![]() |
رواية عشق تحت القيود الخاتمة
كانت أروقة المستشفى هادئة، إلا من أصوات خطوات خفيفة تتنقل بين الغرف. دخلت وسام بصحبة عادل، يحمل كل منهما طفلة في ذراعيه، عيونهم مليئة بالتوتر والحيرة. ليليان، التي كانت تلتصق بأمها بحذر، ونظرات ليلي الهادئة التي تعكس شيء من الوعي البسيط لأهمية اللحظة.
وصلوا إلى غرفة كمال، الذي كان ممددًا على السرير، وجهه شاحبًا، ولكن عيناه تتسعان عندما رأى أفراد عائلته يدخلون.
"أنتوا هنا؟" همس كمال بصوت ضعيف، لكنه مليء بالحنين.
وقفت وسام عند الباب، تتأمل وجه والدها الذي طالما انتظرته، قلبها يحترق بين مشاعر الألم والمسامحة. لكنها لم تتمالك نفسها، فتقدمت بخطوات بطيئة نحو سريره، وأجابته: "أيوة، جينا عشانك يا بابا."
ثم نظر عادل إلى كمال، عينيه مملوءتان بالحيرة. كان يتردد في الاقتراب، قلبه مشبع بالأسئلة التي لا إجابة لها. لكن فجأة، كما لو كان صوت والدته يرن في عقله، رمى نفسه في حضن كمال.
لم يتمكن من كبح دموعه، فانهار في حضنه، عينيه مليئة بالدموع التي سقطت بشكل مفاجئ على صدره. كمال، الذي لم يتوقع هذا التفاعل، بدأ يربت على ظهره بلطف وهو يهمس: "سامحني، يا عادل، سامحني."
ليلي، الصغيرة التي كانت تراقب اللحظة كلها ببراءة، شعرت بالفرح الممزوج بالحزن. لم تقدر على تحمل هذا المشهد، فاندفعت نحو أبيها الذي كان في أحضان جدها. احتضنته بشدة، وصرخت بصوت مرتجف: "يابابا، يابابا!" وكأنها تقول له: "لا لا تبكي ."
وسام، التي كانت تراقب هذه اللحظة العاطفية، اقتربت من ليلي، وحضنتها بقوة، "
أصبح المكان مليئًا بالحزن والفرح في آن واحد، كانت العائلة تتجمع في اللحظة التي لم يتوقعها أحد، وكل واحد منهم ينغمس في مشاعره التي كانت مدفونة لسنوات.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
كانت الغرفة مليئة بالصمت، باستثناء صوت تنفس كمال العميق الذي يشير إلى تعب جسده، لكن عينيه كانت مليئة بمشاعر متضاربة. وسام كانت تجلس بجواره، تحاول أن تساعده في تناول الطعام بيد مرتجفة، كل حركة لها تحمل الكثير من المشاعر التي لا تستطيع التعبير عنها بالكلمات.
وسام رفعت الملعقة في يدها، وقالت بصوت منخفض: "كل يابابا لازم تكمل العلاج علشان تبقى كويس."
كمال نظر إليها للحظة طويلة، ثم بدأ يتحدث بصوت مكسور، مليء بالندم: "وسام... أنا مش عارف أبدأ منين. كل اللي عملته ده، ما أعتقدش إنك تقدرِ تسامحيني ودلوقت بتأكليني وخايفة عليا."
وسام تجمدت للحظة، قلبها كان مشوشًا بين الألم والحب، ولكنها قررت أن تتكلم بصراحة. هي بدأت تحرك الملعقة في يده ببطء، وصوتها كان يخرج بصعوبة: "أنا مش عايزة أعيش في الماضي، مش عايزة أعيش في اللي فات... عايزة أعيش في اللحظة دي معاك، عايزة نكون مع بعض دلوقتي. واتمتع بحضنك اللي اتحرمت منه عمري كله."
