رواية الفتاة التى حلمت ان تكون ذئبه الفصل التاسع و العشرون بقلم اسماعيل موسى
في تلك اللحظة، كأن وميضًا خافتًا عبر عينيها، مثل نصل يلمع للحظة قبل أن يغوص في الظلام.
شعر رعد بجسده مشدودًا، ليس بفعل السحر هذه المرة، بل بشيء آخر... شيء غير مرئي، لكنه حقيقي.
رأت ليلى ملامحه تتغير، عينيه تضيئان بتحدٍّ صامت،لم يكن ينحني بعد الآن، لم يكن مجرد خادم مسحور مثل الآخرين. ارتفع قلبها بقلق، لكن قبل أن تتحرك، وضعت الملكة إصبعًا واحدًا على شفتيها، وكأنها تأمر الجميع بالصمت.
ثم قالت، بنبرة هادئة لكن مليئة بالإغراء: "اقترب أكثر، أيها الذئب."
ذئب ؟
سرت همهمه بين الجان، الذئب الوحيد الذى يعرفونه كان قائد جيش والد الملكه والذى اختفى فجأه خلال مهمه سريه بعثه إليها الملك جونغان للبحث عن ساحره عظيمه تسكن أرض البشر
كأن الكلمات اخترقت جلده، وصلت إلى شيء مدفون داخله. للحظة، تردد... لكنه تحرك. خطوة، ثم أخرى، حتى أصبح أمام العرش مباشرة.
رفعت الملكة يدها، وببطء، مررت أصابعها الرشيقة على جانب وجهه، كما لو كانت تستشعر شيئًا غير مرئي.
"دمك يحمل أكثر مما تدرك..." همست، ثم ابتسمت، قبل أن تضيف بصوت بالكاد يسمع: "وأنا... أريد أن أراه ينزف."
وفجأة، شعرت ليلى بشيء يتغير، لم يكن واضحًا بعد، لكنه كان بداية شيء لن يستطيع أحد إيقافه.
"مثلك لا يُخضع بالسحر بسهولة."
همست الملكة بتلك الكلمات، لكن صداها كان أقوى من مجرد همس. لم يكن صوتها مجرد نغمة عابرة، بل كان كأنه يغوص في عمق كيانه، يلامس شيئًا لم يكن رعد يدرك وجوده.
أحس بحرارة غريبة تتسلل إلى عروقه، كأن دمه اشتعل للحظة. جفونه ارتعشت، أصابعه قبضت على السيف الذى يحمله حتى كاد يحطمه. كان هناك شيء يتفكك داخله، شيء كان مثبتًا عليه كالأغلال.
شعر بالتعويذة تهتز. لم تختفِ بالكامل، لكنه شعر بها لأول مرة، كأنها قيد أصبح مرئيًا له، خيط رفيع لكنه ليس غير قابل للكسر.
ثم، بابتسامة بالكاد تُرى، أضافت الملكة: "لكننا نعرف كيف نجعلك تنحني."
في اللحظة ذاتها، أحس بألم مفاجئ في صدره، كأن شيئًا غير مرئي اخترقه. الهواء اختفى من رئتيه للحظة، وانحنت ركبتاه رغماً عنه. لم يكن الألم جسديًا تمامًا، بل كان شيئًا أعمق—كأن روحه نفسها تعرضت لضربة.
رأى انعكاس نفسه في الأرضية المصقولة، لكنه لم يرَ وجهه فقط. خلفه، كظل ممتد، كان هناك شيء آخر—شيء لم يكن قد رآه من قبل.
كانت هناك أعين أخرى تحدق إليه. ليست عيون الملكة، ولا عيون الجان حولها، بل شيء أقدم، أعمق، شيء من الماضي أو ربما من المستقبل.
سمع صدى صوت، لم يكن واضحًا، لكنه لم يكن بحاجة لسماع الكلمات ليفهم معناها.
"استيقظ… أو اخضع."
الملكة انحنت قليلاً للأمام، كأنها تراقب ما يحدث داخله، لكنها لم تتدخل. كانت تنتظر.
ورعد…
كان على وشك أن يقرر.
إما أن يكسر القيد بالكامل، أو أن يسمح له بأن يلتف حوله مرة أخرى.
