رواية احفاد اليخاندرو الجزء الثاني (الوجه الاخر للمافيا) الفصل السابع عشر
" اجعل كل دعائك أن يعفو اللّٰه عنك؛
فإن عفَا عنك أتتك حوائجك من دون مسألة "
ابن القيم
صلوا على النبي.
____________________________
توقفت سيارة أمام بناية متوسطة الحجم، ثم هبطت منها راسيل التي كانت مبتسمة باتساع وكأنها سجينة حازت للتو حريتها، ركضت للسيارة من الخلف تنتظر أن يهبط مارسيلو ليساعدها في اخذ حقيبتها، لكن طال وقوفها؛ لذلك تحركت مجددًا نحو المقعد وهي تتمتم بغيظ شديد :
" فقط تحملي راسيل، تحملي راسيل "
وقفت أمام المقعد الذي كانت تحتله وجوارها كان يجلس مارسيلو وهو يقود السيارة التي أرسلها له ماركوس، تحدثت بقوة وغيظ :
" أنت أيها السيد أين مروءتك و...."
توقفت عن الحديث وهي تفتح فمها ببلاهة تراقب مارسيلو الذي كان يضع رأسه على المقود في شكل غريب اثار ريبتها، وبعد ثواني من التأمل، اعتدلت في وقفتها وهي ترمقه بصدمة تحاول معرفة متى سقط في النوم، منذ ثواني فقط كان يقود السيارة ؟! هل يعقل أنه مات ؟!
عند هذه الفكرة فزعت راسيل وهي تستدير بسرعة حول السيارة متجهة صوب المقعد الخاص به تصرخ في فزع :
" لقد مات ...لقد مات "
وقفت راسيل جوار المقعد الخاص به وهي تمد يدها بخوف تربت على رأسه ببطء شديد، لكن لم يصدر منه أي ردة فعل؛ لذلك انتفضت للخلف وهي تقفز في مكانها صارخة :
" يا ويلتي لقد مات، لقد مات "
كانت تتحدث وهي تبكي فزعًا من الفكرة، فهو فقط منذ ثواني كان يقود السيارة والتفسير الوحيد لحالته تلك فجأة، أنه أما سقط في اغماء، أو أنه مات، وضعت راسيل يدها على فمها وهي تحاول التماسك، ثم اقتربت منه مجددًا تمد إصبعها فقط نحو شعره تهزه برفق وهي تقول :
" سيد مارسيلو، سيدي هل أنت بخير ؟!"
صمتت تبتلع ريقها مقتربة منه أكثر تردد بصوت خافت أكثر :
" سيدي هل تشعر بشيء، هل أنت واعي أما أقول ؟!"
لكن وكأنها كانت تحدث حجرًا، فلم يصدر منه أي حركة مما جعل راسيل تبكي فزعًا وهي تشعر بالعجز، هل تنادي أحدهم ليأخذه معها للمشفى أم تتحدث مع أحد من عائلته ؟! ويبدو أن الفكرة الثانية نالت استحسانها وقررت أن تلقي بمصيبته على أكتاف عائلته، فلا ذنب لها أنه مات أمام منزلها، اقتربت منه أكثر وهي تمد يدها للوصول إلى هاتفه الذي يستقر أمامه، كانت ترتعش وهي تنظر لوجهه الهادئ ورأسه المستقرة على المقود، شعرت بوجع كبير يضرب قلبها، لتنفجر فجأة في البكاء وهي تهتف من بين شهقاتها :
" اقسم أن ما حدث لم يكن إحدى دعواتي التي امطرتك بها، لقد دعوت فقط أن اتخلص منك، لكن ليس لهذه الطريقة "
كانت تتحدث وهي تشهق بعنف، تشعر بالوجع لأجله، وبلا إرادة أخذت تتذكر تصرفاته الحنونة معها وقت العاصفة، وحديثه المستفز لها، اخذت الهاتف بسرعة وهي تنظر له بعجز فقط كان محمي بكلمة سر، لكن هداها تفكيرها لاستخدام مكالمات الطوارئ وبالفعل وجدت عدة ارقام موضوعة في قائمة الطوارئ؛ لذلك تحدثت مع اول رقم فيهم وهي ترتعش وتنظر له في الوقت ذاته، تنتظر صوتًا يجيب عليها .
____________________________
وعلى الجانب الآخر كانت أعين الجميع معلقة في صدمة بوجه اليخاندرو الذي تحرك ببطء صوب اول مقعد قابله وألقى عليه بثقله وهو يقول بحنق شديد :
" لو أنني قُتلت ما كنتم لتشعروا بي أيها الحمقى "
لم يكن أحد يستوعب شيء من حديث اليخاندرو الذي تجاهل كل ردات فعلهم وهو يقول بجدية :
" لقد تحدثت مع جاكيري وفبريانو وهم على وشك المجئ، استعدوا جميعًا فلديكم مهمة جديدة "
تحدث انطونيو بحدة غير مقصودة :
" أي مهمة تلك واللعنة، ما الذي حدث لك جدي وأي اختطاف ذلك؟! ومن تجرأ وفعل ذلك معك ؟!"
ابتسم اليخاندرو بسمة صغيرة وهو يراقب ملامح الجميع التي تتراوح مابين قلق وغضب وترقب، اعتدل في جلسته وهو يتنهد براحة، يكفيه أنه يراهم الآن أمام عينه دون أي أذى، وإن كان الضرر من نصيبه فسيتلقاه بكل صدر رحب، المهم ألا يمس أحفاده أذى صغير، خاصة بعدما عثر كل واحدٍ منه على نصفه الآخر الذي جعله يتشبث بالحياة أكثر وأكثر :
" لا تقلق انطونيو لم يحدث لي شيء، في الحقيقة كان الأمر ممتعًا بعض الشيء، استمتعت كثيرًا بوقتي هناك، ولأجل هذا سأرسلكم لشكرهم بأنفسكم فهم يتحرقون شوقًا لرؤيتكم "
ارتسمت بسمة غامضة على أفواه الجميع وقد أدركوا أن المهمة التي يتحدث عنها اليخاندرو تخص الخاطفين الذين تجرأوا واقتربوا منه، فجأة صدح صوت في المكان يقول بخجل وبسمة واسعة :
" أنا أول من انتبهت لغيابك سيد اليخاندرو "
دار اليخاندرو بعينه بين الجميع بحثًا عن مصدر الصوت حتى وجدها تجلس جوار ماركوس وهي تبتسم بسمة صغيرة، تحولت عينه لماركوس الذي كان يرمقها بغيظ دفع بسمة مشاكسة للظهور على فم اليخاندرو وهو يقول :
" أنا أقدر لكِ ذلك جميلتي، شاكر للطفك الكبير حبيبتي "
خرج صوت ساخر من فم ماركوس وهو يقول بهمس متهكم :
" حبيبتي ؟! أنت هكذا لا تساعد جدي، سوف تجعلها تلتصق بك أكثر "
ابتسم اليخاندرو، ثم حرك عيناه يتفحص الجميع وهو يلقي عليهم التحية، وبعدها انتبه فجأة وهو يقول :
" أين هما مارتن وجولي؟! لم اراهما منذ أتيت "
تحدثت روما بهدوء وبسمة :
" لقد أخذ مارتن جولي للتنزه قليلًا جدي "
هز اليخاندرو رأسه، ثم نهض بتعب وهو يقول :
" حسنًا سأذهب للاغتسال حتى يكتمل الجميع ونتناول العشاء سويًا، انطونيو اتصل بأي مطعم واطلب منه احــ "
اندفعت روز في مقعدها وهي تشير بيدها بحركة رفض، ثم أشارت لنفسها وللمطبخ في إشارة واضحة أنها أعدت الطعام، ابتسم اليخاندرو بسمة حنونة، ثم أشار لروز أن تقترب منه، وكذلك فعلت روز تحت نظرات جايك المتحفزة وجسده الذي تصلب في انتظار ما سيحدث، والذي كان عناقًا ابويًا حنونًا من اليخاندرو لتلك الجميلة الرقيقة والتي كانت من اغلى الأشخاص على قلبه بعدما اوصاه والدها عليها، ربت على ظهرها بحنان قبل أن يقبل رأسها وهو يردد بامتنان :
" اتعبناكِ معنا روز "
وعند تلك النقطة انتفض جسد جايك من مكانه معترضًا وهو يتحرك نحو جده الذي يعانق روز بتلك الطريقة التي اشعلته، لكن فجأة تيبست أقدامه بالأرض وهو يرى انتفاضة جسد روز الصغير بين احضان جده فيما يشبه البكاء المكتوم، ليدرك أنها تذكرت والدها، تراجع جايك مكانه مجددًا رافضًا أن يتدخل ويحرم زهرته من مشاعر افتقدتها في غياب والدها .