كانت عيني كمال مليئة بالدموع، فحاول أن يسيطر على نفسه، لكن دمعة انزلقت من عينيه وهو يردد: "إزاي؟ ازاي قدرتِ؟ بعد كل اللي عملته... كنت على بعد خطوة من تدمير حياتك وحياه عادل!
وسام لم تستطع أن تتحمل رؤيته في هذا الوضع، فوضعت الملعقة جانبًا، وحاولت أن تكبح دموعها هي الأخرى. صوتها كان يخرج متهدجًا: "أنا مسامحاك علشان خاطرنا... علشان خاطر كل حاجة بينا. لو ما سامحتكش، هفضل أعيش في الألم ده... مش قادرة أعيش في الحزن ده، كفاية خلاص. بناتي عايزينك وانا عايزاك يابابا الحياه لازم تستمر وم صدقت رجعتلي بعد م فقدت الامل انك ترجع ربنا كتب ليك ترجع تنور حياتنا من تاني لازم نعوض بعض يابابا"
لكن كمال كان يهز رأسه في يأس، وعيناه مليئتان بالندم. " انا صعبان عليكي ويارتني فضلت ميت"
وسام لم تستطع السيطرة على مشاعرها، فحضنته فجأة بقوة، كأنها كانت تحاول أن تشفي جروحه بأحضانهما معًا. دموعها سقطت على كتفه،
كمال احتضنها بشدة، وعيناه مليئتان بالدموع، وقال بصوت مكسور: " كان نفسي احضنك واشم ريحتك يابنتي من زمان كأني شايف والدتك ولامسها الله يرحمها."
وسام ابتسمت بين دموعها وقالت بصوت دافئ: "كلنا بنغلط. بس الأهم هو إننا نتعلم ونتغير.."
ثم أخذت يد كمال في يديها، وهي تبتسم له، قائلة بصوت متأثر: "وعادل كمان مسامحك يابابا
وفي تلك اللحظة، امتلأت الغرفة بأحضانهم الدافئة، وصمتهم الذي كان يحمل كل مشاعر الحب، الندم، والتسامح الذي كان في النهاية أكبر من كل شيء.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
كان كمال مستندًا على عادل، وعيونه مليئة بالدموع، وهو يصرخ بصوت مكسور: "إنت ابني... والله ابني! أنا آسف، والله أنا آسف."
عادل كان يدعم جسد كمال بكل قوته، لكن قلبه كان مليئًا بالعواطف التي لا يستطيع كبحها. كانت دموعه تنزل بلا توقف، وصوته خافت، لكنه كان يحمل ألمًا عميقًا. فكر في كل اللحظات التي مر بها مع كمال، في الأيام الصعبة، والأوقات التي شعر فيها بالخيانة.
كمال، وهو يحاول أن يثبت لكلامه، أضاف بصوت محطّم: "إنت مش من دمي، صح... بس أنت ابني،، حاولت أكون الأب اللي تستحقه... وأنت أكبر من كل شيء، أكبر من أي دم أو صلة. أنا آسف لو كنت سبب في أي ألم ليك."
عادل بدأ يهتز وهو ينظر لوجه أبيه، وعينيه مملوءة بالدموع، ورغم كل شيء، رغم الألم الذي عاشه، كان قلبه لا يتحمل أن يرى أباه في هذه الحالة. فجأة، بدون تفكير، رمى نفسه في أحضان كمال، وكأن تلك اللحظة كانت هي النهاية لعذابات كثيرة.
وهو في حضنه، بكى عادل بحرقة، ولم يتمالك نفسه وهو يقول بصوت مرتجف: "أنت مش بس أبويا... أنت أغلى من كل شيء عندي. . أنا مش قادر أعيش من غيرك من غير نصايحك انت سندي من غيرك ضهري مكسور... أنت كنت دايمًا الأب، حتى لو خذلتني انت هتفضل ابويا غصب عن الكل"
كمال، وهو يضع يده على رأس عادل، وبصوت ثقيل، قال: "أنت ما كنتش تستحق العذاب ده... انت ابني، وكل حاجة مني ليك اسمي وفلوسي ونفوذي كلها ياعادل."
