رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل السادس بقلم دينا جمال
صباحا في منزل جاسر مهران، تحديدا في غرفة رعد
استيقظ رعد منذ أن أشرقت الشمس رافضا النهوض من فراشه ، فقط يعقد ذراعيه خلف رأسه ينظر للفراغ شاردا يتذكر لقائهم بالأمس ، لا يعرف كيف تعلق بتلك الفتاة بتلك السرعة ولكن ربنا لأنها الأولى في حياته ، يجرب معها كل شئ لأول مرة ويالها من لذة خاصة ، تلك المشاعر الغريبة التي لم يجربها قبلا تنهد بعمق يبتسم دون أن يعرف لما حتى يفعل ذلك ، ربما لأنها تذكرها وهي تأكل المثلجات وبدت كطفلة في الخامسة من عمرها ، أجفل فجاءة من خياله الحالم على صوت دقات على باب غرفته ليعتدل في جلسته ، حمحم يسمح للطارق بالدخول ، فدخلت والدته .. ابتسمت ما أن رأته مستيقظا لتقترب منه تجلس أمامه على الفراش تغمغم مبتسمة :
-صباح الفل يا حبيبي
مد يده يلتقط كف يدها يقبله ومن ثم جبينها يتمتم مبتسما :
-احلى صباح على عيونك يا احلى رورو في الدنيا
ضحكت رؤى بخفة تصدمه على ذراعه ، تضائلت ابتسامتها قليلا ، مدت يدها إلى وجهه تبسط يمناها على وجنته تغمغم مترفقة :
- كدة يا رعد ، تسيب شركتك وتروح تشتغل عند الغريب ، هي الشركة دي مش مصيرها في الآخر بعد عمر طويل بعد الشر طبعا تكون بتاعتك أنت وأخواتك ، أنت الكبير يا حبيبي سند اخواتك ما ينفعش أنت اللي تبعد
رفع يده يزيح يد والدته برفق عن وجهه ، نزل من الفراش .... وقف في الإتجاه الآخر يردف :
-معلش يا أمي ، كفاية عليا أوي لحد كدة
علا ثغره بما يشبه ابتسامة ساخرة بها حزن عميق يردف يتهكم من نفسه :
-كفاية عليا إهانات يا أمي ، أنا تعبت أوي ، صدقيني أنتِ السبب الوحيد اللي أنا قاعد عشانه هنا ، لولاكي والله ما كنت دخلت البيت دا تاني
توسعت حدقتي رؤى مذعورة لتنتفض من مكانها ، تحركت إليه سريعا تجذبه لأحضانها تشدد على عناقها وكأنه سيهرب منها :
-ويرضيك تحرق قلبي أنا وأبوك وأخواتك ، اوعى يا رعد تعمل كدة ، أنت ما شوفتش حال جاسر كان عامل إزاي لما كان فاكر أنك عملت حادثة يوم ما سيبت الشركة ومشيت والله العظيم يا إبني كان هيموت من الخوف عليك ، جاسر بيحبك أوي يا رعد هو بس ....
وسكتت حاولت أن تجد مبرر لما كان يفعله زوجها فلم تعرف ماذا تقول ، ليبتسم رعد ساخرا أبعد والدته عنه بهدوء يردف ساخرا:
-مش لاقياله مبرر صح ، أنا كمان كتير أوي دورت ليه على مبرر ما لقتش ، أنا عندي 27 سنة يا أمي بقالي 17 سنة بحاول الاقي لوالدي مبرر على اللي هو بيعمله ، يوم بعد يوم كان بيبعد عني أكتر ، معاملته ليا بتبقى أسوء ، معلش يا أمي أنا اكتفيت
قبل رأسها يردف بابتسامة باهتة :
- معلش عشان هتأخر على شغلي
وتركها متوجها صوب المرحاض أغلق الباب عليه لتتنهد حزينة على ما وصل إليه بيتها ، تحركت لخارج الغرفة لتجد جاسر يقف خارجا حزينا مهموما يبدو أنه استمع الى ما قال رعد ، اقتربت منه تربت على ذراعه برفق لتسمعه يغمغم بابتسامة حزينة ساخرة :
- هو عنده حق ، أنا خدته بذنب مالوش ذنب فيه ، فضلت حبسه جوا دايرة أنه هيبقى جاني زيي ، عارفة لما كنت بنصح عماد أبو وليد إمبارح أنه لازم يصاحب ابنه ويحتويه ، كنت هتجنن بعد كدة طب أنا ليه ما صاحبتش ابني واحتويته ، ليه خدته بذنب هو ما عملوش اصلا ... أنا اذيته أوي
الآن فقط فهمت لا تصدق أنها فهمت تصرفات جاسر الغريبة مصادفة ، جاسر خاف أن يصبح بكرهم نسخة عنه في شبابه فأراد أن يمنعه بكل الطرق القاسية من أن يفعل والنتيجة كانت عكس ما توقع ... تركها ونزل لأسفل لتلحلق به على طاولة الإفطار جلسوا جميعا ، تلك المرة حين نزل جاسر ليفطر وجد مراد يجلس على مقعده عض شفتيه حانقا ذلك الارعن سيريه ، أقترب منه ليصفعه على رقبته من الخلف يغمغم ساخرا:
-يعني مش كفاية أنك راشق في بيتي كل يوم الصبح وكمان رايح تقعد على الكرسي بتاعي ما تورثني بالحيا أحسن
ضحك مراد ، رفع يده يضعها خلف رقبته يغمغم عابثا :
- قولي الحقيقية يا عمي أنت كنت مخبر قبل كدة ، اصل دا قفا مخبرين
شمر جاسر عن ساعديه غاضبا ليقفز مراد من مكانه يأخذ المقعد المجاور ليوسف حيث من المفترض أن تجلس مريم هنا ولكن مريم ليست هنا ، قطب جاسر جبينه يوجه حديثه ليوسف :
-اومال مريم فين ؟
دخلت رؤى إلى الغرفة تحمل طبق البيض الذي يحبه مراد وضعته أمامه لينظر الأخير لجاسر يلاعب حاجبيه عابثا ليقذفه جاسر بالمعلقة المجاورة له وتفادها مراد ضاحكا ، في حين نظرت رؤى لجاسر تغمغم :
- مريم بتقول تعبانة من المذاكرة ، وكويس أنهم ما عندهمش دروس النهاردة قولت اسيبها نايمة شوية كمان مش هيجرى حاجة ، وجوري خرجت من بدري بتقول هتسلم مشروعها النهاردة ولسه ما خلصتهوش يادوب تلحق تخلصه
اومأ جاسر برأسه ، لينظر صوب يوسف يغمغم :
- يوسف أنا نقلت دروسك أنت ومريم والبيه اللي مكتوب عليا غصب عني دا ، لمجموعات تانية وظبطت المواعيد ما تقلقش ما فيش حاجة هتيجي على حاجة ، وورقة المواعيد كلها في أوضتك
فهم يوسف لما فعل والده ذلك بالطبع فلم يعترض فقط حرك رأسه موافقا ، لينظر جاسر لمراد يغمغم ساخرا :
-طالما ما عندكوش دروس النهاردة أنا مصطبح بخلقتك ليه ، يا ابني هو أنا خلفتك ونسيتك ، عاصم ما بيجبش فطار طيب
