رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الثامن والثلاثون
نزل أسفل عمارتهم السكنية ينتظرها جوار السيارة ، نظر إلى ساعة يده هكذا سيتأخران كاد أن يتصل بها ولكنه رآها تنزل لأسفل تبدو خجلة للغاية ، تباعتها عينيه وهي تهبط درجات السلم ليجد نفسه يبتسم خاصة حين رأى عينيها تلمع حين نظرت إليه ، نظرتها وكأنه تقول له أنه يعني لها كل شيء في الحياة !
اقتربت منه حمحمت تسأله متوترة :
- هو إحنا هنروح المطار ليه ؟
ابتسم لها ينظر لساعة يده قبل أن يجيبها على عجل :
- عشان نودع ليان وشهاب في المطار ، شهاب جاتله فرصة شغل ممتازة وهيسافروا خلاص ، يلا يا دوب نلحقهم
اومأت برأسها موافقة ، فتحت باب السيارة تجلس على المقعد المجاور له ، ما أن دخل إلى السيارة رأته يعطيها وردة حمراء ، توسعت عينيها وخرجت شهقة صغيرة من بين شفتيها ، رمشت بعينيها عدة مرات ، ترتعش إبتسامة صغيرة على شفتيها مدت يدها تأخذ الوردة منه ، رفعت عينيها إليه ليرى وجهها يتوهج خجلًا تهمس متوترة :
- شكرا يا شريف حلوة أوي ، شكرا
ابتسم لها قبل أن يدير محرك السيارة ، يتذكر أنه في موقف مشابه أحضر لمرام وردة كما فعل الآن فكان رد فعلها ساخرا للغاية
«ايه دا يا شريف وردة واحدة بس أنت بقيت بخيل ولا إيه »
نظر لها بجانب عينيه نظرة خاطفة ، ليراها تبتسم سعيدة تنظر للوردة وكأنها تنظر لكنز !
تنهد حائرا من نفسه ومن الدوامة التي يلتف فيها قلبه دون أن يصل لشط النجاة
بعد عدة دقائق وصلا إلى المطار ، نزل هو أولا يلتف يفتح لها الباب توترت ابتسامتها تبتلع لعابها مرتبكة لا تفهم ماذا حل به اليوم ، نزلت من السيارة تسير جواره ، انتفضت تشهق بعنف حين مد يده يمسك بكف يدها وهما يسيران ، التفتت له برأسها تنظر له مذهولة لتراه يبتسم قبل أن يسألها :
- في حاجة يا زينب ؟!
ومن ثم جذب كف يدها بخفة يردف سريعا :
- يلا يا بنتي واقفة ليه يا دوب نلحقهم
حركت رأسها تسير جواره لداخل المطار كل ذرة بها تنتفض ، إلى أن وصلوا للجمع أخيرا ، أمامها على بعد خطوتين رأت ليان شقيقة شريف وشهاب زوجها وإيمان والدتهم ، وعلي ، وسيدة وفتاة ورجل من أهل شهاب على ما يبدو ، اقترب شريف منهم لتقترب ليان منه تعانقه بقوة ، تمسكت بقميصه تبكي بين أحضانه تعتذر منه :
- أنا آسفة يا شريف ، آسفة بجد على كل مرة زعلتك فيها ، أو قولت كلام سخيف ضايقك كنت عامية وأنت عارف دا ، والله أنت أحسن أخ في الدنيا
ابتسم شريف يُبعد شقيقته عنه قليلا يحتضن وجهها بين كفيه مسح دموعها بإبهاميه يحادثها مترفقا :
- بطلي عياط يا عبيطة أنتِ ، وبعدين أنتِ عارفة أن أنا ما بزعلش منك أبدا ، المهم تخلي بالك من نفسك ومن شهاب ، ولو في أي وقت الواد دا عمل حاجة ضايقتك قوليلي بس وأنا هاجي أعقله عادي
ضحك شهاب يقترب منهم لف ذراعه حول كتفي ليان يحادث شريف ضاحكا :
-يا عم حرام عليك هو أنا قدك ، وبعدين ما تقلقش هشيلها جوا عيني يلا بقى عشان ما نتأخرش على الطيارة
عانقت ليان شريف بقوة قبل أن تذهب تعانق والديها ، اقترب شريف من شهاب يوصيه :
- شهاب بالله عليك خلي بالك منها ، أنا عارف أنك طيب وابن حلال بس بردوا خلي بالك منها ، ليان عمرها ما بعدت عنا أوي كدة ، اوعدني أنك عمرك ما هتزعلها ، ولو يا سيدي لا قدر الله اتخانقتوا ، اتصل بيا أو بالحج علي
ابتسم شهاب في هدوء يصافح صديقه يردف:
-أوعدك يا صاحبي إني هشيلها جوا عينيا وعمري ما هزعلها ، ويوم ما نتخانق هفتكر أنها متسابة أمانة عندي وأنا عمري ما أفرط في الأمانة
ابتسم شريف سعيدا يتنفس الصعداء يعانق شهاب يودعه ، نظر صوب ليان ليراها تعانق زينب توصيها عليه :
- خلي بالك من شريف يا زينب ، والله شريف طيب أوي ، وكلميني كل شوية مش عايزة أحس إني لوحدي بعيد ، أنا ماليش صحاب غيرك
تحرك بعينيه إلى زينب ليراها تعانق شقيقته بقوة ، ابتعدت عنها تمسك بيديها تطمأنها :
- ما تقلقيش أنا هكلمك كل يوم ، وما تخافيش يا ليان هي مسألة وقت وهتتعودي على المكان
وها هي سارة شقيقة شهاب الصغيرة تعانقه وتبكي هي وشقيقته الأخرى حنان
الوداع سخيف مؤلم ، ووداع الأحباء أشد ألما ، تحرك ناحية أبيه وقف مجاورًا له يبتسم في وجهه يحادثه :
- وحشتني يا حج
ابتسم علي ينظر لولده ؛ ليرى شريف الدموع عالقة بعيني والده ، ابتسم له يربت على كتفه يطمأنه :
- ما تقلقش يا بابا شهاب طيب وهيخلي باله منها ، وبعدين فرضا حصل أسوء الاحتمالات دول ساعتين بالطيارة ، دي لو متجوزة في أسوان هناخد وقت أكتر من كدة
وضحك بخفة لترتسم ابتسامة باهتة حزينة على شفتي علي يحرك رأسه ، اقتربت ليان من أبيها تودعه ليتنهد الأخير بعنف يعانقها بقوة يوصيها :
- خلي بالك من نفسك يا ليان عشان خاطري ، ربنا يسعدك ويوفقكوا يا بنتي
بعد وداع طويل تحركت ليان ومعها شهاب إلى الداخل يلوحان للجميع ، اقتربت زينب من إيمان حين رأتها تبكي ، بدت مترددة خائفة بمعنى أدق من أن تصدها إيمان كما كانت تفعل والدتها ، مدت يدها تربت على كتفها برفق حمحمت تهمس متوترة :
- ما تعيطيش يا طنط
التفتت إيمان لها ، ظلت تنظر إليها للحظات وهي تبكي دون أن تعطيها رد فعل لتتوتر زينب أكثر ولكن إيمان أدهشتها حين جذبتها إليها تعانقها ، توسعت عيني زينب تشعر بقلبها ينفجر ربما تلك المرة الأولى في حياتها التي تشعر بذلك الشعور الرائع ، لا تتذكر أن والدتها عانقتها يوما ، لا تتذكر تماما تمسكت هي الأخرى بإيمان تعانقها تغمض عينيها تجرب شعور لم تجربه قبلا
____________
في منزل جاسر مهران
في غرفة كاملا لم تذق تقريبا للنوم طعما منذ الليلة تفكر ، ربما هو القدر الذي دفعها للعودة لأخذ السكين بعد أن تركته ليراها حارس جاسر وهي تخفيه داخل حقيبته ، ليتصرف جاسر ويخفي جثة عُدي ، حتى لا تُسجن هي ... نظرت جوارها لترى ملاك تتمسك بذراعها تنام خائفة ، مسكينة ابنتها الصغيرة ظلت تبكي إلى أن خلدت في النوم ، تنهدت تحاول أن تعتدل جالسة ببطء شديد حتى لا توقظها ولكن ملاك المسكينة استيقظت فزعة حين شعرت بحركة والدتها الخفيفة ، هبت جالسة تنظر إليها مذعورة تسألها :
- أنتِ رايحة فين يا ماما ؟
نظرت كاملا إلى ملاك حزينة ، مدت يدها تمسح على شعرها برفق تردف :
- حبيبتي أنا كنت رايحة الحمام ، نامي يا حبيبتي ما تخافيش
حركت ملاك رأسها للجانبين ترفض ، تتحدث قلقة :
- لاء أنا مش عاوزة أنام أنا هروح اشوف مريم عن إذنك
تحركت ملاك تخرج من الغرفة تنظر إلى والدتها قبل خروجها وكأنها تخشى اختفائها ، حين خرجت للمر ، تسمرت مكانها حيت رأت يوسف يخرج من غرفته ، ارتسمت على شفتيه ابتسامة كبيرة واسعة حين رآها لم تستطع أن تبادله إياها بعد كل ما فعل ، إلا أنها لا تزتا حمقاء تحبه ... اخذت طريقها صوب غرفة مريم لتقف فجاءة حين سمعت صوته يهمس باسمها ، ارتجفت كل ذرة بها حين شعرت بخطاه تقترب منها وقف أمامها على بعد عدة خطوات منها ينظر إليها نادمًا ، لا يصدق أنه كان طعما سهلا للشيطان يؤذي به تلك الملاك، لا يصدق أنه هو من أذاها وأبكاها ، كلما تذكر دناءة ما فعل يخجل حتى من طلب السماح ، أخذ نفسا قويا يزفره على مهل يحاول أن يلملم شتات كلماته المبعثرة يعتذر منها :
-أنا آسف يا ملاك وعارف أن كلمة آسف مالهاش أي لازمة بعد اللي عملته ، أنا استغليت حُبك وثقتك فيا بأسوأ الأوضاع ، أنا أذيتك وخليتك تبكي بسببي ، بسبب جناني ، أنا كنت عامل زي العروسة اللي بيحركها للأسف شيطان نفسه ، عشان يأذي ويجرح ويبعد أحب الناس ليه ، وأنتِ أحب الناس لقلبي وكياني يا ملاك ، حقك ما تسامحنيش عشان أنا فعلا ما استاهلش السماح ، بس أنا بجد آسف ، أنا كنت هموت من الخوف امبارح عليكي لما وقعتي مغمي عليكِ
ملاك أنا بحبك ، بحبك من كل قلبي ، أنا آسف عن إذنك
وتحرك من أمامها يغادر سريعا ، لطنخا رأته قبلا يرفع يده يمسح الدموع العالقة بعينيه ولم تفهم هل كان يبكي؟! وقفت تصارع قلب ضعيف عاشق ، وذكريات سيئة جمعتها به ، وكلمات طرب التي تحثتها على الرفض ، رفعت يديها تضعهم فوق رأسها تشعر بها ستنفجر ، تحركت صوب غرفة مريم دقت الباب شمعت صوتها يأذن بالدخول ، فتحت الباب ودخلت رأت مريم جالسة على سطح الفراش تضم قدميها لها تنظر للفراغ دموعها تتساقط فتسرع لمسحها ، قطبت ملاك جبينها مما ترى اقتربت منها جلست أمامها يسألها قلقة :
- مالك يا مريم بتعيطي ليه ؟
