رواية صرخات انثي الفصل السابع و السبعون77 بقلم آيه محمد رفعت

رواية صرخات انثي الفصل السابع و السبعون بقلم آيه محمد رفعت



ها هو يجلس جوارها على المقعد عاجزًا عن فعل أي شيء لها، يتمسك بأمله العظيم بالنجاة، القرآن الكريم، يرتل الآيات بخشوعٍ ودموع تلألأت بعينيه، حتى انتهى من قراءة جزئين من المصحف الشريف دون كلل، حاول بكلماته الطيبة أن يبدد تفكيره السييء الذي أقحمه الشيطان بعقله، فزرع نور الإيمان داخله وكسر عقل الطبيب المهني عنه. 

كطبيب يعلم أن نسبة نجاة الجنين لا تتعدى العشرون بالمئة بعد ما تعرضت له من نزيف حاد، وكرجلٍ مؤمنًا يعلم أن لا محال أمام إرداة الله عز وجل. 

استند يوسف على ظهر المقعد وهو يضم مصحفه إليه، بينما لسانه يردد بايمانٍ: 
_اللهم إجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء همي، وذهاب حزني، وأرزقني تلاوته بالوجه الذي يرضيك عني، وإجعله نورًا في قبري، ومؤنسًا في وحدتي وإنكساري، ونورًا  لي على الصراط، وشفيعًا لي يوم القيامه، لا علي يا أرحم الراحمين . 

وضعه يوسف جواره على الكومود، ثم أخذ يراقب زوجته الغافلة باستسلام، فانتبه لها وهي ترفرف بأجفانها، تجاهد لفتح عينيها الثقيلة، نهض يسرع لها، يميل فوق رأسها، يبعد خصلاتها عن وجهها الشاحب، يناديها بلهفةٍ: 
_ليلى!  

برزت الصورة أمامها وبدت أكثر وضوحًا، تمعنت بعينيه المتورمة من البكاء، فنادته تستجديه بما مرت به: 
_يوسف! 

رفع أصابعها المحقونة بالكانيولا، يقبلها بحبٍ وهو يهمس: 
_خلعتي قلب يوسف عليكي يا ليلى، إنتِ كويسة؟  لسه حاسة بأي وجع؟ 

هزت رأسها بالنفي، وطالعته بريبة وهي تستجمع قوتها لتلقي سؤالها التالي، ابتلعت ريقها الهادر ورددت بخوف: 
_البيبي؟ 

علم مغزى سؤالها المختصر، فقبض على كفها الرقيق وقال: 
_لو وجوده خير لينا ربنا مش هيأخده مننا، لو آ.. 
قطعته بدموعها السائلة: 
_عايش ولا ميت يا يوسف؟ 

قطع حديثه وأجابها حزينًا: 
_معرفش، والمفروض إني أكشف عليكي دلوقتي عشان أحدد هتدخلي عمليات تاني ولا لأ. 

تزاحمت الدموع بمقلتيها، وصرخت بقهر: 
_تقصد إن لو مكنش في نبض هتعملي اجهاض!! 
تساقطت دمعة عن عينه، أزاحها وقال برعشةٍ أصابت قلبها لرؤيته يبكي رغم جموده وصلابته التامة:
_ده قضاء ربنا ومنقدرش نعترض عليه يا ليلى، أنا محطوط في وضع صعب، ولو لقدر الله طلع كلامي الاخير اللي صح مش هقبل أسييك لحد من المركز يعملك العملية دي وأنا موجود، مش لإني أكفئ واحد هنا لإني هموت بره على الباب لو سبتك تدخلي من غيري. 

ومال على كتفها يترك دمعاته تبلل وسادتها، بينما يردد بصوته المحتقن: 
_طول عمرك مؤمنة وراضية بقضاء الله، متفقديش إيمانك في اللحظة دي، عشان خاطري خليكِ صبورة ومؤمنة يا حبيبتي. 

احتبست أي قهر داخلها، ورددت بندمٍ: 
_أنا آسفة يا يوسف، مقدرتش أحافظ على الطفل اللي كنت بتتمناه، كنت مهملة وآ. 

منعها من استكمال حديثها حينما ضم شفتيها بكفه، وقال يجدد إيمانها: 
_كل شيء مكتوب يا ليلى. 

هزت رأسها بإيمان استحضره يوسف في قلبها بنجاحٍ، سحبت ليلى نفسًا طويلًا، وقالت بكل عزم:
_إنهي التوتر ده وخدني أوضة الكشف. 

تصلبت أوردته كأنها تخبره بأن يلقيها من الطابق الاخير، فاذا بيده تضم كتفها بقوةٍ، مستبعدًا أن يخوض تلك اللحظة، التي لطالما كانت جزء من يومه المهني، ولأول مرة يشعر بألم المرأة التي تنتظر اجابته ببقاء جنينها أو بفقدانه نبض الحياة، وليكن صادقًا يخوض الآن شعور المرآة والرجل معًا. 

سحبت كفها من يده ورفعته ليده الاخرى المتشبثة بكفها، تربت عليها بقوةٍ لا تعلم من أين استحضرتها: 
_وديني يا يوسف من فضلك. 

رد عليها بصوته الشاحب: 
_خلينا لبكره الصبح. 
رفضت اقتراحه وسحبت حجابها المنسدل جوارها على زواية الفراش ترتديه: 
_لا دلوقتي. 
وتابعت بحزمٍ تذكره بكنايته: 
_من فضلك يا دكتور! 

استقام يجلس وهو يطالعها بتوترٍ، فانساق كالتائه يجر مقعد متحرك من الخارج، حملها بكل خفة إليه، ودفعها بخطواتٍ متهدجة لغرفته، كم ود أن تطول به المسافة حتى لا يصل لها، ولكن لكل شيء نهاية وانتهى به بسحبه باب الغرفة. 

وضعها على الفراش وجلس أمام الاجهزة التي برع باستخدامها على الدوام، ولكنه اليوم يتطلع لها بريبةٍ كأنه فقد ماهية استخدامها. 

نادته ليلى وهي تحبس كل ارتباك داخل جوفها: 
_يلا يا يوسف. 
فاق من شروده وأومأ لها، سحب الجل الطبي يضعه عليها وهو يدعو داخله أن يلهمه الله الصبر والقوة، وأن يمر ابتلائهما، وضع الجهاز عليها، ودقق النظر بالشاشة من أمامه، تساقطت دموعه تدريجيًا، مما أكد شكوك ليلى، وكلما حرك الجهاز على بطنها الشبه منتفخ كان يزداد قلقها وتوترها، ومع ذلك لم تجرأ على سؤاله حتى يصب جُم تفكيره على الجهاز. 

مرت خمسة عشر دقيقة، كانت الأطول عليها على مر حياتها، انتظرته يتحدث، حتى وإن صدمها بخبر مؤسف، ولكنه كان صامتٍ بشكلٍ أوصل لها الاجابة دون الحاجه لسؤاله، دموعه وبصره الذي لا يحيل عن الشاشة يشتتها. 

استجمعت ليلى شجاعتها مرة أخرى وسألته برعبٍ: 
_يوسف؟ 

صوتها فصله عن التحديق عن شاشته، فنقل بصره لها ثم عاد يتطلع قبالته، يرفع صوت نبض الجنين الذي أحيا نبض قلبها كليًا إليه، وخاصة مع نطقه الحماسي:
_موجودة وزي الفل، وشكلها هتطلع عنيدة ودماغها ناشف زي أمها! 

مالت برأسها للخلف تسترخي بمنامتها كليًا ودموع فرحتها تنهمر دون توقف، تلقت الآن خبر حملها بأنثى، مع فرحة بقائها على قيد الحياة، ولسانها لا يتوقف عن نطقه التلقائي: 
_اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظمة سلطانك! 

ابتسم وقال بإيمان: 
_ مهما طالت خبرتنا بالمجال بتيجي حالات تفاجئنا وتزيد من إيمانا بربنا عز وجل،وبتفضل مقولة متنقلة على لسان الاطباء عن الحالة المستحيلة اللي ربنا من عليها، فالظاهر،إننا هيكون لينا حديث مشابه عن كرم ربنا ولطفه معانا ومع نجاة بنت دكتور يوسف دكتور النسا والتوليد! 

توقفت عن البكاء وسطوع الاسم المختار يبرق أمامها، فاستطعم لسانها مذاق الاسم بفرحة:
_نجاة!

أومأ برأسه لها،فاستطردت بسعادة:
_إسم جميل.
وبمزح قالت:
_وأكيد مش هراجعك فيه يا دكتور.

ضحك وهو ينحني ليحملها  : 
_إنتِ لو دماغك العنيد ده يلين وتبطلي تراجعيني في حاجات كتيرة كان زمان عندنا نص دستة عيال يا قلب الدكتور! 

وتابع وهو يمضي بها للخارج مستبعدًا المقعد المتحرك، كأنما حصل على طاقة نشاط أهلته لحملها الآن:
_هرجعك أوضتك الممرضة مستنياكِ بالأكل والهدوم، تأكلي وتأخدي أدويتك وتغيري وترتاحي، أنا قافل موبيلي ومدبس جمال تدبيسة زمانه بيدعي عليا بسببها. 

أحاطت رقبته خشية سقوطها، وسألته باسترابة:
_تدبيسة أيه؟ 

وضعها على الفراش، وقال وهو ينصب عوده: 
_سيف ودي تدبيسة سودة!  
وتابع وهو يشير للممرضة بالاقتراب:
_أكلك وأدويتك وهرجع أحكيلك كل حاجة، بس أكلمه الأول. 