ضحك مراد عاليا يشاكس زوج عمته ، في حين من داخله يشعر بالقلق الشديد ... اليوم لا دروس هو يعلم ذلك جاء لهنا متحججا بالمذاكرة مع يوسف ولكنه جاء لرؤيتها ، هل يعقل أن تكن مريضة ؟ أم أنها فقط لا تود رؤيته ، ولكن لما لا يتذكر أنه فعل ما ضايقها ، تنهد يزفر أنفاسه قلقا يمنع نفسه بصعوبة من أن يسألهم عن حالها
_________________
في إحدى المستشفيات وقف شريف جواره مجدي أحد زملائه يحاول أن يطمئنه :
-يا ابني ما تقلقش إحنا فرغنا الكاميرات بتاعت الإشارة وباين جدا فيها أنها هي اللي كانت بتجري على العربية عشان تخبط نفسها فيها وأنت بتحاول تفاديها
لم يكن ذلك ما يقلقه حقا ، ولكن تلك المسكينة التي سالت دمائها أرضا حتى ولو لم يكن هو السبب ، التفت إلى صديقه يغمغم متوترا :
- يا عم أنا مش قلقان من كدة ، أنا ما اتصلتش بيك عشان كدة ، أنا قلقان ليجرالها حاجة شكلها عيلة صغيرة
حرك مجدي رأسه يآسا الفتاة كادت أن تلقيه في كارثة حرفيا وشريف قلقا عليها ، مرت عشر دقائق أخرى إلى أن خرج الطبيب من غرفة الطوارئ ليهرع شريف إليه يسأله قلقا:
-طمني يا دكتور هي حالها ايه دلوقتي
حرك الطبيب رأسه ينزع قناع وجهه يغمغم بنبرة هادئة :
-الحمد لله ، الموضوع ما وصلش لنزيف داخلي إحنا عوضنالها الدم اللي نزفته وخيطنا الجرح عندها كسر في دراعها الشمال وكدمات متفرقة ، المشكلة أننا مالقيناش معاها أي حاجة تدل على شخصيتها ، على العموم هي قدامها حوالي ساعة وتفوق ونقدر نعرف منها ، عن إذنك
وتركه وغادر ؛ ليتحرك شريف صوب زجاج الغرفة ينظر لتلك المسطحة هناك ، لا يفهم السر ولكن تلك الفتاة بها شئ خطير حدسه لم يُخطئ يوما !
_______________
في شركة جواد
جلست ليان على مقعدها خلف مكتبها الصغير سعيدة كلمة قليلة يكاد قلبها يتوقف من الفرح لما ؟
لأن جواد ظل يسير جوارها يتحدث معها يخبرها عن طبيعة عملها وأين هو مكتبها ومهمتها الأولى التي سيقيمها عليها ، تصميم ديكورات كوخ صغير أمام نهر ماء عذب ، لا تعرف كم مر من الوقت وهي منكبة على التصميم كلما شعرت بالتعب تتخيل إعجاب جواد بتصميمها لتعاود ما تفعل ، سمعت صوت صفير طويل يأتي من جوارها ، رفعت رأسها تنظر لمن فعل ذلك وتتمنى داخلها أن يكن جواد ، ولكنه لم يكن كان شاب يبدو في مثل عمر جواد تقريبا يبدو طويل القامة بشرته قمحية يبدو وسيما لديه شعر أسود كثيف يملك غمازتين كحفرتين في وجه ، يوجه انظاره للتصميم الذي أمامها لتسمعه يغمغم معجبا :
- حقيقي تصميم رائع جداا ، أنا حسيت للحظة أن أنا جوا الكوخ ، بس على فكرة مش هيعجب باشمهندس جواد ، وهيطلعلك فيه بدل الغلطة ألف
لم تنكر أنها سعدت من كلامه في البداية ولكن سرعان ما تحولت سعادتها لقلق وضيق من كلامه نظرت إليه تغمغم حانقة :
-أنت مالك إنت يا أستاذ ، وبعدين أنت بتحكم ليه اصلا
ابتسم يمد يده يود مصافحتها يغمغم بلباقة :
-شهاب ، باشمنهدس شهاب ، و حضرتك
لم ترد عليه ، اشاحت بوجهها بعيدا عنه غاضبة لتقم من مكانها أخذت التصميم وتوجهت إلى مكتب جواد ، أخبرت مساعدته أنها تود رؤيته من أجل التصميم وانتظرت عدة دقائق إلى أن سمح لها بذلك ، دخلت لغرفة مكتبه ليدق قلبها بعنف ما أن رأته يجلس خلف مكتبه يشمر أكمام قميصه ، غرته تغطي جبينه ، مشهد ذكرها بأحد الممثلين الأتراك التي تعشقهم ، حمحمت بصوت خفيض ناعم ليرفع وجهه لها يغمغم بنبرة هادئة:
-قربي يا آنسة ليان وريني التصميم لسه ورايا شغل كتير
اقتربت منه سريعا تمد يدها له بالتصميم ليفتح الورقة أمامها ينظر إليها عن كثب وهي تقف أمامه تنظر إليه يتعالى وجيب دقاتها بعنف ، تبتسم ابتسامة واسعة ، رفع وجهه إليها يقطب جبينه يغمغم :
-ايه العك دا !! ، أومال قالولي أنك مهندسة شاطرة إزاي ، التصميم فيه بدل الغلطة ألف
تجمدت ابتسامتها قبل أن تندثر توسعت حدقتيها تشعر برغبة ملحة في البكاء لا تعرف حتى كيف تماسكت تنظر إليه مصعوقة دون أن تنطق بحرف في حين التقط هو قلم يحركه على سطح الورقة يرسم دوائر حول ما يرى من أخطاء :
-دا كوخ في حكايات ديزني ، وراسمة بير ليه قدامه إذا كنت قايلك أن قدامه نهر مايه عذب ولا هي فرهدة وخلاص ، وأي الزحمة دي كلها دفاية ومكتبة وطربيزة وكراسي ، المكان زحمة أوي ، التصميم دا عايز يتفور ويتعاد من أول تاني يا آنسة ليان ، أنا عايز كوخ بدائي قدامه نهر عذب ، مش عايز كل التفاصيل دي
Less is more يا باشمهندسة دي قاعدة مهمة
اومأت برأسها ليطوي الورقة يعطيها لها ، ارتعش كف يدها تأخذ منه الورقة لتهرع لخارج مكتبه شبه تركض ، توجهت إلى المرحاض دخلت تغلق الباب عليها لتنفجر في البكاء تحتضن الورقة التي كان يمسكها بيديه ،ظلت تبكي إلى أن انتفخت مقلتيها من البكاء توقفت أخيرا عن البكاء ، خرجت من المرحاض تغسل وجهها عدة مرات ، تجففه بمحارم ورقية ، حين فتحت الباب لتخرج رأت جواد يتحرك لخارج المكتب يلف ذراعه حول خصر تلك الصفراء الخبيثة التي تكرهها ، لتميل الافعى صوبه تطبع قبلة سامة على وجنته جوار شفتيه ، الوقحة ألا تخجل وهو لم يبدو متضايقا بالعكس ابتسم لها ليفعل المثل ويكملا طريقهما للخارج ، أجفلت على صوت ذلك المدعو شهاب وهو يغمغم من خلفها :