______________
جهز كل شيء لينزع قلبه ويبعده عنه ، لا يصدق أن بعد غيابها الطويل هو من يبعدها من جديد ، هو من يسمح لها بالرحيل ، أعادها للشقة التي كانا فيها معا في بداية زواجهم ، فتح الباب لهما لتتقدمه وتدخل قبله وهو خلفها ، أغلق باب الشقة ...اقترب منها وقف على بُعد خطوة واحدة يُحرك عينيه على قسمات وجهها يشبع قلبه منها ، ابتلع لعابه يهمس ملتاعًا :
- مش مصدق أن أنا بإيدي ببعدك عني بعد ما عيشت عذاب بُعدك أكتر من سنة ، بس أنا مش عايزك تحسي أنك قليلة ، أنتِ عارفة أنا عشان خاطرك عملت ايه ، قابلت شخصية مهمة في وزارة التربية والتعليم وعرضت عليه إني أعمل ديكورات شقة ابنه هدية ، قصاد أنك تبقي مقيدة السنة دي كطالبة في الثانوية العامة في سنة تالتة ، وعليه الراجل وافق واسمك بقى مقيد في مدرسة كبيرة ، بس اختاري علمي ولا أدبي ، دا اختيارك أنتِ وأنا ما ارضتش اختار من نفسي ، اتفضلي الورقة أهي
أمسكت الورقة التي أعطاها إياها وقالت لنفسها أنها ستكون حمقاء أن اختارت العلوم والرياضة وهي لا تزال تتعرف على الدراسة فاختارت القسم الأدبي ، وأعطته الورقة فابتسم لها وقال حزينا :
- هتاخديها للأسف منازل ودا أقرب اللي عرفت أوصله ، بس مجرد ما تخلصي وتروحي الكلية هتبقي زيك زي أي طالبة ودلوقتي بردوا أنتِ زيك زي أي طالبة ما تنقصيش عنهم حاجة ، تعرفي أن أنا كنت واثق أنك هتختاري أدبي هظبط الدنيا واشوفلك مدرسين كويسين وهجبلهم عنواين السناتر مش هجبلهملك هنا عشان في البيت عشان ما تفتكريش اني عاوز اعزلك عن الناس ، آه عشان ابقى مطمن عليكِ بس ما ينفعش تقعدي لوحدك ، هيكون معاكِ الست صباح ، دي ست طيبة جداا هتاخد بالها منك واعتبريها ونيس ، أنا مش هبقى مطمن وأنتِ قاعدة لوحدك
ومن ثم صمت لعدة لحظات ينظر لها يبتلع غصته التي تخنق قلبه ، يهمس متألما :
- ممكن لو مش هضايقك ، أجي اطمن عليكِ من وقت للتاني
في تلك اللحظة شعرت هي الأخرى بنغز يطرق قلبها أرادت أن تتراجع عن فكرتها ، ولكن فكرة أنها تشعر أنها بلا هوية جعلها تتمسك بموقفها ، حركت رأسها تبتسم له تشكره ممتنة :
- أيوة طبعا ، أنا بجد مش عارفة أشكرك إزاي يا جواد ، حد تاني كان اتريق عليا ورفض ، أنت مش عارف أنا حاسة بسعادة إزاي
ابتسم يحرك رأسه يشعر برغبة سخيفة في البكاء تنهد يقول سريعا :
- صحيح في مدرسة عربي ومدرسة إنجليزي هيجيهولك هنا البيت عشان تأسيس قواعد النحو والجرامر والحاجات السخيفة التراكمية دي ، دول بس اللي هيجولك البيت قبل ما تبدأي دروسك عشان ما تحسيش أنك أقل من حد ، عن إذنك أنا هروح المكتب لو احتاجتي اي حاجة كلميني
تحرك ناحية باب المنزل قبل أن يفتحه التفت إليها يوصيها :
- خلي بالك من نفسك أوي ، وفي أي وقت ، أي وقت مهما كان احتجتيني كلميني ، واقفلي بالمفتاح والترباس كويس من جوا ، عن إذنك
أرادت البكاء تحرك رأسها بالإيجاب ، ابتسم يودعها وغادر نزل لأسفل صوب حارس العقار اقترب منه يحادثه :
- زي ما وصيتك يا عم حامد
طمأنه الرجل ليكمل طريقه إلى سيارته ، دخلها ينظر لأعلى ليراها تنظر له من شرفة الشقة تبتسم ، رفع يده يلوح لها بالوداع قبل أن يتركها ويغادر تتساقط قطرات الدموع من عينيه يواسي نفسه :
- قالتلك آخر مرة أنها ما عندهاش حل تاني ، سيبها يكون عندها حل تاني ، سيبها تحقق حلمها ، على الأقل المرة دي أنا عارف هي فين ،
لما توحشني هروحلها ، يمكن دا ذنبي أو دعوة ليان أنا مش عارف !
___________
في شقة ياسر راضي
جلست نرمين في صالة المنزل حزينة شاردة ، الدموع تملأ عينيها ، تشعر بالألم القديم يعود كالوحش من جديد ، لا تغرب في تلك اللحظة سوى أن تعود لتلك الحالة القديمة حين كانت منفصلة عن الألم والذكريات والواقع وكل شيء ، ياسر وأريچ لا يتحدثان معها ، وهما وسما غادروا باكرًا وكأنهم يهربون منها ، سمعت صوت دقات الباب قامت ومسحت دموعها تحركت صوب الباب فتحته ، ابتسمت ما أن رأته ونزلت دموع عينيها حين عانقته تنشد منه الأمان ، أغمضت عينيها تتمسك به تهمس بحرقة :
- أنا تعبانة أوي يا جاسر ، تعبانة أوي
تحرك بها للداخل يغلق الباب ، توجه معها إلى أقرب أريكة أجلسها هناك وجذب مقعد يجلس أمامها ، مد يده يمسك بكفيها يحادثها مترفقا :
- جاسر حكالي على كل حاجة وأنا مش بلومك بس بعتب عليكِ ، لحاجتين الاولانية أن ياسر فضل يتحايل عليكِ كتير زمان ، أن مشوار علاجك لسه ما خلصش وأنتِ رفضتي تكمليه وفضلتي تحاولي تقنعينا أنك بقيتي كويسة ، شوفتي بقى أنك المفروض كنتي تكملي علاجك يا نرمين ، شوفتي أن ياسر كان عنده حق ، ما نستيش وما اتخطتيش يا نرمين
حركت رأسها بالإيجاب توافقه بعد كل تلك السنوات تقر أنهما كانا على حق وهي المخطئة ، ليتها استمعت إلى كلامها قبلا ، قبل أن تقول شيئا أكمل جاسر يعاتبها :
- أنتِ إزاي يا نرمين تعايري مرات ابنك ، أنتِ ما فكرتيش للحظة أن جاسر بالنسبة لمليكة ، هو بالظبط ياسر بالنسبة لك ، إزاي تعملي كدة ، إزاي يجيلك قلب تعايريها ، البنت مالهاش ذنب في اللي عمله ، تفتكري لو أنا كنت شايف أن في ذنب واحد في المية عليها أو على شاهندا كنت هخلي الجوازة دي تكمل ، لاء يا نرمين اللي أنتِ قولتيه دا قاسي أوي وأنتِ المفروض تكوني أكتر واحدة حاسة بيها
توسعت عيني نرمين ألما حين قال ما قال في نهاية كلامه ليكمل جاسر :
- ما تبصليش كدة ، أنتِ عارفة أنا بحبك قد ايه وعارفة إنك هتسمعي الحقيقة مني ، والحقيقة يا نرمين إن اللي عملتيه دا كان قمة الندالة ، أنك تعايري عروسة قدام أهلها وتنكدي عليها فرحتها ، وأنتِ عارفة أن اللي حصلها دا ما كنش بمزاجها يعني البنت مش مذنبة في أي حاجة ، دي حاجة مقرفة بجد يا نرمين
انهمرت الدموع من عيني نرمين بحرقة تحرك رأسها لأعلى وأسفل وكأنها تخبره أن ما يقوله صحيحًا ، جذبت يديها من يديه تخفي وجهها خلف كفيها تبكي بحرقة :
- أنت عندك حق ، أنا المفروض ابقى حاسة بيها ، مش أنا اللي أجي عليها ، أنا مش متخيلة أن ممكن حد يقول لبنتي في يوم الكلام اللي قولته لمليكة ، شاهندا كان عندها حق ، أنا بس قلبي بيوجعني أوي يا جاسر لما بشوفهم ، وبفتكر اللي حصل
أبعدت يديها عن وجهها تتحدث بحرقة من بين شهقات بكائها العنيف :
- أنت عارف مليكة وهي بتديني العصير لما كنت عندهم ، اتغيرت فجاءة وشوفت صبري وهو بيمدلي كوباية العصير ، أنا مش قادرة أنسى يا جاسر ، وما تطلبش مني بعد العمر دا كله إني ارجع اتعالج تاني ، حتى لو من غير ما حد يعرف ، عشان أنا عارفة إنت بتفكر في إيه
تنهد جاسر متضايقا ، ذلك فعلا ما كان يبغي وها هي نرمين ترفض ، وهو يعرف كم أن نرمين عنيدة لن توافق حتى لو ألح عامًا ، زفر أنفاسه مرة أخرى يمسح وجهه بكف يده قبل أن يقول :
- أنتِ كدة بتضري نفسك يا نرمين ، وهتكرهي جاسر وأريچ وسما فيكي ، ما هو مش منطقي كل ما تشوفي مرات جاسر هتقولي لها كدة وهو هيسكت كل مرة ، أبسط حاجة هيقاطعك وبناتك هياخدوا منك جنب ، بس أنتِ حرة ، ونصيحة كلمي جاسر ومراته وباركيلهم وراضي البنت ، واتمني تفكري في نقطة العلاج تاني ،
أنا هقوم أمشي بقى عشان أنا عندي هم ما يتلم من ولاد مهران كل واحد منهم بكارثة شكل !
______________
بعد ساعات وصلوا الى وجتهم ، أوقف السيارة أمام الفندق ينظر لها وهي تغط في النوم ، سافروا فجرا ليصلوا باكرا وها هي تغط في النوم طوال الطريق تقريبا ، مد يده يتلمس شعرها المجعد بخفة يبتسم حين ينظر فقط لقسمات وجهها المستكينة الهادئة ، مد يده يهز كتفها برفق يحادثها :
- مليكة اصحي بقى ، يا بنتي نايمة الطريق كله ، وسيباني أعاكس في الأجانب براحتي
فتحت عينيها على اتساعهما انتفضت في جلستها تنظر له غاضبة ليضحك يسخر منها :
- لازم أقول يعني بعاكس عشان تصحي ، يلا انزلي وصلنا
رمقته بنظرة حادة ، الماكر كان يخدعها نزلت من السيارة تصفع بابها بقوة ، لتراه يلف رأسه ناحيتها في لحظة عينيه متسعة غضبًا !! قبل أن يردف بدا متضايقا حقا وهو يقول :
- لا يا مليكة ، أنتِ عارفة أنا بحب العربية دي قد ايه لو سمحتي ما تكرريهاش
تضايقت من أنه تضايق لأجل شيء بسيط كهذا ، يغضب لأنها أغلقت باب سيارته بعنف إلى أي مدى يحب جاسر سيارته ، هل يفضل قطعة الحديد الفاخرة عليها ؟!
فتح صندوق السيارة وأخرج الحقائب يضعهم أرضا حين أغلق الصندوق رآها تقترب منه تسأله حانقة :
- جاسر ، هو أنت بتحب عربيتك أكتر مني ؟!
