رواية احفاد اليخاندرو الجزء الثاني (الوجه الاخر للمافيا) الفصل الثانى 2 بقلم رحمة نبيل

 رواية احفاد اليخاندرو الجزء الثاني (الوجه الاخر للمافيا) الفصل الثانى بقلم رحمة نبيل


اليوم رأيت العديد من طلاب الثانوية وقد بدأ البعض منهم يفقد الأمل؛ لذا يا عزيزي يمكنك البكاء الحزن، لكن إياك أن تبتأس يومًا مما تتعرض له، فما تلاقيه من مصائب ما هي إلا اسباب تدفع بك دفعًا نحو قدرك الذي كتبه الله لك، مجرد اسباب تختفي ورائها حكمة لا يعلمها إلا هو؛ لذا أنت غير مطالب سوى بالسعي والاجتهاد، أعقلها وتوكل .

وفق الله جميع الطلاب سواء ثانوية عامة أو أزهرية أو شهادات الدبلومات . 

________________________

°•

(وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ)

رغَم أنَّه مَوطن عظمةٍ في يَوم الحشر
إلا أنَّه - سُبحانه - قال: ﴿للرَّحمَن﴾

جَاء بالرَّحمة فِي مَقام تنخَلع فِيه القُلوب ! 

💔✨

صلوا على نبي الرحمة .

_____________________

خرجت من المرحاض وهي تتوقف أمام المرآة تنظر لهيئتها المبعثرة بتذمر شديد، ثم أخذت ترتب خصلاتها التي تدمرت أثناء عاصفة بكاءها، اخرجت من حقيبتها بعض ادوات التزيين حتى تخفي آثار معركة دموعها مع أدوات التجميل، والتي تحدت فيها ماركة الادوات الدموع بكل كبرياء، قبل أن تنهزم أمام قوة الدموع، التي ضربت بكل كبرياءها عرض الحائط مثبتة بذلك قوتها أمام أي ماركة للكحل أو أدوات التزيين، مسحت لورا وجهها بالكامل باستخدام بعض المحارم المبللة، حتى أصبح وجهها خاليًا من أي الوان غير طبيعية .

رمقت نفسها في المرآة بجمود، ذلك السواد الذي يحيط بعينها كباندا، تلك الحبوب التي تملئ ذقنها بشكل يثير التقزز لديها، كل تلك العلامات التي تظهر جيدًا انهيارتها المتتالية .

شعرت بدموعها تملء عينها مجددًا، وهي ترمق تلك الصورة الباهتة من لورا الصغيرة، لورا التي بهتت الوانها منذ سنوات، التي أُمتص رحيقها، ثواني قليلة مرت وهي تنظر لنفسها في المرآة قبل أن تنهار في البكاء مجددًا تشعر بتراخي قدمها لتسقط ارضًا تشهق بعنف واضعة يدها على قلبها بوجع شديد، تشعر بأنها اكتفت من تلك الحياة، اكتفت من ذلك الوجع، اكتئابها يأكلها من الداخل، لا أحد يفهمها، لا أحد يستمع لها، الجميع يرونها تبالغ في الدلال، لو كان ما تعيشه دلالًا، كيف هو الشقاء إذًا؟!

دقائق مرت على وضعها هكذا قبل أن تنهض بكل بساطة تنافي ما مرت به للتو، وقفت أمام المغسلة تعدل من هيئتها وزينتها بكل حرفية ثم رسمت بسمة صغيرة على فمها قبل أن تخرج من المرحاض، بروح اخرى غير تلك المنهكة .

تحركت صوب مكتبها تفتحه بصخب وهي تصيح بشكل أفزع رفيقيها في الغرفة :

" لقد اتت لورا الجميلة يا رفاق، افسحوا الطريق لها "

زفرت الفتاة التي تقبع خلف مكتب زهري اللون وهي تقول بحنق تحرك الورق الذي أمامها بملل :

" لورا كفي عن جنونك هذا، لقد كدتِ تقتليني يا فتاة "

تجاهلتها لورا باستخفاف وهي تنظر لذلك الذي يخفي وجهه خلف حاسوبه، وكأنه قتل شخص للتو ويتهرب من شبحه، لكن لورا لم تصمت وهي تقترب ببطء منه، حتى وصلت خلف الحاسوب تمسك ذلك الشخص من ثيابه قائلة بحدة:

" هكذا نفعل مع الأصدقاء يا موسى ؟! تركت ذلك الدبّ يتغذى علىّ؟!"

" مهلًا لورا لا تنظري للأمر بهذا الشكل، لِمَ لا تقولين أنني جبان لاقف أمامه في غمرة غضبه !!" 

" ما تقوله اسوء من تخميني موسى، أنت احمق "

أنهت حديثها وهي تتحرك صوب مكتبها تتمتم بغيظ، وقبل أن تصل لمكتبها وجدت الباب يفتح بعنف وتطل عليهم بهيئتها المهندمة وبسمتها المستفزة وهي ترفع المجلة التي تقبع في يدها ملوحة بها أمام عين لورا :

" عجبًا يا فتاة، كل عدد للمجلة تفاجئيني بحمقك أكثر من المرة التي تسبقها "

لم تهتم لها لورا وهي تتحرك صوب مكتبها مرددة بحنق :

" هذا ما لدي سيدة ماليكا، ليس الجميع مثلك لا يكلف نفسه عناء البحث عن اخبار، بل يجلس بكل أريحية على مكتبه يتحدث عن تلك الأشياء التافهة التي تخص النساء "

ضحكت ماليكا بسخرية لاذعة وهي تردد :

" تقولين اشياء تافهة؟! حقًا لورا؟! ألم تري آخر الأخبار التي نشرتها بشأن اسبوع الموضة في باريس؟! لقد رفع مبيعات المجلة للضعف، كما أن من أمامك الآن على وشك دخول التاريخ بعدما حصلت على مقابلة مع مافو المصمم الاشهر في روما، وها أنا على وشك كشف هويته الحقيقية وقتها لن أبالغ إن كتب لي رئيس التحرير بعض أسهم المجلة "

أنهت ماليكا حديثها بضحكة مجلجلة وهي ترمي بقبلة صغيرة مع غمزة لـ لورا قبل أن تتحرك خارج مكتبها تتراقص كمن حصل للتو على الجائزة الكبرى بينما لورا خلفها كانت تحمل قلمها وهي تضغط عليه بعنف وغيظ مرددة بغضب ترمق الباب الذي خرجت منه ماليكا بقهر :

" مافو؟ شو هالأسم البشع ، أي تجيكِ هالكة أنتِ وهداك المافو "

هكذا أنهت حديثها بلكنتها الدمشقية ( الشامية) المميزة التي ورثتها عن والدها، وقد استطاعت ماليكا اخراج شيطان لورا التي التمعت عينها فجأة وهي تردد ببطء ساخر :

" أي خلينا نشوف قصته لهاد المافو ، الي عاملي فيها رجال لا وشو غامض يوه الواه الواه " 

_______________________________

" ماذا؟! هل وافقت للتو ؟!"

هز ادم رأسه بكل هدوء وهو ينظر لصدمة هايز، فهو رأى أن يتحدث معها على انفراد؛ لذا فور رحيل فبريانو انتزعها من وسط الجميع وهو يطلب منها اللحاق به، ثم اخذها لمكتب جده وفور جلوسها اخبرها بموافقته .

