رواية حان الوصال الفصل الواحد و الخمسون والاخير ة بقلم امل نصر
ها قد حان الوصال…
بعد ليالٍ من الشوق، وخطى أرهقها التردد بين الخوف والرجاء، انتهى المسير عند عتبة اللقاء. لم يكن اللقاء مجرد عناقٍ، بل امتزاج أرواح نضجت بالانتظار، وتيقنت أن الحب الذي يرويه الصبر والمواقف لا تذروه رياح الحياة.
العينان اللتان طالما بحثتا عن الأمان، وجدتا في بعضهما ميناءً لا تزعزعه العواصف. واليدان اللتان اعتادتا الفراغ، التحمتا بقوة، كأنهما تعاهدتا ألا تفترقا مجددًا.
اليوم، طوى القدر صفحته الأخيرة، لا على فراقٍ، بل على بدايةٍ طالما حلم بها القلبان.
فيا كل الطرق التي أنهكتنا، شكرًا لأنك قدتنا إلى هذا اللقاء. ويا كل الدموع التي سالت، ها نحن نمسحها بيد من أحببنا. فقد حان الوصال، وما عاد للضياع مكان بيننا.
#اهداء الجميلة سنا الفردوس
❈-❈-❈
يا منجد على المرتبة، عروستنا حلوة مؤدبة
يا منجد على المرتبة، عروستنا حلوة مؤدبة
هو اللي جانا لوحده، محدش فينا راحله
هو اللي جانا لوحده، محدش فينا راحله
يا بت، اديله ساعته، ما خلاص بقيتي بتاعته… لولولوي
يا بت، اديله ساعته، ما خلاص بقيتي بتاعته… لولولويييي
تلك الأغاني التراثية القديمة، كانت تدندن بها رقية وتصفق بيدها للأطفال المتجمعين حولها كي يرددونها من خلفها، داخل منزل محروس، اندماجًا مع أجواء الاحتفال اليوم، وزفاف صفية على الطبيب هشام، في جو من البهجة التي لا تكف المرأة عن نشره في كل جلسة لها:
ياللا يا عيال، انت وهي
“أهو جالك يا بت”
“أهو جالك يا بت”
“ريح بالك يا بت”
“ريح بالك يا بت”
“اطبخيله الصبح بطة”
“واطبخيله العصر يا بطة”
“كتري يا بت الشطة”
“وأهو جالك يا بت”
“وأهو جالك يا بت”
هلل خالد ابنها الذي كان عائدًا من عمله بصحبة زوجته المحامية نوال، ليردد بمرح (هو الآخر) ويشاركهم التصفيق:
“وعند بيت أم فاروق، الشجرة طرحت برقوق… بغني أحسن منك أهو يا رقية.”
صدحت أصوات الأطفال بالضحكات مقهقين لفعله، فخطا يحشر نفسه بينهم ليلتصق بوالدته التي تأففت متذمرة:
“يا ستير، جاي من شغلك عشان تتلزق فيا، ما تروح يا خويا، استحمي الأول بريحة عرقك دا.”
ضحكت زوجته تشارك الأطفال مرحهم في متابعة مشاكسات الاثنان، وقد تعلّق أبناؤه برقبته مستمتعين بالأجواء:
“دا برضو كلام دا يا رقية، خليت العيال تضحك عليا ويفتكروني بطلع ريحة بجد، وأنا حتى عرق عادي مبعرقش، والاستاذة مراتي تشهد.”
“طبعا، أشهد ونص كمان.”
قالتها نوال بثقة تدعمه لتعقب رقية بعبس تدعيه:
“طبعا، عشان باطلة زيه يا محامية على ما تفرج، بقى دا مبيطلعش ريحة ده؟ دا أنا شميت ريحته أول ما دخل الشارع.”
ضمها إليه وهو يقهقه بمحاولة مرحة عله يُسكتها:
“خلاص يا ست، فضحتينا، انتي مبتستريش أبداً.”
“لا، ما بسترش.”
