يبشر بالخير أبدا 
شهقت بعنف حين بدأ يدق على الباب بقوة يصرخ بعلو صوته :
- افتح يا جاسر يا مهران ، افتح وتعالى اقتلني مش أنت عاوز تقتلني بردوا 
نظرت خلفها سريعا لترى جاسر يقوم من فراشه فتح الدرج المجاور للفراش يخرج المسدس منه ، شهقت رؤى مذعورة هرولت إليه تصرخ فيه :
- أنت هتعمل ايه يا جاسر ، اخزي الشيطان وسيب المسدس أبوس إيدك 
أحمر وجه جاسر غضبا يتحدث يتوعد رعد :
-  أنا هوريه أنا ليه كانوا مسميني الشيطان 
أبعد رؤى عنه يخرج من الغرفة هرعت رؤى تركض خلفه ، رأت چوري تخرج من غرفتها لتصرخ فيها مذعورة :
- الحقي رعد وجاسر هيخلصوا على بعض 
انتفضت چوري مذعورة تركض خلف أبيها الذي نزل لأسفل سريعا ، وليس كأنه كان مريضا قبل عدة ساعات فقط ، فتح الباب ودخل رعد كالاعصار ، أشهر مسدسه أمام رأس أبيه !! ليفعل جاسر المثل ، رفع مسدسه يشهره أمام رأس رعد الذي صرخ فيه:
- بقى عايز تخلص عليا يا جاسر يا مهران ، إنت فاكر أن أنا هسيبك تعمل كدة 
ضحك جاسر عاليا يشد أجزاء سلاحه يسخر منه :
- أنا سايبك تلعب يلا ، إنت فاكر أن أنا لو عوزت أدفنك تحت رجلي دلوقتي مش هعرف أعمل كدة ، باللي أنت بتعمله دا أثبت للكل أن أنا كنت على حق وأنك شيطان وتستاهل المعاملة اللي كنت بعملهالك وأكتر ولما فكرت أعاملك زي البني آدمين اتفرعنت ، إنت كان لازم تفضل تتعامل زي الحيوانات !!
صرخ رعد غاضبا يشد أجزاء مسدسه هو الآخر ، يلصق فوهته بجبين جاسر ، هنا قفز يوسف من أعلى السلم يهرول إليهم يصرخ في رعد :
- أنت اتجننت نزل مسدسك ، بابا أرجوك نزل المسدس ، ايه اللي انتوا بتعملوه دا ، رعد نزل المسدس
التفت رعد برأسه إليه يغمغم ساخرا :
- عايزني انزل المسدس عشان هو يقتلني 
هرعت چوري إلى شقيقها تُمسك بذراعه تحرك رأسها للجانبين تنهمر الدموع من عينيها تصرخ فيه بحرقة :
- أبوس إيدك نزل المسدس ، إيه اللي بتعمله دا يا رعد ، أنت خلاص بعدت عننا كلنا وعيشت حياتك بعيد ، جاي تعمل ايه هنا ، امشي يا رعد 
اطلع برة امشي 
أما رؤى فتخاذلت قدميها تنظر للمشهد الفظيع أمامها برعب شديد ، لا تصدق ما ترى زوجها وولدها كل منهما يود قتل الآخر ، شعرت وكأن الحياة تُسحب منها ، تنظر حولها تبحث عن من ينقذهم مما يحدث ولكنها لا أحد ، أحرقت الدموع عينيها ووجهها ، كل ذرة بها تنتفض ألما 
جسدها شُل عن الحركة من الألم ، أما جاسر فبدأ يتحدث من جديد يتهكم من رعد :
- سيبوه سيبوه ، دا جاي يعمل راجل هنا ، بعد ما طرب سابته وشافت الأرجل منه ، اسمه ظافر مش كدة ، بقى يا راجل تصرع ابنك الصغير وتخطفه ، ما هو ليه حق يحب عمو ظافر بردوا 
هنا صرخ رعد بجنون :
- هقتلك يا جاسر يا مهران ، هموتك
اندفع يوسف يقف حائلا بينهما ينظر صوب رعد يصرخ فيه :
- هتقتل أبوك يا حيوان يا مجنون ، إنت ايه اللي جرالك ، نزل المسدس يا جاسر ، إنت فاكر أن أنا هسمحلك تمس شعرة واحدة منه 

هنا ابتسم جاسر مد يده يربت على كتف يوسف يتحدث يتفاخر به :
- يارتني خلفتك أنت بس يا يوسف وما جبتش المسخ اللي واقف قدامك دا 

هنا أحمرت عيني رعد حد الجنون ، ومرت أمامه سريعا كل المشاهد التى رأى فيها أبيه يدلل يوسف ويعامله كصديق في حين يفعل العكس معه ، في تلك اللحظة سولت له نفسا أمرًا سيحرق قلب جاسر للأبد ،أنزل مسدسه ينظر لشقيقه يبتسم في هدوء رفع يده يربت على كتف شقيقه تنهد يحادثه :
- تعرف هو عنده حق ، أنا فعلا مسخ أنا ماشي 
تحرك عدة خطوات صوب الباب فتحه ؛ لينزل جاسر مسدسه هو الآخر متعجبا مما حدث تحرك رعد خطوة للخارج ليعود من جديد ، ابتسم يلتفت إلى شقيقه ينادي باسمه :
- يوسف 
وجه يوسف تركيزه إليه؛ ليرفع رعد مسدسه في أقل من لحظة انطلقت الرصاصة تخترق صدر يوسف ، جحظت عيني يوسف ألما تنفجر الدماء من صدره يستمع إلى صرخات كثيرة تأتي من حوله تصاحبها ضحكات رعد وهو يسخر من جاسر :
- دلوقتي ما فضلش عايش غير المسخ اللي أنت خلفته !!

تعليقات



×