رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل التاسع و السبعون 79 بقلم سهام صادق

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل التاسع و السبعون بقلم سهام صادق



طالت نظرته إليها عندما وجدها تشيح وجهها عنه وتحتضن جسدها بذراعيها، جذب "عزيز" غطاء الفراش الخفيف بصمت ووضعه على جسدها ثم نهض من جانبها. 
أطبقت جفنيها عندما شعرت بنهوضه وتشبثت بالغطاء الذي غطى به جسدها وقررت أن تستسلم للنوم. 

وضع "عزيز" رأسه أسفل صنبور المياة ثم اِنتزع رأسه فجأة من أسفله وأخذ يزفر أنفاسه بتهدَّج.
رفع قميصه ليخلعه عن جسده بعدما ابْتَلَّ جزءً كبيرًا منه ومازال صوت أنفاسه يخرج بلهاث وكأنه كان في سباق. 
هل امتنعت عنه "ليلى" وعارضت وصالهم؟ 
نفض رأسه سريعًا حتى لا يترك نفسه إلى شيطانه ثم التقط المنشفة ليُجفف بها خصلات شعره المبتلة. 

القى عليها نظرة خاطفة وهو يتحرك نحو غرفة الملابس وبعد دقائق غادرها حاملًا على يديه ملابس لها بعدما استبدل ملابسه. 

ضاقت حدقتاه بقلق عندما انتبه على اِنكماشها  وتقطيبة جبينها التي صارت واضحه لعينيه. 

_ "ليلى"،متناميش وأنتِ كده قومي البسي حاجة. 

بصوت خافت هتف بها ، ففتحت عينيها بصعوبة. 

_ عايزة أنام يا "عزيز". 

اقترب منها متنهدًا ورفع جسدها برفق وقد أرغمها على الإعتدال في رقدتها. 

_ مش هتاخدي غير دقيقة، أرفعي دراعك بقى وساعديني. 

تذمرت كالأطفال. 
_ "عزيز" سيبني أنام، أنا تعبانه بجد. 

تنهد هذه المرة بقوة. 
_ ولما تنامي وأنتِ كده تعبك هيروح،قومي يا "ليلى" ربنا يهديكي. 

نهضت بحنق جعله يرفع أحد حاجبيه بغرابة وقد تأكد أن هناك شيئًا يُشوِّش رأسها. 
_ أنا هلبس لوحدي.

تحركت عينيه ببطئ على ملامحها ثم هز رأسه رافضًا. 
_ لأ. 
انفلتت شهقة من شفتيها عِنْدَ اجتذبه للغطاء من عليها ثم رباط المئزر الذي صار مرتخيًا على كتفيها. 
باغتها برفعها بذراعه بخفة حتى تقف أمامه. 

_ مش عايز أسمع منك كلمة إعتراض. 

تركته يفعل ما يشاء لتخفض عينيها نحو يديه وهو يغلق لها أزرار منامتها. 

_ أنا آسفه يا "عزيز"، أنا مستعدة لو أنت ..

قاطعها بإشارة من يده، فازدردت لعابها وقد ظنته إنه غاضب منها.

_ "عزيز" أنت هتنام زعلان مني. 
تساءلت بصوت متحشرج، فمرر إبهامه على خدها.
 
_ وهنام زعلان ليه يا "ليلى". 

أسرعت بالرد وهي تخفض رأسها حتى تهرب عن نظرة عينيه. 
_ عشان يعني... 
ثم عضت على طرف شفتيها بحرج، فابتسم وهو يرفع وجهها إليه. 
_ بطلي إفتراضات من عقلك يا "ليلى" وخلينا ننام. 

اِرتجف جسدها بانتفاضة خفيفة فور أن ضمها إليه ثم وضع قبلة على رأسها. 

_ هنزل اعملك حاجه تشربيها واجبلك مسكن للصداع. 
كاد أن يتحرك من أمامها، فاسرعت باجتذاب ذراعه.
 
_ لأ خليك متنزلش، أنا كويسة. 

قطب جبينه وحتى تجعله يُصدق إنها بخير وتعتذر منه، بادرت في تقبيله. 
شعرت بالصدمة عندما أبعدها عنه برفق رافضًا هذا الأمر الذي ظنت إنه لا يفكر إلا به. 

_ "ليلى" خلينا ننام. 

وجدته يتحرك نحو الفراش ثم اسْتلْقى عليه، وقفت تنظر إليه وتَرَقْرَقَت الدموع في عينيها. 
شعرت بالاختناق واقتربت منه وهي ترفرف بأهدابها حتى تكبح دموعها. 

_ طيب أعمل إيه عشان متزعلش مني. 

_ يا "ليلى" ربنا يهديكي وتعالي نامي. 

اندست أسفل الغطاء بتلك المساحة الصغيرة من الفراش قُربه والتصقت به، فكبت صوت ضحكته. 

_ طيب وده نسمي إيه يا "ليلى".

لم يتوقع منها هذا الرد الذي قالته. 
_ حب يا "عزيز". 

تعالت وتيرة أنفاسه، فما السبيل أمامه إلا الغرق في حبها. 
ضمها إليه متنهدًا بعمق. 
_ وأنا عايز أغرق في حبك يا "ليلى"، أنتِ ملكتي حتى عقلي. 

