رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل التاسع 9 بقلم ولاء رفعت علي

رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل التاسع


"مشهد من الجزء الثاني عهد الذئاب_ الفصل الثاني"

« صفعها بقوة صارخاً: 
- هل تهزأين بي !، إنه أدرك الآن إنني من دبر له هذا الحادث. 

أحست بصفير في أذنها و خط من الدماء إنسدل من جانب شفتيها، وضع إصبعه يمسح ذلك الخط و قام بلعقه متلذذاً: 
- كم هي شهية طعم دمائك صغيرتي، أنني إشتقت كثيراً لتلك الشفاه و أنا أعتصرهما بين أسناني و تسيل دمائك داخل فمي.
 
حدقت إليه بتقذذ و إمتعاض بل و خوف في آن واحد، أردف حديثه المرعب:
- ماذا أفعل في هذا اللعين؟

 قالها و هو يشير إلي موضع قلبه ليردف : 
- للأسف أشفق عليكِ من الموت، لذا سأكون رحيم معك و أجعل عقابك هيناً. 

قهقهت بسخرية أثارت نيران غضبه التي قلما تندلع فقالت: 
- هل ستقوم بالإعتداء علي؟ 

حدق في عينيها بنظرات قاتلة و أقترب من وجهها لينقض علي شفتيها بكل قسوة، يرتشف دمائها تحت صرخاتها من الألم، أبتعد عنها بعد دقائق و زمجر بلذة غريبة، يلعق دمائها من علي شفتيه ثم نظر إليها بتشفي و إلي شفتيها التي تنزف بغزارة، تبكي بقوة من شدة الألم 
فصاح منادياً علي إحدي رجاله: 
- ماركوس. 

جاء إليه الرجل مهرولاً: 
- أمرك سيدي. 

أخرج محرمة من جيبه، قام بمسح شفتيه و قال: 
- هيا نفذ ما أمرتك به، و لا تنس أريد كل ما يحدث مسجل بالصوت و الصورة. 

أومأ له ماركوس بالطاعة: 
- أمرك سيدي.
 
ألقي نظرة أخيرة نحوها و هي تتلوي من الألم فقال: 
- وداعاً صغيرتي. 

غادر الغرفة و يأتي أربعة من الرجال كالجدران الضخمة ولجوا جميعهم إلي الداخل فأقترب إحدهم منها و نزع من فوقها الغطاء، ينظر إليها بشهوة مقززة حيث لم يغط جسدها سوي ثيابها الداخلية، وضع يده الغليظة يتحسس جسدها فصرخت:
- لا لا أبتعد عني يا قذر. 

قام الأخر بنزع ثيابها و أنقض عليها هو و من معه بلا رحمة تحت صرخاتها التي وصلت إلي مسمع نيكلاوس » 

عادت من ذلك المشهد بنظرة زجاجية و وعيد بالإنتقام، فما حدث لها من تحت رأس الذي أحبته بجنون و لا يبالي إليها، لم تأبه عاقبة خيانتها لكلاوس قدر ما كانت تخشي أن يحدث إليه مكروهاً، تزوجت من صديقه رغماً عنها لتكون قريبة منه و لم تفلح في ذلك فأصبحت أسيرة هوس الأخر حتي أستطاعت الفرار منه، و منذ ذلك الوقت تنتقل من بلدة إلي أخري حتي تمكنت من العودة إلي مسقط رأسها، و بعد أن علمت بعودة فلاديمير الإسم الذي يهابه جميع أفراد عصابات المافيا الروسية لتولي المنصب المناسب له و الذي يستحقه عن جدارة، قررت الدخول إلي القلعة التي شاهدت علي تعذيبها علي يد رجال كلاوس، لكن تلك المرة عودتها لا تنذر سوي بالشر و إندلاع حرب ضروس، سوف يقع بها الكثير من الضحايا. 

"و لماذا كلاوس فعل بكِ ذلك؟". 
لم تنتبه إلي ظلام عينيه و هو يسألها، فأجابت بالكذب دون أن ترفع وجهها و مازالت تبكي: 
"ظن أنني تحالفت مع عدوه اللدود، و بعد أن أنتهي من تعذيبي سافر إليه رغماً من تحذيري إليه من قوة و دهاء الأخر، لكن شقيقك كان مصاب بجنون العظمة، لم يكترث إلي تحذيري و ذهب ليقضي عليه، لا يعلم إنه فخ قد نُصب إليه و حُرق حياً علي يده". 

"كيف حدث هذا، لقد أبلغني رجالي من السفارة الروسية في مصر، إنه حادث حريق نتيجة تشابك رجال أخي مع رجال الشرطة هناك، و لم يأت بذكر شخص أخر". 

ابتلعت لعابها و نظرت بقوة في عينيه لترسخ كذبتها داخل عقله: 
"هراء، ما قيل لك كله كذب لأنهم يعلمون جيداً أنك لن تتهاون عن الثأر لمقتل أخيك". 

جذب ذراعها و أخبرها بغضب و نظرة قاتلة جعلت فرائصها ترتجف من الخوف: 
"سوف أتحري الأمر بنفسي للتأكد من صدق حديثك، و إذا اكتشفت إنك مجرد كاذبة و خادعة لن أخبرك ماذا سأفعل بك حينها، و ما تم معك علي يد أخي أكثر هواناً مما سوف أفعله بك". 

ابتلعت لعابها و رفعت وجهها لتنظر في عينيه دون أن يرف لها هدب واحد: 
"ثق بي فلاد، أنا لم و لن أكذب عليك، و إذا ثبت لك العكس أفعل بي ما شئت". 

حدق إليها بنظرة تنضح بصدق وعيده إذا حدث غرار ما أخبرته به مما جعلها سوف سوف تبذل قصار جهدها حتي تقعه في شباكها و تتلاعب به كيفما تشاء، يا لها من حمقاء يبدو إنها لم تعلم جيداً مَنْ هو فلاديمير رومانوف! 

تحدث بصوت في ظاهره يحمل الهدوء غرار مكنونه و الذي يخفي وحش كاسر: 
"إذاً سيلينا، تذكري قولك هذا جيداً، ربما سوف أعيده عليكِ في وقت آخر". 
༺༻
"هاتفضلي قافلة علي نفسك لحد إمتي!، ساعة أتنين، اليوم كله، أنا قاعد لك يا دنيا، و أبقي وريني هاتقدري تخرجي من هنا إزاي". 
قالها كنان و يجلس علي كرسي أمام الباب، بينما هي بالداخل قد انتهت من ارتداء حجابها و أغلقت أخر زر في مقدمة ثوبها استعداداً للضيف الذي دعته و قد وصل للتو. 

صدح رنين جرس المنزل مما جعل زوجها نظر بتعجب نحو الباب، نظر في ساعة هاتفه وجد أن الوقت متأخراً، ذهب ليري من الطارق، ربما يكون حارس العقار هكذا ظن، لكن عندما فتح الباب تفاجئ بالزائر الذي يقف أمامه، تفوه بدهشة: 
" قصي باشا!". 

