رواية احفاد اليخاندرو الجزء الثاني (الوجه الاخر للمافيا) الفصل الثلاثون
كل الصِعاب ستمُر، وكل سيءٍ سيعقبهُ هيِّن يسير، وأيام الألم ستعقبها أيام فرحٍ وسرور
فأبشروا.."))
صلوا على نبي الرحمة .....
______________________
كانت تجلس أعلى الفراش وهي تدفن وجهها بين قبضتيها وشهقاتها تعلو أكثر وأكثر لا تستطيع التصديق أنه صرخ في وجهها أمام تلك الفتاة، بل وهددها أيضًا .
سقطت دموع روبين تقترب من رفقة تضمها لها تقول بحزن ووجع وهي تبكي على بكائها :
" معلش يا رفقة، متزعليش محدش يستاهل دموعك دي ياقلبي "
ازداد بكاء رفقة أكثر وهي تقول بصوت متقطع :
" زعقلي قدام البنت يا روبين، أنتِ مشوفتيش كانت بتبص عليا ازاي، وكأنها شمتانة، لا مش كأنها هي اصلا كانت شمتانة بنت الــ "
لم تكمل كلمتها وهي تصمت ثواني تتنفس بسرعة قبل أن تنفجر في البكاء أكثر تزامنًا مع ارتفاع صوت هاتفها للمرة التي لا تعلم روبين عددها، فمنذ عادت رفقة باكية لمنزلها وهاتفها لم يتوقف عن الرنين، بل وأن جاكيري جاء ووقف أمام المنزل لساعة كاملة يرتجي رؤيتها لكنها رفضت تمامًا لقياه .
" خلاص بقى يا رفقة اهدي واحكيلي الموضوع براحة، أنا مش فاهمة منك غير أن فيه خناقة بينك وبين جاكيري بسبب بنت، ايه بقى اللي حصل ؟!"
فتحت رفقة فمها للتحدث، لكن قاطع ذلك رنين هاتف روبين التي نهضت من فراشها تتحرك صوب شرفتها التي كانت تجلس بها قبل مجيء رفقة، بعدما رفضت الذهاب مع جاسي للزفاف .
أمسكت روبين الهاتف وهي تنظر له بحب تهمس :
" ده فبريانو "
رفعت رفقة رأسها كرصاصة وهي تقول بتحذير :
" اياكِ تردي، مبقاش أنا مجروحة وأنتِ تقعدي تحبي جنبي بكل بجاحة"
رمقتها روبين بعدم فهم :
" معلش، أنتِ متخانقة مع جوزك، أنا مالي ؟؟"
" مالك ايه ؟! يعني ابقى أنا بعيط جنبك وأنتِ حضرتك قاعدة تسمعي غزل جنبي "
تشنجت روبين وهي تفتح الهاتف بكل عناد :
" وانا مالي ؟! يعني سي زفت بتاعك ده زعلك أنا مالي ؟!"
انتفضت رفقة من الفراش وهي تركض صوب روبين لتنتزع منها الهاتف وهي تصرخ بجنون :
" اوعك تشتميه تاني ماشي، هاتي بقى اللي في ايدك ده بدل ما اكسرهولك و...."
توقفت رفقة عن الحديث وهي تستمع لصوت جاكيري يأتيها من هاتف روبين، نظرت لروبين بتعجب في نفس الوقت الذي قال جاكيري بجدية :
" رفقة توقفي عن العبث واجيبي على هاتفك اللعين، أو عودي للمنزل"
تنفست رفقة بعنف وهي تستمر في أخذ صمتها عنوان لها، حتى سمعت صرخة جاكيري في الهاتف وهو يقول بجنون :
" حسنًا عودي للمنزل وانا من سأخرج منه، لا تبقي خارج المنزل، عودي"
" لا "
كانت كلمة واحدة خرجت من رفقة قبل أن تغلق الهاتف الخاص بروبين بعنف وهي تسحبه تلقيه على الفراش، ثم انهارت في البكاء مجددًا وروبين تنظر لها بحزن، قبل أن تقترب منها تضمها، في نفس وقت دخول جاسي وهي تضم يديها لصدرها ...
" رفقة اسكندر تحت وبيقول هتروحي معاه ولا لا ؟!"
هزت رفقة رأسها وهي تقول :
" لا يا جاسي قوليله خليه ياخد عم توفيق ويمشي "
رفعت جاسي حاجبها بحنق وهي تخرج هاتفها ترسل رسالة لاسكندر، ثم اتجهت لرفقة تقف أمامها تنحني قليلًا تقول وهي تدعي الشفقة :
" تؤ تؤ تؤ حالتك صعبة اوي يا رفقة يا حبيبتي، ايه رأيك اجبلك مسدسي وتنتحري، يمكن الأجنبي بتاعك يحس بالذنب ؟!"
رفعت رفقة رأسها من احضان روبين وهي تنظر لجاسي بجهل، قبل أن تعود بنظراتها لروبين وهي تقول بعدم فهم :
" هي اختك شمتانة فيا ؟!"
أجابت جاسي وهي تخلع حذائها تلقيه بعدم اهتمام، ثم ألقت جسدها على الفراش تردف بعدم اهتمام :
" لا مشفقة عليكِ الحقيقة، ومتغاظة من غبائك كمان، يعني البنت تيجي قدامك ترقص مع جوزك واول ما يقولك كلمتين تعيطي زي العيال الصغيرة وتسيبيه وتجري ؟! أنتِ هبلة ؟!"
صمتت جاسي وهي تعتدل متكأة على ذراعها تقول بجدية :
" حبيبتي أنتِ كده كأنك اتقمصتي وبتقولي للبنت خديه أنا مش عايزاه، لا وخلتيها تشمت فيكِ، ومن غير حتى ما تديها كف واحد، مشيتي من غير حتى ما تتفي في وشها بكل بساطة كده، بس هقول ايه متخلفة زي الاستاذة اللي جنبك دي"
ابتسمت رفقة بغيظ وهي تقول من بين دموعها :
" شوفوا مين اللي بيتكلم، الأستاذة جاسي اللي ممررة عيشة اخويا، ومخلية الواد ماشي يكلم نفسه، بدل ما تنصحيني روحي الحقي اخويا اللي شوية شوية هينحرف بسببك "
صمتت رفقة ثم قالت بتأثر :
" الواد يا حبة عيني بيروح النادي يضرب في اللي هناك وبعدين يرجع طول الليل يشتكي منك ويلعن فيكِ لغاية ما ريقه ينشف، وبعدين ينام وهو قلبه غضبان عليكِ، واه على فكرة كان بيشتمك آخر مرة "
ابتسمت جاسي بسمة جانبية وهي تقول أثناء نهوضها من مكانها متجهة صوب الخارج :
" لا اخوكِ ده لسه حكايته معايا طويلة ملكيش دعوة بيه، خليكِ بس في خيبتك أنتِ "
أنهت جاسي من حديثها وهي تغلق الباب خلفها تاركة رفقة وروبين تنظران لاثرها بتعجب، قبل أن تهمس رفقة بغضب مشتعل :
" شايفة اختك !! عايزة تنقطني، الله يكون في عون الأعمى اللي اتطس في نظره وحبها، أنا بشفق عليه "
ضحكت روبين وهي تقول مربتة عليها :
" معلش هي جاسي شديدة شوية صغننة بس طيبة "
نظرت لها رفقة تبتسم بسخرية لاذعة ولم تكد تجيب حتى ارتفع رنين هاتفها مجددًا باسم جاكيري لتتحرك صوبه مغلقة إياه تمامًا، ثم ألقته على الفراش وهي تقول لروبين :
" أنا هنام عندك الايام دي، ومش راجعة غير لما يتربى "
ابتسمت لها روبين بسمة صغيرة، تفكر في أمر فبريانو الذي أخبرها أنه سيأتي للسهر معها اليوم والتحدث كما اعتاد الفعل منذ يومين، لكن يبدو أن الأمر مستحيل مع وجود رفقة؛ لذلك أمسكت هاتفها وهي تكتب رسالة قصيرة له تخبره بالأمر، ثم تحركت صوب الاسفل تحضر طعام لرفقة لتراضيها .