كان اليخاندرو يربت على ظهره روز بحنان وهو يقترب منها هامسًا في أذنها :
" لا تبكي روز فهناك من يكاد يحرقنا بعينه "
ابتعدت روز وجهها ببطء عن صدر اليخاندرو، ثم رمقت الاتجاه الذي يجلس فيه جايك لتراه ينظر صوبها بحنان وحزن لدموعها؛ لذلك ابتعدت عن اليخاندرو وهي تمسح دموعها، ثم أشارت على المطبخ وتحركت ببطء له، وكالعادة ما كان جايك ليتركها، بل اندفع خلفها وهو ينهب الأرض اسفله، وبمجرد دخوله للمطبخ حتى اتجه لها وهو يقف خلفها يقول بهدوء حتى لا يخيفها :
" تريدين مساعدة ؟!"
استدارت له روز وهي تمسح دموعها مبتسمة له بحنان، ثم أشارت له على بعض الأطباق في إشارة منها أن يساعدها في صب الطعام، وبالفعل تحرك جايك بهدوء صوب الاطباق، ثم عاد ووضعها بكل هدوء دون كلمة أو مشاكسة منه كالعادة، ووقف جوارها يراقبها تصب الطعام بكل هدوء وملائكية جعلت قلبه يخفق بعنف وهو يقترب منها يقول بلطف :
" روز "
استدارت له روز وهي ترمقه بترقب ليقول هو بحنان وهو يمسك يدها يداعبها بخفة :
" ما رأيك أن نخرج سويًا ونمرح لبعض الوقت، أنتِ لم تطأي باب المنزل منذ أتيتِ إليه"
نظرت له روز متعجبة اقتراحه ذاك، لكنها لم تمتلك سوى أن تهز رأسها ببطء موافقة على حديثه وهناك بسمة واسعة ترتسم على شفتيها.
بادلها جايك البسمة وهو يقول تاركًا يدها وقد دبت الحماسة في جسده مشيرًا للطعام :
" حسنًا لا تضعي طعام للحثالة في الخارج فقط جدي وانا وأنتِ، لا تطعمي أحد من طعامك روز، أنا لا أحب هذا "
نظرت له روز ببلاهة من طلبه الغريب المفاجئ، قبل أن يتركها ويتحرك للخارج وهو بيقول بسعادة :
" جيد إذن سأخرج لاخبرهم أن يحضروا طعام لأنفسهم، ابقي هنا واخفي هذا الطعام عن الأعين، لا تخافي أنا سآكله كله "
راقبت روز خروجه بأعين مفتوحة من تصرفاته الغريبة، بينما هو لم يهتم وهو يقتحم البهو يقول بصوتٍ عالٍ :
" أنتم أيها الكسالى حركوا اجسادكم تلك وأذهبوا للحصول على طعام لكم، فـ روز لن تــ "
وقاطع باقي كلامه انتفاضة جسد مايك الذي كان يتحدث في الهاتف وهو يهتف بشكل ارعب الجميع :
" ما بــــــه اخـــــــــــــي ؟!"
________________________
" أخبرتك أن ترفع قدمك العفنة تلك عن سجادي الثمين "
كانت تلك صرخة سيلين التي دخلت المطبخ لتمارس هوايتها المفضلة وتطهو للجميع، لكن بمجرد أن خطت للمطبخ وجدت ذلك العجوز المزعج الذي كانت تتجنب الاصطدام به في آخر فترة، وهو يجلس على طاولة الطعام يضع أمامه اطباق كثيرة متسخة، بينما قدمه تدهس سجادها الحبيب بلا أي رحمة .
رفع توفيق وجهه الذي كان منكبًا به على الطعام وهو ينظر لها بتعجب، ثم نظر لقدمه التي كانت تستقر على السجادة أسفله وهو يقول ومازال يمضغ بعض الطعام بفمه :
" سجادك ايه ؟! انتِ جايباه من بيتكم ولا ايه ؟؟"
رفعت سيلين حاجبها وهي تقترب منه أكثر تحاول أن تهدأ نفسها حتى لا تدخل في شجار آخر معهم ينتهي بإصابة أحدهما، لكن بمجرد أن وقفت أمامه حتى أطلقت صرخة هزت جدران القصر باكمله وهي تشير برعب للطعام على الطاولة أمام توفيق :
" أنه يأكل سمكًا متعفنًا، رائحته ستخنقني، أنت أيها القذر كيف ادخلت ذلك الطعام لمنزلي "
رفع توفيق حاجبه وهو يلقي نظرة على الطعام أمامه، ثم قال بتعجب :
" فيه ايه ده حتى رنجة مش قديمة يعني، دي بقالها اربع شهور بس "
ختم حديثه وهو يمد يده ليمسك بكوب الماء جواره، لكن توقف برعب وهو يستمع لصرخة سيلين التي خرجت منها مرعبة وبحق :
" إياك أن تمس الكوب بيدك العفنة تلك "
نظر لها توفيق ثواني قبل أن يحرك يده اقرب من الكأس وهي تحذره :
" إياك"
أبعد يده ثم قربها مجددًا وهي تنظر له بشر، وهو يقرب يده ويبعدها وكأنه يتلاعب معها، حتى امسك بالكوب أخيرًا ورفعه لفمه دفعة واحدة وأمامه سيلين تنظر له بصدمة، ثم ودون تفكير كانت تهبط بعكازها فوق رأسه وهي تصرخ :
" أيها العجوز العفن لوثت الكوب "
صرخ توفيق بوجع وهو ينهض بعنف مرددًا :
" اه يا نفايات الكوكب أنتِ، طب والله المرة دي لاوريكِ "
أشار لطبق الطعام أمامه وهو يقول :
" مش ده اللي مضايقك ؟! أنا بقى هطفحهولك "
كانت رفقة ما تزال في البهو رفقة روبين وهناك صرخات تتناهى لمسامعهم آتية من جهة المطبخ، نظرت روبين خلفها لباب المطبخ قريبة وهي تقول :
" ما تشوفي يا رفقة الاتنين اللي هيقتلوا بعض دول "
" مش فايقة ليهم يا روبين، هما شوية وهيزهقوا من الخناق ويبطلوا لوحدهم أو لما يفصلوا شحن "
ضحكت روبين بصخب وهي تنظر خلفها لباب المطبخ تحاول رؤية ما يحدث في الداخل وصرخات الاثنين تصل لهما بوضوح، لكن قاطع كل ذلك صوت الباب الخارج للمنزل، وتبعه دخول جاكيري وملامحه تبدو مرهقة بشكل جعل رفقة تنتفض من مكانها وهي تركض صوبه برعب تبكي بمجرد أن لمحت هيئته :
" جاكيري ما الذي حدث ؟! أين كنت؟! لقد كدت أموت خوفًا عليك "
نظر لها جاكيري بعيون عاشقة يتخللها وجع كبير، يرفض أن يظهر أمامها هي تحديدًا يرفض أن يكون نقطة ضعف لها في تلك الأوقات التي من المفترض به أن يكون داعمها :
" أنا بخير حبيبتي لا تقلقي "
نهضت روبين بحرج من البقاء بينهما في هكذا وقت؛ لذلك حملت حقيبتها وهي تتحرك صوب الخارج :
" بما اننا اطمئننا عليك سوف اذهب الان "
أوقفها جاكيري وهو يهتف بصوت جاد :
" فبريانو هو من أوصلني، ستجديه في الخارج، الحقي به قبل أن يرحل "
هزت روبين رأسها وهي تتحرك بسرعة للخارج تقفز الدرجات وكأنها فراشة تحلق فوق حقل من الزهور الربيعية، ابتسمت وهي ترى السيارة الخاص تتحرك من أمام الباب، صاحت بصوتٍ عالي وهي تلقي بنفسها أمام السيارة .