"مش هتقولي أتفضل! ". 
قالها قصي فأجاب الأخر بتوتر و يشير إليه نحو الداخل: 
"اتفضل يا باشا، ده البيت بيتك". 

ولج إلي الداخل و عينيه تتجول في الأرجاء، أغلق كنان الباب و تقدم نحوه، و بشبه ابتسامة يشوبها التوتر سأله: 
"إيه المفاجأة السعيدة دي يا كينج؟". 

خلع الأخر سترته و جلس علي أقرب كرسي و حدق إليه بنظرة غامضة: 
"قصدك إيه اللي جابك دلوقت؟، مش كدة؟". 

حدق إليه الأخر و قد أدرك سبب زيارته، فأجاب بسؤال بعد أن أصاب الوجوم ملامح وجهه: 
"هي دنيا كلمتك؟". 

نظر إليه في صمت لثوان ثم أشار إليه نحو كرسي قريب منه: 
"تعالي أقعد يا كنان، عايزك في كلمتين". 

تمثل لأمره و فعل ذلك و عينيه صوب باب غرفة النوم المغلقة، طرق الأخر علي المنضدة بيده و بنبرة لا تحمل أي مزاح: 
"ياريت تنتبه ليا و تجاوب علي سؤالي من غير لف و لا دوران، أنت اتجوزت دنيا ليه؟". 

ازداد شعوره بالتوتر أكثر و نظرة صديقه القوية جعلته لم يكن قادراً علي منحه إجابة وافية، فأجاب بإقتضاب: 
"معرفش". 

اثارت إجابته غضب الأخر، لكنه كظم هذا الشعور المقيت، يعلم أن الغضب في تلك الأمور لا يجدي نفعاً و عليه أن يتحلي بالصبر و التروي حتي يصل إلي حل يرضي كلا الطرفين: 
"أنا كان كلامي واضح من البداية، بقولك عايز إجابة واضحة، أنا جاي و ناوي أسمع منك زي ما سمعت منها، أظن اللي قولته مفهوم و لا أفهمه لك بطريقة تانية؟". 

ابتلع كنان غصة علقت في حلقه، يدرك ما يرمي إليه الأخر فقال بكل هدوء و سلاسة: 
"أتجوزتها عشان عجبتني، لاقيتها دي اللي تنفع تكون مراتي و أم لأولادي، محترمة، متربية، بنت أصول". 

"و لما هي كل ده، مزعلها ليه؟". 

نظر إلي أسفل يفكر في كلمات تسعفه، لم يجد سوي أن يسأله: 
"هي حكت لك إيه بالظبط؟". 

تنهد قصي ثم عاد بظهره إلي مسند الكرسي الخلفي بأريحية، وضع ساق فوق الأخري و أجاب بدهاء قائلاً: 
"هي كل اللي قالته ليا خليه يحكي لك بنفسه، و أنا بسألك أهو". 

"أنا هجي لك دوغري في الكلام، أنت أكتر واحد جربت و عارف معني الحب و قد إيه صعب تعيش بعيد عن الإنسانة الوحيدة اللي حبيتها، أنا لما أتجوزت دنيا كنت فاكر إن هانسي الحب ده و هاقدر أعيش حياتي من أول و جديد، مكنتش عارف إن اللي حبتها لما هربت خدت قلبي معاها و من وقتها بحاول أعيش حياتي طبيعي". 

أخرج الأخر من جيبه قداحة ثم سيجاره الذي لم يفارقه إينما ذهب لينفث بها غضبه الذي يحرق الأخضر و اليابس. 
"و اللي خدت قلبك دي تبقي سيلينا، مش كدة برضو؟". 

قام بإشعال سيجاره و نفث دخانه في الهواء ثم أردف بسخرية بالغة: 
"تصدق صعبت عليا، و الدمعة هتفر من عيني ". 

حديثه الساخر جعل الأخر شعر بالضيق فقال: 
"هو إيه في كلامي يخلي حضرتك تتريق؟". 

أطلق من فمه و أنفه دخاناً كثيفاً و اعتدل في جلسته قائلاً: 
"بص يا كنان، دنيا ست جدعة و بنت ناس محترمة و ليها الجنة إنها رضيت تتجوز واحد تافه و مالهوش لازمة زيك". 

غر الأخر فاه بصدمة و يستمع توبيخ قصي له و الذي أردف: 
"مش معني إن مالهاش بعد ربنا غير جدتها يبقي مالهاش كبير يرد عليك و يعلمك إزاي تشيل مراتك جوه عينيك، أنا بقي في مقام أخوها، و الأخ لما يلاقي أخته متبهدلة و جوزها مش عارف قيمتها و مخليها كل يوم تنام و دمعتها علي خدها، يبقي بيت أهلها أولي بيها". 

نهض كنان و الغضب قد أعمى بصره عن من يتحدث أمامه، صاح في وجهه: 
"و ده مين اللي هيسمح لها تمشي من البيت إن شاء الله؟". 

وصل صوته المرتفع إليها فقامت بفتح الباب و خرجت لتخبره بتحدي: 
"أنا اللي بقولها لك هامشي من هنا و مش راجعة لك تاني". 

كاد يسرع نحوها لكن أوقفه صياح قصي منادياً: 
"كنان؟". 

استدار إلي دنيا و قال لها بإشارة من يده: 
"تعالي يا دنيا هنا". 

أجابت الأخري بحزن و نبرة علي مشارف البكاء: 
"لو سمحت يا أبو مالك أنا مش طايقة أشوفه و لا أسمع صوته، لأنه مهما قال و برر عمري ما هسامحه، ياريت يسيبني في حالي و يعتبرني هوا زي ما كان بيتعامل معايا طول السنين اللي فاتت". 

عاد قصي ببصره إلي كنان، يحدق إليه بلوم و عتاب ثم قال: 
"تعالي أقعدي و أنا هخليه يعملك اللي أنتِ عايزاه و يرضيكِ". 

تقدمت بخطوات هادئة و أعين أرهقها الحزن و الألم، وقفت أمام كرسي علي مقربة منهما لكن تتحاشي النظر إلي زوجها، أشار إليها نحو الكرسي الذي تقف أمامه مباشرة: 
"اتفضلي أقعدي و أوعدك كل طلباتك مجابة". 

كان كنان يكور قبضتيه، و يكبت غضبه الذي وصل إلي الحلقوم و فاض صبره، بالعودة إليها جلست كما طلب منها قصي ثم جلس هو أيضاً و أمر الأخر الذي يحدق إلي زوجته بنظرة قاتلة، مما جعله يخشى أن ينفرد بها و هو في تلك الحالة و من المؤكد سوف يؤذيها، لذلك قال لهما: 
"اللي أنا عرفته و شايفه دلوقتي يخليني أقولك يا كنان خلي دنيا تقعد عند جدتها و سيبها لما تهدي خالص، و أنت كمان تقعد مع نفسك و حدد موقفك إيه و مشاعرك من ناحيتها، أنا بتكلم معاكم كأتنين عاقلين و ناضجين و بينكم أولاد محتاجين وجودكم و رعايتكم الكاملة ليهم سواء من الجانب المادي أو النفسي و خصوصاً النفسي، لأنهم لو لقوا أبوهم و أمهم مش طايقين بعض و علي طول في خناقات كل ده هيأثر علي نفسيتهم و مش محتاج أقولكم اللي هيحصل بعد كدة، قبل أي قرار هتاخدوه كل واحد يقعد يفكر الأول". 