وسام، التي كانت تراقب الموقف من بعيد، اقتربت منهم ببطء. عيونها كانت مليئة بالدموع، وكل قلبها كان مفعم بالفرحة بعد هذا اللقاء. مشاعرها كانت مختلطة بين الفرح والحزن، لكنها شعرت بأنها بدأت ترى بداية جديدة لكل شيء.
ابتسمت وسام، وصوتها كان يهتز وهي تقول: "أنا مبسوطة من قلبي... أنا مبسوطة إنكم مع بعض... أخيرًا، كل شيء رجع لمكانه الصحيح."
عادل رفع رأسه عن صدر كمال، وقال له بصوت مليء بالعواطف: "أنا هفضل جنبك طول عمري... مش هسيبك تاني."
وابتسم كمال بصعوبة، وهو يقول: "مستحيل تسيبني، أنت ابني."
وبينما كانت وسام تراقبهم، دموعها اختلطت بالابتسامة، وقالت في صوت متأثر: " من غيري طيب دا كدا عيب اوي
ثم اقتربت وسام منهم واحتضنتهم جميعًا في لحظة مؤثرة، كلهم في أحضان بعضهم البعض، وكأنهم كانوا في عالم آخر، حيث الألم انتهى، والتسامح بدأ.
في غرفة المستشفى، كان المكان هادئًا إلا من أصوات الأجهزة التي كانت تُصدر أصواتًا خفيفة بين الحين والآخر. كمال كان مستلقيًا على السرير الأبيض، وجهه شاحبًا، لكن عينيه كانت تلمع بشيء من الأمل. ليلي وليليان، مع والدتهما وسام، كانتا جالستين بالقرب منه.
ليليان كانت تتأمل وجه جدها بفضول، تتأمل كل تفاصيله بعينين متسعتين، بينما ليلي كانت تجلس بجواره على حافة السرير، يداها على يده بلطف، وكأنها تحاول أن تمد له بعض الطاقة التي فقدها.
ليلي: (بصوت هادئ) "جدو، انت مش هتمشي تاني صح"
كمال نظر إليها، ابتسم ابتسامة متعبة، لكنه كان يملك شعورًا داخليًا بالسلام، رغم التعب. كان يحاول أن يختصر كل ما يود قوله في تلك اللحظة، لكن لم يستطع.
كمال: (بصوت منخفض) "أنا... أنا آسف يا حبيبت قلبي. كنت غايب عنكم كتير، بس كنت تعبان ودلوقت فوقت وهكون جمبكم"
ليليان، التي كانت تراقب المشهد بصمت، قفزت فجأة من مكانها، وجرت نحو كمال، وقبلت يده الصغيرة ببراءة.
ليليان: (ببرياء الطفولة) "بس ليه نمت السنين دي كلها احنا مش بنام زيك كدا؟
وكان كمال في تلك اللحظة يلاحظ بشدة كيف أن براءة الطفلة الصغيرة كانت تلمس قلبه، لكنه كان يشعر بالندم أيضًا. كيف فاتت عليه سنوات من الحياة التي كان من المفترض أن يقضيها معهم؟
كمال: (بصوت مرتجف) "أنا... أنا بخير دلوقتي، وأنتو مش هتغيبوا عني تاني، وعد."
ثم سكت للحظة، وعيناه تلمعان بالدموع. ليلي، التي كانت تراقب جدها بصمت، اقتربت منه أكثر، ووضعت يدها فوق يده،
ليلي: (بحزن ولكن بنبرة قوية) " هتيجي وتعيش معانا صح ياجدو انت كبير بابا وبيحبك اوي كنت بسمعو بينده عليك وهو نايم"
كلماتها كانت ثقيلة على قلبه، لكنها كانت بمثابة شفاء له. كان يشعر أن هذه اللحظة هي التي يعيد فيها كل شيء مفقود، كل تلك السنوات التي فقدها، لكنه الآن عاد ليعيش اللحظة معهم، وكان هذا كل ما يحتاجه.