أومأت برأسها بتفهمٍ، فعادر يسحب بابها من خلفه، يعود للمكتب مجددًا، يستخدم هاتفه الملقي باحد أدراجه، فتفاجئ بستون مكالمة من جمال، وخمسة مكالمات من عمران، ينتهي بها تسجيل صوتي خشى فتحه فوضع سماعته وهو يستعد لسماع لسانه السليط، وقد صدق حدسه حينما استمع لعصبيته البالغة
«أنا عايز أعرف إنت شايل أمه ليه وإنت قافله القافلة السودة دي، ده أنت جوه العمليات وبتخلي الممرضة ترد بدالك، افتح الزفت ده وطمني، جمال قالي على اللي حصل مع سيف ومع دكتورة ليلى، طمني الامور تمام ولا أيه، متقلقش على سيف جمال عينه عليه،أنا حجزت على طيارة لندن، بكره هكون عندك،  آيوب هيركب الساعه 11 وأنا طيارتي بعده بساعتين، ومتقولش لجمال حاجه عشان هيركب قبل مني، ولما أوصلك يا يوسف هعرفك إزاي تطنش مكالماتي وإنت بالظروف دي،وإزاي أصلًا تخبي عني اللي مريت  بيه ده كله، عمومًا الحساب يجمع، ولكل حساب رصيد، يا ويلك من وقت النفاذ!! » 
                              *****
توقف بالسيارة أسفل المبنى القابع به مسكن الايجار، يجاوره بالمقعد الأمامي "جمال" ، الذي إستعد للهبوط وهو يشير له بحزمٍ: 
_يلا يا بشمهندس إركن وإطلع. 

أعرب "سيف" عن استياءه بكلماتٍ ساخرة: 
_أصريت تيجي توصلني وأنا اللي معايا عربية، طيب قولي إنت هتروح ازاي؟ 

أخبره بابتسامةٍ صغيرة وهو يستعد للهبوط: 
_متشغلش بالك بيا، هوقف تاكسي أو هأخد أي مواصلة. 
رد عليه بدهشةٍ: 
_طيب وليه كل ده، ما أنا معايا عربيتي، هوصلك وأرجع! 

شدد على كلماته بحزمٍ غير قابل للنقاش: 
_سيف أنا مسؤول عنك مسؤولية كاملة قدام يوسف، مكنتش أتمنى أسيبه بالظروف دي، بس انجبرت لما طلب مني أكون جنبك ومعاك، يوسف مش مطمن عليك ولولا اللي حصل لمدام ليلى كان هو اللي هيكون بدالي معاك هنا، فأرجوك اتصرف بعقل ومتحطنيش في موقف محرج معاه، من فضلك! 

ضم أعلى أنفه بيده، وردد بيأس من محاولة اقناعه: 
_حاضر يا بشمهندس، هركن وأطلع. 

منحه جمال ابتسامة صغيرة، وقال قبل أن يتجه للرصيف: 
_لو حبيت تخرج في أي مكان اتصل بيا وعرفني، يلا تصبح على خير يا سيڤوو. 
ابتسم رغمًا عنه، ورد عليه بلطفٍ: 
_وإنت من أهله إن شاء الله. 

صف سيف سيارته وصعد للاعلى، بينما صعد جمال لإحدى سيارات الأجرة، يعبث بهاتفه باحثًا عن رقم رفيقه يحاول الاتصال به لمرته الحادية والستون، وما أن وجده يجيب  حتى صاح بلهفةٍ: 
_طمني يا يوسف؟

تغاضى عن سؤاله وقال بقلقٍ: 
_سيف يا جمال! 
هدر بعنفٍ: 
_طمني الأول، أنا من ساعة ما وصلت وبرنلك موبيلك مقفول! 

أفصح يطمئنه: 
_الحمد لله ربنا غمرنا بكرمه ولطفه، وعدت مرحلة الخطر. 
عادت أنفاسه بصورتها الطبيعية، وهمس بصوتٍ خافت: 
_الحمد لله. 
ثم رفع صوته إليه: 
_ربنا يكملها بالستر والبرنس اللي حيرنا ده يشرفنا على خير. 
ضحك وهو يصحح له: 
_لا برنسيسة وهسميها نجاة! 

هتف فرحًا: 
_ما شاء الله تنور على الكامل وعريسها موجود. 
ابتسم وقال بسرور: 
_وأنا موافق من دلوقتي، المهم طمني على سيف، وعُمران اتصالحتوا!! 

أجابه باستفاضة لتفهمه سبب قلقه المرتاب: 
_متقلقش إديته مفتاح شقتك المفروشة، وإنت عارف إن محدش يعرف عنها حاجه فهو بأمان، مفرقتوش من لما نزلنا من الطيارة، حتى أخدته معايا عند عمران وآيوب رغم إنه كان رافض، ولسه طالع الشقة من شوية. 

تنهيدة عميقة وصلت إليه، وصدى صوته الهامس: 
_الحمدلله. 
واستطرد ينبهه برجاء: 
_أنا أصريت عليك تنزل معاه عشان تخلي عنيك عليه يا جمال، يمان ده مخيف ومش سهل، الله أعلم قصته انتهت ولا لسه!  عشان خاطري يا جمال متسبهوش. 
أكد له بحب: 
_أمانتك في رقبتي يا صاحبي، متشلش هم حاجة، كفايا التوتر اللي إنت عايش فيه، ربنا يطمن قلبك يارب. 
=اللهم آمين، ها بقى طمني اللي بينكم اتحل إنت وعمران ولا مستنين نزولي؟ 
قال وهو يتحسس آثار اللكمة: 
_هو إتحل الحمدلله بس مقابلته مكنتش ولابد أوي يعني. 
تساءل بقلقٍ: 
_ازاي؟
أخبره من بين ضحكاته: 
_قابلني ببوكس معتبر، وكل ده عشان إتاخرت بسفري مع إنه مديني الرخصة وقالي متنزلش من غير مراتك وابنك. 
سعل يوسف بشدةٍ، ولفظ برعب: 
_ده لسه مهددني من شوية عشان كنت قافل موبيلي! 
=رن عليك كام رنه؟ 
_وخمسة وفنشها بريكورد من ساعة ما سمعته وأنا مرتبك وحالتي مش ولابد! 
=رنله بسرعة قبل ما تلاقيه الصبح في وشك! 
انفجر يوسف ضاحكًا، وقال: 
_قالي كده فعلًا. 
صاح جمال بعصبية بالغة: 
_نعم، هو أنا جايله عشان يسافر!!  اتصل وراضي غروره باعتذار يلخص الحكاية بدل ما وشك يبقى خريطة ومنبع الحكايات كلها. 
سيطر على ضحكاته بصعوبة، وقال متصنعًا الجدية: 
_طيب أنت متعصب ليه يا جمال!! 
هدر منفعلًا غير مباليًا بالسائق المنزعج من حديثه المستمر منذ صعوده للسيارة:
_ أنا مصدقت دماغه لانت، ورجع يتقبل وجودي، يقوم يسافر لندن تاني!!  أنا مصدقت اتجمعنا وإنت أول ما تطمن على الدكتورة ليلى حصلنا، لان بصراحه وجودك هناك مبقلوش لازمة. 
=إنت شايف كده يعني!! 
_أيوه شايف الصح وببلغك بيه، كفايا غربة بقى يا يوسف، كفايا!! 
=تمام أنا هعمل كل اللي تقوله الا حاجة واحدة. 
_اللي هي؟! 
=إني أكلمه، ده ما هيصدق أرنله هيهزقني يا جمال وأنا نفسيًا غير قابل للتهزيق!

انخرط بنوبة من الضحك، وفاه بشماتةٍ: 
_تستاهل بصراحه عشان تقفل موبايلك أوي. 
اقترح بمكرٍ شيطاني: 
_طيب ما تخليك جدع وتكلمه إنت وتقوله إني كلمتك وطمنتك؟ 
تلاشت ضحكاته وصاح متقمصًا دور المتذمر: 
_يا أخي خلي عندك دم، بقولك قابلني ببوكس خلع وشي، ومصدقت الدنيا تصفى بينا، عايزه يعمل فيا أيه تاني يا دكتور الحالات المتعسرة!!! 

= خلاص يا عبحليم، اتنيل على جنب وأنا هظرفه ريكورد سريع أطمنه على الدنيا وهقفل التليفون بعدها شهرين تلاته. 
أغلق جمال الهاتف ومازالت الفرحة تضييء وجهه المنير، غفران عُمران له كانت من أسمى أمنياته، وها هو ينالها بعد تعبٍ وإرهاق. 

                       ******
استكان "آدهم" جوار "عمران" بهدوءٍ، بينما عقله يصارع كلمات "يونس"الاخيرة إليه، أخر ما يريده أن يخسر آيوب، ولكن ما سيحدث سيرغمه على خوض مرحلة فراق بينهما إن لم يستوعب الأمر سريعًا. 

راقبه من أسفل نظارته السوداء بدهشةٍ، هل يعقل أن يلحق به دون أي سؤالًا وتحد شرس بينهما، مال إليه يسأله بريبة: 
_أنت كويس؟! 

أفاق على سؤاله المطروح، وقال يجيب: 
_كويس، ممكن تفهمني بقى احنا بنعمل أيه هنا؟! 

سحب زهرتين من باقة الورد، وقدمها إليه:
_عشان تعرف بس إني عامل معاك الواجب. 
تطلع اما بيده باستغراب، وتساءل: 
_ده أي؟ 

وما كاد باجابته حتى هوى صوتها الرقيق، مخترقًا أضلعه كنسمة باردة مرت بيومٍ شديد الحرارة: 
_آدهـم!! 
استدار للخلف وهو يتمنى أن لا يكون يتوهم وجودها، فاذا بها تدنو منه بنظراتها الفاتنة، تطالعه بشوقٍ وخجل، تردد لسانه وابتسامته الساحرة تغزو وجهه: 
_شمس هانم. 

زم عُمران شفتيه ساخطًا، ولكز كتفه يخرجه من شروده: 
_بقالك ساعة واقف متنح، وبتفكر تحضنها ازاي، بختصرلك الوقت والمال والتفكير وبقولك مينفعش! 
وتخطاه يضمها إليه، قائلًا بابتسامته الهادئة: 
_نورتي مصر والدنيا كلها. 
تعلقت به وهتفت بشوق: 
_وحشتني أوي يا عمران، إنت حتى مبقتش ترد على مكالماتي! 

