رواية احفاد اليخاندرو الجزء الثاني (الوجه الاخر للمافيا) الفصل الثاني عشر 12 بقلم رحمة نبيل



رواية احفاد اليخاندرو الجزء الثاني (الوجه الاخر للمافيا) الفصل الثاني عشر 

تتحرك في المطبخ وهي تشعر بجسدها يشتعل غضبًا، لم تنس بعد عناقه لهايز  في الصباح، ورغم حديثه أنه لم يقصد الأمر، إلا أنه لم يُخمد حرائق غيرتها، لكن لا بأس سوف تنتقم منه لذلك .

ومن بين افكارها تلك شعرت فجأة بشخص يقفز جوارها بشكل افزعها، ارتدت للخلف بسرعة كبيرة تفتح عينها بصدمة بسبب الصرخة التي سمعتها للتو، قبل أن تتنفس براحة وعينها تزداد حدة ترمق جولي بغيظ، نظرت روز سريعًا حولها تستطلع الطريق، ثم انطلقت صوب جولي تصفعها على ذراعها بغضب هامسة بصوت منخفض :

" أيتها الحمقاء كدتِ توقفين قلبي "

ضحكت جولي بتسلية وهي تغمز لها مشاكسة :

" بما كنتِ شاردة روز ؟! بذلك الرسام المجنون ؟!"

ومجددًا تلقت صفعة على ذراعها، لكن تلك المرة اقوى وهي تسمع تقريع روز لها :

" لا تنعتيه بالجنون جولي، فإن كان هناك من يستحق ذلك اللقب في المنزل فهو أنتِ "

لوت جولي فمها بسخرية تراقب ما تصنع روز، ثم اقتربت منها تقول بعيون تلتمع بالحماس :

" روز ما رأيكِ أن تعلميني كيف اصنع حلوى لذيذة مثلك ؟! اريد أن أصنع منها لمارتن، بيدي أنا "

ابتسمت لها روز وهي تهز رأسها بحسنًا، تعود لعملها مجددًا مندمجة في تحضير الطعام تتحدث مع جولي بهدوء :

" أين كنتِ طوال النهار جولي، بحثت عنكِ ولم اجدك، شعرت بالملل وحدي هنا "

ابتسمت جولي وهي تصعد لتجلس على الطاولة مقابل روز تقص عليها ما حدث صباح اليوم وذهابها للعمل مع مارتن، وما فعلته هناك وكم كانت سعيدة في تلك اللحظات .

تركت روز ما كانت تفعل وهي تنظر لها بتردد بعض الوقت، ثم فتحت فمها تصرح بما يدور في رأسها :

" جولي عزيزتي، ألا تظنين أن افعالك تلك طفولية بعض الشيء ؟! أعني ربما ينزعج منكِ مارتن، أو ربما يظنك مجنونة "

تهدل كتف جولي شيئًا فشيء تنصت لحديث روز، هي فكرت في كل ذلك سابقًا، فكرت في احتمالية أن ينفر منها مارتن بسبب تصرفاتها، فكرت أنه ربما يتركها يومًا بسبب ما تقوم به من جنون، والآن روز ألقت في وجهها تلك الأفكار معيدة إليها خوفها القديم .

في تلك اللحظة كان مارتن قد وصل أمام باب المطبخ يحمل في يده حقيبة مليئة بالاشياء التي احضرها مع جولي في طريقهم وقد جاء لوضعها في الثلاجة، لكن توقفت قدمه وهو يستمع لحديث جولي الذي قسم قلبه لشطرين :

" لقد عشت فترة لا بأس بها من حياتي داخل ملجأ روز، كنت من هؤلاء الأطفال الذين يدعون اشقياء، كنت اقفز في كل مكان وانا ادعي بكل حماقة أنني احارب جيشًا وحدي، وأنني قوية، قبل أن أشعر بصفعة تسقط على وجهي محطمة احلامي دفعة واحدة من قِبل مربية الملجأ، كانت تهوى دائمًا أن تقطع علىّ الحرب التي اشنها داخل عقلي في منتصفها، وهي تجرني من شعري صارخة في وجهي أنها تلعن اليوم الذي جئت به للملجأ وأنني لا استطيع فعل شيء سوى التسبب في المشاكل والانزعاج بسبب صراخي المتواصل، وكنت استمتع باغضابها "

ابتسمت جولي بسمة واسعة مشاغبة تخفي خلفها وجع كبير :

"  لكنني لم ايأس، بل كنت اعود مجددًا وأجهز نفسي لحرب جديدة، متجاهلة حديث الأطفال الأكبر سنًا مني عن كم أنا فتاة خرقاء لن تجد يومًا من يقبل بها ابنة لهم، وكانوا محقين لم يكن أحد يقبل بي، لكن أنا لم أتوقف "

ابتسمت لها روز بحنان وهي تمسك يدها مربتة عليها لتكمل جولي حديثها ببسمة صغيرة :

" هربت من الملجأ ذات يوم، وشيئًا فشيء توقفت عن كل تلك الأفعال، بعدما وجدت نفسي فجأة مضطرة للعمل لإيجاد مأوى لي، وتدبير طعام يسكت معدتي كل يوم "

ابتسمت بسمة حالمة مغرمة وهي تكمل :

" حتى اقتحم مارتن حياتي واعاد تلك الجولي المشاكسة، وازال كل تلك الأحمال عن كتفي، لتبدأ جولي الطفلة تطالب بحقها في إكمال تلك الحرب التي تركتها في منتصفها، طالبت بحقها في عيش طفولتها حتى آخر رمق، دون أن تُصفع، عندما اتصرف تلك التصرفات الغبية أمام مارتن، ليس لازعجه، بل لأنني متأكدة أنه الشخص الوحيد الذي سيتحمل جولي الحمقاء، الشخص الوحيد الذي لن ينظر لي باستخفاف وبسخرية، أو يراني طفولية مجنونة، الوحيد القادر على احتواء جولي الطفلة، وإسعاد جولي الكبيرة، نعم احيانًا أخشى أن يمل افعالي ويغادر، لكن مع اول نظرة حنونة منه وهو يرمقني بحب أشعر أنه يخبرني أن أفعل ما اريد وهو سيبقى هنا في ظهري ليساندني في حربي الغبية إن احتاج الأمر "

ختمت حديثها وهي ترفع عينها لروز الدامعة :

" ربما أنا طفولية بشكل مزعج، لكن "

لم تكمل جولي حديثها بسبب شعورها بيد تمسك بيدها في قوة كبيرة، استدارت بفزع تنظر لمارتن الذي كان يرمقها بعشق وهو يقول ببسمة واسعة وحماس كبير :

" أنتِ هنا تتحدثين مع روز وتتركين الحرب مشتعلة جولي ؟! هيا يا فتاة انهضي بسرعة لقد هجم انطونيو على الوكر "

أنهى مارتن حديثه وهو يجذب جولي خلفه بسرعة كبيرة يهتف بلهفة تحت أنظار روز المصدومة من حديثه :

" هيا سوف اصنع جدار حماية لتأمين جميع أجهزتنا، قبل أن يقوم ذلك الانطونيو الشرير باختراقها "

لم تبكي جولي أثناء قص حكايتها ولم يؤلمها قلبها لكل ما عاشته، لكن الآن بكت دون شعور تأثرًا بحديث مارتن، الذي قرر التخلى عن دور المتفرج والاندماج معها في عالمها، سحبها مارتن معه لغرفته بسرعة وهو يمسك حقيبة الحلوى في يده وجولي خلفه تسير باكية بتأثر .

