رواية احفاد اليخاندرو الجزء الثاني (الوجه الاخر للمافيا) الفصل الثالث عشر بقلم رحمة نبيل
كانت أنظار مارسيلو معلقة على الباب الخاص بالفندق وهناك العديد من الرجال يسارعون في غلقه، حرك عينه بين الباب والطاولة التي يجلس عليها، ثم أمسك هاتفه الذي يتوسط الطاولة، وسريعًا أجرى اتصالًا برقم راسيل، لكن بعد رنين طويل لم يجد ردًا من جهتها، أعاد الاتصال مرة أخرى وهو يتناول رشفة من قهوته، يفكر أنها لم تبتعد كثيرًا ....
جاءه الرد باردًا منها وهي تقول بحنق :
" ماذا ؟! أنت الآن تقطع علىّ متعتي "
" عزيزتي إن لم تعودي الآن للفندق فسوف تأتي عاصفة تقطع عليكِ حياتك بأكملها "
لم تفهم راسيل أي شيء من حديث، تنظر حولها تراقب ركض بعض الأشخاص في الشوارع نحو المنازل، وبعض المحلات التي تُغلق بقوة :
" أي عاصفة تلك ؟! ثم ما شأنك أنت بي ؟!"
" ما الذي تقولينه راسيل؟! بالطبع لي شأن بكِ، أنسيتي أن مفتاح المكتب معكِ ؟! "
ضحكت راسيل بسخرية وهي تتحرك بصعوبة بسبب الجليد الذي يرتفع عن مستوى الأرض بكثير، وزاد الأمر أن الفندق الذي يقيمون فيه، يقبع أعلى منحدر أشبه بالجبال، مما يجعله أكثر عرضة للثلوج وأكثر كثافة من باقي الدولة :
" هل اتصلت بي حتى تزعجني ؟!"
" أيتها الحمقاء سوف تهب عاصفة خلال ساعة من الآن، عودي للفندق الآن"
كانت جملته وعكس طبيعته حادة غاضبة، جعلت راسيل تشعر بالرعب وأنه لا يمزح معها؛ لذلك توقفت في سيرها بخوف وهي تدور حول نفسها تبحث عن طريق عودتها، لكنها فشلت في ذلك، فكل ما حولها ثلج وفقط، هنا وبدأت ترتعب وهي تهمس في الهاتف :
" لا استطيع "
جن جنون مارسيلو وهو ينهض من مكانه :
" لا تستطيعين ماذا بالتحديد ؟! راسيل لا وقت لمزاحك، العاصفة قوية، عودي للفندق "
بكت راسيل من الجانب الآخر وهي تهتف برعب :
" لا استطيع العودة مارسيلو، لا استطيع، أنا لا أعرف أي شيء هنا "
تحرك مارسيلو صوب باب الفندق الخلفي الذي خرجت هي منه للتو، يركض في ممرات الفندق بشكل أرعب الجميع، لا يهتم بمن حوله وهو يتحدث بجدية كبيرة بعيدًا عن أي لا مبالاة أو سخرية تحملها نبرته عادة :
" حسنًا اهدئي، فقط اوصفي لي المكان من حولك، أخبريني عن أي محل جوارك، أي شيء يدل على مكانك "
استدرات راسيل حول نفسها وهي تقول بدموع :
" هناك الكثير من الثلوج هنا "
توقف مارسيلو عن الركض وهو يصيح بلهفة وكأنه علم مكانها :
" حقًا ؟! هل أنتِ في الثلاجة ؟!"
انكمشت ملامح راسيل بعدم فهم لسؤاله، لكن فجأة انتفضت وهي تستمع لصرخته العالية وهو يقول بجنون :
" يا حمقاء أنتِ في منطقة جبلية في روسيا بالقرب من القطب، بالطبع سيكون هناك ثلوج في كل مكان، أخبريني بأي شيء مميز، ليس شيء موجود في جميع أنحاء البلاد "
شعرت راسيل بالبرودة تصيب جسدها أكثر وأكثر وهي تنظر حولها، تحاول تمييز أي شيء ينقذها من ذلك الموقف، وقد بدأت ترتعب أكثر وأكثر، حتى لمحت عينها شيء جعلها تقول بلهفة كبيرة :
" محطة وقود، مارسيلو هناك محطة وقود هناك اسمها ..... "
وصل مارسيلو لباب الفندق وهو يقول بسرعة محذرًا :
" حسنًا ادخلي للمحطة، ولا تتحركي مهما حدث، سمعتِ ؟! اياكِ والتحرك منها راسيل، أنا سوف آتيكِ "
أنهى كلماته وهو يتقدم من البوابة يشير للرجال أن يفتحوا له الباب، لكن كل ما لاقاه كان الرفض من جهتهم مشددين على أن الخروج في هذا الوقت يعرضه للخطر، لكن مارسيلو لم يأبه بهم وهو يصرخ في وجوه الجميع أن يفتحوا الباب له :
" أخبرتك أن تدعني أخرج "
" سيدي الخروج الآن يعرضك لخطر كبير، خلال دقائق ستقوم عاصفة قوية، ما الذي قد تفعله في الخارج الآن ؟!"
ادعى مارسيلو البرود وهو يجيب ببسمة سمجة :
" سوف اسير مع نفسي قليلًا فأنا أشعر بالضيق هنا "
أنهى حديثه الساخر وهو يخرج مسدسه يقول ببسمة مخيفة :
" افتح هذا الباب الآن، ولا تدفعني للسير على جثتك لفتحه "
_______________________
" الويل لك يا جايك "
انتصب جسد جايك وهو يستمع للصوت خلفه، بينما تعلقت عين روز خلفها وهي تنظر لادم بدقة، لكن ادم لم يمنح أيًا منهما الفرصة في التفكير بشيء، حتى جذب جسد جايك لجعله يستدير له، ثم عاجله بلكمة عنيفة وهو يصيح في وجهه بشر :
" أيها الحقير تهددني منذ الصباح بالقتل؛ لأنك عانقت هايز ؟! من المفترض به أن يهدد الآخر يا احمق ؟!"
شهقت روز بخوف وهي تتقدم بسرعة منهما، لكن اوقفتها يد جايك وهو يعيدها للخلف معطيًا إياها دفتره، ثم ابتسم وهو ينظر لادم، ودون كلمة واحدة كانت لكمته تهبط على وجه ادم، ولم يأخذ ادم ثواني حتى رد له لكمته باقوى منه، واشتعل القتال بينهما .
اقتحمت هايز في ذلك الوقت المطبخ وهي تصيح بخوف وشعور بالذنب للتسبب في ذلك القتال بغبائها يقتلها:
" آدم لقد كان بالخطأ، اعتقدني روز لذلك عانقني، توقف عن هذا "
لم يستمع لها آدم وهو يستكمل قتاله مع جايك، الذي أخرج كل غضبه في وجه ادم، لكن ادم لم يكن بالخصم السهل، بل كانت ضرباته عنيفة بنفس الدرجة .
شعرت هايز بالخطر من استمرار ذلك القتال؛ لذلك ركضت بسرعة خارج المطبخ للبحث عن مساعدة وأحضار من يمكنه إيقاف ذلك القتال بين الاثنين .