جرعة من الحب كانت هي من تبدء بها، وقد صار التلميذ نجيبًا واكتسب دور المعلم بفطرته. 
وليلة بعد ليلة كانت خيوط اللعبة تُكبله هو وانفلت رجاء خافت من شفتيه لم تسمعه. 

_ أوعي تسبيني في يوم يا "ليلى". 

... 

القى "مراد" برأسه على الوسادة بعدما افلتت جسدها من بين ذراعيه ونهضت من جانبه. 

_ اتأخرت عليهم في البيت، مامي زمانها مش مبطله اتصالات عليا، قولتلها هكون في البيت على تسعة.
 
التقط علبة سجائره وقدَّاحته ثم رفع جسده قليلًا. 

_ قوليلهم خرجنا سهرنا شوية. 

أسرعت "أشرقت" بإرتداء ملابسها ونظرت إليه. 

_ المفروض مكناش جينا على الشقة هنا. 

واردفت بندم لا تشعر به إلا بعدما تنتهي علاقتهم بتلك الغرفة. 

_ الفرح خلاص قرب لازم نبطل مقابلتنا ديه يا "مراد". 
اِستنكر طلبها ونفث دخان سيجارته وتساءل بخبث. 

_ ليه نبطل مقابلتنا، اِعتبري إننا متجوزين يا "أشرقت" ولا أنتِ مش واثقة فيا. 

التقطت حذائها ثم رفعت رأسها إليه وتذكرت حديثه لها في ذلك اليوم. 

_ أنا لولا ثقتي فيك مكنتش رجعتلك يا "مراد"، أنا مش قادرة انسى كلامك ليا يومها. 

حدجها بنظرة خاوية قاتمة لم تنتبه عليها ثم ابتسم ونهض بذلك الوضع الذي عليه دون حرج. 

_ قلبك أسود يا حببتي كده ليه، ما أنا اعتذرت منك وقولتك إن دماغي كانت فيها مليون حاجة وحاسس بضغط جامد بسبب توتر علاقتي مع "عدنان" باشا. 

لَفَحَ بأنفاسه عنقها ثم طوقها بذراعيه.

_ تعرف يا "مراد" محدش بيعرف يغير ليا مزاجي غيرك، أنا كنت جاية مخنوقة أوي. 
ثم تساءلت وهي ترجع رأسها إلى الوراء واستندت على صدره. 
_ هو مكنش واضح عليا. 

غمغم بخفوت وكذِب وهو يُحرك يديه على ذراعيها. 

_ كان واضح يا حببتي وأنا محبتش أسألك وعشان كده جيبتك الشقة... قوليلي مين مزعلك. 

تجهمت ملامح "أشرقت" واستدارت إليه بعدما حررها من ذراعيه. 
_ هو في غيرها، "زينب" هانم.. 

«زينب »اسمها حينما يتردد أمامه ويخترق أذنيه... يتولد داخله شعور لا يعرف له وصف.
ابتعد عنها والتقط هو الأخر ملابسه حتى يرتديها. 

_ عملتلك إيه؟ 

أندفعت تخبره بحقدها نحوها، فتساءل. 

_ أنتِ عايزاها تطلق من جوزها. 

برقَتْ عيناها ووضعت يديها على كتفيه بأمل. 

_ نفسي أوي يا "مراد" أفرح فيها لما ترجع لجدو تاني بلقب مطلقة. 

ازدادت عيناه قتامة والتف إليه مُلقيًا سؤاله الذي بهتت معه ملامح وجهها. 

_ هو أنتِ بتاخدي حبوب منع الحمل. 

...
 
لقد صارت أغلى النساء في قلبه و عينيه ، قلبه لم يخفق بهذا الجنون من قبل نحو امرأة لكن هي غيرهن، بها شئ عجيب يأسره، شئ احتار فيه، ربما لمعة عينيها التي تتجلى فيها مشاعرها بوضوح دون تزيف، ربما تمردها الذي بات يشعره بأنه يقف أمام طفلة تحتاج لحضن والدها وليس صراخه عليه،
 أو ربما قوتها الهشة التي تجعله يود فتح لها ذراعيه فتركض إليه حتى يضمها إلى صدره ويُخبرها أن تتركه يتحمل عنها ولو قليلًا. 
 وآه وآه كان يتردد صداها بقوة داخل فؤاده المُلْتاع  بحرقة، إنه وضع القرار أمامها وعليها أن تختار هي بعدما يفلتها من بين يديه لعلها تلتف إليه قبل رحيلها. 

_ حاسه إن الملح زاد مني شوية صغيرين. 

أخرجه صوتها من شروده، فأرخى عقدة ساعديه أمام صدره واقترب منها. 

_ مش مشكلة لو الملح زاد شوية يا "زينب". 

رمقته بنظرة ثاقبة خطفت معها قلبه الذي ازدادت خفقاته بين أضلعه. 

_ لكن أنت مبتحبش الأكل مالح. 

قالتها ثم اشاحت عيناها سريعًا عنه، فما الذي تفوهت به وعلى ما يبدو أن اِمتنانها له اليوم سيجعلها تفعل أشياء عجيبة. 

ابتسم "صالح" والتقط منها ملعقة التقليب حتى يتذوق ما طهته له. 

_ خليني أدوق وأحكم الأول يا "زينب". 

