رواية أنا لها شمس الجزء الثانى ( اذناب الماضي ) الفصل السابع 7 بقلم روز امين

رواية أنا لها شمس الجزء الثانى ( اذناب الماضي ) الفصل السابع بقلم روز امين


«بالأعلى» 
قبل قليل 
داخل الغرفة الخاصة بفؤاد وزوجته، خرج من الحمام مرتديًا مئزره الخاص بالإستحمام تتدلى قطرات المياه من شعر رأسه لتنزل على صدره العريض بطريقة ملفتة للنظر،من يراهُ يقسم بداخلهُ أنهُ لم يتعدى الثلاثين من عمره بعد من شدة جاذبيتهِ وجسده الرياضي،فمازال يحافظ على رشاقة جسده باتباع الرياضة دومًا، وقف أمام مرآة الزينة وأثناء ما كان يقوم بتصفيف شعره استمع لقرعٍ فوق الباب، وبعد السماح للطارق ولچت تلك الفتاة "هند" وتحدثت بنبرة رقيقة واحترام:
- مساء الخير يا باشا، مدام سعاد بعتاني علشان أوضب لحضرتك الشنطة. 

أشار بكفهِ دون الإلتفاف وتحدث وهو يتابع تصفيف شعرهُ: 
-إدخلي
إلتفت وأمسكت الباب إستعدادًا لإغلاقه ليباغتها صوتهُ الحاد: 

-سيبي الباب مفتوح. 

أصابها الإرتباك وهزت رأسها عدة مرات متتالية ليتابع هو بعملية: 
-خرجي لي تلات اطقم داخلية ورصيهم تحت، وبعدها الترنجات،ولما تخلصي هقول لك تحطي إيه تاني
أومأت بحماس وأخرجت القفازات وبدأت بارتدائها وهي تنظر لانعكاس وجهه كي تنال إرضائه،جذبت الحقيبة وبدأت برص الثياب كما أخبرها، كانت تسترق منه النظرات الإعجابية،متمركزة بنظراتها على فتحة صدره، وفجأة ولچت تلك الغاضبة تتلفتُ حولها بتمعُنٍ، إشتعل جسدها بنار الغيرة حين تطلعت عليه ورأتهُ بكل تلك الجاذبية، يا لهُ من وقح، كيف لهُ أن يقف هكذا أمام أنثى غيرها، وتلك الحقيرة من تكون كي تتواجد بمكانٍ واحد مع حبيبها وتحظى برؤيته المهلكة تلك، 

شملت الفتاة بنظراتٍ يملؤها الإزدراء، فمنذ حضورها إلى القصر وهي لا تروق لها، فشخصيتها غامضة وعليها علامات استفهام بالنسبة لها، ملابسها الضيقة تستثيرُ غضبها،تمايلها بمشيتها وغنچها المبالغ به يثيران حنقها،نظرت لفتحة صدرها التي تُظهر جزءًا وتحدثت بحدة أظهرت كم وصولها للغضب:
- سيبي اللي في إيدك ده وإطلعي برة 

تطلعت الفتاة إلى ذاك الذي يواليهما ظهره ومازال يصفف شعرهُ بلامبالاة لتقول بصوتٍ يحمل دلالاً أنثوي: 
-هوضب شنطة الباشا وهخرج على طول يا هانم

استشاط داخلها وهي ترى تلك الفظة تعود لترتيب الثياب وكأن حديث الأخرى مجرد صدى صوت أو فقعات هواء لا قيمة لها،ومازاد من حنقها هو ميل الفتاة بجسدها على الحقيبة بطريقة مُلفتة مما أحرق قلب إيثار وجعل نيران الغيرة تأجج بقلبها لتصيح بحدة وهي تصكُ على أسنانها: 
-قولت لك إطلعي برة ومشوفش خلقتك هنا في الأوضة مرة تانية 

إعتدلت الفتاة ثم نظرت إلى فؤاد تنتظر رده، رأى وقوفها في انعكاس المرآة ليعتدل يطالعها ثم تحدث بحسمٍ وعينين جامدتين: 
-إنتِ مش سامعة كلام الهانم؟! 

-أنا مستنية أشوف أوامر حضرتك يا باشا علشان اشوف هعمل إيه... قالتها بانكسار علها تكسب تعاطفهُ

رمقها بنظراتٍ حادة لينطق بلهجة صارمة أرعبتها: 
-أوامر إيه اللي بتتكلمي عنها، الحرف اللي المدام بتنطقه أمر وينفذ في الحال، مفهوم؟ 

ابتلعت لُعابها من هيئتة المخيفة وبلمح البصر كانت تترك ما بيدها ثم هرولت سريعًا صوب الباب لتفادي غضب تلك الحانقة، وبعد أن أغلقت الباب خلفها إبتسمت بخُبثٍ ثم استمالت نحو الباب لاستراق السمع 
بالداخل، نطق بنبرة صارمة بعدما والاها ظهره يتطلع لهيئته ويتابع نثر عطره على جسده بسخاء: 
-ياريت بعد كده تخلي بالك من تصرفاتك قدام الخدم
ثم أكمل مسترسلاً بجدية بعدما رأى نظراتها المتعجبة: 
-مكنش فيه داعي تطلبي من البنت إنها تخرج وتسيب اللي في إيدها وإنتِ عارفة ومتأكدة إنها بتنفذ أوامري