ضحك بخفة يحرك رأسه يائسا لا فائدة ، حمل الحقائب يحادثها ضاحكا :
- يلا يا مليكة عشان ألحق اطلع أنام شوية أنا ما صدقت وصلنا ، وبطلي عبط
لم يجيب عن سؤالها وذاك ضايقها حقا ، تحركت تسير جواره تزم شفتيها متضايقة ، دخلا إلى الفندق نظرت حولها هنا وهناك مبتسمة من جمال المكان ، لتسمعه يسألها :
- ها عجبك المكان
زمت شفتيها تقلب عينيها تشيح بوجهها بعيدا تسخر منه :
- ابقى روح اسأل عربيتك
كاد أن يقول شيئا حين سمعا معًا صوت فتاة تهمس باسمه مدهوشة ، نظرا لمصدر الصوت لتتوسع حدقتي جاسر قليلا أنزل الحقائب من يده اليمنى ، ينزل للفتاة المقبلة عليه يحادثها مبتسما :
- اهلا ، إزيك يا رقية ... بقالي كتير ما شوفتكيش أخبارك ايه ، وبتعملي ايه هنا في أسوان
نقلت رقية أنظارها بين جاسر والفتاة الواقفة جواره قبل أن تبعت عينيها على خاتم الزواج في يده تشعر بكلمة قوية دمرت قلبها ، ابتلعت غصتها تحاول أن تبتسم بصعوبة قبل أن ترجف بنبرة مختنقة :
- بابا شغله اتنقل أسوان ، عشان كدة سافرنا معاه ، أنا بشتغل هنا تبع ال HR ، صحيح ألف مبروك
ابتسم جاسر يشكرها يحادثها مبتسما :
- الله يبارك فيك ي ، بس ال HR مرة واحدة ، أنتِ شاطرة يا رقية وأنا قولتلك قبل كدة ، ربنا يوفقك ، استأذنك بقى عشان جاي هلكان من السواقة ، يلا يا مليكة
وجهت مليكة لرقية ابتسامة صغيرة قبل أن ترحل بصحبة جاسر ، ورقية تقف مكانها تنظر إليهم من بعيد ، تشعر بألم بشع يحرق قلبها ، ها هو قد تزوج ها هي زوجته الجميلة ، ها هو الحلم الذي حلمت به لأيام تحطم ، لم تشعر بنفسها سوى وهي تخرج من الفندق تبتعد بعيدا وكأنها تهرب ، تسابقها دموع عينيها توجهت إلى ضفاف النيل إلى المكان البعيد النائي وقفت هناك تبكي بحرقة تجهش في البكاء بصوت مرتفع ، إلى أن سمعت صوت عمار يأتي من خلفها يسألها قلقا :
- مالك يا رقية بتعيطي ليه ، هو عمي محسن كويس ، حصل حاجة ولا إيه
ومن ثم اقترب منها حتى وقف مجاورًا لها يسألها من جديد :
- يا رقية ما تردي عليا في اي ، خلاص أنا هكلم عم محسن أقوله
التفتت رقية إليه ليرى الدموع تُغرق وجهها قبل أن تصرخ فيه بحرقة :
- أبعد عني ، مالكش دعوة بيا ، أمشي من هنا أنا عايزة أفضل لوحدي إنت ايه اللي جابك هنا
اصلا امشي
تعجب كثيرا من هجومها عليه ، ولكنه لم يرحل بل عاد يسألها بنبرة أكثر ترفقا :
- في اي يا رقية ، حد عملك حاجة طيب
لم تعد تحتمل تود فقط البكاء وهو لا يتوقف عن سؤالها ، انفجرت تصرخ فيه :
- اتجوز خلاص اتجوز ، كان لازم من الأول أعرف من الأول أعرف أنه عمره ما هيتجوز واحدة زيي ، بعد ما عرف اللي عمله فيا الحيوان المجنون السادي اللي كنت متجوزاه ، هو قالي من الأول ، قالي أنه عمره ما هيحبني وأن أنا بالنسبة ليه حالة بيعالجها ، بس أنا حبيته وحبيته أوي كمان ، قالي مع الوقت هتنسيني وتضحكي لما تفتكري اللي حصل دا ، بس أنا ما نستوش ، وأهو اتجوز وجم هنا يقضوا شهر العسل ، مراته حلوة أوي ، هو فعلا يستاهل واحدة جميلة زي دي ، مش واحدة زيي
وانفجرت في البكاء بحرقة ، شعر بالحزن عليها والصدمة الشديدة مما سمع وعرف ، رقية كانت متزوجة من سادي !! صدمة لم يكن يتوقعها أبدا ، ابتلع غصته يسألها مختنقا :
- هو مين دا يا رقية
ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيها وماذا يفرق معه معرفة اسمه ، ذلك الفضولي لم يواسيها بل زادها ضيقا همست بصوت مختنق :
- دكتور جاسر راضي
توسعت حدقتا عمار ذهولا يعود خطوتين للخلف يشعر بالألم الذي يخترق روحه ، جاسر هنا إذا مليكة أيضا هنا ، ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيه يحرك رأسه للجانبين يتهكم من نفسه :
- أنا بردوا كنت بحبها أوي ، بس هي اتجوزت واحد أحسن مني بكتير
ابتسم لا يصدق أن القدر يسخر منه لذلك الحد ، انتبه على صوت رنين هاتفه ليجد أن المتصل هو زين ، فتح الخط يحاول أن يبتسم يحادث شقيقه :
- زين وحشتني أوي
سمع صوت شقيقه عبر الهاتف يحادثه سعيدا :
- وأنت كمان وحشتني أوي يا عمار ، أنا جايلك اصلا قدامي ساعة وأوصل ، ومعايا مرام ، عايزك تشوف عروسة أخوك اللي وقعته على وشه ، أنا نازل في فندق ***** هحط الشنطة بتاعتي بس واجيلك !!
___________
في منزل جاسر مهران
وقفت رؤى خلف جاسر الذي يقف أمام مرآة غرفته يعقد رابطة عنقه تكاد تنفجر غضبا مما قال لها تصرخ فيه بعلو صوتها لأول مرة تقريبا :
- أنت اتجننت ، لاء أنت أكيد اتجننت بتقولي بنتك الصغيرة اللي لسه 19 سنة متقدملها عريس ، نصار صاحبي اللي قدك في السن ، هتجوز بنتك لواحد قد أبوها
أنهى جاسر عقد رابطة عنقه التفتت إلى رؤى يبتسم لها في هدوء رفع كتفيه قليلا يتحدث ببساطة :
- وفيها ايه نصار راجل محترم ، وبعدين غني جداا ، والسن مش باين عليه ، وبعدين ما هي اتخطبت للي قدها في السن وشوفتي ايه اللس حصل ، بطلي زن يا رؤى زمان الراجل وصل
وتجاوزها يخرج من الغرفة مر في طريقه على غرفة مريم ، فتح باب غرفتها رآها تجلس هي وملاك في غرفتها نظر لابنته يحادثها :
- مش تجهزي نفسك عشان العريس جاي ولا ايه ، ولا أنتي عرفاه ومش لازم تنزلي تتعرفي عليه
توترت مريم تقبض كف يدها ، ابتسم جاسر ساخرا قبل أن يخرج من غرفتها ، حين فعل رأى يوسف يقف أمامه يحادثه مدهوشا :
- بابا ، هو الكلام دا صح ، نصار متقدم لمريم ، إزاي أصلا يفكر في حاجة زي دي ، دا اتجنن ولا إيه
ضحك جاسر بخفة يربت على كتف ولده يحادثه ببساطة :
- ليه يا حبيبي اتجنن هو الحب يعرف سن بردوا ، أنت بكرة ولا بعده تروح تحب واحدة قد أمك أو أكبر وتجيلي وأنا اجوزهالك على طول
وتركه ينزل لأسفل ليضرب يوسف كفا فوق آخر يغمغم مصعوقا :
- ايه الهبل اللي بيحصل دا ؟!
نزل جاسر لأسفل ليجد أن الباب يدق ابتسم يتوجه إليه ، فتح الباب ليظهر نصار من خلفه يبدو متوترًا للغاية أما جاسر فابتسم يرحب به :
- أهلا أهلا يا عريس نورت في ميعادك مظبوط
جعد نصار جبينه قلقا من رد فعل جاسر ، دخل إلى الصالون جلس على الأريكة وجاسر على المقعد المجاور له ليبدأ الكلام سريعا :
- جاسر أنا عارف أنك أكيد متضايق ، وعارف أن اللي عملته دا ، أنت أكيد شايفه خيانة ، بس الحكاية وما فيها
-10 مليون
غمغم بها جاسر بنبرة جافة باردة للغاية ، ليقطب نصار جبينه مستنكرا ما يقصد وقبل أن يسأله أكمل جاسر ما يقول :
- مش أنت عاوز تتجوز مريم ، مهرها 10 مليون علشان اتغاضى عن فرق السن وعن اللي عملته من ورايا ، يا أما هخسف بشركتك الأرض
شعر نصار بالغضب يتفاقم داخله قبض كف يده يحاول أن يهدأ قبل أن ينظر لجاسر يردف بهدوء :
- أنا عارف متضايق وحقك ، وأنا فعلا بحب مريم وعاوز اتجوزها ، ومستعد ادفعلك أكتر من كدة كمان ، لو دا مش هيخليك زعلان مني
ابتسم جاسر بهدوء يومأ برأسه بخفة ، قبل أن يقول شيئا دق الباب ، تحرك يفتحه ليبصر مراد يقف أمامه يتحدث ضاحكا كعادته :
- مسا مسا ، عندكوا طبيخ ايه ، قصدي وحشتوني
ضحك جاسر بخفة مد يده يربت على كتف مراد يحادثه :
- خش خش ، اقرأ معانا الفاتحة
قطب مراد جبينه متعجبا مما قال جاسر ، توجه معه للداخل ليرى نصار يجلس أمامه ، انقبض قلبه ، نظر لجاسر يسأله قلقا:
- هي فاتحة مين ؟!
ابتسم جاسر بهدوء يردف :
- فاتحة نصار على مريم بنتي ، اقعد واقف ليه
أصفر وجه مراد فزعا ، ينقل أنظاره بين نصار وجاسر مذهولا لا يصدق ما يسمع ، شعر بيد جاسر تمسك بيده جذبه معه يدفعه جوار نصار ليجلس مراد مرغما ، وعاد جاسر مكانه يبتسم :
- اقرا معانا الفاتحة يا مراد ، اقرا يا حبيبي
ارتجف جسد مراد وزاغت عينيه ، ليبتسم نصار ساخرا على حاله قبل أن يرفع ثلاثتهم أيديهم ليقرأون الفاتحة ، ما أن انتهوا منها دُق الباب للمرة الثالثة توجه جاسر ليفتح وهو يتمتم ساخرا:
- دا أنا بقيت البواب ، مش صاحب البيت
فتح الباب ليجد رجل غريب يمسك في يده دفتر ،
أخرج منه ورقة يمدها إليه يسأله قبلا:
- حضرتك جاسر باشا مهران
حرك جاسر رأسه بالإيجاب ليخرج الرجل قلم من جيبه يعطيه له :
- طب اتفضل حضرتك معلش امضيلي على الورقة دي
قطب جاسر جبينه يسأله :
- فيها ايه الورقة دي ؟
حمحم المحضر محرجا يكره تلك القضايا بشدة ، تنهد يقول آسفا :
- دي قضية حجر رافعها ابن حضرتك الكبير رعد مهران على حضرتك يا جاسر باشا ، أنا آسف بجد
الألم الذي ظهر على وجه جاسر في تلك اللحظة كان لا يُوصف لا يصدق ما يسمع نظر للورقة مرارًا وتكرارًا يتأكد مما يحدث ، ليبتسم للرجل يقول آسفا :
- لاء أنا اللي آسف إني ما عرفتش أربي ، أنت مالكش ذنب
أخذ القلم منه يوقع له على محضر استلام القضية ، قبل أن يأخذ الورقة ويدخل إلى المنزل من جديد ، وقف مكانه كل مذهولا شاحبا كل ذرة به تنتفض ، اقترب نصار منه سريعا يسأله قلقا :
- مالك يا جاسر في ايه
تحركت عيني جاسر على وجهه يهمس بنبرة ثقيلة للغاية :
- رعد رفع عليا قضية حجر ، بيقول أن تصرفاتي ما بقتش طبيعية وإني محتاج اتحجز في العباسية !!