حرك رأسه لها برضى جعلتها تترقب تعقيبه عن الطعم ورغم زيادة الملح بنسبة واضحة لا يُفضلها إلا إنه استمر بهز رأسه مؤكدًا. 

_ الملح مظبوط متقلقيش، تسلم أيدك.

ضاقت حدقتاها وتساءلت حتى يؤكد لها أن الطعام لا بأس به. 

_ متأكد. 

اتسعت ابتسامته وتذوق ملعقة أخرى ثم أخذ يتلذذ به. 

_ ومن أمتى أنا شخص مجامل يا "زينب"؟

رمقته هذه المرة بنظرة طويلة ثم تنهدت، فهتف بحماس وهو يلتقط المقلاة. 

_ مش قادر أصبر. 

تقابلت عيناهم، فالتمعت عيناه بإمتنان. 

_ شكرًا يا" زينب" أنا فعلا كنت جعان، تقدري تروحي ترتاحي وأنا أول ما أخلص أكل هنضف مكاني متقلقيش. 

لم ينتظر أن يرى ردة فعلها على ملامح وجهها واتجه نحو طاولة الطعام الصغيرة التي تتوسط المطبخ ووضع المقلاة عليها واسرع بإلتقاط ما يحتاجه مع وليمته البسيطة التي أعدتها له بعدما عرضت عليه أن تجهز له وجبة خفيفة إذا كان جائعًا. 

_ محتاج مني حاجة تانية. 

غَمَّس قطعة الخبز في المقلاة ودسها بين شفتيه ثم استدار برأسه إليها. 

_ ما تيجي تشاركيني الأكل ولا لسا عند رأيك إنك مش جعانة. 

ما به هذا الرجل اليوم، إنها ظنت ستجده بعد تلك الليلة التي تعرَّى فيها من حقيقة عائلته المخزية سيكون مثلما كان في بداية زواجهم، متجهم الوجه، يتحدث معها بكلمات مقتضبة ويمر بجانبها وكأنه لا يراها. 

_  طعم الأكله تجنن وهتفوتك، فكري بسرعة. 

_ بالهنا والشفا على قلبك. 

عاد يركز عينيه على ما يتناوله بنهم، فانشق ثغرها بابتسامة واسعة واخذت تُحدق به لبعض الوقت لتنتبه على وقفتها التي طالت وتحركت من أمامه وبصوت هادئ هتفت. 

_ تصبح على خير. 

تتبعها بعينيه ورد بنبرة رخيمة. 
_ وأنتِ من أهل الخير يا "زينب". 

زفرت "زينب" أنفاسها بقوة بعدما أغلقت باب غرفتها ورائها ووقفت تستند بظهرها إليه، إنها تعيش هذه الفترة حالة من الحيرة ولم تعد تعرف كيف تتخذ قرارًا. 

_ أنتِ عرضتي عليه إنك تحضري له العشاء يا "زوزو" لما سمعتي بيقول لـ "يزيد" إنه راجع تعبان وجعان. 

حادثت بهذا الكلام نفسها ثم أخذت تهز رأسها وهي تزمّ شفتيها. 

_ وكمان أنتِ حاولتي تشكري بالطريقة ديه بدل الكلام، ده غير لوح الشوكولاته اللي جبها ليكي مع "يزيد". 

وعندما أتى أمر لوح الشكولاته إلى رأسها، اِفتر ثغرها عن ابتسامة خفيفة واتجهت نحو الفراش لتلتقطه من عليه.
 
_ ده حتى عارف نوع الشوكولاته بتاعتي المفضلة. 

قلبت لوح الشوكولاته بين يديها، فأفعاله البسيطة أصبحت تلجم لسانها وتجعل عقلها يدور في حيرة وتساؤل. 

_ حتى لو كان مذنب زي ما قال يا "زوزو" هو برضوه ضحية ، وأنتِ اكتر حد عارف يعني إيه تدفع تمن مالكش ذنب فيه. 

وحتى تلهي نفسها عن أحزانها، فتحت مغلف الشوكولاته وأخذت تأكل منها حتى انتهت منها. 

بالساعة الثالثة صباحًا، نهض "صالح" من على الفراش بعدما شعر بعدم قدرته على النوم، فهو بحاجة لأرتشاف كوب من اللبن الرائب. 

غادر الغرفة متجهًا نحو الجزء الأخر من الشقة، فهم لم يقوموا بتجهيز المطبخ الآخر.
حاوط خصره بحزام المئزر الذي يرتديه على منامته واتجه نحو المطبخ. 
فتح البرَّاد ووقف يرتشف من عبوة الرائب بالكامل ثم أخذ يُحرك يده على معدته متنميًا أن تزول حموضتها.

_ ديه ضريبة الأكل من غير نظام.

وارتفعت زاوية شفتيه بسخرية على حاله.

_ هو أنت بقى عندك دلوقتي أي نظام، ربنا يسامحك يا "ماهر" دعوتك اتحققت وحفيدة سيادة اللواء بقت مخلياني ألف حوالين نفسي.

وبكلتا يديه دَلَكَ جبينه ثم زفر أنفاسه وتحرك مغادرًا المطبخ.
تيبس مكانه بوجوم واِنكمشت ملامحه عندما اتاه آنين خافت. 
دارت عينيه بفزع ليسرع نحو المكان الذي أتى منه الصوت. 
التقط أنفاسه أخيرًا وحدق بها، فوجدها غافية على الأريكة وتهذى في أحلامها. 