وتابع بما أفقدها إتزانها:
-قللتي من نفسك قوي قدام البنت 
اتسعت عينيها غير مستوعبة أنها تستمع إلى تلك الكلمات من زوجها،فنطقت بذهول: 
-إنتَ بتقول لي أنا الكلام ده يا فؤاد؟!
وبعدين هو مين اللي حطنا في الموقف البايخ ده،مش إنتَ ؟!
ثم صمتت لوهلة وكأنها تذكرت لتصيح بحدة:
-ثم تعالى هنا يا سيادة المستشار، إنتَ مسافر بجد؟ 

نطق ببرود: 
-على ما أظن الشنطة اللي قدامك أفضل إجابة على سؤالك. 

-يعني مسافر بجد وكمان من غير ما اعرف؟! 
للدرجة دي وجودي من عدمه مبقاش فارق لك!

لم تجد منه سوى ذاك الصمت المريب الذي بات يرعبها،فمنذُ ما حدث في الشركة بأمر كشفها للمخطط وهو يتجاهلها تمامًا ولا يتحدثُ معها،وبائت كل محاولات تقربها منه بالفشل الذريع،حتى توقفت عن تلك المحاولات ووضعت كرامتها حائلاً بينهما.
هرولت باتجاهه وجذبت ذراعه لتجبرهُ على النظر لوجهها،ثم صرخت بقوة واعتراض: 
-رد عليا يا فؤاد، متسبنيس أكلم في نفسي كالعادة

-عاوزة إيه يا إيثار؟!...قالها بحدة أظهرت كم حنقه لتجيبهُ بضعفٍ وهوان:
-عاوزة أعرف عقابي ده إمتى هينتهي،لحد إمتى هتفضل تذل فيا وتقلل مني؟
وتابعت مستنكرة باشمئزاز:
-كل ده علشان قررت أعتمد على نفسي في شُغلي وأثبت جدارتي للمنصب اللي إنتَ بنفسك سلمتهُ لي وأمنتني عليه؟! 
وتابعت باتهام: 
-وكأنك بتعاقبني على نجاحي واستقلاليتي

-اللي جنابك شيفاه إثبات جدارة واستقلالية هو من وجهة نظري تسيب وعدم تحمل للمسؤلية
اتسعت عينيها ذهولاً ليتابع هو بإبانة: 
-الهانم نسيت إنها زوجة لرئيس نيابة منصبه حساس، وإن إحتمال جدًا الناس دي تكون قاصدة تضربني في شُغلي عن طريقك، ومرتبين خطة لتوقيع الهانم في الفخ، وطبعًا كالعادة الهانم ماشية بمزاجها
وأشار على نفسه:
- والمغفل أخر من يعلم

صاحت بحدة مستنكرة وضعها: 
-وهو أنتَ محتاجني أبلغك!،ما كفاية عليك جواسيسك اللي مالية الشركة،واللي حتى مش مسموح لي أعرف هما مين
-إحمدي ربنا إني بحميكِ من غباء عنادك... قالها مستنكرًا لتصيح بصوتٍ رافض: 
-حافظ على كلامك معايا يا فؤاد. 

بالخارج، كانت تسترق السمع لما يُقال خلف الأبواب بوجهٍ مبتسم شامتًا حتى استمعت لصوت أقدامٍ يأتي من خلفها فارتبكت لتلتفت سريعًا وجسدها بالكامل ينتفض رُعبًا، إطمئن قلبها قليلاً حين رأت القادم، هرولت سريعًا وتصنعت بأنها خرجت للتو من الباب، طالعتها الفتاة بلامبالاة وتوجهت لوجهتها التي تقصدها حتى وقفت أمام الباب لتستمع لصياح والديها مما جعلها تقطبُ بين حاجبيها باستغراب، أخذت نفسًا عميقًا ثم أخرجته وتشجعت لتدق الباب بخبطاتٍ خفيفة، استمعت لصوت أبيها فولچت لتتفاجأ بوقوف والديها كلٍ أمام الأخر وكأنهما مصارعين داخل حلبة المصارعة،برغم صمت أبويها المريب إلا أنها نطقت بصوتٍ لطيف:
-ممكن أدخل يا بابي،عاوزة أتكلم مع حضرتك في موضوع مهم

برغم جسدهُ المشتعل نارًا من حواره الحاد مع عنيدته والذي تحول لصراعٍ إلا أن قلبهُ لان لتلك الحبيبة، وما كان منه سوى أن فتح ذراعيه على مصراعيهما لينطق مستقبلاً إياها:
-تعالي يا قلبي 
أسرعت بخطواتها حتى وصلت لأحضانه ثم تحدثت وهي تتطلع إلى حقيبة الملابس: 
-هو أنتَ مسافر؟!
أجابها بهدوء: 
-رايح كام يوم الغردقة في شُغل

اومأت ثم تحدثت باستكانة: 
-المدرسة عاملة رحلة لـ لانجلترا مدتها إسبوع، وكل أصحابي رايحين
ابتعدت قليلاً وتطلعت بعينيها المتوسلة لمقلتي والدها في محاولة منها للتأثير عليه، وتابعت مسترسلة: 
-وأنا نفسي أروح معاهم قوي يا بابي

تطلع لعينيها وشعر بضعفٍ كبير، فتلك الصغيرة دون غيرها باستطاعتها السيطرة على قلب وامتلاك "فؤاد علام"، نطقت إيثار مستبقة حين رأت التردد والحيرة يسكنان عينيه: 
-مع إنك عارفة إن السفر لوحدك لأي دولة من غيرنا مرفوض يا" تاج"، إلا إنك كل فترة بتحبي تثيري الجدل وتطلعي لنا بموضوع تنكدي بيه على نفسك، وكأنك بتتعمدي إنك تحسي وتعيشي شعور المظلومة اللي عايشة بين شوية مستبدين متعمدين يكبتوا حريتها. 