_____________________________
على الجانب الآخر :
سمع جاكيري صوت اقدام تقترب يتبعها جملة أحد الرجال :
" مين هنا "
كاد توفيق يفتح فمه للحديث، لكن جاكيري اكتفى من غباءه، ليكمم فجأة فمه وهو يجذبه عنوة لإحدى الغرف الفارغة في الشقة الخاصة بالمراقبة، وهو يهمس بجانب أذنه :
" إن فشلت تلك الخطة توفيق، اقسم لك أن اقيدك في إحدى الأشجار واترك سيلين تحدد مصيرك "
فتح توفيق عينه على اتساعها وهو يحاول التحدث، لكن جاكيري لم يمنحه الفرصة وهو يحرك يده الحرة يضغط على السماعة التي تحتل أذنه، يستمع للحوار الذي يدور في الخارج :
" فيه ايه يا سعد مش قولت هتجيب محفظتك؟! "
" معرفش يا حسين، جيت لقيت الباب مفتوح، وحاسس أن فيه حد في الشقة "
فتح توفيق عينه بفزع وهو يلطم وجنتيه، ولولا يد جاكيري التي تغطي فمه لكان ولول كالنساء، شزره جاكيري بشر وهو يرهف السمع مجددًا ..
" يعني مين اللي هيدخل يعني يا سعد، تلاقيه الزفت اللي جاي جديد ده هو اللي خرج اخر واحد، وعلى طول بينسى الباب مفتوح، بعدين فكك يلا هات المحفظة خلينا نلحق الشغل التاني "
سمع جاكيري خطوات اقدام تتحرك صوب الغرفة التي هم بها وصوت الرجل يردد بجدية :
" على رأيك، الواحد خلاص مبقاش عارف يلاحق على نفسه، يخلص من شغل يروح على التاني، مش عارف امتى هستريح "
أنهى حديثه وهو يحرك مقبض الباب يحاول فتحه، لكن من الداخل كان جاكيري يمسكه يمنع فتح الباب، والحارس من الخارج يحاول فتحه، اشتدت عين جاكيري وهو يحرك يده نحو سلاحه يفلت المقبض شيئًا فشيء استعدادًا لمعركة حامية، بينما توفيق أفلت من يده وهو يركض في أرجاء الغرفة واختبأ أسفل طاولات الأجهزة الخاصة بالمراقبة، يخفي جسده بسرعة .
وكأن القدر في تلك اللحظة وقف مع جاكيري حيث سمع صوت في الخارج ينادي :
" مش دي محفظتك يا سعد ؟!"
ترك المدعو سعد المقبض وهو يستدير لصاحبه ينظر ليده التي تحمل محفظته، يقول ضاربًا رأسه بغيظ :
" الواحد مش عارف بقى بيرمي حاجاته فين ؟! خلاص عقلي هيفوت مني، ابقى فكرني نقول للبواب واحنا خارجين يبعت حد يشوف الاوكرة ( مقبض ) بتاعة الباب، شكلها علقت "
" طب يلا بس لاحسن كده فيها خصم "
وتحركت الخطوات بعيدًا عن الباب وقد بدأت الاصوات تتلاشى شيئًا فشيء، حتى وصل لمسامع جاكيري صوت غلق الباب الخارجي للمكان، لتخرج منه زفرة عالية بعض الشيء وهو ينزع يده ببطء من على المقبض، يخفي مسدسه في جيبه مجددًا، ثم نظر حوله باحثًا عن توفيق والذي خرج من أسفل الطاولة وهو ينفض ثيابه يقول ببسمة واسعة :
" الحمدلله قدر ولطف، كنا هنروح في خبر كان، بس لعلمك أنا اساسا كنت مجهز خطة بديلة عشان لو اتكشفنا "
بدأ توفيق يحرك يديه في الهواء شرح خطته البديلة تلك لجاكيري الذي كان يقف أمامه يرمقه بجمود وعدم اهتمام، لكن توفيق لم يتوقف وهو يشرح له الأمر :
" عندما يدخل علينا احد المرة المقبلة، كل ما علينا فعله هو قول أننا ضللنا الطريق عندما كنا نبحث عن المرحاض في شقتنا، وسبحان الله مرة واحدة لقينا نفسنا في الشقة هنا، وأنت كل ما عليك قوله هو، الاه ايش اللي جبنا اهنه ؟! "
مدّ جاكيري يده يضم بها وجه توفيق مانعًا إياه من إكمال الحديث، ثم ازاحه جانبًا بحنق وهو يعض شفتيه، وتحرك صوب أجهزة المراقبة :
" لا اعلم حقًا أين كان عقلي عندما لحضرتك معي "
رفع توفيق طرف شفتيه في سخرية وهو يردد :
" وهو أنت كنت فاكر أنك من غيري تقدر توصل للـ لحظة دي ؟! لا فوق ده أنت لولايا كان زمانك بترقص لرفقة قدام السجن وتغنيلها الملاحة الملاحة وحبيبتي ملو الطراحة "
تجاهله جاكيري، يخرج من جيبه هاتفه ليجد أن مارتن مايزال معه على المكالمة، وضع جاكيري الهاتف على أذنه وهو يقول بجدية :
" مارتن هل أنت معي ؟!"
على الجانب الآخر اعتدل مارتن في جلسته بجدية وهو يجذب الحاسوب له اكثر يقول بحذر :
" هل المكان الآن آمن ؟! "
" نعم، أنا الآن أمام الحاسوب "
تحدث مارتن بجدية وهو يحرك أصابعه على الحاسوب أمامه :
" افتح مكالمة مرئية جاكيري، دعني أرى كل شيء تفعله، لن يستغرق الأمر دقائق "
وكذلك فعل جاكيري وهو يتجاهل توفيق الذي كان يلتصق به كالعلقة، مرددًا :
" شجر مانجة اللي وراه ده ؟! ده أنا كنت بدوخ على مانجة في ايطاليا"
أبعده جاكيري عنه بحنق وهو يجعل المكالمة مرئية يرمق مارتن وجولي التي تلتصق به كما يفعل توفيق معه .
ابتسم بسمة جانبية ساخرة وهو يحرك كاميرا الهاتف صوب الأجهزة يتحدث بجدية :
" الآن ماذا ؟!"
ابتسم مارتن وهو ينظر لتلك الأجهزة التي كانت متواضعة بعض الشيء، مما ينبأه أن عمله لن يكون بالعسير، بل سيكون بضغطة زر فقط :
" الآن ضع الذاكرة الإلكترونية في الحاسوب و....."
" مارتن، جايك وادم يتشاجران في الداخل "
كانت تلك الجملة خارجة من هايز التي كانت تتنفس بحدة بسبب ركضها من للمطبخ حتى الحديقة .