« بابا متمشيش وتسبني، خدني معاك.. مكنتش عايزه اقوله، تيته هاتي أيدك أنتِ، لا لا متمشوش» 

استطاع نفض رأسه من ذهوله وجثا على ركبتيه جوار الأريكة واخذ يهزها حتى تستيقظ. 
_ "زينب"، "زينب". 

« مش عايزة أفضل لوحدي، خدوني معاكم» 

كرر نداء اسمها بذعر. 
_ "زينب" فوقي أنتِ بتحلمي. 

انتفضت من غفوتها ونظرت حولها تبحث عنهم. 

_ بابا و تيته راحوا فين، كانوا هنا معايا... 

وأندفعت ناهضة من على الأريكة وأخذت تدور حول نفسها.

_ راحوا فين، راحوا فين... 

ألجم مظهرها لسانه ليبتلع لعابه وانتصب واقفًا بقلق. 

_ "زينب" أنتِ كنتي نايمة، محدش كان هنا. 

دفعته من أمامها تُحرك رأسها رافضة ما يُخبرها به. 

_ لأ كانوا هنا، أنا شوفتهم. 

اِهتز قلبه برجفة من رؤيتها هكذا وضمها إلى صدره رغمًا عنها. 

_ طيب اهدي واغمض عينك. 

_ قولهم يرجعوا ليا، وأنا مش هقول حاجة تاني، هقول إني مشوفتش حاجة. 

ارخى جفنيه وشدد من ضمها إليه وتركها تتحدث كما تشاء. 

_ بابا مات وهو فاكر إنهم عملوا فيا حاجه... 

بهتت وجهه فجأة ، ومثلما تعرَّى هو من حقيقته المخْزية أمامها ، كان عقلها هذه الليلة يتحرر من خَبَايَاه المستورة. 
خفف قبضتي يديه حولها لتبتعد عنه. 

_ ليلة فرحنا كنت مستنيه اقوله إنهم كذبوا عليه، بابا مات بسببي. 

_ "زينب" أنتِ بتقولي إيه؟ 

لم تكن تشعر بنفسها وهي تتحدث بهذيان، فحكاية سارة أَشْعَلَت داخلها تلك النيران الخامدة. 

_ أنت الوحيد تقدر تثبت لـ بابا إنهم كذبوا عليه. 

قطب حاجبيه وابتلع ريقه مرارًا حتى يستوعب ما يسمعه منها وفي لحظة كان كل شئ يتضح له بعدما خرج صوتها في توسل وبكاء، ليحدق في رباط مئزره الذي حررته هي. 

_ حررني من الذنب ده، خلي بابا يرتاح يمكن يوافق ياخدني معاه... 
❤️❤️❤️❤️




عندما ينكشف الستار بالكامل تتأكد أنك لست وحدك من تعيش حبيسًا للماضي، هناك من يخفي أسراره ببراعة حتى يسقط القناع وتتجلى الأوجاع بوضوح.
 
ارتعشت أهدابه ووقف عاجزًا مدهوشًا وهو يراها تتوسله أن يتم زواجهم حتى يرتاح والدها في مرقده. 

اطبق جفنيه بقوة عندما اقتحمت صورة "سارة" رأسه وهي تترجاه ليلتها باكية أن يبقيها جواره، فهي لا تُريد الذهاب إلى غرفتها. 

قبضت "زينب" بكلتا يديها على أطراف مئزره الذي صار مفتوحًا بعد حررت عقدة رباطه وأخذت تهزه
 و تردد ما أثقل أنفاسه و لسانه. 

_ محدش لمسني، أنا لسا بنت. 

فتح "صالح" عينيه وانْتفَضَ كالملسوع مبتعدًا عنها بعدما أدرك أن إذا طال هذا الوضع سيفقد زمام الأمور. 
استدار بجسده هربًا من رؤيتها بهذا الضعف ثم أخذ يزفر أنفاسه دفعات متتالية، فـ عليه أن يعود لثباته سريعًا ويخمد صدى ذلك الصوت الذي يدويَّ داخله. 

" فوق يا "صالح" ، وقف عقلك دلوقتي عن التفكير، خد دور الأب، هي محتاجه ده منك" 
همس حديثه لنفسه حتى يفيق من صدمته وببطئ التف إليها ليجدها تنظر إليه بنظرة جعلته يقطع تلك المسافة الصغيرة بينهم ويجتذبها إلى صدره مرددًا بصوت واهِن. 

_ آه يا "زينب" آه، قوليلي أعمل إيه عشان أمحي كل الوجع من قلبك وأخدلك حقك وأول حق أخده ليكي من نفسي، وجعتك زيهم، سامحيني يا حببتي. 

وأبعدها عن حضنه، فازدادت رجفة قلبه عندما وجد دموعها تفيض بسخاء على خديها.

_ بابا كان بيحبني أوي، هو مات وراحت كل حاجة حلوة معاه.. ضحكوا عليه. 