تلائلائت دمعاتها الحزينة بمقلتيها وهي تستمع لكلمات والدتها القاسية ثم توجهت بنظراتها نحو أبيها وكأنها تشتكيه، حاوط وجنتيها بكفيه ثم تحدث بابتسامة قائلاً: 
-أنا موافق،هكلم مديرة المدرسة بكرة وهجز لك إنتِ وزين

نزلت كلماتهُ على قلبها كطلقاتٍ من الرصاص إخترقت قلبها دون رحمة، وعلى الجانب الآخر فكان واقع كلماته مختلف تمامًا على الفتاة، حتى أنها قفزت في الهواء عدة مرات متتالية وهي تقول بعدم استيعاب: 
-بجد يا بابي
-بجد يا حبيب بابي... نطقها ببالغٍ من الحنان لتنطق بفرحة عارمة ومشاعر شديدة الصدق: 
-أنا بحبك قوي يا بابي
ثم صمتت بتفكرٍ لتتابع بخيبة أمل ظهرت بعينيها: 
-بس "زين" رافض فكرة السفر نهائي. 
ابتسم لطمأنتها: 
-سيبي "زين" عليا، أنا هعرف أقنعه

إرتمت داخل أحضانه لتضع رأسها على موضع قلبه قبل أن تقول بنبرة تقفزُ منها السعادة: 
-إنتَ أجمل وأحن بابي في الدنيا كلها، أنا بحبك قوي. 

ربت على ظهرها لتشكرهُ الفتاة وتخرج مهرولة والسعادة والحماس يلازماها، كانت تتطلع عليه وحزنٍ عميق يحتل قلبها ويؤلمها، لمعت عينيها بالدموع تأثرً بالحزن الذي أصابها، باتت تنظر إليه أملاً في أن يتطلعُ عليها ويشرح لها سبب قرارهُ دون مناقشتها، وحينما طال تجاهلهُ خرجت عن صمتها لتقول بلهجة أظهرت كم تأثرها: 
-أول مرة تقرر لوحدك في موضوع خاص بالولاد، من غير ما تناقشني فيه ونتفق! 

وضع كفيه بجيبي الرداء ثم إلتفت باتجاهها وتحدث بطريقة حادة: 
-وهو أنتِ كنتي أخدتي رأيي ولا ناقشتيني لما رديتي عليها بالرفض النهائي؟! 

-إنتَ بتعند معايا وتردها لي يا فؤاد؟... نطقتها بعيني متسعة ثم تابعت: 
-وبعدين أتناقش معاك في إيه، مش إنتَ بردوا اللي سيبت لي حرية التصرف في أي حاجة تخصهم من وهما صغيرين، وقتها قولت لي إنك واثق في عقلي وحكمتي وإني هقدر أوفق ما بين الصالح ليهم ومتعتهم في الحياة؟! 

-رجعت في قراري زي ما أنتِ نقضتي وعدك ليا... طالعته بعدم استيعاب فتابع موضحًا: 
-لو الهانم فاكرة، أول ما سلمتك منصبك طلبت منك متتصرفيش في أي حاجة غير لما ترجعي لي علشان أمانك، وسيادتك يومها وعدتيني إن مفيش قرار ولا أي صغيرة وكبيرة هتحصل إلا لما تكوني مبلغاني بيها 
نطقت مفسرة: 
-دي غير دي يا فؤاد 
-بالنسبة لي واحد،وياريت تتقبلي قراري وتقفلي على موضوع سفر الأولاد، لأنه لو اتفتح هتزعلي ... قال كلماته وتحرك إلى غرفة الملابس دون انتظار ردًا منها تاركًا إياها في حالة ذهول من تغيرهُ الكُلي. 
          ༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بنفس التوقيت، تحديدًا داخل حديقة منزل دكتور "ماجد"،كانت الفتاة تتحرك ببطيٍ، تتحدث عبر الهاتف الجوال باستخدام سماعة الأذن، توقفت وهي تقول بإنفعالٍ لصديقتها المقربة"علياء": 
-وأنا ليه أكون الطرف اللي أتحمل وأضحي كل مرة، ليه ميضحيش هو علشاني، ليه ميحسسنيش إنه شاريني ولو لمرة واحدة
وتابعت بألمٍ ينخرُ بوسط قلبها:
- مرة واحدة بس في حياتي أحس إنه فعلاً عاوزني يا علياء

على الطرف الأخر تحدثت الأخرى في محاولة منها لمؤازرة صديقتها والتخفيف عنها: 
-وهو في إيده إيه يعمله ومعملهوش يا بوسي، ما أنتِ بنفسك شايفة معاملة بباكِ ورفضه ليه وتابعت: 
-يوسف عنده كرامة ومش هيقبل بإهانة دكتور ماجد ليه أكتر من كده 

قاطعتها بحدة أظهرت كم الغضب الكامنُ بداخلها: 
-مش هيقبل الإهانة على نفسه لكن يقبل بخسارتي عادي

أجابتها علياء كي تخمد نيران قلبها المستعرة: 
-ومين بس قال إنه خسرك، يوسف قالها لي صريحة لما كلمته أخر مرة يا بوسي، قال لي إنه مش هيتقدم لك غير لما يكون جدير بيكِ. 

