![]() |
رواية ضد الزمن الفصل السابع بقلم حازم الباشا
مرت ساعات طويله ....
وكانت ريم قد استسلمت للنوم ، بعد ان ضمت رأس ادهم بين ذراعيها ، وهو في حاله من الوهن الشديد جراء ما فقد من الدماء
وفي اثناء نومها ، راودها حلم غريب !!!
-----------------------ء
حلمت ريم بأنها تجلس في فناء مسجد واسع الاركان ، تفوح من جنباته رائحه العراقه والاصاله
بينما كان ادهم يرتكن امامها على احد الاعمده ، ممسكا مصحفا كبيرا ، مزركشا بنقوش ذهبيه بديعه
وكان يقرا سورة الكهف بصوت عذب ، وقد ترقرت عيناه بالدموع
حتى وصل للايه رقم ٧٨ ، وظل يكرر جزء منها ...
( هذا فراق بيني وبينك ) !!!
ومع كل مره يكرر فيها هذا الجزء من الايه الكريمه
كان صوته يعلو ويعلو ...
حتى ملء كل ارجاء المسجد
وانتهى الحلم ....
--------------------------ء
وفجأه استيقظت ريم ، وهي تشعر بوخز حاد في قلبها من جراء ذلك الحلم الغريب !!!
وقبل ان تفتح عينيها ، تحسست راس ادهم برفق ، فوجدته مازال نائما بين ذراعيها
والعرق يتصبب منه بغزاره ، وقد ارتفعت حرارته بشكل ملحوظ !!!
فقامت بفحص موضع الجرح ، فوجدته بخير ، وقد توقف النزيف تماما
ارتبكت ريم ، وهي تحاول استفاقه ادهم ليخبرها كيف تتصرف لعلاجه
الا انه رد عليها بصوت واهن ، وهو يهزي :
لنا كويس
ما تقلقيش يا ريم
انا كويس جداااااا
فزعت ريم من تدهور حاله ادهم ، ونهضت تاركه راسه تستقر على الوساده برفق
وظلت واقفه في وسط الغرفه تفكر كيف تنفذ ادهم ، دون ان تتسبب في القاء القبض عليه !!!!
وكان الحل الوحيد ، هو ان تحضر له طبيب ممن تثق فيهم ، لتأتمنه على سر ادهم
كانت ريم تشعر بالعجز التام ...
فهي لا تحمل هاتفا ، ولا حتى نقودا ، ولا تعلم اي شيء عن هذا المكان ، الذي احتجزها فيه ادهم
بالاضافه الى ان ادهم لم يكن يحمل هاتفا ، وحتى ان محفظته لم تكن تحوي الا بعض النقود ، ولا يوجد فيها اي اثبات شخصيه !!!
وفجأه وبدون اي تردد ، ارتدت ريم بعضا من ملابس ادهم
واخذت النقود التي وجدتها معه ، ومفاتيح سيارته ، وخرجت تبحث عن اي وسيله تسعف بها ادهم
وما ان فتحت باب ذلك المنزل ، حتى اكتشفت انه يقع في بنايه مازالت تحت الانشاء !!!
فنزلت مسرعه للشارع ، وكان الليل قد اسدل ستائره على المكان
لتكتشف ان المنطقه بالكامل تحت الانشاء ، وانه لا وجود لسياره ادهم !!!
فسارت بخطى سريعه ، متتبعه بصيص من الضوء ياتي من بعيد ، حتى وصلت لكشك خشبي صغير
كان صاحبه قد اشعل بعض اعواد الحطب لتمنحه قليلا من الدفء في تلك الليله البارده
فبادرت بسؤال صاحب الكشك :
مساء الخير يا حاج
المنطقه اللي احنا فيها دي
إسمها ايه ؟؟
رد صاحب الكشك باندهاش واضح :
هو حضرتك تايهه !!!