_______________________
كان مايك يجلس أمام لورا التي كانت تحرك يديها بحماس شديد وهي تصف له مقدار سعادتها بالاجواء في المنزل، وكم أحبت الجميع وخاصة جولي والفتيات .
بينما مايك كان يولي لها كامل انتباهه، وبسمته تتسع شيئًا فشيء كل ثانية تباعًا لبسمتها هي، تبتسم فيبتسم، تعبس فيفعل المثل، وكأن مزاجه أصبح موصولًا بخاصتها، وبعد ساعة من الحديث اصبح مايك يجهل عما تتحدث هي، فقد شرد منها في ملامحها، وكأنه يراها لأول مرة الآن فقط .
ضحكت لورا بقوة وهي تلملم خصلاتها التي تتطاير بفعل الهواء، حيث كان الاثنين يتوسطان الحديقة الخارجية للمنزل .
" ولن تصدق ما فعلت جولي، لقد هددت الجميع أنها ستعطي شريكها لأختها إن سمعت منهم تذمر "
انتهت لورا من قص ما حدث على مسامع مايك قبل أن تتعالى ضحكاتها مجددًا وهي تتذكر ردة فعل الجميع على حديث جولي :
" يا رجل تلك الفتاة رائعة حقًا "
" بل أنتِ تفوقينها روعة حبيبتي "
توقفت لورا عن الضحك بعد تلك الكلمات التي اخترقت مسامعها بعدما تزاحمت مع صوت ضحكاتها، ابتلعت ريقها تنتبه في تلك اللحظة لنظرات مايك التي كانت معلقة بوجهها يقول دون أن يعبأ بتخبطها :
" أنتِ الاروع والاجمل والالطف، أنتِ كل شيء جميل في هذه الحياة لورا"
فتحت لورا فمها وهي تقول بتشوش :
" مايك .."
ابتسم لها مايك وهو يمسك بكفها يقول بصوت حنون :
" أنتِ لا تحتاجين للرد على حديثي، لستِ مجبرة على ذلك "
صمت ثم أضاف بحب :
" لكنني كنت احتاج لقول ذلك لورا، كنت احتاج لاخبارك كم هي جميلة بسمتك "
ابتسمت لورا بسمة صافية من بين دموعها التي بدأت تلتمع في مقلتيها، قبل أن تجد مايك يقترب منها وهو ينظر في عينها جيدًا يقول بجدية وكفها مازال يستوطن خاصته :
" لورا هل ...هل يمكنك "
صمت محاولًا ايجاد كلمات لما يريد قوله، يريد أن يعلم كل شيء حدث معها، يريدها أن تخبره بكل ما عانته، يود مشاركتها ذلك الوجع والذي رغم بسمتها إلا أنه مازال يسكن داخلها، لكنه يشفق أن يمحو تلك البسمة، أن يتسبب في تلاشي تلك الضحكات؛ لذلك تراجع فيما كان على وشك قوله، وهو يبتسم قائلًا:
" كنت اتساءل إن كان بإمكانك مساعدتي في تعلم بعض الكلمات العربية"
وبمجرد انتهاء جملته تلك حتى أطلقت لورا تنهيدة مرتاحة وهي تقول ببسمة :
" لقد اخفتني خلت أن شيئًا سيئًا حدث، حسنًا بالطبع لا مانع يمكنني ذلك، أخبرني ما الذي تريد تعلمه "
ابتسم مايك بسمة جميلة وهو يقول بكل جدية :
" كيف اقول أنتِ أجمل امرأة رأيتها في حياتي ؟!"
ابتلعت لورا ريقها بتوتر تنظر له ببسمة صغيرة ولم تكد تتحدث حتى اخترق صوتٌ ما جلستهما يصدح بقوة في الأرجاء :
" أنت أيها النتن من كسرت كوبي الحزفي الجميل صحيح ؟! ولا تنكر الأمر لقد اعترف عليك مارتن وأخبرني أنك الفاعل "
رفعت لورا عينها بتعجب صوب سيلين وهي ترى غضبها يشتعل في عينها، نظرت لمايك وهي تقول بصوت خافت :
" مايك يبدو أن جدتك غاضبة كثيرًا منك، ما الذي فعلته ؟! هل الكوب ثمين لهذه الدرجة ؟!"
رفع مايك حاجبه وهو يسمع صوت سيلين يرعد خلفه بصوت غاضب :
" ألن تتعلم الرقي أيها الحقير العفن؟! أنت لا فائدة منك "
فتحت لورا فمها بصدمة من تلك السباب وهي تضع يدها على فمها شاهقة :
" يا ويلي مايك تبدو غاضبة منك كثيرًا"
صمتت ثم ربتت على ذراع مايك وهي تقول أثناء نظرها لسيلين وصوتها هامس خافت :
" لا تحزن ارجوك، هي سيدة كبيرة ربما ذلك الكوب يعني لها الكثير؛ لذلك لا تحزن هي لن تطيل غضبها منك، فقط انهض وصالحها "
كانت تتحدث وهي تخشى أن يحزن مايك من صراخ جدته خاصة بعد تلك العلاقة القوية التي شهدت عليها بين الجدة والأحفاد جميعهم اثناء الاحتفال بحفيد ابن عم مايك الأكبر.
رفعت لورا عينها لسيلين التي كانت تقف وهي تهز قدمها بغضب وكأنها تنتظر ردًا على جملتها السابقة .
ابتسم مايك يقول لـ لورا :
" فقط لحظة واحدة من فضلك "
انتهى من كلامه وهو ينهض من مكانه يقف أمام سيلين ولورا ترتقب أن يعتذر لها، لكن ما حدث بعد ذلك جعل لورا تنتفض فزع تصرخ وهي ترى مايك ينفجر في وجه سيلين ...
" أنتِ أيتها العجوز المزعجة، ألا ترين أنني لست في حالة تسمح لي بالنقاش حول كوبك الاحمق ؟! اقسم أن تلك المرة لن اتركك، سوف اقطع لكِ اطرافك"
شهقت لورا برعب مما سمعت وهي تركض تتدخل بين الجسدين تفرد ذراعيها لتشكل حائل بينهما :
" ما بك مايك ؟! كل هذا لأجل كوب؟! تمالك نفسك يا رجل ولا تنس أنك تحدث جدتك "
ضربت سيلين الارض أسفلها بالعكاز وهي تقول بسخرية :
" جدته ؟! أنا جدة هذا الوقح ؟! هو حتى لا يرقى لأن يكون خادمي"
انقض عليها مايك ولولا جسد لورا بينهما لكان حطم عظامها وهو يقول :
" أي خادم هذا أيتها العجوز، لا تدفعيني لقتلك اثناء نومك وبعدها اتخلص من جثتك "
ورغم الخوف الذي تملك سيلين إلا أنها قالت بعناد :
" لن تستطيع "
" جربيني "
قال مايك كلمته وهو يبتسم بسمة مخيفة جعلت لورا تقول بصراخ :
" ما بك مايك ؟؟ هل جننت ؟! ألم تكن تلك هي نفسها من تراقصها في الداخل وتعانقها ؟! لِمَ تلك المعاملة الآن وكأنها عدو لك ؟!"