كمال: (بصوت متهدج وهو يحاول السيطرة على دموعه) "وانا بحبكم كلكم عشان انتو العيلة اللي فضلت احلم بيها والحمد الله ربنا ايداني العمر عشان اشوفها قدام عنيا
ليليان، التي لم تتمالك نفسها، جثت على الأرض بجانب السرير، ثم احتضنت كمال، بينما دموع ليلي انهمرت على وجهها، وعينيها معلقتين على جدها، مع شعور بالأمان الذي لم تعرفه من قبل.
ليلي: (بين دموعها) "واحنا ياجدو بنحبك اوي"
وسام، التي كانت تراقب المشهد من بعيد، كانت تقف هناك، قلبها ممتلئ بالفرح والدموع، والذكريات التي عادت إليها فجأة. هذه اللحظة كانت حلمًا بعيدًا عن أن يتحقق، ولكنها الآن أصبحت حقيقة.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
بعد مرور شهر
في الحديقة الصغيرة أمام منزل كمال، حيث تشرق الشمس بأشعتها الدافئة، جلس الجميع على العشب الأخضر. كانت الأجواء هادئة، والكلمات بين الحين والآخر تخرج من أفواههم بابتسامات تعكس السلام الداخلي الذي بدأوا يشعرون به. كمال، الذي بدا في حالة أفضل بعد فترة من العلاج، كان يبتسم بهدوء بينما تحيط به عائلته.
عادل (وهو يبتسم بحب، وهو ينظر إلى أفراد أسرته): "الوقت ده، اللي بنقضيه مع بعض، هو أغلى من أي حاجة في الدنيا. خلينا ناخد صورة مع بعض علشان تفضل ذكرى لينا."
وسام (بتردد وهي تبتسم، لكن ملامح وجهها تحمل نوعًا من الرضا): حلوة الفكرة دي يلة ياعادل"
عادل (أجاب بابتسامة واسعة): "بالضبط، صورة تخلينا نفتكر اللحظات دي. اللحظات اللي بيبقى فيها قلبنا مليء بالسلام والراحة."
تقدمت ليلي وليليان إلى جانب جدهم كمال، ووقفت وسام قربهم، بينما عادل كان يضع ذراعه حولها. كان الجميع يقفون جنبًا إلى جنب، كما لو أنهم بدأوا صفحة جديدة من حياتهم.
ثم، اقتربت الكاميرا، وضغط عادل على زر التقاط الصورة، ليصطدم الصوت بكلمات وكأنها أمل جديد للمستقبل. الكاميرا التقطت هذه اللحظة السعيدة التي أثبتت لهم أن الحب والتسامح يمكن أن يجمع الجميع بعد كل ما مروا به.
واخيرا
"الحياة مليئة بالتحديات واللحظات الصعبة التي قد تبدو في البداية مستحيلة، ولكنها لا تكتمل إلا عندما نتعلم أن نغفر لأنفسنا ولغيرنا. التسامح هو المفتاح الذي يفتح أبواب الأمل بعد كل المآسي، وكل لحظة ألم تصبح ذكرى عندما يسيطر عليها الحب والرحمة. العائلة، رغم كل الخلافات والمشاكل، هي المكان الذي نجد فيه القوة للتقدم. القصة تُعلّمنا أن الأمل يمكن أن يولد من قلب الألم، وأن التجديد يبدأ بلحظة واحدة، لحظة نعترف فيها أننا قادرون على التغيير. فكلما غفرنا، كلما ازددنا قوة، وكلما أحببنا، زاد الفرح في حياتنا.
النهاية.