صاحت بحدة بالغة مستنكرة: 
-وأنا بقى المغفلة اللي هقعد أستنى الباشمهندس لما يوصل للي يرضي غروره ويخليه حاسس إنه بقى أجمد واحد في الدنيا، ومحدش يقدر يرفضه

-وإنتِ قدامك حل غير كده... قالتها علياء بمنطقية لتجيبها الأخرى بإنفعالٍ هائل: 
-أه قدامي، وقدامي اللي هقهر قلبه بيه وأخليه يندم على كل مرة لجأت له فيها وإستنجدت بيه وخذلني. 
تحدثت صديقتها برجاءٍ: 
-بليز ممكن تهدي، إنتِ بقيتي نرفوزة قوي، وبطلي تقولي كلام مش هتقدري على تنفيذه

توقفت لتأخذ نفسًا مطولاً تحاول من خلاله تنظيم أنفاسها علها تستطيعُ كسب بعض الهدوء والسكينة اللتان فارقاها منذُ رحيل ذاك الحبيب. 
___________

داخل المنزل، كانت تعيد ترتيب خزانة ثيابها بمساعدة إحدى العاملات، تفاجأت ببعض الطرقات الخفيفة وفتح الباب مباشرةً دون إنتظار السماح، تطلعت باتجاه الباب فوجدتهُ "ماجد" الذي تحدث إلى العاملة بهدوء:
-سبينا لوحدنا وإنزلي على تحت 
أومات بطاعة:
-حاضر يا دكتور
أغلقت العاملة الباب خلفها فنظر هو إلى تلك التي والتهُ ظهرها وتابعت ما تفعل بالخزانة دون أدنى إهتمام، تحرك حتى وصل لمكانها وبات مقابلاً لها لينطق مستفسرًا: 
-ممكن أعرف هنفضل على الوضع ده لحد إمتى؟ 

-وضع إيه اللي تقصده؟...فأجابها باستياءٍ: 
-الوضع اللي إنتِ حطانا فيه ده يا فريال، إحنا بقينا مسخرة قدام الشغالين، كل واحد مننا نايم في أوضة لوحده
صمت لبرهة حتى يستمع لمبرراتها وحين لم يجد ردًا صاح متابعًا بانفعال: 
-ردي عليا وبلاش تختبري صبري عليكِ أكتر من كده 

وكأنهُ بكلماته تلك قد استدعى شياطين غضبها فالتفت تطالعهُ بأعين حادة كنظرات الصقر لتهتف بحنقٍ: 
-صبرك عليا، إنتَ كمان اللي طلعت صابر عليا، لا يا دكتور، فوق وخلي بالك من كلامك، لو فيه حد صِبر ولسة مكمل في البيت ده فهو أنا، صبرت على تصرفاتك الغريبة معايا ومع بنتي لحد ما فاض بيا 

هتف بحدة مفسرًا: 
-موقف وعدى يا فريال، إيه، حياتنا هتقف علشان إبن إيثار؟! 
نطقت باستنكارٍ: 
-هو ده لُب الموضوع يا دكتور، إبن إيثار اللي حاطه في دماغك وشاغل نفسك قوي بيه

-فريال، الموضوع إنتهى وخلصنا،واللي نهاه البيه إبن الحسب والنسب ... قالها وهو يُشيح بكفيه ساخرًا ليتابع مذكرًا إياها بتأنيب: 
-ولا أنتِ مسمعتيش الولد وهو بيهيني وبيهين بنتك قدام الكل؟! 

-محدش هان بنتك غيرك يا ماجد، إنتَ اللي قللت من قيمتنا قدامهم... لتتابع بألم وقلبٍ يتمزق: 
-كسرت قلب بنتك وعرضتها لأبشع موقف ممكن بنت تتعرض له، ده غير مرات أخويا اللي إنتِ مصمم تخليني أخسرها بسبب أفعالك 

عن عمدٍ تجاهل حديثها عن ابنته وهتف مستنكرًا كي يجعل شعور الذنب والخجل يتملكان منها: 
-هو ده كل اللي يهمك في الموضوع، خسارتك للكونتيسة مرات أخوكِ؟! 
اللي إبنها أساس كل اللي إحنا فيه؟!... وتابع مستغلاً الوضع: 
-ده غير حقك في الشركة اللي ضاع على إديها

إحتدمت غيظًا مع اتساعت عينيها لتنطق حانقة: 
-إنتِ ليه مُصر تفتح موضوع الشركة كل شوية مع إنك عارف إن بابا كتبها لفؤاد وأولاده، وإداني مقابل نسبتي فيها فلوس؟! 