" لكن لي شروط قبل ذلك "

" اي شيء تريده سأفعله بلا تردد "

ابتسم ادم بسخرية على لهفتها وهو ينهض من مقعده يتحرك ليقف أمامها ثم انحنى بعض الشيء صوبها، مما جعلها تعود للخلف بسرعة وبفزع، انطلقت على أثره ضحكات ادم وهو يردد لها :

" ضعي بيني وبينك حدود، ولا تتخطيها، أفعالك تلك التي سبق وقمتي بها لا اريدها أن تتكرر "

رفعت هايز حاجبيها وهي تقول بعدم فهم :

" اي أفعال ادم؟! حدد جيدًا" 

توتر ادم من نظرتها لثواني قبل أن يمسك يد المقعد الذي تقبع فوقه مرددًا من تحت أسنانه :

" ذلك اليوم عندما اتصلتي بي واخذتي تتدللين علىّ كما لو أننا حبيبين هايز "

ابتسمت هايز بسمة جانبية قبل أن توأدها فورًا تلاحظ نظراته لها التي كانت تراقب أي ردة فعل منها :

" ومتى فعلت هذا ؟!" 

نظر لها ادم ثواني دون رد قبل أن ترفع يدها وهي تربت على وجنته ببسمة صغيرة :

" لم اعهدك قاسيًا هكذا آدم، كنت دائمًا لطيفًا وهادئًا "

ابعد ادم يدها بعنف وهو يرمقها بشر كبير ثم فتح فمه للصراخ في وجهها، لولا ذلك الباب الذي فُتح بقوة ودخل منه الصغير يركض له وهو يعانق قدمه مرددًا تلك الكلمة مجددًا، " أبي "، ياللسخرية أصبح أبًا في عمر الخامسة والعشرين، بهذا المعدل سيصبح جد في عمر الاربعين .

نظر آدم ثواني للطفل قبل أن ينحني إليه يقبل شعره بلطف شديد مربتًا عليه وهو يقول بحنان :

" صغيري أنا لست أباك؛ لذا ناديني ادم فقط "

تمسك به الطفل أكثر وهو ينظر بفزع لهايز، ثم عاد بعينه لادم يردد بهلع :

" أنت لن تساعدني ؟! لقد أخبرتني امي انك ستساعدني "

أنها حديثه وهو يبكي دون وعي، لتشعر هايز بالشفقة عليه وهي تنحني ارضًا تمد يدها منتزعة ايان بصعوبة وهي تردد بلطف :

" ايان صغيري كف عن ازعاج العم ادم، هو وافق أن يساعدك صغيري، لكن رجاءً لا تناديه بأبي مجددًا حسنًا ؟!" 

" لماذا؟! ألا يريد أن يصبح ابي ؟!"

كان يتضح في صوته الاعتراض والعناد الشديد، عناد طبيعي في مرحلته العمرية التي في بداية المراهقة، حيث الزمن المناسب لإعلان التمرد والعصيان .

نظر آدم ثواني لهايز قبل أن ينحني قليلًا ليصل إلى قامة ايان القصيرة و هو يردد بجدية وكأنه يحادث صديق له :

" حسنًا لنتحدث كرجال ايان، أنا لستُ اباك يا عزيزي، لكن ذلك لا يمنعنا من تكوين صداقات سويًا، سنكون صديقين مقربين اتفقنا ؟! "

نظر ايان ليد آدم الممدودة ثواني قبل أن يرفع يده بتردد وهو يصافحه يردف ببسمة صغيرة، ويبدو أن تلك الصفقة نالت إعجابه :

" حسنًا إذًا اصدقاء، أنا ليس لدي اصدقاء على كل حال "

أنهى كلماته وهو يلقي نفسه بين احضان ادم وكأنه سعيد أنه واخيرًا امتلك شخصًا في حياته غير هايز، شاب يمكنه اتخاذه صديق في أي وقت .

ضمه ادم بلطف وهو يرفع عينه لهايز التي ابتسمت له بامتنان تهمس له بالشكر، لكنه لم يجيبها وهو يلوي شفتيه بحنق شديد يبعد نظره عنها بشكل ذكرها بـ ايان أثناء غضبه منها، يبدو أنها ستعاني الفترة المقبلة من تذمرات ايان، وحنق ادم، والآن بدل الواحد، أضحى لديها طفلين، لكن حتى ايان بكل تذمره وأفعاله التي تخرجها عن هدوئها، لا يساوي بحره نقطة من محيط آدم.

____________________________

تنام بعمق على مقعدها بعدما تركت جاكيري في مقعد الطيار وعادت لتجلس في مقعدها الذي اتخذته منذ بداية الرحلة، تاركة لفبريانو المقعد المجاور لجاكيري، بينما كان كلًا من توفيق وسيلين يتناقشان بكل جدية في الخلف في أمور غير معروفة وغير مرتبة، لكن يبدو أنهم وجدوا أخيرًا نقطة تلاقي .

زفر فبريانو بحنق وهو يبعد أنظاره عن الاثنين مرددًا بعدم فهم وضيق :

" أنا لا أعلم سبب احضارك لهذين العجوزين معنا جاكيري "

" حسنًا توفيق مصري في الأساس وكان يود العودة لمصر، ورفقة طلبت مني ذلك برجاء ولم أرد أن أتأخر عليها في تنفيذ شيء تريده، خاصة أن ذلك اول شيء تطلبه مني "

أخرج فبريانو صوتًا ساخرًا من حنجرته، يمنع سبة نابية من الخروج وهو يراقب ما يفعله العجوزان :

" وسيلين ؟!" 

ابتسم جاكيري بسمة صغيرة خجلة مصطنعة بشكل واضح، وهو ينظر لرفقة نظرة سريعة، قبل أن يعود بنظره للسماء أمامه وهو يردد بهيام شديد :

" حسنًا أنت تعلم أن تلك أول مرة اذهب لمصر بعد معرفتي برفقة، وتلك دولة حبيبتي؛ لذلك لم أود أن اذهب اليها دون إحضار هدية "

ورفعة حاجب صغيرة من فبريانو أخبرت جاكيري عن استنكاره لحديثه، لكن فبريانو لم يكتفي بعلامة الاستنكار تلك وهو يضيف بتعجب :

" وما علاقة ذلك بسيلين؟! لا تخبرني أن سيلين هي تلك الهدية ؟!" 

هز جاكيري رأسه ببسمة واسعة فخورة وهو يضيف بكل فخر لمعرفة تلك المعلومات الصغيرة التي ستفيده جيدًا في إظهار صورته أمام رفقة كشخص مثقف :

" لقد قرأت أن مصر افتتحت منذ سنوات قليلة متحف كبير جمعت به اكبر القطع الأثرية في تاريخها؛ لذلك قررت أن أخذ سيلين معي واسلمها للسلطات المصرية حتى تُحنط وتوضع في المتحف مع اقرابها المومياوات " 

صمت ثواني ثم قال بكل ذكاء :

" برأيك لِمَ قررت أن نذهب بطائرة خاصة بدلًا من طائرة عادية ؟! كل ذلك حتى لا يتم القبض علىّ في المطار بتهمة تهريب قطع أثرية عتيقة خارج البلاد "

انطلقت ضحكات فبريانو عالية في الطائرة كلها وهو يهز رأسه برأس على جاكيري الذي لن يتوقف عن أفعاله يهمس من بين أنفاسه :

" لن تتغير جاكيري "

_______________________

خرج انطونيو من المرحاض بعدما استحم علّه يمحو تلك اللمسات عنه، توجه صوب الفراش وهو يحمل ثيابه يرتديها بعدما نسي اخذها لداخل المرحاض معه، مستغلًا غياب روما الغريب عن المكان برمته، لكن ما كاد يرتدي ثيابه العلوية، حتى سمع صوت موسيقى عالية في المكان تبعها فتح الباب بعنف وهو ما زال يرفع يده عاليًا يمسك بالقميص الذي لم يدخل سوى رأسه به، يراقب روما التي كانت ترتدي فستان متعدد الالوان تمسك طرفه بيدها وهي تدخل للغرفة تحرك جسدها في حركات شعبية، لا يعلم لأي دولة تنتمي، لكن كل ما كان يعلمه أنها كانت غريبة وبشدة .