نظر لها مايك بحنق وهو يقول :
" هذا فقط كان لأننا كنا في احتفال، والآن لا مناسبة لاعاملها كما البشر "
رفعت سيلين عكازها وهي تستغل تنحي لورا جانبًا قليلًا حتى تضرب خصر مايك بعنف وهي تقول بحنق :
" كل هذا بسبب جدك، سامحه الله على ما فعل بكم لو أنه تكبد فقط عناء تربيتكم لم تكن لتقف هكذا كالثور تصرخ بي يا قليل الاحترام، حسرتي عليك وعلى تربيتك التي لم تثمر سوى بشخص حقير وغد وقح يلهث خلف النساء مثلك "
نظر مايك ببطء صوب خصره حيث سقطت ضربتها، قبل أن يرفع وجهه ببطء وبعدها دون قول كلمة واحدة كان يخرج مسدسه من جيب بنطاله يرفعه في الهواء يسحب زناد الامان منه يجهزه للاطلاق وهو يقول :
" حسنًا عندما تذهبين لوالدىّ اخبريهما أن ابنهما وقح وغد يلهث خلف النساء"
انتهى من كلمته وهو يصوب المسدس صوب سيلين، بينما لورا صرخت برعب وهي تبتعد عن مرمى السلاح، ولا تصدق أن مايك يحمل سلاحًا، بينما سيلين أطلقت صرخة عالية محاولة الركض باسرع ما تملك وجسدها الممتلئ قليلًا وعمرها الكبير يعيق ذلك ومايك خلفها يصرخ بجنون :
" اقسم أنني سأحطم ذلك العكاز أعلى رأسك "
كانت لورا تضع يدها على فمها وهي تقول بصدمة :
" هل هذا هو منبع الحنان الذي كان يفيض منذ ثواني بحنانه على الجميع وخاصة الجدة ؟!"
_______________________
خرج من مرحاضه وهو يضع المنشفة على كتفه يحرّك كتفه بانسجام مع الموسيقى التي تصدح في غرفته، مغمضًا عينه، ثم نزع المنشفة يجفف بها شعره وهناك بسمة واسعة ترتسم على فمه وصفير متناغم مع الموسيقى يخرج من فمه .
ألقى المنشفة على الفراش يحرك جسده مع الموسيقى أكثر ويبدو أن مزاجه كان في أكثر مراحل صفاءه، حيث ارتسمت بسمة واسعة على فمه وهو يحرك جسده بتناغم غريب على الموسيقى كما لو أنه وُلد راقصًا .
بينما على باب الغرفة كانت تقف وهي تفتح فمها ببلاهة وقد سقط منها ما كانت تحمل بصدمة لا تستوعب ما تراه، أغمضت عينها، ثم فتحتها مجددًا حتى تتأكد أن ما تراه حقيقة وأن من يرقص أمامها هو رب عملها " مارسيلو" وليس غيره ..
تحرك مارسيلو صوب المرآة التي تقبع جوار باب غرفته وهو مازال يصفر باستمتاع قبل أن يتوقف فجأة بصدمة يرى راسيل تقف أمام باب غرفته تفتح فمها ببلاهة وهناك ملفات تستقر أسفل قدمها .
عض مارسيلو شفتيه وهو يقول :
" أنا آسف لم أكن أعرف أنكِ هنا في الغرفة، لو عرفت لكنت خرجت بالمنشفة فقط، دون أن ارتدي ثيابي"
كان يتحدث بحنق بعدما ارتدى ثيابه في المرحاض، وخرج بها كاملة .
بينما راسيل لا تستوعب ما يقول :
" ماذا ؟!"
" ألا تريدين رؤية عضلات بطني ؟! كان الأمر ليكون كأحد مشاهد الأفلام الرومانسية عندما اخرج بالمنشفة فقط، هل أفسدت الأمر؟! تريدين أن اخلع ثيابي ؟!"
اغلقت راسيل عينها أكثر وهي تصرخ :
"توقف، هل أنت أحمق ؟!"
توقف مارسيلو عما كان يفعل وهو يعيد خصلاته الرطبة للخلف، يقول بتفكير وجدية :
" أحمق ؟! ربما، لا اعلم، فلا أحد أخبرني بذلك سابقًا، كانوا يقولون أنني كسول"
صمت ثم قال وهو يشير لثيابه :
" إذن لا تريدين رؤية عضلات معدتي ؟!"
ابعدت راسيل يدها على عينها وهي تصرخ بحنق تنحني لتلملم الملفات :
" لا رجاءً، لا أريد رؤية أي شيء سوى توقيعك يزين الاوراق التي معي، حتى أرحل"
تحدث مارسيلو بجدية كبيرة وهو يقول :
" حسنًا آنسة راسيل، أنا هنا في إجازة تقريبًا، و لا احب الخلط بين العمل والإجازات، أعني أنا لا أحب أن يؤثر عملي على استمتاعي والعكس "
" أي عمل هذا سيدي ؟؟"
نظر لها مارسيلو بعدم فهم، لتبتسم له راسيل بسمة سمجة وهي تقول بغيظ وغضب وعصبية غير مبررة :
" أنت تقول أنك لا تحب أن يؤثر العمل على الاستمتاع، وانا فقط أود معرفة أي عمل هذا ؟؟ فأنا منذ جئت للعمل كمساعدة شخصية لك لم ارك تحمل ورقة ولو بالصدفة حتى، ولم ارك تتحدث عن قضية ولو على سبيل التغيير، يا رجل أنت لا تذهب لمكتبك سوى لدفعي للجنون، فأي عمل هذا الذي لا تريده أن يؤثر على استمتاعك ؟! "
انتهت راسيل من حديثها وهي تتنفس بعنف، تحاول تهدئة نفسها قبل أن تسمع صوت مارسيلو يقول بجدية :
" نعم أنتِ محقة في كل ذلك "
" ماذا ؟!"
" اقول لكِ أنكِ محقة، أنا بالفعل مجرد فاشل لا مستقبل لي بأي شيء، أخبرت جدي أنني لا أصلح لشيء، لكن هو اصر على افتتاح مكتب لي"
صمت ثم قال وهو ينظر لها بجدية :
" راسيل أنا لستُ ذلك الفاشل الذي تظنينه، أنا أكثر فشلًا مما تظنين "
ابتسم وهو يقول بشكل مستفز :
" وإن ظننتِ أن تلك الخطبة السابقة ستؤثر بي، فأنتِ مخطئة، كل ما خرجت به من تلك الخطبة هو تعثرك في بعض الأحرف التي خرجت منكِ بشكل غريب، عليكِ مراجعة طبيب للتخاطب "
ضغطت راسيل على اسنانها وهي تكتم صرخة عالية تود عبور حدود فمها علّها تصل لآذان ذلك الرجل فيستوعب معاناتها أو على الأقل يُصاب بالصمم، فتشعر ببعض الراحة .
لكن مارسيلو لم يفعل سوى أنه عاد للخلف وهو يراها تتحرك صوبه بسرعة ترفع سبابتها في وجهه صارخة وهي تحاول التحكم في غضبها قدر استطاعتها :
" أنت أكثر شخص كسول مستفز رأيته في حياتي"
ابتسم مارسيلو وهو يميل مقبلًا اصبعها دون أي مقدمات لفعلته وبسرعة كبيرة لم تستوعبها وهو يقول ببسمة :
" وأنتِ أكثر إمرأة جذابة رأيتها في حياتي "
عادت راسيل للخلف بسرعة تضم اصبعها لصدرها بصدمة، ثم استدارت تعطيه ظهرها راكضة خارج الغرفة وكأنها للتو رأت شبحًا، ومارسيلو كان يقف وهو ينظر لاثرها هامسًا بتعجب من ردة فعلها تلك التي لم يتوقعها أبدًا :
" ماذا هل قبلت الاصبع الخطأ؟! أم كان علىّ تقبيل يدها كلها ؟؟؟؟"
_______________
توقف بسيارته أمام المنزل وهو يرمق النافذة لثواني دون أي ردة فعل منه، قبل أن يتحرك ببطء صوب الشجرة يمسك بها، ثم بدأ يتسلقها باحترافية وكأنه وُلد بين مجموعة من القرود.