تمتمت بها عند تقاومه، حتى وصل إليهم صوت محروس الذي عاد من الخارج بصحبة ابنة شقيقته:
“متجمعين عند النبي إن شاء الله، دا إيه الهنا دا كله، كل الحبايب متجمعين.”
كادت أن تناكفه رقية كعادتها، ولكنها انتبهت لدلوف غادة أبنة شقيقته معه، لتتجاهله وتستقبلها فاتحة ذراعيها:
“غادة، من زمان محدش شافك يا مضروبة.”
ركضت نحوها المذكورة لتلقي بنفسها عليها وتقبلها:
“وحشتيني، وحشتيني يا ست رقية، معلش بقى البيت والعيال وابوهم، دا أنا بالعافية بشوف أمي، هي فين صفية ولا البت زهرة؟ دي وحشاني أوي، بنت اللذينة.”
جاءها الرد من سمية والدة العروس، والتي خرجت من المطبخ لترحب بها:
“في الكوافير يا حبيبتي، خرجوا من ساعة بس، ربنا يعدي ليلتها على خير بقى، ادعيلنا.”
“داعية بقلب جامد والله، ربنا يتم فرحتها على خير، اللهم آمين.”
❈-❈-❈
عاد من عمله اليوم يبحث بعيناه عنها، بعد غيابها ولأول مرة منذ توظيفها كمسؤولة ، عن مباشرتها اليومية، وقد أثبتت في تلك الفترة القصيرة مدى جدارتها ورجاحة أفكارها التي ساهمت بشكل ملحوظ في زيادة الإنتاج وفتح أسواق جديدة بخبرتها بحس الأنثى التي مارست عملها في مجال الملابس منذ سنوات؛ كان غافلًا عنها هو كرجل، حتى وهو صاحب مصنع وله خبرة كبيرة في هذا الشأن.
وجد الطفلان أمام الشاشة الكبيرة التي تُدار عليها اللعبة التي يمسكان بذراعيها ويمارسان التحدي بحماس.
“ابعد من سكتي يا آدم بدل ما أفرمك.”
“تفرمي مين، دا أنا الزعيم يا بنتي، يعني أقدر أفرتكك دلوقتي بالقنابل اللي معايا.”
“يا راجل، طب خد الصارخ دا على دماغك.”
“اااه، كدة توقعيني في البحر يا عائشة.”
صرخ في الأخيرة آدم، يستهجن فعلها، بعدما نفذت تهديدها تقضي على البطل الذي يلعب به، لتكسب الجولة، فترقص فرحًا بانتصارها غير عابئة بتذمره:
“يا معلم يا معلم، دي الجولة التانية أخلص عليك فيها يا آدم.”
“بالغش، عشان بتغفليني.”
“شطارة، اسمها شطارة يا حبيبي، مش تغفيل.”
كاد أن يحتد النقاش لولا تدخله السريع للفصل بينهما:
“باااس، انت وهي، دا كله لعب، يعني تستمعوا مش تتحدوا بعض.”
هدأ الطفلان بعد كلماته، ليهبط على وجنة كل منهما مقبلاً، لتهدئة الأجواء الحماسية بينهما قبل أن يسأل:
“بهجة، وطنط نجوان لسة مرجعوش من برا؟”
“وبتسأل ليه؟ عايزنا في حاجة مهمة؟”
كان هذا صوت نجوان التي انتبهوا إليها قادمة من مدخل المنزل، بابتسامتها الساحرة، وخلفها كانت بهجة التي طرقت برأسها خجلًا فور رؤيته.
“لا طبعا، مفيش حاجة مهمة، أنا بسأل بس عشان أطمن، هو انتوا راجعين من فين؟ أنا عديت على مقر الجمعية في قصر جدي، بس ملقتكوش.”
“لا، ما هو إحنا مروحناش الجمعية، كان عندنا مشوار مهم.”
“أيوة يعني، مشوار إيه؟”
ما زال مستمرًا في استفساره، وعيناه لا تترك تلك الصامتة، والتي زادت معالم الخجل تعلو تعابيرها لتضاعف من دهشته:
“أصلنا كنا عند الدكتور.”