- دي مدام أماندا شريكة باشمهندس جواد في المكتب ، بس الكل عارف أن علاقتهم أكبر من كدة بكتير ، مش قولتلك مش هيعجبه التصميم
التفتت إليه لتتسع حدقتيه حين رأى عينيها الحمراء أثر البكاء ليغمغم سريعا متوترا :
-أنتِ كنتي بتعيطي ، ما ينفعش كدة يا آنسة ، احنا يا أما سمعنا منه كلام زي السم ما ينفعش تعيطي مع كل كلمة دا شغل ، كدة مش هتقدري تكملي ... حقيقي تصميمك كان هايل جدا ، بس باشمهندس جواد ليه دماغ لوحده
ظلت تنظر إليه دون أن تنطق بحرف لمدة دقيقة تقريبا قبل أن تحرك ساقيها ببطئ صوب مكتبها كان اخر ما رأته سيارة جواد المكشوفة وهي تبتعد
_______________
أما هناك في شركة عاصم ، انكبت چوري على إنهاء تصميم الواجهة ، تفكر حانقة دوما ما يكن من نصيبها تصميم الواجهة وكم تكره تلك الواجهة التي تشبه غلاف الكتاب يجب أن تكن مميزة خاطفة وبسيطة في الآن ذاته ، أجفلت حين رأت كوب من القهوة يمتد أمام وجهها رفعت رأسها لترى زين ذلك المهندس الجديد يقف أمامها يبتسم يمسك كوبين من القهوة يمد لها واحدا يغمغم مرتبكا :
-أنا جبتلك معايا ، اتفضلي
لم تُرد أن تُحرج ذلك الفتي المرتبك وقررت أن تأخذ هدنة قصيرة جلست على مقعدها تأخذ الكوب منه تغمغم مبتسمة :
-متشكرة يا زين حقيقي كنت محتاجة القهوة دي جداا
ابتسم لها متوترا ، ليفتح حقيبة من الورق أخرج علبة بها قطع من المخبوزات ( الدوناتس ) يمدها إليها يردف :
-اتفضلي ، ولو سمحتي خدي ما تكسفنيش
ضحكت بخفة لتمد يدها تأخذ واحدة قطمت منها قطمة كبيرة تليها رشفة قهوة لتردف ضاحكة :
- تعرف أنا والدتي اتخانقت معايا قد كدة عشان هنزل من غير فطار ، واديني فطرت أهو
ضحك هو الآخر ، ومن كان يقف بعيدا يشاهد ؟ حسين .. الذي اشتعل فؤاده غيظا وهو يراها بذلك الانسجام مع المهندس الجديد ما المميز به لتقبل منه الطعام والقهوة في حين ترفض دوما دعوته ، ذلك الفتي لم يقبله منذ أن رآه ، هل يسعى لسرقتها منه ... يشعر بالغيظ منه ومنها ومن نفسه لما ؟ لأن عمته الحبيبة اتصلت به تخبره أنها نزلت دون أن تتناول إفطارها فجاء هو مسرعا يشتري لها ما تحب وحين جاء رآها تتناول الإفطار مع غيره وتبدو في غاية السعادة ... تحرك يدخل للمكتب يقترب منهم ليقف زين ينظر إليه متوترا يغمغم :
- صباح الخير يا باشمهندس حسين ، إزاي حضرتك
نظر له يحييه بابتسامة صفراء رسمية باهتة ليرتبك الفتى أكثر ، التفت حسين صوب چوري يحاول ألا يبدو غاضبا :
- والدتك قالتلي أنك نزلتي من غير فطار ووصتني إني اجبلك فطار اتفضلي
تنهدت چوري حانقة لما فعلت والدتها ذلك ، وضعت كوب القهوة على مكتبها لتقف أمامه تبتسم ساخرة :
-ميرسي لذوقك أنا فطرت مع باشمهندس زين
أمسك زمام نفسه قبل أن يغرز مثلث أرسطو في رقبتها هي وزين معا ، كتف ذراعيه أمام صدره يُخفض صوته للغاية حتى تسمعه هي فقط :
- عاصم باشا قالك تبقي مشرفة عليه ، والإشراف ما يتضمنش الضحك والهزار والمياعة دي يا آنسة چوري
توسعت حدقتيها غضبا ، ما الذي يقصده ذلك الأحمق بكلامه ، شعرت فجاءة أنها فتاة منحلة رخيصة ، لم تدري بنفسها سوى وهي تصفع سطح مكتبها بكفها بعنف تصرخ فيه :
-احترم نفسك يا حسين أنا ما اسمحكلش أبدا تتكلم عني بالشكل دا
وبالطبع الصفعة العنيفة ترتب عليه سكب كوب القهوة على التصميم الذي كان على وشك الانتهاء ، شهقت مذعورة تجذب المحارم بجنون تحاول تنظيف التصميم من القهوة ولكن دون فائدة شوهت قطرات القهوة منتصف الورقة ، امتلئت عينيها بالدموع تنظر للتصميم التالف الذي قضت أسابيع تحاول إنجازه ، ولسوء حظها دخل عاصم إلى المكتب في تلك اللحظة يغمغم حانقا :
- أنتي فين يا چوري يلا يا بنتي هاتي التصميم الناس مستنيانا في الإجتماع
رفعت وجهها تنظر إلى خالها لتنهمر الدموع من عينيها تنظر لسطح الورقة المشوه ، اقترب عاصم منها لا يفهم ما يحدث لتقع عينيه على التصميم أمامها توسعت حدقتيه يغمغم غاضبا :
-ايه دا يا جوري ، أنتي عيلة صغيرة ، إزاي
- عاصم باشا قبل ما حضرتك تتهم چوري أنا اللي وقعت القهوة على المكتب بتاعها من غير قصد
نطق بها حسين سريعا ، لتتسع حدقتيها تنظر له مدهوشة لما قال ذلك ؟ ، في حين التفت عاصم إليه يوبخه :
- أنت بتستظرف يا حسين ، أنت فاكر نفسك عيل صغير ، الناس اللي في الإجتماع دي نعمل معاهم ، بقالها أسابيع بتشتغل على التصميم وأنت تيجي بمنتهي البساطة تدلق عليه قهوة وبتقولي من غير قصد ، أهبب بيها ايه دي من غير قصد ، اتفضل مخصوملك أسبوعين وهتعيد إنت التصميم دا بدالها قدامك 48
ساعة والاقي تصميم تاني على مكتبي
اومأ موافقا دون أن ينطق بحرف ليحرك عاصم رأسه حانقا ، تركهم ورحل غاضبا ... في حين ظلت چوري تنظر صوب حسين مدهوشة ،هل قال ذلك لأنه السبب لولا ما قال لما كانت انفعلت وسكبت القهوة ، ولكنها رغم ذلك شعرت بالشفقة عليه خاصة مع توبيخ والده له كيف سينفذ تصميم استغرق منها أسابيع في يومين فقط ، ولم يكتفي خالها بذلك بل خصم من راتبه أسبوعين كاملين وهو لم يعترض
أجفلت حين رأته يلتف ويغادر الغرفة ، تحركت من مكانها تلحق به رأته يدخل إلى مكتبه لتلحق به قبل أن يغلق بابه وقفت أمامه تسأله :
-عملت كدة ليه يا حسين ؟!