بينما انطونيو الذي جاء لتبديل ثيابه كان يقف وهو يرمق اثرهما بعدم فهم مرددًا :

" أي وكر هذا الذي اقتحمته بحق الله؟!  أنا للتو عدت من الخارج "

ضحكت روز ضحكة مكتومة تمسح دموعها، لا تستطيع تحمل مظهر انطونيو وهو يرمق ما يحدث بغباء، ولا يعلم المسكين أنه الشرير في قصة أحدهم، بل وأنه كل يوم يتم هزمه بواسطة جيش جولي شر هزيمة، وهو إن صرخ صرخة واحدة في جولي قد تسقط ارضًا من الرعب .

بمجرد أن خطى مارتن للغرفة رفقة جولي، لم يكد يفتح فمه بكلمة، حتى وجد جولي ترتمي في أحضانه وهي تردد من بين دموعها :

" مارتن أنا احملك الكثير فوق طاقتك، وارهقك اكثر، لكنني اقسم أنني احبك كثيرًا، اسفة لأنني ازعجك  "

ضمها مارتن بحنان وهو يبتسم بسمة صغيرة مقبلًا شعرها بلطف :

" أن أحمل اثقالك هو احب شيء لقلبي جولي؛ لذلك افعلي ما تريدين وشاغبي كما تودين، فأنا واقع في عشق جولي الطفلة، وافعالك تلك لا تفعل شيء بي سوى أنها تزيد من حبي لكِ؛ لذلك أكثري منها صغيرتي، أنا لن امل "

بكت جولي وهي تضم نفسها له أكثر تهمس بحنين :

" مارتن أنت افضل رجال هذا الكون، وانا احبك "

ابتسم مارتن بحنان وهو يهمس لها :

" وأنتِ أرق نساء الدنيا جولي، وأنا أهيم بكِ عشقًا " 

___________________________

ملء القهر نفسها وهي تراقب ذلك المشهد الذي ذبحها بلا شفقة، عينها تتحرك على يد فبريانو التي يضم بها تلك الفتاة، شعور القهر والغضب يدفع بمرارة لحلقها، ولم تشعر روبين بنفسها إلا وهي تندفع بكل عنف صوب الاثنين تدفع الفتاة بعيدًا عن فبريانو تصرخ بغضب شديد وجنون :

" ابتعدي عنه "

ابتسمت روزيلا بسخرية وهي تعتدل في وقفتها ترمق روبين باستخفاف، ثم تحركت صوبها تقف أمامها تنحني قليلًا هامسة بشكل مستفز :

" اوووه الصغيرة تشعر بالغضب لـــ"

ولم تكمل حديثها بسبب اللطمة التي استقبلها خدها من يد روبين والتي صرخت فيها بكل جنون :

" اخرســــــــي "

اسودت عين روزيلا ترمق روبين بشر جعل الاخيرة تستوعب فجأة ما فعلته بصفعتها تلك، فهي تشعر كما لو أنها أيقظت للتو وحشًا، ابتلعت ريقها  تعود للخلف قبل أن يصطدم جسدها بجسد آخر صلب تعرفه تمام المعرفة بسبب رائحته المميزة، انتفضت بعيدًا عنه وعينها ترسل له لوم وغضب لم يرى له مثيل قبلًا في عين روبين .

سقطت دموع روبين بقوة وهي تنظر بعين فبريانو تحاول التحدث بشيء يطفئ نيران قلبها، شيء تريح به نفسها، لكن وقبل أن تنطق بكلمة كان هناك رجل يدخل للغرفة يسحبها للخارج تحت نظرات فبريانو الجامدة، وتحفز روزيلا وهي ترى أحد رجالها يسحبها أمام أعين فبريانو ولم يحرّك ساكنًا، ابتسمت ساخرة وهي ترى الحسرة تستوطن عين روبين .

قاومت روبين جذب الرجل وهي تشعر بانفاسها تتقلص فجأة، تراه يقف يراقب ذلك الرجل يسحبها، بكت وهي تصرخ بغضب في وجهه ظنًا أنه تخلى عنها :

" بكرهك يا فبريانو، أنا بكرهك، ياريتني ما شوفتك ولا عرفتك، أنا بكرهك "

قالت صرختها الأخيرة وهي ترى انتفاضة طفيفة مرت سريعًا على جسد فبريانو، قبل أن يدعي الثبات، نظر فبريانو لروزيلا التي كانت منتشية من ذلك المشهد المنعش لروحها، اقتربت بخطوات متغنجة صوبه وهي تبتسم له بسمة مغوية، تمد يدها لتتعلق بذراعه، لكن قبل أن تمسه كانت رأسها تقبع بين قبضته وهو يضربها في الجدار خلفها بعنف ولأول مرة في حياته تكون ضحيته امرأة، دفع فبريانو رأس روزيلا أكثر للجدار حتى كادت تنفجر وهو يقول في اذنها بشر :

" سوف اريكِ جحيمي الذي لم يره أحد سابقًا واتسون"

نظرت له روزيلا بعين متسلية وكأنها تستمتع بغضبه :

" حقًا، ارني ما لديك سيد فوستاريكي، فأنا في الحقيقة اعشق كل ما يصدر منك "

ابتسم فبريانو بسمة مرعبة جعلت ملامح الرعب تعلو وجهها في ثواني وهو يهمس لها بفحيح :

" لا أعتقد أن ما سيصدر مني هذه المرة سيعجبك"

في الخارج كانت روبين مستسلمة لجذب الرجل لها وهي تبكي بقوة شاعرة بأنها على مشارف الدخول في نوبتها، كانت تبكي وهي تسير هائمة مع ذلك الرجل وانفاسها تثقل شيئًا فشيء، حتى شعرت بجسدها يتم دفعه لسيارة، انصاعت لدفع الرجل وهي تجلس في السيارة قبل أن تراه يغلق الباب ويرحل بخطوات سريعة صوب البيت الذي خرجت منه للتو.

 نظرت حولها بتيه وهي تدرك الآن أنها في سيارة فبريانو، ازدادت في البكاء، تحاول الخروج منها، لكن فشلت وقد ازداد تنفسها صعوبة حتى شعرت بأنها ستغادر العالم كله خلال ثواني، ألقت رأسه على المقعد باستسلام تحدق بسقف السيارة وكل ذكرياتها معه تمر أمامها، وقد بدأ ألم صدرها يزداد واصبحت تتنفس بعد جهد مضني وقبل أن تسلم أمرها وتغرق في يأسها اخترقت جملة بصوته الاجش أذنها وهي تتذكر حينما كادت تدخل في نوبة ذات مرة واعطاها هو البخاخ قائلًا بحنان ( احتفظ به في كل مكان تحسبًا لأي شيء ) .

وعند هذه الخاطرة سقطت دموعها أكثر شاعرة بالضعف يصيب أطرافها، حتى أنها لم تستطع النهوض والبحث عن البخاخ وهي متأكدة أنه يحتفظ به هنا، ثواني مرت قبل أن تشعر بيد ترفع رأسها من على المقعد وشيء بارد يلمس شفتيها، فتحت عينيها ترى من بين سيول دموعها وجهًا مألوفًا، وجهًا لطالما أحبت النظر إليه، لطالما رأته الالطف والاجمل، لكن الآن تشعر أنها تقف أمام شخص غريب .