“دكتور إيه؟ هي بهجة عيانة؟”
صدرت منه سريعًا ليتجه نحوها بقلق يتفحصها بعينيه، وهي ما زالت على حالة السكون؛ ولكن زاد احمرار وجنتاها اللتان طفي بهما اللون الوردي والسخونة، حتى أردف حانقًا:
“في إيه؟ هو انتي تعبانة من إيه بالظبط؟”
“تعبانة في نونا، لازم نقولها صريحًا يعني.”
قالتها نجوان بسهولة، لم يستوعبها في البداية جيدًا حتى كاد أن يواصل استفهامه، لولا استداركه فجأة لتلمع عيناه نحوها:
“الكلام ده بجد ولا هزار؟”
خرج صوتها أخيرًا في رد له:
“وهو الكلام ده فيه هزار برضو، صدق يا رياض، إن حلمك أخيرًا هيتحقق و…”
لم يتركها تكمل، وقد خطفها بين ذراعيه يعتصر عظامها بضمته؛ بلوعة المشاعر التي تأججت داخله، زوجته حامل بطفل منه، سيصبح أبًا لطفل صغير منها؛ هل تلك أمنية عزيزة تحققت أم هو حلم كان بعيد المنال؟ لا يدري.
“ما خلاص بقى الأولاد.”
تمتمت بها نجوان بصوت خفيض تضع يدها على ساعده كي ينتبه لوجود الأطفال، فيترك حبيبته بصعوبة متجهًا نحوهما، وقد تحول الشجار الآن من لعبة الشاشة إلى لعبة أخرى:
“الله، يعني هيبقى معانا نونو جديد ونلعب بيه.”
“تلعب بمين يا حبيبي؟ دا ابن اختي، يعني هيبقى لعبتي أنا، يعني أنا اللي هيشيله، ومش هخلي حد يقربله.”
“يا سلام، ما هو ابن أخويا أنا كمان، يبقى ليا فيه، زي ما ليكي انتي فيه، بل أكتر؛ دا هيستمى بأسمه، يبقى حقي أنا فيه أكتر.”
احتد النقاش مما أجبر نجوان على التدخل للفصل بينهما:
“باااس، لا انتي ولا هو، دا أول أحفادي يعني هيبقى ليه وضع خاص، دا غير إنه هيبقى تحت رعايتي، حتى باباه ومامته ملهومش دعوة بيه.”
سمع رياض ليتدخل في الجدال هو الآخر:
“ننننعم، ملهومش دعوة ازاي يعني يا ست ماما؟”
مطت شفتيها تجيبه بسطوة:
“كدة من غير تبرير، انت تخلفوا وأنا استلم، دول أحفادي، يعني لازم كلهم يبقوا نسخة مني، نسخة من نجوان هانم، عندك اعتراض يا بهجة?”
نفت لها الأخيرة بتحريك رأسها، تجيبها بابتسامة:
“لا طبعا، وأنا أقدر.”
“الله الله، يعني كمان بتتفقوا وأنا معاكم، وكأني هوا وسطيكم.”
“لا يا حبيبي مش كأن، انت فعلا هوا قصادي، ياللا يا ولد اسحب مراتك على أؤضتها خليها تريح من المشوار.”
تلقف الأخيرة منها بلهفة، أنسته النقاش من أوله، ليبادر بسحب يد زوجته مرددًا:
“عشان خاطر الغلبانة التعبانة، لكن النقاش منتهاش طبعا يا نجوان هانم.”
لم تعلق نجوان، وتابعته يذهب بزوجته بسعادة تداعبها من الداخل؛ ما أجمله من شعور، سوف تكون جدة وابنها قد نال أخيرًا عيش حياة طبيعية والدفء الأسري الذي حُرم منه لسنوات.
❈-❈-❈
صعد بها إلى الطابق الثاني، محتفظًا بجُموده ورزانته، حتى إذا اختفيا عن الأنظار، فوجئت به يرفعها ويحملها بين ذراعيه، لتشهق مُجفلة في البداية، قبل أن تستعيد ثباتها، ليتحول رد فعلها إلى ضحكات مرددة أمام جِدّيته في الهَرولة بها مسرعًا بخطواته:
رياض، أنت عقلك راح منك يا حبيبي؟ رياض، يا مجنون، حاسب لا توقعني!