كاد أن يتحدث لكنهُ قرر التوقف باللحظة الأخيرة كي لا يزيد من حدة غضبها،أخذ نفسًا مطولاً يستعيد من خلاله هدوئه ثم اقترب عليها وتحدث بنبرة صوت رخوة وهو يملس على ذراعها:
-طب ممكن ننسى كل اللي حصل وترجعي على أوضتك 
وأكمل وهو يقتربُ عليها برغبة ذكورية ظهرت بعينيه: 
-إنتِ وحشتيني قوي يا فيري
إبتعدت بجسدها للخلف كالتي تنأى بحالها من الهلاك مما أصابهُ بذهولٍ من هيأتها المذعورة، تحمحمت لتنطق بصوتٍ خفيض: 
-أرجوك يا ماجد تبعد، خلينا بعيد شوية لحد النفوس ما تصفى وترجع لطبيعتها
ثم تابعت بنبرة جادة: 
-وعلى فكرة، المفروض تروح للباشا وفؤاد وتعتذر لهم 

بنبرة مستنكرة أعاد كلمتها: 
-أعتذر لهم؟!، وإيه بقى اللي أنا عملته من وجهة نظرك يستدعي الإعتذار؟
رفعت رأسها بشموخٍ ثم أجابتهُ بقوة: 
-لو مش شايف إنك تخطيت الأصول وتعديت على حُرمة البيت وتجاوزت في حق يوسف، اللي المفروض إنه ضيف بابا وفؤاد تبقى عندك مشكلة يا ماجد

-كل ده أنا عملته؟!... قالها ساخرًا ثم تابع بنفس اللهجة: 
-طب إيه رأيك بالمرة أعتذر لإيثار هانم وإبنها؟

تملك منها اليأس فقد باتت أفعالهُ لا تُحتمل وكأنهُ تبدل لشخصٍ أخر لم تقابلهُ من قبل،شقت إبتسامة متهكمة ثغره قبل أن يقول رافعًا رأسهُ بغرور: 
-ولو معتذرتش، هتعملي إيه؟ 

-إخرج يا ماجد، أنا تعبانة ومحتاجة أرتاح... صُدم من ردة فعلها فللمرة الأولى تعاملهُ بعدم إحترام وبدلاً من أن يبحثُ عن السبب ويحاول إصلاح ما تم إفساده على يده، ألقى عليها باللوم قائلاً: 
-أنا مش مصدق اللي بسمعه وشايفه قدامي، وصل بيكِ الحال إنك تكلميني بالطريقة دي وتطرديني من ألأوضة علشان واحدة زي إيثار وإبنها؟!
وتابع مسترسلاً بذهول:
- بتعملي كل ده علشان خاطر رفضت إن بنتي ترتبط بواحد عيلته كلها مجرمين وسوابق؟! 
-إنتِ واعية لتصرفاتك كويس يا فريال؟! 

ظهر الإنهاك البدني والنفسي والعقلي عليها وهي تقول بنبرة مستسلمة: 
-أرجوك يا ماجد تخرج وتسيبني لوحدي، أنا معنديش أي طاقة علشان اتناقش بيها معاك ونتجادل
طالعها بأعين مذهولة فتابعت متوسلة: 
-أرجوك. 
هز رأسه بإيماء وتحدث: 
-أوكِ يا فريال، أنا هخرج وأسيبك، بس صدقيني، هتندمي على كل ده لما تظهر لك شخصية الست إيثار الحقيقية، وتتأكدي من طمعها في مال عيلتكم وإنها دخلت العيلة مخصوص طمعًا في ثروتكم، وبكرة هفكرك بس للأسف، هيكون فات الأوان،والندم مش هيفيد وقتها. 

ألقى بسيوف كلماتهِ وتركها غارقة وسط دماء حسرتها وحزنها العميق على ذاك الذي تحول من زوجٍ عاقلٍ حنون إلى رجلاً لم تتعرف عليه من قبل. 

          ༺༻༺༻٭༺༻༺༻
ليلاً داخل حُجرة فؤاد 
كانا يتجاوران التمدد فوق السرير المشترك، يتقلبان بعدم راحة وكأنهما يرقدان فوق صفيحٍ ساخن، تشعرُ باستعارة جسدها وكل ذرة بهِ تنتفضُ غضبًا، أحقًا قرر السفر وقام بجميع خطواطه دون إخطارها، لولا "عزة" لكان رحل دون علمها،قلبها يغلي ويحسها على النهوض والصراخ بوجههِ بإعتراضٍ على كل ما يجري،تريد الإعتذار منه والإرتماء داخل أحضانه بعد السماح ولتتنعمُ بدفيء أحضانه ورائحة جسده العطرة التي اشتاقتها شوق الزهور لحبات الندى، لكن عقلها يأبي الرضوخ وخصوصًا أن جميع محاولاتها السابقة بنيل رضاه بائت بالفشل الذريع،أما هو فكان بين نارين،نار الهوى والإشتياق لعطر خليلتهُ ولشهد رحيق شفتيها،ونار سأمه من عناد تلك الفرسة الجامحة وعدم إنصياعها لقراراته التي وضعها وفقًا لتأمينها،لكنها بكل مرة ترمي بحديثه وقراراته بعرض الحائط وهذا بات يؤرقه ويستدعي جنونه عليها