نهضت دنيا و عقبت: 
"أنا مش محتاجة أفكر، كفاية تفكير بقي لي سنين، أنا حسمت أمري و كفاية لحد كدة، مستحيل أكمل مع واحد أنا بالنسبة له و لا حاجة". 

أخبرها زوجها من بين أسنانه: 
"طلاق مش هاطلق و اللي عندك أعمليه". 

ابتسمت بسخرية و قالت: 
"إيه اللي يسمعك كده يقول الحب مولع في الدرة و إنك مغرم بيا و ولهان و أنا الظالمة القاسية اللي بفتري عليك، كفاية بقي قرف لحد كدة". 

في لحظة كان قابضاً علي ساعدها: 
"قصدك مين بقرف، طب أقسم بالله ما أنتِ خارجـ... 

" كنان، لم نفسك أحسن لك". 
صاح بها قصي و جذب يد الأخر عن ساعد دنيا التي أجهشت بالبكاء رغماً عنها: 
"شوفت يا أبو مالك، بدل ما يندم  أو يعترف إنه غلط في حقي، بيعمل معايا إيه! ". 

زفر الأخر بغضب و ألقي بيد كنان بعنف، أخرج مفتاح التحكم بسيارته و قال لها: 
"خدي مفتاح عربيتي و استنيني فيها لحد ما أجي لك". 

قد نفذ صبر كنان كما أعادت عليه مشاهد من منبع ذكرياته مع زوجته السابقة و أخر يوم قامت بالفرار، و في غضون لحظات كان يقف أمام دنيا قاطعاً طريقها و عينيه يتطاير منها الشر كالشرر 
"هو أنا مليش كلمة عليكِ و لا إيه، قولت مش هاتخرجي". 

و جذبها بالقوة و الإجبار دفعها إلي غرفة النوم، مما جعل الأخر لم يتحمل أن يكتفي بموقف المتفرج و عليه أن يرجعه إلي صوابه 
"لاء أنت كدة زودتها أوي". 
قبض علي تلابيب قميصه و سدد إليه لكمة قوية جعلت الأخر يترنح و يقع علي الأرض،  صرخت دنيا عندما رأت ذلك، فبرغم غضبها نحو زوجها لكنها لم تستطع أن تراه في ذلك الوضع المزري

دنا قصي منه يجذبه من تلابيبه مرة أخري: 
"أنا صابر عليك و ساكت قولت يمكن يعقل و يفوق من الهبل اللي هو فيه،  لكن الظاهر أنت زي ما أنت، لازم أديلك العلقة اللي تفوقك و ترجع لك عقلك من تاني". 

لم يعط إليه مهلة للتحدث و سدد له لكمة أخري، لم تتحمل الأخري أكثر من ذلك فأقتربت منهما: 
"كفاية يا قصي بيه بالله عليك". 

و بدون أن ينظر إليها أشار نحوها و تحدث إلي هذا الطريح: 
"شوفت؟، شوفت هي خايفة عليك إزاي!، و ربنا خسارة فيك". 

أخذ الأخر يمسح دمائه التي سالت من جانبي شفتيه و يحدقه بنظرة عدائية ينضح منها الغيرة، و كذلك الحقد الذي يسيطر عليه الآن، جعله يهذي بالترهات: 
"أنت السبب في كل اللي حصل، ما هي لو سيلينا مكنتش متعلقة و مهوسة بيك كان زمانها عايشة معايا لحد دلوقت، مكنتش ضغطت علي نفسي و أنا عايش معاها و عارف إن أنا كنت بالنسبة لها مجرد وسيلة تكون بيها قريبة منك، مكنتش وقفت تتحداني إنها مش بتحب غيرك أنت و بس و في الأخر هربت مني". 

اخذت دنيا تتراجع خطوات إلي الخلف و هي تستمع بصدمة إلي كلمات زوجها و التي بمثابة طعنات خنجر ذو نصل بارد يقتلها ببطئ. 

ابتسم الأخر بتهكم و استطرد حديثه: 
"يعني لو عايز تطلع غضبك في حد، طلعه فيك أنت، لأنك السبب في معاناة كل واحد فينا سواء أنا و لا سيلينا و حتي هي". 

و أشار بعينيه إليه نحو دنيا التي تضع كفها علي فمها و لن تتحمل أكثر من ذلك ركضت إلي داخل الغرفة تجلب حقيبة يدها و حقيبة أخري تسحبها خلفها من مقبض معدني، و قبل أن تذهب نظرت إليه بكبرياء و شموخ أنثي حرة: 
"أنا لحد النهاردة كنت بحاول ألتمس لك أي عذر أحاول أسامحك بيه و يمكن تحس بالندم، لكن لاقتني كل ما أتقدم خطوة ألاقيني برجع لألف ورا، و شكراً أوي إنك وضحت لي اللي كنت بتعمله معايا نفس اللي أتعمل فيك زمان، يعني حياتك معايا كانت مجرد إنتقام!، عمري ما كنت أتوقع في يوم بدل ما أدعي لك أدعي عليك من قهرة قلبي".

ابتلعت غصة مريرة لتردف:
" روح منك لله و يفضل قلبك متعذب و موجوع طول عمرك". 
تفوهت بذلك الدعاء الذي أرجف قلبه لأول مرة، ظل في حالة من الصدمة لدقيقة حتي أنتبه إلي إنها غادرت، ألتفت إلي قصي عندما أخبره: 
"أنا مش هعاتبك علي اللي قولته و لا هشمت فيك، و لا هقولك أنا كنت بعتبرك أخويا الصغير قبل ما تكون دراعي اليمين، كفاية اللي أنت هاتعيش فيه من دلوقت من وجع قلب و بُعد أقرب الناس ليك و أولهم أنا، كفاية نار الوحدة اللي هتسويك علي الهادي، دي كفيلة تخليك تعض صوابعك من الندم، سلام يا صاحبي". 

رفع يده بتحية ساخراً ثم تناول سترته و متعلقاته و غادر علي الفور خلف دنيا التي أنتظرته داخل سيارته كما قال لها. 
༺༻
ظلت تنتظر عودته من عمله بعدما أعدت إليه طعام العشاء، و ها قد جاء في ساعة متأخرة من الليل، ولج إلي الداخل فوجدها نائمة علي الأريكة مرتدية ثوب زمردي من الحرير، تاركة خصلات شعرها بـ حرية علي كتفيها، إنها تعلم كم يعشق تلك الهيئة التي تتسم بالبساطة، جلس بجوارها و ظل يتأمل ملامحها التي وقع فؤاده في عشقها و غمره الهوى، أخذ يلمس خدها المياس و ينظر إليها بسعادة يتراقص لها قلبه، فهي حب عمره التي عندما ولدت حملها بين يديه و كبرت و ترعرعت أمام عينيه حتي ظفر بها في النهاية و أصبحت زوجته و أم ابنتيه. 