احنا في المجاوره التانيه الجديده
في سته اكتوبر
ردت ريم بابتسامه باهته :
طيب ممكن تسمحلي
اعمل مكالمه من تليفونك ؟
رد صاحب الكشك :
اوي اوي يا افندم
تحت امرك
ثواني بس
هاروح اجيب التليفون من اوضتي
وارجعلك
خرج الرجل من الكشك ، ودخل الى البنايه المجاوره للكشك
ثم عاد بعد لحظات حاملا هاتفا حديثا ، وناوله لريم ، وقال بترحاب واضح :
التليفون اهو
فيه رصيد
وفيه نت كمان
ردت ريم بابتسامه لطيفه :
الف شكر يا حاج
مش عارفه اشكر حضرتك ازاي
ثم انزوت جانبا ، وقامت بالبحث عن رقم عياده دكتور/ عادل الباجوري على الانترنت
وهو طبيب العائله ، الذي كانت تجمعه بريم علاقه ابوه منذ ان كانت طفله صغيره
وجدت ريم الرقم ، واتصلت به ...
فردت عليها احدى الممرضات قائله :
مساء الخير يا افندم
عياده الدكتور عادل الباجوري مع حضرتك
اقدر اخدم حضرتك ازاي ؟
ردت ريم :
من فضلك
انا عاوزه اكلم دكتور عادل شخصيا
ردت الممرضه :
انا اسفه با افندم
الدكتور عادل مسافر حاليا
انا ممكن احول حضرتك
على دكتوره/ نوران عزمي
النائبه والمساعده بتاعته
وقبل ان ترد ريم ، كانت الممرضه قد حولتها بالفعل على دكتوره/ نوران
التي لم تكن تجمعها بريم ، الا علاقه سطحيه فاتره
وجاء صوت نوران عبر الهاتف :
مساء الخير
مين معايا ؟
قاطعتها ريم :
ازيك يا نوران
انا ريم الحديدي
وكنت عاوزه اطلب منك .....
قبل ان تكمل ريم عباراتها ، اندفعت نوران صائحه بصوت عالي :
انتي فين يا استاذه ريم !!!
انتي كويسه ؟؟؟
البلد كلها مقلوبه على حضرتك
قاطعتها ريم بصوت منفعل :
ارجوكي يا نوران
اديني فرصه اتكلم
واسمعي اللي هاقوله لك كويس
انا عاوزه منك خدمه
لو عملتيها
هاعتبر ده جميل كبير اوي
وعمري ما هانساه لك ابدا
ردت نوران بصوت مترقب :
حاضر يا استاذه ريم
لو الخدمه دي في استطاعتي
اكيد هاعملها
بس طمنيني الاول انتي كويسه ؟؟
هربتي من اللي خاطفينك امتى وازاي ؟؟؟
تحبي اتصل بالبوليس ؟؟؟
قاطعتها ريم بصوت حاد :
مش وقته يا نوران
اطمني
انا كويسه الحمد لله
ومفيش حد خطفني
كل ده سوء تفاهم مش اكتر
اسمعيني كويس ارجوووووكي ...
ثم قصت ريم على نوران ، تفاصيل كل ما حدث لها باختصار شديد
وشرحت لها حاله ادهم ، وطلبت منها ان تأتي بأقصى سرعه لاسعافه
وان تعاهدها بانها لن تخبر اي مخلوق على الارض بتلك المكالمه
ردت نوران بنبره حاسمه :
حاضر يا استاذه ريم
انا هاجيلك حالا
بس ابعتيلي اللوكيشن بتاعك
واهم حاجه دلوقتي
انك ما تسيبيش حراره جسمه ترتفع
لازم تعمليله كمادات بسرعه
لحد ما اوصل
انهت ريم المكالمه ، واخرجت مبلغا من المال ، واعطته لصاحب الكشك
ثم طلبت منه ان يقرضها هاتفه لمده ساعه واحده فقط
كان المبلغ المالي مقنعا لصاحب الكشك ، فلم يتردد في قبول طلب ريم ، بعد ان اقسمت له بأنها ستعيد اليه الهاتف ، وتكافئه بمبلغ مالي محترم ، جزاءا لصنيعه معها
ثم هرولت ريم عائده الى ادهم ، الذي كان لا يزال نائما
وبدات سريعا في عمل كمادات لتبريد جسده ، الذى بدا وكأنه تحول الى جمره من النار
مضت نصف ساعه تقريبا ، حتى وصلت نوران الي موقع ادهم
وبدات في اسعافه ، وهي تخاطب ريم :
من الواضح ان الاخ ده
حصلت له عدوى في مكان الجرح
وده معناه اني لازم افتح تاني
وانضف الجرح
واديله حقنه مضاد حيوي
ردت ريم بقلق واضح:
طيب ارجوكي يا نوران
اعملي اقصى ما في وسعك
الانسان ده هو كل حياتي
ولو جراله اي حاجه
انا مش ممكن اسامح نفسي ابدا
كانت نوران قد جهزت حقنة المضاد الحيوي ، وقالت وهي تستعد لأعطائها لأدهم :
ما تقلقيش يا استاذه ريم
بإذن الله الحقنه دي
هتخليه يقوم زي الحصان
بس استأذنك تطلعي بره
لحد ما اديله الحقنه
ردت ريم بحنق واضح :
اطلع ليه يعني !!!