دفع فبريانو البخاخ بفمها بهدوء، يمنع أي مقاومة منها، يجذبها لتستند على صدره بينما يده تمسك البخاخ أمام فمها، يعيد خصلاتها للخلف، يساعدها التنفس انحنى قليلًا جوار أذنها وهو يهمس لها بصوت خافت حنون :

" تنفسي حبيبتي، تنفسي "

عند هذه الكلمة انفجرت روبين في البكاء اقوى واقوى، تبعد البخاخ من أمام فمها وقد بدأ صوت تنفسها يعلو، ومازال بكائها يزداد، بينما فبريانو يحاول السيطرة على جسدها ومنحها البخاخ بالقوة، لكنها كانت ترفض بكل يأس تتمنى لو يتركها الآن تلفظ أنفاسها، علّ ذلك الالم الذي يستوطن قلبها ينتهي، شدد فبريانو ضمه لها وهو يصرخ بشكل مرعب وقد برزت عروقه :

" اللعنة عليكِ روبين، توقفي عن هذا، توقفي "

لم تستمع له روبين وهي تجاهد للبقاء مستيقظة وهناك غيمة سوداء قد بدأت تقف أمام عينيها تسحبها لعالم بعيد عن هذا، لكنه لم يسمح لها بهذا وهو يدفع البخاخ في فمها بعنف شديد وقد وصل لأقصى مراحل جنونه يراها تعاند بشكل سيؤدي لموتها، أجبرها على استنشاق الدواء من البخاخ، بينما يده يجذب جسدها بعنف لخاصته حتى يمنع أي مقاومة منها، واخيرًا استكانت روبين لرغبته وهي تستنشق الدواء ودموعها تهبط بقوة، و هو انحنى برأسه يضعها على كتفها جوار أذنها يهمس بصوت مثخن بالمشاعر :

" لا تفعلي بي هذا روبين، لا تعاقبيني بكِ، لا تؤلمي قلبي هكذا مجددًا "

_________________________________

تحرك ماركوس صوب البناية التي توجد بها فيور وحديث مايك يرّن في أذنه ...

" بمجرد هروب فيور أمرني انطونيو خفية أن الحق بها، وكذلك فعلت، لكن أثناء ذلك انتبهت إليها تدخل لإحدى المناطق المتطرفة في المدينة، وانتظرت كثيرًا حتى تخرج مجددًا، لكن فجأة وبعد عدة ساعات وجدتها تخرج من المكان مقيدة يجذبها بعض الرجال صوب إحدى السيارات بعنف، وعندما لحقت بهم، استطعت أخذها منهم بقوة واخذتها لإحدى الشقق التابعة لنا، واتضح لي أنهم كانوا على وشك ارسالها لإحدى منازل المتعة "

صمت مايك يردد بجدية وهو ينظر للجميع :

" انطونيو لم يقصد اذيتها ماركوس، هو فقط أراد أن يعطي المساعدة الشخصية الفرصة لاخبار قائدها بالجديد، حتى يبدأ في اتخاذ الخطوة التالية ونستطيع معرفة هويته "

خرج ماركوس من شروده وهو يتحرك بسرعة على درج البناية، يشتاق لرؤية الصغيرة والتأكد أنها بخير ولم يحدث لها شيء، توقف أمام المنزل الذي أخبره به مايك، أخرج المفتاح يدسه في الباب يفتحه بلهفة، لكن ما كاد يخطو للمنزل إلا وشعر بشيء صلب يسقط على رأسه، ولم يكد يستوعب الأمر إلا ووجد جسد يندفع نحوه بقوة مسقطًا إياه ارضًا .

ارتطمت رأس ماركوس بالأرض بعنف جعله يطلق صرخة عنيفة، يضغط على شفتيه يحاول تمالك الالم الذي انتشر برأسه، بينما كانت هي تقبع فوق جسده لم ترى بعد الشخص الذي كادت تودي بحياته، توجه سكين صغير صوب معدته وهي تهمس في أذنه بفحيح :

" هل تظنني بلهاء يا هذا؟! اقسم أن أجعل والدك الغبي يبكي دمًا عليك "

أنهت كلماتها وهي تدفع بالسكين لذلك الجسد الذي تتسطح عليه، لكن تلك الصرخة أسفلها أوقفت يدها :

" اقسم أنني أنا من سيجعلك تبكين يا حمقاء "

ختم ماركوس كلماته وهو يستدير في حركة سريعة جاعلًا إياها أسفله وعينه تطلق شرار، واضعًا يده عند عنقها يكاد يخنقها :

" كيف تتجرأين ؟! "

فتحت فيور عينها بصدمة وهي تحاول ابعاد يده مرددة :

" ماركوس، أنا ...أنا لم اقصدك أنت... أنا قصدت ذلك الحقير اقسم، لقد كان يأتيني المنزل هنا و"

توقفت عن الحديث وهي تستمع لصوت اقدام في الممر الخارجي للشقة؛ لذلك مدت يدها بسرعة تضرب بها الباب مغلقة إياه بعنف، وجسدها ينتفض رعبًا؛ مما جعل ماركوس ينزع يده وهو ينظر لها بتعجب :

" ما الذي يحدث هنا ؟!"

دفعته فيور بقوة، ثم نهضت تحمل سكينها الذي كانت تحمله منذ ثواني  تشير لماركوس بالصمت، ثم أشارت على الباب مرددة بشر :

" لقد أتى النذل، اقسم أن أخرج احشاءه هذه المرة "

أنهت حديثها وهي تتحرك تختفي خلف الباب، لكن يد ماركوس التي جذبت ثيابها بقوة منعتها من إكمال سيرها وهو يهمس لها بشر :

" أيتها الصغيرة ما المشكلة التي افتعلتيها هذه المرة ؟!"

حركت فيور عينها تنظر في خاصته ثواني ثم همست له :

" ابن بواب هذه البناية يحاول التقرب مني منذ جئت هنا، وأنا فقط اريد قتله عم ماركوس "

ارتسمت بسمة مخيفة على وجه ماركوس وهو يقول بخبث :

" اوووه، صغيرة العم ماركوس ليست لصة وحسب بل قاتلة أيضًا "

ابتسمت له فيور بشر قبل أن تسمع هي وماركوس صوت مفتاح يتحرك في الباب، امتدت يد ماركوس تلقائيًا لمسدسه وهو يعلق عينه بالباب حتى .....

________________________________

" يعني ده جزاتي يابنتي ؟! ده أنا كنت بحاول اساعد حتى "

انقضت رفقة على توفيق وهي تقول بغيظ من بين أسنانها متجاهلة ضحكات اسكندر العالية، ونظرات جاكيري الجاهلة بما يحدث حوله :

" تساعد ؟! بوظتلي الراجل وتقولي تساعد؟! كل ما أكلمه كلمة يقول وه يابوي؟! "

ضحك توفيق بصخب وهو ينظر لجاكيري :

" طب والله طالعة من بُقه ( فمه ) عسل "

اشتد ضغط رفقة على اسنانها وهي تقول بغيظ :

" عسل ؟! عسل ايه يا عم توفيق، ده انت عملت للراجل سوفت ومبقاش عنده رد غير وه يا بوي، اقولك ايه غير الله يسامحك يا عم توفيق "

أنهت حديثها، ثم تحركت صوب جاكيري تجذب يده بقوة وهي تقول له بغضب :

" هيا جاكيري انهض معي اريد التحدث معك بأمرٍ ما "

أجابها جاكيري بسعادة طفله تعلم كلمته الاولى في الحياة :

" وه يابوي"

واخيرًا استطاعت رفقة سحبه من على المقعد وهي تتحرك به للخارج تقول بحنق وغضب :

" توقف عن تلك الكلمة بحق الله  "

نظرت سيلين في أثر الاثنين بتعجب وهي تتساءل :

" ما الذي فعلته أيها العجوز بالصبي ؟! هل علمته كلمات بذيئة لذلك غضبت رفقة ؟!"

لوى توفيق شفتيه بسخرية :

" والله ما في حاجة بذيئة غيرك، ثم أنتِ مالك بيا وبيه؟! كلام رجالة ايش حشرك بينا ؟!"