مال يهمس لها بخبث: 
_مكالمات الاطمئنان إن الهدية وصلت ولا لا، اتطمني موصلتش ومش هتوصل. 

ابتعد تطالعه بغضب، فعاد يضمها وهو يتابع: 
_التقل صنعه، مينفعش تهاديه بشيء بدون مناسبة وعلى الرغم إني أتمناها متجيش بس للاسف جاية، وعيد ميلاد الظابط البلطجي ده قبل فرحكم بيوم. 

تعلقت به بشدة وهتفت بحماس بعدما أرضتها كلماته: 
_إنت لست سييء للغاية أخي العزيز. 
كبت ضحكته وابتعد يحدجها بنظرة جادة،ثم قال بخشونة متعمدة:
_فين علي وفريدة هانم، فين مايـا؟؟

 رددت وعينيها تراقب صمت آدهم الغريب: 
_علي وأنكل أحمد بيجيبوا الشنط، ومامي وفاطيما ومايا ورايا. 

شعر بحاجتهما للحديث، فانسحب من بينهما بهدوءٍ، دنت شمس إليه تتعمق به كأنها تود أن تكتشف ما به، وحينما وجدته يطالعها بثبات، قالت: 
_مالك يا آدهم؟  مش مبسوط إنك شوفتني؟ 

رد عليها بابتسامة يجاهد لزرعها: 
_مبسوط طبعًا يا شمس، أنا بس اتفاجئت مش أكتر. 
وتابع وهو يبحث عن عمران: 
_أخوكِ فين؟! 
أشارت للباب الزجاجي قائلة: 
_دخل يشوف فريدة هانم. 
هز رأسه بتفهمٍ، ومال يحمل عنها حقيبتها البينك الصغيرة، ثم وضع بيدها الزهرات مبتسمًا: 
_حمدلله على السلامة شمس هانم. 

بالرغم من جمود مقابلته الا أنها منحته ابتسامة رائعة ورددت باستعلاء مصطنع: 
_ميرسي كابتن آدهم. 

اتجه آدهم للسيارة بالخارج، يتصنع أنه يضع الحقيبة بصندوقها،بينما عقله يكاد يتجمد من كثرة زحام أفكاره، بمجرد سفر آيوب وعودته سيقام حفل زفافه،وبعدها ستُكشف الحقيقة، كيف سيتقبلها آيوب؟؟ لا يريد خسارته أبدًا.

رفع يده ليسحب رافعة صندوق السيارة ليغلقه،ولكنه تفاجئ بها تقف من خلفه، وعلى ما يبدو بأنها تناديه منذ فترة، استدار إليها، بينما تقول بدهشة:
_بنادي عليك مش سامعني؟

رفع بصره التائه إليها، ظهورها الآن بمثابة المنارة التي اهتدى بها، إستغل غطاء صندوق السيارة الخلفي كستارٍ إليهما، جذبها إليه يضمها بقوة، وهو يهمس لها بارهاق: 
_تعبت يا شمس، تعبت وحاسس إني ولأول مرة ضعيف. 

لفت يدها من حوله مندهشة من فعلته، ورددت بصدمة: 
_آدهم!! 
                               ****
حمل احدى الباقات وبحث بلهفة عنها، يود أن يراها ليضمد شوقه النازف إليها،، رآها توليها ظهره وعلى ما يبدو تتحدث مع زوجة أخيه، أسرع إليها يحاوطها من الخلف ويدور بها بسعادة جعلتهما محيط الانظار، تفاجآت مايا بجسدها المرفوع، فانحنت للاسفل فوجدته يحملها، تعلقت به وهي تردد بعدم تصديق: 
_عُمران. 

همس  لها ومازال يحملها: 
_حبيب قلبه!   وحشتيني!

_وإنت وحشتنا كلنا يا طاووس،بس أستأذنك تنزل البنت وتلم نفسك إحنا في القاهرة مش لندن يا روميو!!
قالها أحمد بسخرية ضاحكة،بينما تتبعه أنظار عمران الذي تفاجئ بجميع من حوله يتطلعون لهما بانبهار حتى أن معظم كاميرات الهاتف سجلت تلك اللحظة!
                                ***
دث مفتاحه بباب شقته، حاول مرارًا فتحه ولكنه لم يستجيب، اندهش جمال من الأمر الذي اتضح له كليًا حينما تسلل له صوت صبا: 
_انزل نام تحت يا جمال!!!



❤️❤️❤️❤️


كان يشعر بأن هدوئها غريبًا، والآن أفصح له عما أخفته بجعبتها، عاد جمال يطرق الباب متحدثًا بصوتٍ حرص على انخفاضه: 
_صبا افتحي الباب ده وبلاش جنان، أنا مش نازل من لندن عشان نحل مشاكلنا هنا!  

أتاه صوتها المتحدي: 
_اللي عندي قولته يا جمال ، إنزل تحت عند ماما آشرقت وأوعى تفكر تعتب الشقة دي طول ما أنا فيها والا وقسمًا بالله لأخد ابني وأمشي ومتعرفلي طريق. 

مال بجبينه يستند على الباب، وقال بارهاقٍ: 
_وبعدين معاكِ يا بنت الناس، مصرة تقسي قلبك عليا، مشفعلكيش انتقامك مني طول الفترة اللي فاتت؟!  يا صبا أنا عملت كل حاجه عشان تسامحيني وملجئتش لحجة إني مكنتش في وعيي، اتحملت نتيجة حقد نعمان الغرباوي ودفعت التمن غالي، سكت واتقبلت كل حاجة عشان كان جوايا احساس كبير بالذنب تجاهك، عاتبت نفسي على الأيام اللي فاتت ولقيت إني كنت ظالم أكتر ما كنت مظلوم. 

واستطرد بحزنٍ جعل قامته تنحني: 
_ودلوقتي خلاص استكفيت من البعد والهجر، عايز أكون جنبك وأعوضك وأعوض نفسي عن كل اللي شوفته، صبا أنا مش عايز أقلب في اللي فات وأفكرك بغلطاتك واللي أولها نظرتك لصاحب عمري، مش عايز أئنبك في مقارنة ما بين حياته المترفية وحياتي اللي قضيتها مكسور وأنا شايف أمي طالع عينها عشان تربيني أنا وأخواتي، كل راجل وله شخصيته وأنا ظروف حياتي اللي عملت مني الشخصية دي، أنا مش وحش أوي يا صبا.

 ونصب عوده يتجه لدرج المبني الجانبي وهو يرفع صوته لمن تقف خلف الباب، يفضحها ظلها المنسدل من أسفله: 
_من أول ما اتجوزنا محدش علم بمشكلة حصلت بينا، نزولي لأمي تحت هيكشف إن في مشكلة بيني وبينك وأنا مش هقبل بده، خليكي في بيتك وأنا هفضل هنا لحد ما تحني وتفتحيلي بابك وقبله تفتحيلي قلبك من تاني! 

رددت بتعصبٍ وعند: 
_مش هفتح يا جمال حتى لو قعدت عندك طول الليل. 
وتركته وغادرت وبقايا ابتسامة ألم تتشكل على شفتيه، مهما مضت الدقائق كان يرى ظلها يدنو من الباب تتفحصه من العين السحرية، تتأكد من أنه مازال يجلس، ابتسامة مشاكسة تشكلت على فمه، أتظنه يتحدث عبثًا! 

نزع جمال عنه جاكيته، ثم وضعه على الدرج من خلفه ومال برأسه يستند عليه، بينما عينيه لا تفارق السقف بشرودٍ. 

مضت ساعة كاملة ومازال صامدًا، حتى فقدت كافة آمالها بأن ييأس ويهبط للأسفل، توجهت لغرفتها وهي تحاول أن تصطنع عدم مبالاتها به وبنومته الغير مريحة، بأجواء باردة ليلًا مثل ذلك الموسم الخريفي، ولكن قلبها الخائن لم يتقن دور القسوة. 

اتجهت للباب تحرره وتطالعه بنظرة غائرة بالدموع، حينما وجدت النوم يغلبه لدرجة لم يشعر بها، إتجهت إليه تناديه بضجرٍ: 
_جمال! 

لم يستمع إليها، فانحنت إليه وما كادت بهز جسده حتى صفنت بمعالمه التي لطالما عشقتها، شعره الأسود الذي طال عن طوله الطبيعي  فزاد من وسامته، لم يكن ليتركه يومًا، ذقنه المتوسطه، عينيه المطبقة خلف رموشه الطويلة، كل شيء يجذبها إليه، أفاقت من عاطفتها تناديه ويدها تحرك ذراعه: 
_جمال فوق. 

فتح مُقلتيه ببطءٍ، فوجدها قبالته، منحها ابتسامة وهو يهمس: 
_مهنتش عليكِ؟ 

تساقطت دموعها عن عينيها، وبألمٍ أجابته: 
_مهنتش، بس أنا هنت قبل كده. 
قربها إليه يحيط وجهها بيده، بينما يعيد خصلاتها خلف أذنيها: 
_مش صحيح، عمرك ما هنتي ولا هتهوني على قلبي، أنا بأحبك يا صبا. 

ودنى إليها يقربها منه، ونبرته الرقيقة تستهدف حصونها: 
_بحبك ومش عايز في دنيتي غير رضاكِ،  من أول ما عنيا لمحتك دفنت تفاصيلك جواها، وكأنها عارفة إنك هتخصيني وهتكوني ملكي. 