واخيرًا وصل للفرع المقابل للنافذة، حدق في الغرفة ليجد أنها تسبح في الظلام إلا من الضوء القليل الذي ينعكس على الفراش من الباب الخاص بالغرفة .
قفز فبريانو للغرفة وهو يتحرك صوب فراش روبين التي كانت تنام معطسة ظهرها له ووجهها للباب، تعجب من أنها نائمة في هذا الوقت وهو قد اتفق معها على السهر سويًا في الشرفة .
وقف أمام الفراش وهو ينحني عليه ببطء يقترب من روبين يهز كتفها برفق :
" هيييه ارنبي الوردي أنت مستيقظ ؟!"
ولم يصدر صوت من روبين التي كانت تهمهم بأصوات ناعسة، اعتدل فبريانو في وقفته وهو ينفخ بغيظ شديد، ثم مد إصبعه يضرب به رأس روبين يردد بغيظ :
" أيها الارنب الاحمق، ما بك هل سقطت في غيبوبة ؟!"
انتهى من كلامه وهو يميل على ركبتيه جوار الفراش يهز جسد روبين بغيظ :
" استيقظي روبين، أنا أريد الجلوس معكِ "
صمت وهو يعلو بجسده قليلًا يضع يده على كتف روبين يجبرها على الاستدارة صوبه حتى يستطيع أن يجعلها تستيقظ، لكن وقبل أن يستوعب فبريانو ما يحدث، كانت الغرفة تنير فجأة و روبين تشاهد فبريانو وهو يحاول إيقاظ روبين_ حسب اعتقاده _ .
فتحت روبين فمها بغباء وهي تقول :
" فبريانو ؟! ماذا تفعل هنا ؟!"
انكمشت ملامح وجه فبريانو بتفكير عن هوية النائم إن لم يكن روبين، في ذلك الوقت استيقظت رفقة بفزع وهي تجد فبريانو يعلوها برأسه، صرخت وهي تعود للخلف بسرعة كبيرة لدرجة أنها سقطت ارضًا لتصطدم رأسها بقوة في الخزانة التي تجاور الفراش، بينما فبريانو لم يفزع ولم يفعل شيء سوى أنه أشار لرفقة وهو يقول بحنق :
" ما الذي تفعله تلك الفتاة عندك ؟!"
كانت رفقة تمسك برأسها وهي تطلق تأوهات عالية، قبل أن تتوقف فجأة تستمع لحديث فبريانو، ثم نظرت لروبين التي كانت ما تزال تحمل صينية الطعام لرفقة وهي ترمش بعدم فهم .
" هو عبيط يا روبين ؟! ولا هي دي وراثة في العيلة عندهم ؟! كلهم عندهم تأخر استيعاب وعته "
نظرت بعدها لفبريانو الذي كان يبدو وكأنه ينتظر تفسيرًا :
"أنت أهبل ؟!"
لم يجبها فبريانو وهو ينهض من الفراش يتحرك صوب روبين وكأن رفقة غير موجودة من الأساس، توقف أمامها يردد بجدية مشيرًا للطعام :
" هل هذا لي ؟!"
فتحت روبين فمها للإجابة، لكن قاطعها فبريانو وهو يأخذ منها الطعام، ثم تحرك صوب الشرفة وجلس عليها بكل برود وهو يقول :
" اخرجيها من هنا ريثما أنتهي من الطعام "
نظرت له رفقة بغباء ثم عادت بنظرها لروبين وهي تقول متعجبة حديثه :
" هو ليه محسسني أنه بيتكلم عن قطة متشردة وانتم بتعطفوا عليها؟! بعدين مش ده اكلي اساسا ؟! هو ايه البعيد معندوش ذوق خالص ؟!"
نظرت روبين صوب فبريانو وهي ما تزال لا تفهم سبب حضوره رغم إرسالها رسالة تعلمه بها الوضع، تحركت صوبه وهي تقول بجدية :
" فبريانو ايه اللي جابك ؟؟"
توقف فبريانو عن الأكل فجأة، يدير رأسه لها يقول بملامح وجه لا تُفسر :
" تريدين مني الرحيل ؟!"
بهتت روبين من جملته وهي تعود للخلف مرددة بنفي :
" لا لا مش ده قصدي أنا بس كــ "
" اه ياريت تتفضل لأن وجودك غير مرغوب، والصراحة كده انا مش حابة اشوف حد من عيلة جاكيري ولا المح طرف حد منكم "
نظر لها فبريانو ثواني بلا اهتمام قبل أن يعود لإكمال طعامه :
" يبدو أن جاكيري استوعب الآن مقدار الورطة التي ألقى بنفسه فيها، وقرر الهرب، هل هجرك مباشرة دون مقدمات، أم خانك قبلها ؟؟"
فتحت رفقة فمها بصدمة من حديثه بينما روبين اقتربت منه بسرعة، تحاول تقليل كم الرصاص الذي يخرجه من فمه تهمس له وهي تقف جواره :
" فبريانو ميصحش كده، أنت مش فاهم الموضوع اساسا "
" لا فاهم، الاستاذ التاني واخد تليفوني ومعسكر في شقتي، والتانية جاية تعسكر عندك، اكيد جاكيري خانها، أو زهق منها ومن مشاكلها "
استدار وهو ينظر لهيئة رفقة المبعثرة ثم قال بحنق :
" بزمتك ده وش الواد يصطبح بيه ؟!"
ازداد غضب رفقة بشدة وظهر ذلك على وجهها، متحركة خارج الغرفة تغلق الباب بعنف كبير جعل روبين تنتفض وهي تكاد تركض خلفها متحدثة بخوف عليها :
" استني يارفقة هو مش قصده "
" لا قصدي على فكرة "
توقفت روبين عن ركضها بعدما سمعت صوت جاسي في الغرفة المجاورة لها وقد أدركت أن رفقة ذهبت عندها، استدارت بغضب صوب فبريانو وهي تصرخ في وجهه للمرة الأولى :
" أنت ايه ؟! مش بتحس ؟؟ ازاي تقولها الكلام ده ؟؟"
توقف فبريانو عن تناول طعام وهو يترك الملعقة، ثم نظر لها ثواني قبل أن يقول :
" لو كان أحدًا غيرك لكنت قتلته روبين؛ لذلك اياكِ أن تصرخي في وجهي مجددًا "
صمتت روبين بخوف من حديثه، لكنها لم تصمت طويلًا وهي تقول بغضب نابع من حزنها :
" أنت ليه كلمتها كده ؟! ده بدل ما تروح وتكلم ابن عمك جاي عليها هي ؟؟"
هز فبريانو رأسه :
" اممم لأنني شخص سيء روبين وأنتِ تعلمين الأمر، وإن كان هذا يزعجك، فاسف أنا لا أستطيع تغييره "
انتهى فبريانو من كلماته، ثم نهض ينفض ثيابه بكل بساطة مقتربًا منها، يقبل خدها قبلة صغيرة لطيفة، وبعدها تحرك صوب النافذة يهبط منها كما صعد، تاركًا روبين تنظر له بصدمة وهي ترى حزنه يستوطن عينه رغم أنه حاول إخفائه، لتتساءل هل كانت كلماتها قاسية لتلك الدرجة ؟!