تحركت روما للداخل وهي ترقص وتتمايل على تلك الأغاني التابعة للبلدة التي هي بها، تحاول تقليد الرقصة التقليدية لهم والتي شاهدتها لساعات طويلة طوال الطريق لهنا، حتى تفاجئ انطونيو بها .

كان انطونيو مازال على وضعه وقد نسي يده معلقة في الهواء ورأسه موضوع في القميص يراقب اقتراب روما منه، وهي تتمايل بخصرها في شكل غريب، تتحرك في الغرفة بحركات مريبة جعلت انطونيو يلتصق في الخزانة خلفه بهلع وهو يراها تقترب من مكانه، وكأنها تحمل مرضًا معديًا يخشاه .

لم تهتم روما وهي تستمر في الرقص بكل ما تمتلك من قوة، تظن أنها مثيرة في أعين زوجها، وقد كانت بالفعل، لكن مع اختلاف صغير، أنها كانت مثيرة للضحك .

واخيرًا وصلت روما للحركة الأخيرة من رقصتها، تدور حول نفسها دورات كاملة بقوة وسرعة مخيفة جعلت انطونيو يرتدي القميص بسرعة وهو يصرخ برعب يراها تقترب من الشرفة :

" روما توقفي عمــ...."

ولم يكمل كلمته وهو يرى روما تسقط من النافذة التي يقبع أسفلها بحيرة اصطناعية صغيرة تابعة للمنزل، ولحسن حظها أن الغرفة لم تكن تبعد عن الأرض بالكثير؛ لذا لم تؤثر بها السقطة سوى بالقليل من الردود، كما أن سطح الماء خفف من حدة سقوطها، لكن صوت صرخاتها جعل أعين انطونيو تخرج من محاجرها وهو يركض كالمجنون يستعمل درج الشرفة يقفز عليه حتى يصل لها وصوت صراخه باسمها هز جدران المنزل، وبمجرد وصوله للاسفل حتى القى نفسه سريعًا في المياة وهو يصرخ باسمها، لكن لم يظهر له شيء مما جعله يجن صارخًا بعنف تجاوز جدران منزله، يغطس بسرعة للاسفل يبحث عنها، لكن لا أثر لها في البحيرة الصغيرة، مما جعله يخرج رأسه من أسفل المياة يرمق المكان حوله يبتلع ريقه وقد بدأت ضربات قلبه تتباطئ بشكل مخيف معلنًا قرب إصابته بذبحة صدرية من رعبه عليها، لولا صوتها الذي صدر من إحدى حواف البحيرة وهي تقول بشفاة ملتوية كطفلة صغيرة تشتكي لوالدها ما حدث :

" انظر انطونيو لقد، التوت قدمي "

نظر لها انطونيو ثواني يحاول إقناع قلبه بالنبض مجددًا بشكل طبيعي، حتى يتحرك لها، لكن لم يستطع وهو يراها تزرف بعض الدموع مرددة بحنق :

" اشعر بالم كبير في قدمي "

تحرك انطونيو واخيرًا بخفة في البحيرة صوب الحافة التي تجلس أعلاها وهو يردد بتعب :

" وانا اشعر أن قلبي سيتوقف عن النبض روما، ما الذي فعلتيه بحق الله كدت اموت للتو"

أنهى حديثه وهو يتوقف عند الحافة وجسده مازال يسبح في البحيرة يتحسس قدمها بحنان شديد وهو يقول :

" اياكِ أن تفعلي ذلك مرة أخرى، أنا كنت على وشك الإصابة بذبحة صدرية روما، اقسم كادت انفاسي تزهق وانا ابحث عنك كالمجنون "

تركت روما قدمها وهي تضم وجه انطونيو بحنان شديد تربت عليه باصبعها مرددة بلطف :

" حبيبي أنا اسفة، حقًا لم اقصد، اردت فقط أن أفعل شيء يزيد من حماسة الأجواء فقط وفقًا لنصيحة جولي"

ابتعد انطونيو عنها بسرعة وهو يردد بصدمة :

" تلك العجوز هي من أخبرتك أن تفعلي هذا؟! الويل لها، تلك المرة سأقتلها هي و مارتن، لقد كتبت نهايتها "

" لا لا لا، هي فقط أخبرتني أن ارقص لك وأحاول أن تجعلك تندمج في أجواء المكان الذي سنقضي به العطلة، وانا من اخذت ابحث عن الرقصات التقليدية طوال الطريق، وهذا ما وجدته "

نظر لها انطونيو وهو يردد ببرود بسخرية بعدما خرج أخيرًا من غمامة خوفه عليها :

" تلك لم تكن رقصات روما، بل كانت تشبه جثة تنازع أثناء خروج روحها، حركات يدك وهي ترفرف في الهواء اشعرتني كما لو أنكِ تغرقين وتطالبين بطوق نجاة "

أنهى حديثه وهو يضحك بصخب متذكرًا ما حدث منذ قليل بعدما استوعب الأمر اخيرًا، يضحك من أعماق قلبه كما لم يفعل منذ سنوات طويلة، لكن روما لم تهتم لشيء لا لسخريته منها أو من شيء آخر سوى ضحكاته تلك التي أسرت قلبها لتمد يدها وهي تبعد خصلات شعره عن جبينه مرددة بحنان شديد :

" لو كان سقوطي سيضحكك هكذا، أنا على أتم الاستعداد للسقوط كل ثانية طوني "

اقترب انطونيو منها يرفع نفسه قليلًا يقبل جبينها بحنان مرددًا بنبرة عاشقة وبشدة :

" بل طوني على استعداد للموت لأجل بسمة منكِ جميلة الجميلات، لا تكرري ذلك مجددًا كدت أموت خوفًا وانا ابحث عنكِ "

ابتسمت روما وهي تنهض تمد يدها له ليخرج من البحيرة، ليستجيب هو لها فورًا يرفع جسده بخفة ومرونة شديدة يحسد عليها، يردد بتذمر مضحك :

" تبًا، لقد بدلت ثيابي منذ ثواني فقط روما، والآن ساضطر لتبدليها مجددًا "

_________________________

توقف مارتن في منتصف الغرفة وهو يمسح العرق الذي يتصبب منه بعدما انتهى للتو من تمارينه اليومية، يتحرك بخفة صوب الثلاجة الصغيرة التي تستقر في أحد أركان الغرفة، يرتشف بعض المياة المثلجة بها براحة شديد، فالقصر منذ رحيل الجميع عنه وهو هادئ، ورغم وجود جولي به، إلا أنه يضمن عدم قيامها بشيء غبي طالما أنها وحدها، هذا بغض النظر عن روز التي يثق أنها لن تجاريها في الجنون؛ لذا يتركها تتحرك في القصر كالقرص الدوار الذي يبحث عن حافة توقف دورانه .