داخل المنزل قبل جاكيري رأس رفقة بحنان شديد ثم همس لها :
" أنا بخير حبيبتي، فقط احتاج للراحة، فأنا سأسافر غدًا "
راقبت رفقة تحركه من أمامها بقلب قلق تهمس باسمه :
" جاكيري تحتاج للتحدث ؟!"
استدار لها رفقة نصف استدارة وهو يقول ببسمة صغيرة :
" ربما، لكن ليس الآن رفقة، لا اريد أن تزاحم مشاكلي عقلك، يكفيكِ ما تعانينه جميلتي، تصبحين على خير "
رحل تاركًا إياها تنظر في أثره، بوجع لحديثه، تعلم أنه لا يريد أن يثقل عليها أو يحزنها، لكن هي تريد أن تشاركه آلامه، تريد أن تربت عليه بحنان علها تنسيه كل أحزانه التي تلوح على وجهه في تلك اللحظة، لكن هو أبى إلا أن يصنع حاجزًا بينها وبين أحزانه، وهي أبدًا لن تسمح بهذا ......
________________________
كان فبريانو ينظر للباب الخاص بمنزل جاكيري وهو يتنهد بتعب، يتمنى أن يكون جاكيري بخير، زفر بضيق وهو يتحرك بسيارته من أمام المنزل ليغادر ويرى روبين بعدما تركها دون أي مقدمات، لكن وقبل أن يتحرك بسيارته وجد روبين تلقي بنفسها أمامها في شكل أفزعه وهو يضغط المكابح بسرعة مخيفة كادت تقلب السيارة رأسًا على عقب، كما أن عجلاتها احتكت في الأرض بعنف مخيف كما لو أنها ستولد نيرانًا أسفلها، كل ذلك وروبين تقف أمام السيارة تبتسم له بسمة بلهاء وهي تقول :
" كويس إني لحقتك "
فتح فبريانو فمه بصدمة وهو يصرخ :
" أيتها اللعينة كدت ادهسك أسفل عجلات سيارتي "
ضحكت روبين وهي تتحرك صوب المقعد المجاور له، تصعد بصعوبة بسبب طول وارتفاع سيارة فبريانو وهي تقول :
" مكنتش ههون عليك "
" أيتها الحمقاء لم أكن اراكِ من الاساس، كنت سأقتلك وارحل دون حتى أن أعلم بذلك "
وضعت روبين يدها على قلبه وهي تقول ترفرفر برموشها :
" قلبك سيشعر بي فابري اللطيف "
ضرب فبريانو يدها وهو يقول بحنق متحركًا بالسيارة من أمام المنزل :
" لولا ذلك الاحمق، لكنت قتلتك منذ أول يوم عرفتك به روبين "
ضحكت روبين بصوتٍ عالٍ وهي تردد بجدية :
" شوف مهما تقول ومهما تعمل هتفضل اكبر لطيف في حياتي "
ابتسم فبريانو بسمة لم يستطع كبتها وهو يقود سيارته، ثم أضاف :
" اتمنى أن تكون لولو قد أعدت الطعام، فأنا اتضور جوعًا "
_______________________
قبل مارتن رأس جولي وهو يشير لها بالتزام مكانها على طاولة المطعم داخل مركز التسوق الكبير :
" ابقي هنا حتى أعود جولي، حسنًا ؟!"
هزت جولي رأسها بلا وهي تنهض متحدثة بجدية كبيرة تلتصق في يده :
" سوف آتي معك "
نظر مارتن لذراعه قبل أن يعود بعينه لها يتنهد بحنق يحاول نزع يده منها :
" جولي لا يمكنك ذلك "
" لماذا ؟!"
" لأنني ذاهب للمرحاض حبيبتي "
تحول وجه جولي للأحمر فجأة من الخجل وهي تبعد يدها شيئًا فشيء عن مارتن، ثم تحركت ببطء وجلست على الطاولة تبتسم بغباء :
" حسنًا أنا سأنتظرك هنا، هيا اذهب "
هز مارتن رأسه وهو يضحك بصخب عليها، ثم انحنى قليلًا طابعًا قبلة على خدها هامسًا بحب جوار أذنها :
" لن أتأخر حبيبتي، فقط ابقي هنا "
هزت جولي رأسها بحسنًا وهي ترمقه بحب تراقب تحركه نحو منطقة المراحيض، تنفست بقوة، قبل أن تمد يدها وتمسك هاتف مارتن مجددًا كما كانت تفعل، لتجد فجأة صوت رنين يخرج منه بشكل مفاجئ لدرجة أنها انتفضت بعنف ملقية إياه ارضًا، مما جذب أنظار رواد المطعم لها، ابتسمت جولي بخجل مجددًا وهي تنحني لتحضر الهاتف مرددة بخوف :
" مارتن سوف يقتلني، لقد تحطمت شاشته "
كانت تتحدث وهي تنظر حولها، ثم نظرت للهاتف الذي توقف عن الرنين، لكن ما هي سوى ثواني فقط حتى ارتفع رنينه مجددًا و أضاء اسم انطونيو الشاشة في اتصال ملح بمارتن؛ لذلك ودون تفكير أجابت جولي وهي تقول بترفع وتكبر :
" ماذا تريد يا سيد ؟؟"
" اربد التحدث مع مارتن يا عجوز، اعطيه الهاتف "
" مارتن ليس هنا عندما يعود سأخبره بأن يعاود الاتصال بك "
وصلتها ضحكة عالية ساخرة من الاتجاه الآخر وصوت انطونيو يصدح بسخرية :
" حقًا ؟! ياله من كرمٍ كبيرٍ سيدة جولي "
صمت قليلًا ثم قال بصوت حاد وأمر :
" اذهبي إليه واعطيه الهاتف أنا لست متفرغًا لاي من افعالكما تلك "
" لا يمكنني أن أفعل ذلك، انتظر قليلًا وسوف يعود "
تحدث انطونيو بغيظ ظنًا أنها تلعب بهاتف مارتن كالعادة وتأبى أن تعطيه له حتى يحدثه :
" أنتِ أيتها العجوز، انهضي واذهبي لمارتن واعطه ذلك الهاتف اللعين فوراً"
صاحت جولي بالمثل في أذنه :
" أخبرتك أنني لا أستطيع هو مشغول الآن "
" مشغول في ماذا ؟!"