هبطت دمعة منها دون شعور وهي تنظر من النافذة بسرعة لتراه قد وصل للأرض، ثم تحرك صوب السيارة الخاصة به، ودون تفكير وبكل غباء كانت تصعد على النافذة وهي تقفز على الشجرة التي يستخدمها هو دائمًا، تتعلق بها وهي تحاول النزول للأرض بواسطتها كما يفعل هو، ولم تفكر لثانية في استخدام درج المنزل كما البشر .
كانت تحاول أن تفعل كما رأته يفعل مئات المرات، وكانت لتنجح في ذلك لولا أنها ببساطة ليست فبريانو...
________________________
كان يقف أمام الغرفة وهو لا يعرف هل يطرق أم يتراجع، لكن شيء في داخله أخذ يوبخه واصفًا إياه بالضعف؛ لذلك وعنادًا بذلك الشيء الذي شعر به يضحك ساخرًا على ضعفه .
طرق ماركوس الباب وانتظر ثواني ليسمع صوتها، لكن لا رد له كما كل مرة، فهو لا يتذكر مرة واحدة وقف بها أمام باب غرفة فيور وسمع أذنها بالدخول؛ لذا وكما جرت العادة مد يده يفتح الباب ضاربًا بالخصوصية والآداب العامة عرض الحائط يبحث بعينه عن فيور التي لم يلمح طيفها منذ تلك المواجهة بينهما في الامس، وكأنها تعاقبه بذلك النفور منه .
حوّل ماركوس نظره في الغرفة، لكن لم يجد أي أثر لها، تحرك صوب الفراش وانحنى على ركبتيه جواره، ثم رفع الغطاء يتوقع أن يجدها في جدال شرس مع صورته التي لا يعلم كيف اخذتها منه حتى .
لكن كل ما وجده هو الفراغ والظلام أسفل الفراش .
رفع ماركوس رأسه وهو ينظر بتعجب حوله ثم قال لنفسه :
" أيعقل أنها في المرحاض ؟!"
لوى فمه وهو صوب المرحاض، ولم يكد يطرق بابه حتى وجده مفتوح ويغرق في الظلام، بدأ ماركوس يشعر بالرعب من فكرة أنها غادرت المنزل دون علمه .
هز رأسه رافضًا لتلك الفكرة وهو يقول برعب :
" لا لا، هي لن تفعلها وتتركني بهذه البساطة "
استدار كالرصاصة ليتحرك صوب الباب، ينادي باسمها وقلبه يخفق بقوة وكأنه يلومه على ما فعل :
" فيـــ..."
لكن توقفت الكلمة على باب فمه وهو يفتح عينه باتساع مخيف يبصر فيور في شرفة الغرفة، تقف على السور، تفتح ذراعيها للهواء تعيد جسدها للخلف بشكل جعله يركض بجنون صوبها يحاول ألا يصدر صوتًا حتى لا تفزع فتسقط، اقترب منها وهو يسير بخطوات تكاد تكون محسوسة، ثم ودون مقدمات كانت يده تمسك خصرها جاذبة إياها بعنف مخيف صوب صدر ماركوس الذي ضمها بقوة وهو يصرخ بجنون :
" هل حدث لكِ شيء ؟! أُصبتِ؟!"
بينما فيور لم تأخذ حتى فرصتها للصراخ بل كانت تنظر بفزع وقلبها مازال يضرب بقوة في صدرها من المفاجئة، لثواني شعرت أنها ستسقط، لكن بدلًا أن تصطدم في الأرضية أسفلها اصطدمت في صدر ماركوس الذي كان يضمها بقوة مؤلمة لعظامها، تأوهت فيور بصوت خافت :
" ماركوس ما بك ؟؟"
وكأن همستها تلك جعلت ماركوس يفيق من صدمته ليبعدها عنه سريعًا وهو ينظر لوجهها بشر يمسك كتفها في قوة مؤلمة :
" أنتِ أيتها الحمقاء ما الذي كنتِ تفعلينه ؟! ما الذي جعلكِ تقدمين على الانتحار ؟!"
رددت فيور بفزع من الكلمة ووقعها على أذنها:
" انتحار ؟؟"
لكن ماركوس كان كمن وقع في هوة لا يشعر بما يحدث حوله ولا يستوعب ما تقول أو يرى ملامحها الرافضة والمستنكرة لحديثه :
" أنتِ تريدين تركي ؟! هل جننتِ، كدتِ تقتلين نفسك منذ ثواني لأجل ماذا ؟؟ وماذا عني ها؟! هل فكرتِ فيما سيحدث لي؟!".
" ماركوس أنا لم أكن سأنتحر، أنا فقط كنت أقف كما اعتدت الفعل منذ طفولتي "
لكن ماركوس لم يهتم لها وهو ينظر لوجهها يردد برعب :
" ماذا كان سيحدث لي ؟! كنت سأعيش طوال حياتي وحيدًا بائسًا"
نظرت له فيور بعدم فهم، لا تستطيع ترجمة كلماته أو مقصده، ويبدو أن ماركوس لم يكن يهتم لكل تلك الأفكار في رأسها وهو يقترب منها يمسك وجهها بين يديه يقرب وجهه منها وهو يقول :
" بائسًا كـ كلب اجرب فَقَد وليفته "
فتحت فيور عينها بصدمة مما يقول ثم قالت بكلمات مترددة :
" ماركوس ماذا تقــ ...."
" أنا اعشقك فيور، جعلتي قلبي يتمرد على قواعد حياتي، جعلتيه يقف في وجه عقلي وهو يصرخ أنه يحبك وتبًا لتلك المعايير التي وضعها لفتاة احلامه، وإن لم تكن تلك المعايير تتلائم معكِ، فسيصنع هو معايير تناسبك وتلائمك "
سقط فك فيور وهي تحاول أن تستوعب كم المشاعر التي ألقاها في وجهها منذ ثواني، فبعد أيام وايام من الصمت والبرود، يأتي الآن ويلقي بكل شيء في وجهها مرة واحدة .
سقطت دمعة من فيور وهي تقول بخوف أن يكون كل ذلك حلم جميل خلقه عقله لشدة يأسه من حدوث ذلك :
" ماركوس هل أنت جاد؟! أنت لا تمزح معي صحيح ؟!"
اقترب منها ماركوس بقوة يتكأ بجبينه على خاصتها وهو يقول ببسمة واسعة عاشقة وراحة بدأت تتغلغل بجسده بعد اعترافه بكل ذلك :
" أيتها القزمة هل تقبلين أن أكون زوجك ؟؟ ولا تقلقي نن أمر طولك الصغير، سأشتري لكِ أحذية عالية، أو احملك طوال الوقت "
ضحكت فيور من بين دموعها وهي تقول ومازالت لا تستوعب ما يحدث الآن :
" لا بأس أنا أحب السير جوارك هكذا، فأنت تمنع عني أشعة الشمس "
ضحك ماركوس ضحكة عالية جعلت فيور تبتسم بغباء وهي تراقب ضحكاتهم بهيام، قبل أن تشعر فجأة بماركوس يقترب منها حاملًا إياها وهو يدور بها بقوة وضحكات فيور تتعالى في الغرفة مندمجة مع ضحكات ماركوس الذي كان يخبرها :
" وفي النهاية اصبح كلانا كلبين اجربين "
ابتسمت فيور وهي تستند برأسها على خاصته وهو مازال يحملها :
" أو لا أحد منا كلب اجرب، فكلانا حصل على شريك حياته في نفس الوقت، حصلنا على بعضها البعض ..."