استدار لها مارتن بجدية وهو ينظر للشاشة أمامه، قبل أن ينهض وهو يحمل حاسوبه على يده يتحدث مع جاكيري أثناء تحركه للداخل :
" أنا مللت من كل هذا حقًا، اقسم أن أتصل بانطونيو وأخبره بكل ما يحدث هنا، جاكيري ضع الذاكرة كما أخبرتك ثم ابحث عن المستند الخاص بها على الحاسوب "
اقتحم مارتن المطبخ وهو مازال يتحدث مع جاكيري، ليجد أن جايك وادم قد حطما نصف المطبخ تقريبًا أثناء الشجار؛ لذلك صرخ بهما في غضب كبير :
" أيها الاحمقان، توقفا عما تفعلان، اقسم أن أخبر سيلين بكل ما فعلتماه في مطبخها، عسى أن تأتي وتخلصني منكما، وأنت جايك ما بك اصبحت تتشاجر مع الجميع في الآونة الأخيرة ؟! "
لكن أيًا من جايك أو آدم لم يهتما، واستمرا في الشجار، ترك مارتن الحاسوب على طاولة المطبخ وهو يتحرك بعنف صوبهما، لتقف جولي امام الحاسوب وهي تنظر للهاتف الموضوع جواره ترمق الأجهزة التي يصورها جاكيري بتركيز :
" حسنًا جاكيري أنا سأكمل الأمر معك لحين ينتهي مارتن من شجار ادم وجايك، اتبع تعليماتي رجاءً "
مسح جاكيري وجهه بحنق وهو يدير الكاميرا لوجهه متحدثًا بجدية :
" جولي وجهي الهاتف لهما "
" ماذا؟! اعطني فرصة لإثبات نفسي "
" جولي افعلي ما قلته "
كانت جملة جاكيري مغتاظة وحادة، لتحمل جولي الهاتف مكرهة وهي تتحرك صوب الاثنين اللذين يتشاجران ومارتن الذي يحول بينهما وهو يكاد يقتلهما، رفعت جولي الهاتف بعيدًا بعض الشيء عنهما، وثواني فقط هي ما مرت حتى على صوت جاكيري الغاضب في المكان باكمله :
" اقســـــم إن استمـــــر الامـــــر ثانيـــة اخــــرى، سأحضر اول طائرة للبلاد واجعل من جسديكما العفنين اهدافًا لمسدسي "
وعلى كلمات جاكيري تلك توقف الجميع عما يفعل، وعم صمت مريب في المطبخ، ونظر كلًا من آدم وجايك لبعضهما البعض بريبة، ولم يكد مارتن يتحدث حتى وصل للجميع صوت جاكيري الغاضب:
" والآن ارحلا من هنا "
وفي الثانية التالية كان المطبخ فارغًا إلا من روز وجولي ومارتن، حيث خرج ادم من المكان متذمرًا تتبعه هايز، بينما جايك كان يتمتم بضيق وهو يسب الجميع متحركًا صوب غرفته، راقبهم مارتن بتشفي قبل أن ينتفض وهو يستمع لحديث جاكيري :
" هيا مارتن لننتهي من هذا "
تحرك مارتن صوب الحاسوب والهاتف يراقب ما يصوره جاكيري وشاشة حاسوبه قبل أن يتحدث بجدية :
" حسنًا جاكيري اضغط على تلك الأيقونة الحمراء التي تعلو الشاشة من اليسار "
" هذه ؟!"
" نعم، اضغط عليها "
تحركت روز من المطبخ بهدوء تاركة مارتن ينهي ما يفعل، وجولي تلتصق به وهي تراقب ما يحدث ببسمة واسعة و فخر كبير بمارتن، وكأن طفلها يحبو أمامها لمرته الأولى.
" جيد، الآن اضغط على الزر في اعلى يسار الشاشة، واترك الباقي لي "
وكذلك فعل جاكيري ليصل له صوت مارتن وهو يقول بجدية :
" حسنًا جاكيري انتظر فقط عشر دقائق، ثم انزع الذاكرة، وأخرج من المكان بأكمله، دورك انتهى هنا "
______________________________
دخلت المجلة وهي شاردة فيما حدث منذ ساعة تقريبًا رفقة مايك، ذلك الغريب الذي اقتحم حياتها الفوضوية، ذلك الذي تخشى أن تضعه في مكانًا عاليًا، ثم يخذلها كـ سابقيه، وعلى ذكر سابقيه، التقت عين لورا برفيقتها التي كانت معها هي وماليكا منذ ساعات، تلك التي خجلت أن تدعوها لعيد ميلادها، ثم تعاونت مع ماليكا على وضعها في موقف سيء كالذهاب دون موعد لمركز مافو .
" مرحبًا لورا، هل انتهيتِ من تصميم فستانك ؟!"
هزت لورا رأسها بنعم، ثم تجاوزتها لا تود أن تستغرق معها في الحديث، حتى لا تطفو خيبة أملها ووجعها من فعلتها على ملامحها، لكن رفيقتها اوقفتها وهي تمسك بيدها بسرعة مبتسمة :
" لم تخبريني أنكِ رفيقة لمافو، هل سبق ورأيتِ وجهه ؟؟"
رمقتها لورا وهي تفكر في كيف يعيش مثل هؤلاء الأشخاص، الأشخاص الذين يتغذون على المصالح، وإن نضب مخزونك منها، انفضوا من حولك مترفعين عن رفقتك، حتى تأتي لهم بمخزون جديد من المنافع، ليسارعوا ويلتفوا حولك باحثين عن نصيبهم منها .
ولا يبدو أن الفتاة اهتمت بجمود لورا التي حتى لم تنطق كلمة واحدة منذ دخولها للمكان، وهي تتابع بحماس شديد :
" بالطبع رأيتِ وجهه يالغبائي، حسنًا كنت أتساءل إن كان بإمكانك التوسط لي عنده ومساعدتي للحصول على موعد، فأنا أود أن يصمم لي فستان من توقيعه "
رمقتها لورا بصمت، ولا تعلم ما يجب قوله، فهي في هذه الحالة أشبه بمن فقد النطق، تشعر بالمرارة تتسرب لنفسها وهي تجد زميلتها في العمل والتي كانت على وشك أن ترقيها لتشغل مكانة صديقة، تتملقها فقط لأجل الحصول على ما تريد .
" في الحقيقة عزيزتي، لا اظن أن مافو متفرغًا لمثل هذه الامور، في الأساس هو مشغول وبشدة هذه الفترة، وقد فرّغ جدوله لأجل تصميمي بصعوبة ولأنني رفيقته فقط؛ لذلك أنا لا يمكنني أن أخبره بأمر تصميمك فأنا أعلم يقينًا أنه سيوافق لأجلي، وأنا لا أريد استغلال رفقتنا وأثقل عليه في العمل، والآن سأذهب لأكمل عملي، اراكِ في المكتب "
مستغلة و كاذبة؟! نعم هي كذلك، لكن هذه هي المرة الأولى التي تشعر فيها بالثقة وهي ترد على أحدهم، ويبدو أن مايك كُتب عليه أن يكون تميمة ثقتها حتى في غيابه، فها هي تستغل اسمه وبكل وقاحة لتصنع به جدارًا لامعًا حولها، جدارًا يجذب الأنظار نحوها فلا تكون مهمشة، وفي نفس الوقت يمنع أحد من تخطيه فلا تكون محاطة بالمستغلين، أحسنتِ لورا، الآن اصبحتِ كاذبة مستغلة حقيرة .
لم تنس لورا أن تلقي نظرة عابرة غير مهتمة على ماليكا التي كانت تقف رفقة إحدى زميلات العمل وتتحدث معها هامسة، وتكاد تجزم، أن ذلك الحديث عنها، لكن ولأول مرة لا تبتأس لأجل ذلك، بل خطت بكل ثقة لمكتبها وهي تقول مستعيدة لورا القديمة تفتح ذراعيها بمرح، للوحيد الذي لم يتغير يومًا عليها أو يطلب ثمنًا لقربه منها :
" موسى العزيز، يا من اشتقت لتناول طعامه، ها أنا ذا "
رفع موسى رأسه من على الاوارق أمامه وهو يبتسم بسمة واسعة مرحبة برفيقته اللطيفة الرقيقة :
" لا، هذه المرة اخذت احتياطاتي وأخبرت زوجتي لتعد طبقًا اضافيًا لأجلك "
ضحكت لورا وهي تتجه صوب مكتبه متحدثه بامتنان :
" يا رجل هل هناك من هو بمثل لطفك أنت وزوجتك ؟!"