في المستشفى .. في مكتب سما الخاص ، دُق باب مكتبها لترتسم على شفتيها ابتسامة سعيدة ، هي تعرف من الطارق وللمفارقة المضحكة طارق هو الطارق ، حمحمت تسمح له بالدخول ليدلف إلى مكتبها تعلو شفتيه ابتسامة كبيرة سعيدة ، حين يراها يشعر بسعادة كبيرة تملأ كيانه ، مشاعره القديمة نحوها بُعثت من جديد بعد أن كان يخفيها تحت رماد الحياة الزوجية حتى لا تشعر زوجته بأي إهانة وهو لم يكن ليسمح لنفسه بأن يهينها بأي شكل من الأشكال ، بعد كل تلك السنوات أعطته الحياة فرصة جديدة ليجتمع بالفتاة التي يحب من صميم قلبه ولكن المشكلة هو خوف سما وتهربها من فكرة ارتباطهم ، انتبه على صوتها وهي تحمحم قبل أن تسأله :
- مالك يا طارق إنت كويس ؟
نظر لها وابتسم يومأ برأسه تنهد بعمق قبل أن يقول حائرا :
- والله يا سما ما بقتش عارف أنا كويس ولا بحبك
توسعت عيناها ذهولا قبل أن ترمش عدة مرات سريعا تتمتم مدهوشة :
- ايه الجملة الغريبة دي
ضحك بخفة قبل أن يحرك رأسه يائسا منها يتحدث متضايقا :
- أعمل ايه يا سما ما أنتِ اللي مش عايزة تريحي قلبي بجد ، سما إحنا اتفرقنا مدة طويلة أوي خلال المدة أنتِ اتجوزتي وانا حاولت أنساكِ فاتجوزت ودفنت مشاعري ناحيتك في بير عميق عشان ما اجرحش مشاعر مراتي ، رغم كدة كانت بتقولي دايما أنها عارفة إني ما بحبهاش بس كفاية معاملتي الطيبة ليها ، لما ربنا توفاها حزنت عليها جداا شهور ، وفي وسط دا كله لقيتك ظهرتي في حياتي تاني ، من أول لحظة وافقتي فيها أننا نرجع أصدقاء والبير اتفتح وخرجت المشاعر تملا كياني تاني ، بقالنا أكتر من سنة بنتعامل زي المخطوبين ، نص يومي بقضيه هنا معاكي في المستشفى والنص التاني بكمله معاكي على الموبايل ، وبردوا كل ما أحاول افتح معاكي موضوع إني أجي اتقدملك تتهربي ، ممكن أفهم في ايه ، لو ما بتحبنيش عادي قوليلي وأنا هبعد ، لكن أنا حاسس إن أنا واقف على حبل لا عارف أقف على أرض صلبة ، وخايف افتله لأقع وما يبقاش لعلاقتنا قومة تاني ، سما من غير كلام كتير أنا عاوز اتقدملك عاوز اتجوزك ، لو كنتي وافقتي من أول مرة قولتلك فيها ما اتهربيتش كان زمانا دلوقتي معانا طفل
توترت تضغط على القلم في يدها بقوة ، ابتلعت لعابها ، تحاول أن تبرر له أو تشرح له أسبابها ولكن النتيجة كانت تأتأة دون جملة مفيدة مما جعله يتضايق :
- سما أنتِ مش لاقية حاجة تقوليها ، أو رفضاني بس مكسوفة تقولي ، أنا آسف عن إذنك
وقام من مكانه ليغادر ، تحرك خطوتين صوب باب الغرفة ليسمعها تنادي باسمه سريعا :
- استنى يا طارق ، اسمعني
التفت لها وعاد أدراجه جلس أمامها ينظر إليها عن كثب يطلب منها أن بعينيه أن تشرح له ، ابتلعت لعابها تحرك يديها متوترة تحاول أن تشرح له سبب توترها وحيرتها ، حمحمت تقول متلعثمة :
- بص يا طارق أنت فاهم غلط ، أنا مش رفضاك ، أنا بس بعد اللي حصلي من من من
لم ترد نطق اسمه ، وكأن اسمه فقط يحرقها يذكرها بما فعله الوغد بها ، ابتلعت لعابها بحرقة تفرك يديها بعنف تردف :
- مش عايزة حتى أقول اسمه ، اللي حصلي منه أذاني أوي يا طارق ، بقيت خايفة ، أنت مالكش ذنب صدقني ، أنا اللي خايفة افتح قلبي تاني ، خايفة اتجرح ، أنت ما تعرفش هو أذاني قد إيه ، أذانا كلنا مش أنا لوحدي ، ولتاني مرة يا طارق أنت مالكش ذنب ، ودا مش معناه إني مش واثقة فيك ، لاء بالعكس المشكلة عندي أنا يا طارق ، أنا آسفة
تفهم أن ما فعله بها ذلك الوغد أسوء من أن تتجاوزه ، لا يستبعد أن مصطفى قد فعل بها الكثير فهو خير من يعرف خسته وغدره ، ألم يكن هو من فرقهم قديما ، تنهد حزينا على حالها مما حدث لها بسبب الوغد ، وحاله فبعد أن ظن أنهما سيجتمعان أخيرا أعاق مصطفى الطريق إليها من جديد ، ولكن هل يستسلم كما فعل قبلا ويتركها ، ويعش الباقي من حياته يبكي الأطلال ، تنهد بعمق يمسح وجهه بكف يده قبل أن يوجه أنظاره إليها يحادثها مترفقا :
- أنا فاهمك يا سما ، وفاهم أن الموضوع مس قلة ثقة فيا ولكنه ندبة سابها الحيوان دا في نفسك ، بس وبعدين هتفضلي طول عمرك عايشة خايفة بسبب الندبة دي ، سما أنا بحبك وواثق أنك بتبادليني المشاعر ، ليه ما تحاوليش تقفلي صفحة الماضي
صمت ومن ثم ضحك بخفة حين قال :
- فاكرة في فيلم كارتون بتاع الأسد الملك ، قاله الماضي دايما صعب بس يا أما تهرب منه ، يا أما تتعلم منه ، لما خبطه بعصاية على دماغه
وأنا شايف بردوا كدة يا سما ، تجربة مصطفى كانت قاسية جداا على حد قولك بس يا أما تفضلي طول العمر هربانة وخليفة تعيشي حيتك لمجرد هاجس أن التجربة تتكرر ، يا أما تتعلمي من الماضي وتكملي حياتك لو كل واحد فضل واقف عند ماضيه يا سما ، كنا كلنا موتنا من الحزن ، أنا مش طالب منك رد دلوقتي فكري براحتك ، أسيبك أنا تكملي شغلك ، بس قبل ما امشي افتكري أننا من البداية كنا لبعض ، لولا غدر وخسة مصطفى ومين عارف مش يمكن القدر بيحاول يرجعنا تاني
وتركها وخرج من المكتب ، وجلست هي مكانها شاردة ، ربما هو محق وربما هو يخدعها ولكن لما يخدعها طارق ، طارق لم يؤذها يوما ... تنهد بحرقة تخفي وجهها خلف كفيها لا تعرف ما العمل !
_________
توقفت سيارة شريف أمام محل كبير معروف لبيع الأثاث ، نزل من السيارة ليلتف حولها سريعا يفتح الباب المجاور لزينب يبتسم لها ، لتبادله ابتسامته بأخرى خجولة متوترة ، يتسأل قلبها خجلا ما باله الحبيب هل بات مُحبًا لها ، نزلت من السيارة تسير جواره إلى داخل المحل ، أمسك بكف يدها ليشعر بكفها ينتفض داخل كفه فابتسم ولم يعقب ، بل أكمل طريقه يشير لها إلى أريكة كبيرة حديثة الطراز زرقاء داكنة :
- ايه رأيك في الكنبة دي ، حاسسها هتبقى حلوة في الصالة ، هي والكرسيين اللي لونهم أبيض ، لاء بقولك ايه فكي ومش عايز كسوف
دا العفش اللي هيبقى في بيتنا ، اتحركي كدة واختاري ونتناقش ونقارن أنهي أحسن ، أديكِ شايفة ما حدش فاضي للتاني في العيلة العرة دي
ضحكت زينب بخفة تحرك رأسها موافقة ، أزالت يدها من يده تتحرك أمامه تنظر عن كثب
لكل قطعة تحاول تخيل شكلها في شقتهم وهل ستكن جيدة أم لا ، وقفت أمام مرآة زينة تنظر للإطار الخارجي لها حين رأت في انعكاس الزجاج فتاتين يشيران إليها ويتهامسان ، ابتلعت لعابها متوترة تبتعد سريعا عن المكان ، تشعر بأنها ضائعة حين لم ترى شريف قريبا منها ، لفت برأسها هنا وهناك وهي تتحرك سريعا تبحث عنها بدأت الدموع تتجمع في عينيها ، ارتطمت دون أن تقصد في شخص ما أمامها شهقت تعود أدراجها تعتذر منه ليبتسم الرجل يسخر منها :
- ايوة ايوة أنا عارفك أنتِ البت اللي ابن عمها قفشها مع الظابط ، وطبعا طبختوها وقولتوا جوزك ، منك لله الراجل هيروح في داهية عشان كان بيدافع عن شرفه ، ستات عايزة الحرق بصحيح
شهقت زينب مذعورة مما يقول ، عادت أدراجها للخلف تجمعت الدموع بعينيها تحرك رأسها للجانبين ، تود الصراخ في وجهه أن ما يقوله غير صحيح أنها الضحية هنا ولكنها كالعادة لم تقدر ، انتحبت بعنف تبحث عن شريف إلى أن رأته يُسرع خطاه إليها ، ما أن رأته ارتمت بين أحضانه تتمسك به تبكي بحرقة ، ليُبعدها شريف عنه ينظر إليها غاضبا ، ألم يخبرها آلاف المرات ألا تبكي ، ألم يخبرها آلاف المران ألا تعد أي من كان يُهينها حتى إن كان هو ، أبعدها عنه وتوجه صوب الوغد الواقف أمامه يرميه بنظرة ساخرة يتهكم منه ، قبض شريف على تلابيب ثيابه يقربه منه يتحدث ضاحكا :
- أنت عملت النمرة دي عشان أنا اضربك والكاميرات في كل مكان ويلا اتفرج وشوف الظابط المتحوش اللي بيهجم على الناس ويضربهم من غير وجه حق ، فين الترند انتوا فين يا بتوع حقوق الإنسان مش كدة ، أنا بردوا هستخدم نفس طريقتك ، وهاخد الفيديو اللي متسجل فيه اللي حصل صوت وصورة وأقدم فيك محضر
واقترب برأسه منه حتى أصبحت شفتي شريف جوار أذنه يحادثه وهو يبتسم :
- ولما يجيبوك ليا زي الكلب ، ساعتها هعمل فيك كل اللي أنت كنت عاوزني اعمله وأكتر
ومن ثم ابتعد شريف عنه يربت على كتفه بخفة ، توجه إلى زينب يمسك بكف يدها يأخذها ويخرج من المحل توجها إلى السيارة
جلس جوارها يكاد ينفجر غيظا منها ، لا فائدة منها ، قبض على المقود يحاول ألا ينظر إليها إن فعل سيصرخ فيها بأعلى صوته ، وستخشاه وتبكي وكأنها لا تفعل الآن شد على المقود حتى كاد يخعله ولم يحتمل والمشهد يُعاد أمام عينيه والكلمات تنفجر في رأسه ، لف رأسه إليها وصرخ فيها :
- ليه ما بتاخديش حقك ، أنا بجد بكره عياطك يا زينب ، من يومين بردوا اتخانقنا بسبب الموضوع دا ، أبوس إيدك خدي حقك ، يا ابني هتبقي ملطشة الدنيا كلها ، ولا أنا بكلم مين خليكِ عيطي يا زينب ، واقعدي قولي إنت ما عيشتش اللي أنا عيشته ، أنت ما شوفتش اللي أنا شوفته ، أنا ضحية ومظلومة وخوافة وجبانة ، أنتي حقيقي تشلي
أما هي فالتزمت الصمت لم تبدي أي تعبير على كلماته القاسية الساخرة ، ظلت صامتة طويلا إلى أن وصلوا إلى بيتها ، نزلت من السيارة تشعر بجسدها ينتفض ليس خوفا وإنما قهرا وغضبا ، كل خلية بها تصرخ بعنف ، رأت عصا كبيرة ملقاة على جانب الطريق ، حملتها وتوجهت بها إلى سيارة شريف قبل أن يتحرك رآها تهبط بالعصا بعنف على مقدمة السيارة وهي تصرخ فقط صرخات تعبر عن غضبها ، انتفض شريف يخرج من السيارة يصرخ فيها :
-زينب ايه اللي أنتي بتعمليه دا ؟!