بدت مندهشة من سماعها لحديثه، أيعقل أن يخرج عن صمته بعد تلك السنوات، مازال يضم وجهها إليه، أصابعه تزيح أي دمعة تتدفق عنها، ابتلع ريقه بتأثرٍ بقربها وسألها بقلبٍ يرتجف من سماع الاجابة: 
_أيه اللي بقى جواكِ ليا يا صبا، الحب ولا الكره؟ 

يطول بها الصمت ومُقلتيها غارقة بحدقتيه، فقربها يستند بجبينه على جبينها وهو يعيد سؤاله لها بتعب: 
_إتكلمي متسكتيش، لسه بتحبيني؟ 

اعتصرت عينيها بينما رأسها يهتز باجابتها المؤكدة بحبه، توسل لها بضعفٍ يجتازه: 
_انطقيها عشان خاطري. 
تعالت شهقاتها المتآلمة، وبخفوتٍ ردت: 
_مقدرتش أكرهك... آآ.. أنا بحبك أوي 

اتسعت ابتسامته وهتف بحب وهو يضمها بقوةٍ: 
_يا روح قلبي! 
تعلقت به بينما ينساق بها خلف عاطفته ونيران شوقه، فوجدها تستقبله بكل ترحاب، مضت دقائق اضافية بينهما، فاذا به يهمس بمرحٍ: 
_لو الحاجة آشرقت قفشتنا على السلم هتطردنا في الشارع بتهمة فعل فاضح بالطريق العام. 

تعالت ضحكاتها تباعًا وهي تؤكد له، بينما يضم كفها بين كفه، حتى عاونها على النهوض، وقبل أن تخطو خطوة واحدة، انحنى يحملها بين ذراعيه، فأحاطت رقبته تتطلع له بدهشة، لقد تغير كليًا عما كان عليه، أصبح أكثر تعبيرًا عما كبت داخله من مشاعر لها، بل أصبح أكثر جراءة!! 

ولج يغلق بابهما، وكأنه يتعهد لها بداية علاقة مميزة بينهما تغلق كل الآنين السابق لهما، وقد صدقت بحديثه ومنحته الثقة والاطمئنان، دافنة خلفها كل رغبة ثأر، بعد أن شعرت بأنه يحاول تعويضها عما حدث بينهما، بينما تقنع ذاتها بأنه لم يكن بوعيه. 
                            ******
ذراعيه القوية تلتف من حولها، ومازال يدور بها، كلمته المحببة لقلبها كلما نادته تغلغلت داخلها، أحاطت يديه وحاولت الاستدارة إليه لرؤيته، أدارها إليه ولم يفلتها، فأدمعت عينيها وهي تراه، بينما يقول بسعادةٍ:
_وحشتيني يا بيبي. 

وجذب الباقة المسنودة على الحقيبة، يقدمها إليها مضيفًا: 
_الورد للورد. 

تحررت عن صمتها أخيرًا قائلة بغضب: 
_مش عايزة منك حاجه، نزلني وإبعد عني. 

أحكم يديه من حولها، ومال يهمس لها:
_حبيب قلبي شكله زعلان مني وواخد على خاطره. 

_عُمران!! 
ناداه علي بحزمٍ، مضيفًا: 
_نزلها الناس بتتفرج علينا! 

انحنى يتركها أرضًا واستدار لأخيه متلهفًا للقائه، فضمه وهو يصيح بشوقٍ: 
_دكتور علي! 

ابتسم علي وضمه بحبٍ، فاتسعت عينيه دهشة حينما استمع لهمسه:
_سكلك موزنتشهاش قبل ما تيجي زي ما نبهتك، عموما أنا موجود فتقدر تنسحب. 

لكزه بضيقٍ وعدم تصديق: 
_أيه اللي بتقوله ده. 
أبعده جانبًا وهو يخطف باقة من الزهور المتبقية، ويرنو تجاه فاطمة، رفعه إليها قائلًا في سرورٍ: 
_حمدلله على السلامة فاطيما هانم. 

اندهشت من نبرته ولكنها التقطت الباقة منه، تجيبه على استحياء:
_الله يسلمك يا عُمران. 
وضع الباقة إليها وقال بفخرٍ اعتراه: 
_حسام قالي على كل اللي، عملتيه طول الفترة اللي فاتت، حقيقي أبهرتيني يا فاطمة، وشكلي كده هحتاج تكوني مكاني في الشركة الفترة اللي، جاية عشان أحقق أمنيتي المركونة وأخد جولة حول العالم كام شهر. 

لكمته مايا بباقة الزهور وهي تصرخ به: 
_هو انت لسه ناوي على السفر!!  

ضحك أحمد وأضاف شامتًا: 
_ناوي يغلبنا وراه في بلاد الله، إديله يا مايا، الوقح ده تمادى فيها ومحتاجله وقفة. 

اختطف منها الباقة وضمها بين ذراعيه يهمس لها بتحذير: 
_حبيب قلبه صوته وإيده علوا على جوزه، ومحتاج إعادة تربية من أول وجديد! 

ابتلعت ريقها بارتباكٍ، فاستطرد بخبث: 
_انحرفتي يا مايا في الكام يوم اللي بعدتهم عنك!! 

هزت رأسها تنفي تهمته، بينما تتجه عينيها تستغيث بغوثها: 
_علي إلحقني! 

سئم منه ومن تهديداته التي تلاحق أي فرد من العائلة كأنه بلطجي عالمي، إتجه إليه يبعد يده عنها وهو يصيح من بين اصطكاك أسنانه: 
_تسمح! 

أبعد عمران يده عنها وقال ببسمة ماكرة: 
_هتطلع معانا الاوضة كمان ولا أيه؟ 

_عُمـران! 
صوتها الرقيق انتشله من مشاكساته المعتادة، استدار، للخلف فوجدها تعود من مرحاض السيدات برفقة إحدى الخادمات المرافقات لها، وعلى ما يبدو بأن السفر أتعبها، ترك كل شيء وأسرع لها يهتف بسعادة: 
_فريدة هانم! 

اندثت بين أحضانه تمنع دمعاتها بالهبوط، ريثما هرمونات حملها تجعلها سريعة البكاء تلك الايام، شعر برجفتها فأحاطها بقوةٍ وهو يتساءل بقلق: 
_ماما إنتِ كويسة؟ 

هزت رأسها بخفةٍ، وابتعدت تطالعه بحب، بينما تشير بعينيها على ما ترتديه:
_أيه رأيك بالجيب؟ 

انخفض بصره تلقائيًا لتنورتها، فوجدها طويلة تصل لقدميها على غير عادتها، ارتسمت ابتسامة جذابة على شفتيه وقال: 
_جميل بس الجاكت هو اللي ضيق حبتين، أكيد مضايق كمان البيبي، بس متقلقيش أنا عامل حساب مايا بملحفتين كبار ومزود واحدة احتياطي لحضرتك. 

شددت بنبرتها الحازمة: 
_ولد!!! 

هدر بخبث وهو يقنعها بما قال: 
_هنا الحاجات دي بتتحسد يا فريدة هانم، لازم تداري نفسك على قد ما تقدري، وبعدين فين اتفاقنا على الحجاب؟!!! 

أجابته بحزنٍ: 
_وكان جزء من اتفاقنا إنك تساعدني بالشوبنج بلبس محجبات راقي، سبتني ونزلت مصر، من غير ما حتى تعرفني! 

انحني يقبل يدها ورأسها بحنان: 
_آسف يا حبيبتي، عارف إني خليت بوعدي بس من دلوقتي أنا رهن اشاراتك، هنعمل شوبنج من اللاب للصبح، كل اللي، تحتاجه فريدة هانم أوامر وعليا التنفيذ! 

ابتسمت وهي تعود لتحتضنه هامسة ببكاء انسدل منها رغمًا عنها: 
_البيت من غيرك جحيم يا عمران، عمرك ما بعدت عني بالشكل ده، لما كنت بتسافر في شغل كنت بترجع نفس اليوم على أول طيارة، المرادي سافرت ومهتمتش بيا ولا حتى بمايا. 

ربت على ظهرها بحنان وقال بنبرة لمسها الحزن: 
_كنت محتاج للفترة دي، اللي عدى انتهى أوعدك عمري ما هبعد تاني. 

ورفع الباقة إليها يغمز برماديته بمشاكسة: 
_مش هنلاحق على معجبينك هنا يا فريدة هانم، فأيه رأيك تأخدي الورد وأطلعلك الملحفة؟ 

حدجته بنظرة مغتاظة، وجذبت ما بيده تخبره بعنجهيةٍ وهي تعدل قبعتها السوداء ولاثام يدها الاسود: 
_هاخد الورد بس، وهخرج من هنا مع جوزي. 
ووضعت معصمها بيد أحمد الذي اتسعت ابتسامته، وخرج بها يردد: 
_وجوزك مش مصدق إنه رجع بلده المرادي مجبور الخاطر ومعاه جوهرته اللي فقدها من سنين. 

تابعها عمران وهما يخرجان للسيارة بنظرة متعصبة و، ورفع من صوته الساخر: 
_خف من النحنحة لتخبط في شباك العربية قبل ما تدخل من الباب يا أحمد باشا! 

وجده يلتفت إليه يشير بلسانه ساخرًا منه، فجز عمران على أسنانه وهدر: 
_خلصنا من نعمان الغرباوي والدور عليك يا جوز الهانم! 

وحينما استدار تفاجئ بعلي يرمقه بنظرة ساخطة، فرسم ابتسامة باهتة وقال: 
_أبو علوة ليك وحشة والله. 

دفع احدى الحقائب التي يدفعها تجاهه وأمره بصرامة: 
_خرج الشنطة بالعربية. 
هز رأسه في طاعه وأشار لما بيده: 
_هات شنطة كمان أخرجها. 

ببسمة خييثة قال: 
_لا كفايا عليك الشنطة دي. 

تعجب من نظرة الخبث التي لم تعهدها أعين أخيه، فرفع ذراع الحقيبة المتحكم بسحبها، فاذا بعلي يأمره مجددًا: 
_لا هينكسر، شيلها أفضل. 