ضحك موسى وهو يرفع علبة الطعام أمامها :
" كل هذا لأجل علبة طعام ؟! أيتها المتملقة "
أخذت لورا علبة الطعام وهي تمنحه بسمة واسعة، ثم تحركت صوب مكتبها تتجاهل رفيقتها التي دخلت بملامح مكفهرة دون أن تلقي التحية على أحد، تشعر بالذنب لما قالته، لكنها تعود وتهمس لنفسها أنها لم تخطأ، ليس عليها أن تكمل حياتها تتقبل استغلال الجميع حولها، فقط حتى لا تصبح وحيدة، تنفست وهي تتذكر حديث طبيبها ( احيانًا أن تكوني وحيدة، خيرًا من أن تعيشي وسط أشخاص مؤذيين لورا )
__________________________________
كانت تجلس أمام التلفاز بملل، تحاول شغل عقلها عن ذلك الازعاج القادم من الخارج، تمنع نفسها من النهوض والتحرك للخارج والصراخ في وجه ذلك المزعج الوقح، ليس لأنها لا تود افتعال مشاكل معه، بل لأن ركبتها تؤلمها وبشدة، زفرت بتعب وهي تستمع لصوت قادم من داخل المنزل ليصبح الازعاج مزدوجًا الآن .
نهضت من مكانها تتحرك بتعب مستندة على عكازها حتى وصلت للغرفة التي تحتلها تلك البائسة منذ عادت من ساعات، فتحت الباب بهدوء وهي تقول بصوت حنون :
" روبي حبيبتي "
كانت روبين تدفن وجهها في وسادتها وهي مستمرة في البكاء منذ عادت، لا تجيب حديث جدتها، لكن لولو تحركت وهي تهز رأسها بشفقة عليها، تقف أمام النافذة التي تكاد الضوضاء من الخارج تنتزعها من مكانها تصرخ بغضب :
" أنت يا حيوان بطل قربت تطرشنا، بيب بيب بيب ايه فرح هو ؟! "
أنهت حديثها وهي تزفر بضيق تلتفت برأسها لروبين :
" يابنتي لو حابة تكتئبي تعالي زعقي للجبلة ده وقوليله يمشي من هنا، مش هتعرفي تكتئبي كده في الدوشة دي "
رفعت روبين رأسها من الوسادة، تتحدث بأعين منتفخة :
" مش عايزة اشوفه يا تيتة خليه يمشي من هنا، قوليله خلاص خلصنا "
تنهدت لولو بحزن على حفيدتها وحزنها الذي لا تعرف له سبب، فهي منذ عادت من الخارج وهي تبكي بهذا الشكل، والآخر يرابط بسيارته أسفل النافذة رافضًا التحرك قبل أن يزيد أمراضها واحدًا ويصيبها بالصمم .
" سمعت؟! سمعت قالت ايه ؟!"
كانت كلمات لولو الصارخة موجهة لفبريانو الذي هبط من سيارته يستند عليها أسفل نافذة روبين يضم ذراعيه لصدره :
" لا لم أسمع "
" ما أنت اطرش "
" أيوة أنا اطرش، نادي روبين خليها تخرج "
نهضت روبين من فراشها وهي تتحرك بخطوات عنيفة صوب النافذة تزيح جدتها بهدوء ومرعاة، ثم وقفت تقول بصوت خرج ضعيف بسبب طول فترة بكائها :
" عايز ايه يا فبريانو؟! مش قولنا أننا خلصنا خلاص ؟!"
" أنتِ قولتِ ياروبين، أنا مقولتش حاجة، ولا أنتِ عطتيني فرصة اقولك حاجة"
تحدثت روبين بحسرة وقهر :
" وتقول ايه ؟! تقول ايه بعد ما خبيت عليا حقيقتك الفترة دي كلها وخدعتني، تقول ايه وانا مبقتش عارفة ابص لنفسي في المرايا لاحسن الاقي حمار "
تحدث فبريانو ببسمة صغيرة :
" أنتِ لستِ بحمار روبين، أنتِ ارنب وردي لطيف "
" لا أنا حمارة وغبية، حمارة عشان حبيتك، وغبية عشان ما اخدتش بالي من خداعك، يا شيخ ده أنت ولا مرة فكرت تصارحني فيها بحقيقتك القذرة "
اغمض فبريانو عينه يحاول تمالك غضبه :
" روبين دعيني اتحدث معكِ بهدوء، أنتِ تحكمين دون سماع الأمر مني، حكمتِ فقط من حديث روزيلا "
أطلقت روبين سبة فاجئت فبريانو، ثم اتبعتها بصرخة مجنونة :
" اه الظاهر إن الآنسة موزريلا بتاعتك دي معرفة قديمة، اتاريها كانت بتتلزق بضمير فيك، وتبعد ليه ما هو الاستاذ عمال يحضن فيها "
صمتت ثم قالت ببكاء وقهر صارخة:
" اللهي يحضنك قطر يا فبريانو "
أنهت كلماتها وهي تنفجر في البكاء، تبكي خداعه، وتبكي تقربه من تلك الفتاة بهذا الشكل، بينما فبريانو تأوه بحزن وهو يراقب حالتها تلك :
" هل ذلك سيسعدك روبين ؟!"
رفعت روبين عينها تنظر له من بين سحب دموعها بعدم فهم، ليوضح هو حديثه بجدية :
" هل سيسعدك أن أقف أمام القطار وتتخلصين مني ؟؟ إن كان ذلك يسعدك فسأفعلها "
هنا وانهارت روبين في البكاء أكثر وهي تقول بوجع :
" امشي يا فبريانو، امشي من هنا ارجوك "
وقف فبريانو في منتصف الحديقة بعدما دخلها أثناء حديثه معها يصيح بصوت عالي :
" أنا لن ارحل من هنا روبين إلا عندما تتحدثين معي، فرصة واحدة هي كل ما اطلب روبين "
تحدثت لولو والتي كانت تتخذ دور المشاهدة :
" هتفضحنا في المنطقة يا اهبل، ياستي اسمعيه وخلصينا "
هزت روبين رأسها برفض وعناد وهي تقول بتعب :
" مش هقدر، مش هقدر اسمعك دلوقتي، ولا هقدر اسامحك، ليه مش قادر تفهم اللي انا حاسة بيه، أنا حاسة اني مخنوقة يا فبريانو لا قادرة اتكلم ولا قادرة اتناقش، عشان كده ارجوك امشي "
أعاد فبريانو شعره للخلف، ثم تنفس عدة مرات ليهدأ ضربات قلبه، وبعدها تحرك بكل هدوء صوب الشجرة التي تجاور نافذة روبين، وجلس أسفلها يستند عليها وهو يقول بجدية ينظر أمامه شاردًا :
" لن اذهب من هنا حتى نتحدث روبين خذي كل وقتك، والآن ادخلي لغرفتك فالجو بارد"
ضغطت روبين على شفتيها بعنف تحاول تمالك وجعها، ثم تحركت بهدوء صوب فراشه تتسطح عليه شاردة في السقف :
" ارجوكِ يا لولو سيبني لوحدي "
راقبتها لولو ثواني قبل أن تتحرك لها، تقبل جبهتها بحنان، وبعدها تحركت للخارج بهدوء تغلق الباب خلفها، تاركة روبين تنظر للسقف ثواني ودموعها تهبط بهدوء، قبل أن تنفجر في البكاء بقوة، لا تستطيع التعبير عما بداخلها، هي الآن مجروحة، شعور أنه كان يخدعها، يقتلها، لا تستطيع أن تناقشه وهي بتلك الحالة، بل لا تستطيع أن تتحدث لأحد .
وأسفل النافذة كان يجلس هو يضم قدميه لصدره يستند بذقنه عليهما يشرد في الفراغ أمامه، يردد تهويدة لطيفة هادئة كان يستمع إليها كثيرًا أثناء طفولته، ولم يشعر بنفسه، أو يشعر أن صوته يصلها حتى فراشها .
استمعت روبين لصوته الشجي والذي يظهر حزنه بوضوح ويظهر وجعه، لكن هل يُقارن وجعه بوجعها؟! ازداد بكائها أكثر وهي تنهض من فراشها صوب نافذتها تتسطح جوارها تضم نفسها للجدار تستمع لصوته الحنون وهو يهمس تلك التهويدة التي لم تفهم معناها .