فتحت عينيها و يغلب عليها النوم: 
"مصعب؟، أنت جيت امتي؟". 

أجاب و الابتسامة ما زالت علي شفاه التي تفوهت: 
"لسه واصل حالاً، إيه اللي منيمك في الليفنج؟ ". 

جلست باعتدال بعد أن نزلت ساقيها علي الأرض و قالت بتثاؤب: 
"نيمت البنات و خلصت كل اللي ورايا، و حضرت لك العشا و فضلت مستنياك هنا و أنت أتأخرت". 

نظر إلي المائدة فوجد العديد من الأطباق المغطاة بأطباق أخري، أمسك يدها و قام بتقبيل ظهرها: 
"تسلم إيدك يا حبيبتي". 

عانقته و قالت: 
"بحبك أوي يا صاصا". 

بادلها العناق لكن عندما تفوهت بذلك الإسم المدلل الذي لا يحبه، قام بضربها بخفة علي أسفل ظهرها قائلاً: 
"مش قولت كذا مرة بلاش الدلع اللي ما بحبهوش ده". 

تأوهت بألم: 
"اه، إيدك تقيلة، و بعدين اسمك صعب و مش لاقيه له اسم دلع ليه". 

جذبها من خصرها و جعلها تجلس علي فخذيه: 
"حقك عليا مكنش قصدي ايدي توجعك". 

دفعته برفق في صدره و بدلال قالت: 
"أوعي سيبني، أنا مش ههزر معاك تاني". 

أطلق قهقهه دوي صداها مما جعلها تتأمله و هو في تلك الحالة، كم تعشق ضحكته، قوست شفتيها بحزن كطفلة صغيرة بمزاح و قالت:
"و كمان عمال تضحك عليا، أوعي أنت رخم". 

نهضت فجذبها من يدها ليعيدها علي فخذيه مرة أخري قائلاً: 
"تعالي هنا و أنت لما بتكشري زي البيبي بيبقي عايز أكُل خدودك و شفايفك". 

حاوطت عنقه بذراعيها و أخبرته بدلال: 
"و أنت كمان ضحكتك حلوة أوي، و ببقي نفسي أكُل خدودك". 

"خدودي بس؟". 
سألها و غمز بعينه، فأجابت بعد أن أدركت الإجابة التي يريد أن يسمعها من موطن كلماتها: 
"و شفايفك". 

قال لها بهمس و نظرة عينيه نحو شفتيها  كالظمآن حينما يري الماء: 
"طيب أنا جعان". 

قامت بالضغط علي وجنتيه بأناملها، تخبره بمشاكسة: 
"الأكل علي السفرة قوم كُل قبل ما يبرد". 

نهضت سريعاً و اتجهت نحو غرفة ابنتيها، فسألها: 
"رايحة فين؟". 

"أطمن علي البنات و راجعة لك". 

ابتسم و سألها بمكر: 
"تطمني علي البنات برضو، و لا بتتأكدي إنهم نايمين عشان تستفردي بيا علي راحتك". 

نظرت إليه بتوعد و ابتسامة قائلة: 
"صبرك عليا لما أجي لك". 

ولجت إلي الداخل، بينما هو قبل أن يجذب الكرسي و يجلس علي المائدة استمع إلي تنبيه رسالة واردة من تطبيق الدردشة، تكرر التنبيه عدة مرات متتالية، ظن إنه هاتفه، أخرجه من جيب سترته لم يجد شئ، لاحظ هاتف زوجته و الموجود علي الأريكة مضيئاً، لم يعط إهتماماً فتكرر التنبيه مرة أخري مرتين، عقد ما بين حاجبيه بتعجب، طرأ سؤالاً علي خاطره الآن و هو مَنْ الذي يراسلها في ذلك الوقت المتأخر. 

خرجت من الغرفة بخطوات هادئة و أغلقت الباب بدون إصدار صوت يوقظ صغيرتيها. 

"بصي علي تليفونك، جالك رسايل علي الماسنجر كذا مرة ورا بعض". 

لاحظت اهتمامه البالغ هذا فأصابها التوتر، ذهبت لتري من المرسل فوجدتها السيدة التي تراسلها و أخبرتها إنها تدعو سلمي، أرسلت لها الآتي
"عاملة إيه يا ملك؟ 
وحشاني أوي فينك كدة؟ 
عايزة افضفض معاكِ و مفيش غير بحكي له أسراري
طيب ينفع أكلمك فون ماسنجر و لا جوزك جمبك؟ 
خلاص لما تفتحي ردي عليا محتاجة لك ضروري". 

"مين يا ملك؟". 
انتبهت إلي سؤال زوجها، استدارت إليه و رأت الإهتمام بجدية جلي علي ملامح وجهه و نظرة عينيه، فأجابت بصدق و توتر في آن واحد: 
"دي واحدة صاحبتي، هابقي أكلمها بعدين". 
ألقت هاتفها علي الأريكة و كادت تخطو إليه فأوقفها بسؤال أخر: 
"صاحبتك رودينا؟". 

تعجبت لسؤاله: 
"لاء، دي واحدة تانية". 

سار إليها و عينيه صوب هاتفها، فسألها للمرة الثالثة: 
"أعرفها؟". 

شعرت بالضيق من كثرة أسئلته، زفرت بنفاذ صبر و اجابت: 
"لاء ما تعرفهاش و كفاية أسئلة بقي". 

حدق إليها بإمتعاض قائلاً: 
"جري إيه يا ملك!، من حقي أسأل طبعاً مين بتكلم مراتي، و بعدين مين صاحبتك اللي معرفهاش دي ملهاش اسم يعني!". 

عقدت ساعديها أمام صدرها و تهز إحدى ساقيها بغضب: 
"اسمها سلمي و عرفتها من علي الفيس، فيه أسئلة تاني؟". 

رفع حاجبيه مُردداً: 
"عرفتيها من علي الفيس، تمام أوي". 

اتجه إلي الأريكة و أخذ الهاتف، اتسعت عينيها و تذكرت أمر الدردشة التي بينها و بين الأخري و ما تحتويها من أسرار خاصة قد سردتها لها و كذلك الأمر لدي ملك التي كانت تخبرها عن حياتها بكل أريحية و دون أن تأخذ حظرها من تلك الغريبة! 

"أفتح لي موبايلك". 
أمرها بذلك بعد أن فشل في فتح الهاتف و أردف: 
"أنتِ عمله password ليه؟". 

انتفخت أوادجها و فاض بها الكيل: 
"عملاه عشان الفون ده خاص بيا أنا زي ما حضرتك عامل برضو password للفون بتاعك و أي حد نفس الموضوع، ممكن أعرف أنت ليه عامل معايا تحقيق، و عايز من الفون إيه بالظبط عشان اللي بتعمله ده مالهوش غير معني واحد و هو معندكش ثقة فيا". 

"أولاً أنا مش منعتك تعملي password لموبايلك بس يكون عندي علم بيه، ثانياً بقي أسألتي دي مش تحقيق ده اسمه حب و خوف و اهتمام، ببقي عايز أعرف مين دي اللي بتكلمك هل هي ست كويسة و لا ما تكونش ست أصلاً و يطلع راجل و بيشتغلك". 