_______________________
امسك فبريانو مقبض سيارته و مازالت ملامحه منقبضة بشكل مخيف، لكن وقبل أن تخط قدمه للسيارة سمع صوت يأتيه من خلفه، صوت خافت ينادي باسمه، صوت يعلمه جيدًا، استدار فبريانو يبحث عنها بعينه قبل أن يتيبس جسده بقوة وهو يرى ما يحدث أمامه، ودون ثانية تفكير كان يركض فبريانو بجنون وجميع خلاياه تنتفض برعب يصرخ باسمها :
" روبيــــين "
وقف أسفل الشجرة وهو يصرخ بصوت مرتعب :
" ما الذي تفعلينه أيتها الغبية ؟!"
نظرت له روبين وهي مازالت تمسك بالشجرة وكأنها تعانقها، تلف يديها وقدميها عليها، تقول بدموع وخوف من السقوط :
" أنا ... أنا كنت عايزة الحقك "
صرخ فبريانو بجنون :
" فيه سلم، فيه سلم تنزلي عليه "
بكت روبين أكثر وهي تقول من بين شهقاتها :
" متزعقش كده "
مسح فبريانو وجهه يقترب من الشجرة أكثر يتمركز أسفل مكان وجودها وهو يقول بحنان وصوت منخفض :
" حسنًا حبيبتي أنا آسف، هيا تحركي ببطء للاسفل"
هزت روبين رأسها بلا وهي تقول :
" لا كده هقع وتنكسر رقبتي "
ابتسم فبريانو وهو يحاول أن يطمئنها :
" متقلقيش يا قلبي، كده كده رقبتك هتنكسر، إن مكانش من الوقعة فـ مني، فكِ ايدك براحة وسيبي نفسك وانا هلقفك "
حركت روبين رأسها بقوة وهي تقول باكية :
" لا مش هسيب الشجرة "
" يعني هتفضلي حضناها كده على طول ؟!"
بكت روبين أكثر وهي تقول :
" اه هفضل حضناها لغاية ما اموت وانا كده، اياكش بس ترتاح وتخلص مني"
سبّ فبريانو بصوت خافت وهو يقول من تحت أسنانه بغضب :
" أيتها الغبية، اقسم أن اكسر عظامك عندما تقعين في يدي "
" أيوة ما أنا خلاص مبقتش اهمك، وانا اللي خاطرت بحياتي عشانك"
هز فبريانو رأسه برفض وهو يخرج هاتفه متحدثًا بسخرية :
" ارجوكِ لا تقحميني في الأمر غبائك هو ما دفعك لذلك وليس أنا "
وضع فبريانو الهاتف على أذنه وهو يتحدث بجدية :
" انزلي وافتحي لي باب منزلك "
ودون انتظار رد كان يغلق الهاتف وهو ينظر لروبين التي كانت ما تزال معلقة بشكل جعله يود الضحك، لكن كبت ضحكته حتى لا يثير حنقها، يكفيه ما يحدث، اقترب فبريانو من الشجرة وهو يقول بلطف :
" روبين حبيبتي عندما أصل إليكِ سأقتلك لتعريض نفسك للخطر، حسنًا؟! "
نظرت له روبين في الاسفل وهي تقول بتأثر :
" وكمان بتاخد رأيي في موضوع قتلي؟! للدرجة دي وصلت حنيتك عليا يا فبريانو؟؟"
ابتسم فبريانو لها وهو يتحرك صوب الباب الذي فتحته له جاسي ترمقه بتعجب، تراه يدفعها جانبًا دون كلمة، ثم اقتحم المنزل وصعد مباشرة للأعلى تحت نظرات جاسي المصدومة منه .
بينما فبريانو تحرك صوب غرفة روبين، دخل لها واغلق الباب خلفه، ثم تحرك بخفة صوب الشرفة وبعدها قفز الشجرة وجلس على الفرع الخاص به، لف قدمه على الفرع جيدًا يحاول أن يتأكد أنه آمن، ثم تعلق في الفرع رأسًا على عقب وهو يمد يديه لروبين متحدثًا :
" هيا ارنبي الوردي، تمسكِ بيدي "
نظرت روبين ليده ثواني بخوف، وبعدها نظرت للاسفل وهي تفكر في احتمالية سقوطها، لكن اخرجها فبريانو من ذلك كله وهو يقول :
" ألا تثقي بي ؟!"
نظرت له روبين ثواني، ثم نزعت يد واحدة وامسكت بخاصته وبعدها نزعت اليد الأخرى لتصبح معلقة في يديه بالكامل، امسكها فبريانو وهو يقول بجدية :
" والآن تسلقي جسدي حتى الفرع، لاتخافي أنا امسك بكِ "
بكت روبين برعب رغم أن المسافة بينها وبين الأرض ليست بالكبيرة :
" لاحظ أنك بتكلم بني أدمة، مش قردة في الجبلاية"
" هيا روبين لا تخافي"
وبالفعل بدأت روبين تتسلق وهي تشعر بيد فبريانو تسندها، وأثناء محاولة روبين للوصول إلى الفرع كانت قدمها تضغط على وجه فبريانو وهو تحتها يلعن ويسب الجميع دون استثناء :
" وشي ياماما وشي، خفي رجلك وشي بقى زي العجينة"
أمسكت روبين في الفرع وهي تصعد عليه بحذر، ثم جلست عليه بخوف وبعدها نظرت للاسفل حيث فبريانو تقول بجدية :
" أنا وصلت خلاص اطلع بقى "
حاول فبريانو الأعتدال وهو يأرجح جسده حتى أمسك في الفرع وجلس عليه جوار روبين يتنفس بقوة، ثم استدار فجأة لروبين والشر يعلو ملامحه وقبل أن يفتح فمه للصراخ بها، وجدها تندفع بقوة له تعانقه وهي تقول بحب :
" أنت أجمل واحد واحن واحد في الدنيا، وانا بحبك اوي اوي "
وسرعان ما تراجع غضبه مفسحًا الطريق أمام عشقه للمرور، يبتسم بسمة عاشقة لها، هو في الأساس لم يغضب منها ولم يحزن، بل هو انسحب بكل بساطة حينما وجدها بدأت تفقد عقلها، حتى لا يصل بهم الأمر لنقطة لا رجوع فيها.
مد فبريانو يده وهو يربت عليها بحنان وحب هامسًا :
" أنا لم اقسو على رفقة بلا سبب روبين، أنا بالفعل تحدثت لجاكيري و عاتبته على ما فعل، بل وصرخت في وجهه ولكمته على تركه لها والرحيل دون أن يرابط أمام المنزل ويرفض الرحيل دونها، لكنني قلت ما قلته علها تفكر في الأمر جيدًا، هي مخطأة مثلها مثل جاكيري، الاثنان مخطئان "
صمت ثم قال بصوت حنون :
" أنا لستُ سيئًا بالكامل روبين، حتى وإن كنت كذلك، فليس معكِ أنتِ"
ابتعدت روبين عنه وهي تضم وجهه بين يديها بحنان هامسة بحب :
" أنت لست سيئًا أبدًا فبريانو أتسمع ؟! أنت افضل رجل في هذا العالم، أنت الطف رجال العالم واكثرهم حنانًا، وانا احبك كما أنت بكل ما فيك، واقسم لك أنني لم اقصد جرحك بحديثي"
سقطت دمعة وهي تقول بجدية :
" اوعى تزعل من كلامي، أنا آسفة، أنت احلى واحد في الدنيا دي كلها "
ابتسم فبريانو بسمة حنونة وهو يجذب انفها بمشاكسة :
" ومن قال أنني من الممكن أن اغضب أو احزن منكِ يومًا روبين ؟! أنا أبدًا لن افعلها حبيبتي "
ابعدت روبين وجهها عنه ببطء تحاول مداراة خجلها قبل أن تقول وهي تنظر للاسفل :
" تصدق القعدة هنا حلوة، حبيتها اوي "
ضحك فبريانو وهو يداعب خصلات شعرها :
" لا بأس سأزرع شجرة جوار نافذة غرفتنا في منزلي ونجلس عليها كل ليلة نراقب القمر سويًا"
ابتسمت روبين وهي تتخيل تلك الأجواء الساحرة، ثم وضعت رأسها ببطء على كتفه تبتسم بحنين تنظر للسماء وتراقب القمر المكتمل، بينما فبريانو ينظر لها، وانتهت أمسية أخرى جمعت بين أكثر الأشخاص لطفًا وارنبه الوردي القبيح، وكل منهما ينظر لقمره الخاص .