قلبهُ يأمرهُ بجذبها بقوة وإدخالها داخل أحضانه بل شق صدره وتخبأتها بين ضلوعهِ،لكن عقلهُ رافضًا رفضًا باتًا،والإستمرار في معاقبتها بالبعد عنه تأملاً بتعلمُها من أخطاء الماضي وتلاشيها بالمستقبل،ظل كلاهما يتقلبُ بالفراش وكأنهما على جمرٍ حتى غاب هو بغفوةٍ رُغمًا عنه مستسلمًا لإرهاقه، استسلمت وهاجمها الحزن بعدما استمعت لانتظام أنفاسه وتأكدت من دخوله في سباتٍ عميق، تنهدت بأسى وظلت تفكر وتُفكر حتى غلب عليها هي الأخرى النُعاس. 
استيقظ على صوت المنبه المزعج ليعتدل ساحبًا جسده مستندًا على ظهر التخت، مسح بكفه على وجهه بحركة عفوية ثم استقر ببصره على خليلة الروح، وجدها تتصنع الغرق بغفوتها فتنهد متألمًا للحال الذي وصلا إليه، رفع الغطاء واتجه بهدوءٍ صوب الحمام ليختفي خلف بابه، استمعت لصوت غلق الباب ففتحت عينيها لتخرج من صدرها تنهيدةٍ حارة، توضأ وخرج ثم قام بتأدية صلاته، إنتهى من ارتداء ثيابه وتوجه للحقيبة حملها وخرج على الفور بعد أن ألقى نظرة أخيرة على تلك الغافية وصراعٍ عنيف مع النفس، أيتقدم إليها ويقوم بوضع قُبلة وداع السفر، أم يثبت على موقفه، بالفعل انحاز للإختيار الثاني وخرج سريعًا قبل أن يضعف، استمعت لغلق الباب فرفعت جفونها، سحبت جسدها للأعلى وباتت تمسح الغرفة بعينيها على أمل أن تجده مازال موجودًا ينتظر إفاقتها ليدخلها بأحضانه ويعتذر عما بدر منه ليلة أمس، شعرت بالأسى وبدون سابق إنذار هبطت دموعها لتغرق وجنتيها، باتت تبكي مع ارتفاع شهقاتها المتألمة، رفعت عنها الغطاء وتحركت باتجاه النافذة لتنظر من خلف الستارة بعد أن اختبأت خلفها، وجدته يصعد إلى السيارة بالمقعد الخلفي وانطلق السائق متحركًا للخارج، ارتفع صوت بكائها ليخرج صوتها الباكي: 
-معقولة يا فؤاد، إزاي قدرت تسافر من غير ما تودعني وتطمن قلبي إنك هترجع بسرعة، 
وتابعت بشهقة عالية تقطع نياط القلب: 
-هونت عليك إزاي يا حبيبي. 
أمسكت هاتفها وتحدثت إلى مديرة مكتبها لتخبرها أنها لن تأتي اليوم إلى الشركة لإصابتها بإرهاقٍ شديد

           ༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بعد مرور ساعة، كانت تجلس في الحديقة تتناول قدحًا من القهوة مع بعض الكعك الخفيف التي أصرت "عزة" على إحضاره بعدما رفضت الأولى تناول وجبة الفطار، انضمت إليها "عصمت" بعدما علمت بوجودها بالمنزل وعدم ذهابها للعمل، سألتها بهدوء: 
-سعاد بلغتني إنك مروحتيش الشركة قولت أجي أشرب قهوتي معاكِ

أشارت للمقعد: 
-إتفضلي يا ماما 
جلست ثم سألتها باستغراب بعدما رأت انتفاخ عينيها واحمرار أنفها: 
-مالك، شكلك مش نايمة كويس 
أجابتها في محاولة منها للهروب: 
-أنا كويسة، مرهقة من الشغل شوية 

-إوعي تكوني فاكرة إني مش واخدة بالي من تصرفاتك إنتِ وفؤاد في الفترة الأخيرة، لا أنتِ كويسة ولا إبني كويس. 

التزمت الصمت فتابعت الأخرى بحدة: 
-أنا مش بقول لك كده ومستنية إنك تحكي لي، لأني عارفة إن لا أنتِ ولا فؤاد بتحبوا تحكوا مشاكلكم الخاصة، بس ياريت تخلي بالك لأن مشاكلكم بدأت تأثر على الأولاد

ضيقت بين عينيها وسألتها متعجبة:
-بتأثر إزاي حضرتك؟

أجابتها باستياءٍ: 
-إنتِ مش ملاحظة إنك مبقتيش تقعدي مع ولادك زي الأول،ولا قرار سفر زين وتاج اللي اتفاجأنا بيه أنا والباشا
وتابعت بحدة ملقية عليها مسؤلية اتخاذ نجلها لذاك القرار وتبعياته:
- إزاي فؤاد ياخد قرار زي ده وهو عارف إن طول الوقت فيه خطر على الأولاد وعليكِ؟!
  
-أنا اتفاجأت بيه زي حضرتك بالظبط، فؤاد عمل كده كنوع من العقاب ليا. 