صاحت بغضب و لم تنتبه إلي صوتها الذي أرتفع دون دراية منها: 
"و أنا مش طفلة صغيرة عشان ينضحك عليا، و كفاية بقي دور الواصي عليا في كل حاجة، أعملي ده و ما تعمليش، مفيش شغل عشان بغير عليكِ، أوعي يا ملك تثقي في أي حد غريب و خدي حذرك، أوامر و تعليمات و كأني عيلة في ابتدائي". 

صاح أيضاً بغضب مماثل: 
"أيوه أنتِ بالنسبة لي فعلاً طفلة، روحك روح طفلة بتتعامل مع أي حد ببراءة و فاكرة الناس ملايكة ما تعرفيش إحنا في زمن لا يعلم بيه إلا ربنا، أنا بتعامل كل يوم مع ناس أشكال و ألوان و عرفت الطيب و الخبيث و القذر و النضيف، عشان كدة ببقي خايف عليكِ، و ده عندي اسمه حب أنتِ شيفاها أوامر و قلة ثقة!، عرفتي بقي أنك طفلة بتفكيرك". 

ظن إنها أدركت مدي خوفه و حبه لها لكن ما حدث كان علي غرار هذا تماماً حيث قالت: 
"أوك، مش أنا بقي طفلة، من هنا و رايح شغل البيت و مذاكرة بناتك كله هيبقي مسئوليتك، وريني بقي مهمتك يا عاقل يا كبير". 

اختطفت من يديه هاتفها و ذهبت إلي غرفة النوم أمام عينيه، ذهب خلفها و قبل أن يلحق بها أغلقت الباب و قامت بغلقه بالمفتاح من الداخل
"افتحي يا ملك و بطلي أمور العيال دي، مش لما أكلمك تتقمصي و تقفلي علي نفسك الأوضة". 

أجابت من الداخل بسخرية و عناد: 
"معلش أصل أنا طفلة، خدني علي قد عقلي و استحمل". 

"ماشي، براحتك خالص و بكرة نشوف مين فينا اللي هيجي معيط للتاني". 
تفوه بجدية لكن هناك ابتسامة علي ثغره عندما أدرك كم هي غاضبة الآن، بينما هي تنفست الصعداء عندما نسي أمر هاتفها، انتظرت ريثما سمعت صوت حركته و يدلف إلي داخل غرفة ابنتيه، و قامت بالرد علي الرسائل: 
"حبيبتي سلمي sorry  أتأخرت عليكِ في الرد
جوزي كان جمبي فعلاً و معرفتش أرد عليكِ، تخيلي بيسألني مين بيبعت لك رسايل، فقولت له دي واحدة صاحبتي أتعرفت عليها من علي النت، فتح لي تحقيق و عمال يحذرني و يقولي ممكن تطلع صاحبتك دي راجل في الأخر... 

أرسل إليها الأخر رمز تعبيري وجه يضحك حتي البكاء و يليه كتابة رسالة:
"طب و أنتِ قولتي له إيه؟". 

زفرت ملك بضجر و قد ملت من الكتابة فقامت بتسجيل رسالة صوتية: 
"أنا شديت معاه خصوصاً لما كان عايزني أفتح له الفون بتاعي، خوفت يشوف رسايل الفضفضة اللي ما بينا، و هو أكتر حاجة بيكرهها إن أحكي أي أمور خاصة بينا لأي حد حتي لو كان أخويا". 

استمع هذا الثعلب الماكر إلي مقطع الصوت المسجل بصوتها الرقيق الناعم و ابتسم بدهاء قائلاً: 
"يا جمال صوتك يا مزة، أنا خلاص معدتش هاصبر أكتر من كدة". 

أخذ يكتب ليرسل إليها الأتي: 
"طيب عندي فكرة بدل ما نتكلم شات و أجيب لك مشاكل، نتقابل برة في أي كافيه، مش أنتِ بتخرجي و لا جوزك مش بيسمح لك؟". 

أجابت ملك دون تفكير: 
"لاء بخرج عادي، بزور أخواتي و بوصل البنات للنادي و بفضل معاهم لحد ما يخلصو و نرجع ". 

"جوزك بيكون معاكِ؟". 

"لاء، بس بيبقي معايا السواق". 

قال الأخر بسعادة من خلف شاشة الحاسوب: 
"حلو أوي". 

قام بالكتابة: 
"أبقي ابعت لي قبل ما تنزلي أنتِ و البنات و أنا هاجي لك علي طول". 

ترددت ملك في الموافقة علي تلك المقابلة، و منعاً للحرج ردت في النهاية: 
"حاضر إن شاء الله
معلش بقي أستأذنك كابس عليا النوم
و هاصحي بدري
تصبحي علي خير". 

لم يرد برسالة لكنه قال لنفسه: 
"ده الخير كله هيجي منك يا مهلبية بالقشطة". 

قام بفتح إحدى الصور لها و التي قام بسرقتها عن طريق القرصنة، صورة «سليڤي» قد التقطتها عبر عصا التصوير في الخفاء دون علم زوجها عندما كانا علي شاطئ خاص لا يوجد عليه سواهما، تحتفظ بها علي هاتفها، فكانت ترتدي فيها ثياب البحر المكونة من قطعتين فقط و علي رأسها قبعة مصنوعة من القش يحيطها شريط من الحرير الوردي. 
༺༻
في الصباح الباكر، بداخل متجر للتسوق يدفع العربة و يأخذ من فوق الرف المنتجات الذي يريد شرائها و يضعها داخل العربة و تسير بجانبه ابنته و تضع هي أيضاً ما تريده، توقف عندما رأي في يدها عدة أكياس لمنتج شهير، فقال لها: 
"ياسمين رجعي البتاع ده مكانه، أنا قولت مش هيتاكل تاني لأنه مضر". 

حدقت إليه بإمتعاض ثم بتوسل أخبرته: 
"بابي please، أنا بحب النوديلز دي أوي، و أنت كنت بتجيبها لي و أنا صغيرة و كنا بناكلها أنا و أنت من ورا مامي، فاكر؟". 

شرد للحظات و يتذكر عندما كانت زوجته توبخ ابنتها علي أكل ذلك الطعام، فكان حينها ينتظر حتي تنام و يقوم بطهيه ثم يأكله مع ابنته و يطلب منها أن لا تخبر والدتها بذلك، ابتسم و سرعان ما عاد من عالمه إلي صوت ابنته و ملامحها التي أوشكت علي البكاء: 
"بابي، please؟". 

أومأ لها و يضع يده علي رأسها مبتسماً لها: 
"هاتي اللي نفسك فيه بس هتاكليه بعد ما تخلصي معايا البيتزا اللي هعملها لك". 

قامت بالتهليل و الصياح بسعادة: 
"بجد يا بابي، هاتعملي بيتزا اللي بحبها؟". 

دنا منها و أجاب بفرح: 
"أيوه يا روح قلب بابي". 

حاوطت جذعه بذراعيها الصغيرين: 
"ilove you dad ". 