سمعت روبين صوت هاتفها يعلن وصول رسالة لها، لكنها لم تهتم وظلت مسطحة مكانها تغمض عينها تستمع لصوته حتى غرقت في النوم، ودموعها تهبط دون أن تشعر .
وفي الاسفل كانت لولو تراقب ما يحدث بقلب مكلوم على حفيدتها، وذلك الشاب الذي ورغم كرهها له في البداية، إلا أنها لاحظت مقدار حبه واهتمامه بحفيدتها، وذلك يشفع له عندها، اقتربت من النافذة في الطابق الأرضي والتي تقابل الشجرة التي يجلس عندها فبريانو تراقبه يشرد في السماء يغني بصوت جميل منخفض بعض الشيء، تردد بحنق :
" هتلم علينا الجيران يا اهبل، مفكر نفسه في فيلم قديم ده ولا ايه ؟!"
بينما عند فبريانو كان بعيد كل البعد عن ذلك العالم، كان في عالمه الوردي حيث هو وروبين فقط، عالم لا يوجد به شر او كره أو قتل، لا يوجد سوى هو وهي فقط .
_______________________________
تجلس نصف جلسه في فراشها الضيق بعض الشيء تضم جسده بين أحضانها بحب، وكأنه لم يحظى يومًا بدفء سوى في هذا المكان، ابتسمت روما وهي تداعب خصلات انطونيو الذي سقط في النوم دون شعور منه، وكأنه لم ينم لسنين .
ارتسمت بسمة بحنونة على فمها تنحنى قليلًا تقبله بلطف، قبل أن تسمع لرنين هاتفها الذي اعطته والدتها لها بعد استفاقتها، حملت الهاتف وهي تنظر له بأنزعاج حتى لا يوقظ انطونيو، لكن كل ما ظهر على شاشته هو رقم محجوب، جعلها تضيق ما بين حاجبيها بتعجب، قبل أن تجيب بسرعة بعدما شعرت بتململ انطونيو بين يديها :
" مرحبًا "
" لم اتوقع أنكِ مازلتِ تحتفظين بنفس رقمك القديم، هل هذا أمر متعمد منكِ، لإبقاء الباب بيننا مفتوح طوال الوقت وأنا الغبي الذي لم اجرب طرقه يومًا "
اعتدلت روما في جلسته أكثر وهي تنظر لانطونيو بحذر تهمس في الهاتف :
" من يتحدث ؟!"
" بهذه السرعة نسيتِ صوتي ؟! يا فتاة أنتِ ناكرة للجميل، لقد كنت أقضي ليالي طويلة اغني أسفل نافذتك كعاشق احمق "
فتحت روما فمها بصدمة وهي تدقق السمح لتلك النبرة، وقد عاد الماضي سريعًا يحتل دهاليز عقلها، بعدما كانت قد حررتها منها، نزعت رأس انطونيو من أحضانها، ثم تحركت ببطء وتعب بعيدًا عن الفراش تتوخى الحذر وهي تستند على الجدار، حتى استقرت أمام النافذة التي تطل على الحديقة :
" ديفيد ؟!"
همهم ديفيد من الجانب الآخر باستمتاع وهو يسمع اسمه أخيرًا يخرج منها :
" هممم، ديفيد يا حبيبتي، اشتقت إليكِ، هل أنتِ كذلك ؟!"
شعرت روما بالهواء ينقص من حولها وهي تراقب رأس انطونيو الذي يغط في نومٍ عميقٍ برعب أن يشعر بما يحدث، ابتلعت ريقها وهي تقول بصوت خافت :
" ماذا تريد ؟!"
" لا، ما هذه اللهجة الخشنة ؟! هل زوجك جوارك ؟! "
عضت روما على شفتيها وهي تحاول التحكم في غضبها حتى لا تصرخ وتوقظ انطونيو، تردف بسخرية :
" اختصر كل هذا ديفيد وقل ما تريده، فاتصالك هذا ليس عبثًا، وليس لأنك تحبني كما تقول، فأنت لم تحبني يومًا؛ لذلك رجاءً قل ما تريده قبل أن أغلق الهاتف "
" لطالما كنتِ ذكية روما، ومازلتِ كما عهدتك، أنتِ محقة جميلتي أنا بالفعل أطمح للكثير خلف مكالمتي، لكن في البداية دعيني اقدم لكِ اعتذاري عما حدث لكِ، لم تكوني أنتِ المستهدفة، بل كان الاحمق زوجك"
" إن كان هناك احمقًا الآن فهو أنت عزيزي، وصدقني أنت لن تحب أن تواجه زوجي، ثم لا بأس إن مت فداءًا له "
قالت روما جملتها تلك وهي تحاول كتم غضبها من معرفتها المتسبب في حالتها، والاكثر أن المستهدف كان انطونيو، نيران تلبستها جعلتها تتوعد له في داخله، هي كانت ستغلق معه وتغير شريحة هاتفها وتنتهي، لكن الآن ستريه الويل .
" آه لم اعهدك شرسة هكذا، لكن لا بأس هذا سيفيدني فيما اطلبه جميلتي "
ضغطت روما على شفتيها بحنق وهي تهمس :
" توقف عن قول جميلتي تلك، وقل ما تريده قبل أن أغلق الهاتف بأكمله"
" بمجرد اغلاقك للهاتف سوف تصل صورنا الجميلة على هاتف زوجك "
انتفض جسد روما وهي تهتف باستنكار :
" أي صور تلك يا هذا ؟! لم يسبق لي يومًا أن أخذت صور رفقتك، أو تقاربت منك بشكل يدفعك لتهددني بصور كتلك التي تتحدث عنها "
" نعم صحيح، لكنني احتفظ ببعض صورك الخاصة وسمحت لنفسي بالتلاعب بها"
ولولا وجود انطونيو في الغرفة لكانت أطلقت ضحكة مجلجلة تسخر من حديثه الساذج، فها هو يستعمل اقدم خدع التاريخ ضد امرأة :
" حقًا؟! ألا ترى أن تلك الحيلة قديمة بعض الشيء، ثم هل تعلم من هو زوجي؟! سيكتشف زيف تلك الصور في ثواني معدودة ايها الأبله "
" نعم لكنه لن يكتشف زيف التسجيلات الخاصة بكِ، وأنتِ تخبريني كم تحبيني، و.... أنتِ تعلمين الباقي "
كتمت روما شهقة وهي تنظر خلفها لانطونيو مبتلعة ريقها :
" ما الذي تريده ديفيد؟! أنت تعلم أن كل ذلك كان في مرحلة مراهقتي أيها المريض، لقد كنت في السابعة عشر "
" سأكتفي بالإجابة عن الجزء الاول من الجملة واتغاضى عن الآخر "
" تحدث فلم اعد اتحمل صوتك، ماذا تريد ؟؟"
وصل لها صوت ديفيد من الجانب الآخر مرددًا بشر :
" صاحب الترتيب الرابع في العائلة، ماذا كان اسمه ؟! مارتن صحيح ؟!"
