رواية الفتاة التى حلمت ان تكون ذئبه الفصل الخامس و الثلاثون 35 بقلم اسماعيل موسى

رواية الفتاة التى حلمت ان تكون ذئبه الفصل الخامس و الثلاثون بقلم اسماعيل موسى 


نظروا جميعًا إلى غياث بذهول، كأنهم لم يفهموا الكلمات التي خرجت من فمه. كان ضرغام لا يزال صامتًا، عيناه الذهبيتان مثبتتان على شبيهه الذي كشف عن هويته للتو.

رعد كان أول من استعاد تماسكه. قبض على مقبض سيفه بشدة وقال بصوت حاد:
"إذا كنت السبب، ففسّر لنا كيف؟"

تنهد غياث، وكأن كلماته القادمة ستثقل عليهم جميعًا، ثم قال:
"قبل سنوات طويلة، كنت وريث العرش الحقيقي لمملكة الجان، لكنني فقدت كل شيء… بسببه." وأشار إلى ضرغام.

جود نظرت بينهما، بين الشبه العجيب والاختلاف الغريب. "كيف يمكن أن تكونا شقيقين وأحدكما جان والآخر بشري؟"

ضحك غياث بسخرية، لكن ضحكته كانت حزينة أكثر مما هي مستفزة. "لأن ضرغام لم يكن دائمًا بشريًا."

الهدوء الذي تلا كلماته كان أشبه بسكون ما قبل العاصفة. الجميع تجمّدوا في أماكنهم، بينما بدأ ضرغام يحدق في غياث كما لو أنه استعاد ذكرى كان قد نسيها منذ زمن بعيد.

ليلى شعرت بأن قلبها ينبض بسرعة، وقالت بصوت مرتجف: "أنت تقول… إن ضرغام كان جانًا؟"

أومأ غياث ببطء. "ليس مجرد جان… بل ولي العهد، الأمير الذي كان مقدرًا له أن يحكم بعد والدي." أغمض عينيه للحظة، كأنه يستعيد الذكريات القديمة. "لكن حدث شيء لم يكن في الحسبان… شيء غيّر كل شيء."

ضرغام لم يتحرك، لكنه تحدث أخيرًا، وصوته كان أشبه بصوت شخص يتذكر حياته للمرة الأولى. "لقد نُفيت."

نظر إليه غياث بحدة. "بل لُعنت."

رعد، الذي كان يسمع كل هذا بصبر نافد، قاطعهم قائلاً: "كل هذا لا يهم الآن! المهم أن ريان في خطر، وعلينا أن نعرف كيف نستعيده."

غمغم ضرغام وكأن الكلمات تخرج منه دون أن يدرك: "لقد نُفيت من المملكة، وأُجبرت على العيش في عالم البشر… لم أكن أتذكر من أكون."

نظر إليه غياث بعينين مشتعليتين بالغضب والألم. "وأنا من بقيت أحمل الذنب وحدي."

كان هناك شيء مخيف في صوته، شيء جعل حتى ماجي تتوقف عن تحريك خنجرها. تابع قائلاً: "عندما اختفى ضرغام، تغير كل شيء في المملكة. لم يكن هناك ولي للعهد، ولم يكن هناك من يرث العرش سواي… لكن والدنا لم يكن يثق بي كما كان يثق به. كنتُ مجرد ظل، مجرد احتياطي. وعندما جاء الوقت، عندما كان عليّ أن أتولى العرش…" توقف للحظة، ثم أكمل بصوت مرتجف: "اتهموني بالخيانة."

ليلى حدقت فيه. "لماذا؟"

تنهد غياث، ونظر إلى رعد مباشرة. "لأنني حاولت إنقاذ شخص لا يجب أن يكون في المملكة." ثم أضاف بصوت قاتم: "حاولت إنقاذ ريان."

سرت قشعريرة في أجسادهم جميعًا.

جود كانت أول من تحدث بعد لحظة صمت. "إذا كنت تحاول إنقاذه، فمن الذي كان يسعى لإيذائه؟"

نظر غياث إليها طويلاً، ثم قال بصوت خافت: "الحاكم الجديد."

رعد عقد حاجبيه. "أي حاكم؟"

"الحاكم الذي جلس على العرش بعد اختفاء ضرغام… والذي لم يكن يجب أن يجلس عليه أبدًا."

ضرغام لم يبدُ متفاجئًا. "أبي."

جود وضعت يدها على فمها، بينما تجمدت ليلى في مكانها.

ماجي قالت بصوت بارد: "إذن، الملك نفسه هو من سعى وراء ريان؟"

أومأ غياث. "ريان ليس مجرد أمير، إنه يحمل سلالة أقوى من أن تُترك دون رقابة." ثم صمت للحظة قبل أن يضيف ببطء: "ريان ارتكب خطيئة لا تُغتفر في نظر الملك."

رعد ضاق عينيه. "ما الذي فعله؟"

أجاب غياث بصوت منخفض لكنه حمل قوة كلماته: "أحب إنسانة بشرية."