ابتسم وهو يعود للخلف يحمل حاسوبه ليكمل بحثه عن كل ما يخص قضية تلك الفتاة رفقة، لولا تلك الرسالة التي انبثقت في وجهه بمجرد فتحه لحاسوبه، ضم حاجبيه بتعجب وهو يرى اقتراح صداقة ظهر له على موقع الـ Facebook من شخص يوجد بينهما أكثر من عشرة اصدقاء مشتركين، لم يكن ليهتم بالأمر كثيرًا لولا تلك الصورة التي تزين ذلك الملف الشخصي والتي يعلم صاحبها جيدًا، تحركت أنامله بخفة شديدة يفتح تلك الصورة ليصدم بمن توقعها .

جولي تحمل أسلحة من غرفته وتقف في وضعية تشبه وضعية ظنتها وضعية أفراد عصابة خطيرين، لكنها كانت تشبه الشباب الذين يتجرعون المخدرات على الأرصفة ويحملون أسلحة بشكل يثير الضحك لاخافة المارة معتبرين أنفسهم قطاع طرق، وهم مجرد مراهقين تحت اسم " جولي المدمرة".

دخل مارتن للحساب الشخصي سريعًا ليجدها تكتب في السيرة الذاتية لها، تعمل في المافيا، والوظيفة عضوة خطيرة في المافيا العالمية، وعند خانة العلاقات كتبت " زوجة زعيم خطير في المافيا "ووضعت اول حرف من اسمه 

ضحك مارتن بعدم تصديق وهو يبحث في الملف ليجدها تضع صور أسلحته الشخصية، وتتحدث بشكل تظنه غامضًا، لكنه في الحقيقة سخيفًا، لكن ما صدمه هو أنها حتى لم تفكر في ارسال طلب صداقة له .

قلبّ مارتن في الملف الشخصي بعدم تصديق قبل أن يصرخ بحنق شديد :

" ارسلت لانطونيو ولم ترسل لي ؟! تلك الـ..."

صمت بغيظ وهو يجد جميع أفراد عائلته عندها :

" حتى جدي، الجميع هنا عدا أنا، الجميع عندها يشاهدون هذا العرض الكوميدي ولم يحذرها أحدهم "

هذا يكفي جولي، يكفي حقًا، هكذا همس مارتن وهو ينهض من مكانه بغضب شديد يلقي حاسوبه دون اهتمام وهو يتحرك في ممر القصر بغيظ وغضب، لا يعلم هل لتجاهلها له، أم لافعالها الغبية تلك؟! 

وأثناء سيره في الممرات بغضب سمع صوتها في الاسفل؛ لذا من فوره استدار جهة السور الذي يحد الدرج، وعينه تخرج شرر قادر على إسقاط القصر أعلى رؤوس قاطنيه، لكن بمجرد توقفه أمام السور حتى أبصر تلك الغبية تحمله قنبلة يدوية لا يعلم من أين حصلت عليها، تمسك فتيلها بكل استهتار وأمامها تقف روز وهي تحمل الهاتف تصورها بكل فخر، لم يتمكن من منع صرخته التي خرجت وهو يرى اصبعها يسحب الفتيل بعض الشيء :

" جولــــــــــي "

انتفضت جولي بفزع في وقفتها وهي تنظر حولها برعب تحاول اخفاء القنبلة عن أعين صاحب الصرخات التي تعلم جيدًا حالته في ذلك الوقت، ابتلعت ريقها وهي تراه يقفز على الدرج بجنون صارخًا :

" ما الذي تفعلينه بحق الله، ستفجرين القصر أيتها الغبية "

أخفت جولي القنبلة وهي تصطنع الصدمة من حديثه :

" مهلًا مهلًا على رسلك، أنا لم أفعل شيء، كنت فقط التقط بعض الصور لي "

امسك مارتن يدها التي تحمل القنبلة وهو يرفعها قائلًا ببسمة جانبية في تزامن ساخر مع ارتفاع أحد حاجبيه :

" حقًا تلتقطين صورًا مع قنبلة ؟! اشعر أنني وقعت في حب إرهابية، أنتِ يا فتاة خطيرة، ثم أخبريني ما ذلك الهراء الذي وجدته على الـ Facebook ؟! "

صمت ثم أضاف بتهكم حاد :

" زوجة زعيم مافيا ها؟! حقًا جولي ؟! لِمَ لا تبلغين الشرطة عني، هذا ما ينقصنا "

" هيييه مهلًا يا رجل أنا لم اكتب اسمك بل كتبت اول حرف منه فقط، ثم كيف وجدت صفحتي ها ؟!" 

" وهذا ينقلنا للسؤال التالي، لِمَ لست على علم بامر تلك الصفحة التي هي أشبه بمقر أسلحة ؟!" 

تراجعت جولي للخلف وهي تضم يديها بكل تكبر، تنظر له من أعلى لاسفل وقد صدقت لعبتها بأنها خطرة، كطفل ارتدى بذلته الشرطي في طفولته ثم أخذ يهدد الجميل بمسدس مياه :

" حسنًا عندما تحدثني حدثني بشكل مناسب فأنا زوجة زعيم مافيا، وثانيًا أنا لم اخبرك لأنك لم تكن لتقبل بها "

" لذلك ارسلتِ للجميع عداي ؟! حتى أنطونيو الذي لا تطيقين رؤيته ؟!"

" مهلًا أنا ارسلت له ليس حبًا به، بل فقط حتى يدرك لاحقًا مع من يتحدث ، ويرى بعينيه مقدار الخطورة التي أنا بها، ولم ارسل لك، حتى لا يربط أحد بين حروف اسمك الاولى والحروف التي كتبتها جوار وظيفتك كزعيم مافيا لــ"

لم تكمل حديثها بسبب جذب مارتن لها من الخلف كلص تم الإمساك به يسرق بعض التفاح من إحدى المحلات:

" وتظنين أن كل تلك الصور الغبية ستخيف انطونيو؟! يا فتاة الجميع هنا يخشاه دون حتى أن يتكلم، كما أن حسابك يحتوي أيضًا على ماركوس و مايك ومارسيلو وجميعهم يمتلكون نفس البداية في أسمائهم ايتها الذكية، لذا كان من الأحرى عدم ارسال طلب لهم أيضًا، إن كان الجميع سيفكر بنفس عقلك كان العالم ليفنى منذ عقود، ثم أخبريني من أين حصلتي على تلك القنبلة ؟!" 

كانت جولي تفتح فمها بانبهار وهي لا تصدق كيف فاتتها تلك الامور، رباه هو ذكي حقًا، أم أنها هي الغبية ؟! فاقت جولي على سؤال مارتن المعلق لتجيبه دون تردد :

" من مخزن الأسلحة هنا "

" يا فرحتي بكِ، وكيف وجدتيه؟!" 

أشارت جولي بحنق محاولة ابعاد يد مارتن عنها :

" مايك أخبرني "

استدار مارتن بعنف لمايك الذي بصق المياه من فمه بينما كان يشاهد ما يحدث بكل هدوء، لكن برؤيته نظرة مارتن انتفض من جلسته وهو يردد ببسمة غبية :

" اه لقد نسيت، لدي بعد قليل موعد مهم للغاية و....سوف ارحل الآن"

أنهى كلماته ثم ركض للخارج تاركًا مارتن يجذب جولي خلفه وهو يردد بحنق شديد يرمق روز التي نظرت للاسفل بسرعة :

" وانا من ظننتك عاقلة روز، خيبتي ظني يا فتاة "

نظر بعدها لجولي التي تتحرك خلفه بتذمر :

" وأنتِ يا آنسة" جولي المدمرة " لكِ حساب معي، سأعيد تربيتك من جديد يا امرأة، وسأريك كيف تقومين بتلك الاشياء البلهاء أمام مرأى ومسمع الجميع "

" أنت شخص محطم للامال مارتن، تغار من عدد متابعي صفحتي الشخصية الذين تخطوا ١٦٥ "

صرخ بها مارتن مؤنبًا كأب يوبخ ابنته وهو مازال يسحبها خلفه من ثيابها بكل غضب :

" صفحتك تلك سأغلقها لكِ واحرق قلبكِ على الـ ١٦٥ متابع، وكلمة أخرى سأمنعك من انشاء أي حساب على اي صفحة تواصل لبقية عمرك يا آنسة"

_____________________________

خطوات رشيقة يهبط بها من الطائرة وهو يخفي عينه سريعًا أسفل نظارة سوداء وكأنه يخشى عليها من حرارة الشمس، رغم البرودة النسبية التي تتميز بها مصر في ذلك الوقت من العام، تحرك دون الاهتمام لأحد، يخرج من مهبط الطائرات وهو يرتدي سترة سوداء جلدية أعلى ثيابه التي تتميز بنفس اللون، تاركًا خلفه جاكيري ومعه الباقيين .