هو انتي هتديهاله فين ؟؟؟
ردت نوران بهدوء :
دي حقنه عضل يا ريم
وانا معايا رخصه شرعيه
بحكم اني دكتوره
قاطعتها ريم بانفعال كبير :
لو انتي معاكي رخصه
فأنا الرخصه ذات نفسها !!!
شوفي شغلك يا نوران
انا مش هاتحرك من مكاني
ردت نوران بهدوء :
زي ما تحبي يا ريم
اتفضلي بقا حضرتك
لفيه ونزلي البنطلون شويه
تحركت ريم بدلال ، وقامت باحتضان ادهم ، بشكل غير مبرر ، وذلك أثناء قيامها بتعديل وضع جسده ، وكأنها تحاول ارسال رساله واضحه الى نوران ، مفادها
( ادهم لي ، وانا له )
تغاضت نوران عن تلك المناوشه الصبيانيه ، وقالت بصوت منخفض جدا :
الصبر من عندك يا رب
التفتت اليها ريم وقالت بصوت عالي :
بتقولي حاجه يا نوران
ردت نوران بتهكم :
بقولك اتعبي معانا شويه كمان
ونزلي البنطلون حبه كمان
وانجزي بقا
عشان الحقنه قربت تبوظ
استشعرت ريم حساسيه الموقف ، فامتثلت لطلب نوران ، وتراجعت للخلف ، تاركه المجال لنوران لتؤدي واجبها
وبالفعل انتهت نوران المهمه وقالت :
كده الحمد لله
كله تمام
ساعه كده والمضاد هيشتغل
ويفوق باذن الله
انا هامشي دلوقتي
ولو حصل اي جديد كلميني على طول
ردت ريم ، وهي تحتضن نوران بحراره شديده :
انا مش عارفه اشكرك ازاي بجد
جميلك ده فوق راسي
بس بليييز
استني معاه ١٠ دقايق بس
انا لازم انزل
عشان ارجع الموبايل ده لصاحبه
وهارجع لك تاني جري
وافقت نوران ، ونزلت ريم مسرعه ، لتعيد الهاتف لصاحب الكشك ، وتشكره على حسن صنيعه معها
وما ان وصلت للكشك ، حتى وجدت اخر شخص تتوقع رؤيته في تلك اللحظه .... !!!
وجدت الملياردير/ ناصر الحديدي ... والدها !!!!
تسمرت ريم في مكانها من هول المفاجأه !!!
بينما اندفع ناصر ، معانقا ابنته ، وهو يبكي بحرقه ويقول :
الف حمد وشكر ليك يا رب
حمدلله على سلامتك يا بنتي
انتي كويسه
ردي عليا يا ريم
حد مس شعره منك !!
دفست ريم رأسها في حضن ابيها ، وقد انتبهت لوجود عناصر من الشرطه ، كانت مختبئه داخل البنايه
وعلى رأسهم الرائد/ هشام عبدالرحيم !!!
وسمعت صوت هشام ، وهو يخاطب ابيها :
حمدلله على سلامه ريم هانم يا ناصر بيه
لو تسمح لي اتكلم معاها دقيقه
احنا لازم نتحرك بسرعه
عشان نمسك الكلاب اللي خطفوها
لم يعره ناصر اي اهتمام ، ورفع راس ريم مخاطبا ايها بصوت حنون :
يا بنتي ردي عليا
طمنبني
انتي كويسه ، حد من الكلاب دول
لمسك او عمل فيكي اي حاجه ؟؟؟
ردت ريم بصوت منكسر :
ما تخافش يا بابا
انا كويسه الحمد لله
الموضوع مش زي ما انت فاهم خالص
انا ما كنتش مخطوفه اصلا !!!