" لا شأن لك "
ومع نهاية هذه الجملة أغلقت جولي المكالمة في وجه انطونيو، ثم نفخت بضيق وهي تسبه بكل ما تعلم من السباب، وبعدها نظرت حولها تبحث عن مارتن، لكن يبدو أنه لم يخرج بعد؛ لذلك نهضت بسرعة وهي تتحرك خارج المطعم نحو محل للهواتف رأته أثناء مجيئها مع مارتن هنا، تاركة الطاولة خلفها فارغة إلا من بعض بقايا الطعام .
وبعد خروجها بدقيقة تقريبًا، كان مارتن يتحرك نحوها وهو يعدل من وضع ساعته قائلًا بجدية :
" آسف للتأخر حبيبتي، لكن أسقطت بعض القهوة على بنطالي وخفت أن اخبرك فأقلقك و...."
توقف عن التكلم وهو يبصر مقعد جولي فارغًا، نظر حوله يمينًا ويسارًا، لكن لم يجدها، تحرك نحو المراحيض علها لحقت به ولم ينته، لكن أيضًا ام يجدها، عاد الطاولة مجددًا ليجد أن النادل بدأ يرتبها ظنًا أنهما رحلا، تحرك مارتن صوبه وهو يقول بقلق :
' مرحبًا ألم ترى الفتاة التي كانت معي؟! تركتها منذ دقائق والآن لم اجدها "
هز النادل رأسه بلا وهو يكمل عمله، بينما مارتن جن جنونه وهو يبحث عنها خوفًا أن تصل طريقها في هذا المكان الكبير والذي اخبرته أنها يومًا لم تطئه بقدمها، بحث بعينه عن هاتفه وكما توقع لم يجده، خرج بخطوات سريعة خارج المطعم وهو يبحث عنها كالمجنون، وكأنه أب فقد ابنته الصغيرة في المكان، كان يركض في الممر وهو يبحث بعينه في جميع المحلات، لكن لم يعثر عليها وجملة صغيرة ترن في أذنه
( إن كان هناك شعور أكرهه غير الوحدة، فسيكون أن اشعر بنفسي ضائعة )
وعلى الجانب الآخر كانت جولي قد وصلت أخيرًا للمحل وهي تحمل الهاتف سعيدة، دخلت بأقدام مترددة وهي تنظر حولها بانبهار لكل هذه الهواتف الحديثة، ثم تحركت صوب المكتب الذي يقف خلفه عدة عمال تقول وهي تمد يدها بالهاتف :
" مرحبًا هل يمكنك مساعدتي في إصلاح هذا ؟!"
نظر الرجل للهاتف الذي في يدها، ثم منحها بسمة وهو يشير على مقاعد الانتظار :
" نعم تفضلي لحين انتهي آنستي "
هزت جولي رأسها، ثم تحركت ببطء نحو المقعد وجلست عليه تنتظر أن ينتهي من الامل وهي تلعب في أغطية الهواتف الملونة بانبهار شديد.
ومارتن كان قد وصل لحافة جنونه وهو يبحث عنها، وقد قرر أن يتوجه لمنطقة المراقبة الخاصة بالمركز، تحرك لهناك وهو يتنفس بقوة بسبب ركضه، يقول للعمال هناك :
" مرحبًا اريد مساعدتكم "
كانت جولي تجلس بكل استمتاع في المكان وهي تراقب عمل الرجل الذي بدأ يصلح الهاتف، حتى انتهى منه وهو يناديها :
" آنستي لقد انتهينا "
نهضت جولي من مكانها وهي تستلم الهاتف منه مبتسمة بسعادة كبيرة، لقد عاد وكأنه جديد، حملت الهاتف وضمته لها وهي تشكره :
" شكرًا لك كثيرًا، كم يكلف ؟؟"
ابتسم لها الرجل ثم اخبرها بالسعر، اخذت جولي تتفحص جيوب بنطالها بحثًا عن المال الذي يتركه معها مارتن دائمًا تحسبًا لأي موقف، وبالفعل أعطته ثمن الهاتف، ثم تحركت للخارج نحو المطعم مجددًا، لكن توقفت أقدامها وهي تحاول التذكر من أي طريق أتت، تحركت مجددًا في إحدى الاتجاهات التي خمنت أنه الاتجاه الصحيح، لكن يبدو أن ذاكرتها خانتها تلك المرة وهي تجد نفسها تقف في منطقة كل المحلات بها مغلقة.
هنا وبدأ قلب جولي يرتجف خوفًا، بعدما نظرت للساعة وهي تتخيل جنون مارتن الآن، هبطت دموعها بخوف وشعور الضياع يخنقها، ورغم أن الأمر لا يستحق، إلا أنها كانت دائمًا تخشى الضياع؛ لذلك بكت بخوف وهي تعود أدراجها نحو محل الهواتف، لكن مجددًا اضلت الطريق، هنا وانفجرت طاقة تحملها وهي تحتضن الهاتف خائفة، هي حتى لا تستطيع الاتصال بمارتن فهاتفه يقبع هنا بين أحضانها، كان بكائها يجذب جميع الأنظار حولها بتعجب، وهي تتحرك بلا هدف غير مهتمة بأحد، لكن فجأة سمعت صوت يتردد في انحاء المكان، صوت ينادي اسمها، ولم يكن أي صوت بل كان صوت مارتن :
" جولي ...جولي حبيبتي هذا أنا مارتن، إن كنتِ تسمعينني الآن فتوجهي صوب مركز الادارة الخاص بالمكان، اسألي أي أحد ليدلك عليه "
ضرب قلب جولي جنبات صدرها وهي تستمع لصوت مارتن، لتهبط دموعها أكثر وهي تنظر حولها بلهفة تبحث عن أحد ليدلها على الطريق وصوت مارتن مازال يصدح في المكان :
" أنا انتظرك هناك جولي، لا تهلعي ولا تخافي حبيبتي، فقط اهدأي واسألي أي أحد عن الطريق "
تحركت جولي صوب اول رجل قابلته، ثم أشارت له أن يساعدها :
" ارجوك هل يمكنك أخذي لمركز الإدارة هنا ؟؟"
كان مارتن يجلس في المكتب وهو خائف عليها يشعر أنها الآن منهارة، يتذكر جيدًا حديثها له، أنها تخشى وبشدة تركه، تخشى أن تضل عنه، تختنق من شعور أنها وحيدة تائه، منذ كانت طفلة، كانت تنهار خوفًا حينما تشعر أنها تائهة او وحيدة، مسح وجهه بتعب وهو ينظر للباب، ثم نهض مجددًا يتجه صوب المكبر حتى يتحدث به بأي شيء قد يطمئنها مجددًا، أي شيء يجعلها تشعر أنه جوارها، لكن ما كاد يقترب منه إلا ورأى الباب يُفتح وجولي تندفع له وهي تصرخ باسمه باكية :
" مارتن "
ركض مارتن صوبها وهو يتلقفها في أحضانه قائلًا بحنان :
" يا قلب مارتن، أنا هنا حبيبتي لا تخافي أنا هنا "
كان الشرطي المخصص بالمراقبة يفتح فمه ببلاهة وهو يرى أن تلك الجولي التي كاد ينهار خوفًا عليها هي آنسة ناضجة كان بإمكانها الرحيل ببساطة عندما ضلته أو حتى الاتصال به، كبت سخريته داخله وهو يهز رأسه، ثم تحرك خارج المكتب ليكمل أعماله بينما جولي كانت تبكي بقوة وهي تتحدث دون وعي :
" لقد تحطم هاتفك ...ذهبت لتصليحه واختفى المطعم، لم اجده مارتن وضللت الطريق ولم استطع العودة لك، لم أستطع حتى العودة للمنزل أنا لا أعرف طريقه، كنت خائفة كثيرًا شعرت أنني...أنني "
ربت عليها مارتن بحنان وهو يرى أن الأمر ليس طبيعيًا، فخوفها المرضي من الوحدة لغى عقلها تمامًا، لم يتحدث أو يلومها، لكن بكل بساطة قبّل رأسها بحنان وهو يردد :
" لا بأس بنية العينين، إن ضللتي أنتِ سأجدك أنا، لا تخافي فقط اهدأي "
ضمته جولي أكثر وهي تبكي رعبًا من الأمر، تخاف أن تتكرر نفس المأساة مجددًا، تخاف أن تضل عنه كما ضلت عن والدها في طفولتها، تلك الذكرى المقيتة التي ماتزال تطاردها، هي وحدها بين الآلاف الأشخاص في مكان واسع كبير وقد ضلت والدها، بكت وصرخت وترجت الجميع أن يعيدوها لوالدها، لكن كل ما استطاعوا فعله وقتها هو أن يلقوا بها في ذلك الملجأ الذي أكملت به المتبقي من طفولتها، وكل ذلك لأنها ضلت والدها، الأمر الذي لم تخبر به أحدًا حتى مارتن، والآن أصبحت تدرك جيدًا أن الضلال يعني وحدة جديدة عذاب جديد، وعقدة جديدة تضاف برأسها .....