رفع كتفيه لأعلى ابتسم ساخرا يغمغم :
-تقدري تقولي بكفر عن غلطتي ما هو أنا السبب ، أنا اللي عصبتك وخليتك تدلقي القهوة
فتحت فمها تود قول الكثير ولكن لم يخرج منها سوى جملة واحدة :
- أنا فاكرة التصميم ، ممكن اساعدك
لم يكن ليرفض تساعده معناها أنها ستكون معه أطول وقت ممكن ، اومأ لها موافقا
لتبتسم حمحمت تشكره تحاول ألا تنظر اليه :
- شكرا يا حسين
ابتسم سعيدا يومأ لها لتقترب من مكتبه يبدآن سويا في إعادة التصميم
من بعيد كان يقف هو يراقبهم فباب غرفة حسين لم يكن مغلقا ، رفع هاتفه إلى أذنه يغمغم حانقا :
-الزفت اللي اسمه حسين ، بوظ كل حاجة ما لحقتش تشرب من القهوة وخلاها دلقتها ، هحاول تاني ، سلام
_____________
أخيرا استيقظت بعد سبات طويل ، أخبره الطبيب أنها استيقظت ولكن المفاجأة التي سيعرفها الآن ، دخل إلى الغرفة ليراها تضجع إلى الفراش ووسادة كبيرة خلف ظهرها ، نظر لها يقيمها فتاة جميلة بيضاء البشرة عينيها زرقاء شعرها أشقر ، لما تسعى تلك الجميلة للموت ؟ حمحم يغمغم :
-مساء الخير أنا شريف ، اللي خبطتي نفسك في عربيته
أحفضت رأسها مرتبكة لتسمعه يغمغم من جديد :
- أنتِ اسمك ايه وايه حكايتك
رفعت وجهها إليها لتحرك يمناها تشير إلى نفسها ومن ثم أشارت إلى إضاءة الغرفة ، لتتسع حدقتيه يتمنى ألا تكن ما يفكر فيه ، حمحمت يسألها مرتبكا :
-أنتِ خارسة ؟!
اومأت له برأسها ، ليعقد جبينه يسألها مستنكرا :
- مش فاهم إزاي خارسة وسمعاني وفهماني ، أنتي فهماني صح
اومأت برأسها بالإيجاب ، قطب جبينه متعجبا ماذا يعني ذلك ؟! عاد يسألها عن اسمها لتعود تشاور إلى ضوء المصباح ليقطب جبينه يغمغم :
- ايه مش فاهم بتشاوري على ايه ، اللمبة أكيد ما اسمكيش لمبة ، ااااه نور
اومأت برأسها سريعا ليتنهد يسألها :
-وأنتِ حكايتك ايه بقى يا ست نور ، ليه رميتي نفسك قدام عربيتي وأنتي مين وكنتي بتهربي ولا عايزة تنتحري ولا وراكي مصيبة ايه ، أنتي بتعرفي تكتبي
اومات له ليحضر لها ورقة وقلم أعطاها لهم ، لتظل تكتب ما يزيد عن خمس دقائق لاحظ أنها دموعها تتساقط وهي تكتب إلى أن انتهت مدت يدها بالورقة إليه ليجدها كتبت
( ساعدني ، أنا هربت منهم لأنهم عاوزين يجوزوني غصب عني لراجل كبير متجوز اتنين ، عايزين يخلصوا مني عشان أنا خارسة ، أنا ما أعرفش حد هنا ، أنا فعلا كنت عاوزة أموت ، أرجوك ساعدني )
قرأ ما كتبت ولم يقتنع ، حكاية قديمة اُستخدمت مئات المرات وهو ليس بأحمق ليصدق تلك الحكاية الساذجة ، تلك الفتاة تُخفي سر أكبر من ذلك ، مزق الورقة أمامها يلقيها في سلة مهملات وقف أمامها يغمغم ساخرا :
-حكاية قديمة ومهروسة أوي يا آنسة نور ، لو كان دا اسمك اصلا ، آه صحيح أنا نسيت أعرفك بنفسي أنا الرائد شريف على مباحث
أصفر وجهها تنظر له توسعت حدقتيها في ذهول لا تعرف كيف ستهرب الآن !!
ياسر كان ليه بنت من مراته اللي ماتت قبل ما يتجوز نرمين اسمها سما جوزها اسمه مصطفى
______________
عاصم أخو رؤي خال العيال اللي كان بيحب تهاني واتجوز حلم في الجزء التاني عنده ولدين
حسين الكبير مهندس ، مراد الصغير في ثانوية عامة ساقط سنة
_____________
الثالثة عصرا في تلك المستشفى ، في إحدى الغرف تقريبا حيث يقف شريف أمام تلك الفتاة المدعوة نور التي تنظر إليه في ذهول عينيها متسعة ، دموعها تهبط بغزارة ، التقطت ورقة أخرى تخط عليها سريعا قبل أن ترفع الورقة أمامه ، اقترب منها يقرأ ما خطت ما لاحظه قبل أن يقرأ حتى أن دموعها أغرقت سطح الورقة قطب جبينه حين قرأ ما كتبته
( مش ذنبي أنك مش مصدقني دي الحقيقية يا حضرة الظابط ، كنت مصدقها أو لاء )
ابتسم يرفع حاجبيه ساخرا رفع وجهه إليها أراد أن يتهكم منها ولكنه رآها تبكي بحرقة فلم يفعل ، التقطت ورقة أخرى تخط عليها بحرقة ( أنا مش كدابة أنا هربت منهم النهاردة كانت دخلتي على عمدة البلد راجل عنده 60 سنة )
ونزعت الورقة تعطيها له لتعاود الكتابة من جديد ( مش لازم تصدقني وأنا متشكرة أنك ساعدتني ، وآسفة أن كنت اتورطت بسببي في حاجة ، أنا هقولهم أنك ما عملتش حاجة )
قرأ ما كتبت ولكنه لسبب ما لم يقتنع به ، بكائها العنيف يخبره بأنها حقا هربت ولكن من مصيبة أكبر من ذلك ، تنهد بعمق قبل أن ينظر إليها يحادثها ببعض اللين :
-طب أنتِ هتروحي فين طالما هربتي من أهلك زي ما بتقولي ما هم أكيد هيدوروا عليكِ
حركت رأسها للجانبين تخبره بشكلٍ صامت بأنها لا تعلم ، تنهد يخبر نفسه أنه لا شأن له بها هو ساعدها إلى هنا وانتهى الأمر ، وقبل أن يقنع نفسه بتلك الإجابة رفع وجهه إليها يسألها :
-أنتِ عندك كام سنة
وكتبت عمرها على صفحة بيضاء سبعة عشر عاما ، هنا توسعت حدقتيه طفلة صغيرة في السابعة عشر من عمرها كيف سيتركها في الشارع ، تنهد حانقا من نفسه وما شأنه هو لما يجب أن يكن شهما من الأساس مع فتاة صغيرة لا يعرفها ، ربما لأنها فتاة صغيرة مصابة زفر أنفاسه ينظر إليها تردد لعدة لحظات قبل أن يردف :
- بصي يا آنسة نور ، أنا للأسف ضميري مش هيسمحلي أنك تفضلي في الشارع خصوصا بوضعك دا ، وعليه ممكن تتفضلي شاكرة بأنك تكوني ضيفتي لحد حتى ما تقدري تتحركي ، ما تقلقيش أنا مش ذئب بشري أنا عايشة مع والدي ووالدتي وأختي الصغيرة
أصفر وجهها ارتباكا حين طلب منها ذلك ، لا تعرف كيف يمكنها أن توافق على ما يقول ، حركت رأسها للجانبين بعنف تكتب على سطح الورقة :
-أنا آسفة ما ينفعش
نظر للورقة ليعاود النظر إليها تنهد يرفع كتفيه يردف متهكما :
-طب تقدري تقوليلي هتروحي فين ، وبحالتك دي ، أنتِ جاية هربانة زي ما بتقولي يعني أكيد بيدوروا عليكِ ولو لقوكي هيقتلوكِ ، ولو فضلتي الشارع في حالك دا ، هتتسولي وهتتمسكي تحري وتترمي في الحجز أو ولاد الحرام بقى هيشوفوا شغلهم
شحب وجهها خوفا مما قال لينظر لها حزينا لا يعرف لما ولكنه يشعر بغصة تخنقه صوب تلك الفتاة ، أما هي فظلت تنظر إليه تبكي في صمت إلى أن تنهد يردف :
-أنا مش بجبرك على حاجة طبعا أنتي حرة ، أنتي زي أختي الصغيرة وأنا حبيت اساعدك ، رافضة مساعدتي أنتي حرة
شردت عينيها حائرة تخشي قول الحقيقة وتخشى الهرب في حالها تلك ، لا تعرف ما عليها أن تفعل ، أمسكت بالقلم تخط على سطح الورقة ( أنا موافقة ، شكرا بجد ليك )
ابتسم يومأ لها بالإيجاب ابتعد صوب الباب قبل أن يلتفت لها يغمغم :
- أنا هطلع اسأل الدكتور إن كان ينفع تخرجي النهاردة
وخرج من الغرفة في حين ظلت هي تنظر في أثره تدمع عينيها ، لو فقط يعلم ؟!