خرج من مهبط الطائرات وهو ينظر في ساعة يده، ثم مرر عينه في المكان قبل أن يمد يده ليوقف سيارة أجرة التي هبط منها السائق سريعًا يشكر حظه الذي جعله يصادف سائح اليوم يقول مرحبًا ببسمة بشوشة :

" Welcome,welcome ”

تحرك فبريانو بهدوء وبطء صوب المقعد الذي يجاور السائق وصعد إليه، وهو ينظر للسائق الذي ركض وصعد في المقعد ، مازال يردد له عبارات الترحيب وبسمته تملء وجهه بكل بشاشة، بينما فبريانو أشار له برأسه أن يتحرك ثم أخرج هاتفه وعبث فيه دقائق قبل أن يرفعه في وجه السائق قائلًا بهدوء :

" عايزك تاخدني للمكان ده"

استدار السائق بفزع يحدق في وجه فبريانو وهو يردد بعدم فهم :

" نعم ؟!"

" ايه مسمعتش كلامي ؟! بقولك عايز اروح المكان ده هتعرف ولا لا ؟!"

ابتسم الرجل بعدم تصديق :

" أنت مصري ؟!" 

" لا ايطالي "

أطلق الرجل ضحكات مجلجلة ظنًا أن فبريانو يرد عليه بمزاح كما يفعل المصريون عادة في تلك المناسبات ثم أخذ يتحدث ببشاشة وكأنهم رفقة منذ سنوات طويلة :

" لا بس أنت يا جدع اول ما شوفتك قولت بس ده خواجة، وطلعت في الاخر مصري، ألا صحيح الآخ منين "

في حالة أخرى كان فبريانو سيتجاهل سؤاله بكل بساطة أو يرمقه نظرة باردة تصمته عمره الباقي، لكنه لم يهتم وهو يجيب بكل بساطة يحرك هاتفه صوب أذنه ببرود :

" مقاطعة لاتسيو ( مقاطعة في ايطاليا تقع بها مدينة روما) "

" احسن ناس اللاتسيوية، أنا ابن عمي متجوز من عندكم على فكرة يعني احنا نسايب يعتبر "

رمقه فبريانو بنظرة باردة يتجاهل حديثه الاحمق وهو يتحدث في الهاتف فوره سماعه الصوت من الطرف الآخر يتحدث بلهجته الإيطالية :

" اين أنت مالك ؟!" 

" أخبرتك سابقًا في المزرعة؛ لذا توقف عن الاتصال بي كل خمس دقائق للسؤال "

ابتسم فبريانو بسمة جانبية يتجاهل نظرات الانبهار على وجه الرجل الاخر :

" لِمَ لا تفكر في الأمر أنني اشتاق لسماع صوتك ؟؟"

" ارجو لا تدفعني للتقيأ "

أطلق فبريانو ضحكة عالية وهو يقول :

" نعم الأمر مقزز حقًا، لا بأس أنا قادم عزيزي ووقتها لدينا حساب لتصفيته "

أنهى حديثه يغلق الهاتف دون انتظار رد من الطرف الآخر ليتفاجئ بصوت السائق وهو يقول بانبهار كبير :

" الاه؟! أنت بتتكلم كده ازاي ؟!" 

نظر له فبريانو نظرة جامدة ولم يجب، ثم سمع الرجل وهو يقول بتأثر يمصمص شفتيه في حركة غريبة على فبريانو :

" والله زمان يا مصر، من زمان مشوفتش حد مصري بيتكلم لغات زيك، أنت بقى خريج السن ولا دي هواية ؟!" 

لم يجب فبريانو وهو يوجه نظره للامام بشرود ليتابع الرجل حديثه غير مهتم برده من عدمه :

" على كده التركي صعب ولا زي كلام الأستاذة يسرا في سرايا عابدين ؟!" 

لم يجبه فبريانو مجددًا ليكمل الرجل التحدث دون الاهتمام لشيء، يتابع حديثه بشغف كبير وكأنه وجد أخيرًا فرصته للتعبير عما يجيش صدره، بينما فبريانو عاد برأسه لظهر المقعد وهو يغمض عينه بتعب يمني نفسه براحة كبيرة عندما يراها تقف أمامه، واخيرًا بعد أيام من بُعدها سينام مرتاح البال أنها جواره، سيتناول طعامه منها ويستشعر مذاقه كما السابق ...

__________________________

تحرك جاكيري خارج المهبط بعدما أنهى جميع التعاملات الخاصة بالطائرة يحمل حقائبه هو ورفقة، بينما خلفه يسير كلٌ من سيلين وتوفيق، يتحدثان في أمور عديدة لم يهتم لها جاكيري كثيرًا وهو ينظر جواره يبتسم لرفقة التي كانت تنظر حولها بخوف، قبل أن تشعر بكف جاكيري التي أسرت خاضتها وصوته الهامس الحنون يهتف قرب أذنها :

" أنا هنا، فقط اهدئي "

" أين سنذهب جاكيري؟! لا يمكنني العودة لمنزلي" 

نظر جاكيري نظرة سريعة للخلف يتأكد أن الاثنين يتبعونه :

" ومن قال أننا سنفعل؟! سوف نذهب لمنزلي أنا وأنتِ وتوفيق وسيلين وايضًا هناك شخص آخر في انتظارنا هناك "

" أي منزل هذا ؟! ثم من هذا الذي ينتظرنا ؟!" 

ابتسم لها جاكيري وهو يربت على شعرها برفق مرددًا بحنان :

" منزل استأجرته لنا، وعندما نصل ستعلمين من ينتظرنا، والآن هيا اوقفي لنا سيارة حتى نتحرك "

هزت رفقة وهي تتقدم من الطريق تنظر يمينًا ويسارًا بحثًا عن سيارة اجرة تقلهم جميعًا، متجاهلة توفيق الذي ركض في المكان كشاب عاد لمنزله القديم بعدما غادره وهو صغير، ينظر لكل مكان بحنين شديد قبل أن يسمع صوت رفقة تتحدث مع احد، والذي سائق سيارة :

" هو المكان في الزمالك "

ردد السائق بجدية وهو ينظر للجميع ولهيئة جاكيري الذي يقف جوارها يرمقها بترقب :

" تمام بس هاخد ١٠٠ "

فتحت رفقة فمها للحديث، لولا شعورها فجأة بدفعة قوية وصوت العم توفيق يصدح مجلجلًا بحنق وملامحه متشنجة :

" ليه يا حبيبي هتاخدنا رحلة للفضاء ولا ايه ؟! ده الزمالك فركة كعب من هنا، اوعك تكون فاكرنا خواجات يا خويا؟! لا ميغركش القميص والشجر اللي عليه ده، ده أنا من شبرا اساسا "

نظر السائق لتوفيق من أعلى لاسفل وهو يجيب بعدم فهم لهجومه :

" يا عم احسن ناس بتوع شبرا، بس انا قولتلك السعر وياترضى يا خلاص "

ضرب توفيق على السيارة بخفة في إشارة منه لأن يرحل :

" لا يا حبيبي توكل على الله " 

تحرك السائق بسيارته من المكان وهو يتمتم بحنق على حديث ذلك العجوز، بينما جاكيري راقب تحرك السيارة بتعجب، بعد كل ذلك الوقت ترحل هكذا دونهم؟! نظر بسرعة لرفقة وهو يردد بتعجب :

" رفكة ماذا حدث؟! ولِمَ رحلت السيارة؟!" 