" جولي حبيبتي هيا لنرحل من هنا "
ابتعدت عنه جولي وهي تهز رأسها، ثم أعطته الهاتف وهي تقول بفم مزموم :
" لقد اصلحت الهاتف "
زفر مارتن وهو ينظر للهاتف بين يديها :
" للجحيم أنا لا يهمني سواكِ جولي، هيا حبيبتي لنعد للمنزل "
سارت معه جولي للخارج وهي ما تزال تلتصق به وهو كان أكثر من مرحب بذلك، وصل معها للسيارة ثم فتح لها الباب بكل لطف وربط لها الحزام وبعدها منحها قبلة لطيفة على وجنتها، واستقر في لمقعد الخاص به خلف المقود وهو يتحرك بسيارته قائلًا بحنان :
" نامي قليلًا حبيبتي حتى نصل "
نظرت له جولي بأعين تائهة ثم قالت بخجل بعدما استوعبت تصرفاتها في الداخل وبكائها بهذا الشكل فقط لأنها ضلته، شعرت بالعجز من عدم استطاعتها التصرف في هكذا موقف :
" مارتن أنا آسفة"
" اششش، لا تتحدثي في هذا الأمر مجددًا، كل ذلك انتهى وها أنتِ جواري الآن لا بأس حبيبتي "
نظرت له جولي بامتنان ثم قالت وهي تغلق عينها :
" أنت الوحيد الذي لم ييأس البحث عني مارتن، أنت الوحيد الذي لم يترك يدي أو يمل مني، شكرًا لك "
رفع مارتن يده يربت على شعرها بحنان وهو يهمس بعدما رآها تسقط في النوم :
" حتى آخر انفاسي بنية العينين "
_____________________________
كان شاردًا في سقف الغرفة فوقه يتنهد كل ثانية والأخرى بارهاق جسدي، بسبب استنزاف طاقته فيما حدث منذ ساعات، بقاءه مع فبريانو تلك الساعات خفف عليه وطأة الوجع، ولا يدري كيف كانت لتكون حالته إن لم يكن فبريانو جواره .
افاق جاكيري من شروده على صوت طرق على الباب علم صاحبه جيدًا؛ لذلك تحدث بهدوء دون أن يعتدل :
" رفكة حبيبتي أنا بخير اقسم، فقط احتاج للــ "
ووقفت باقي كلماته على باب فمه وهو يرمق ذلك الشخص الذي فتح باب غرفته، ثم دخل لها واغلق الباب خلفه ووقف في منتصف الغرفة بكل كبرياء يقول بصوته الخشن المضحك :
" مر وقت طويل سيد جاكيري "
نظر له جاكيري ثواني بلا أي ردة فعل قبل أن ينفجر في الضحك وهو يتحرك من الفراش لذلك الشخص يتلقفه بين أحضانه بقوة وهو يدور به ضاحكًا :
" اشتقت لك يا صديقي "
ضحك الشخص بين ذراعيه وهو يبادله العناق متحدثًا بصوت رخيم بشكل مضحك :
" أخبرتني رفقة أنك تحتاج لمن تتحدث معه، ولا تريد التحدث معها هي، يمكنك أن تتحدث مع اسكندر كما تشاء يا سيدي "
ضحك جاكيري وهو يترك جسد رفقة من بين يديه، حيث كانت ترتدي تلك الباروكة وثياب الرجال وتبدو كما لو أنها عادت للوقت الذي كانت تتنكر فيه كأسكندر، رمقها جاكيري بحب وهو يقترب منها متحدثًا بخفوت :
" لكن اسكندر يا صديقي، أن نتحدث أنا وأنت خلف أبواب مغلقة، هذا سيثير الشكوك كثيرًا، سيظن البعض أننا لسنا طبيعيين "
ضحكت رفقة وهي تعدل من وضعية باروكتها، ثم سحبت يده خلفها نحو الشرفة التي تقبع وهي تقول بصوت رجالي :
" لا بأس أنا شخصيًا كنت أظنك من هذا النوع، الآن اجلس سيد جاكيري وأخبرني بالتحديد ما هي مشكلتك وصدقني لن تعلم رفقة شيئًا عنه "
ابتسم جاكيري وهو يجلس على المقعد جوار رفقة، ثم قرب خاصته منها حتى أصبح المقعدين ملتصقين وأراح رأسه على كتفه وهو يشرد في السماء أمامه يتحدث ببسمة صغيرة :
" أحيانًا يطاردك الماضي الخاص بك بجسارة، فبعدما ظننت أنك تخلصت منه تجده يعود لك وهو يبتسم في وجهك باستفزاز مقيت ملوحًا بيده وهو يقول مرحبًا جاكيري هل تتذكرني "
رفعت رفقة يدها وهي تخللها في خصلات جاكيري بحنان شديد جعله يغمض عينه بارتياح شديد، ثم قالت بهدوء شديد وهي تمسك يده بيدها الأخرى هامسة بحب :
" أحيانًا تحتاج للتمسك بيد تجتذبك من بحار الماضي تلك إلى شاطئ المستقبل عزيزي"
" اممم، وهذه اليد ستكون أنت اسكندر ؟!"
ابتسمت رفقة وهي تنظر له ببسمة :
" إن أردت سأكون "
مد جاكيري يده وانتزع الباروكة التي تعلو رأسها، ثم نثر خصلاتها التي مازالت حريرية وهو يقول :
" لا بل أنا أريد رفكة، رفكة وفقط، أنا أحب اسكندر هو صديقي، لكن رفكة هي دنياي "
صمت يراقب عينها اللامعة بعشق، ثم قال وهو يجذب خصلة من شعرها بغيظ ومازال رأسه يسترح أعلى كتفها :
" لم تعيدي صغاري بعد ؟!"
" جاكيري مابك اترك شعري، ثم أنا أخبرتك أنني سأعيدها، فقط انتظر فترة صغيرة حتى لا أفسد شعري "
ابتعد جاكيري عنها، ونهض وهو يبعد مقعده أيضًا من جوارها وهمس بحنق شديد :
" إذن حتى تلك اللحظة، اياكِ ولمس جسدي الطاهر "
أطلقت رفقة صوتًا ساخرًا وهي تنظر له بحنق :
" يعني قتال قتلة ورقاص وبتقول طاهر؟! يا بجاحتك يا اخي ده أنت ناقص تبيع مخدرات عشان تكون عملت هاترك"
" أنا افهمك رفكة، ثم على الأقل عندما اقتل فأنا اقتل الأشرار الذين يؤذون الآخرين، بينما أنتِ ما الذي اذاكِ به صغاري ؟! أنتِ شريرة كبيرة، أشعر حقًا بالغضب "
اعتدلت رفقة في جلستها وهي تقول محتدة :
" مهلًا مهلًا، ألم نتحدث في هذا الأمر واخبرتني أنك ستتقبلني بأي هيئة، أم أن ذلك كان مجرد حديث لا أساس له ؟!"