" ماذا تقول توقف عن الحديث معي بهذه اللغة "

" هتسوقي فيها ولا ايه ما كل شيء انكشف وبان، فكك بقى من جو المكرونة الاسباجتي والبيتزا اللي أنتِ عايشة فيهم دول، وتعاليلي هنا في منطقة الفول والطعمية والكشري "

في الخارج حيث رفقة وجاكيري، كانت رفقة تقف أمام جاكيري وهي تقول بتردد :

" جاكيري، انس الأمر رجاءً لا تذهب لذلك المكان، أنا أخشى أن يمسك سوء "

" رفكة، ما بك، الأمر ليس خطرًا لهذه الدرجة "

" بل هو كذلك جاكيري "

نفخ جاكيري أنفاسه بضيق وهو يقترب منها قليلًا يجذبها لاحضانه بلطف مرددًا :

" رفكة حبيبتي، هذا لا يعد شيئًا مقارنة بكل ما فعلته من قبل "

دفعته رفقة بعيدًا عنها بغيظ :

" لا تذكرني بافعالك تلك جاكيري رجاءً، أنا أجاهد نفسي حتى انسى ما تفعله "

رفع جاكيري حاجبه بسخرية وقد تشنج فمه يقترب منها مرددًا بنبرة مخيفة :

" اي أفعال تلك التي تقصدينها رفقة ؟!"

" رفقة ؟! حقًا جاكيري؟!"

هز جاكيري رأسه وهو يشير لها بإصبعه :

" نعم لا مزيد من رفكة، يبدو أن دلالي لكِ افسدك يا فتاة، الآن تسخرين من عملي ؟؟"

فتحت رفقة فمها بصدمة من حديثه، ثم أشارت لنفسها مستنكرة الأمر :

" عمل ؟! هل تمزح معي ؟!" 

هز جاكيري رأسه بلا وهو يبتسم لها بسمة مستفزة، قبل أن يراها تندفع صوبه بسرعة مخيفة جعلته يبتعد فوراً من أمام وجهها ليحمي نفسه منها، بينما هي لم تكن ترى سواه، تخطط للاصطدام به وضربه، لكن تنحيه جانبًا في آخر لحظة جعلها تصطدم بقوة في الشجرة التي كان جاكيري يقف أمامها، ثم سقطت ارضًا بقوة تتأوه من شدة الضربة .

بينما جاكيري كان يقف جوارها يتنفس الصعداء لأنه أفلت منها، قبل أن يستمع لصوت تأوهها في الأرض، انحنى قليلًا ينظر لها من علياه :

" هل تأذيتي ؟! تؤلمك رأسك ؟!"

فتحت رفقة عينها تتحدث بتأوه وهي تتحسس رأسها :

" كلك نظر يا عديم النظر، اقسم بالله مغلطتش لما قولت أنك متدحرج من عيلة هبلة "

جلس جاكيري القرفصاء جوار رفقة وهو يمد يده يربت على رأسها بحنان :

" لا بأس عزيزتي دعينا ندخل وسأعالجها لكِ "

ضربت رفقة يده بعنف وهي تصرخ في وجهه :

" أنت أيها الـ "

صمتت ولم تجد شيئًا يعبر عن غضبها منه، نهضت وهي تسبه وتلعنه، بينما هو يقف جوارها يراقب غضبها ذلك بتعجب، يفكر في سببه، فهي من كادت تضربه منذ ثواني والآن تغضب ؟! 

ابتسم وقد قرر أن يبدأ هو ويراضيها؛ لذلك اقترب منها يضم رأسها بحنان متحدثًا بلطف :

" حسنًا لا بأس سأعود لمناداتك رفكة، لا تحزني "

أطلقت رفقة زغرودة عالية رنّ صداها في المكان وهي تقول بسعادة مبالغ فيها :

" يا الف نهار ابيض، يا الف نهار مبروك، لا تستحق دماغي تتفتح عشانها الحقيقة "

لم يفهم جاكيري شيء من حديثها لكنه قال ببسمة :

" سعيدة الآن ؟!"

" سعيدة؟! بل سوف ارقص من السعادة "

ختمت حديثها وهي تحرك يدها في الهواء بما يشبه الرقص ساخرة من جملته، لكن يبدو أن سخريتها لم تصل له واضحة كفاية حتى قال :

" حقًا تريدين الرقص ؟! لا بأس يمكننا الرقص سويًا "

رفعت رفقة قبضتها تعض عليها بغيظ شديد، ثم أطلقت صرخة عالية في وجهه وبعدها تحركت للداخل ركضًا وهي تصرخ بغضب، تاركة إياه ينظر إليها بعدم فهم، ثم لحق بها وهو ينادي عليها :

" ماذا تريدين الرقص بمفردك ؟! " 

______________________

" أنا بخير امي، فقط بعض الإرهاق، لكن لا تقلقي أنا بأفضل حال الآن "

ابتسمت سيرينا وهي تربت على رأس ابنتها بحب، وعينها تقص عليها ما حدث لها أثناء غيبوبتها القصيرة :

" لقد كدنا نفقد عقلنا روما، والمسكين انطونيو انهار بشكل لم أكن أتخيله يومًا "

أطلقت روما تأوهًا، وقد بدأ قلبها يقرع عشقًا لذكر اسمه فقط :

" هل هو بخير امي ؟! "

ابتسمت لها والدتها بسمة صغيرة وهي تردد ساخرة :

" روما حبيبتي أنتِ من كنتِ على وشك الموت وليس هو، رغم أنه كاد يلحق بكِ في الحقيقة، لكن ...."

لم تكمل سيرينا جملتها بسبب اقتحام انطونيو للغرفة وهو ينادي اسمها بلهفة كبيرة، استدارت له روما بسرعة ترمقه بعشق، ولم يعطها انطونيو فرصة إخراج كلمة واحدة، حتى انطلق لها كالصاروخ، يضم جسدها له بقوة يشتم عبيرها وكأنه كان في غرفة مفرغة الهواء منذ غيابها عن عينه .

تحركت سيرينا للخارج دون أن يشعر بها الاثنين، تاركة إياهم وحدهما .

بكت روما وهي تدفن وجهها في كتف انطونيو تهمس اسمه من بين دموعها، بينما هو اختار الصمت وسيلة للتعبير عما يجيش في صدره، يتأوه باشتياق شاعرًا أن قلبه يكاد يخرج من صدره .

" انطونيو أنا اسفة، أنا اسفة، امي أخبرتني أنك عانيت في غيابي "

لم يجب عليها انطونيو، بل ظل صامتًا يستمتع بقربها ودفء عناقها، وكأنه مغترب عاد لتوه لأحضان وطنه، وها هو يُمرغ وجهه في ترابها يستنشق عبق هوائها، رافضًا تذكر ايام غربته ومعاناته بعيدًا عنها .

أغمضت روما عينها بقوة وهي تربت بحنان كبير على ظهره وكأنه طفلها الذي رأته بعد سنين فراق، تهمس له بحب :

" انطونيو، قل شيئًا، أرح قلبي واسمعني صوتك "

" فقط دعيني اسكن أحضانك روما، دعيني استمتع بدفئك اليوم "

ابتسمت روما وهي تتسطح على الفراش جاذبة إياه بلطف كبير، وهو يدفن رأسه بين أحضانها مغمض العين، وقد ألقى بكل مشاكله بعيدًا عنه، يستمتع بتلك اللحظة حتى الرمق الاخير .

وبعد ساعات لم يحسبها انطونيو همس بصوت بعيد كل البعد عن ذلك الصوت الذي يحدث به روما منذ استيقظت :

" روما حبيبتي، قصي علىّ لقائك مع مساعدتي الشخصية "

تعجبت روما حديثه، تبعد رأسه قليلًا وهي تردد ومازالت نبرتها تحمل بعض الإرهاق :

" ماذا تقصد ؟!"