_________________
هبط الدرج وهو يعدل من وضع ثيابه بعدما انتهى من صلاته، ثم تحرك ليتناول الفطور قبل أن يذهب للسباحة قليلًا في المسبح الخلفي للمنزل، وأثناء نزوله الدرج كان توفيق يغني بمرح وسعادة، ويبدو أنه من الصباح ومزاجه صافي...
" يا حلو صبح، يا حلو طل، يا حو صبح نهارنا فل "
كان يغني بكل استمتاع وهو يتجه ليفتح نوافذ المنزل حتى يعطي للشمس فرصتها لدخول المنزل، وبمجرد أن فتح الستارة انتفض للخلف وهو يصرخ برعب بعدما ابصر جاكيري الذي كانت هيئته مبعثرة ويتوسط الأريكة جوار النافذة .
وضع توفيق يده على صدره بفزع وهو يقول :
" ايه يابني كنت هتوقف قلبي ؟! مالك قاعد في الضلمة كده زي الخفافيش ؟!"
لكن جاكيري لم يصدر منه أي إشارة تدل على استماعه لما قال توفيق، مما جعل الأخير يتحرك بتعجب ليجلس جواره :
" جاكيري بني ما بك ؟!"
لكن جاكيري كان مايزال شاردًا أمامه يمتنع عن الحديث؛ لذلك حرّك توفيق نظره في المحيط وهو يبحث عن رفقة قائلًا :
" هل رفقة بخير ؟! أين هي ؟! ليس من عادتها أن تطيل النوم"
انتهى من حديثه وهو ينهض متجهًا صوب المطبخ بحثًا عن رفقة التي لم يرها منذ الزفاف امس، فهو عاد مع اسكندر ليغرق في النوم مباشرة، تحرك توفيق وهو يناديها :
" رفقة، رفقة ااااا"
لكن قاطع جاكيري نداءه وهو مازال يحدق أمامه بلا اهتمام :
" رفقة ليست هنا "
استدار له توفيق بتعجب وهو يقول :
" مش هنا ؟! ازاي ؟؟ أين هي إذن ؟!"
رفع جاكيري عينه لتوفيق وهو يقول بحزن وسخرية :
" غاصبة مني "
تحرك توفيق صوب الأريكة مجددًا يقول له :
" غاضبة منك ؟! لماذا ؟!"
لم يتحدث جاكيري بكلمة وهو يعود لشروده مما دفع الأفكار لرأس توفيق شاعرًا بأن شيئًا كبيرًا حدث :
" وأين هي الآن ؟!"
" في منزل روبين "
صمت توفيق ثواني قبل أن يقول :
" هل تركتها هكذا بكل بساطة وعدت ؟؟ لم تحاول أن تصالحها حتى ؟!"
نظر له جاكيري وهو يقول بقلة حيلة :
" وماذا افعل توفيق ؟! حاولت الاتصال بها والتحدث معها، وقفت أسفل منزل روبين ساعات ولم تقبل أن تدعني المح طيفها حتى "
ابتسم توفيق بسخرية وهو يقول جادًا في حديثه :
" وهل تسمي هذه مصالحة ؟! "
تبع توفيق حديثه بآخر أكثر سخرية :
" شباب اليومين دول فاكرين التليفون هيحل ليهم كل مشاكلهم، الله يرحم أيام ما كان الواحد يطلع مواسير عمارة خمس ادوار عشان بس يقول للبنت حقك عليا، قصره "
التفت لجاكيري وهو يقول بجدية :
" بني هذه فتاة والفتيات لا تنال رضاهم بسهولة، بل يريدون منك فعل شيء مميز لأجلهن، أن تكافح لتخبرها أنك نادم على ما فعلت، ثم هذه فتاة عربية تحتاج لطريقة دافئة لترضى، ليس كالفتيات الغربيات الباردات "
نظر له جاكيري باهتمام وهو يقول بحماس كبير وقد وثق أن توفيق سيساعده في الأمر :
" إذن وكيف اعتذر لفتاة عربية توفيق ؟!"
ابتسم توفيق بسمة واسعة مغترة وهو يقول :
" سأخبرك ماذا تفعل، وفي المساء ننفذ بعدما تجهز كل شيء "
____________________
كان يغط في نوم عميق وهو يبتسم بسمة واسعة ويبدو أنه يحلم حلمًا جميلًا يود لو يظل محتجزًا به لنهاية العمر، لكن كيف ذلك وهو احضر بيده وجع الرأس لنفسه.
اقتحمت جولي الغرفة بقوة وهي تصرخ بصوت عالٍ:
" مارتن تعال لاريك شيئًا رائعًا "
لكن ورغم أنه مستيقظ إلا انه لم يهتم ووضع الوسادة أعلى رأسه بحنق يقول :
" اخرجي جولي اريد النوم "
لم تسمح له جولي بتحقيق تلك الأمنية البسيطة، وهي تنقض على الفراش بشكل جعل جسده يهتز بسبب سقوطها العنيف عليه، هجمت جولي على مارتن وهي تقرب وجهها من اذنه تقول بإلحاح:
" مارتن، ماتن تعال لترى ما فعلت، مارتن هيا استيقظ، فقط نظرة واحدة وعد حيث أنت، هيا ارجوك "
تململ مارتن في نومته وهو يحاول أن يبعدها عنه :
" جولي أنا اريد النوم ارجوكِ "
تحدثت جولي بحزن علها تستطع أن تؤثر عليه :
" لأجلي مارتن، هيا ارجوك، لأجل بنية العينين خاصتك "
وكان لها ما أرادت حيث اعتدل مارتن في نومته وهو ينظر لها بأعين شبه مغلقة بنعاس، ليجذبها بقوة يلقيها جواره على الفراش، ثم قيد قدميها بخاصته وضمها له بقوة وهو يقبل وجنتها :
" هيا حبيبتي دعينا نغفو ساعة واحدة وبعدها نذهب ونرى ما تريدين مني رؤيته "
وكم كان ذلك العرض مغريًا، خاصة بذلك الدفء الذي اندفع من جسد مارتن لها، حتى أنها كادت تستسلم له وتسقط في النوم جواره، لكنها رفضت وهي تقول بإلحاح :
" هيا مارتن لأجلي أنا "
فتح مارتن عينه وهو ينفخ بانزعاج، ثم نهض وتحرك بعيدًا عن الفراش متجهًا صوب المرحاض، غاب به دقائق قبل أن يخرج وقد فرش أسنانه وغسل وجهه، ثم تحرك وارتدى سترة وصوته يخرج حانقًا :
" حسنًا جولي دعينا نرى ما فعلتِ "
التمعت عين جولي بسعادة كبيرة وهي تتحرك صوبه تمسك بيده، ثم جرته بسرعة كبيرة لخارج الغرفة ومنها للاسفل تحت أنظار الجميع الذين كانوا يتجهزون لتناول الإفطار، ومارتن يسير خلفها بأقدام مسرعة يراها تتجه به صوب المطبخ وهي تقول بسعادة كبيرة :
" لن تصدق ما صنعته لاجلك "
تركت يده ثم تحركت بسرعة تحت نظرات سيلين الحنونة ونظرات روز المتأثرة، وهي تراها تخرج قالب من الكعك الذي صنعته تحت إشرافها لأجل مارتن، اقترب جولي من مارتن وهي تحمل قالب الحلوى بين يديها بحرص وكأنها تحمل طفل صغير تقول بسعادة وحب :
" انظر استيقظت في الصباح الباكر خصيصًا لصنعه، هل اعجبك ؟!"