هز جاكيري رأسه بهدوء :
" نعم أنا قلت هذا، لكن أنتِ أيضًا بالمقابل قلتِ أنكِ ستعيدين شعرك لما كان عليه، ثم هل رأيتِ في حياتك رجلًا يصدق حديثه "
هزت رفقة رأسها وهي تقول بعناد :
" نعم "
تحدث جاكيري بحنق وغيظ :
" يا فتاة ما الذي فعلتيه، لقد افسدتي الحوار للتو، من المفترض بكِ أن تقولي لا، وأنا اخبرك، ها رأيتِ"
تنفس بغيظ ثم مسح وجهه وقال :
" حسنًا أيًا يكن اعيدي صغاري مجددًا "
نهضت رفقة وهي تتخصر باعتراض :
" وماذا إن لم أفعل "
" سأحلق شعرك بالكامل رفقة، افضل أن تكوني صلعاء على ذلك الشعر الناعم المستفز"
صمت ثم أضاف بغيظ :
" كلما لامسته شعرت به يتسرب من بين اصابعي بشكل مثير للغضب"
ابتسمت رفقة، ثم اقتربت منه وهي تلقي نفسها بين أحضانه في شكل فاجئه هو لدرجة أنه تراجع للخلف وهو يسمعها تردد بلطف :
" هيا جاكي، ألا يمكنني الاحتفاظ به أيام قليلة أخرى"
" لا وتوقفي عن استخدام تلك الكلمة لاستغلال ضعفي تجاهك "
ابتعدت عنه رفقة بحنق شديد، ثم امسكت الباروكة الخاصة بها وهي تقول بغضب مدبدبة باقدامها في الأرض :
" حسنًا جاكيري تذكر هذا، سوف أجعلك تندم، فقط انتظر وسوف ترى "
انتهت رفقة من حديثها وهي تغادر مغلقة الباب بعنف خلفها مما جعل جاكيري يصرخ بصوت عالي حتى يصل لها :
" أنا لا اخافك يا فتاة فلتفعلي ما تريدين لا اهتم، ثم لا أحد يهددني أنا لست لطيفًا كما أظهر معكِ، أنتِ تتحدثين مع مجرمٍ سمعتِ، ولا تدخلي غرفتي مرة أخرى لغوايتي أيتها القاتلة الشريرة "
فتحت رفقة الباب مرة أخرى بقوة، ثم تحركت بخطوات حادة شرسة صوب الفراش والقت بنفسها عليه وهي ترفع الغطاء عليها قائلة بعناد لا تود تركه اليوم وهو بهذه الحالة :
" حسنًا سيد جاكيري، لنرى كيف ستشارك الفراش مع قاتلة شريرة مثلي "
ابتسم جاكيري بخبث وهو يتحرك صوب الفراش مرددًا :
" إن كان ذلك عقابًا "
تبع كلماته بجسده الذي توسط الفراش، ثم جذب رفقة لاحضانه مقبلًا رأسها بحنان :
" عاقبيني طوال الوقت، أنا أحب ذلك العقاب الذي ينتهي بين احضانك "
ضمت رفقة رأسه لها وهي تردد بحنان مربتة على ظهره :
" حبيبي أنا دائمًا هنا لأجلك، ودائمًا ستكون أحضاني هي نهاية يومك جاكي الحبيب "
___________________________________
" اسرع أيها الحقير، اخي مات وتعفن وأنت تقود كسلحفاة تنافس سيلين في العمر "
كان ذلك حديث مايك الصارخ وجواره يقبع آدم الذي يقود السيارة وفي الخلف ماركوس الذي كان كل ثانية وأخرى يصرخ في وجه ادم :
" ادم اسرع ما بك، الطريق خالي أسرع أكثر "
ضرب ادم المقود وهو يصرخ :
" تبًا لكما وللحقير مارسيلو، هذه أقصى سرعة للسيارة، ماذا افعل ؟! هل احمل السيارة على كتفي واركض بها ؟!"
صمت ادم وهو يتنفس بعنف يحاول أن يهدأ نفسه، ويعود لحالته التي استطاع الاحمقان جواره أن يخرجون منها :
" إن سمعت كلمة إضافية من احدكما، سوف اقفز بالسيارة في أول منحدر يقابلني وعندها سنلحق ثلاثتنا باخيكما "
صمت ثم تمتم بغيظ وضيق :
" لا أعلم لِمَ أنا بالتحديد من حُكم عليه باصطحابكما؟! وكأنه ينقصني اليوم "
نظر مايك له ثواني، ثم هبط على كتفه بضربة عنيفة يصرخ في وجهه بتعنت :
" هل تتحدث معي بقلة احترام الآن ؟! أنا الكبير هنا "
نظر له آدم وهو يعض شفتيه ثم قال بصراخ :
" أنني اتحمل فقط لأجل أن ننتهي من هذا كله، لكن إن لمستني مرة أخرى سوف اترك المقود ولنرى من سيوصلنا لمارسيلو، هذه سيارتي وأنا من يقود؛ لذلك يا سيد أنت مجبر على احترامي "
صمت مايك وهو ينظر لماركوس في الخلف وملامح الصدمة من طريقة تعامل ادم الخشنة تحتل أوجه الاثنين، لكن تجاهلا كل ذلك طالما سيوصلهما لاخيهما الذي حدثتهم فتاة عنه منذ ساعة تخبرهم أنه مات .
أشار مايك لسيارة تقف جوار بناية وهو يصرخ :
" ها هي السيارة التي أرسلتها له، توقف جانبًا ادم"
وبالفعل اقترب آدم من السيارة وهو يتوقف بخاصته، ولم يكد يستقر بها جوار الرصيف حتى سارع مايك يخرج من السيارة وهو يصرخ :
" اخي ..."
تبعه ماركوس بفزع يركضان صوب السيارة التي تقف أمامها فتاة تبدو كهر مبتل، كانت ترتعش وتبكي خوفًا وهي تردد بتوتر وقلق :
" لقد كان بخير حتى أوصلني هنا، وعندما توقف بالسيارة هبطت لإحضار حقيبتي، لكنه لم يهبط ليساعدني، وعندما اتيت رأيته بهذا الوضع "
كانت راسيل تتحدث وهي تنظر لمارسيلو بخوف عليه، بينما مايك يقترب من مارسيلو وهو يقول بتأثر ودموعه تكاد تهبط :
" يا اخي ما الذي حدث لك ؟!"
تحدث ماركوس وهو يقترب من السيارة :
" هل تناول شيئًا ؟!"