ابتسم توفيق بسمة ساخرة :

" اهو طول ما أنت واقف هتخليهم يطمعوا فينا ويفتكرونا سياح، قال ١٠٠ جنيه قال "

لم يفهم جاكيري حديث توفيق ولم يكد يجيبه إلا عندما سمع صوت سيارة تتوقف جوارهم ورجل يتحدث بلغة رفقة كلمات لا يفهمها، وكما حدث في السيارة السابقة تم عقد نقاشات وحوارات بين العم توفيق و السائق حتى أشار لهم توفيق وهو يتحرك صوب المقعد المجاور للسائق :

" تعالوا، هيا اصعدوا للسيارة "

نظر جاكيري لرفقة يطالب بتفسير قبل أن يراها تجذبه بصعوبة بسبب ضحكاتها من أفعال توفيق التي تذكرها بوالدتها وهي تشتري لها ثياب، كانت وقتها تجادل البائع حتى يترك لهم المحل ويرحل، بل وقد يكتبه باسم والدتها ليرتاح. 

صعد جاكيري ورفقة وسيلين في الخلف، بينما توفيق جوار السائق، وتحركت بهم السيارة، لتبدأ سيلين في أخذ العديد من الصور لكل شيء تقابله وهي تفتح فمها بانبهار، بينما جاكيري ينظر للطرق المألوفة بعض الشيء بسبب قدومه هنا سابقًا رفقة عائلته كلها لزيارة ابنة عمته الوحيدة، وعند تلك الذكرى ابتسم بحنان شديد، ثم استدار لرفقة يمسك يدها بحنان يطمئنها، قبل أن يسمع صوت اغاني عالية تصدح في السيارة وتوفيق يصفق كطفل صغير وهو يغني بحماس مع الأغنية، يخرج رأسه من النافذة كما يفعل بعض الشباب الطائشين يلوح بيده بكل سعادة متناسيًا سنه الذي لا يسمح له بتلك الافعال، لكن توفيق اختار أن يتحرك من مقاعد كبار السن الذين يتذمرون من تصرفات الشباب، ليكون أحد هؤلاء الشباب حتى ولو بالقلب .

بينما جاكيري في الخلف كان منبهرًا من الموسيقى وهو يقول لرفقة بحماس شديد :

" هيييه رفكة اسألي السائق ما اسم تلك الأغنية، اعجبتني وأود الرقص عليها "

أطلقت رفقة ضحكة عالية وهي ترى اعجاب جاكيري الكبير بأحد الاغاني الصاخبة التي تسمى بين الشباب بـ " المهرجانات ". 

" وهل تسطيع الرقص على تلك الموسيقى ؟! "

" نعم أنا الآن ارقص عليها في رأسي، أم أن لها رقصات مخصصة؟! "

ولثواني مرت أمام عين رفقة حركات الشباب السريعة بأيديهم وأرجلهم، وقفزاتهم المجنون، على ذلك النوع من الاغاني، لتتخيل جاكيري يحمل خنجر صغير يرقص به كما يفعل الشباب عليها، الأمر جعلها تنفجر في الضحك بينما جاكيري لا يفهم شيء من ضحكاتها، لكنها لم تفسر له خيالاتها، ولم تخبره عن تلك الرقصات التي يود معرفتها، حتى لا يصر على تعلمها، وقتها لن تستطع إخراجه من الافراح الشعبية والموالد .

___________________

كانت تجلس على المكتب وهي تتناول بعض الخضار بنهم شديد بينما يدها تتحرك في شكل تلقائي على معدتها المنتفخة بشكل يدل على قرب ولادتها، تشاهد بكل استمتاع ذلك الفيلم الذي يعرض أمامها، غير مهتمة بالعمل أو تهتم حتى بذلك الذي تقدم من مكانها؛ لذا سريعًا تحدثت وهي تلوح بيدها في الهواء حاملة الخضار بها :

" المكتب في عطلة لسنة كاملة "

رفع الآخر حاجبه يتهكم مما يراه أمامه وشفتيه تنحني بشكل ساخر، يتقدم خطوة أخرى صوب المكتب الذي تستقر عليه، لكن صوتها المتأفف وهي تبعد عينها من على حاسوبها وصل له بشكل واضح :

" يا الله ما بالهم هؤلاء الاغبياء، ألم أقل أننا في عطلة ام أن عقولكم لا تــ...، سيد مارسيلو ؟!" 

ابتسم مارسيلو بسمة ساخرة تزامنًا مع ارتفاع أحد حاجبيه وهو ينظر للمكتب الذي يبدو كما لو أنه أحد محلات الخضار والفواكه، والفوضى التي تعم مكتبه والذي كان قد افتتحه منذ أعوام عديدة يدير عمله من المنزل، ويطلب من سكرتيرته أن تحول له جميع القضايا له وهو ينهيها ثم يوكل محامي متدرب للدفاع، دون أن يظهر هو في الصورة، لكن وبعد أن استقرت الأمور بعض الشيء، شعر بالملل أثناء العطلة التي منحها لهم جده قبل العودة للمهمات، وفكر في النزول ورؤية كيف يسير العمل في المكتب بين متدربينه، ويا ليته لم يفعل .

"سنة كاملة ؟! ومن قرر هذا القرار سيدة مانتيو ؟!" 

نظرت الفتاة حولها بسرعة تحاول ايجاد حل للخروج من ذلك المأزق الذي أسقطت نفسها به، فهي اعتادت أثناء متابعة مسلسلها المفضل أن ترفض أي عمل، وكيف كانت ستتوقع أن تقع في يد المدير بنفسه؟!

" أنه...هو ...أعني أنا...اليوم عطلة سيدي و..."

و صمتت، لم تسطع التحدث وهي تبتلع ريقها بتوتر ترى نظرات مارسيلو اللامبالية تملء عينه تدريجيًا قبل أن يتحرك بخفة صوبها وهو يشير لمعدتها :

" أرى أنكِ على وشك الولادة سيدة مانتيو "

" نعم سيدي بعد أيام قليلة سوف ألد"

" والمكتب ؟؟" 

" لا تقلق سيدي تدبرت امري وسوف تأتي جارتي لتولي الأمر أثناء فترة راحتي، لقد اتفقت معها على كل شيء "

ابتسم مارسيلو وهز رأسه بحسنًا وهو يتحرك صوب المكتب يشير لها أن تتبعه وتخبره بما لديه من قضايا، وتحضر له كوب قهوة، ثم استقر خلف مكتبه براحة ينتظر دخولها، لتطل عليه بعد دقائق تحمل في يدها كوب حليب ضخم تضعه على المكتب، قبل أن تسحب مقعد وتجلس عليه وهي تتنفس بتعب حاملة في يديها دفتر صغير تدون به أي ملاحظة.