ردد بحنان و عطف: 
"و أنا كمان بحبك أوي يا ياسمين". 
قام بتقبيل  بداية مفترق شعرها، ظل يضع الكثير من الأشياء و حينما أنتهي ذهب و وقف في الصف أمام المحاسب، قام العامل بأخذ كل منتج و يضعه أمام الجهاز ليقرأ الباركود الخاص بالمنتج و يردد المحاسب سعر كل سلعة علي حده حتي وصل إلي السعر الإجمالي و أخبره: 
"الحساب كدة يبقي ٢٧٠٠ يا فندم". 

أخرج ياسين من محفظته البطاقة الائتمانية خاصته و أعطاها إلي المحاسب،  انتبه إلي صوت بجواره تتحدث مع محاسب آخر: 
"إزاي الـ credit مش شغالة!". 

أشار إليها الأخر إلي الماكينة و أخبرها: 
"يا فندم اتفضلي بصي علي الـ Machine و أقرأي مكتوب إيه، ممكن الـ credit محتاجة تتجدد". 

نظر ياسين إلي وجهها ليتأكد إنها هي فقال للمحاسب: 
"اتفضل خد حساب الآنسة من الـ credit بتاعي". 

استدارت إليه و قلبها يخفق بقوة و تصدق أذنيها بسعادة اهتزت إليها خلايا جسدها: 
"ياسين أنت بتعمل إيه،  أنا...

"استلمي حاجتك و نبقي نتكلم برة في الـ parking
"
و بالخارج كان يقف خلف سيارته و يضع في الحقيبة الخلفية المنتجات التي قام بشرائها، 
كانا الخجل و الحرج يسيطران عليها بسبب ذاك الموقف الذي حدث معها و قام بالدفع لها. 

"فين عربيتك عشان أحط لك الحاجة؟". 

أجابت و تشعر بالتوتر و الحرج: 
"عربيتي في الصيانة، أنا هطلب أوبر Now". 

ابتسم بترحاب قائلاً: 
"أوبر و أنا موجود!، أتفضلي أركبي أنتِ و ياسمين، عقبال ما أحمل الحاجات دي". 

ردت بخجل: 
"أنا مش عايزة أعطلك". 

"و لا عطلة و لا حاجة، مالك مكسوفة كدة ليه؟، أنتِ زي ملك أختي". 

ليته ما تفوه الجملة الأخيرة التي شطرت قلبها إلي نصفين، شعرت بالإختناق و انتابها حالة من السعال الشديد، اقترب منها و بقلق سألها: 
"رودينا أنتِ كويسة؟". 

رفعت يدها و هزت رأسها بالإيجاب،  و بيدها الأخري قامت بإخراج عبوة صغيرة من حقيبتها، قامت بوضع الفوهة في فمها و مع كل ضغطة تأخذ شهيقاً عميقاً، التقطت أنفاسها بهدوء و أجابت: 
"الحمدلله، أنا بخير". 

انتهي من وضع السلع الخاصة بها في حقيبة سيارته، ذهب ليفتح الباب الأمامي و قال: 
"اتفضلي". 

ابتسمت و أخبرته: 
"أنا هاقعد مع ياسمين ورا". 

و في الطريق أخذت تراقبه عبر المرآة الأمامية دون أن يلاحظ نظراتها، انتبهت إلي الصغيرة التي أعطتها كيس حلوي: 
"رودي ممكن تفتح لي دي؟". 

أخذتها من يدها و قامت بفتحها ثم أعطتها إليها، فقالت لها الصغيرة: 
" thank you". 

وضعت الأخري يدها علي رأسها مبتسمة إليها: 
"العفو يا ياسمينا". 

نظر إليهما ياسين عبر المرآة و قال: 
"مادام ياسمين ندهت لك بإسم الدلع يبقي حبتك أوي". 
 
بادلته النظر خلال المرآة و أجابت:
"و أنا كمان بحبها أوي، ماشاء الله عليها زي القمر و رقيقة جداً، ربنا يبارك لك فيها". 

و بعد قليل وصل أمام المبني التي تقطن به هي، ترجل من السيارة و أخرج لها الحقائب البلاستيكية، و جاء حارس العقار حملها إلي الداخل، فقالت رودينا: 
"أنا مش عارفة أشكرك إزاي علي مواقفك النبيلة معايا النهاردة".

"مفيش داعي للشكر و لو عوزتي أي حاجة كلميني في أي وقت و أنا تحت أمرك". 

"طيب لو ممكن تسمح لي أعزمكم علي الغدا أنت و ياسمينا؟". 

رد مبتسماً: 
"معلش خليها في وقت تاني، لأن يا دوب هاروح علي البيت عشان أطلع الحاجات و بعد كدة هاروح علي ملك أسيب معاها ياسمين و بعدها هاطلع علي الشركة". 

"و ليه اللفة دي كلها، ممكن تسيب معايا ياسمين". 

نظر في ساعة هاتفه وجد إنه قد تأخر بالفعل علي الذهاب إلي شركته، عقبت ابنته: 
"بابي أنا عايزة أقعد مع رودي شوية؟". 

تردد في الموافقة فقالت رودينا: 
"أنت خايف تسيبها معايا، أطمن أنا قاعدة لوحدي و هاخد بالي منها، يعني ما تقلقش عليها خالص". 

"لاء مش كدة هو بس مش عايز أتقل عليكِ و أشيلك مسئولية و... 

قاطعته الصغيرة برجاء: 
"وافق يا بابي عشان خاطري please". 

ابتسم و قال لابنته: 
"أوك موافق بس ما تعمليش شقاوة و ما تضايقيش طنط رودينا". 

"ياسمينا ماشاء الله عليها هادية و so cute". 

"خلاص كدة هامشي و أنا مطمن و لو في أي حاجة ممكن تكلميني من علي الفون اللي معاها، و أنا هابقي أتصل اطمن عليكم كل شوية". 

أومأت له مبتسمة و قالت: 
"أوك". 

"خدوا بالكم من نفسكم مع السلامة". 

قالها و فتح باب السيارة ثم عاد إلي مقعد القيادة،  لوحت صغيرته بيدها قائلة: 
"باي باي بابي". 

و كانت الأخري تنظر إليه و الإبتسامة لا تفارق شفتيها: 
"مع السلامة". 

أردفت بهمس لا يسمعه سواها: 
"يا حبيبي". 
༺༻
في حديقة قصر البحيري، يجتمع  حول المائدة كل من يوسف و علياء و خديجة و في الجهة المقابلة لوچي و بجوارها شقيقها عز و يليه يوسف الصغير، و علي رأس المائدة يجلس آدم. 

كان جميعهم يتناولون طعام الفطور في صمت و بداخل رأس كل منهم الكثير من الأفكار، لاحظ يوسف أن زوجته لم تعد نفسها للذهاب إلي عملها، سألها زوجها: 
"أنتِ مش رايحة المركز النهاردة؟". 

ابتلعت ما بفمها و أجابت: 
"لاء، أنا نسيت أقولك معزومة علي حنة منة بنت خالتي النهاردة و مضطرة أبات هناك عشان الفرح". 