كالطفلة الصغيرة أخذت تخبره إنها كانت فتاة والدها المدللة ولم تُحرم من هذا الدلال إلا بعد وفاته.. وهل يحتاج هو لتخبره بهذا؟ 

_ بابا راجل محظوظ عشان عنده بنت زيك يا "زينب"، لو كان عايش كنت شكرته كل يوم عليكي. 

وأردف بنبرة أراد أن يتخلل فيها المرح حتى تتوقف عن البكاء وتبتسم. 
_ مين يكون في حياته "زوزو" وميحبهاش. 

لقد رأى توهج عينيها لِلتَّوّ رغم إشاحتها لوجهها وبصوت خرج أكثر لينًا تمتم وهو يمدَّ يده نحو خدها حتى تنظر إليه. 

_ ينفع أكون في حياتك بابا يا "زينب"، أنا سئ في العلاقات العاطفية لكن في دور الأبوة والموظف المثالي أنا ناجح جدا. 

قالها وهو يهتف داخل نفسه ساخرًا، فهل هي بوعيها حتى يتحدث معها بتلك الطريقة، لقد بات بالفعل يتحدث مؤخرًا بحماقة وسرعان ما كانت الصدمة ترتسم على ملامحه وتراجع إلى الوراء بعدما ارتمت بين ذراعيه ولولا إلتفاف ذراعيها حول خصره ما كان اِستفاق من حالة ذهوله سريعًا. 

تمالك نفسه وتحرك بها نحو الأريكة التي كانت تغفو عليها وجلس بها لترفع عيناها إليه ثم اغلقتهما بعدما انسحب عقلها من هواجسه. 
شعر بثقل رأسها على كتفه الذي تشنج وبخفوت تَساءَل. 
_ "زينب"، أنتِ نمتي؟ 

تمسحت بصدره وغمغمت بصوت خفيض لم يفهم منه شئ، فابتسم واستمر بتمرير يده على ظهرها بحنان مثلما يفعل مع "يزيد" حينما يستيقظ من نومه فزعًا. 

_ فكري في حاجة حلوة بتحبيها أو أكله نفسك تاكليها ولما نصحا قوليلي حلمتي بإيه. 

ومن إهتزاز رأسها على كتفه تأكد إنها تُنصت إليه، فالتمعت عينيه ببريق دافئ وواصل كلامه مبتسمًا وهو يشدَّ من ضمها إليه. 

_ "زوزو" بنوتة حلوه وبتسمع الكلام. 

ومع همساته الخافته ويده التي يُحركها على خصلات شعرها التي انفكت من عقدتها وانسابت على كتفيها وظهرها بالكامل ضاعت هي مع حُلم جميل هذه المرة. 
... 

فتح "عزيز" عينيه بصعوبة بعدما بدء رنين هاتفه يصدح بنغمة التنبيه، فتلملمت في حضنه ورفرفت بأهدابها لعلها تستطيع طرد ذلك النُعاس الذي يثقل جفنيها ويدفعها لإستكمال نومها. 

انشق ثغره بابتسامة واسعة، فالصباح معها أصبح مختلفًا بل حياته بأكملها صار بها شئ مميز، شئ تشرق معه روحه وتبتهج ملامحه. 
ضاقت حدقتاه بعدما وجدها تبتعد عن حضنه وتلتف بجسدها متشبثة بالغطاء وقد استسلمت للنوم. 

_ بعد المحاولات ديه كلها لفيتي ضهرك وشديتي الغطا عليكي وكملتي نوم. 
وأقترب منها محاوطًا خصرها بذراعه مغمغمًا بصوت أجش. 

_ لو مصحتيش يا "ليلى" هيضيع عليكي عرض ممكن ميتكررش تاني. 

فتحت عيناها فور أن تسلل صوته إليها وأخذ يُمرر أصبعه على أنفها وشئ واحد بدء يدور في رأسها، هل هذا العرض يخص عودتها للعمل؟

داعبت شفتيه ابتسامة خفيفة ثم وضع يده فجأة على أنفه متألمًا وانقلب على ظهره وانفجر بعدها ضاحكًا. 
_ هي صباح الخير بتاعتك عنيفة كده يا حببتي. 

اتسعت عيناها فزعًا وأسرعت بالإعتدال من رقدتها 
ثم اندفعت صوبه دون أن تنتظر رده والتقطت يده تزيحها عن أنفه حتى تتمكن من فحصها بتروي. 

_  بتوجعك أوي. 

والـ آه التي اِنفلتت من شفتيه لا يعرف هل خرجت ألمًا أم إنها آه مُلتاع يحترق عشقًا لم يبصره من قبل.
 
_ أسفة يا حبيبي، معلش مأخدتش بالي.. أنت أول ما قولتلي أصحي عشان العرض مش هيتكرر تاني اتحمست وقولت "عزيز" أكيد هيقولي أنزل معاه الشغل. 

انكمش وجهه فجأة متسائلًا بنبرة بهتت معها ملامحها. 

_ شغل إيه يا "ليلى". 

ابتلعت ريقها ونظرت إليه. 

_ أنا عايزه أرجع الشغل يا "عزيز"، زهقت من قاعدت البيت. 

عندما لم تجد اِستحسانًا على ملامحه أسرعت بتوضيح الأمر. 

_ مش لازم أشتغل عندك يا "عزيز"، أنا عارفه إنه مبقاش ينفع.. هنزل أدور على شغل وإن شاء الله هلاقي فرصه أنا بقى عندي خبره بعد شغلي... 