_____________________________
" توقف عن هذا، لقد سئمت ضحكاتك، منذ خرجنا من البناية وأنت لم تتوقف عن الضحك ماركوس "
ازدادت ضحكات ماركوس وهو يتذكر كيف كانت تتشاجر مع مراهق يصغرها بالكثير من الاعوام، يحاول التحدث من بين ضحكاته :
" آسف، لكن حقًا أنتِ تحتاجين للعمل جاهدة، حتى تغيري من نظرة الجميع لكِ كطفلة صغيرة في العاشرة من عمرها "
رمته فيور بحنق وهي تحاول تحمل ضحكاته المزعجة التي كان يطربها بها منذ خرجوا من المنزل، تضم ذراعيها لصدرها وهي تتحدث بحنق :
" وماذا افعل في رأيك ؟! هل اجري عمليات تجميل لاغير ملامحي ؟! "
" يا فتاة ألم تسمعي يومًا عن أدوات التزيين، والأحذية ذات الكعب العالي، وايضًا الفساتين اللطيفة التي تخص الفتيات "
لوت فيور فمها تفكر في حديثه ذلك، ثم قالت ببساطة وهي تحرك كتفيها :
" بلى كنت احيانًا ابيع اشيائي امام محلات الزينة الخاصة بالنساء و أرى كيف يتزينّ، لكن إن كنت في خيار ما بين أن تتناول طعامك وتحيا، أو أن تتزين، فلا أظنك قد تختار التزين "
وكم آلمه قلبه على حديثها والذي رغم أنه خرج منها هادئ وبكل بساطة دون تأثر من جهتها، إلا أنه فكر في كل تلك الليالي التي عانتها يومًا وحدها :
" تريدين أن تتزيني وترتدي فساتين كتلك فيور ؟!"
نظرت له فيور بتعجب من سؤاله، لكنها أجابت ببساطة كعادتها :
" ليس هناك فتاه لا تود ذلك عم ماركوس "
ضحك ماركوس ضحكة صغيرة، وكاد يجيب عليها لولا هاتفه الذي ارتفع رنينه في السيارة، حمله وهو يجيب عليه بهدوء كعادته :
" مرحبًا "
" مرحبًا سيد ماركوس "
" من يتحدث معي ؟!"
وصله صوت واثق من الجهة الأخرى يتحدث بكل هدوء :
" هذه أنا الطبيبة سارة، هل يمكنني مقابلتك لساعة رجاءً، هناك ما يحتاج لتوضيح من جهتي "
نظر ماركوس جانبه لفيور التي كانت تنظر لازرار سيارته بفضول تأبى أن تغامر وتضغط على احدهم، رغم رغبتها القوية في فعل ذلك ...
" حسنًا لا بأس، متى تودين ذلك ؟!"
" الآن إن لم أكن ازعجك عن شيء "
ضرب ماركوس يد فيور وهو يزجرها بنظراته بعدما كادت تضغط على أحد الازرار في السيارة دون معرفة ما تفعل :
" لا، لا مشكلة، سوف آتيكِ المشفى، خمس دقائق واكون أمامك "
أنهى حديثه وهو يغلق المكالمة ينظر جواره لفيور التي كانت تلوي فمها بحنق شديد، بينما هو لم يهتم يتحرك بسيارته مرددًا بجدية :
" سوق نذهب للمشفى لاقابل شخصًا ما فيور وعليكِ أن تلتزمي الهدوء هناك، حسنًا ؟!"
" هذه حبيبتك ؟!"
نظر لها ماركوس بطرف عينه وهو يقول بجدية :
" حبيبتي ؟! لا فيور هي ليست كذلك، هي ليست حبيبتي، ولا تصلح لتكون هكذا "
نظرت له فيور بعدم فهم :
" لا تصلح لتكون حبيبتك ؟! هل هي متقدمة لوظيفة لديك ؟! "
ضحك ماركوس وهو ينحرف بسيارته في أحد الطرق الفرعية مرددًا بينما يده تعبث بشعرها في شكل مغيظ لها :
" لا، لكن من خلال معرفتي القصيرة بها، فهي لا تلائمني بأي شكل من الأشكال، أنا لدي مطالب خاصة في الفتاة التي أود الارتباط بها، فأنا لم احفظ مشاعري طوال تلك السنوات حتى اهدرها في علاقة لن تنجح فيور "
نفخت فيور فمها بحنق من حديثه :
" وكأن الحب سيستأذنك قبل أن يزورك، ويجلس معك في جلسة ودية ليرى إن كان الأمر يناسب متطلباتك أم لا، يا رجل هو يأتي كصفعة على وجهك، لا تشعر بها إلا بعدما ترتطم بوجنتك، كما لا يمكنك توقع أين ستسقط، أو من جهة من ستأتيك الصفعة، هي فقط ستباغتك "
نظر لها ماركوس بسخرية ثم قال يتوقف بسيارته أمام المشفى :
" هيا اهبطي قبل أن اصفعك أنا يا حمقاء "
ختم كلماته وهو يهبط من السيارة يشير لها أن تتبعه، لكنها اخرجت رأسها من النافذة، وهي تصيح بصوت يشبه العجائز :
" تذكر هذا أيها الشاب، يومًا ما ستأتي باكيًا من صفعة الحب، وعندها لا تقل أن فيور لم تحذرك "
استدار ماركوس وهو ينظر لها، بينما يسير بظهره :
" وقتها سأضع بعض الثلج مكان الصفعة، ثم أخرج مسدسي و ..."
توقف عن حديثه وهو يرفع إصبعين يشير بهما نحو فيور في علامة المسدس، وبعدها أشار بعلامة إطلاق الرصاصة مكملًا :
" هكذا ببساطة "
انهى كلماته بغمزة لتلحقه اصوات فيور المضحكة التي تحاول بها تقليد الساحرات في الافلام :
" احذر يا فتى، احذر من الحب "
_____________________________
أقدامه تغوص في الثلوج أسفله بعدما فشل في التحرك بالسيارة بسبب الثلوج، وقد بدأت ملامح الطرق تختفي من حوله لكثرة الثلوج استعدادًا لعاصفة قوية، كان يسير وهو يضم يديه لصدره يحاول تدفئة نفسه يلعن راسيل ويلعن نفسه لأنه استمع لها وجاء هنا، وقد أخذ عهدًا على نفسه أن يعود للبلاد إن نجى من تلك العاصفة، ولتحترق القضية والمكتب وراسيل، وليحترق هو أيضًا معهم علّ تلك النيران التي ستحرقه تدفئ جسده .
نفخ وهو ينظر حوله وقد كانت الطرقات فارغة بشكل مريب، وكأن المدينة تمت ابادتها بالكامل، لمح بطرف عينه لافتة مدون عليها اسم محطة الوقود التي أخبرته عنها راسيل، وقد بدأت حروف اللافتة تتلاشى شيئًا فشيء بسبب الثلوج التي كانت تغطيها .
تحرك نحوها بأقدام مرتجفة بسبب البرودة وهو يحاول التحدث ومقاومة تجمد جسده :
" راسيل.....راسيل أين أنتِ ؟! راسيل ؟؟"
حاول اخراج هاتفه ليتصل بها، لكن عانده القدر وهو يرى أن هاتفه لا يعمل، ضم شفتيه بغضب، ثم بدأ يحاول الصراخ مناديًا إياها وكل خوفه أن تكون تجمدت الآن، فهو تأخر لأنه جاء سيرًا على أقدامه ..
" راسيل، أيتها الحمقاء أين أنتِ ؟؟ كل هذا بسببك يا غبية، ليتني ما جئت معك لهنا "
أنهى حديثه وهو يتحرك في محطة الوقود يبحث عن أي مخبأ قد تكون به، وصوت تمتماته الحانقة يعلو شيئًا فشيء :
" لقد جعلتيني اتخلى عن مبادئي واتحرك من مقعدي لأجل البحث عنكِ، اقسم إن كنتِ ميتة بعد كل هذا لاحرقن جثتك واستخدمها للتدفئة "
" تبًا لك يا حقير، أنا هنا بسبب فشلك، يا أفشل من عرفت روما "
استدار مارسيلو بسرعة صوب الصوت ليجد أنه قادم من خلف باب حديدي مفتوح جزء صغير لمكان يشبه المحزن، تحرك نحوه ركضًا وهو ينادي باسمها :
" راسيل، هل أنتِ هنا ؟!"