أمسك بيدها سريعا يمنعها من أن تكمل تحطيم سيارته ، حاولت جذب يدها من يده تصرخ فيه بعلو صوتها :
- ابعد عني ، ابعد عني مالكش دعوة بيا ، يا حضرة الظابط يا جسور يا شجاع ، أبعد عن الجبانة المجنونة اللي عايشة في دور الضحية
نزعت يدها من يده بعنف تلقي العصا من يدها بعيدا ، قبل أن تعطيه نظرة حادة تصرخ فيه :
- عارف لو ما طلقتنيش هوريك الجنون على أصوله
وتركته تركض إلى منزلها ، بينما وقف هو مكانه مذهولا ينظر لمقدمة سيارته التي تهشمت يتخيل زينب وهي تنزل بالعصا على رأسه بدلا من السيارة ، ابتلع لعابه يغمغم متوترا :
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، دا مستحيل يحصل زينب مستحيل تعمل كدا ، بس معقول أنا ضغطت عليها للدرجة دي !!
________
في شقة محمود وفاطمة
أعدت فاطمة عشاءً لذيذًا للغاية وارتدت ثوب جديد لم تفتحه قبلا وتعطرت و وضعت القليل من الزينة على وجهها تنظر إلى نفسها في المرآة ، تبتسم سعيدة اتصلت بمحمود وأخبرته أنها متعبة للغاية وعليه العودة سريعا ، وها هو على وشك الوصول سمعت صوت مفتاحه والباب يُفتح ومن ثم صوته وهو ينادي باسمها قلقا :
- فاطمة أنتِ فين يا حبيبتي ، فاطمة أنتِ فين
ومن ثم سمعت خطواته تقترب من الغرفة ورأته يدخل ، توقف مكانه حين رآها بثوبها الخلاب ، توسعت عيناه قبل أن يبتسم مدركا أنها قد خدعته ولكنها خدعة أكثر من رائعة
تبسم ثغره وتحرك إليها ينظر إليها تتحرك عيناه على كل تفصيلة بها بتروٍ ، وقف أمامها يبتسم قبل أن يقول متغزلا بها :
- ايه الجمال دا ، يا أجمل ما رأت عيني ، فاطمة أنا بحبك ، بحبك أوي ، يشهد ربنا إني بحبك من زمان ، من وإحنا عيال صغيرين ، رغم كل اللي حصل إلا أن ربنا عوضني واتجمعنا أنا وأنتِ تاني يا طمطم
ابتسمت سعيدة أرادت أن تعانقه ولكنها خجلت ففعل هو لف ذراعيه حولها يضمها إليه بقوة يتنفس عبيرها الأخاذ تنهدت برقة تبتعد عنه بخفة تنظر لعينيه بنظرات ناعسة حالمة ، مدت يدها إلى مرآة الزينة خلفها تلتقط اختبار الحمل ، أرادت أن تعد مفاجأة حول ذاك الاختبار ولكنها لم تعرف ماذا تفعل تحديدا ، مدت يدها إليه بالاختبار ؛ لترى عينيه تشخص بعنف ، مد يده يلتقط الإختبار من يدها ينظر إليها مدهوشا قبل أن يسألها مصعوقا :
- فاطمة ، الإختبار دا بجد ، أنتِ حامل بجد
اومأت برأسها وجهها يكاد ينفجر من الخجل ، رأت عينيه تدمع قبل أن يعانقها من جديد يكاد يعتصرها داخل أحضانه يبكي بقوة يتحدث سعيدا :
- أنا مش مصدق نفسي أنا قلبي هيقف من الفرحة أنا مش مصدق قد ايه عوض ربنا جميل ، أنا بحبك أوي يا فاطمة
بعد لحظات طويلة سعيدة بينهما ، ستفسدها حالا دون أن تعرف ، كانت تجلس أمام على مقاعد قصيرة أمامهم طاولة قصيرة الأقدام عليها أصناف مختلفة من الطعام ، حمحمت تهمس متوترة :
- محمود في حاجة حصلت من فترة طويلة ، بس أنا حاسة بالذنب عشان مخبياها عنك
قطب جبينه قلقا يوجه أنظاره إليها همهم يحثها أن تتكلم ، فركت يديها بعنف متوترة تهمس :
- فاكر لما اتخطفت من المريض اللي اسمه منير
ظهر الغضب واضحا على وجه محمود يحرك رأسه ، لتحمحم هي تهمس متوترة :
- لما فوقت لقيت نفسي نايمة على سرير غريب ولابسة قميص نوم ، والمريض دا قالي أنه استغل إني غريبة عن الوعي ، واعتدى عليا بس أنا مش عارفة دا حصل بجد ولا لاء ، وبعدين وراني حاجات كتير كان بيسرقها من شقتي لما كنت متجوزة نور ، و....
وصمتت حين هب محمود واقفا جسده ينتفض من الغضب ، يصرخ فيها :
- وأنتِ إزاي ما تقوليليش حاجة زي دي من ساعتها ، جاية تقوليل بعد الهنا بسنة ،ازاي تخبي عني حاجة زي دي كل الوقت دا
وقفت فاطمة أمامه تشعر بالغباء الشديد لأنها قالت ما قالت ، مد محمود يده يقبض على عضدها بقوة يصرخ فيها :
- كان لازم تقوليلي يا فاطمة ، كان لازم أعرف ، ما كانش ينفع تخبي عليا كل الفترة دي
دفعها بعيدا عنه وخرج من الغرفة غاضبا لحظات وسمعت صوت باب الشقة وهو يُفتح ويُغلق بعنف شديد ، لتنهار أرضا باكية تندم كثيرا أنها أخبرته
_______________
وقفت چوري في منتصف الموقع تتحدث مع أحد العمال ، حين شعرت بيد أحدهم يجذبها من عضدها بعنف بعيدا نحو بقعة فارغة حين نظرت للفاعل رأت عمر يفعل ذلك ، جذبت ذراعها من يده بعنف تصرخ فيه :
- أنت اتجننت يا عمر ايه اللي أنت بتعمله دا ، أنت إزاي تمسكني كدة اصلا ، ابعد عنها بدل ما أنادي على حسين
- حسييين هنا بقى مربط الفرس
صرخ بها عمر غاضبا ، كور قبضته يطحن أسنانه اقترب خطوة وأخرى منها يهسهس حاقدا :
- أنا تضحكي عليا وتطلعي متجوزاه ، كنتي وخداني سلمة عشان يغير عليكِ مش كدة ، أنا تضحكي عليا ، تديني على قفايا يا چوري هانم
حاولت چوري أن تقول شيئا لتبرر ما حدث أو تعتذر له ولكن عمر أقدم على فعل لم تتوقعه أبدا ، في لحظة بسط كفه على رأسها من الخلف يجذبها إليه بعنف يقبلها !! صدمة ما حدث جمدتها للحظات وقبل أن تبعده وتصفعه على وجهه بعنف رأت حسين هنا أمامها ، جذبها بعنف يكيل على عمر باللكمات العنيفة القوية
حتى طرحه أرضا غارقا في دمائه ، رفع وجهه إليها يرميها بنظرات حادة للغاية وجهه يكاد يشتعل غضبا ، نظراته حادة كنصل السيف ، قبض على كف يدها يجذبها خلفه إلى سيارته بعنف ، هنا ظهرت رانيا وهي تقف تبتسم في خبث توجهت صوب عمر تساعده ليقوم تغمغم ساخرة :
- هايل يا روميو في الوقت المظبوط اللي روحت جبت فيه حسين عشان يشوف حبيبة القلب وهي بتبوس الباشمهندس عمر
ضحك عمر ساخرا رغم الألم الذي يفتت وجهه ولكنه لن يسمح لأحد بخداعه أبدا
أما حسين فتوجه إلى سيارته فتح بابها يلقي چوري داخلها بعنف شديد ، يكاد ينفجر غضبا زوجته الذي حرم نفسه من قربها عامًا ويزيد تقبل غيره ، تلك اللحظة التي رآها فيها تقف بين يدي غيره هشمت قلبه إلى فتات ، التف حول السيارة يجلس خلف المقود خلفه چوري تتحدث سريعا :
- يا حسين افهم والله العظيم أنت فاهم غلط ، اسمعني
لم يلتفت لها ولكن صوته زلزل كيانها حين صاح فيها يتوعدها :
- صوتك ما يطلعش لحد ما نوصل
جلست صامتة تتنهد حانقة بين حين وآخر ، ظنت أنه سيعيدها لمنزل ابيها ولكن الطريق الذي أخذه كان غريبا لم تذهب إليه قبلا ، لا تعرف إلى أين يأخذها توترت في تلك اللحظة ، تشعر بالقلق ، أو بمعنى أصح الخوف
وقفت سيارة حسين بعد رحلة ليست بالقصيرة إلى منزل منفرد ليس بالضخم كمنزل أبيها ولكن حجمه مناسب ، ابتلعت لعابها حين توقفت السيارة ونزل حسين منها التف حول السيارة يجذبها منها بعنف ؛ لتحاول ضربه بيدها الأخرى تصرخ فيه غاضبة :
- حسين ما تعاملنيش بالأسلوب دا أنت اتجننت ، أنا غلطانة إني وافقت ادي حيوان زيك فرصة تانية
زاد غصبه ولكنه لم يرد بل استمر يجذبها بعنف وهي تصرخ تحاول جذب نفسها منه تشتمه ، وصل بها إلى الطابق الثاني حيث غرفة نومها دفعها للداخل يغلق عليهم الباب بالمفتاح ، توترت وخافت ولكنها حاولت أن تظهر العكس اشهرت سبابتها أمامه تصرخ فيه :
- حسين افتح الباب دا وخرجني ، ولو فاكر أنك كدة بتخوفني تبقى عبيط ، مشيني من هنا يا حسين احسنلك ، أنت أكيد عارف بابا هيعمل فيك ايه لو فكرت تمس شعرة مني غصب عني
ضحك ساخرا ولم يرد ، ما به هل بات أبكم ، ولما تشعر في تلك اللحظة أنها داخل مشهد في فيلم عربي قديم والبطلة على وشك اغتصابها من الشرير ، ويبدو أن المشهد صحيح لأن حسين بدأ يتخلص من ثيابه وهو ينظر إليها يتوعدها بالكثير !!
_____________
في أسوان
على كورنيش النيل وقف عمار ومعه رقية ينظران إلى سطح المياه كل منهما شارد ، منذ ساعات توقفت عن عدها وهي بصحبته ، تركها تبكي وتخرج ما يعتمر في قلبها المثقل التعب ومن ثم قال في هدوء :
- أنا بردوا كنت بحبها أوي ، أوي كنت نسمة الهوا الوحيدة اللي بتهون عليا الجحيم اللي شوفته سنين ، بس بردوا ما بقتش ليا ، أنا ما استاهلهاش ، لكن أنتِ تستاهلي يا زينب ، تستاهلي جاسر وتستاهلي الأحسن منه كمان ، وبعدين فكري فيها من شكل تاني ، هتتجوزي واحد ما بيحبكيش ، الحب مش بإيد حد يا زينب ، والله أنتِ اللي كسبانة ، تخيلي تعيشي حياتك مع واحد مش بيحبك اتجوزك بس عشان أنتِ بتحبيه ، بجد دي مأساة
كلماته مقنعة صحيحة ولكن قلبها جريح يحبه رغم ذلك ، ومن ثم ساد الصمت بينهما كلاهما ينظر لسطح المياه ، حين اختفت نظرة سريعة له رأته يرفع يده يمسح دموعه ، لما يبكي ؟!