تعجب مما يقول، ورغم ذلك طبق ما قال، فتوسعت مقلتيه صدمة، وأسقطها عن يده يتساءل بدهشة:
_دي تقيلة جدًا، فيها أيه دي يا علي؟؟؟؟ 

أجابه ببراءة مصطنعة: 
_شوية كتب نادرة، مستحيل هلاقيها هنا. 

وارتدى نظارته السوداء، وأشار لزوجته وزوجة أخيه بالخروج للسيارة ثم لحق بهما يربت على كتف أخيه قائلًا: 
_فين عضلاتك اللي بتتفاخر فيها!!  لو فارقتك استخدم لسانك الوقح، طوله هيساعدك. 

وتركه وغادر يكبت ضحكاته من احتقان وجه عمران الذي كاد أن يحمل الحقيبة ويدفعها فوق رأس علي، فحملها ومضى خلفه بتأففٍ ووعيد. 

استقبلهم آدهم ببسمة لم تصل لقلبه المتألم، وأعين شمس الباكية تراقبه، كانت تود أن تعلم ما به ولكنه رفض الافصاح عن الامر، وحديثه لم يكن الا مبهمًا للغاية، على وعد أنه سيقص لها بالوقت المناسب. 
                                 ****
وصل عدي وليل إلى ميلانو،  وتم البدء بتنفيذ المخطط الثاني، على ان يتم تهريب الميكروفيلم بعد عشرة أيام ألى مصر لضمان تنفيذ عدي مخطط رحيم الثاني. 

لم يكن الامر ينطبق على استعادة ما يخص مصر فقط، بل رد الصاع صاعين ليكونوا عبرة لمن يعتبر!!! 
                          ******
فور وصول السيارتين للكمبوند الخاص بأحمد الغرباوي، وفور صعود الجميع لغرفهم، خرجت فاطمة للشرفة تتطلع للمنظر الساحر من أمامها بسعادة، أحاطها علي وضمها إليه، يسألها بفضولٍ يفسر حالتها الواضحة: 
_مبسوطة؟ 

مالت تستند على صدره وهي تجيبه بفرحةٍ: 
_جدًا يا علي، الفترة اللي قضتها في مصر مقدرتش أنساها، ناسها طيبين بشكل مش طييعي،  وبعدين مقابلتنا الاولى كانت هنا إنت ناسي ولا أيه؟ 

قبل أعلى رأسها وقال: 
_عمري ما نسيت حاجه تخصك يا فطيمة. 

استدارت إليه تقابله بنظرة عاشقة، وقالت:
_بالرغم من الحالة الغريبة اللي كنت فيها الا أني كنت بحس بالاطمئنان من أول ما مسكت حالتي من الدكتورة يارا، بس كنت خايفة إنك تسافر وتسيبني. 

ضمها بقوة وقال بعشق: 
_والحمد لله ربنا لم شملنا وبقيتي حرم دكتور علي الغرباوي! 

تعلقت به وقالت على استحياء: 
_بحبك ومش عايزة حاجه من الدنيا غير قربك مني يا علي. 

اسدلت شفتيه عن ابتسامة مشرقة: 
_وأنا مش عايزك غير قريبة باستمرار يا روح قلب علي! 
                            ****
سحب ساعته الموضوعة على الكومود يتفحصها، ثم تطلع لمايا الغافلة بين ذراعيه، حملها عمران برفق ووضعها على الوسادة، ثم تسلل من جوارها يجذب قميصه، ومن ثم اتجه لاحدى الحقائب يجذب ملابسه، ولج لحمام غرفته يغتسل، وخرج يتسلل للخروج. 

ما أن لمس مقبض الباب حتى وجدها تناديه: 
_على فين يا بشمهندس؟ 

ضم شفتيه معًا بغيظ، واستدار لمن فعلت اضاءة الغرفة، تربع يديه معًا وتقابله بنظرة حادة، اتجه إليها يجلس قبالتها وقال: 
_الفجر قرب يأذن نازل أصليه بالمسجد يا حبيبي 

دنت منها نظرة لساعة الحائط وقالت باستهانة: 
_لسه ساعة عن الفجر يا عُمران، ممكن تفهمني بتخبي عني أيه، أنا خلاص تعبت من التفكير! 

أعاد خصلاتها المتمردة خلف أذنها، وانحنى يجذب مئزرها الشتوي، يعاونها على ارتدائه ويداثرها بحنانٍ هدأ من ثورتها رغمًا عنها، ثم جلس قبالتها يطالعها بنظرة غامضة، أنهاها بقوله الجاد:
_في أصعب الاوقات اللي مرت بيه علاقتنا مشكتيش فيا يا مايا، فأوعي عقلك يصورلك إني بعمل حاجة غلط وأنا بعيد عنك، أنا بطبعي مبحبش الخيانة، فتأكدي إن عيني عمرها ما تخونك بنظرة واحدة لغيرك، وإن قلبي عمره ما علت دقاته لست غيرك. 

أسرعت تبرر له: 
_مقصدتش اللي في دماغك، بس نزولك مصر مرة واحدة، مدتك اللي، طالت عن يومين زي ما قولتلي، وفجأة قرارك بالاستقرار هنا، ودلوقتي بدل ما تفرح إننا اتجمعنا بتتسحب وعايز تخرج!! 

نهض يتجه للبراد الصغير، يحمل احدى زجاجات العصائر، يسكب منها بكوب زجاجي، وعاد لها يقدمه إليها: 
_اشربي واهدي يا مايا، شدة الاعصاب دي وحشة عشانك إنتي والبيبي. 

هزت رأسها نافية بعناد: 
_مش عايزة أشرب حاجة، ولا عايزة أسمعك تاني، اخرج براحتك مش فارق معايا. 

وولاته ظهرها وهي تعصف دموعها بوجع، لا تعلم ماذا أصاب زوجها بالتحديد، ترك ما بيده وتمدد خلفها يحيطها برفقٍ، يربت عليها رغم رفضها الصريح لبقائه جوارها، فدفعته وهي تهدر بعصبية: 
_روح مشوارك اللي بتتسحب عشانه وش الفجر. 

سيطر عليها بقوته ومنعها عن دفعه، قائلًا باستنكار: 
_أنا ممانعتش أقولك أنا رايح فين وماشي بدري ليه، مايا أنا مش عايزك تزعلي من شيء مش مستاهل، زعلك ودموعك تهمني وميهونوش عليا حبيبتي. 

وبلطف تابع: 
_ممكن نتكلم شوية وبعدها لو ليكِ حق هعمل اللي يراضيكِ؟ 

استدارت إليه تتطلع له بحزنٍ، وجلست بمحلها كالطفلة المطيعه، منع ابتسامته من الابنلاج واستقام جوارها يسحب العصير مجددًا، قابلته بنظرة عناد وغضب، فقال ببرود يصطنعه: 
_البصة دي ترعب أي حد بس للأسف يا بيبي متأثرش مع عُمران الغرباوي! 

ومرر يده على شعرها كأنه يروضها: 
_حبيب قلب جوزه هيعقل كده ويسمع الكلام، عشان اللي بينا ميقلبش زعل بحق وحقيقي، أنا مراعي لكل حالاتك وتقلباتك وبحاول أهدى وأعقل فبلاش تستفزيني يا مايا! 

سحبت الكوب منه ترتشفه على مضضٍ، ثم ناولته إياه دون أن تنتهي منه، زوى حاجبيه يتفرس بالكوب، فقالت باستياء: 
_اتكلم بقى يا عمران معتش قادرة أكمله!! 

طالعها بنظرة مشاكسة وقال: 
_بس أنا كلامي عهد! 
زفرت بغضبٍ، فضحك وهو يلف الكوب يرتشف من محلها وهو يردد: 
_هساعدك تنفذي أوامري! 

ارتشف نصف الكوب ووضعه جواره فابتسمت رغمًا عنها، وما أن عاد إليها حتى تلبست رداء الغضب والاستياء مجددًا، طالعته باهتمام لسماع ما سيقول فوجدته يضمها مجددًا وهو يهتف في مرحٍ: 
_تعالي في حضني عشان تهدي خالص وتسمعيني بقلبك مش بدماغ الستات النكدية اللي مستحوذة عليكي الوقتي. 

دفعته عنها وبعصبية صاحت: 
_هتتكلم ولا آ... 

تطلع لإصبعها المسلط بوجهه، فسحبته وزفرت بيأس: 
_قوم اخرج يا عمران مش عايزة أسمع منك حاجه. 

تغاضى عما قالت، وردد بهدوء: 
_لما وصلت هنا كنت تايه ومهموم، اللي عمله جمال مكنش سهل عليا حتى لو حاولت أبين عكس ده، كنت فاكر إن مفيش دوا لوجعي، بس كل ده انتهى بمجرد وصولي حارة الشيخ مهران. 

اعتدلت بجلستها تنصت إليه حينما شرع بالحديث، فتابع وهو يتطلع لها عساها تراقب الراحة التي تغمر رماديته فور الحديث عن مكانٍ ارتاح به: 
_وبالاخص المسجد اللي الشيخ مهران مسؤول عنه، لما بصلي فيه بحس براحة وسكينة صعب أوصفهالك، كمبوند عمي بعيد عن الحارة مسافة نص ساعة سواقة، عشان كده أنا خارج بدري لاني مش عايز أصلي في أي مسجد وخلاص، عايز أروح المكان اللي برتاح فيه يا مايا، ومحبتش أضايقك وإنتي راجعه من سفر والارهاق باين عليكي. 

وأضاف وهو يقترب منها: 
_لسه مش مصدقاني؟ 

هزت رأسها بنفي وقالت: 
_عمري ما شككت في كلامك عشان مصدقكش. 

وببسمة مشرقة قالت: 
_أي مكان هيريحك هحب إنك تكون موجود فيه، قوم عشان متتأخرش على الصلاة، وحاول ترجع بسرعه عشان هتقضي اليوم ده معانا هنا. 

قبل أعلى رأسها واجابها بحب: 
_مش هتأخر بإذن الله. 