وجدته ينفض الغطاء من عليه وينهض من على الفراش، فتوقفت عن الكلام. 

_ أنتِ مش محتاجه الشغل يا "ليلى" عشان تنزلي تدوري على فرصة شغل ، وياريت تجهزي بسرعة لأننا مسافرين بورسعيد. 

وتحرك نحو الحمام ثم اِستدار برأسه إليها قبل أن يدلف، فوجدها مازالت تجلس على ركبتيها وتحدق بالفراغ. 

_ "ليلى" يا حببتي معندناش وقت، أنا رايح بورسعيد لشغل وقولت أخدك معايا تشمي شوية هوا ومتقلقيش هفسحك فسحة حلوة وممكن نبات ليلة هناك. 

تحركت برأسها جهته ، فابتسم وعاد إليها يقتطف من ثغرها قبلة سريعة. 
_ صباح الخير يا "لولو"، قومي يلا وبلاش تفكري كتير يا حببتي. 
...
 
حك "يزيد" فروة رأسه وهو يتثاءب ثم غادر غرفته واتجه نحو غرفة "زينب". 
_ "زوزو" افتحي الباب، "يزيد" هيتأخر على باص المدرسة. 

وبقبضة يده طرق باب الغرفة لمرات، فتألمت يده وصاح بصوت ضعيف. 
_ "زوزو" أيدي وجعتني،أنتِ مش بتردي على "يزيد" ليه. 
ثم زمَّ شفتيه عندما لم يجد ردًا منها وبصوت خائف تساءَل. 
_ "زوزو" هو يزيد ممكن يفتح الباب.

مدَّ يده حتى يفتح الباب ظنًا منه إنها مازالت نائمة ولم تسمعه. 
جالت عيناه في الغرفة بخوف ليخرج صوته ببكاء. 
_ "زوزو" أنتِ روحتي فين؟

بحث عنها في أرجاء الجزء المخصص لهم لتنهمر الدموع كالشلال على خديه وأسرع نحو غرفة والده. 
_ بابي، بابي...
انتفض "صالح" من نومه على صوت صراخ صغيره دون قدرة على رفع جسده بالكامل لينظر نحو "زينب" التي بدأت بالفعل تفيق من نومها. 

حملقت بصدره الذي تضع رأسها عليه وقبل أن تستعيد وعيها بالكامل وتتذكر ما حدث ليلًا وجدت "يزيد" يفتح باب الغرفة دون طرقه. 
توقف عن البكاء فور أن وقعت عيناه عليهم واندفع إليهم وعاد لبكائه. 

_ "يزيد" كان خايف وبيعيط. 
قالها بصياح والقى بجسده عليهم، فعرقلت قفزته تلك الانتفاضة التي أصابتهم بعدما نظر كل منهم نحو الآخر. 

_ "يزيد" زعلان منك يا زوزو عشان صحي من النوم لوحده وفضل يدور عليكي 
ثم نظر نحو والده. 

_ أنت وحش يا بابي عشان خليت "زوزو" تنام جانبك لكن "يزيد" لأ. 

بنظرة خاطفة تقابلت عيناهم ليواصل الصغير حديثه. 
_ هي "زوزو" نامت جانبك إزاي يا بابي. 

وسرعان ما كان يضع الصغير يده على شفتيه مبتسمًا. 

_ شكل "زوزو" بتخاف من العفريت يا بابي وأنت أخدتها في حضنك زي ما بتعمل معايا عشان مخافش. 

أخترق حديث الصغير أذنيها ونظرت نحو "صالح" وقد أشاح وجهه عنها وانتفض هذه المرة من على الفراش قائلًا وهو يتحرك نحو الحمام هربًا من نظرتها إليه:

_ على فكرة معندناش وقت، "زينب" ميعاد المدرسة خلاص وشكلنا مش هنلحق الباص. 

لتجحظ عيناها وتلطم جبينها مع خروج شهقة قوية من شفتيها. 
_ المدرسة، الباص.." يزيد" قوم بسرعة... عندك امتحان النهاردة. 

ولم يشعر بنفسه إلا وهو يقهقه عاليًا عندما رأها تتعثر بالنهوض وتجر "يزيد" ورائها. 
لطم كفيه ببعضهما واستمر بالضحك. 

_ الحمدلله لسا مستوعبتش وجودها في أوضتي حصل إزاي. 

...
 
نظر "عزيز" إليها بعدما أرتدت كامل ثيابها، حاوطها بذراعيه متنعمًا برائحتها قليلًا. 

_ هسبقك على تحت يا حببتي. 

غادر الغرفة ،فتنهدت بفتور ..فهو رفض فكرة عودتها إلى العمل دون أن يتركها لتناقشه وكأن الأمر محسوم لديه. 

_ هو مكنش رافض شغلي قبل ما نتجوز وكان بيشجعني، معقول يكون رافض إني اشتغل عشان مظهره قدام الناس..

وبنظرة حائرة حدقت بصورتها المنعكسة في المرآة. 
_ أنا لازم أتكلم معاه تاني وأقنعه بوجهة نظري.
 
وأفلتت تنهيدة طويلة من شفتيها ثم أخذت نفسًا عميقًا وابتسمت. 