قاطعها هشام بصوت حاد :
اومال حضرتك كنتي مختفيه كل المده دي ليه ؟؟
وايه اللي جابك الحته المقطوعه دي ؟؟
وايه اللبس العجيب اللي حضرتك لابساه ده ؟؟
وقبل ان تجيب ريم ، كان ناصر قد رمق هشام بنظره صارمه ، قائلا :
مش وقته خاااالص الاستجواب ده
البنت تعبانه
ولازم نروح البيت عشان ستريح
كانت تلك النظره الحاده ، كفيله بان تجعل هشام يصمت الى الابد ، وهو يردد بصوت منخفض لا يسمعه سواه :
كان مالها بس تجاره اسيوط
مش احسن من قله القيمه
اللي انا فيها دي !!!
وفي تلك الاثناء تقدم عم ابراهيم (السائق الخاص بريم) نحو صاحب الكشك وناوله ظرفا كبيرا من المال
انتزع الرجل الظرف بسرعه ، وقد تهللت اساريره وهو يحتضن النقود ، ويقول مخاطبا ناصر بيه :
والله يا افندم
انا اول ما شفت ريم هانم
عرفتها على طول
واتصلت بيكوا
ثم التفت لريم وقال :
أستأذن حضرتك
في الموبايل بتاعي
يا ريم هانم
-----------------------ء
وكان صاحب الكشك قد خدع ريم !!!
واوهمها انه سوف يذهب الى غرفته ، ليحضر لها الهاتف
ليكسب بعض الدقائق ، ويجري الاتصال الهاتفي ، بذلك الرقم المثبت على اعلان المكافاه ، لمن يدلي بمعلومات تساعد في العثور على ابنه ناصر بيه الحديدي
---------------------ء
نظرت ريم الي صاحب الكشك ، بنظره ناريه ، وهي تمد يدها في جيبها ، وتلتقط الموبايل وقالت :
انت تقصد الموبايل ده يا حاج !!!
وفي لمح البصر ، قذفت ريم بالهاتف في وسط اعواد الحطب المشتعله !!!
ليتحول الى كتله من اللهب ، في اقل من لحظه واحده !!!
زمجر صاحب الكشك بصوت غاضب ، وقال بحسره : ليه كده بس يا ست هانم
ده انا لسه شاري النوبايل ده
وعليه اقساط
ردت ريم بصوت حاد :
انت تحمد ربنا
انها جت على اد كده
انا لو عليا
كنت هارميك في النار دي
بدل الموبايل
تدخل ناصر بصوت اكثر حده وقال :
هو الحيوان ده
عملك حاجه ؟؟؟؟
ردت ريم بصوت هاديء :
لا يا بابا معملش حاجه
بس ارجوك خلينا نمشي حالا
من المكان ده
انا اعصابي مش مستحمله
انسحب صاحب الكشك في هدوء
بينما استقل رجال الشرطه سياراتهم ، وقد تصاعد الدخان من رأس هشام الذي يكاد ان يموت غيظا ، وظل يردد :
هي العالم دي
فاهمه اننا شغالين
في السيرك القومي !!!
ربنا يتوب علينا
من الخدمه في البيوت !!!
كان هشام يتمنى انتزاع ريم من شعرها ، وقذفها في احدى سياره الشرطه ، لتقضي ليلتها في جحيم زنزانه القسم
الا ان نفوذ والدها الواسع ، حال بينه وبين تحقيق مبتغاه !!!
اما ناصر فقد ضم ابنته تحت ذراعه ، وانطلق بهما عم ابراهيم عائدين الى المنزل
وطوال الطريق ...
كانت ريم تبكي في صمت ، بينما ناصر يحاول ان يفهم منها ما جرى دون جدوى
كان جسد ريم بين احضان ابيها ، بينما كان قلبها وعقلها لا يزالا في تلك الغرفه الصغيره
حيث يرقد ادهم بين الحياه والموت !!!