" ما سمعتيه روما، ما الذي حدث عندما جاءت المساعدة الشخصية لي في المنزل ؟!"

ورغم تعجب روما سؤاله إلا أنها تحدثت ببساطة ورأسها تعمل بسرعة تحاول معرفة ما يريده انطونيو من خلف سؤاله :

" لقد اتت ومعها حقيبة جلدية بها مستندات تحتاج امضائك، وانا أخبرتها أنك لست متواجدًا في المنزل، وهي طلبت مني أن أعطيك إياها على وجه السرعة بمجرد عودتك؛ لأنها مهمة جدًا "

صمتت قليلًا قبل أن تسأل بصوت حاد :

" لماذا تسأل انطونيو ؟! وكيف تسمح لمساعدتك الشخصية أن ترتدي هكذا ثياب في العمل ؟!"

انتفض انطونيو من أحضانها وهو يرمقها بغباء :

" ثيابها ؟! هذا كل ما لفت نظرك روما ؟! "

ابتسمت هي بتهكم :

" وهل هناك ما لفت نظرك أنت بها غير ثيابها ؟! "

" روما هل أثر السم على عقلك ؟!"

" بل اثر عليك سيد انطونيو، ما الذي يجعل مساعدتك الشخصية تأتي لمنزلك وتعطيك ملفات، منذ متى تستقبل هكذا أمور في المنزل، لقد شككت في الأمر من البداية، جيد أنني فتحت الحقيبة وتأكدت من أنها لا تخفي لك رسالة غرا....."

اسودت عين انطونيو فجأة وهو يقترب منها بشكل خطير :

" هل فتحتِ الحقيبة وامسكتِ المستندات فقط لتتأكدي أنها لا تخفي رسالة لي بينهم ؟!"

ابتلعت روما ريقها برعب من نظرته، لا تفهم ما حدث فجأة وكيف انقلب بهذا الشكل :

" وهل كان هناك ما تخشاه يا سيد بين الملفات ؟!"

رفع انطونيو قبضته يكاد يهوي بها على وجهها وهو يصيح بعنف، بينما هي صرخت تخفي وجهها برعب :

" أيتها الحمقاء، كدتِ تُقتلين بسبب غيرتك الغبية، يا ويلتي على الورطة التي ألقيت بنفسي فيها بزواجي منك  "

نظرت له روما من خلف يدها وهي تصيح بغيظ من صراخه بها دون سبب مقنع :

" كل هذا لأنني فتحت حقيبة تلك الفتاة ؟! أنت الآن تثير شكوكي أكثر "

نهض انطونيو من الفراش وهو يصرخ في وجهها بغيظ يكاد يحطم الغرفة فوق رأسها :

" تبًا لكِ يا امرأة، لقد كدت أموت حزنًا عليكِ، كدتِ افقد عقلي لأجلك، وكل هذا لانكِ تشكين أنني في علاقة مع مساعدتي الشخصية ؟!"

" لا أنا لم أقل هذا طوني، أنا لا اشك فيك، أنا فقط اغار عليك، هناك فرق بين الاثنين "

ارجع انطونيو خصلات شعره للخلف والغضب يحتل جسده كله، بينما روما كانت تخفي نفسها خلف وسادة وقد اتخذتها كحائط لحمايتها، تشعر بالرعب منه وهو في تلك الحالات :

" أنا اسفة انطونيو، لن أكررها اقسم لك "

نظر لها انطونيو بشر وهو يصرخ في وجهها :

" اصمتِ روما الآن اصمتِ، أنا أحاول كبت غضبي عنكِ "

صمتت روما ثواني وهي تراه يغمض عينه وهو ينفخ بغضب، ثم تحدثت :

" طوني، افضل الآن ؟!"

نظر لها انطونيو بطرف عينه، قبل أن يتحرك لها يتسطح على الفراش جوارها وهو يقول مغمضًا عينه يجذبها له :

" لن امرر لكِ الأمر بهذه السهولة روما، لكنني الآن احتاج وبشدة لاحتضانك؛ لذلك سأتظاهر أن الأمر لم يحدث، حتى تصبحي بخير "

" لكن أنا ...."

" اششش فقط اهدئي روما، أنتِ اجمل وأنتِ هادئة، كما أن هدوئك يساعدني لكبت رغبتي في قتلك الآن "

أنهى حديثه بنبرة لطيفة لا تناسب كلماته، يضمها له بحنان مقبلًا اعلى رأسها وعينه تحكي قصصًا أخرى مرعبة، وقد بدأ يرسم في رأسه نهاية تلك الحكاية وبابشع الطرق ....

____________________________

كانت قدمها ملتصقة بالارضية أسفلها، تبتلع ريقها لاعنة نفسها وجميع من أوصلها لتلك المرحلة من الكذب، نظرت حولها تلمح نظرات رفيقتها الملهوفة، ونظرات ماليكا الساخرة وبشدة، فهي اليوم صباحًا بمجرد أن خطت لمقر المجلة حتى وجدت ماليكا في انتظارها وهي تقول ببسمة خبيثة :

"  ها أنتِ عزيزتي لورا، لقد انتظرناكِ كثيرًا "

رمقتها لورا بعدم فهم :

" ماذا ؟! "

" ماذا ماذا ؟! ألم تقولي أنكِ ستذهبين لمافو حتى يصمم لكِ فستان خصيصًا لأجلك ؟! هيا سوف نأتي معك "

فتحت لورا فمها بصدمة تحاول منع تلك المصيبة الوشيكة، تهز رأسها بلا، لكن ماليكا ورفيقتها لم تمنحاها الفرصة وهم يجذبونها للخارج بعنف، وماليكا تردد بمكر :

" سنذهب بسيارتي، أنا أعرف الطريق "

أفاقت لورا من شرودها على يد رفيقتها التي تحدثت بريبة من شرودها ولونها الشاحب ذلك :

" لورا ما بك ؟! هل أنتِ مريضة ؟!"

ابتسمت ماليكا بسخرية :

" اوووه يا ويلتي، دعونا إذًا ندخل للمركز قبل أن تسوء حالتها بسبب البرودة هنا "

أنهت حديثها وهي تدفع لورا صوب مدخل مركز تصميم ازياء مافو ولورا عينها معلقة بالمبنى في رعب، وكأنه وحش سينقض عليها، تبتلع ريقها بتوتر، هي حتى لم تملك الوقت لاخبار مايك بقدومها، ولا تعلم إن كان هنا ام لا، كادت تبكي بحسرة وهي تخطو لمكتب السكرتيرة التي رمقت الثلاثة بنظرات مترقبة :

" نعم تفضلن آنساتي، كيف اساعدكن ؟!"

ابتسمت ماليكا وهي تتولى دفة الحديث بينما نظراتها تنحرف كل فنية والأخرى نحو لورا التي كانت تفكر إن قامت بحفر الأرضية أسفلها ودفن نفسها كم سيستغرق من وقت .

" هل السيد مافو هنا ؟!"