أما هو فخرج من الغرفة يبحث عن الطبيب وجد صديقه يقف خارجا ، هرع الأخير إليه يسأله سريعا :
-ها يا ابني عملت معاها ايه
- هاخدها معايا البيت
غمغم بها شريف وهو يشير للأمام يبحث عن الطبيب ليقطب مجدي جبينه يغمغم متعجبا :
- هتاخد مين يا ابني معاك البيت ، شريف أنت اتجننت افرض وراها مصيبة دي رامية نفسها قدام عربيتك ، مستني ايه تاني عشان تتأكد أنها وراها مصيبة
توقف شريف عن الحركة التفت لصديقه تنهد يغمغم متعبا :
-مجدي أنا فيا اللي مكفيني ، وراها ما وراهاش دي شكلها عيلة صغيرة هسيبها متدشملة كدة في الشارع يعني ، وبعدين أنا هتحرى عنها على طول وهتفضل عيني عليها على طول ، وسع بقى لما اشوف الدكتور دا راح فين خليني اخدها وامشي
وتحرك يتحرك ليضرب مجدي كفا فوق آخر صديقه المجنون يأس منه حقا ومن أفعاله الغريبة التي ستوديه للهاوية يوما
__________
على الجانب الآخر في مستشقى جاسر مهران الخاصة في المكتب الخاص بجاسر ياسر ابن مدير المستشفى ، يجلس جاسر في مكتبه يتكأ إلى ظهر مقعده يرفع قدميه إلى سطح المكتب اخيرا أخذ راحة لو لدقائق من تلك الحالات ، أخرج هاتفه من جيب سترته يفتح المحادثة بينهما ، وحين وجد تلك النقطة الخضراء مضيئة لم يتردد وأرسل لها
( مساء الخير يا آنسة مليكة ، معلش لو ازعجتك أنا بس قولت اسأل ، أخبارك ايه النهاردة )
رأت رسالته لتجيب بعد عدة لحظات ( أنا كويسة ، شكرا لسؤالك )
ابتسم ساخرا قبل أن يعاود الإرسال لها
( على فكرة أنتِ كتباتك حلوة أوي ، واضح أنك هتكوني مشروع كاتبة كويسة )
رأت في من جديد لترد عليها
( دي مش كتاباتي دي اقتباسات بتعجبني من كتب وروايات فبنشرها )
أرسل لها ذلك الوجه الضاحك ليكتب لها ( حلو الأمانة الأدبية دي ، طب لو ما فيهاش فضول منى ، ممكن أعرف هوايتك )
يبدو أنها تعجبت من رسالته فظلت عدة دقائق إلى أن اجابته ( أنا بحب أزرع ورد وريحان ونباتات مختلفة يعني )
تحب الزراعة إذا ، تلك المرة هو من رأى رسالتها وأرسل لها قلب أبيض وتحته كتب ( دايما اسمع أن الناس اللي بتحب الورد والزرع قلبهم أبيض ، دا حقيقي ؟ يعني أنتي قلبك أبيض )
سؤاله الغريب استغرق منها عشر دقائق كاملة إلى أن أرسلت إجابتها له ( بيقولوا )
كلمة واحدة كلمة واحدة استغرقت منها عشر دقائق هو على أتم ثقة أنها كتبت العديد من الإجابات وحذفتها واستقرت على تلك الكلمة في النهاية ، دق والده باب غرفته يدخل .. ليغلق هاتفه ينظر قدميه من على سطح المكتب ، اعتدل في جلسته يغمغم مبتسما :
- أهلا اهلا دكتور ياسر بنفسه في مكتبي
ضحك ياسر بخفة ليجلس على المقعد يدفع إليه ملف جديد ، تناوله جاسر يفتح أولى صفحاته وقعت عينيه على صورة شاب في بداية العشرينات صورة لشاب وسيم يبتسم يملئ الحماس حدقتيه ، قلب الصفحة لتتسع عينيه ذهولا كانت صورة لنفس الشاب ولكن وكأنه يرى شبحا له ، وجهه ذابل شاحب كالموتى نحييف للغاية حدقتيه غائرة ،الحماس قُتل في عينيه ، رفع وجهه لأبيه دون أن يقرأ ما كُتب ليتنهد ياسر يغمغم :
-سامر كمال ، شاب ناجح في كلية ومتفوق جداا في كلية الصيدلة ، اجتماعي جداا عنده أصدقاء كتير ، شاب لسه مقبل على الحياة ، كل دا اتغير بعد موت والدته في حادثة عربية ... وللأسف هو اللي كان سايق كان لسه بيتعلم السواقة وحصل اللي حصل العربية اتقلبت بيهم والدته ماتت وهو فضل شهور في العناية المركزة لحد ما اتحسن ، لكن للأسف اتحول للنقيض تماما وحمل نفسه ذنب موت والدته جاله حالة اكتئاب حاد ، وحاول الانتحار كذا مرة وبقى شخص عدواني ما حدش من أهله عارف يتصرف معاه ، عشان كدة جابوه هنا المستشفى ، من ساعة ما جه وهو ما بيخرجش ما بيتكلمش حتى الأكل نادرا لما بياكل وبنضطر نديله منوم ونركبله محاليل وإلا هيموت
قطب جاسر جبينه ينظر لوالده يغمغم يسأله :
- ليه بتدوله منوم قبل المحاليل
- لأنه عنيف جداا زي ما قولتلك وبيرفض ياخد حتى العلاج محاولات نقاشي معاه كلها بائت بالفشل ، الولد مستسلم للموت تماما وبيسعي ليه بكل قوته ، هتحلها إزاي دي يا عبقري زمانك
ابتسم جاسر يوجه انظاره للأوراق أمامه ، تحمل كافة المعلومات عنه ، من والده وشقيقه الأكبر ... الشاب المسكين ، شعور الندم سيقتله يوما ... من ضمن المعلومات التي قرأها أنه يحب الأسماك ، أخرج هاتفه يبحث عن أقرب مكان لبيع المأكولات البحرية منهم وطلب منه الطعام ، قطب ياسر جبينه يغمغم ساخطا :
-أنا مديك الملف عشان تشوف حالة الولد ، تطلب سي فود ، أنت يا ابني عايز تجلطني إنت وأختك
ضحك جاسر يومأ برأسه ليرفع الملف أمام أبيه يغمغم :
- خلاص بقى حالتي أنا ، اتصرف بطريقتي يا دكتور ياسر ولا أنت خايف أغلبك
ضحك ياسر يأسا ذلك ولده المتحذلق أخذ اسم شقيق والدته وجميع صفاته تقريبا وأولهم وأهمهم الغرور :
-ماشي يا دكتور جاسر ، قولي كلمت أختك قريب ، آخر مرة كلمتها قالتلي جاسر دايما مشغول ما بيتصلش ما ينفعش كدة والله دي أختك الكبيرة وأنت عارف بتحبك قد إيه