سألتها بتشكيك: 
-وإيه بقى اللي عملتيه يخلي فؤاد ياخد قرار متهور زي ده لوحده، من غير حتى ما ياخد رأي الباشا؟! 
أجابتها بحدة ترجع لعدم تقبلها لهجة "عصمت"المُدينة:
-حضرتك مسألتهوش ليه؟!

-سألته طبعاً،بس كالعادة قال لي متشغليش بالك يا ماما،مشكلة بسيطة وهتعدي...قالتها بحدة لتسترسل متهكمة:
-لكن المشكلة طولت يا إيثار،ومش بس منكدة على إبني حياته،لا،دي بدأت تأثر على أحفادي 

لم يرق لها حديث تلك السيدة،فبرغم حنانها البالغ واحتوائها لها طيلة سنوات زواجها من فؤاد،إلا أنها تتحول وتنحاز عندما يصل الأمر لسعادة نجلها وأحفادها،وطالما كان هذا الحاجز بينها وبين إيثار، عكس ذاك الراقي"علام "، فطالما عاملها كإبنة له واحتواها مثلها مثل فريال تمامًا، إحتدم داخلها لتنطق بدموعٍ ظهرت بمقلتيها: 
-هو ليه حضرتك جايبة اللوم عليا لوحدي
وتابعت بإبانة:
- اللي مغير فؤاد هو وقوفي في الشركة وحلي للمشكلة اللي اتعرضنا ليها في الفترة الأخيرة واللي حضرتك على عِلم بيها يا دكتورة
وتابعت بإيضاح: 
-وبرغم إن من حقي أثبت جدارتي في إدارة الشركة وأحل مشاكلي بنفسي، إلا إني إعتذرت له وإتذللت علشان يسامحني إني مقولتلهوش 
واسترسلت باستسلامٍ وضعف:
-بس هو رافض إعتذاري،قولي لي إيه اللي مطلوب مني أعمله ومعملتوش

-أنا مليش دعوة بكل الكلام ده يا إيثار،مشاكلك مع جوزك تحليها بنفسك،وكان من الأولى بلاش تعملي الحاجة اللي بتنرفزه 
وتابعت بأنانية: 
-أنا اللي يهمني في الموضوع هو إن إبني وأحفادي ما يتأثروش
واسترسلت بإشارة من سبابتها: 
-إنتِ عارفة كويس إن أكتر حاجة بتحرق دمي،هي لما ألاقي إبني مش مبسوط
لم تنتظر رد الأخرى وتابعت بأمر:
-حاولي تحلي الموضوع وتراضي جوزك بأسرع وقت،وياريت لو تكلميه النهاردة في التليفون وتحاولي تخليه يتراجع عن قرار سفر الأولاد،أنا قلبي مش مطمن للسفرية دي
وتابعت بحدة ظهرت بعينيها: 
-ولو لا قدر الله حصل حاجة للأولاد، إنتِ اللي هتكوني مسؤلة قدامي. 

انتهت من حديثها وأسرعت للداخل تاركة الأخرى وسط دوامة أفكارها المشتتة، لم يكن ينقصها سوى والدة زوجها وتلميحاتها السخيفة تلك، وكأن كل ما يهمها بالأمر هو تحسين مزاج نجلها وفقط. 

أثناء دخول عصمت للمنزل قابلتها عزة التي كانت بطريقها بالقهوة إليها،تحدثت:
-القهوة بتاعتك يا دكتورة
بحدة بالغة تحدثت: 
-إديها للمدام بتاعتك،يمكن لما تشربها تفوق وتوعى لنفسها 

أسرعت بالدخول في حين إمتعضت ملامح الأخرى لتنطق بصوتٍ خفيض:
-مالها أم قويق دي كمان 
اقتربت من تلك الواضعة رأسها بين كفيها لتسألها: 
-وإنتِ مالك إنتِ لاخرى، شايلة طاجن ستك على دماغك ليه على الصبح؟ ومالها الولية حماتك،بتقول يا شر إشتر من صباحية ربنا كده ليه؟! 

-سبيني في حالي يا عزة، أخر حاجة محتجاها الوقت إني أقعد أجاوبك على أسألتك دي 
وضعت القهوة وجلست مقابل لها ثم تحدثت بتبرمٍ: 
-مهي دايمًا كلمة عزة هي اللي بتقف في زورك، مع إني قلبي عليكِ وبشوف اللي مسقطاه عنيكي، وبدل ما تسمعي كلامي وتعملي بيه، تقومي عليا وتقلبي. 

          ༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل الجامعة، ولچت "زينة"إلى المقهى المخصص لتقديم الوجبات الخفيفة والمشروبات، تطلعت على الطاولات لتتحرك صوب طاولة جانبية خالية من الأشخاص وجلست عليها بعدما طلبت تجهيز شطيرة لها وقنينة مياة عذبة وأخرى غازية، جلست لتنتظر إعدادها من قِبل العامل، كان يجلس بإحدى الطاولات الفتيات اللواتي يركزن معها فنطقت إحداهن: 
-مش عارفين تجروا رجل البت دي علشان تنضم لشلتنا
ضحكت إحداهن وهي تقول: 
-إشمعنا يعني؟ 
أجابتها بابتسامة خبيثة: 
-بصراحة أخوها دخل مزاجي وعاجبني، وعاوزة أضرب صحوبية معاه
نطقت صديقتها بضحكة: 
-هو اللي عاجبك بردوا ولا عربيته البي إم دبليو 
نطقت بلهفة: 
-لا بجد الواد مز قوي وعاجبني

أجابتها أخرى وهي ترمق"زينة" بإشمئزاز: 
-ده لو Tom Cruise‎ "توم كروز" في عز شبابه يغور من وشها، دي بنت كئيبة وشبه البومة 
وتابعت بامتعاضٍ: 
-أنا روحت أتعرف عليها من كام يوم وحاولت أتقرب لها، طلعت قليلة الذوق وسخيفة جدًا، ده غير إنها فلاحة قوي في كلامها وتصرفاتها
وأشارت بكفها بإمتعاضٍ وكبرياء:
- ماتتغروش في البراند اللي بتلبسها،دي الهدوم مدارية الفِلح بتاعها 
ردت الفتاة الأولى: 
-يا بنتي وانا مالي ومالها، أنا عاوزة أخوها، بصراحة أنا إتكلمت معاه من يومين، كان واقف مستنيها برة جنب عربيته، اتلككت وعملت نفسي تايهة وسألته عن شارع، وصف لي الطريق وكان چانتيه جداً معايا، عاملني بمنتهى اللُطف والتحضر

نطقت إحداهن بعقلانية: 
-يا بنات البنت شكلها خجولة ومعندهاش ثقة كفاية بنفسها، هي رافضة أي حد يقرب منها، فياريت تحترموا رغبتها وتسيبوها في حالها. 
تطلعن لبعضهن وتابعن نميمتهم عليها. 

بطاولة أخرى 
تضم" مازن" ورفيقه"إياد " الذي تحدث وهو يبتسم لصديقه: 
-العصفورة قاعدة لوحدها، ما تيجي نزاحمها في القفص بتاعها
تطلع عليها بنظراتٍ متفحصة قبل أن يقول بذات مغزى: 
-إصبر يا عم "إياد"، أنا بجهز لها خطة في دماغي هتخليها تقع في شباكي بمنتهى السهولة 
ضحك الأخر وتحدث مصفقًا: 
-الله عليك يا مازن يا جامد

اما هي فتبسمت حين رأت دخول ذاك الرجل النبيل"رامي"،لن تنسى له موقف التصدي لذاك الوغد حين كان يتحرشُ بها،فمنذ ذاك اليوم وهي تراهُ كثيرًا حيثُ كثرت صدفهم،مرة داخل المكتبة الخاصة بالجامعة،وفي الفناء وحتى هُنا داخل المقهى،كان يجلس بصحبة أصدقاءًا له،أثناء ما كان يمشط المكان بعينيه لمحها فجال بخاطره المرات التي رأها بها، فوجد نفسهُ يبتسم تلقائيًا، رفعت بصرها لتتلاقى الأعين وسرعان ما سحبت خاصتها سريعًا لتشغل حالها بتناول الطعام في محاولة للهرب من عينيه الساحرة، ضحك على خجلها وتابع تمشيط المكان ليجد من يرمقهُ بحقدٍ وكراهية تقطرُ من عينيه فغمز له مع ابتسامة مستفزة في حركة أشعلت نيران"مازن" وجعلته يتوعد بسريرته بالإنتقام منه. 

          ༺༻༺༻٭༺༻༺༻
مرت الليلة الاولى على الحبيبان بمنتهى القسوة، ذاق كلاهما الأمرين في الإبتعاد واشتياق كلٍ لحضن الأخر، أشرق صباح يومٍ جديد فتحركت إلى الشركة بكامل لياقتها
ولچت للداخل تتحرك بخطواتٍ ثابتة لإمرأة قوية واثقة من نفسها، يلحقُ بها رجلين حراسة منتقاه بعناية لا يفارقاها أينما ذهبت، وصلت إلى مكتب السكرتيرة فتوقف الرجلان لانتهاء مهمة توصيلها واكتفيا بهذا الحد، وما أن لمحتها مديرة مكتبها"عالية" حتى هبت واقفة وهرولت عليها باستنفارٍ لتقول بنبرة متوترة: 
-أنا بتصل بحضرتك من بدري وحضرتك ما بترديش
تحدثت "إيثار" بجدية: 
-كان معايا تليفون مهم يا "عالية" 
وتابعت وهي تتحرك باتجاه باب مكتبها الخاص: 
-دي غير إني كنت قريبة من هنا، وأديني وصلت، تعالي نتكلم جوة وقولي اللي عندك 

هتفت المرأة بصياحٍ مرتبك وهي تراها تلف مقبض الباب إستعدادًا لفتحه: 
-فيه حاجة لازم حضرتك تعرفيها قبل ما تدخلي مكتبك
نطقت جملتها بعد فوات الأوان،فقد تسمرت الأخرى بوقفتها وكادت مقلتيها أن تخرجا من عينيها مما رأت داخل المكتب. 
ترى ما الذي رأتهُ إيثار جعلها تتطلعُ إلى الداخل بحيرةٍ وذهول واستنفار؟

تعليقات



×