ذلك العمار غريب غامض بشكل مستفز ، دوما ما كانت تتجنبه ولكنها بدأت تشعر بالشفقة عليه خاصة حين علمت الآن أنه صاحب قلب جريح مثلها ! ، بعد عدة لحظات توقفت سيارة رأت ابتسامة عمار تتسع حين نزل من في السيارة كان شاب تقريبا في مثل عمره ، يبتسم سعيدا ، هرول صوب عمار بخطى واسعة ليعانق كل منهما الآخر بقوة ، ابتسم عمار يربت على رأس شقيقه يحادثه سعيدا:
- وحشتني أوي يا زين ، بجد وحشتني ، اومال فين العروسة اللي قولتلي عليها
ضحك زين بخفة يعانق شقيقه قبل أن يبتعد عنه :
- يا ابني ما هي فكراك ميت ، استنى بس امهد لها الحوار وأقولها عفريت اخويا بيظهرلي وعاوز يشوفك وهجبها واجيلك
ضحك عمار يصدم زين على رأسه بخفة ، يتشاكسان كالاطفال ، ورقية تقف تنظر إليهما تبتسم دون أن تدري على ما يفعلان
في تلك الأثناء كان جاسر يقود سيارته جواره مليكة يتوجهان إلى أحد المطاعم لتناول الطعام ينظر إليها بين حين وآخر يبتسم وهو يراها تتحرك في مقعدها متناغمة مع أصوات الأغاني العالية المزعجة ، في طريقه وقعت عينيه على مشهد جعلته يوقف السيارة فجاءة ، عاد ينظر للمشهد من جديد لتتسع عينيه حين رأى عمار أمامه ، عمار الذي من المفترض أنه ميت !! ، يقف جواره زين يتشاكسان ، عمار حي وهو ثأره مضاعف ، ثأر شقيقته وثأر زوجته ، تلك المرة لن يقتله بالمسدس بل بيديه ، نزل من السيارة سريعا يصيح بعلو صوته :
- عماااار
التفت عمار إليه لم يبدو خائفا عكس زين الذي انتفض خائفا يقف أمام شقيقه ليحميه ، وضع عمار يده على كتف زين بخفة يبعده عنه ، اقترب جاسر يهرول في خطاه إليهم ، قبض على تلابيب ثيابه يقرب وجهه منه يهمس يتوعده :
- صدقني هخليك تتمنى لو كنت ميت فعلا ، من اللي هعمله فيك ، هاخد حق أختي وحق مراتي وحق كل بنت مارست عليها قذارتك يا قذر
حين لكمه بعنف ، صرخ زين فيه يدفعه بعنف بعيدا عن شقيقه يقبض على تلابيب ثيابه يمنعه من إيذاء شقيقه يصرخ فيه :
-إياك تأذي أخويا فاهم يا جاسر
لم يتفاجئ من رد فعل زين فهو شقيقه أولا وآخرا ولكنه تفاجئ من رد فعل رقية ، حين وقف أمام عمار تحميه منه تصرخ فيه:
- ابعد عنه ، أوعى تأذيه ، أنت عاوز منه ايه
نقل جاسر أنظاره بين وجه عمار المقطب الحزين ووجه رقية المرتعب خوفا عليه ، هنا ابتسم جاسر ساخرا وكاد أن يقول إن عمار يا رقية هو نسخة أخرى من زوجك المريض السادي ولكنه لسبب ما توقف في اللحظة الأخيرة ، لن يخبرها ولكنه لن يترك ثأره ، ذلك العمار سيقتله الآن وفي الحال ولن يوقفه أحد ، دفع زين بعيدا عنه بعنف ليسقط أرضا تعثر في حجر ولسوء حظه ارتطم رأسه بحجر ضخم على الرصيف ، توسعت حدقتاه ألما والدماء تنفجر من رأسه في حين صرخ عمار باسم شقيقه مذعورًا !
___________
في شقة رعد
في الصالة جلس رعد وعلى قدميه يونس يشاهدان فيلم كرتون ، يتابعه الصغير بانتباه شديد ، وهو ينظر إلى الصغير يبتسم بين حين وآخر ، يقبل وجنته بين لحظة وأخرى ، تلك القطعة الصغيرة منه ومنها يود أكلها من شدة ظرافتها ، أما طرب فكانت تعد زجاجة الحليب للصغير حين خرجت من المطبخ سحرها المشهد السعيد أمامها ، وقفت تراقبهم وهي تبتسم ، ربما رعد حقا يستحق فرصة ثانية وما فعله معها باليومين الماضيين يثبت ذلك ، انتفضت مذعورة في اللحظة التالية على صوت دقات عنيفة على باب منزلهم ، توجهت سريعا تأخذ الصغير منه ، أما هو فقام يفتح الباب وحين فعل رأى أمامه والدته وأبيه ونصار ويوسف جميعهم هنا أمامه ، ابتسم ساخرا يشير لهم بالدخول :
- أهلا أهلا ، نورتوا بيتي المتواضع اتفضلوا واقفين ليه
دخلت رؤى أولا ترفع ورقة المحضر أمام وجه رعد تصرخ فيه غاضبة:
- أنت رفعت قضية حجر على أبوك يا رعد أنت اتجننت ، أنت أكيد لسعت
شهقت طرب مستنكرة ما تفعل ، نظرت لرعد تتمنى أن يقل أن ذلك ليس بصحيح هو لم يفعل ذلك ولكنه ابتسم ، اقترب منها يلف ذراعه حول كتفيها يتمتم متهكما :
- كفاية عليه بقى ، جاسر باشا مهران الشيطان ، خدت زمنك وزمن غيرك ، جه دوري شوية أمسك الساحة ، وأنت تريح يا حج ، أنت كبرت وعجزت بردوا
اقترب يوسف من شقيقه يصرخ فيه مصعوقا :
- أنا مش مصدق أن اللي بيقول الكلام دا رعد ، ايه يا رعد أنت اتجننت بجد
ابتعد رعد عن طرب يضع كفه على كتفه شقيقه يحاثه بهدوء :
- يا ابني افهم ، لما نزيحوا من الساحة هبقى أنا الكل في الكل وهخليك دراعي اليمين ، اشهد معايا يا يوسف أن أبوك خرف
قاطعه يوسف يقبض على تلابيب ثيابه يصرخ فيه :
- دا أنت اللي خرفت ، ما عملتش حساب الزمن ، أنت عندك ابن بكرة هيعمل فيك اللي أنت بتعمله دا
ضحك رعد ساخرا يتهكم منه :
- وأنت فاكر أن أنا هعمل في ابني اللي أبوك عمله فيا ، ولا ايه يا جاسر باشا
تقابلت عيني رعد مع عيني جاسر ، رأى في عينيه جبروت جاسر مهران وهو يتداعى ويتهشم ، ينظر إلى ولده مصعوقا بما يسمع ، ابتلع لعابه كاد أن يقول شيئا حين اقتربت رؤى منه رفعت يده وصفعته بقوة صعفة تليها الأخرى تصرخ فيه :
- جاسر كان عنده حق ، كان عنده حق لما كان خايف منك وقالي أنك هتقلب وهتبقى أسوء من الشيطان ، أنا اللي كنت عامية عن حقيقتك ، كنت عامية عن قد ايه أنت غلاوي وقلبك أسود وبتكره الكل ، من النهاردة لا أنت ابني ولا أعرفك وقلبي غضبان عليك ، ولو كسبت القضية دي يبقى أنت خسرتنا كلنا ، لأنك هتكون بالنسبة لنا ميت يا رعد أنت فاهم ، وبكرة الزمن هيدور وابنك هيدوقك من نفس الكاس ، تعرف أنا ندمانة إني خلفتك !!
بصقت كلماتها في وجهه بمنتهى القسوة ، وقف هو مكانه يبتسم ساخرا يبدو أن كلمات والدته لم تؤثر به كثيرا ، وبما أن المشهد لم ينتهي بعد فجاء دور نصار للحديث :
- يا ابني استهدى بالله ، دا شيطان ودخل ما بينكوا ، ما تخسرش أبوك اللي بيحبك ووقف جنبك عمرك كله يا رعد ، ما تبعش الدهب بشوية رماد يا ابني
ضحك رعد ساخرا ينقل أنظاره بينهم قبل أن يرفع يديه يصفق ببطء يتهكم منهم :
- هايل ، مسرحية تحفة ، أدواركوا ممتازة ، حد عنده جملة تانية قبل ما نقفل الستار ، بطل المسرحية مش عاوز يقول حاجة قبل ما يبقى الكومبارس ، وكومبارس صامت كمان
ابتسم جاسر في هدوء ينظر للواقف أمامه لم يخطئ حين قال أن رعد سيكن أسوء منه نفسه في شبابه ، حرك رأسه للجانبين يتحدث بهدوء :
- لا يا رعد ، بطل المسرحية ما عندوش جُمل يقولها ، ما عندوش حاجة خالص ، اشوفك في المحكمة ، آه صحيح أنا عارف أنك بدأت تجمع تقارير كتير من الدكاترة إني بقيت مجنون من غير ما نقولها مصطلحات طبية ، ما تقلقش أنا مش هوقفك ، كمل مشوارك ، يلا يا يوسف هات والدتك وتعالا ، اسندني يا نصار عشان رجلي شادة عليا
لم تكن قدمه بل كل ذرة به تؤلمه حد الموت ، التفت برأسه ينظر صوب رعد للمرة الأخيرة يمر أمام عينيه شريط طويل منذ ولادته إلى هذه اللحظة ، في تلك اللحظة شعر بأن الأرض تميد من تحته ألم بشع اخترق صدره ، خرجت من بين شفتيه شهقة عنيفة وكأنها شهقة الموت ، قبل أن يسقط أمامهم أرضا حدق ذلك في لحظات ، صرخت رؤى ويوسف ونصار باسمه فزعا ، أما هو فابتسم ساخرا يكتف ذراعيه أمامه يتحدث بلامبلاة قاتلة :
- شيلوه ،طلعوه برة بيتي !!!