والده محق منذ أسابيع لم يتواصل مع شقيقته ، اومأ له يعده أنه سيفعل ذلك في القريب العاجل ، في تلك اللحظة دُق الباب ودخل أحد موظفي الاستقبال .. سمح له ياسر بالدخول حين دخل وجه حديثه لجاسر :
- دكتور جاسر في دليفرى تحت هو حضرتك طالب أكل
أخرج النقود من جيب سرواله يعطيها للموظف يغمغم :
-ايوة حاسبه معلش يا هاني ، وهتعبك ، خد الاوردر وديه المطبخ وقولهم دكتور جاسر بيقول مش عايز شوكة واحدة في السمك ويتحط في أطباق نضيفة ويطلعلي على المكتب مع كوبيتين عصير لمون
قطب الموظف جبينه متعجبا ولكن ما باليد حيلة كما يقال ، اومأ له يأخذ منه النقود ، لينظر ياسر لولده :
-أنا مش مجمع أنت ناوي على ايه ، بس صدقني أنا حاولت كتير الولد رافض الأكل تماما
ابتسم جاسر يومأ له سيروا بعد قليل ما سيفعل
___________
في شركة ( H.A software company)
في مكتب خاص به أصبح رعد المسؤول عن مراجعة كافة الصفقات وإخراج ما بها من ثغرات ، وفقا لقراره سيقرر حمزة قبول الصفقة من رفضها ، أخبره حمزة أنه يثق كثيرا بما سيقول ، انتهى من مراجعة الصفقة أمامه ليضجع لظهر مقعده وجد نفسه يبتسم بلا سبب لم يمنع نفسه من أن يطلب رقمها ، أليس شقيقها ويجب أن يطمأن عليها ... طلب رقمها وضع الهاتف على أذنه يسمع رنينه إلى أن سمع صوتها تجيب :
- رعد إزيك ، أخبارك ايه
غزت شفتيه ابتسامة كبيرة يردف سريعا :
- أنا كويس يا آنسة طرب ، أنتِ عاملة ايه النهاردة
سمع منها تنهيدة طووويلة تلاها صوتها الحزين المهموم :
- أنا كويسة يا رعد ما تقلقش عليا
حمحم متوترا يود أن يقول شيئا ليتراجع سريعا ، أغمض عينيه يتنفس بعمق قبل أن يغمغم فجاءة :
- تعالي نتقابل النهاردة ، قصدي لو تحبي طبعا
سمع صوتها تضحك ، ولها الحق فهو بدا كمراهق أحمق وهو يتعلثم بتلك الطريقة ، رفع يده يعبث في خصلات شعره متوترا ليسمعها تردف :
-معلش يا رعد أنا النهاردة حقيقي تعبانة ، ممكن نخليها بكرة
اعتدل في جلسته يقطب جبينه قلقا ، حمحم يسألها مرتبكا :
-تعبانة ليه ، قصدي يعني مالك خير في اي
- أنا كويسة يا رعد ما تقلقش بس إرهاق مش أكتر ، بكرة نخرج وتعزمني على الغدا في محل كشري ممكن
ضحك يوافق ما تقول ، تلك الفتاة واختيارتها الغريبة ، أغلق معها الخط بعد عدة لحظات ، في تلك الاثناء دخل أدهم إلى المكتب بعد أن دق الباب ولم يحصل على إجابة أقترب من رعد ليراه شاردا ينظر للفراغ ابتسامة بلهاء تعلو ثغره عينيه تلمع ، تلك الحالة يعرفها جيدا ، اقترب منه يسير على أطراف أصابعه إلى أن وصل بالقرب منه تنهد بعمق يغمغم :
-غريب الحب مين فاهمه ، سرحان في مين يا أبو الرعود بس قولي
انتفض رعد فجاءة ينظر لأدهم ليعتدل حمحم يغمغم متوترا :
- سرحان في مين يعني ايه ، مش سرحان في حد طبعا
ضحك أدهم عابثا ليرتمي بجسده يجلس على المقعد المجاور لمكتب رعد ، لاعب حاجبيه يغمغم يشاكسه :
- واضح واضح ، دا أنا فضلت اخبط على الباب وأنت ولا هنا ، ودخلت لقيتك عاشق سارح في الملكوت ، قولي بس
ضحك رعد يحاول ألا يبدو مرتبكا ليوجه أنظاره للورق أمامه يغمغم ساخرا :
- اطلع برة يا أدهم وسيبني اخلص اللي قدامي
ضحك أدهم عابثا ليتحرك من مكانه متوجها لباب الغرفة يُغني بصوتٍ عالٍ مزعج :
- غريب الحب مين فاهمه ما بين اتنين بيتفارقوا وبين اتنين بيتفاهموا ، فيه حد الحب دا سارقه وحد الحب دا واهمه ، غريب الحب مين فاهمه
وهم هل حبه لطرب وهم ولكن لحظة هو لا يحب طرب من الأساس كيف يحب فتاة قابلها قبل عدة أيام فقط ذلك خارج حدود المنطق من الأساس ، تنهد ليجد نفسه يبتسم تلقائيا ما أن تذكر صوتها وهي تطلب منه إن يأخذها لتناول الغداء غدا
___________
عودة للمستشفى عند جاسر راضي ، أحضر عامل البوفية له الطعام ليطلب منه إن يلحق به حسب التقرير الذي جاء إليه من والده ، سامر في غرفة رقم خمسة عشر في الطابق الثالث ، الغرفة مغلقة من الخارج بالمفتاح لأنه حاول الهرب عدة مرات ،والمفتاح بحوزة جاسر الآن ، وقف أمام الغرفة ليدس المفتاح في الباب ، دخل إلى الغرفة يبحث عنه بعينيه ، طلب من العامل أن يضع الطعام على طاولة جانبية ويخرج ، ففعل الأخير ما طلب وتحرك جاسر صوب الفتاة حيث رآه يجلس هناك على حافة فراشه ينظر صوب نافذة الغرفة المغلقة بزجاج مضاد للكسر الغرفة .... رائحة الطعام جذبت انتباهه ، فتحرك رأسه صوبها ورأى كل منهما وجه الآخر رأى جاسر فتى هزيل شاحب بالكاد يحيا على تلك المغذيات ، الاكتئاب اللعين نهش روحه ، ورأى سامر رجل طويل القامة يبدو شابا يكبره بعدة أعوام ، ظل ينقل عينيه بينه وبين الطعام الموضوع جانبا قبل أن يبادر جاسر يطلب منه مبتسما :
-صباح الفل يا دكتور سامر ولا مساء الفل بقى دي الساعة داخلة على 6 اهي
لم يحصل على رد فعل منه سوى جملة واحدة ضعيفة :
- أنت مين ؟
ابتسم جاسر ليجلس على المقعد المجاور للطاولة يفك ازرار ذراعي قميصه يزيحهم للخلف يغمغم :