نظرت لها السكرتيرة من أعلى لاسفل نظرات مدققة قبل أن تقول بهدوء :

" لا، السيد مافو ليس هنا، ثم هو لا يقابل أحد إن لم تكوني على اطلاع بالأمر"

ابتسمت ماليكا بسمة جانبية وهي تنظر لـ لورا بسخرية مرددة :

" حقًا ؟! لكن صديقتي أخبرتنا أن لديها موعد معه شخصيًا "

عضت لورا شفتيها بقوة وهي تكاد تسقط ارضًا من كثرة التوتر، تفكر في ماليكا التي ستعود للمجلة وتبدأ في نشر أخبار عن كم هي كاذبة مخادعة وفاشلة، وبعدها ستكون على موعد مع نظرات سخرية قاتلة، ابتلعت ريقها وهي تتحدث بارتجاف ظهر واضحًا في صوتها :

" هو أخبرني أنه مشغول هذه الأيام ولن يستطيع مقابلتي، ربما لاحقًا و"

لم تكد تنتهي من جملتها لترى فجأة انتفاض المساعدة الشخصية لمايك وهي تنظر صوب الباب متحدثة بلهفة :

" سيدي "

اتجهت جميع الانظار صوب الباب ببطء ليروا جسد رجولي يتحرك بخطوات هادئة يضع أعلى رأسه قبعة رياضية بيضاء تناسب ثيابه العلوية التي تتكون من نفس اللون وعلى عينه تستقر نظارة سوداء، وايضًا يرتدي قناع طبي، كل ذلك لتفادي أي أنظار فضولية أثناء مجيئه، وتفادي عدسات الصحافة.

فتحت ماليكا فمها ببلاهة وهي تحاول أن تخترق كل تلك الحصون التي يخفي خلفها مافو وجهه، وقد شعرت فجأة بالسعادة تغمرها، ها هي تقف في مكتب مافو وأمامه مباشرة :

" يا ويلي، أنه هو "

نظرت لورا له بفزع وهي تتمنى لو لم تولد، ها هي تزج بنفسها في موقف سخيف مثلها، ابتلعت ريقها وهي تستمع لصوته يتحدث بهدوء عكس ما اعتادته منه :

" أنا مشغول مولي لا ترسلي لي أي أعمال "

أنهى حديثه وهو ينزل القبعة أكثر على وجهه متجهًا صوب غرفة التصاميم الخاصة به، بينما ماليكا عينها تكاد تخرج من محجرها وتلتصق به وقد نست سبب مجيئها من الأساس.

توقف مايك فجأة أثناء تحركه للغرفة وهو يرى جسد لورا التي كانت تنكمش على نفسها كهرة وسط امطار منتصف الشتاء، ابتسم بسمة صغيرة وهو يبعد يده عن مقبض الباب يتحرك بهدوء وتحت أنظار الجميع المصدومة صوب لورا يقف أمامها يراها تخفض وجهها للاسفل .

ابتسم مايك وهو ينحني بوجهه مثلها يتحدث بسعادة :

" لم تخبريني أنكِ آتية ؟! حسنًا كنت سأتحدث معكِ على أية حال لأخذ مقاساتك "

أنهى كلماته وهو يضم رأسها أسفل ذراعه في مزاح خشن وكأنها أحد رفاقه يجرها خلفه للمكتب متجاهلًا نظرات الجميع التي تكاد تحرقهما سويًا يردد بمزاح لها :

" لقد اخترت تصميمًا يعبر عنكِ وعن جنونك يا عربية "

كانت عين لورا تكاد تخرج من مكانها وهي تستمع له وتراقب أفعاله التي تبدو للجميع كما لو أنهما على معرفة لسنوات طويلة، بينما مايك ابتسم بخبث وهو يفعل كل ذلك تحت أنظار تلك الفتاة التي رآها تتشاجر معها ذات يوم، يدعي أنها رفيقة قديمة فقط لاغاظتها، ابتسم وهو يضم خصرها متحركًا بها صوب غرفة التصميم مرددًا بصوت عملي لمساعدته :

" كما أخبرتك مولي، لا اريد أي مواعيد، أنا الآن مشغول، واه صحيح لا تنسي أن تكرمي الفتيات حتى انتهي من عملي مع العزيزة لورا "

أنهى حديثه ثم اغلق الباب الجرار في وجوههم تاركًا ماليكا تشعر بالأرض تميد أسفلها وقد طُعنت للتو في صميم قلبها، لا تصدق أن لورا ليست كاذبة وأن مافو سيصمم لها فستانًا، ليس هذا فحسب بل أيضًا يبدو من طريقته في التعامل معها أنه يعرفها خير معرفة، عضت ماليكا شفتيها والحقد يملء صدرها حتى كاد يخرج من فمها، تغمض عينها بغضب وهي تستمع لصوت السكرتيرة تقول بهدوء :

" تفضلي ارتاحي سيدتي، هل اطلب لكِ مــ "

ولم تكمل حديثها بسبب اندفاع ماليكا للخارج بقوة وغضب وخلفها رفيقة لورا وهي تلقي نظرة أخيرة على الباب الذي دخلت له لورا، تلحق بماليكا التي كانت مشتعلة في تلك اللحظة .

داخل المكتب كانت لورا تقف وهي تنظر للأرض بخجل من فعلتها تلك تتحدث بسرعة :

" آسفة حقًا لم اقصد أن اعرضك لهذا الموقف، أنا اتيت هنا مجبرة "

نزع مايك قبعته وقناعه الطبي وكذلك النظارة وهو يعدل من خصلات شعره ضاحكًا بلطف لها، يقترب منها مربتًا على شعرها هامسًا :

" لا بأس  أنا أعلم أن تلك الفتاة في الخارج هي من وضعتك في هكذا موقف، أنا أفهم أفعال النساء تلك، لكن لا بأس أنا ادين لها بشكر، فلولاها لما رأيتك اليوم " 

ختم حديثه غامزًا بمشاغبة وهو يقف أمامها يقول بخبث منحنيًا حتى يصل لقامتها القصيرة عنه ببعض الانشات:

" إذًا هل نبدأ ؟!"

نظرت له لورا بتيه تحاول فك الشفرات التي تخرج من بين شفتيه، فشعورها الحالي جواره يلغي كامل حواسها، مانعًا إياها من التفكير في أي شيء عدا اقترابه الخطير ذلك منها، ابتلعت لورا ريقها الوهمي وهي تقول ببسمة صغيرة :

" أنا بخير شكرًا لك، لقد تناولت الفطور قبل مجيئي "

وكانت إجابتها تلك بعيدة كل البعد عن سؤاله الذي طرحه للتو، ضغط مايك على شفتيه حتى يمنع ضحكته من الانطلاق، ثم تحدث مجاريًا إياها :

" حقًا ؟! لا بأس إذًا دعينا نحتسي كوبًا من القهوة بدل الفطور، رغم أنني انتظرتك طويلًا وفي النهاية تناولتي الفطور بدوني، لكن المرة القادمة ستناوله سويًا "

هزت لورا رأسها بسرعة في إشارة لموافقتها، ليمنحها هو ضحكة صغيرة وهو يمسك خدها مرددًا :

" كم أنتِ لطيفة لورا "

أنهى حديثه يترك خدها ثم تحرك صوب خزانة تتوسط أحد أركان الغرفة يحمل شريط القياس واضعًا إياه على كتفه وبين يديه مدونة صغيرة، ثم اقترب منها وهو يتحدث بجدية جعلتها تعتقد أنه شخص آخر غير ذلك الذي مازحها منذ ثواني، وقد كان أول شخص لا يسخر من غباء حديثها الذي يخرج دون ارادتها في لحظات توترها، بل على العكس أجابها بكل بساطة وكأن ذلك هو فحوى حديثهما الأساسي، وفي تلك اللحظة رنت جملة طبيبها الخاص في رأسها عندما أخبرته عنه ( لا بأس لورا لقد اعطيتِ فرص كثيرة لأشخاص لا يستحقونها بالفعل، والآن عندما وجدنا أحد يستحق فرصة ليتقرب منكِ تمنعينه ؟! لا اظن أن ذكائك محدود لهذه الدرجة ) 

"  لورا، هل أنتِ معي ؟!"