ارتسمت ابتسامة كبيرة سعيدة على ثغره وهو ينظر للطفل الصغير أمامه الذي يركل بقدميه يبكي يبدو أنه جائعا مال بجسده يحمله بين ذراعيه يبتسم سعيدا حين توقف الصغير عن البكاء ومد يديه الصغيرتين يحاول أن يُمسك بلحية والده يضحك ، ليقرب الصغير من أحضانه يعانقه مترفقا يهمس له :
- أنت عارف أنا هستنى بفارغ الصبر أنك تكبر عشان تبقى إبني وصاحبي وسندي ودراعي اليمين وتبقى أب قبل ما تكون أخ لكل أخواتك اللي هيجيوا بعد كدة ماشي يا رعد
وها هو مشهد آخر يرى فيه صغيره أمامه يستند إلى حافة الطاولة الصغيرة يحاول أن يقف يخطو خطواته الأولى إليه ليضحك سعيدا يلتقطه بين أحضانه يلتف به
ومشهد آخر وهو في غرفة مدير المدرسة التي بها ولده ، اقترب من المدير غاضبا يقبض على ثيابه جذبه ناحيته يصرخ فيه :
- بسبب ابنك أنا ضربت ابني بالقلم ، وابنك هو اللي غلطان ، ابنك ضرب ابني كان لازم تفكر كويس أوي قبل ما شعرة واحدة من ابني تتمس ، وعليه المدرسة دي أنا هقفهالك ، أنا ما عنديش أغلى من ولادي وخصوصا رعد
ومشهد ثالث وهو يجلس في غرفته يهز ساقيه متوترا قلقا ، اقتربت رؤى منه تحاول أن تهدئه :
- اهدا يا جاسر والله رعد كويس
حرك رأسه للجانبين بعنف يتحدث قلقا :
- لاء يا رؤى رعد مش عاجبه مجموعه ، أنا السبب اللي كنت بزعقله كتير وهو في سنة مهمة ، بصي قوليله أن أنا هدخله أي كلية هو يحلم بيها ، أن شاء الله يكون عاوز طب ، مش هو علمي رياضة هدخلهاله بس ما يزعلش ، دا ما نطقش ولا كلمة وحابس نفسه في أوضته
ومشهد آخر وهو يقف أمام طرب في بيت كمال في لندن يحادثها غاضبا :
- طرب رعد بيضيع بسببك ، قسما بالله لو ما رجعتي أنتِ ويونس لأخد منك الولد ، ومش هتشوفيه تاني ، أنا هديكي كام يوم تفكري وعقلك في راسك
ومن ثم جملة بصوت رعد تتكرر بلا توقف
(شيلوه ،طلعوه برة بيتي ) تُعاد مرارًا وتكرارًا
فتح عينيه فجاءة يشهق بعنف يسمع صوت دقات قلبه تأتي من جواره ، تحركت مقلتيه على محيط الغرفة حوله ، ليدرك أنه في غرفة داخل مستشفى نظر لمن يقفوا حوله ، رؤى ويوسف ونصار ، هرعت رؤى إليه تجلس مجاورة له تمسك بكف يده رأى الدموع تملأ عينيها حادثته بحرقة :
- حمد لله على سلامتك يا جاسر ،الحمد لله الدكتور قال جت سليمة ، ما تقعش كدة تاني يا جاسر حرام عليك ، أنا ماليش غيرك في الدنيا
أنا كنت هموت من الخوف عليك
ابتسم جاسر واهنا يحرك رأسه مترفقا ، مد يده الأخرى ليرى ذلك المغذي الذي يتصل بها ، وضع يده على رأس رؤى يطمأنها :
- ما تقلقيش يا رؤى أنا كويس ، هتلاقي ضغطي علي شوية بس ، معلش يا رؤى خدي يوسف واستنوني برة شوية عايز أتكلم مع نصار كلمتين لوحدنا
حركت رؤى رأسها تنظر لجاسر حزينة متألمة ، تعرف أنه يتألم قلبه يتمزق ، هي نفسها لا تصدق أن رعد وصل لذلك الحد البشع من القسوة والجحود ، قامت ليقترب يوسف منها يلف ذراعه حول كتفيها يصطحبها للخارج ، التفتت تنظر لجاسر قبل أن تخرج ليبتسم من جديد يحثها على الخروج ، خرجت ليجذب يوسف الباب يُغلقه ... نظر جاسر إلى نصار ليقترب الأخير منه يجلس على المقعد المجاور لفراشه ينظر إليه قلقا قبل أن يردف :
- أرتاح يا جاسر ، أي كلام ممكن يتأجل المهم صحتك ، أنا جنبك ومش هسيبك أبدا
ابتسم جاسر ممتنا له يمد يده له يطلب منه بصوت ضعيف واهن :
- اسندني يا نصار ، عايز أقعد
مد نصار يده يمسك بكف يد جاسر يشد على كفه يساعده في النهوض ، انتصف جاسر جالسا يريح ظهره إلى الوسائد خلفه ، ظل صامتا لبضع لحظات قبل أن يوجه أنظاره لنصار يتحدث :
-اسمعني يا نصار كويس وما تعارضش اللي هقوله ، أنا مش هسيب رعد ينتصر عليا ، بالعكس دا أنا هكسر شوكته ، هربيه على كل اللي عمله ، بس لازم أبقى مأمن من أي ضربة مفاجأة منه ، مش هو فاكر نفسه ناصح ورافع عليا قضية حجر عشان ياخد كل فلوسي ، أنا بثى هكتب فلوسي وشركاتي وكل ما أملك باسمك أنت يا نصار !!
توسعت عينا نصار ذهولا لا يصدق ما تسمعه أذنيه ، ما يقوله جاسر الآن فتت ما كان ينوي أن يفعل ، ببساطة شديدة كان سيقتله هنا في المستشفى ، ومن ثم يقتل رعد ويوسف ويأخذ الأموال التي نهبها جاسر ، ولكن جاسر يقدم عرض أيسر مما خطط بكثير ، جاسر بكامل إرادته سيترك له كل شيء ، أم أنها فقط خدعة منه !! ، انتبه حين قال جاسر :
- أنا ما أقدرش أسلم الأملاك ليوسف لأنه تحت السن القانوني ، ولا حتى لعاصم لأنه مش هيرضى أنا عارف دماغه كويس ، ورعد ممكن يضحك على علي ، رعد ما بقاش سهل أبدًا ، أنت الوحيد اللي عارف الحقيقة وعيشت معايا اللي عنيته منه طول الفترة دي ، ومش هيقدر يضحك عليك أبدا ، عشان كدة أنا هسلمك أنت ، وهتفرغ ليه مجرد ما أكسر شوكته ويرجعلي راكع زي الكلب ، هاخد منك فلوسي تاني ، أنا هسيبهم معاك أمانة لفترة مؤقتة قولت إيه
ضحك نصار داخله ساخرا ألف مرة ، يبدو أن ما فعله رعد بجاسر جعله مشتت لدرجة بلهاء ، فقط يضع يده على ثروة جاسر ، وما سيفعله بعد ذلك سيكتبه الشيطان في دفتره ، رسم الألم على قسمات وجهه يحادثه قلقا :
- لا يا جاسر ، دي شيلة تقيلة أوي أنا مش قدها ، أنا معاك أن رعد ساق فيها أوي ولازم يتربى ، لازم يتكسر شوكته ، أنا مش فاهم هو الواد دا اتجنن ولا إيه ، بس اللي أنت بتطلبه دا صعب أوي
مد جاسر يده سريعا يمسك بكف يده يحادثه متعبا ضعيفا بدرجة بشعة :
- أرجوك يا نصار ، اسمع كلامي ، أنت مش متخيل أنا حاسس بعجز وألم وقهر لأي درجة ، لو رفضت أنا هضطر أسلم الدنيا لعلي ، وزي ما قولتلك علي ضعيف قلبه رقيق وسهل رعد يضحك عليه ، ما تخلنيش أتحايل عليك يا نصار
أجاد نصار رسم الحزن والأسى على وجهه ، ظل صامتا لعدة لحظات قبل أن يحرك رأسه يوافق على ما قال جاسر ، مد يده يشد على كتف جاسر برفق يحادثه :
- ما تقلقش يا جاسر ، أنا جنبك وعمري ما هسيبك ، ومريم بنتك هشيلها في عينيا ، وبكرة تعرف إني هكون ليها أحسن زوج ، ورعد هدفعه تمن اللي عمله فيك غالي ، أنت ما تعرفش غلاوتك عندي ، أنا صاحبي وأخويا وأبويا ، أنا لولاك كنت فلست من ساعة ما جيت مصر ، واتبهدلت أنت اللي وقفت جنبي وعلمتني كل حاجة
____________
أما هناك في شقة رعد فالوضع كان مختلف تماما ، الصدمة كانت على وجه طرب لا تُوصف وهي تراه يجلس أمامها يحتضن الصغير وكأن شيئا لم يكن ، وكأنه لم يفتعل كارثة توًا ، وكأنها ترى شيطانًا يعثو في الأرض فسادًا ، نظرت له وهو يمد يده صوب يونس يداعب وجنته لتنتفض كمن لدغها عقرب ، تهرع إليه تختطف الصغير من بين يديه تحتضنه بقوة تبتعد به للخلف تنظر له بأعين متسعة مذعورة مذهولة ، تصرخ فيه :
- ما تلمسش أبني ، أنت فاهم اوعى تلمسه ، أنت مش طبيعي ، أنت مجنون ، أنت إزاي والدك يقع قدامك على الأرض وتقولهم شيلوه طلعوه برة ، أنا مش مصدقة ، مش مصدقة الحقد والشر والغل اللي فيك ، ما فيش بينا إتفاق اعتبره اتلغى ، أنا مش هقعد معاك هنا لحظة واحدة ، أنا هاخد أبني وأبعد ، أنا مش هسمحلك توسخه
تحركت تود الابتعاد صوب باب المنزل ؛ ليقترب رعد منها سريعا أمسك بعضد يدها يحادثها غاضبا :
- أنتِ رايحة فين ، أنا مش هسمحلك تختفي بإبني تاني فاهمة
نزعت ذراعها من يده بعنف تعود أدراجها للخلف تصرخ فيه بإجتياح :
- أوعى تلمسني ، أوعى إيدك تتحط عليا ، أنا مش عارفة إنت مين ، أنت لو ما سبتنيش امشي هصرخ وهفضحك في كل حتة ، يا رتني كنت سمعت كلامهم لما كانوا عايزني أحطلك المخدرات عشان تدمن ويمكن تموت ، كان زماني خلصت الناس من شرك ، أنت باللي عملته دا خسرت كل الناس ، أفرح بالفلوس يا رعد عشان عمرك ما هتشوف فرح في حياتك تاني
والتفتت تغادر ، نزلت السلم تهرول ، حاول اللحاق بها ولكنها ابتعدت أخذت سيارة أجرة وغادرت ، جلست على الأريكة الخلفية في سيارة الأجرة تنتفض تحتضن الصغير تحادثه خائفة :
- اوعى تبقى زيه في يوم يا يونس ، أرجوك اوعى تبقى زيه
نظر السائق لها متعجبا وسألها إن كانت بخير ولكنها لم ترد عليه ، أوصلها السائق إلى العنوان الذي طلبت أمام منزل كبير ، نزلت منه تطلب من السائق :
- أدخل معايا عشان بابا يديك الأجرة
حرك السائق رأسه نزل من السيارة يسير خلفها دخلت طرب لداخل منزل كمال خطت لداخل الحديقة لتبصر كمال يجلس هناك ، تهلل وجهه ما أن رآها ، ولكن سرعان ما اندثرت ابتسامته حين رأى حالها ، اقترب منها سريعا يسألها قلقا :
- مالك يا طرب ، أنتي عاملة كدة ليه ، ومين دا ؟
نظرت طرب للسائق قبل أن تطلب من كمال أن يعطيه حسابه ففعل الأخير سريعا ، وعاد إليها لتسلمه الصغير ، وتتحرك إلى حوض المياه في منتصف الحديقة نزلت هناك وقفت في منتصف الحوض تُغرق رأسها تحت الماء حتى كادت تختنق فرفعت رأسها سريعا تشهق بعنف تحاول إلتقاط أنفاسها ليصرخ كمال فيها مذعورا :
- أنتي اتجننتي يا طرب ، عاوزة تموتي نفسك ، اطلعي من الماية ، اطلعي
ابتسمت ساخرة تغمض عينيها أراحت جسدها قبل أن تهمس متهكمة :
- تعرف يا عمي ، أنا اكتشفت أني أكبر مغفلة في الدنيا ، من أول كاملا هانم ، لحد رعد بيه مهران ، في اللحظة اللي كنت فاكرة نفسي فيها أسوأ شخص على وجه الأرض ، اكتشفت أني الملاك الوحيد في حكاية كلها شياطين ، أنا ضحيت عشان الكل ، وفي الآخر اكتشفت أني غبية ، من هنا ورايح أنا هعيش عشان نفسي وإبني وبس ، تحركت صوب سلم المسبح الصغير تصعد عليه ، أرادت أن تتحرك صوب المنزل ولكن قبل أن تفعل دق هاتف كمال ، أخرجه من جيب سترته يردف :