_ الزوجة الشاطرة يا "ليلى" تنسى زعلها وتستغل قربها من جوزها طول ما هو بيحاول يفرحها وبيفكر فيها ، ودلوقتي ننسى الزعل ونبتسم. 

هبطت الدرج بتلك الابتسامة التي رسمتها من أجله لتتجه عينين "عزيز" عليها عندما أستمع لصوت خطواتها ثم ربت على كتف "سيف". 

_ إحتمال نقضي الليلة في بورسعيد وإحتمال نرجع  بـ الليل على حسب الظروف والوقت. 

بصعوبة ابتسم "سيف"، فاقتربت "ليلى" منهم. 

_ صباح الخير، أنا جهزت يا "عزيز". 
اخفض"سيف" عيناه حتى لا يرى عمه ملامحه التي تتحول  كلما أستمع لصوتها. 

_ صباح الخير يا حببتي. 

تمتم بها "عزيز" والتقط يدها وضمها إلى صدره ونظر نحو "سيف". 

_ محتاجك النهاردة تروح معرض مدينة نصر وياريت تروح مصنعنا الجديد لو فاضي طبعًا لـ عمك يا بشمهندس. 

حاول" سيف" إخراج صوته بثبات وتمتم بعدما رفع رأسه ونظر إليه. 

_ حاضر، تروح وترجع بالسلامة.

كاد أن يتحرك "عزيز"، فخرج العم "سعيد" من المطبخ مهرولًا وأتجه إليهم وهو يحمل عُلبة بها شطائر. 

_ مينفعش تسافروا من غير فطار. 

ابتسمت "ليلى" عندما دفع العُلبة إليها، فضحك
"عزيز". 

_ ده على أساس يا راجل يا طيب مافيش مطاعم على الطريق نفطر فيها.

_ لأ أكل الشارع مش مضمون وكمان أخاف على "ليلى" يمكن يكون في حاجة جايه على الطريق. 

ضاقت حدقتيّ "ليلى" ومثلها نظر "سيف" إلى العم "سعيد" بدهشة من حديثه المُبهم، فداعبت شفتي "عزيز" ابتسامة عريضة. 

_ كويس إنك لفت نظري يا راجل يا عجوز. 

برقت عينين العم "سعيد" بأمل ونظر نحو "ليلى" التي اخذت تنظر إليهم. 

_ وكمان سوق براحه، أنا لولا إنها ممكن تزعل مني كنت قولتلك متاخدهاش معاك... 

دارت عينين "ليلى" بينهم، فهي لا تفهم شئ من حديثهم.

_ أنا مش فاهمه حاجة. 

تعالت ضحكاتهم وتجهمت ملامح "سيف".

_ خلينا نتحرك يا حببتي لأن لازم أكون في بورسعيد قبل الساعه تسعة. 

تحرك العم "سعيد" ورائهم، فوقف "سيف" محدقًا بهم وقد فهم أخيرًا ما يرمي إليه العم" سعيد" . 

_ معقول تكون حامل بالسرعة ديه. 
....
 
وضعت "زينب" يدها على قلبها ثم التقطت أنفاسها بعدما أنغلقت بوابة المدرسة بعد دخول "يزيد" مُمسكًا بيد إحدى المعلمات. 

_ الحمدلله وصلنا في الوقت بالظبط. 

خلل" صالح" أصابع يده في خصلات شعره الناعمة والتقط أنفاسه هو الآخر وجذب قَّبَّة القميص الذي يرتديه. 

_ تعرفي ده أكتر قميص عندي بكره ألبسه، "ماهر" جبهولي في عيد ميلادي وطبعًا الهدية مكنتش من إختياره كانت من إختيار "شروق" هانم.
 
قطبت زينب جبينها وامعنت النظر إلى القميص ذات أحد الألوان الصارخة. 

_ ماله القميص، لونه حلو وشبابي. 

رمقها صالح ثم التوت شفتيه بإستنكار. 

_ بحب الألوان الرسمية أكتر. 

ردت وهي تلوي شفتيها مثله. 

_ قصدك بتحب الألوان الكئيبة. 

بنبرة صوت مستاءة أجابها. 

_ كئيبة، يعني ديه وجهة نظرك في قمصاني العزيزة. 

وأردف سريعًا بعدما وجد الفرصة التي سيلهي بها عقلها عن أسئلتها عما حدث بالأمس بينهم. 

_ طيب إيه رأيك أعزمك على الفطار وبعدين نعمل حملة شوبينج بما إني أخدت اليوم أجازة وأنتِ معندكيش محاضرات النهاردة في المعهد. 

لم يعطيها فرصة حتى يسمع ردها وباغتها بإلتقاط يدها وجرها ورائه قائلًا:

_ هو إحنا لسا هنفكر يا "زوزو". 

... 

نظرت "سمية" نحو هاتفها الذي صدح بالرنين، فضاقت حدقتاها وأجابت بمرح. 

_ حبيبي صباح الخير، بتقولي إيه مش هتيجي الإجتماع إزاي، "سيف" شغلنا مفيهوش هزار ووجودك بقى مهم في الشركة. 

اِبتلعت بقية كلامها عندما اِستمعت لحديثه مع أحد العاملين بمعرض "عزيز" لتتساءل بعدما عقدت حاجبيها. 