ترك الأخر ما بيده و بهدوء مريب قال بتعجب ساخر: 
"و هي الحنة دي طلعت فجأة كدة!". 

التفت إليه بزاوية و أجابت: 
"لاء طبعاً، خالتو كلمتني من شهر و عزمتني أنا و أنت و الأولاد، بس أنا عارفة إنك مش فاضي عشان شغلك في الطوارئ لازم تكون موجود في المستشفي، قولت هاخد لوچي و عز و هانروح". 

عقبت لوچي التي تتابع الموقف منذ البداية: 
"أنا مليش في جو الحنة و الأفراح أنا هاروح هاقضي اليوم مع مامي النهاردة". 

أثار قرارها دون استئذان والدها غضبه: 
"و أنتِ قررتي مع نفسك كدة تروحي لمامتك من غيري حتي تستأذني و تعرفي هوافق و لا لاء؟". 

"في إيه يا بابي، هو أنا محتاجة أستأذن عشان أشوف مامي!". 

شحنة الغضب داخله قد بلغت قمتها فصاح بها دون سبب: 
"أيوه لازم تستأذني، و عقاباً ليكِ مش هاتروحي لها الـ weekend ده و لا اللي جاي". 

نهضت و تنظر إليه في صمت و داخل عينيها آلاف الكلمات، أزاحت الكرسي و ذهبت، نهضت خديجة خلفها: 
"لوچي، يا لوچي استني". 

تدخل آدم و قام بعتاب شقيقه: 
"إيه اللي أنت عملته ده؟،  رد فعلك علي البنت كان مبالغ فيه أوي و أحرجتها قدامنا كلنا، ما تقولي له حاجة يا علياء؟". 

نظرت إلي زوجها أولاً ثم إلي آدم و قالت: 
"أنا كلامي ما بقاش يعجب أخوك، فقولت أخليني في حالي أحسن". 

التفت إليها يوسف و حدق إليها بنظرة وعيد، لم تعط إكتراث له، نهضت و أردفت: 
"أنا طالعة أشوف اللي ورايا،  تعالي يا عز معايا". 

نهض الصغير و ذهب إليها، و بعد أن ابتعدت نظر آدم إلي شقيقه و يشعر أن هناك خطب ما فسأله: 
"مالك يا يوسف، بقيت عصبي كده ليه، أنت عمرك ما كنت كدة و علي طول بنقول أنك أهدي واحد فينا". 

لم يستطع التفوه عن سبب غضبه و الشكوك التي تأكل رأسه تجاه زوجته، حتي لو كان يملك دليلاً واحداً فهذا الشأن خاص به هو فقط 
"مفيش يا آدم، ضغط الشغل و الفرع الجديد مشاكله كتير عشان لسه ماخلصش". 

أجاب الأخر بإهتمام: 
"طول عمرك في ضغوط شغلك و بتتحكم في أعصابك، و إن كان علي الفرع الجديد أنا موصي المهندس المسئول إنه يخلصهولك علي نهاية الشهر، أطمن أنا متابع كل حاجة بنفسي". 

أطلق يوسف زفرة لعلها تهدأ من روعه: 
"تمام، حصل خير،  عن أذنك أنا طالع فوق". 

تركه و ذهب، التفت آدم إلي ابنه الجالس في صمت و يضع يده علي خده، ضحك رغماً عنه و سأله: 
"فيه إيه يا چو قاعد زعلان ليه؟". 

عقد ما بين حاجبيه الصغيرين و قال: 
"أنا مش عايز أطلع دكتور زي uncle". 

"ليه يا حبيب بابي؟". 

أجاب الصغير ببراءة: 
"عزالدين علي طول بيقولي إن uncle مش بيلعب معاه و بيتعصب عليه كل ما يجي يكلمه و يقعد يعيط". 

ربت آدم علي ظهر صغيره بحنان و أخبره: 
"ما تقلقش يا حبيبي أنا هاتكلم مع عمك و هخليه ياخد باله منه". 

نهض من علي الكرسي ليعانق والده قائلاً: 
"أنا بحبك أوي يا بابي". 

بادله والده العناق بحنان و أخذ يربت علي ظهره: 
"ربنا يبارك لي فيك يا يوسف". 

و بالأعلي داخل غرفة ابناء يوسف، تربت خديجة علي لوچي التي تبكي و تعانقها بقوة: 
"خلاص يا لوچي باباكِ بالتأكيد مكنش يقصد يزعق لك، ممكن كان متضايق من حاجة عنده في الشغل". 

ابتعدت برأسها لتقول ببكاء: 
"و إيه الجديد يا ديجا، كل ما أجيب له سيرة رايحة لمامي يقوم متنرفز عليا، أنا عارفة إنه مش بيحبها عشان اللي حصل زمان، بس هي مهما كانت وحشة فهي في النهاية أمي و بحبها و مش هقدر أكرهها مهما حصل". 

امسكت الأخري طرف ذقنها و حدقت إليها قائلة: 
"يا حبيبتي طبعاً أنتِ صح و محدش قالك ما تحبيش مامتك، و أنا متأكدة إن يوسف عمره ما بيفكر كدة". 

طرق الباب و يليه صوت يوسف الذي قال: 
"لوچي؟". 

حدقت إليها خديجة بسعادة و بهمس أخبرتها: 
"شوفتي بقي إن كلامي صح، أهو باباكِ جاي لحد عندك عشان يصالحك، امسحي دموعك بقي و وريني ابتسامتك الجميلة". 

طيف ابتسامة ظهر علي ثغرها الوردي، فأردفت الأخري: 
"أيوة كده مفيش حاجة تستاهل دموعك، لما أقوم أفتح له". 

نهضت و ذهبت و قامت بفتح الباب: 
"اتفضل يا دكتور". 

غادرت الغرفة بينما هو ولج إلي الداخل و ينظر إلي ابنته التي نظرت إلي أسفل،  جلس بجوارها و حاوطها بذراعه، يعانقها بحنان: 
"حقك عليا ما تزعليش مني، عمري ما أقصد أزعلك". 

رفعت وجهها و نظرت إليه و سألته: 
"داد، هو حضرتك بتكره مامي؟". 

برغم ما شعر به للتو من ضيق لهذا السؤال،  فأجاب بحيادية: 
"بصي يا حبيبتي، أنا عمري ما كرهت مامتك، و لا حبيتها و ماتنسيش هي تكون بنت خالي قبل ما تكون طليقتي". 

تنهد و أردف محاوطاً وجهها بين كفيه: 
"أنا عارف عمرك ما نسيتي اللي حصل زمان، و أظن أنك دلوقتي فاهمة كل حاجة و وضحت ليكِ أمور كتيرة مش حابب أتناقش فيها خوفاً علي مشاعرك،  بس كل اللي أقدر أقوله لك إن قلبي مفيهوش غيرك أنتِ و عزالدين و علياء، أنتم كل حياتي و دنيتي". 