- تعالى بس ناكل لقمة سوا ، أنا شخص عاشق للسمك ، أتمنى تكون بتحبه زيي
ابتلع الفتى لعابه ينظر بعيدا عنه ، ليقف جاسر من مكانه مد يده يمسك بيد سامر جذبه من فراشه بخفة يحادثه ضاحكا :
-السمك لما بيبرد بيبقى طعمه شبه الكوتش ، قوم ناكل لقمة وبعدين نرغي ، أنا عندي كلام كتير أوووووي
علم جاسر في تلك اللحظة لما لم يقاومه سامر ببساطة لأنه كان بالكاد يقف على قدميه ، المغذيات تبقيه حيا ولكنها لا تعطي جسده الطاقة الكافية التي يحتاجها ، أجلسه على المقعد الآخر جواره ، ظل سامر ينظر للطعام للحظات طويلة وجاسر فقط يراقب ما يفعل ، تجمعت الدموع في عيني سامر لتنهمر من مقلتيه رفع كفيه يخفي وجهه بينهما يغمغم بحرقة :
- ماما ، ماما كانت بتعمله ليا دايما ، أنا قتلتها ماتت بسببي أنا ، أنا قتلتها
وانفجر يبكي بحرقة وجاسر صامت تماما ينظر إليه ، رفع يده يربت على كتف سامر وكأنه أحد أصدقائه ، رفع سامر وجهه ينظر اليه ليمد جاسر يده إليه بالمعلقة يحادثه مترفقا :
-كل يا سامر
ارتعشت يد الأخير بعنف يأخذ منه المعلقة وضعها في طبق الحساء وقبل أن يقربها من فمه من جديد ألقاها بعيدا يشهق في البكاء ، قام من مكامه ينتفض جسده الهزيل يبكي بحرقة يصرخ يلوم نفسه :
- أنا السبب ، أنا اللي قتلتها ، ماتت بسببي أنا ، أنا اللي قتلتك يا ماما ، أنا السبب
- وبعدين وبعد كدة ، بعد أنا السبب وأنا اللي قتلتك وأنت واثق وعارف من جواك أنك مش السبب ولا حاجة وأن اللي حصل دا كان حادثة وأنت نفسك فضلت شهور في المستشفى بين الحياة والموت
غمغم بها جاسر بهدوء تام يراقب رد فعل الأخير ليلتفت سامر إليه يصرخ بلا توقف :
- أنا السبب أنا اللي كنت سايق ، أنا السبب في موتها ، يا ريتني كنت أنا اللي موت وهي اللي عاشت ، أنا كمان لازم أموت زيها ، أنا عايز اشوفها وحشتني أوي
ومن جديد عاد جاسر يتحدث بهدوء يصفعه بالحقيقة :
- وأنت فاكر باللي بتعمله في نفسك دا هتكون والدتك مبسوطة ، بيك أو من غيرك حتى لو هي اللي كانت سايقة مش أنت بردوا الحادثة كانت هتحصل ، اعتقد إنت كبير كفاية عشان تعرف وتفهم يعني إيه قدر !
ارتجف جسد سامر بعنف يشعر بالغضب من ذلك الرجل الجالس أمامه يسخر منه ، شعر برغبة عنيفة في ضربه وحمل المقعد ليفعل ، فقام جاسر سريعا يتفادى المقعد قبل أن يهبط عليه ، وقف خلف سامر في لحظة يكتف ذراعيه يقيد حركته ، ابتسم يغمغم في بساطة:
-جدع برافو عليك ، أنت بتلوم نفسك أنك قتلت والدتك وأنت ما عملتش كدة وعايز تقتلني أنا
توسعت عيني سامر فزعا ليلقي المقعد من يد يحاول تحرير نفسه من بين يدي جاسر هبطت دموعه يتوسله متألما :
- أنت عاوز مني ايه ، سيبني في حالي
- أنا عايز نتغدا بس
نطقها ببساطة ليترك جسد سامر يمسك بذراعه يعيده لمقعده جلس على المقعد جواره ، يعطيه معلقة أخرى نظيفة يغمغم ساحظا :
-أنا قولتلك السمك ما بيبقاش ليه طعم لما بيبرد
اقتطع قطعة يدسها في فمه قبل أن يعاود النظر لسامر يغمغم :
-قولي بقى بتحب الكورة
قطب سامر جبينه متعجبا من سؤاله المباغت ليحرك رأسه بالإيجاب وهنا بدأ جاسر يتحدث عن مبارايات كرة القدم بلا توقف وسامر يستمع ، صحيح أنه لم يشارك سوى ببضع كلمات ولكنه تناول طعامه مع جاسر ، كان يستمع باهتمام لما يقول جاسر وتلك بادرة أكثر من جيدة
____________
في شركة جواد من جديد حيث هنا تتدرب ليان ، جلست ليان تنظر للتصميم أمامه للدوائر التي صنعها جواد على سطح الورقة لن تنسى كلمات إهانته من تصميمها ، لم تصمم ما قال فاليوم سيكون يومها الأول والأخير لن تتحمل طريقته في الكلام معها حتى وإن كانت تهيم به عشقا ، لن تتحمل إهانته ، لن تتحمل رؤيته وتلك الشقراء المصطنعة تلتصق به كالعلكة ، تشعر بقلبها يُكوى ما أن تراهم يكفي لن تتحمل المزيد من الألم ، أجفلت على صوت مساعدة جواد تحادثها :
- آنسة ليان باشمهندس جواد عايز التصميم
لم تصمم شئ ، ستعطيه التصميم القديم وتخبره أنها لم تصمم شئ وأنها مستقيلة ، اومأت لها لتلتقط ورقة التصميم كادت أن تتحرك إلى خارج الغرفة حين سمعت صوت ذلك الشاب المدعو شهاب يصيح باسمها سريعا :
- آنسة ليان استني
وقفت والتفتت له لتراه يقترب منها يغمغم سريعا مرتبكا :
- أنا آسف لو هصايقك ، بس ممكن تجيبلي ازازة ماية من البوفية قبل ما تروحي لباشمهندس ، عايز أخد الدوا حاسس إني دايخ ، هاتي التصميم معايا على ما تيجي
اومات له تعطيه له ، خرجت من المكتب إلى البوفية تلتقط زجاجة مياه ، عادت إليه أعطته المياه ليبتسم يشكرها يعطيها التصميم ، أخذته منه وتحركت الى مكتب جواد ، دقت الباب ودخلت .. لم تكن الشقراء معه اقتربت منه تصع التصميم امامه أرادت أن ترى وجهه وهو متفاجئ أنها لم تبدل التصميم ، لتخبره بعدها مباشرة أنها سترحل ، فتح جواد التصميم لتتسع حدقتيه رفع وجهه إليها يغمغم مبهورا :
- جامد التصميم دا طب ما كان من الاول