_ أنت في المعرض مع "عزيز". 

دلف "سيف" غرفة عمه بالمعرض متنهدًا. 

_ عمي سافر بورسعيد ومحتاجني أكون مكانه النهاردة. 

ابتسمت "سمية" ومررت أصابعها على شفتيها بعدما وضعت أحمر الشفاه. 

_ مافيش مشكلة يا حبيبي ما أنت لازم تكون مع عمك ، في النهاية ده مالك برضوه و"عزيز" بيعمل كده عشان تفهم الشغل. 

ارتمى "سيف" بجسده على مقعد عمه وبضجر هتف.
 
_ مضطر اقفل، أنا قولت أبلغك بعدم وجودي في إجتماع النهاردة. 

شعرت "سمية" بوجود شئ يزعجه وقد ظنت أن ضيقه بسبب موافقة "بيسان" على تلك الخُطبة التي دفعتها هي إليها بعدما اقنعتها أنها بذلك تُحرك "سيف" نحوها وحتى تتأكد من حبه لها. 

_ مالك يا "سيف"، شكلك مضايق.. أبني وأنا عارفاك. 

أبنها وتعرفه!! ترددت عبارتها التي جعلته يَوَدّ أن يضحك بعلو صوته و رد ساخرًا. 

_ أبنك وتعرفيني، هحاول أصدقك يا "سمية" هانم. 

حدجت "سمية" بالطريق وهي تقود سيارتها بوجه عابس. 

_ هفضل طول عمري وحشه في نظرك أنت وأختك مهما عملت عشانكم لكن عمكم مهما عمل فهو جميل. 

ارخى "سيف" جفنيه ، فقد أتت من أخذت منهم عمهم. 

_ حتى هو بقى بيضيع مننا وجات هي ضحكت عليه وأخدته مننا. 

انتبهت "سمية" على حديثه، بالتأكيد يقصد تلك الدخيلة التي تزوجها. 

_ حصل إيه لكل ده، أوعى تقولي إنها بقت حامل بالسرعة ديه. 

بغموض أجابها، فجعلها تستشيط غضبًا. 

_ ممكن. 

_ ممكن إيه يا "سيف"، هي الحاجات ديه فيها ممكن.. 

بوجه محتقن توقفت بسيارتها على جانب الطريق بعد أن فقدت قدرتها على مواصلة القيادة وتساءلت بصوت متعلثم. 

_ قولتلك أسمع كلامي و أرسم عليها دور اللطف، ساعتها هيظهر معدنها وعمك هيعرف إنها خاينة وزي ما سلمت له نفسها قبل الجواز ممكن تسلم نفسها لأي راجل يعجبها. 

واستمرت بالتحدث نحو الطريقة التي يستطيع فيها كشف حقيقتها. 

_ كفاية، كفاية... عايزاني ألعب على مرات عمي... أنتِ بتقولي إيه. 

توقَّد الشر داخل مقلتيها وبصوت طغى عليه الحقد هتفت.
 
_ لعبك عليها مش خيانة، عمك ساعتها هيشكرك.. البنت ديه طماعه، "عزيز" اتجوزها خوفًا من الفضيحة على سمعته و سمعتها غير إنك عارف طبع "عزيز" ، راجل متدين أكيد حس بالذنب يومها.. 

ولأنها تعرف كيف ترمي خيوط لعبتها تمالكت حقدها وواصلت كلامها بتلاعب. 

_ خلاصك من وجودها مش هيجي غير كده وأنت عليك الإختيار. 

... 

توقف "مراد" عن إلقاء الأوامر لأحد العاملين في معرضه الخاص بالسيارات وسار بحُبُور نحو أخر شخص يتوقع مجيئه إليه. 

_ دكتور "مازن" أخيرًا افتكر صاحبه وقرر يجي يهني على معرضه الجديد. 

احتضنه "مازن" بأسف على تقصيره في صداقتهم، فـ بسبب تباعده ابتعد "مراد" عنه. 

_ غصب عني يا "مراد"، أنت عارف إني ديمًا مسافر.

أشار "مراد" إليه بالتحرك نحو غرفة مكتبه بالأعلى. 

_ يا بني عمرك كله هتقضي في المؤتمرات الطبية، مش ناوي بقى تتجوز. 

قالها "مراد" بمزاح، فتنهد" مازن" ثم أشاح وجهه عنه. 

_ لأ سكوتك ده وراه أكيد ست دخلت حياتك يا دكتور. 

جلس" مراد" على المقعد المقابل له ونظر إليه بنظرة متفرسة. 

_ إيه يا دكتور شكلك محتاج مساعدتي، ما دام سكت كده. 

اخفض "مازن" عيناه ، فهو بالفعل أتى إليه حتى يجد لديه تفسيرًا نحو مشاعره المضطربه، فـ "مراد" أكثر أصدقائه فهمًا لتلك الأمور لكثرة علاقاته. 

_ مش عارف يا" مراد"، بجد مش عارف، هل أنا بدأت أعجب بيها ولا أنا بقرب منها لهدف كنت عايزه منها قبل كده واستحقرت نفسي بسببه. 

وبصوت مهزوزًا وضعيف أستطرد. 
_ صاحبك وصل بي إنه يحب ست متجوزة يا  "مراد". 

تعليقات



×