انتفضت لورا فجأة وهي تنظر لعينه التي كان يوجهها صوب خاصتها، يتحدث بجدية وقد بدأ يقلق على شرودها ذلك ونظراتها التائهة :

" ما بكِ ؟! أنتِ بخير ؟!"

" نعم أنا فقط شردت لبعض الوقت "

صمتت لورا ثواني ثم قالت وهي تنظر حولها :

" بالمناسبة لم اشكرك على ما فعلته معي في الخارج "

ابتسم لها وهو يهز رأسه بلطف ثم قال بحماس وهو يحمل ورقة في يده :

" دعيني آخذ مقاساتك، واخبريني عن تخيلك للتصميم إن كنتِ تمتلكين صورة في رأسك له، أم تريدين أن اصممه كما تخيلته عليكِ؟! "

تحدث وهو يقترب منها حاملًا شريط القياس، فعادت هي للخلف بخجل تحاول أن تتجاوز تلك اللحظة :

" لا لا بأس، أنا لا امتلك أي تخيالات، سأترك الأمر لذوقك، لكن فقط لا أريده أن يكون بلا أكمام، ارجوك احرص على أن تغطي اكمامه كامل ذراعي "

ورغم تعجبه الأمر إلا أنه هز رأسه بحسنًا، ثم اقترب منها أكثر ليبدأ في أخذ قياسات جسدها، لكنها استمرت في التراجع، رفع مايك حاجبه وهو يقول :

" توقفي لورا، اريد أخذ مقاسك "

" لا، لا اريد "

ضيق عينيه وهو ينظر لها ثم قال بمزاح يقترب أكثر :

" لا تقلقي يا فتاة أنا لن اتحرش بكِ "

نظرت له لورا بصدمة من حديثه وقد شعرت أنها احرجته بافعالها، وما كادت تتحدث لتنفي حديثه إلا وسمعت صوته يهمس بمشاكسة :

" رغم أنني أتمنى ذلك وبشدة "

فتحت لورا عينها بصدمة وهي ترمقه بحنق، ليطلق هو ضحكة عالية مستغلًا حالتها ليأخذ قياستها، بينما هي فقط تراقب تحركه حولها وحرصه الشديد لعدم لمسها مباشرة، وكم قدرت له ذلك كثيرًا، وبهذه الأفعال استطاع ذلك الرجل أن يحوز جائرة أكثر شخص مراعي تعاملت معه في حياتها .

" ارفعي ذراعك رجاءً"

وهكذا فعلت لورا بصمت وهدوء ليبدأ هو في استكمال عمله وهو يرمي لها بسمة لطيفة متحدثًا بجدية :

" ريتها امك خلفت كلب ولا خلفتك"

وهذه المرة لم تغضب لورا، بل ضحكت بقوة وهي تقول :

" العفو مايك العفو "

رفع مايك رأسه سريعًا وهو يقول بجدية :

" مايك ؟! أرى علاقتنا تطور بسرعة، وهذا جيد فقد حجزت قاعة الزفاف نهاية هذا الشهر، وبعدما انتهي من فستانك هذا سوف اصمم لكِ فستان زفافنا "

أنهى حديثه بغمزة جعلتها تفتح عينها بصدمة :

" أنت... أنت... أنت "

" نعم أكملي، أنا ماذا ؟! وسيم؟! لطيف ؟! مثير ؟!"

" أنت واهم "

أطلق مايك ضحكات عالية وهو يضرب رأسها بمزاح :

" لا بأس ببعض الوهم لكسر روتين الواقع عزيزتي "

ابتعد عنها تاركًا اياها شاردة في أفعاله وكلماته وقد بدأت تشعر بالخطر قربه هنا؛ لذلك تحدثت بجدية وهي تحمل حقيبتها مجددًا .

" حسنًا اعذرني لدي الكثير من الأعمال، سوف أمر عليك لاحقًا "

ختمت حديثها وهي تهرب من المكان بأكمله وقد استوعبت أنها تقترب بالفعل حسب تعليمات طبيبها، لكنها تقترب بسرعة أكبر مما توقعت .....

_____________________________________

كانت حواس ماركوس متحفزة وبشدة وعينه معلقه على الباب أمامه وهناك بسمة مستمتعة ترتسم على فمه، هو لم يكن يومًا من هواة العنف كفبريانو أو جاكيري أو مارسيلو، بل كان المسالم والالطف بين الجميع، لكن ولسبب غريب منذ معرفة تلك القصيرة جواره أضحى متحفز لأي قتال، ينقب عن المعارك بين أكوام السلام، اشتدت يده على سلاحه وهو يراقب الباب الذي فُتح جزء صغير وصوت غريب يصدح بخبث :

" تركتِ المفتاح في الباب لأجلي؟! وتدعين التمنع أيتها الماكرة الصغيرة ؟!"

نظرت فيور بحنق لماركوس فقد كان هو من ترك المفتاح في الباب، لكنه رماها بنظرة متذمرة هامسًا :

" ماذا أنا حتى لم أخطو للشقة حتى وجدتك تتعلقين بي كـ قرد اجرب يبحث عن شجرة لحك ظهره "

فتحت فيور عينها بصدمة من تشبيهه ذاك، ولم تكد تتحدث بكلمة لترد بها ماء وجهها، حتى وجدت يد ماركوس تكتم فمها بسرعة، وعينه معلقة على بداية الممر الذي يفصل بين باب الشقة وبهوها، ضيق عينيه في انتظار ذلك الشاب الـ.....توقف ماركوس عن التفكير وهو يلمح ذلك الجسد الهزيل الذي ظهر أمام عينه، لمراهق يبدو أنه في الرابعة عشر من عمره، ومازال شنبه حتى لم ينبت كاملًا، ينظر في أرجاء الشقة بلهفة باحثًا عن الغبية التي تنظر له بشر كأسد يراقب فريسته .

" حقًا؟! مراهق ؟! "

نظرت له فيور بشر وهي تقول معترضة على حديثه :

" هذا المراهق الذي تسخر منه يظنني فتاة صغيرة ويحاول التقرب مني عنوة "

أطلق ماركوس ضحكة عالية وهو يتخيلها تجذب الاطفال والمراهقين حولها ظنًا أنها تماثلهم في العمر، لم يتمكن من كبت ضحكته وهو يتخيلها محط أنظار المتحرشين الصغار .

اغتاظت فيور من ضحكاته وسخريته منها وهي تصرخ بضيق متجاهلة المراهق الذي توقف برعب يستمع لصوت ضحكات رجولية في المنزل :

" توقف عن السخرية مني، اخبرتك أنه يتحرش بي منذ مجيئي، ذلك الاحمق الذي يظنني مازلت في المرحلة الأولى من المدرسة "

ولم يساعد حديثها على ايقاف ضحكات ماركوس، بل ازدادت قوة وهو يدفع وجهها جانبًا واضعًا سلاحه في جيب بنطاله، يتحرك بسرعة صوب المراهق الذي بمجرد أن أبصره حتى ركض لباب الشقة، لكن اقدام ماركوس الطويلة وخطوته الواسعة جعلته يتمكن من إمساكه، حيث امسكه من الخلف كلص يرفع بين يديه وهو يقول :

" أنت أيها الصغير ما الذي تفعله هنا ؟! "

حاول المراهق أن يفلت من يد ماركوس وهو يبحث عن حجة مقنعة في رأسه :

" أنا ...أنا جئت لاسأل فيور في أي مدرسة تدرس، لربما تكون زميلتي يا عمي  "

تشنج ماركوس بغيظ وهو يضم وجهه بعنف بين قبضته :

" لا تناديني بـ عمي يا هذا، ثم أي زميل هذا يا احمق؟! هذه التي تقف امامك تفوقك في العمر "

نظر المراهق لفيور التي كانت ترمقه بشر مرددة بسخرية :

" أيها الكاذب تتجرأ وتكذب امامي ؟!  اقتله عم ماركوس "

" هل انفذ حديثها واقتلك ؟! 