- دا ظافر
مدت يدها تأخذ الهاتف من يد كمال فتحت الخط تحادث المتصل سعيدة :
- اشتقتلك يا ظافر
أندهش المتصل حين سمع صوتها ، قبل أن يغمغم سعيدًا متلهفا :
- طرب أنتِ بتتكلمي بجد !! ، أنا مش مصدق اللي بسمعه منك ، أنا كنت متصل بكمال بيه عشان أقوله إني هبعت مندوب من شركتي يخلص معاه الصفقة ، بس بعد اشتقتلك والله ما حدا راح يجي غيري
ضحكت طرب برقة لم يعهدها من على الطرف الآخر فطار فرحا بينما أكملت هي :
- مستنياك يا ظافر ما تتأخرش
وأغلقت الخط مع كمال لتتلاشى ابتسامتها وتحتد حدقتيها ، فتحت فمها تريد أن تقول شيئا ولكنها تراجعت عنه :
- ولا اقولك بلاش ، مالهاش لازمة القضية ، أنا هخليه يطلقني ورجله فوق رقبته
__________
في فيلا جاسر مهران في حديقة المنزل وقف مراد يحاول الإتصال بيوسف ، لا يفهم ما حدث ، ويوسف طلب منه ألا يغادر حتى يعود ، لا يعي كيف يفعل رعد ذلك بأبيه ، تنهد حانقا كل ذرة به تنتفض غضبا ، قبل عدة ساعات فقط كان يقرأ فاتحة محبوبته على غيره ، ولسخرية القدر ذلك العريس الذي أخذها منه ، يقارب عُمر أبيها ، البلهاء الغبية كيف لها أن تفعل ذلك ، انتبه حين سمع صوتها يأتي من خلفه تحادث أحدهم :
- ايوة يا يوسف انتوا فين ما بتردش عليا ليه ، وچوري كمان لسه ما جاتش وموبايلها مقفول
التفت فرآها تقف خلفه توسعت حدقتاها حين رأته ذهولا ، يبدو أنها كانت تظنه غادر ، أغلقت الخط مع يوسف ، التفتت لتعود أدراجها سريعا ولكنه انتفض يلحق بها ، اعترض طريقها يمنعها من الهرب ، أما هي فارتدت للخلف عدة خطوات لا تنظر إليه من الأساس أما هو فاقترب منها ، لم يعد هناك ما يخسره على كل حال قبض على مرفقيها لتتسع عينيها ذهولا تنظر له مصعوقة ، أما هو فصرخ كما لم يفعل قبلا :
- ليه يا مريم ، ليه عملتي كدة، ليه القسوة دي كلها ، نصار يا مريم نصاااار قد أبوكي ، أنا غلطت عارف أني غلطت وكنت مستعد منك لأي عقاب ، إلا أنك تعتبريني عدو ، إلا أنك تكرهيني بالشكل دا ، ما ادتنيش حتى فرصة أكفر بيها عن غلطتي ، وأنتي عارفة إني بحبك ، والله العظيم بحبك ، دا أنا بهدلت حياتي عشانك سقطت نفسي سنة ، خونت صاحبي
وكنت مستعد أعمل أي حاجة عشانك ، لكن أنتي رميتي كل اللي بينا وروحتي لنصار ، أنا مش مصدق العبط اللي أنتي عملتيه ، هتبقي مبسوطة وأنتي متجوزة واحدة داخل على ال50 ، أنتي متخيلة أنتي بتعملي في نفسك إيه
نزعت مرفقيها من كفيه بكل قوة تبتعد للخلف جسدها ينتفض بعنف تصرخ فيه :
- أنت مالكش دعوة بيا ، نصار دا أحسن منك ألف مرة ، على الأقل معاه أنا واثقة في نفسي بيحسسني أني أجمل واحدة شافتها عينيه ، إنما أنت كنت بحس إن حبك تفضل منك عليا ، عشان يا عيني صعبانة عليك ، كام مرة اتعصبت عليا في التليفون وكلمتني بأسلوب زي الزفت ، ومع ذلك كنت بسامحك ، وفي النهاية خونتني بعد ما اتصالحنا بأسبوع تقريبا
أنا مش عايزة حُبك لو كان امتنان وعطف منك ، ولو سامحت على خيانتك دي ما أنت هتكررها تاني وتالت وعاشر ، اللي يخون مرة يخون ألف
وهرعت إلى باب المنزل ، لتسمعه يقول قبل أن تدخل بنبرة حزينة تقطر ألما :
- نصار أحسن مني يا مريم ، نصار دا بني آدم مريض ما فيش واحد طبيعي هيحب واحدة قد بناته ، أنتِ بجد مش شايفة الخبث والشر اللي في عينيه ، عارفة تتخيلي حياتك الجاية معاه ؟! ، عارفة تتخيليه زوج ليكِ ، أنتي مضحوك عليكي يا مريم ، ويارب تفوقي قبل فوات الأوان ، سلام يا مريم
وتحرك وغادر ، أما هي فوقفت متجمدة مكانها تنهمر دموع عينيها ، رأت ملاك تقترب منها لتهرع تحتضنها تبكي بقوة
____________
في أسوان تحديدا في المستشفى
أمام غرفة الطوارئ يقف عمار ورقية ، وجاسر ومليكة ، ينزوي عمار حول نفسه أمام باب الغرفة يبكي بحرقة ينظر لباب الغرفة مذعورا على شقيقه ، ومليكة تنظر إليه مذهولة من منظره الضعيف الهش الباكي ، تتذكر الفترة التي جمعتها بعمار كان ألطف شاب قابلته في حياتها ، فعل لأجلها الكثير صحيح أنه كان لديه عادة مريضة جعلها تدمنها وهي جرح نفسها حين تشعر بالألم أو الندم ، ولكنه كان عيبا يقابله مئات المميزات لذلك كانت تتغاضى عنه ولكن ما لم تستطع التغاضي عنه ، هو ما فعله
Flash back
تجلس في صالة منزلها ليلا تشاهد التلفاز تحاول الإتصال به منذ الصباح وهو مختفي وكأن الأرض انشقت وابتلعته ، شعرت بالقلق الشديد عليه ، مضت ساعة تحاول فيها الوصول إليه دون فائدة ، إلى أن فجاءة دق جرس الباب ، هرولت تفتحه لتتسع ابتسامتها تسأله متلهفة :
- عمار أنت كنت فين مختفي طول النهار قلقتني عليك ، مالك يا عمار
تبدلت نبرتها تسأله قلقة ، حين لاحظت الدموع العالقة بعينيه ، أقترب منها ودون مقدمات عانقها بكل قوة ، حاولت دفعه تنهره عما يفعل :
- ايه يا عمار اللي بتعمله دا ، ما ينفعش كدة ، أبعد لو سمحت
سمعت صوته وهو يشهق في البكاء بحرقة يهمس :
- مش هسمحله يأذيكِ ، مش هسمحله انا آسف
يا مليكة ، آسف
وقبل أن تسأله على ما يعتذر، ابتعد عنها يقبض على كف يدها يجذبها خلفه بقوة إلى حيث شقته ، جعدت جبينها غاضبة مما يفعل تحاول إفلات يدهل من كف يده تصرخ فيه :
- عمار أنت اتجننت أوعى سيب أيدي
لم يفلتها ، لا تفهم لما لا يتركها ، ولما يبكي بتلك الطريقة ، أدخلها إلى شقته رغما عنه يغلق الباب عليهم لتنتفض مذعورة ، بدأت غضبها يتحول إلى ذعر ، وبدل الصراخ بدأت تتوسله :
- عمار أنت عاوز مني ايه ، أرجوك أبوس إيدك ما تعمليش حاجة ، ما تأذنيش زيه ، أنا بحبك يا عمار ما تكسرنيش إنت
لف رأسه إليها لترى الدموع تُغرق وجهه ، تحولت دموعه إلى شهقات متتالية يعتذر منها :
- غصب عني يا مليكة ، والله غصب عني ، يا رتني ما حبيتك ، أنا آسف ، آسف
جذبها معه إلى غرفته يدفعها للداخل التفتت يُغلق الباب تاركا إياها تنتفض مذعورة تنظر للمكان حولها بكل رعب ، لا تصدق ما ترى في غرفة عمار ، لا تصدق أن عمار مريض مجنون سادي !!!!
Back
انتفضت من ذكراها لا تستطيع الخوض فيما حدث بعد ذلك ، جسدها ينتفض بعنف في اللحظة التالية فُتح باب الغرفة وخرج الطبيب هرع عمار إليه يسأله عن حال زين ليتحدث الأخير :
- الوقعة كانت قوية ، أو الحجر اللي اتخبط فيه زي ما قولتلي كان قوي أوي ، الارتجاج كان عنيف ، إحنا بس خايفين يحصل نزيف ، عشان كدة لازم يفضل تحت الملاحظة ال 48 ساعة الجايين ادعوله
وتجاوزهم وغادر ، ووقف عمار مكانه متجمدا خائفا ، نظر إلى جاسر ليتحرك إليه قبض على تلابيب ثيابه يصرخ تنهمر الدموع من عينيه :
- أخويا لو جراله حاجة مش هسيبك يا جاسر ، هو ذنبه إيه ، أذيته ليه ، كنت موتني أنا وسيبه هو يعيش ، أنا شيطان ما أستاهلش الحياة ، بس هو ، هو عمره ما أذى حد ، أنا حاولت أبعده عن أذاهم وشرهم
ترك ثياب جاسر يتداعى أرضا يضم ساقيه إليه يبكي بحرقة يردد بلا توقف :
- أنا ماليش غيره في الدنيا ، هو الأيد الحنينة الوحيدة اللي بتطبطب عليا ، أنا قدامك أهو ، موتني بس هو يفضل عايش
أنهمرت الدموع من عيني رقية شفقة عليه ، وللعجب وجدت مليكة نفسها تبكي هي الأخرى ، أخفت رأسها بين أحضان جاسر تتوسله باكية :
- أرجوك مشيني من هنا يا جاسر
حرك رأسه يلف ذراعه حولها يصطحبها للخارج ، الذنب يقتله لأنه أذى زين ، وزين لا ذنب له في شيء ، لن يهرب لأنه أذنب ، ويستحق العقاب حتى لو وصل عقابه للحبس لا يهمه ، حين دخل بمليكة إلى السيارة انفجرت تبكي تردد بحرقة :
- يا رتني ما قولتلك نسافر أسوان ، يا ريتني ما شوفته ، جاسر أنت كدة ممكن تتحبس صح ؟
ابتسم يُحرك رأسه للجانبين يحاول أن يطمأنها ولكنها تعرف أنه يكذب ، مد يده يمسك بكف يدها يهدئها :
- اهدي يا مليكة ، زين هيبقى كويس وما فيش حاجة هتحصلي ما تخافيش ، الكلب هو اللي بدأ بالغدر ، هو اللي أذى أختي و أذاكِ ! يعني تارى معاه الضعف
توسعت حدقتاها ذهولا حين خرجت الكلمة الأخيرة من فمه ، كيف عرف هل يعقل أن قاسم هو من أخبره ، ويبدو أنه قرأ ما تفكر فيه فحرك رأسه للجانبين يتحدث بهدوء :
- مش قاسم اللي قالي يا مليكة ، أنا عارف من قبل ما تقولي لقاسم أصلا ، هعرفك بعدين أنا عرفت إزاي المهم دلوقتي ، أنتي محتاجة ترتاحي ، أنا هروحك وأرجع المستشفى تاني عشان المريض اللي جوا دا ما يفتكرش إن أنا خوفت ولا هربت
____________
صرخت ظلت تصرخ وتتلوى وتبكي وهو يحتجز جسدها بين ذراعيه شفتيه تتحرك بتهم مرعب على جيدها ، تحاول دفعه وهو لا يتزحزح لا تصدق أنه هو من يقدم على فعل ذلك ، ألقاها إلى الفراش يديه تمزق ثيابها بكل عنف وهي تصرخ فيه تترجاه أن يتوقف عما يفعل :
- لا يا حسين ، والله العظيم أنت فاهم غلط هو اللي باسني أنا ما بستوش
وهل أستمع ؟! لا ، يبدو أن غضبه كان أقوى من أن يستمع إلى ما تقول ليقرر بكل غباء أن يترك زمام سيطرته إلى غضبه ليُنهي كل شيء بينهما تقريبا ، أغمضت عينيها قهرا تنهمر دموعها في صمت ، كفيها يتمسكان بمفرش السرير ، وهو يعتدي عليها !!