ساد صمت ثقيل. جود وليلى تبادلتا نظرات مذهولة، بينما بقي ضرغام صامتًا.

تابع غياث: "حين اكتشف الملك ذلك، غضب بشدة. لم يرد أن يتكرر ما حدث في الماضي، أن يتحد دم الجان مع البشر، فرأى أن ريان لم يعد يستحق العرش. لم يكتفِ بحرمانه من حقه كوريث، بل أمر بنفيه." توقف للحظة، ثم أضاف بصوت أكثر قتامة: "لكن الحقيقة أنه لم يكن يريد نفيه فقط… بل قتله."

ليلى غطّت فمها بيدها، أما رعد فقبض على سيفه بقوة.

"عندما أدركت ذلك، كنت الوحيد الذي استطاع مساعدته على الفرار. أخفيته بعيدًا عن أعين الجميع، وظننت أنني أنقذته… لكن الملك لم يتوقف عن البحث عنه منذ ذلك الحين."

ضرغام، الذي كان يستمع بصمت، قال أخيرًا: "أين هو الآن؟"

أجاب غياث بصوت منخفض: "في مكان لم يعد آمنًا بعد الآن."

رعد رفع رأسه، الحدة في عينيه تزداد. "إذن علينا أن نصل إليه قبل الملك."

غياث نظر إليه نظرة طويلة، ثم قال بصوت هادئ لكنه مليء بالتحذير: "إذا ذهبتم معي… لن يكون هناك عودة."

ضرغام حدّق فيه مباشرة وقال: "خذني إليه."

ابتسم غياث، لكن ابتسامته لم تكن مريحة. "إذن استعدوا… لأن ما نحن مقبلون عليه قد يغيّر كل شيء."
مملكة الظلال: طريق اللاعودة

ساد الصمت بينهم للحظات، لكنه لم يكن صمتًا فارغًا، بل كان ثقيلاً، محمّلًا بالاحتمالات والمخاطر. كل واحد منهم كان يدرك أن اتخاذ هذه الخطوة يعني تجاوز الحد الفاصل بين الأمان والهاوية.

أخيرًا، تحرك رعد. رفع رأسه ونظر إلى غياث بثبات. "إلى أين سنذهب؟"

غياث أجابه دون تردد: "إلى المكان الذي أخفيت فيه ريان... سجن النهر الأسود."

تجمدت ليلى وجود، بينما حدّق ضرغام في غياث بحدة. لكن رعد، على عكسهم، لم يُظهر أيّ مفاجأة… فقط توترت عضلاته، وانقبض فكه.

"سجن النهر الأسود؟" تمتمت ليلى  بصوت خافت، غير مصدقة. "لكن… هذا مجرد أسطورة!"

"بل هو حقيقة." قال غياث ببرود. "سجن النهر الأسود ليس مجرد مكان لحبس السجناء… إنه مكان يُسجن فيه من يُراد محوهم من الوجود." توقف للحظة، ثم أضاف: "وكان هذا هو المصير الذي أراده الملك لريان."

كان الجميع مستغرقين في محاولة استيعاب كلامه، لكن عيونهم انجذبت إلى رعد حين قال بصوت خافت، لكنه محمّل بالثقل:

"أنا أعرف ذلك المكان."

التفتوا جميعًا إليه، نظراتهم مليئة بالدهشة.

"كيف تعرفه؟" سألت ليلى، والقلق يملأ ملامحها.

رفع رعد نظره، وعيناه تعكسان ذكرى لم يرد استرجاعها. "لأنني كنت هناك."

ساد الصمت مجددًا، لكنه هذه المرة لم يكن ثقل الصدمة وحده، بل شعور بالخوف الحقيقي.

"أنت… كنت في سجن النهر الأسود؟" سألت ليلى ، وكأنها تحاول استيعاب الأمر.

"ليس فقط كنت هناك،" قال رعد بصوت بارد، "بل كنت محبوسًا داخله."

انعقد حاجبا ضرغام. "وكيف خرجت؟"

لم يجب رعد مباشرة، بل نظر إلى جود ثم إلى ماجي، ، وكأن كلماته تخصهم قبل أي أحد آخر. وأخيرًا قال:

"لأنهم أنقذوني."

ساد الصمت من جديد، لكن هذه المرة لم يكن صمت صدمة، بل احترام.

ماجي، التي لم تكن من النوع الذي يحب الحديث عن البطولات، قالت بصوت جاف: "الدخول إلى السجن شيء، والخروج شيء آخر. إذا كنا سندخل مجددًا، فلابد أن نكون مستعدين."

أومأ غياث موافقًا. "هذه المرة، لن يكون الأمر مجرد هروب. علينا أن نستعيد ريان."

جود، التي كانت تتذكر تفاصيل المهمة السابقة، شدّت على قبضة سلاحها. "إذن فلننهِ ما بدأناه."

تبادلوا نظرات حازمة، ثم تحركوا معًا، وكأنهم اتخذوا قرارًا واحدًا دون حاجة إلى الكلام.

المعركة الحقيقية بدأت الآن.
تعليقات



×