رمق مارسيلو كوب الحليب :

" أنا لم أطلب منك حليب، طلبت قهوة "

" اعلم، هذا الكوب لي، وأنت انهض واصنع لنفسك قهوة، ألا ترى حالتي؟! "

رفع مارسيلو حاجبه قبل أن يراها ترفع الدفتر أمام عينيها ثم تقول بعملية شديد ميزتها من بين العديد من المتقدمات لتلك الوظيفة يوم افتتح مكتبه، فهي عند بدأ العمل تنسى تمامًا دور ربة المنزل الذي تعيش به معظم وقتها .

" حسنًا سيد مارسيلو لديك قضية اختلاس أموال اولًا تابعة لـ"

" لا، ارفضيها أنا لا أحب ذلك النوع من القضايا "

نظرت له الفتاة ثواني قبل أن تعود بعينها للدفتر وتكمل 

" حسنًا هناك قضية مرفوعة لاحتضان طفل من...."

" لا لا، أنا لا أحب الأطفال ولا اريد التعامل معهم، غيرها "

" قضية تأمين لشركة اااااا"

" لا، الغيها، أنا لا افضل التعامل مع الشركات، ماذا بعد ؟!"

نظرت له السيدة بحنق وهي تردد بعدم فهم :

" هذا كل ما لدينا اليوم سيدي "

ابتسم مارسيلو وهو ينهض يحمل سترته التي خلعها بمجرد دخوله للمكتب :

" عجبًا انتهينا من عمل اليوم بسرعة "

تمطأ قليلًا بارهاق وكأنه كان منكبًا على مكتبه طوال الليل :

" الآن سأغادر لاريح جسدي قليلًا لأجل القضايا القادمة، جيد أننا انتهينا بسرعة فأنا متعب "

" سيدي نحن لم نبدأ بعد لننتهي". 

لم يهتم لها مارسيلو وهو يغادر المكتب بلا مبالاة تاركًا إياها ترمقه بسخرية قبل أن تحمل كوب الحليب خاضتها وتغادر وهي تقول مرتشفة إياه بتلذذ :

" لامبالي احمق، افسد جلستي لأجل لاشيء "

___________________________

" ماذا قلت للتو؟! هل أصبحت تتخذ قرارت تخصني دون الرجوع إلىّ ؟!" 

انطلقت تلك الكلمات من فمه تتبعها شرارات الغضب من عينيه يتسابقون أيهم سيصيب ذلك الشاب اولًا ويقضي عليه .

ارتعش الشاب في وقفته يبتلع ريقه وهو ينظر جواره لرفيقته علّها تنقذه، لكن كل ما صدر منها هي ابتسامة تشفي وكأنه تخبره من خلالها " تستحق ما يحدث لك "، رماها الشاب بغضب وهو ينظر لمديره بتوسل علّ قلبه يلين :

" سيد مافو، هي فقط ترجتني لعمل لقاء معك، لن نخسر شيء بهذا اللقاء، بل على العكس قد يــ"

توقف عن الحديث وهو يرى انتفاضة مديره من مكتبه يصرخ بغضب في وجوه الجميع، وقد سمع ما يكفيه، سبق وأخبر هؤلاء الحمقى أنه لا يفضل الخروج للاضواء، لماذا إذًا يعمل تحت اسم مستعار، أن كانت صورته ستحتل الصفحات الأولى للمجلات :

" لا مبرر لما فعلت يا سيد سوى أنك تعصي اوامري، منذ عملك هنا اخبرتكم جيدًا أنني لا أود لأحد أن يعلم شيء عني بأي شكل من الأشكال، وأنت تذهب لتتحدث مع إحدى الصحفيات لتقوم بعمل لقاء معي؟! أجننت؟!"

موقف لا يحسد عليه، في هذه الثانية لعن الشاب ماليكا ومعرفته السوداء بها والتي ستتسبب في فقدانه لوظيفته التي حصل عليها بشق الأنفس، فكر بسرعة في طريقة للخروج من تلك الورطة، أخرج محرمة يمسح بها العرق الذي زين جبهته من كثرة التوتر وهو ينظر في جميع الجهات متحدثًا بهدوء ظاهري فقط :

" اعتذر سيدي، سوف اقوم بإلغاء الأمر فورًا "

" بالطبع ستفعل سيد زوك، وإلا وقتها لن ترى مني سوى وجهي الآخر والذي صدقني لن ينال اعجابك، والآن انصرف من أمام وجهي وحل ذلك الأمر "

ابتلع زوك ريقه وهو يتراجع ببطء ينظر لزميلته في المكتب بتوعد، ثم تحرك للخارج يحاول إخفاء الغضب من حركات، فلو ترك لغضبه العنان سوف يسقط المكتب على رؤوس الجميع وليحدث ما يحدث.

ابعد مايك عينه من على خروج زوك وهو ينظر لتلك التي ترمقه بهيام وبسمة مشجعة على قراره كما لو أنها تراقب طفلها يتخذ قراره الاول في الاختيار ما بين الدجاج او اللحوم، هي على كل حال لم تكن تود لمافو مقابلة تلك المدعوة ماليكا المعروفة بعلاقتها المتعددة مع الكثير من العملاء الذين تجري معهم لقاء، وها هي لم تكمل اسبوع من انفاصلها عن اخصائي العلاج الشهير حتى اخذت تنبش عن ضحية جديدة، ويبدو أنها استقرت على مافو، ذلك الاسم الذي يحوم حوله الغموض من كل جانب، الشخص الذي لا يعلم شكله الحقيقي سواها هي و زوك وبعض عاملي المكان، حتى أنهم لا يعلمون اسمه الحقيقي .

" أخبريني بالجديد آنسة مولي "

___________________

" ماذا تقصد زوك بقولك تم الغاء اتفاقنا ؟!"

" كما سمعتِ ماليكا، لقد علم مافو بما فعلت وباتفاقي معكِ وقد أقام الدنيا على رأسي أنا "

نفخت ماليكا من الجانب الآخر وهي تحاول إقناعه بمساعدتها، فإن تم الغاء الأمر ستقع في مأزق، هي سبق واخبرت مدير المجلة وجميع من بها أن هوية السيد " مافو " ستكشف على يدها هي، الآن ستصبح عرضة لسخرية جميع من بالمجلة وخاصة تلك العربية الغبية لورا :

" مهلًا مهلًا زوك، انتظر أنت هكذا تدمر جميع مخططاتي و..."

" للجحيم ماليكا، أنا لن اغامر بعملي لأجلك، والآن وداعًا لدي عمل كثير"

اغلق معها دون ترك حتى فرصة لإقناعه، تاركًا ماليكا وهي تكاد تتفجر غيظًا، تنظر حولها تحاول البحث عن أي مخرج لتلك الورطة التي أسقطت نفسها بها، لو أنها فقط لم ترغو وتزبد عن لقائها بمافو، لكان الأمر أسهل الآن، تبًا لكِ ماليكا، وللسانك الاحمق ذاك .

______________________________

ابتسم انطونيو وهو يراقبها تتحرك في مطبخ منزلهم بكل حرية وسعادة، يتمنى لو يجذبها ويلصقها به مدى الحياة، أو أن يجعلها بحجم عقلة الاصبع ليضعها في جيب سترته جوار قلبه ويصطحبها معه أينما ذهب، يعشقها ويهيم بها، لم يكن يومًا ليتخيل نفسه بهذا الشكل الذي هو عليه الآن .