هزت راسيل رأسها وهي تنفي حديثه :
" فقط طعام الطائرة "
نظر آدم وماركوس لبعضهما البعض وشعور أنه ربما تسمم هو الأقرب للحقيقة، نظر ماركوس لمايك الذي كان يحاول رفع رأس مارسيلو من على المقود بهدوء وحنان شديد وهو يهمس :
" مارس عزيزي من فعل بك هذا ؟؟"
لكن وأثناء رفع رأس مارسيلو تمتم مارسيلو بشيء وهو يبعد يد مايك بغيظ وبعدها عاد واستند برأسه على المقود يعود لحالته الاولى، وبمجرد حدوث ذلك حتى عادت راسيل للخلف برعب ظنًا أنه استافق من موته، لكن مايك ضيق عينيه وهو يقترب منه يخفض رأسه حتى يرى وجهه، ثم تحدث بهدوء :
" مارسيلو ؟! "
ولم يصل له رد من مارسيلو، لذلك ودون تفكير مد يده وصفعه صفعة عنيفة وهو يصرخ :
" استيقظ ايها الكسول كدت تقتلنا "
فتحت راسيل فمها بصدمة من حديث مايك، ثم اقتربت وهي تقول بعدم فهم ونظراتها تتحرك على وجه مارسيلو الذي كان يفرك وجهه بنعاس :
" ما الذي حدث ؟! هل كان نائمًا ؟! لفظ حاولت اكثر من مرة ايقاظه لكنه لم يفعل "
ابتسم مايك بحنق وهو يدفع جسد مارسيلو بعنف المقعد المجاور للسائق وهو يقول برتابة تدل على أن ذلك يحدث كثيرًا :
" لا بد وأنه لم ينم في الامس، هو يصبح كالزومبي عندما لا ينال قسط من الراحة تكفيه للتحرك، وتجديه ينام في أي وقت وأي مكان بلا أي مقدمات "
أنهى كلماته وهو يصفع وجه مارسيلو بغيظ :
" ذاك الكسول هو هكذا منذ كان طفلًا "
رمقته راسيل بصدمة وهي تنظر له بعدم تصديق، ثم ألقت نظرة سريعة على مارسيلو قبل أن ترتسم الحدة على وجهها وهي تصرخ بغضب جعل مايك يتراجع في مقعده بصدمة وجسده يسقط على المقعد المجاور له حيث كان ينام مارسيلو :
" للجحيم أنت والغبي مارسيلو، أنا لا أريد العمل معه مجددًا، أنا استقيل "
انتهت راسيل من كلماتها وهي تتحرك نحو البناية بخطوات سريعة جعلت الجميع يراقبها بعدم فهم، ثم عادت الأعين لمارسيلو وتحدث ماركوس بحنق وهو يتحرك صوب سيارة آدم :
" سأقتله عندما استيقظ "
تحرك آدم خلفه وهو يقول بفحيح :
" اللعنة على ثلاثتكم أيها الإخوة Ma "
نظر له مايك بتشنج ثم أخرج رأسه من السيارة وهو يصرخ بغيظ :
" وما شأني أنا أيها الاحمق؟! أنا أيضًا كاد قلبي يتوقف رعبًا على ذلك الكسول"
ختم كملته وهو يصفع مارسيلو مجددًا ليعلو صوت حانق من مارسيلو وهو يدير وجهه بعيدًا عن مايك، بينما مايك تحرك بسيارته وهو يتحدث بنزف:
" أيها المغفل كيف تنام هكذا في أي مكان، ماذا لو كنت في مكان خطير وسقطت كالجثة هكذا ؟! من كان سيعلمنا؟! جيد أن مساعدتك المجنونة اتصلت بي وإلا لكان ظهرك كُسر من النوم الطويل في السيارة "
كان مايك يقود وهو يقول بغيظ :
" فقط استيقظ وسأريك الويل "
____________________________
تجلس كعادتها جلستها المفضلة أعلى منزل لولو وجوارها يجلس فبريانو الذي كان يشرد في السماء، قبل أن يقول بصوت خرج بعد تنهيدة قصيرة :
" سوف اعود غدًا لإيطاليا لأجل الــ "
لكن لم يكمل كلمته بسبب استدارة روبين المفاجئة له وهي تفتح عينها بصدمة :
" هترجع وتسيبني هنا ؟! "
ابتسم فبريانو بسمة صغيرة، ثم قال وهو يعود لسابق عهده يحترف التمثيل على تلك الحمقاء جواره؛ لذلك ادعى الحزن وهو يقول بتنهيدة حاول جعلها حزينة مهمومة :
" في الحقيقة روبين أنا فكرت كثيرًا قبل أن اخبرك ذلك، أعني لقد تعبت كثيرًا من الركض خلفك، أنا أود العودة للبلاد والاستقرار هناك، علّي أجد من تريح قلبي واخيرًا "
وشهقة روبين جواره أخبرته أنه أحرز الهدف في منتصف المرمى الخاص بروبين، نهضت روبين تقف أمامه وهي تقول متخصرة :
" تــ ايه يا حبيبي ؟! تريح قلبك ؟! ده أنا هريحك الراحة الأبدية لو فكرت تعمل كده، مش بعد ما اضيع كل الوقت والجهد والأكل ده معاك تيجي تقولي أود العودة للبلاد "
روبين أخرى تصدم فبريانو بظهورها المفاجئ، كان يراقبها وهي تحرك يديها أمام وجهها بشكل غريب وفمها يلتوي في حركات مضحكة، حيث ترفع طرف شفتيها تارة وتهبط به تارة .
ضربت روبين كفيها في بعضهما وهي تكمل حديثها السوقي :
" لا فوق يا حبيبي مش انا اللي هبكي على اطلالك، ده أنا هخليك أنت نفسك اطلال، اوعاك تكون مفكرني هبلة وعبيطة، لا ده انا لساني اطول من لسانك اللي عايز قطعه، لكن أنا اللي مش بحب المشاكل "
صمتت روبين وهي تتنفس بحدة، ثم فجأة تركته مذهولًا من ردة فعلها وركضت بعيدًا عنه بشكل فاجئه وبشدة، تحركت عين فبريانو مع جسد روبين التي ركضت للاسفل تاركة إياه لا يصدق ما رآه .
سمع صوت جواره يقول بتسلية :
" ايه رأيك بقى فيها ؟! تهبل "
نظر لها في فبريانو بتساؤل :
" أنتِ من علمتيها أن تفعل هذا ؟!"
" امال يعني اسيبك تيجي على البنت عشان غلبانة ؟؟ من بعد ما زعلتها المرة اللي فاتت وانا قولت مبدهاش يا لولو لازم تثقفي البنت "
نهض فبريانو بقوة وهو يقول بحنق شديد :
" ما الذي فعلتيه أيتها العجوز، لقد حولتِ ارنبي الوردي لقطة متشردة "
ابتسمت لولو وهي تعود بنظرها للحاسوب المحمول أمامها تقول بعدم اهتمام :
" وأنت عايزني اسيبها ارنب عشان تعملها على ملوخية وتطفحها؟! لا ده انا هخليها تخربش فيك لما تبوظ خلقتك دي "
في ذلك الوقت عادت روبين من الأسفل وهي تتحرك نحو فبريانو تمسح باقي آثار الدموع التي ركضت لتخفيها عن عينه، يكفيها أن تظهر أمامه الفتاة الباكية الغبية، والآن ها هي بكت كما تريد، حان الوقت لاستكمال جولة " الردح المصري "، رفعت روبين وجهها لفبريانو الذي تأوه بحب وهو يقترب منها يجفف باقي الدموع عن وجهها وهو يهمس بحزن :
" ماذا فعلت بكِ تلك المجرمة ارنبي الوردي ؟! لقد حولتكِ، وادي النيل تلك "
استدارت لولو فجأة كالرصاصة وهي تقول بصوت مخيف :
" أنت قولت ايه ؟! ملكش دعوة باسمي ياجدع أنت"
" ولا أنتِ ليكِ دعوة بروبين يا لولو وإلا هتلاقيني بكرة ماشي في الحارة كلها وماسك ميكرفون وبنادي عليكِ "
ضمت لولو شفتيها بغيظ، ثم نظرت لروبين التي يبدو أنها أنهت جرعة الشراسة دفعة واحدة، والآن عادت مجددًا حمقاء يتم خداعها بمجرد بسمة وكلمة ..