في تلك اللحظة، سُمع صرخة في القاعة.
لم تكن صرخة ألم، بل كانت أشبه بصدى بعيد، كأن الرياح ذاتها نطقت. الجميع التفتوا، حتى الملكة، وعيناها الذهبية ضاقتا للحظة.
في مدخل القاعة، وقف شخص لم يكن أحد يتوقعه.
ليلى.
لكنها لم تكن كما كانت من قبل.
كان شعرها يتطاير كأن عاصفة تحيط بها، وعيناها—توهجتا بشيء لم يكن بشريًا بالكامل. في يدها، أمسكت بشيء صغير، شيء كأنه قطعة من العظم القديم، لكنه كان ينبض بطاقة غير طبيعية.
"لن يكون هناك خضوع اليوم." قالت، وصوتها لم يكن صوت فتاة عادية.
رعد، رغم الألم الذي لا يزال يمزقه، شعر بشيء آخر.
شعر بأن الصراع لم يعد صامتًا بعد الآن.
لقد بدأ.
ساد الصمت للحظة، لكنه لم يكن صمتًا حقيقيًا، بل كان ممتلئًا بتوتر يكاد يقطر في الهواء. عينا الملكة ثبتتا على ليلى، لم يبدُ على وجهها أي انفعال، لكن الجان حولها تبادلوا نظرات قلقة. لم يكن ظهور ليلى متوقعًا، ولا القوة التي تلبستها.
رعد، رغم الألم، أجبر نفسه على الوقوف. كان لا يزال يشعر بقبضة التعويذة، لكنها لم تعد مُحكمة كما كانت قبل لحظات. كأنه، بوجود ليلى، انفتح شرخ في شيء لم يكن يدرك حتى أنه كان مغلقًا بإحكام.
قالت الملكة بهدوء مخيف: "يبدو أنكِ أخطأتِ الحسابات، يا صغيرة."
ليلى لم ترد، لكن اليد التي تحمل القطعة العظمية انغلقت عليها بقوة. شعرت أن الكيان الذي استدعت أثره عبر تلك القطعة لا يزال معها، لا يزال ينظر من خلالها، يتابع المشهد كما لو كان ينتظر اللحظة المناسبة للتدخل.
"أنتِ لا تنتمين إلى هنا." تابعت الملكة، ثم التفتت ببطء نحو رعد. "وأنتَ… بدأتَ تدرك أنك أيضًا لا تنتمي."
كان في كلماتها إشارة خفية، لكنها لم تمنحه وقتًا للتفكير. في لحظة، رفعت يدها، ولمحت ليلى التوهج الذهبي في أطراف أصابعها قبل أن تندفع موجة من الطاقة نحوها.
رعد تحرك قبل أن يفكر—أو ربما شيء آخر تحرك فيه. لم يكن سريعًا بما يكفي لإيقاف الهجوم، لكنه كان كافيًا ليقف أمامه.
الطاقة اصطدمت به مباشرة.
لم يكن الألم كما توقع. لم تكن نارًا ولا صاعقة، بل كان كأنه يُسحب إلى هاوية باردة، كأن جزءًا من كيانه يُمحى ببطء. للحظة، رأى نفسه مرة أخرى في الانعكاس على الأرضية—لكن هذه المرة لم يرَ شخصًا واحدًا.
رأى وجهًا آخر يتداخل مع وجهه.
وجه لم يكن يعرفه، لكنه شعر به مألوفًا حد الرعب.
ثم، في ومضة، انكسرت الموجة من حوله، وكأن شيئًا آخر تصدى لها من الداخل. هوى رعد على ركبتيه، لكنه لم يسقط بالكامل. في عينيه كان هناك وعي جديد، شيء لم يكن موجودًا قبل لحظات.
الملكة لم تتحرك، لكنها ضيّقت عينيها قليلاً، كأنها أدركت أن ما حدث لم يكن طبيعيًا.
أما ليلى، فقد ابتسمت.
لم تكن ابتسامة تحدٍ، بل ابتسامة شخص رأى للتو أول شرارة لحريق عظيم قادم.
"لم أخطئ الحسابات،" همست، ثم فتحت يدها، وتركت القطعة العظمية تسقط على الأرض.
وعند ملامستها للأرض، اهتزت القاعة بأكملها.