حول مارتن نظراته لجولي دون أن يشعر بانسحاب روز وسيلين خارج المطبخ لترك الحرية لهما، كان يحدق في قالب الكعك الذي كتبت جولي اسمه عليه بخط منمق بواسطة الكريمة، وقد صنعته بالكامل من الشوكولاتة.
رفع مارتن عينه لجولي وهو يبتسم بسمة واسعة لا يصدق ما يرى، مقتربًا من جولي مقبلًا وجنتها بحب :
" جميلًا كمن صنعته، جولي حبيبتي اسعدتي قلبي بتلك الفعلة اللطيفة "
ابتسمت جولي بسمة واسعة وهي تضعه على الطاولة جوارها تمسك يد مارتن ترفعها لفمها تقبلها بحنان :
" هذا لا شيء مارتن، حقًا لاشيء جوار ما تفعله من اجلي حبيبي "
اقترب منها مارتن يجذبها لاحضانه بحنان وهو يقول بصوت لكيفغ :
" ما أسعد صباحي برؤية وجهك البهي، ورؤية قالب الحلوى اللطيف خاصتك بنية العينين، أيا ليت جميع ايامي تبدأ بكِ وتنتهي عندك حبيبتي "
اتسعت بسمة جولي وقد شعرت بقلبها يتضخم حقًا أكثر وأكثر لمارتن، ثم قالت بسعادة وهي تخبره بباقي مفاجئتها :
" حسنًا مارتن أنا صنعت هذا القالب لأجل عيد ميلادك التاسع والعشرين غدًا؛ ولأننا لن نكون متفرغين بسبب المسابقة قررت إعداده اليوم ووضعه في الثلاجة وتزيين الحديثة ايضًا "
انتهت من جملتها وهي تقترب منه تقول بعين لامعة من السعادة تضم كفيها لصدرها :
" كل عام وأنت بخير و جواري حبيبي "
فتح مارتن فمه بصدمة وصدره يعلو ويهبط بقوة من المفاجأة، فهو لم يسبق له أن أحتفل بعيد ميلاده لا هو ولا أي فرد من تلك العائلة، البعض منهم حتى لا يتذكر يوم ميلاده كمارسيلو وفبريانو، رغم أنهم كل عام يحضرون هدايا لصاحب العيد ميلاد ويتمنون له حياة مديدة ببسمة وعناق وينتهي الأمر عند تلك النقطة، لكن لم يسبق وأن حصل على كعكة عيد ميلاد بعدما كان يرفض الأمر.
شعر مارتن برغبته في أخذ جولي ودفنها في أعمق نقطة في قلبه وهو يقول ببسمة حنونة بها لمحة وجع لم تفهما جولي وقد بدأت عينه تلتمع بطبقة شفافة من الدموع :
" كان آخر مرة حصلت فيها على كعكة عيد ميلادي في الخامس قبل رحيل امي "
ختم كلماته تزامنًا مع تدحرج دمعة منه دون شعور لتسقط دموع جولي وهي تضمه بقوة لصدرها كأم تعانق صغيرها تقبل رأسه بحنان :
" حبيبي الحنون، كل عام سنحتفل بعيد مولدك وسأعد لك الكعكة بيدي"
دفن مارتن نفسه في أحضانها وهو يتذكر تلك الذكرى الأخيرة السعيدة له مع والدته وهي تودعه بعد اكتشافها لمرضها، ذلك اليوم عندما دخلت غرفته في مساء عيد ميلاده تحمل كعكة بين يديها وخلفها والده الذي كان يحمل آدم الرضيع، وفبريانو الذي كان يحمل الهدايا بين يديه مبتسمًا .
وضعت والدته الكعكة على طاولة الدراسة الخاصة بمارتن وهي تقول ببسمة حنونة :
" صغيري الحبيب كل عام وأنت بخير حبيبي "
ابتسم مارتن بسعادة يهبط من على مكتبه بصعوبة؛ بسبب حجمه الصغير يقفز بسعادة لأحضان والدته وهو يتعلق برقبتها يقول بسعادة كبيرة :
" أنتم تتذكرون، لقد ظننت أن لا أحد تذكر الأمر "
سمع مارتن صوت فبريانو وهو يقول ببسمة واسعة سعيدة وقد كان في السادسة من عمره تقريبًا :
" أنا لم أنس الامر، لكن أمي أرادت أن يكون الأمر مفاجئة لك"
اقترب فبريانو يعطي مارتن هديته وهو يقول بسعادة :
" عيد ميلاد سعيد اخي، أحضرت لك هدية ستعجبك كثيرًا، وبمصروفي الخاص "
ابتسم مارتن بحب وهو يحتضن فبريانو ويقبل خده المكتنز بعض الشيء مرددًا بسعادة :
" شكرًا لك اخي"
انحنى والدهما وهو يقبل شعر مارتن بحنان وعلى يديه يقبع آدم الذي كان ينظر للجميع بسعادة وكأنه يستشعر الأجواء حوله :
" حبيب أبيه الحنون، كل عام وأنت بخير مارتن، وهديتك ستكون حاسوبًا خاص بك كما وعدتك "
فتح مارتن عينه باتساع وهو يقول بصدمة :
" واو، هل سمعت هذا فبريانو ؟! ابي احضر لي حاسوب خاص بي "
ابتسم فبريانو وهو يقول بفخر :
" نعم وأنا احضرتك لك تلك اللعبة الإلكترونية التي كنت تريدها "
اتسع فم مارتن أكثر حتى كاد فكه يلامس الأرض، والجميع يضحك عليه، وصوت آدم الطفولي يخرج وهو لا يستطيع حتى تكوين جملة مفهومة، ضحكت هيدا بصوت ضعيف بعض الشيء :
" انظر حتى آدم يتمنى لك عيد ميلاد سعيد، صحيح آدم؟!"
حرك آدم يديه في الهواء وهو يتحدث بكلمات غير مفهومة ليضحك الجميع عليه، وآدم ينظر لهم بتعجب لضحكهم، لكنه ثواني وبدأ يضحك معهم دون فهم .
توقفت هيدا عن الضحك وهي تقترب من مارتن وفبريانو تقول بهدوء وحنان :
" احبائي الصغار أنا سأغيب لفترة قصيرة في عمل، وبابا سيكون معكم؛ لذا أحسنوا التصرف حسنًا ؟؟"
لوى مارتن شفتيه وهو يقول بحنق :
" لكن امي من سيصنح لي طعامي، ابي لا يستطيع الطهو جيدًا "
بدأت دموع هيدا تتجمع في عينيها وهي تنظر لهم بعجز، لا تجد اجابه، تتمنى لو تخبره أنها لن ترحل لأي مكان، لكن لا شيء تفعله في الأمر.
حاول والده أن يخفف تلك الأجواء بمزاحه :
" هكذا إذن يا مارتن، حسنًا أنا سأحضر بيتزا لي ولفبريانو وآدم وأنت لا شيء لك "
فتح مارتن عينه بفزع وهو يندفع صوب اقدام والده يضمها بحب :
" لا لا يا أبي، أنا أحبك وأحب طعامك كثيرًا"
ضحك والده وهو يداعب خصلات شعره، ثم نظر لزوجته التي كانت ترمق الجميع وهي تكبت دموعها بصعوبة كبيرة، تشعر بقلبها يتفتح