قطبت جبينها متعجبة ما يقول نظرت للتصميم أمامه لتتسع حدقتيها في دهشة ، مَن رسم ذلك التصميم ؟ هنا تذكرت ما طلب شهاب منها ، إذا هو فعل ذلك ليبدل التصميمات وهو من رسم ذلك التصميم كادت أن تخبره أنه ليس لها ، حين رأته يبتسم لها انتفض نابضها الصغير يدق بعنف ، جواد يبتسم لها تلمع عينيه انبهارا بها ، جسدها أصابته رجفة عنيفة جعلتها تصمت تماما ، في حين أكمل هو مبتسما :
- بداية موفقة حقيقي يا ليان ، بس خدي بالك أنتِ لسه بردوا في مرحلة التدريب ، على العموم كفاية عليكي لحد النهاردة ، أنا ماشي ، تحبي اوصلك في طريقي
ماذا ؟ ، ما الذي يحدث ؟ ، لما أصبح جواد لطيفا هكذا فجاء. ؟! ، اومأت له موافقة ليغمغم مبتسما :
- هستناكي في العربية ما تتأخريش
اومات سريعا تتحرك لخارج الغرفة ما أن اغلقت باب مكتبه زم شفتيه حانقا يتذكر مكالمة أبيه التي أمره فيها أن يصطحب ليان في طريق عودته للبيت وإلا سيلاقي ما لا يحمد عقباه ، لا يعلم إلى متى ستظل تلك الليان المزعجة شوكة في حلقة
أما هي فخرجت سعيدة تكاد تقفز من شدة سعادتها توجهت إلى المكتب سريعا تبحث عن شهاب ، اقتربت منه وقفت أمامه تسأله متعجبة :
- أنت ليه عملت كدة ؟
رفع وجهه عن الأوراق أمامه يحادثها مبتسما :
-عشان ما تمشيش ، أنتي لسه جاية النهاردة ، على فكرة أنتي موهوبة بس هو اللي دماغه راكبة شمال
ابتسمت تشكره لتلملم أغراضها سريعا هرولت للخارج لتجد جواد ينتظرها في سيارته فتح الباب المجاور له لتدخل إلى السيارة ، تشعر بالخجل من الموقف برمته والسعادة تحلق بقلبها في حين هو يبتسم لها باصفرار والحمقاء تظنه سعيدا بوجودها جواره!!!!!!
_______________
في منزل طرب
جلست طرب خلف شقيقتها على الفراش تمشط لها خصلات شعرها برفق ، لتقطب ملاك جبينها متعجبة تغمغم :
- أنا مش فاهمة بردوا يا طرب إزاي أنا فضلت نايمة كل دا ، ولما صحيت كنت حاسة بصداع جامد وجسمي كله كان بيوجعني
ابتلعت طرب لعابها مرتبكة من الجيد أن هؤلاء الحثالة حين اختطفوا شقيقتها ليضغطوا عليها ، خدروها أولا فلم تشعر بشئ وإلا كانت أصيب بصدمة عصبية ، ملاك حساسة للغاية لم تكن لتتحمل ، غمغمت سريعا تضحك متوترة :
- هتلاقيكي بس من ضغط الثانوية والمذاكرة نمتي ومن كتر النوم قومتي جسمك واجعك ، يلا أنا خلصت تسريح شعرك ، كملي مذاكرتك وأنا هنزل الشغل ومش هتأخر
احتضنت شقيقتها تقبل جبينها تودعها ، خرجت من غرفتها تغلق بابها ... خرجت للخارج حيث من المفترض أن تجد زوجة أبيها ولكنها لم تجدها يبدو أنها خرجت كعادتها ، لا يهم من الافضل إلا ترى تلك الشمطاء الخبيثة على أي حال بسببها خسر والدها جميع أمواله وتدنى بها الحال من وتر إبنة الحسب والنسب لراقصة رخيصة في نظر الجميع ، خرجت من المنزل تغلق الباب بالمفتاح من الخارج ، استقلت سيارة أجرة تخبره بالعنوان لينظر لها السائق باشمئزاز ، ابتسمت ساخرة لم تعد تبالي بتلك النظرات فهي تراها كل يوم تقريبا ، فتحت حقيبة يدها تخرج منها علبة الزينة الكبيرة الخاصة بها ، بما أنها متأخرة اليوم لتختصر الوقت وتضع زينتها المبالغ فيها في الطريق ، شردت عينيه وهي تضع أحمر الشفاة لتجد نفسها تبتسم تلقائيا حين تذكرت مكالمة رعد ، من الجيد أن يكن هناك من يهتم ويسأل ومن البشع أن يعرف ذلك المهتم فيما بعد أنها كانت فقط تخدعه ، اندمجت في وضعت زينتها خاصة حين وقفت السيارة في إشارة المرور حانت منها، لا تعرف لما ولكنها نظرت عن يمينها من نافذة سيارة الأجرة ورأت ما لا يمكن حدوثه سوى في الافلام رأت سيارة عالية تقف تحاذيها ورعد بداخلها ينظر إليها مباشرة !!
فتحت فمها تود أن تقول شيئا ولكن ما أن انفتحت الإشارة ضغط على الدعاسات بعنف لتنطلق سيارته بعنف فلم تلمح منها سوى غبارها
_____________
أما هناك في منزل جاسر مهران
في الحديقة جلس مراد ومعه يوسف يستذكران دروسهما ، مراد يتأفف من يوسف بين حين وآخر :
- دا أنت ممل يا أخي بقالك خمس ساعات بتذاكر ايه ما زهقتش ، طب ما جوعتش ، السندويشات دي شبعتك يعني ، دا أنا محتاج أكل نص خروف بعد المجهود دا كله ، أنا غلطان إني قولت اقعد اذاكر معاك اصلا ، أنا هقوم أكل ، يا عمتتتتتي طابخة ايه النهاردة
ضحك يوسف ساخرا يضرب كفا فوق آخر ، مراد لم يذاكر سوى صفحة واحدة ويتذمر أيضا ، دخل مراد إلى الداخل لتقع عينيه على مريم تجلس على طاولة الطعام جوارها طبق به بعض الشطائر وأمامها كُتبها ، أقترب منها ليجذب المقعد المجاور لها ، تفاجئت تنظر إليه مدهوشة في حين ابتسم هو يغمغم :
-مريم ، أخيرا ظهرتي .. مختفية فين طول اليوم
تنهدت مرتبكة كادت أن تقول شيئا حين أخفض هو صوته للغاية يهمس لها :
- على فكرة وحشتيني أوي ، ما اتعودتش يعدي يوم من غير ما اشوفك ، أنتي زعلانة مني في حاجة
توسعت حدقتيها يكاد قلبها يتوقف ، لا تصدق ما تسمعه أذنيها بالطبع تتخيل ما يحدث تسارعت أنفاسها في حين أردف هو بنفس الصوت الخفيض :
-على فكرة بقى ، أنتي أحلى بنت شافتها عينيا
ومش ذنبي أنك عبيطة ومش حاسة بجمالك !