تحدث المراهق بغيظ وهو يشير لفيور :

" ماذا، لقد نادتك بالعم للتو ولم تعلق ؟! "

ابتسم ماركوس وهو يرفع وجه المراهق له مرددًا بحنق :

" لا شأن لك بها، واستمع إلىّ يا فتى، توقف عن اللحاق بالفتيات، فعمرك هذا لا يسمح لك بمثل تلك الأفعال السيئة "

" وما شأنك أنت بي؟! ثم أنا لستُ صغيرًا للحد الذي تتحدث عنه، أنا شخص ناضج، وكنت فقط انتوي أن اتعرف عليها ولا اكمن سوءاً لها، بل أردت أن أحصل فقط على حبيبة وصديقة لي كما يفعل اصدقائي "

اندفعت فيور بغضب تهجم عليه جاذبة شعره بين يديها وهي تهتف من بين أسنانها :

" اي حبيبة تلك يا ابله، أنا افوقك بالعمر يا غبي "

ولم يكن ماركوس في حالة تسمح له للحل بينهما، فقد غرق في الضحك وهو يراقب الشجار اللطيف بينهما، حيث بدأ المراهق يقاومها بكل ما يمتلك من قوة وهو يردد بجدية :

" أنا لا أريد أن نبدأ علاقتنا بشجار؛ لذلك توقفي عن هذا "

ازدادت ضحكات ماركوس أكثر وأكثر وهو يشاهد ما يحدث باستمتاع شديد، ولم يرد التدخل حتى لا ينتهي هذا العرض الممتع، بينما فيور كانت قد وصلت لأقصى مراحل غضبه تمسك شعره وتهز جسده بقوة تحاول إدخال كلماتها برأسه :

" أنا لست بمثل عمرك يا هذا، توقف عن قول علاقتنا "

رد عليها المراهق بحنق شديد :

" هيييه، أنا الرجل هنا وأنا من ستسير كلمته؛ لذلك توقفي عن إلقاء الأوامر في وجهي "

سقط ماركوس على المقعد خلفه وضحكاته ترن صداها في الشقة بأكملها بينما فيور أسقطت الصبي ارضًا وهي تنقض عليه ضربًا وعضًا، حتى وصل صراخه لجميع سكان البناية وصعد البواب وزوجته، لتصرخ السيدة ترى ابنها الصغير يُطحن أسفل فتاة :

" أنتِ يا قليلة الأدب ما الذي تفعلينه بالفتى ؟! انهضي من فوقه، وإلا أخبرتك والديكِ "

حاول ماركوس التحكم في ضحكاته، لكن فجأة توقف بصدمة وهو يستمع لحديث المرأة التي قالت بغيظ :

" وأنت يا سيد تكتفي بالضحك وأنت تشاهدهما يتشاجران ؟! عيبٌ عليك، هل هذه اختك أم ماذا ؟!"

نهضت فيور وهي تستعد للانقضاض على المرأة لولا يد ماركوس التي جذبتها بعنف صوبه وهو يقول ببسمة صغيرة باردة :

" في البداية انتبهي لابنك سيدتي فهو في سنٍ خطر، ثم بعدها تحدثي"

أنهى حديثه وهو يسحب يد فيور للخارج متجاهلًا الجميع بكل بساطة، بينما فيور استدارت بسرعة تخلع خفها المنزلي، ثم ألقته في وجه الصبي مشيرة على رقبتها بعلامة الذبح، وبعدها سارت بكل كبرياء رفقة ماركوس مبتسمة بانتشاء بعدما نالت من الفتى .

________________

زاد من سرعة قدمه وهو يكاد يركض خلفها، يشعر بقلبه ينتفض رعبًا لاول مرة في حياته كلها، وصل قربها وهو يمسك ذراعها بقوة ساحبًا إياها له بجدية كبيرة يحاول جعلها تنظر لعينه، علها تجد حبها مازال يستوطنها :

" روبين انظري إلىّ، انظري إلىّ حبيبتي، اعطيني فقط فرصة لاخبرك كل شيء، أنا لســ "

نزعت روبين يديها من بين يديه وهي ترميه بنظرة جعلت جسده كله ينتفض غضبًا، واكملت عليه بحديثها الحاد :

" انتهينا فبريانو، انتهينا "

ازداد غضب فبريانو وهو يقترب منها بسرعة مخيفة يمسك كتفها هامسًا من بين أسنانه بشكل مخيف :

" أنتِ لا تستوعبين حديثك روبين ؟! تريدين أن أبتعد عنكِ؟! هل جننتي ؟!"

سقطت دموع روبين بعنف وهي تصرخ به :

" أيوة يا فبريانو عايزة نبعد، عشان أنا مش هقدر اعيش معاك تحت سقف واحد وانا عارفة انك قاتل، ولا هقدر اجيب اطفال ابوهم تتسبب في يتم اطفال زيهم، باختصار مقدرش اعيش مع حد زيك "

" حد زيي ؟؟"

قالها فبريانو وقد أصابته في مقتل بسبب حديثها، ولم تشفق عليه بعد الطعنة الاولى، بل استمرت في توجيه الطعنات له، فتح فمه للتحدث، قبل أن يغلقه مجددًا وهو يبتسم بسمة صغيرة ويده ترتعش بقوة من فرط غضبه :

" روبين، هذا أنا فبريانو"

توقف عن الحديثه فجأة وهو يشعر بأنه لم يعد يستطيع الحديث، ينظر لها بعينه، علّه يخبرها ما فشل في الحديث عنه، لكنها فقط انهارت في البكاء وهي تسقط ارضًا تقول بهذيان :

" أنا غبية، أنا غبية، طول الوقت وأنا فكراك بتهزر، اصل مش معقول يكون فيه قاتل يقول أنا بقتل، افتكرتك بتهزر "

أنهت حديثها وهي تنفجر في البكاء تخفي وجهها بين يديها تردد أنها غبية، بينما هو يراقبها بوجع، قبل أن ينحني ليجلس على ركبته أمامها يبعد يدها عن وجهها يضمه بين كفيه وهو يردد بصوت عاشق :

" لا ارنبي الوردي، أنتِ لستِ غبية، بل أنا السيء، أنا الاناني، أنتِ لستِ غبية، بل أنتِ الالطف والأرق "

" فبريانو ..."

" فبريانو يستطيع التخلي عن كل شيء لأجلك روبين، اقسم أنني في هذه اللحظة مستعد للتخلي عن كل شيء، واكون بستاني لطيف، هيا سأكون لطيفًا لأجلك، لأجلك أنتِ فقط ساكون أي شيء "

سقطت دموع روبين أكثر وهي تبكي بصوت عالي قطع قلب فبريانو لقطع، جذبها لصدره بقوة وهو يردد حديثه السابق لها :

" أنتِ لا تعلمين شيء عن فبريانو الآخر روبين، فقط امنحيني فرصة واحدة وسوف اخبرك كل شيء، فرصة واحدة "

كادت روبين تلين له وترضخ لحديثه، لولا تذكرها لما سمعته وادراكها أن تلك اليد التي تضمها، كانت هي نفسها التي قتلت الكثير من الأبرياء سابقًا، انتفضت من بين يديه وهي تنهض من الأرض تهز رأسها بلا، قبل أن تتحرك بعيدًا عنه راكضة، وقلبها يصرخ بها مؤنبًا ألا تتركه خلفها هكذا، يترجاها أن تعطيه تلك الفرصة، 

تعليقات



×