" أنا هنا "
ورغم أن صوتها كان خافتًا إلا أنه وصل لمارسيلو واضحًا وهو يفتح الباب الثقيل بصعوبة، يتسائل كيف فتحته هي، هل هي قوية لتلك الدرجة، أم أن البرودة أثرت على أطرافه؟!
دخل المكان ليجد أنه ممتلئ بالكثير والكثير من عبوات البنزين الملقاة بإهمال في شكل يدل على أنها فارغة، وقد كان ذلك أشبه بمخزن لوضع العبوات الفارغة .
تحرك بصعوبة الداخل بعدما اغلق الباب جيدًا خلفه يرى راسيل تتكوم في أحد الأركان كـهر بعد إخراجه من دلو مياه، همس بخوف من أن تكون تأذت :
" راسيل هل أنتِ بخير ؟!"
فتحت راسيل عينها بصعوبة وهي تهمس من بين أسنانها التي تتحرك بسرعة والبرودة قد جمدت دمائها تقريبًا :
" أشعر بالبرودة، الجو بارد "
تحدث مارسيلو ساخرًا من حديثها :
" نعم لقد لاحظت ذلك، ربما ستمطر في الخارج.....أيتها الغبية ما الذي أخرجك من الفندق ؟!"
" أردت فقط الابتعاد عن وجهك قبل أن انزعه من على جسدك "
ابتسم لها مارسيلو وهو يجلس على الأرضية الباردة جوارها يتحدث بسخرية :
" تغارين من وسامتي يا قبيحة، انظري ها أنا الآن سأموت قبل أن استغل وسامتي، وكل هذا بسببك راسيل، إن خرجنا من هنا احياء سوف اخصم لكِ و..."
لم يكمل كلماته بسبب رؤيته لاجفانها التي انغلقت فجأة ورأسها تعود للخلف حتى سقطت ارضًا بقوة، فتح مارسيلو عينه بصدمة وهو يهمس :
" راسيل، هل متِ ؟!"
تحدثت راسيل التي كانت تحاول بث بعض الحرارة لجسدها :
" نعم، دعني ارحل في سلام"
صمتت ثم قالت بحسرة وهي تبكي :
" لم أتخيل أن تكون نهايتي بتلك البشاعة، أن أموت من البرودة رفقتك، هذا ابشع مما تخيلت بمراحل "
فتح مارسيلو فمه بعدم تصديق وهو يتحدث بغيظ :
" هيييه توقفي عن هذا، لقد تركت دفء الفندق وجئت لكِ خصيصًا "
" ولِمَ جئت إن لم تكن ستنقذني من الأساس ؟! "
صمت ثم قال بجدية :
" لم اجد سيارة تحضرني بسبب الثلوج؛ لذلك اضطررت للسير على الأقدام وهذا أضاع وقت طويل، ولم نعد نستطيع الخروج لأن العاصفة على وشك أن تهب؛ لذلك الافضل أن نبقى هنا حتى تنتهي ولندعي أن نعيش لوقتها "
" لِمَ لم تعد عندنا أدركت أنك لن تصل لي في وقت مناسب؟! لِمَ خاطرت بهذا الشكل ؟!"
" هل تعلمين أنني توقفت في منتصف الطريق وانا افكر في هذا الأمر، وقعت في حيرة ما بين أن أعود للفندق وانقذ نفسي وما بين أن آتي هنا وابقى معك، حتى اخبرك قبل أن تموتي أنني كنت محقًا عندما رفضت المجئ، رأيتِ أن الكسل مفيد ؟!"
لم تجب راسيل عليه، وقد أصبح صوت تنفسها عالي، اقترب منها مارسيلو بسرعة وهو يحاول رفع جسدها له، يستخدم حرارة جسده لتدفئتها ...
" تستغل الأمر للتقرب مني ؟!"
" استغل ماذا أيتها الواهمة، أنا فقط احاول تدفئتك حتى لا تموتين "
ابتسمت راسيل بسخرية على حديثه وعينها تجاهد للنظر له، ليتابع هو بجدية مضحكة يحاول صرف انتباهها عن كل ما يحدث :
" أتعلمين أنني أخرج حرارة من جسدي تعادل المدفئة ؟!"
" لماذا هل أنت مستذئب ؟! "
ابتسم مارسيلو وهو يردد بخبث :
" لا، لكن الجميع يخبرني ذلك، أن أحضاني دافئة كثيرًا "
" الجميع من ؟!"
" النساء "
تبع كلمته بضحكة ماكرة، لتبتسم هي على اثرها وهي تضع يدها على صدره تضم جسدها لخاصته أكثر لتبث بعض الدفء لجسدها، مرت دقائق قليلة قبل أن تقول هي مستخدمة آخر ذرات وعينها :
" هن محقات، أحضانك دافئة كثيرًا "
ابتسم مارسيلو بسمة صغيرة حنونة قلما خرجت منه وهو يحاول ابعاد خصلات شعرها عن وجهها يردد بصوت خافت :
" لا وجود لهن راسيل، أنتِ الأولى التي اسمح لها باستوطان أحضاني"
صمت ثم أضاف :
"لقد اخترت أن آتي إليكِ؛ لأنني خفت أن اتركك وحدك راسيل "
أنهى كلمته وهو ينحني ببطء ينظر لوجهها الساكن بين أحضانه، يقترب منها بتردد قبل أن يطبع قبلة صغيرة حنونة على عينها هامسًا :
" لم أكن لاتركك وحدك "
وأثناء اقتراب وجهه من وجهها شعر مارسيلو بتباطؤ تنفس راسيل، مما جعله يضيق عينه بريبة وهو يهمس محركًا يده على جسدها صعودًا وهبوطًا علّه يبثها بعض الدفء :
" راسيل، لا تستسلمي للنوم، راسيل افيقي "
ولم يصل له رد منها، ليشعر فجأة بتوقف لحظي لضربات قلبه وهو يعتدل في جلسته يهز جسدها بقوة وهو يقول برعب تلبس جسده كله :
" يا ويلتي، راسيل افتحي عينكِ، افتحي عينكِ، هيا هيا انظري إلىّ، لا لا، راسيل افيقي راسيل "
________________________
يجلس أمام لوحاته يحرك أصابعه بعشوائية لا يعلم هدفها، فقط يحاول تخفيف الغضب من داخله، يقسم أنه لم يقصد عناق هايز، الأمر كان خطأ فقط، تنهد يدرك غضب ادم وعصبيته، هو يعلم جيدًا شعور أن يقترب أحدهم من شيء يهمك، هو يغار على حلوى روز، ماذا إن اقترب أحدهم منها هي؟! زفر بضيق وهو يلقي فرشاته، ثم تحرك من غرفته بغضب .
في غرفة ادم كانت هايز تجلس على المقعد أمام مقعده وهي تضم يديها لقدمها تنظر له من طرف عينها تحاول معرفة إن كان مايزال غاضبًا، أم أن نيران غضبه قد خمدت، لكن بالنظر لملامحه، علمت جيدًا أنه مازال غاضبًا، تنحنحت وهي تجلي حلقها .