زوج يجلس على طاولة المطبخ ينتظر زوجته الجميلة التي تتنقل كفراشة في حقل ازهار، تحضر له طعام الغداء، حياة مثالية لم يفكر بها يومًا، لكن ها هي مدينته وعاصمة قلبه تدفعه دفعًا للتفكير بالأمر، بل واعحبه التفكير به كثيرًا .

ومن وسط تلك اللحظات النادرة في حياة انطونيو سمع فجأة طرق الباب، ليجد روما تتوقف في منتصف المطبخ وهي تحمل منشفة في يدها قائلة بريبة :

" انطونيو هل فعلتها وطلبت طعام من الخارج؟! ألم اخبرك أنني من سيعد الطعام؟! ألا تثق بي يا رجل؟! ثم أخبرتك ألا تقلق فأنا حصلت على رقم سيارة الإسعاف إذا حدث شيء لك "

رفع انطونيو حاجبه وهو يبتسم لها قبل أن يقول بمداعبة يتجه صوب الباب بعدمل أشار لها بالتزام المطبخ :

" لا بأس إن كان موتي على يدكِ و"

توقف عن الحديث فجأة وهو يعود لما كان عليه، انطونيو الجامد صاحب الملامح الباردة المخيفة، يرمق الزائرين امامه بهدوء مريب قبل أن يقول :

" ماذا ؟!" 

نظر السيد ولتر لزوجته بتأنيب وكأنه يلومها على موقفهم ذاك، ثم تنحنح بحرج يتجاهل ضربات زوجته في حضره :

" اعلم أنكم في شهر عسلكما ولا تريدان أي إزعاج "

" لِمَ أراك تقف على باب منزلي إذًا ؟!" 

مجددًا للمرة التي لا يعلم عددها يحرجه ذلك الوقح، وكل ذلك بسبب زوجته التي تقف جواره تبتسم بسمة مستفزة وهي تقول بهدوء مصطنع :

" ما يقصده زوجي أننا اسفين على الازعاج، لكننا أردنا دعوتكما على حفلة الشواء في الغد التي سنقيمها في حديقة منزلنا "

" لا احب تناول المشويات، شكرًا لكما "

واخيرًا نطق بكلمة توحي برقية، شكرًا لكما، يا لها من جملة ثمينة تخلى عنها انطونيو بكل بساطة، ليثبت للجميع كم هو شخص راقي متفهم !! 

زمّت السيد ولتر شفتيها ويبدو أنها لم تقبل برفضه جواب على عرضها؛ لذا دفعت انطونيو قليلًا من أمام الباب بشكل فاجئ انطونيو نفسه وهي توسع زاوية رؤيتها للمنزل تبحث عن زوجته، و روما لم تخيب ظنها وهي تخرج بتعجب لتأخر انطونيو :

" انطونيو لِمَ تأخرت ؟!" 

ابتسم السيد ولتر وهو يتحرك ليلتصق بزوجته حتى يرى الفتاة الجميلة التي قابلها، علّه يحصل على موافقتها هي، لكن لم يكد يقف في المكان الذي حصلت عليه زوجته بالقوة حينما دفعت انطونيو، إلا ووجد انطونيو ينتفض بشكل أفزع الجميع يدفع ولتر للخلف بشكل مخيف وهو يضع قبضته على وجهه بقوة يصرخ في روما دون أن ينظر لها :

" للداخل روما "

فزعت روما من صراخه بهذا الشكل بها، وهي لم تفعل شيء لكل ذلك، لكن ثواني فقط حتى أبصرت ذلك الجار وزوجته، ثم بنظرة سريعة لثيابها القصيرة وبشدة أدركت جيدًا سبب غضب انطونيو منها، والآن كل ما عليها فعله أن تدفن نفسها في أي مكان قبل أن يأتي انطونيو ويقتلها بيديه .

ركضت روما للأعلى سريعًا تبحث عن مكان تختبئ فيه وهي ترتجف خوفًا يتبعها صوت انطونيو العالي الذي هز جدران المنزل حتى شعرت أنه سيتصدع في القريب من كثرة صراخ انطونيو به منذ قدومهم، ثواني فقط حتى سمعت صوت غلق الباب بشكل عنيف، لتشعر بالرعب يزداد وهي تنظر حولها تبحث عن مكان تخفي نفسها به، وصوت خطوات انطونيو يصل لها، ثواني فقط حتى هداها عقلها للخطة البديلة.

فتح انطونيو الباب بعنف وعيونه تطلق نيران يشعر بجسده ينتفض غضبًا من فكرة أن ذلك السمج رأى جسدها الظاهر من تلك الثياب التي تتكون من شورت قصير وبلوزة لا تكاد تخفي كامل بطنها، بمجرد فتحه للباب وجدها تقف في منتصف الغرفة :

" كيف تخــ "

ولم يكمل حديثه وهو يجد روما تنفجر فجأة في بكاء مرعب وكأنها فقدت للتو عزيزًا، وقف انطونيو في منتصف الغرفة مبهوتًا مما يحدث يقترب منها ببطء يهمس بحنان :

" روما حبيبتي لِمَ تبكين ؟! هل تأذيتِ"

وجرت الامور كما خُطط لها، ابتسمت روما في نفسها وهي تتحرك صوب انطونيو تلقي نفسها في أحضانه تضم خصره بقوة وهي تدفن وجهها أعلى معدته، فهذا ما تمكنت من الوصول له بسبب طوله، تتمتم بكلمات غير مفهومة من بين بكائها ليبدأ هو في محاولة ارضائها بدلًا من عقابها كما خطط، يضعف وبشدة أمام وجعها، يؤلمه رؤية دموعها .
هي نقطة ضعفه الوحيدة، و لن يخجل ليقول ذلك .....

 " روما هي الوحيد التي قد ينحني لها يومًا، الوحيدة التي قد يلقي غروره وبروده في أعمق محيط لأجلها، هي روما ...مدينته الآمنة، عاصمته الدافئة، من تبدأ عندها رحلته وتنتهي في أراضيها " 

ضمها لقلبه بحنان ولطف لدرجة انستها هي خطتها، ونسى هو غضبه وما كان سيفعل، وبهذا الشكل انقلب السحر على الساحر .

___________________

أعاصير وأمواج تعصف في رأسه، يشعر أنه سينفجر من الغضب، يقسم بالانتقام، سيريه الجحيم ذلك الحقير مالك، سيريه الجحيم بعينيه، يقسم أن يذيقه من الويل كاسات، بينما هو يغلي شوقًا لرؤية روبين كان السيد مالك يدبر له مقلبًا، اغمض عينه بغضب وهو يتذكر ما حدث منذ ساعة تقريبًا حينما دخل مزرعة مالك ...

" مرحبًا بالسيد دراجون أنرت مصر "

ابتسم فبريانو بسمة صغيرة ساخرة وهو يلقي بنظرة سريعة لليث ( قائده المباشر) يحيه بها ثم سحب مقعد على تلك الطاولة التي يستقر عليها الاثنين في حديقة المزرعة وهو يقول بلا مقدمات :

" أين هي مالك ؟!" 

" من هي يا قلب مالك ؟!" 

" تلك التي إن لم تخرج الآن سوف ادمر علاقتك بزوجتك صدقني، وهذه المرة سأخبرها أنك تزوجت "

احمرت عين مالك بغضب وقد تجاوز فبريانو جميع الخطوط التي سبق هو ووضعها للجميع :

" حقًا وهل تظن زوجتي حمقاء لتلك الدرجة حتى تصدق أنني بهذا العمر قد اتزوج غيرها ؟؟" 

حرك فبريانو الكوب أمامه وهو يدعي ?
تعليقات



×