وجذب الغطاء يعاونها على التمدد:
_ارتاحي وحاولي ترجعي للنوم عما أرجع. 

هزت رأسها في طاعة وضمت الغطاء إليها بابتسامة صغيرة، وتابعته وهو يرحل بحب، حتى غفت محلها مطمئنة. 
                             ******
وصلت سيارة عُمران لحارة الشيخ مهران، صفها وأتجه للمسجد مسرعًا، ابتهجت معالمه حينما وجد الشيخ مهران يجلس جانبًا يقرأ بمصحفه الشريف، مثلما اعتاد أن يراه قبل كل صلاة، دنى إليه يردد ليلفت انتباهه: 
_السلام عليكم. 

انتهى من قراءته ورفع رأسه يتأمله ببسمة بشوشة  : 
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، لو فاتك صلاة الفجر معانا النهاردة كنت هزعل. 

استند على يده ونهض يتجه به للسماعات الخارجية للمسجد: 
_بما إنك وصلت بدري، فذكر الناس بصوتك اللي مش هيتنسى ده. 

منحه ابتسامة ممتنة لما يحاول الشيخ زرعه فيه، فالتقط منه السماعه وبدأ يردد الابتهالات مثل ذلك اليوم الذي فاض حزنه على رفيقه، ولكنه اليوم أفضل حالًا. 

توافد الكثيرون للمسجد قبل موعد الصلاة، فرحة بسماع صوت عُمران الذي بات محببًا إليهم، حتى يونس وآيوب توجهوا سريعًا للمسجد، وعلى بابه وقف إيثان يلتقط فيديو تفصيلي لعمران ولعدد الرجال الجالسون من خلفه، حتى اقامته للصلاة والمصلين، ونشره على صفحته الخاصة، فنالت استحسان عدد مهول من المشاهدات والمعجبين. 

مرت الساعات وأتت الساعة المحددة لمغادرة آيوب لطائرته المتجهة إلى لندن، وبالرغم من ذهاب إيثان ويونس وعمران رفقته الا أن سدن أصرت كل الاصرار لاتباعه، فصعدت جواره بالخلف بسيارة عمران، ومن خلفه إيثان ويونس. 

صف عُمران السيارة جوار المطار، وقال دون ان يستدير إليه: 
_هدخل الشنطة وهشوف يونس. 

اشارة منه أن يبقى بالسيارة برفقة زوجته قليلًا ليودعها، فمحنه آيوب ابتسامة ممتنة، وتبقى برفقتها ينتظر مغادرته، وما ان غادر حتى قال بمشاكسة: 
_مكنش له لازمة إنك تيجي معايا يا سدن. 

تطلعت إليه بدموع وقالت:
_إنت ليه مش حجزتي ليا معاكي، أنت سايبني هنا ومش راجع تاني آيوب؟ 

مال بجلسته لها، يهتف باستنكار: 
_أيه الهبل ده؟!  أنا رايح تلات أيام امتحن وأرجع يا سدن، وبعدين إحنا مش سبق واتكلمنا في الموضوع ده كتير، وقولتلك أني مستحيل أبعد عنك! 

فركت أصابعها بارتباكٍ وقالت: 
_أنا حاسس إنك اتورطت بيا آيوب. 

ضحك حتى ادمعت عينيه وقال: 
_تبقى أحلى ورطة في حياتي. 

وضم كفيها إليه بحب، أرغمها على رؤيته بعينيه: 
_سدن إنتِ مش حاسة بحبك جوايا؟  متقوليش إنك مش شايفة اللي الكل شايفه. 

انهمرت دموعها على خديها، ورددت بحشرجة ذبحت حلقها: 
_محتاجة أطمن. 

ضمها إليه وقال بعشق: 
_أيه الضمانات اللي تطمنك وأنا مستعد ليها، لو سفرك معايا هيطمنك هنزل حالا أحجزلك تذكرة معايا. 

ابتعدت عنه على استحياءٍ وقالت: 
_لا، كلميني كل يوم لحد ما ترجعي وأنا هطمن. 

تعالت ضحكاته الرجولية وفاه بحنق: 
_ترجعي!!  أنا بسبب المؤنثات اللي عندك دي ههاجر بلا عودة يا أخ. 
لكزته بقوة وبعنف قالت: 
_متقدربش تعمليها هقطعك بسكينة الملوخية بتاعتك حاج رقيا. 

تمادت ضحكاته بعدم تصديق: 
_اللهم صلي على النبي، الحاجه رقية أجادت التربية قولًا وفعلًا. 

ابتسمت بخجلٍ، بينما مال يقبل أعلى رأسها وهو يهاتفها  بحب: 
_خليكِ هنا لحد ما عمران يرجع يوصلك، متنزليش من العربية.

هزت رأسها في طاعة، فاستكمل يودعها:
_ استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه. 

قالها وهبط على الفور حتى لا يرى دموعها، ولج للمطار فتفاجئ بوجود سيف وجمال برفقته يقبض على كفه كالشرطي القابض على المتهم، ويغفو على المقعد من خلفه، زفر سيف بتعصب وحركه بعنف: 
_بشمهندس!! 

انتفض جمال بنومته وقال يفرك عينيه: 
_آيوب وصل؟ 
اشار بضيق على من يراقبهما بتعجبٍ، وقال بنفور؛ 
_ممكن تسبني بقى،  ولا أشاورله من غير ما أسلم عليه؟ 

فك حصاره وهو يجيبه بابتسامة تعمد ان يستفزه بها: 
_لا طبعًا يا سيفو سلم وودع وإحضن للصبح لكن تتنقل هنا ولا هنا من غيري هزعلك. 

زفر بانفعال وتركه واتجه لآيوب الذي سأله باسترابة: 
_هو أنت عملت أيه بالظبط؟؟؟؟؟ 

زفر بسخطٍ وقال: 
_أنا مظلوم صدقني أخويا وصاحبه اللي أوڤر شوية، سقف المصنع وقع على رجالة يمان الكلب فرتكه هو وهما ذنبي ايه معرفش!! 

أحاطه بنظرة مشككة، فتابع سيف بعدم اهتمام:
_فكك خلينا في المهم، تخلص امتحانات وتجري على أول طيارة راجعه مصر، انا مش نازل عشان تروح إنت مش  بنهرج هنا!!  

منحه ابتسامة جذابة وقال: 
_متقلقش همتحن على السريع وراجعلك نعيش مغامرات هنا بمصر وبالمرة تحكيلي حكاية سقف المصنع المهجور ده. 

مرر يده على خصلات شعره متصنعًا عدم سماع الجزء الاخير من حديثه، فأعاد آيوب كلماته ضاحكًا: 
_ مغامرات دكتور سيڤو حقنة ضد أدغال يمان وأعوانه! 

دفعه سيف بغضب: 
_ما خلاص يابن الشيخ مهران إنت هتغني!! 
تلاشاه ضاحكًا، وتوقف يمشط المكان بعينيه ولمعة الحزن تتشكل داخله، تعجب سيف لها، فسأله باهتمامٍ:
_بتدور على حد؟ 

تمتم بارتباك:
_لا، بشوف يونس وعمران كانوا هنا مع إيثان. 

قالها وسحب هاتفه يتفحصه بأمل، خاب حينما لم يجد أي رسالة من آدهم، حرمه من وجوده وحتى رسالة منه! 
                                ***
بالخارج. 

حمل عمران الحقيبة وكاد بالدخول خلف آيوب برفقة يونس، ولكنه توقف حينما أوقفه إيثان يناديه بعصبية، وغضب: 
_خواااااجة! 

زفر عُمران بانزعاجٍ واستدار إليه، فوجده يهرول إليه وبيده الهاتف، وعلى ما يبدو بأن أحدهم أعلمه بما يحدث بحارة الشيخ مهران، فصاح غاضبًا: 
_إنت اديت مفتاح الجيم لمين؟؟؟ ده أنا هروح فيك في داهية، سرقة عيني عينك كده وبالنهار!!!!! 

ضم منخاره بيده وهو يحاول استجماع كل هدوئه الهارب عنه، بينما هتف يونس بدهشة: 
_سرقة أيه دي يا إيثان!!

اجابه ونظراته المتعصبة لم تترك عمران: 
_الواد مصطفى البقال بيكلمني وبيقول إن في تريلات داخلة الحاره وفيها عمال عاملين يرموا الاجهزة اللي في الجيم برة! 

وتابع بمهاجمه صريحة: 
_الخواجة شكله استغل خروجنا من الحارة وبعت حد يسرق الاجهزه الخردة اللي مكنتش عجباه! 

ضحك عمران رغمًا عنه، وقال ساخرًا: 
_ايوه أنا طمعت في الخردة اللي عندك فبعت حرامية يستبدلوها بأجهزة بخمسة مليون دولار!! 

جحظت عينيه في صدمة، بينما ردد يونس بصدمة: 
_كام؟ 

أغلق إيثان فمه المفتوح وهدر بانفعال: 
_بقولك ايه يا حبيبي لو فاكر انك هتدبسني في المبلغ الخذعبلي ده تبقى بتحلم، ده أنا مصري وأعجبك أوووي. 

وتابع وهو يضم يونس المندهش: 
_الفاتورة على يونس، اديله وصولات الأمانة بسرعة وأنا أضمنه برقبتي! 

حدجه يونس بغضب، وهدر من بين اصطكاك أسنانه: 
_عايز ترجعني السجن تاني يا حقير!! 

ازاح عُمران يد ايثان عن كتف يونس، وأحاط كتفه هو مرددًا بخبث: 
_هو إنت نسيت اتفقنا ولا أيه يا إيثو! 

وزع نظراته المرتعبة بينه وبين يونس متسائلًا: 
_اتفاق أيه؟  أنا مش فاكر حاجة!! 