" آدم "
رفع آدم وجهه كالرصاص ينظر لها نظرة جعلتها تتراجع عما كانت تود قوله، لكن ثواني فقط حتى تمالكت خوفها منه، ثم قالت بجدية :
" في الصباح لم أجد ثياب ارتديها، وطلبت من روز أن تعرني القليل من ثيابها فقط، وبعدها خرجت لتناول قهوتي مع روز في المطبخ، وكنت اضع المنشفة على شعري حتى يجف، وبعد دقائق فقط من دخولي حيث روز، أشارت لي أنها ستعود سريعًا، ثم تركتني ورحلت، وبعد دقيقة تقريبًا جاء جايك، وظن أنني روز، الأمر أنه أخطأ بيننا فقط ادم "
حرك آدم قدمه في حركة عصبية ثم هتف بضيق :
" أنا أعلم "
نظرت له هايز باستنكار، لِمَ الغضب إذن إن كان يعلم ؟! تحدث آدم بسخرية لاذعة من نظراتها :
" هايز حبيبتي هل تظنين أن جايك أو أي شخص في هذا المنزل قد ينظر لامرأة آخر؟! أو تظني أن أحدنا قد يشك في آخر؟! "
تجاهلت هايز كل ذلك وهي تبتسم له غامزة :
" أصبحت تكثر من حبيبتي في الآونة الأخيرة آدم "
ارتسمت بسمة غير مصدقة على فم ادم وهو يرى أين ذهبت بتفكيريها، تحرك من مقعده صوبها يقف أمام خاصتها، ثم انحنى قليلًا حتى يصل لمستوى رأسها يهمس لها بصوت خدرها :
" أتعلمين أكثر ما يعجبني بكِ هايز ؟!"
أغمضت هايز عينها تحاول تمالك نفسها قربه، هل يعقل أنها الآن تعيش أحلامها؟! رفقة ادم من سقطت في حبه منذ انتقل لجامعتها، من كانت تجتمع به كل الصفات الحسنة وقتها، فتحت عينها ببطء ترمقه بحب :
" ماذا ؟!"
ابتسم لها آدم بسمتها ذوبتها كقطعة سكر مسكينة تحارب امواج مشروب ساخن :
" ثقلك، يعجبني ثقلك هذا يا فتاة "
رمقته هايز بعدم فهم لثواني ومازالت تتسطح على غيمتها الوردية تردد بعدم تصديق :
" حقًا ؟!"
نظرة واحدة لصدمتها من حديثه جعلت آدم ينفجر ضاحكًا عليها، يضرب رأسها بإصبعه ثم نزع نظارتها الطبية وهو يقول مقبلًا وجنتها :
" لا حبيبتي أنا أمزح معكِ، فآخر ما قد تمتلكينه هو الثقل "
نظرت له ثواني تحاول فهم هل اهانها للتو ام ماذا !؟
" هل سخرت مني للتو ؟؟ هل تظنني الاحقك آدم؟!"
ابتسم ادم بسمة جانبية، لتجيب هي بحنق :
" لا تبتسم هكذا، أنا لم الاحقك يومًا، بل أنت يا سيد من كنت تظهر في وجهي كلما حاولت تخطيك وعيش حياتي دونك، ثم أنا كنت قد تناسيتك منذ سخريتك مني أمام الجميع في الجامعة، ولم افكر بك إلا عندما رأيتك ذلك اليوم في المشفى "
" اسخر منكِ أمام الجميع ؟؟ يا فتاة هل تحاولين اتهامي بشيء لم أفعله ؟! أنا لم اقترب منكِ يومًا في الجامعة "
فتحت هايز فمها بصدمة من حديثه، ثم قالت مستنكرة :
" ماذا عن تلك الرسالة التي ارسلتها لي مع رفيقك وقام بقرائتها على مرأى ومسمع الجميع ؟! "
فتح ادم فمه بعدم فهم لحديثها ولم يكد يجيبها إلا وسمع صوت طرق على الباب، ابعد عينه عنها بصعوبة وهو ينظر للباب يأذن للطارق بالدخول .
دخل جايك الغرفة وهو يحمل في يده علبة سوداء صغيرة مليئة بالحلوى التي يفضلها آدم، ينظر ليده بتردد قبل أن يرفع عينه لادم الذي ابتسم له بسمة صغيرة .
رفع جايك يده ملقيًا العلبة بعنف في وجه ادم حتى أن آدم كاد يسقط من الصدمة وهو يستمع لصوت جايك يقول بحنق :
" آسف، لم اقصد ضربك "
أنهى جايك كلمته ثم تحرك صوب الباب وخرج بكل بساطة تاركًا الاثنين ينظران في اثره بصدمة، ابتسم آدم بعدم تصديق وهو ينظر للعلبة في يده يهمس :
" هذا الحقير ..."
بينما أمام الغرفة كان جايك يتنهد براحة بعدما صالح ادم بكل لطف وتسامح، الآن فقط سيستطيع الجلوس دون أن يشعر بتأنيب ضميره، لكن وقبل أن يتحرك من أمام باب غرفة آدم، فتح الباب مجددًا يطل برأسه متسائلًا بجدية :
" أنت لم تتأذى كثيرًا صحيح ؟! "
رمقه آدم باستخفاف وهو يبتسم بسمة مستفزة يرفع له حاجبه وكأنه يقول له ( ما رأيك ؟!)، لكن جايك نفخ بضيق وهو يقول :
" أنت أيضًا قمت بضربي آدم، حسنًا أنا آسف مجددًا، سعيد الآن؟؟"
ضحك آدم ضحكة عالية وهو يتجه له يفتح الباب ثم جذبه يضمه بحب يربت على ظهره وكأنه هو الكبير، وليس جايك هو من يكبره ببضعة اشهر :
" كنت سآتي إليك إن لم تأت أنت جايكي "
ابتسم له جايك وهو يبادله العناق :
" لا تغضب مني اقسم لم اقصد "
" اعلم جايك، اعلم "
ابتسم له جايك وهو يبتعد عنه، ولم يكد يتحدث كلمة، حتى لمح بطرف عينه روز التي تتحرك صوب غرفته تحمل في يديها صينية كبيرة، ليقول بسرعة وهو يغمز لادم :
" حسنًا الآن اتركك مع طبيبتك، واذهب أنا لمعالجة قلبي "
أنهى حديثه مازحًا، ثم تحرك صوب غرفته بأقدام سريعة، بينما آدم ترك الباب مفتوحًا ثم تحرك صوب هايز ولديه حديث يكمله، لكن يبدو أن هايز لم ترد أن تغوص في تلك المنطقة مجددًا حيث نهضت بسرعة وهي تقول اثناء نظرها لساعة يدها :
" لقد تأخرنا على أيان، سوف اذهب لأتجهز"
وقفت على بداية الغرفة وهي تقول برجاء :
" ستأتي معي لحفل لم الشمل صحيح ؟! "
هز ادم رأسه لها بنعم، لتمنحه هي الطف بسمة رآها في حياته، ثم خرجت تاركة إياه ينظر لاثرها بشرود قبل أن يلقي بجسده على المقعد وهو يتنهد بتعب :
" اه يا هايز، ما الذي تفعلينه بقلبي ؟!"
____________________________
كانت تضم شفتيها بغيظ وهي تضع يديها حول عنقه بينما رأسها تستقر على كتفه، تتحدث بضيق من تعنته :
" انطونيو دعني ارضًا لقد جعلت جميع رواد المشفى يشاهدونني وانا محمولة هكذا "
ابتسم لها انطونيو يضعها في سيارته بحنان شديد، ثم قبل مقدمة رأسها يقول بغمزة صغيرة :
" لا بأس جميلتي ليروا، أنا لا اهتم لأحد غيرك "
ابتسمت له روما تراه يدور حول السيارة، ثم استقر على المقعد المجاور لها، ينطلق في طريقه صوب المنزل، بعدما سمح لها الطبيب بالخروج والعودة للمنزل، وها هي تجلس جواره في سيارته .
صمت