أومأت إليه و حاوطت جذعه بذراعيها و دفنت وجهها في صدره، و كأنها تستمد منه العاطفة و الأمان الذي تفتقده في الآونة الأخيرة، تهمس إليه بصوت خافت: 
"أنا محتاجة لك أوي يا dad ". 
احتضنها بفيض من حنانه، يعلم بداخله كم إنه مقصراً في حق إحتوائها و عليه أن يعط لها جزء من وقته، لكن كيف ذلك و هناك ما يجعل النوم لم يعرف درباً إلي عينيه. 
༺༻
يقف خلف النافذة في مكتبه الخاص داخل الشركة، يحتسي القهوة و شارداً في نقطة وهمية، يتذكر لحظاته السعيدة الأخيرة عندما كانا في ليلة من أجمل لياليهما الخاصة داخل الفندق، كيف كانت تخدعه و تفعل ذلك من خلف ظهره، يعطي لها الأمان و الثقة و لم يجد منها سوي الخداع، أجل فما فعلته يعد في قاموسه خيانة، ليس بالمعني المتعارف عليه لكن لديه خيانة الثقة التي يعطيها لها و هي فعلت ما يحلو لها هي فقط دون أن تخبره أو يكن لديه علم، هذا أكثر ما يؤلمه، و رغماً من مرور سنوات علي زواجهما لم تدرك حتي الآن أسوأ صفة لديه و هي الإنتقام من ما يسيئون إليه مهما بلغ هذا الشخص أهمية أو قرب منه، طالما ألمه و أوجع قلبه فلم تغفل جفونه إلا إذا قام بالإنتقام منه و رد الصاع صاعين و لو كانت زوجته التي يعشقها إلي حد الجنون! 

طرق علي الباب، فقال بصوت مرتفع: 
"اتفضل". 

ولجت إلي الداخل تحمل العديد من الملفات الورقية، اغلقت الباب بقدمها: 
"مستر قصي، الفايلات اللي حضرتك طلبتها مني إمبارح كلها جاهزة و مش محتاجة غير مراجعة أخيرة من حضرتك". 

لم يلتفت إليها بل أمرها و مازال علي وضعه، يحتسي القهوة و يده الأخري في جيبه: 
"حطيهم عندك يا منار و تعالي". 

فعلت ما أمرها به و ذهبت إليه، وقفت بجواره، رأت وجهه عابساً فخشيت أن يكون غاضباً منها و هي لا تعلم السبب: 
"هو أنا عملت حاجة ضايقت حضرتك؟"

أنتهي من القهوة فمد يده إليها بالقدح، أخذته و تركته علي المنضدة ثم عادت إليه و قلبها يخفق بقوة من القلق، مازال يقف هكذا و عقد ساعديه أمام صدره، سألها بنبرة تحمل من الحزن أطناناً: 
"لو حد أقرب ليكِ من روحك و طلع بيكدب عليكِ و خذلك هاتعملي إيه معاه؟". 

ظنت إنها المقصودة من حديثه أجابت بتوجس: 
"و الله ما كدبت عليك في أي حاجة و الـ c.v  بتاعي فيه كل حاجة عني". 

لم يعط لما قالته أهمية و كأنه يتحدث مع ذاته: 
"أنتِ ممكن أقل حاجة هاتعمليها إنك تبعدي عن الشخص ده و في نفس الوقت ما تقدريش تبعدي عنه، لأن محدش فينا يقدر يبعد عن روحه غير و مصيره الموت، مضطرة تعيشي معاه و عينيكِ تشوفه كل يوم لكن لغة التواصل ما بينكم هي السكوت، السكوت أحسن من كلام كتير يوجع و ممكن ينهي كل حاجة حلوة ما بينكم". 

بينما يتحدث تذكر وجه صبا صباح اليوم، تقف في الشرفة تتابعه بعينيها التي لم تكف عن البكاء، انتبه إليها و بطرف عينيه دون أن يجعلها تلاحظ إنه ينظر إليها استطاع رؤيتها تبكي بحرقة و ندم، برغم احتراق فؤاده عندما رآها في تلك الحالة لكن كبريائه المسيطر الآن جعله يتركها تتحمل نتيجة فعلتها. 

أفاق من شروده علي صوت منار،  ألتفت إليها و رآها تبكي كالطفلة و تردد: 
"حقك عليا يا مستر قصي، أنا مش عارفة عملت إيه مزعلك مني أوي كدة، أوعدك مش هكرر اللي عملته و مش عارفاه في نفس الوقت، بس بالله عليك ما تطردنيش، أنا حبيت الشركة أوي و حبيت أصحابي هنا حتي حبيتك أنت".

رفع حاجبيه بتعجب من ما تفوهت به، فأردفت:
" ما تفهمنيش غلط، أيوه بحبك زي أخويا الكبير". 

وضع كفيه علي وجهه و أطلق زفرة ينفث بها غيظه من تلك الحمقاء التي لم تدرك كلمة واحدة من حديثه
"يارب صبرني، خلاص يا منار بطلي عياط أنا ما قولتش حاجة خالص من اللي عماله تبرطمي بيه من بدري". 

توقفت عن البكاء و ذهبت إلي المكتب و ألتقطت محرمة ورقية من الصندوق الخشبي المزخرف، قامت بمسح دموعها ثم وضعت المحرمة علي أنفها و أصدرت صوتاً جعله يحدق إليها متقززاً، فسألته بإبتسامة بلهاء: 
"إيه ده يعني مش هاتطردني من الشركة؟". 

ذهب إلي مكتبه و جلس علي كرسيه قائلاً: 
"أنا لو طردتك يبقي بسبب غبائك و يبقي عندي حق، لكن أنا ممكن أتغاضي كل ده و هاسيبك تكملي معانا بس بشرط". 

اتسعت ابتسامتها من الأذن إلي الأذن الأخري، و وقفت أمام المكتب و قالت: 
"أنا تحت أمرك، أشرط زي ما حضرتك عايز، و مش هتلاقي مني غير السمع و الطاعة". 

داهمه وميض من مشهد سابق بينه و بين زوجته
«وضع كلا كفيه علي خديها، و أخذ يجفف دموعها بإبهاميه: 
"حبيبتي، أنا عارف قد إيه بتغيري عليا و الموضوع ده ما تعرفيش مفرحني إزاي، لكن أنا دلوقت محتاج حد في مهارتها في الشغل، غير إنها خبرة في مجالنا و ليها علاقات كتير بشركات تانية هتنفعنا وقت الصفقات". 

ابتلعت غصتها بعد أن رأت إصراره داخل عينيه و كم الأعذار التي لا تعني لها شيئاً، ابعدت يديه عن خديها قائلة: 
"أنا عارفة إنك عنيد و لما بتصمم علي حاجة مهما أتحايلت أو أترجيتك برضو هتفضل علي موقفك، كده وصلتني لأمر مكنتش حابة أقوله، يا أنا يا هي يا قصي"». 

عاد من ذلك المشهد و داخل عينيه وعيد بالإنتقام قائلاً داخل عقله: 
"أنتِ اللي خلتيني أختار يا صبا". 

اعتدل في جلسته و تأهب إلي ما سوف يتفوه به الآن،  تنحنح أولاً ثم سألها: 
"تتجوزيني يا منار؟". 

تعليقات



×