رد عليه عُمران بمكر: 
_متقلقش أنا مبنساش حاجة، عمومًا اطمن أنا مش هدفعك حاجة بما إنك تركت ادارة الجيم ليا، فياريت تتابع اللي هيحصل بصمت، وتتفرج عليا وأنا بكسب التحدي بينا ووقتها هساومك على الجيم بشيء يهمني اخده من البداية. 

قالها بنظرة غامضة جعلت إيثان يضم بطنه بشكل مضحك خاصة وهو يصيح: 
_مش هفرط في كليتي لو عملت أيه!! 

انفجر يونس ضاحكًا، بينما هدر عمران ساخطًا وهو يمنع ذاته من الضحك: 
_اتنيل بكلاويك، إنت متنفعش حتى في قطع غيار البني آدمين.

وتابع بحزمٍ أقلق ايثان: 
_يونس خد بالك من الحيلة، مش عايزين نزعل السيدة الوالدة عليه! 

وتركهما وولج للداخل، فسحب ايثان أنظاره عنه وهتف بتوتر: 
_روحني يا يونس الخواجة ده شكله خطير!! 

رد عليه يونس بسخرية: 
_يا راجل!! 
                                 *****
سكن الحزن عين آيوب، حينما طل عُمران بمفرده، بقى الجميع برفقته قرابة الأربعون دقيقة حتى حان موعد رحيله، فودعهم جميعًا وسحب كف عمران بعيدًا يسأله بتردد: 
_هو آدهم مجاش يا عُمران؟ 

تعجب من حالته الغريبة، وحزنه الغير مبرر، فقال يداعبه: 
_ما نجيب حارة الشيخ مهران كلها تودعك يا بشمهندس!!  دول تلات أيام وراجع مش رايح تحرر سينا بروح خالتك! 

عبث بضيقٍ: 
_معنديش خالة أصلًا. 
ضحك وهو يجيبه: 
_عارف، الحاجة رقية مينفعش أهزر بيها بس ممكن أقولك يا حيلتها مش إنت الحيلة بردو؟ 

ضحك آيوب حتى أحمر، وجهه، وقال بصعوبة بالحديث: 
_لا، يونس ابنها الكبير من قبل ما أجي، ومش فارقالي لو قولت روح أمك لاني فعلا روحها وحياتها وهي بالنسبالي أكتر من كده. 

ابتسم عُمران وقال وهو يربت على ظهره: 
_طيب يالا عشان طيارتك. 

هز رأسه بتفهمٍ، وخطى للامام ثم عاد له يسأله بحرج: 
_طيب قولي أخر مرة شوفت آدهم أمته؟  يعني إنت مشيت معاه امبارح وكده. 

ازداد اندهشه من تعلق آيوب الغريب بآدهم رغم وجود سيف صديقه المقرب، فقال باستغراب: 
_هو في أيه يا آيوب؟  

حك ذقنه بتوتر، وقال: 
_مفيش انا بس مستغرب إنه حتى مكلمنيش. 

هز راسه بعدم اقتناع ورد عليه: 
_كان معايا امبارح وأنا بستقبل عيلتي من المطار، وصلنا الكمبوند وبعدها مشى ومشوفتوش من ساعتها. 

حرك رأسه هو الاخر بابتسامة جاهد بها ليخفي حزنه، وسحب الحقيبة وهو يودعه: 
_سلام مؤقت. 

ودعه عُمران وهو ينبهه: 
_خد بالك من نفسك وياررريت ترجع المرادي فااااضي، مالكش دعوة بالمشاكل لإنك وللاسف هتكون هناك لوحدك من غيرنا، وللأسف مرة تانية دكتور يوسف مالوش في العوق ده، لو تعرف حد حالته متعسرة ومالهاش حل إلجئ ليه غير كده يُفضل تكون مستقيم عشان تتوازى معاه! 

ضحك وهو يؤكد له: 
_متقلقش عليا.

غادر آيوب الباب الرئيسي، الذي لم يسمح لأحدٌ أن يتخطاه من الاهالي سوى المسافرين الحاملين لجوازات السفر، ختم أوراقه وإتجه للمقاعد المعدنية ينتظر النداء الاخير لطائرته، وجل ما يشغل باله آدهم الذي تخلى عن وداعه وهو الذي لم يتركه بأي ظرف هام. 

بدأ يلوم نفسه بأنه كما قال الطاووس الوقح لم يغادر لسنواتٍ ليأتي الجميع لتودعيه، ولكنه للحق سيشتاق إليه كثيرًا، ربما هو من الاشخاص القلة الذي سيفقدتهم للغاية، ومن بين شروده أتاه صوتًا محبب له يناديه: 
_آيـــــــــوب!!!!!! 

استدار جواره فوجده يحركه بقلقٍ وهو يردد: 
_بقالي ساعة بناديك، سرحان في أيه إنت؟! 

رفرف باهدابه يستوعب وجوده، وصاح بعدم تصديق وهو ينصب عوده: 
_آدهـــــــم!!!!! 

اندهش من صياحه الغريب وكأنه يأتي من سفر اعوامًا للتو، استقام قبالته فاذا بالاخر يحتضنه بقوة وهو يردد بفرحة: 
_كنت هزعل أوي لو مشيت من غير، ما أشوفك. 

ربت عليه بحنان يينما عينيه يملأها الوجع، آيوب يحمل معزة تخصه وحده وهو يشعر بذلك، يخشى أن يبتعد عنه وتنزاح مكانته فور كشف الحقيقة. 

ابتعد عنه آيوب يطالعه بصدمة، لحقت سؤاله: 
_بس إنت دخلت هنا ازاي!!  مش مسموح لحد يدخل هنا؟ 

ابتسم وهو يجيبه بغرور: 
_وأنا مش اي حد!  

وجلس يضع قدمًا فوق الاخرى بتعالي مصطنع: 
_إنت ناسي آني ظابط من الجهاز ولا أيه! 

جلس جواره يشير له بسعادة، ختمها بقوله: 
_مش ناسي إنك ظابط مهم وتستاهل اللي وصلتله لانك من أنضف الناس اللي قابلتها، المهم بالنسبالي إنك افتكرت معاد طيارتي  وجيت. 

تعمق بالتطلع إليه وقال بغموض: 
_مقدرش أنسى حاجة تخصك يا آيوب. 

وسحب نفسًا مطولًا وهو يخبره: 
_المهم مش عايزك تخاف من حاجه، ركز في امتحاناتك ومتفكرش في اللي حصل، محدش يقدر من أهل عم مراتك يأذيك بره، في حوليك اللي هيأمنك، متقلقش منهم دول تبعي، صب كل تركيزك على امتحاناتك وبس، مفهوم ولا لا يا بشمهندس؟؟؟ 

ابتسم وهو يحيه: 
_عُلم وينفذ يا حضرة الظابط. 

عدل من جاكيته وهو ينهض قبالته: 
_النداء الاخير يا بشمهندس. 

زم شفتيه وسأله بسخط: 
_إنت ليه بطلت تقولي يابن الشيخ مهران، كانت حلوة منك. 

تلاشت ابتسامة آدهم تدريجيًا، وبصعوبة سيطر على نفسه وهو يخبره بحزمٍ: 
_طيارتك هتفوتك يا آيوب، ووقتها الشيخ مهران هيعرفك الحلو من الوحش. 

ارتدى حقيبته واحتضنه للمرة الاخيرة، وقال متعجلًا وهو يهرول: 
_لم انزل باليوم التالت عايز ألقيك هنا قبل ما أخرج للشباب، والا هزعل يا حضرة الظابط. 

هز رأسه وقال بابتسامة جذابة: 
_هتلاقيني في انتظار جنابك يا باشا. 

وصلت ضحكاته لمسمع آدهم، ورأه يلوح له فأشار بيده وما أن تأكد من رحيله حتى عاد لمقعده مهمومًا، لثاني مرة يتساءل عن اعتكافه عن نسبه للقب ابيه المحبب لقلبه، العاصفة القادمة ستحيل حياة آيوب جحيمًا وياليته يملك خيار ايقافها، فمن الذي سيجازف على تحمل ذنب كبير أن يظل منسوب لشخصٍ غير أبيه، حتى وان اختار البقاء برفقة الشيخ مهران عليهم ان يعدلوا ما فعله مصطفى من خطيئة والخيار الاول والاخير إليه. 

يعلم بأن القادم ليس سهلًا بالمرة، فتنهد بهمومه المؤلمة وردد: 
_يا ررب! 
                                *****
صنع "علي" كوب قهوته، وخرج للحديقة برفقة احدى كتبه، فوجد عمه يركض بالحديقة، وما ان رآه حتى اتجه إليه يقول مبتسمًا: 
_صباحك سعادة يا دكتور. 

رد عليه وابتسامته الجذابة ترسم على وجهه: 
_صباح الجمال أحمد باشا، أيه سر اللياقة دي على الصبح بتحاول توقع فريدة هانم للمرة التانية ولا أيه؟! 

سحب مقعد يقابل مقعد طاولته، وهتف ضاحكًا: 
_ده أنا نفسي طلع عما نجحت أوقعها، أفكر أوقعها تاني!!  لا لياقتي ولا سني عاد يسمح،  يا علي يا ابني فريدة هانم دماغها حجر صوان، بعد عشرتي الطويلة ليها أحب أكدلك إنها أصعب وأشرس نساء الأرض! 

انفجر علي ضاحكًا فشاركه أحمد الضحك وقال: 
_أنا يوم جوازي صليت ركعتين شكر لله إنها أخيرًا وبعد السنين دي كلها رضت عليا، وبيني وبينك خايف تجبلي بنت عنيدة زيها، عشان كده قررت إنك الانسب فينا كلنا اللي تربي الطفل اللي هيجي. 

مازحه قائلًا: 
_عمران حاجز قبلك. 

هدر مضجرًا:
_هو الوقح ده عايز اللي يربيله ده يربي قبيلة بكبيرها، ده شغل عماله في قصر الغرباوي من غير إذني ونهايتها قاعدين في الكمبوند! 