" خليه يضحك عليكِ يا هبلة عشان يلسوعك تاني، خيبة عليكِ وعلى خلفتك"
تحدث فبريانو بغيظ :
" سيدة وادي "
" خرست، جاك مصيبة تاخدك، مش فاهمة بيتحدفوا علينا منين دول ؟!"
ضحكت روبين من بين شهقاتها وهي تنظر للولو مرددة :
متدعيش عليه يا لولو "
تشنجت لولو بغيظ، ثم عادت بنظرها للمسلسل الذي تتابعه وهي تردد بخفوت وحنق شديد :
" هتعيشي وتموتي مهزقة، حتى اكتر من بطلة الرواية اللي جوزها عطاها بالجذمة ورجعت ليه زي الكلبة "
جذب فبريانو يد روبين وسحبها بهدوء للمكان الذي كان يجلس به معها وهو يقول بهدوء يشرح لها كل شيء :
" حبيبتي أنا سأعود للبلاد لأن جدي يريد ذلك، وليس لأنني سأستقر هناك، روبين أنا استقراري وطمأنينتي حيث أنتِ اعلمي هذا "
هزت روبين رأسها بتفهم وهي تقول :
" يعني أنت مش هتخوني ؟!"
ضحك فبريانو بخفوت على كلماتها :
" نعم لن اخونك حبيبتي "
ابتسمت له روبين، ثم عادت بنظرها للسماء وهي تقول بجدية :
" بابا وماما وجاسي راجعين بكرة برضو "
نظر لها فبريانو بترقب لتكمل هي ببسمة :
" ولأول مرة من سنوات طويلة هنتجمع "
ابتسم لها فبريانو وهو يمسك يدها يحرك اصابعه على كفها بحنان، ثم قال ببسمة واسعة وسعادة كبيرة :
" هذا يعني أنني بمجرد أن أعود لمصر، سوف آتي وأطالب بك ارنبي الوردي، ووقتها صدقيني لن ارحل من أمام منزل بدونك، وإن عارضني العالم كله فليحترق، فلا امرأة لي سواكِ، ولا حياة لي في بعدك "
كانت روبين ترمقه بترقب لباقي حديثه لكنه صمت وقد انتهى بالفعل لتضيف روبين بعدم فهم :
" بس كده ؟؟"
" ماذا ؟!"
اعتدلت روبين في جلستها وهي تقول بتوضيح :
" مش حابب تضيف حاجة، زي قبيحة أو أكثر النساء قبحًا، يعني كلامك خلص كده ولا أنت بتجرجرني الاول وبعدين تديني على دماغي ؟!"
ضحك فبريانو بصخب، ثم أمسك خديها بمشاكسة وهو يقول :
" هل تزعجك كلماتي اللطيفة ؟!"
" لطيفة ؟! هي دي كل فكرتك عن اللطف ؟! امال لو كنت قاصد تتنمر أو تكسر بخاطري كنت قولت ايه ؟! "
ابتسم فبريانو وهو يقترب منها هامسًا "
أخبرتك سابقًا أنه عندما اخبرك كم أنتِ قبيحة، فأنا اقصد العكس، روبين أنا لا استخدم كلمة جميلة هذه سوى في حالات السخرية فقط "
صمت ثم أضاف بجدية :
" والآن ما رأيك بعناق وداع حنون ؟!"
__________________________
خرج انطونيو من المرحاض وهو يرتب خصلات شعره بيده، ينظر في أرجاء الغرفة بحثًا عن روما، لكن لم يجدها، انكمش وجهه بتعجب يتحرك خارج الغرفة بعدما بدل ثيابه الرسمية لأخرى منزلية مريحة، تحرك حافي القدمين في ممرات القصر يبحث عن روما، وما كاد يفتح فمه لينادي عليها حتى لمح باب غرفة روز مفتوح و روما تجلس على الفراش رفقتها وهي تبكي بشكل أصاب قلبه في مقتل .
توقف انطونيو جوار الباب وهو يستمع صوت روما الباكي وهي تتحدث مع روز، رغم عدم مقدرة روز للرد _ حسب معرفة انطونيو _ إلا أن روما لم تتوانى عن البكاء والشكوى :
" لقد أخبرني أنه ليس غاضبًا روز، لكنني في داخلي اعلم جيدًا أنه حزين وغاضب، هو فقط يحاول تخفيف من وطأة الأمر "
صمتت ثم قالت ببكاء أكثر :
' أشعر بالرعب من فكرة أن انطونيو قد يتغير معي، أو يقلل ..."
صمتت وهي تنفجر في البكاء، لتتدخل جولي من حيث لا يدري في تلك اللحظة وهي تربت على روما تقول بهدوء :
" الجميع هنا روما يعلم جيدًا كم يحبك ذلك القبيح، ورغم كرهي له، إلا أنني لا اعتقد أنه من ذلك النوع الذي يقل مقدار حبه بمجرد موقف صغير كهذا "
تحدثت روما بصراخ لم تتحكم به من بين شهقاتها :
" أي موقف صغير هذا جولي؟! هل ما حدث تسمينه صغير ؟؟"
وضعت روما يدها على فمها وهي تحاول تمالك أعصابها تهمس بتعب :
" أنا أشعر حقًا بالخوف جولي، بل الرعب من فكرة أن انطونيو قد يمل مني يومًا "
وها هي روما قد لمست النقطة التي تسببت في أرق جولي أيام، و مازالت تفعل لدى روز التي تخشى أن يتركها جايك يومًا ...
" روما "
لم يكن ذلك الصوت من جولي أو حتى روز، بل كان صوتًا اجشًا هادئًا، صوت انطونيو الذي كان يقف خارج الغرفة يتحدث بهدوء وبسمة :
" كنت ابحث عنك منذ دقائق، هيا حبيبتي للنوم "
مسحت روما دموعها بسرعة وهي تنظر للفتيات بتردد، لكن دفعة جولي القوية كادت تسقطها ارضًا وهي تزجرها بنظراتها مغتاظة :
" اذهبي له يا فتاة ما بكِ ؟!"
ابتلعت روما ريقها وهي تنهض من الفراش تتحرك نحو انطونيو ببطء وتردد تحت نظرات جولي المغتاظة، ونظرات روز المشجعة، ثم وقفت أمام انطونيو ولم تكد تتحدث، حتى سحب هو يدها بلطف معه تاركًا روز وجولي ينظران لاثرهما بلطف، قبل أن تتحدث جولي وهي تلوي شفتيها :
" أنا اكره هذا الرجل حقًا "
في الغرفة بمجرد أن دخل انطونيو اغلق الباب خلفه وماكادت روما تفتح فمها وتتحدث، حتى تفاجئت به يضمها لاحضانه بكل حنان وهو يهمس قرب أذنها برفق :
" اشتقت لكِ جميلة الجميلات "
فتحت روما فمها بصدمة وهي تستشعر ضمته وقد بدأت دموعها تتجمع في عينها مجددًا تهمس بصوت مختنق بالدموع :
" انطونيو اقسم أنني لم اقصد أن اخفي عليك أمرًا كهذا، لكنني ظننت بكل غباء أن الماضي يمكن دفنه ونسيانه، اقسم لك هو لم يقترب مني يومًا أنا لم اســ "
" اشششش انتهينا من هذا كل روما، ارجوكِ أنسي كل هذا حبيبتي، ودعينا نبدأ الفصل الجديد من حياتنا دون أي شائبة من الماضي "
ابتسمت روما بسمة صافية صغيرة وهي تدفن وجهها في صدره انطونيو هامسة بحب :
" شك?