تعالت ضحكاتهما الرجولية، حتى تساءل أحمد بجدية: 
_مقولتليش ناوي على أيه؟ 

لفظ زفيرًا بطيئًا وقال: 
_ناوي أفتح فرع تاني من المركز هنا، حابب أستقر بمصر الفترة دي، لإن دي رغبة فاطيما ورغباتها بالنسبالي أوامر مجابة. 

ابتسم وهو يربت على يده الممدودة: 
_ربنا يهنيكم ويخليكم لبعض، تأكد إنك لو احتاجت أي مساعدة أنا موجود. 

أكد له باحترام: 
_واثق من ده يا عمي. 

أبعد مقعده وجذب المنشفة يجفف عرقه: 
_هخليهم يحضروا الفطار، عما أطلع أخد شاور. 

هز علي رأسه بتفهم، وعاد يقرأ كتابه بتركيزٍ، حتى داعب أنفه رائحة الزهور المميزة التي كان يبتاعها لفاطيما طوال فترة بقائها بالمشفى، وما كاد بالاستدارة حتى وجدها تقدم له. 

كالفاتنة هي بفستانها الزهري وحجابها المنسدل برقة، تقف قبالته وتقدم له الباقة التي صنعتها من الحديقة بيدها، نهض يراقبها باستغراب: 
_فاطمة إنتِ صحيتي أمته؟ 

قدمت له الزهور وقالت: 
_من بعدك على طول،  ممكن بقى تتفضل الورد. 

حملها منها وقال بحب: 
_أكيد، بس مين اللي يقدم ورد لمين؟ 

جلس على المقعد المقابل له تجيبه: 
_كتير قدمتلي، فتسمحلي أقدملك انا النهاردة يا دكتور علي. 

جلس قبالتها يهتف بعاطفة: 
_روح قلب دكتور علي تقدمله كل اللي هي عايزاه، وبما إنك نزلتي في الجو الجميل ده تسمحيلي أجدد ذاكرتي بشغلي المهمل وندردش مع بعض شوية. 

زفرت بملل: 
_يووه يا علي إنت مبتزهقش تعيش دور الدكتور النفسي ده. 

استند على الطاولة بذراعه يجيبه بهيام: 
_معاكِ لا،  بحب أسمعك يا فاطيما، صعب أعيش معاكِ يومك كله، فالدردشة دي بتخليني كأني كنت معاكي في كل لحظة وكل وقت... ها نبدأ؟ 

هزت رأسها بابتسامة عاشقة، تعلم بأنه يجيد استخدام كلماته بعناية، ليعاونها بعلاجه الخفي لتخطي كل العقبات، لا تنكر بأنها تلاحظ تقدمه الملحوظ بعلاجها بالفترة الاخيرة، خاصة بعد أن تحملت عمل عمران كاملًا، وبدأت تنوب عنه ببعض الاجتماعات، لقد باتت أكثر ثقة من ذي قبل وثقتها الكاملة أنه وراء كل ذلك! 
                                ******
انفتح باب الكرفان المغلق، وولج منه للداخل، خطف "نعمان" نظرة جانبية للقادم، فحملت كل الحقد والكره المُقيت له، بينما يطالعه الآخر بشموخٍ وقال: 
_مش هتقوم تسلم ولا رجلك مبقتش شايلة وزنك يا خال،  واضح كده إن الرجالة متوصية بأكلك حبتين! 

نهض نعمان قبالته يهدر بحقد: 
_جاي ليه يابن فريدة؟!! 

رفع عُمران ساقه يستند بها على المقعد وهدر بسخرية: 
_يعني هتفرح أوي لو نديتك بابن أنعام!!  فبلاش أقلل احترام جدتي وهي تحت التراب بتتحاسب عقبال ما يحاسبوك بما يرضي الله عن كل اللي فات ووقتها مش هيلاقوا حسنة واحدة تشفعلك يا نعمان! 

استدار يقابله بكره لمس نبرته المقيتة: 
_لو عايز تعمل حسنه في حياتك تغور من وشي ومتورنيش خلقتك تاني، طول عمري عارف إنك عيل حويط ومش سهل، شايف نفسك ورافع رأسك فوق، ومهما حاولت أكسر رقبتك مبتتكسرش. 

تحرر عُمران  عن بروده هادرًا بعنفوان: 
_وتكسرنـي ليه وبأي حق تملكه!!  إنت متلكش الحق عليا ولا على أي حد يخصني، وكرهك وحقدك الدنيء ليا ده لاني الوحيد اللي فاهمك وكشفك على وشك الحقيقي، مقدرتش تتلون عليا زي ما عملتها مع فريدة هانم وكل اللي حواليك. 

صاح بعصبية بالغة: 
_لسه عايز أيه مش خدت كل اللي حيلتي وفضحتني إنت وصاحبك، ونهايتها حابسني زي الكلب، اتفضل اقتلني واخلص. 

ارتسمت بسمة صغيرة على شفتيه ونصب عوده قبالته يهتف: 
_مهو ده اللي كان لازم يحصل من وقت ما وقعت هيلينا في طريقك عشان تقشطك يا خال. 

جحظت عينيه بصدمة بينما تابع عمران باستمتاع لرؤيته مصدومًا لتلك الدرجة: 
_هو انت متعرفش إن هيلينا مقلب من مقالبي زي مقالب كتيرة عملتها انت فيا!!

وأضاف وهو يواجهه بشراسةٍ: 
_أما بالنسبة للفضيحة اللي بتتكلم عنها فأنا ولكرم أخلاقي منعتها من الانتشار لان للاسف هتمس عيلة الغرباوي وده مستحيل هسيبه يحصل، فاطمن مكنش فضيحه من الاساس عشان تنتشر، البرنامج اللي اتفتح بمكتبك ده متفبرك، هو والكام فيديو اللي اتنشروا، أنا وهمتكم انه اتنشر مش عشانك، عشان اهدي النار اللي شعلتها جوه جمال، حتى وجودك هنا النهاردة كان لنفس السبب، جمال مكنش هيهدى غير بموتك ولإنه يهمني أكتر، منك كان لازم أحافظ على مستقبله وحياته. 

ودث يده بجيب جاكينه يخرج منها عدة أوراق، لطمها بوجه نعمان وهو يستطرد بحدة: 
_اتفضل العقود اللي وقعتها لهيلينا، أملاكك متسحبتش منك كل ده قرصة ودن مني عشان أعلمك إنك يوم ما تفكر، تعاديني تاني هتكون بموتك يا نعمان. 

طالع الورقة الموضوعة أرضًا بصدمة، وخاصة حينما قال عمران: 
_رجالتي مشت والباب مفتوح، تقدر تخرج وتشوف حياتك بس المرادي بعيد عننا نهائي والا بضغطة زر واحدة حياتك هتتشقلب تاني. 

تحرر عن حالة جموده وصدمته متسائلًا: 
_ليه؟ ليه عملت كل ده وانا مقدمتلكش شيء واحد يشفعلي. 

رمقه بنظرة حادة، وقال: 
_مهما عملت فأنت للاسف أخو فريدة هانم، اللي أنا بعمله مجرد رد فعل للي إنت بدأت فيه ومش عايز تنهيه بس أقسم بالله لو رجعت لعمايلك الرخيصة يا نعمان مهيخلصني فيك رقبتك ســــــامع!!!! 

انهمرت دمعة من عينيه التي تتطلع له بصدمة، وهز رأسه بخفوت، بينما مازال يتطلع له، وبصعوبة يجاهد ليخرج كلمة منه أثارت فضول عُمران ليسمع ما يود قوله ويتردد بنطقه، حتى قال:
_هو إنت ينفع تسامحني على اللي عملته فيك؟ 

ضحك بصوتٍ مسموع، وقال بقسوة: 
_أهي دي الحاجة الوحيدة اللي مش هتقدر تأخدها مني يا نعمان، لو دي الحاجة الوحيدة اللي هتسمحلك تدخل الجنه مستحيل هنولهالك. 

وأضاف بوجعٍ يكبحه عنه: 
_أنا باللي بعمله دلوقتي ده بوكل الاقوى مني ومنك عليك، رفعت قضيتك لرب الكون هو اللي هيخلص حقي وحقوق الناس منك، كان بإيدي أذيك وأعمل الأكتر من كده بس هفرق انا عنك أيه وقتها؟؟؟ 

وتابع وهو يمضي للخروج: 
_اخرج وكمل في معاصيك لحد ما يجي الوقت اللي تلفظك الأرض ومتقبلش بيك. 

غادر وترك نعمان يقشعر من شدة كلماته، بينما يشعر عُمران ولاول مرة بالارتياح،  صعد سيارته ومضى ابتسامته تزداد راحة، ومن ثم رفع هاتفه على رقم الشيخ مهران يخبره بسعادة: 
_عملت اللي حضرتك نصحتني بيه وحقيقي حاسس بارتياح غريب. 

أتاه صوته الذي رسم له ابتسامته البشوشة: 
_خير ما فعلت يابني، تعالى أنا في المسجد هستناك. 

أغلق الهاتف وغير مسار طريقه لحارة الشيخ مهران. 
                           *****
وضع آدهم الاطباق على المائدة، وخرج يسكب الطعام الذي أعده خصيصًا لوالده، فاذا بجرس الباب يدق، اتجه ليرى الطارق فإذا به يرى أخر من يتوقع زيارته، فهتف بدهشة: 
_باشا! 

أتته ابتسامة ماكرة وصوتًا خبيثًا يتردد: 
_جيت بنفسي أتأكد إنك جاهز للمهمة يا حضرة الظابط!!  

منحه آدهم ابتسامة ممتنة وقال: 
_جاهز وكلي شرف إني من اختيار الاسطورة للمهمة دي! 

ازدادت بسمة رحيم وعينيه تعج بغموض سيشكل بالقادم، ليخلد إسم "عمر الرشيدي" بتاريخ الاستخبارات المصرية، القادم ليس هين، كن مستعدًا له. 

تعليقات



×