توقف فجأة ليدفع باب الغرفة بقدمه، ثم دلف بها حتى وضعها على الفراش، ليُجاورها في الجلوس، فيخرج صوته أخيرًا:
كان لازم أشيلك وألفّ بيكِ من ساعة ما سمعت الخبر، بس وجود ماما مع الولاد هو اللي منعني، وخلّاني فضّلت ماسك نفسي بصعوبة لحد ما نبقى لوحدنا.
ضحكت، تُعقِّب على قوله بمرح:
كل ده وكنت ماسك نفسك؟ دي طَنط نجوان قرصتك في دراعك عشان تاخد بالك ومتتهورش!
عملت خير، ذكية وحاسّة بيا، أنا لولاها فعلًا مكنتش وقفت اللي بعمله.
توقف إيه تاني؟ ما أنت حضنتني جامد ومتكسفتش من الولاد.
قالتها بخجل لا يخلو من مرح، فجاء رده بالفعل مرافقًا لقوله، يُكوّب وجهها بين كفّيه، فيلثم جبهتها كبداية، قبل أن يطوف على باقي بشرتها مرددًا:
يعني أعمل كده مثلًا، وكده، وكده، وكده…
تابع حتى وصل إلى ثَغرها مردفًا:
ودي بقى كنت هموت عليها.
انفرجت شفتيها بغرض التحدث، فالتقط هو الفرصة ليحوّل الأمر لصالحه، مُحطًّا بشفتيه على شفتيها، ليأسرها في قُبلة كانت هي الأطول، ثم مال بها، ليتسطّح جوارها على الفراش، وما زال يُحكم أسرها بين ذراعيه، مُريحًا رأسها على صدره، متمتمًا بكلمات الحمد، لخالق الكون الذي يفيض عليه بنعمه، ويريح قلبه بعد عذاب.
فردت ذراعها هي الأخرى حول خصره، تتنفس الأمان في غمرته، والسعادة المُكتملة، قائلة:
أنا بحبك أوي يا رياض.
داخل صالون التجميل الخاص بالسيدات
كانت زهرة تدور بهاتفها لتلتقط العديد من الصور لشقيقتها صفية بعد أن انتهت من زينتها، وتبقى الآن فقد مجيء العريس؛ كان فمها لا يتوقف عن الإطراء بكلمات الغزل ربما تخفف عنها توتر الظاهر:
“قمر قمر يا حبيبتي، بسم الله ما شاء الله عليكي، اضحكي يا بت، خلي صف الأسنان الولي يظهر وينور الصورة كدة.”
مطت شفتيها بابتسامة مضطربة لم تُعجب زهرة، حتى هتفت بها تطالبها:
“إيه الابتسامة السخيفة دي، ما تفردي وشك كويس يا بت.”
ردت صفية بعصبية تنبع من توترها الشديد:
“اهي دي بقى اللي عندي، مش عاجباكي يا زهرة، متصوريش، أنا أساسًا مش عايزة صور ولا زفت.”
“يا ستيير.”
تمتمت بها زهرة باضطراب انتقل إليها؛ فبرغم كل المحاولات التي قامت بها معها لتهدئتها، إلا أن الفشل كان نصيبها؛ لا تدري ماذا تفعل لفك جمود شقيقتها وتجمدها.
فاقت من شرودها بقدوم صديقتها العزيزة كاميليا، تتحدث رافعة حاجبها باندهاش:
“إيه ده؟ هي دي عروستنا صفصف ولا أنا غلطت في العنوان.”
استجابت بشبه ابتسامة أثارت ارتيابها، فتكفلت زهرة بالرد:
“ادخلي يا كاميليا، سيبك من العروسة المبوزة وتعالي لصاحبتك، هي اللي عايزاكي.”
قطبت كاميليا تقترب من الاثنتين متسائلة:
“تبوز ليه؟ كف الله الشر في يوم زي ده، مالك يا صفصف، في حاجة مديقاكي؟”
حركت رأسها بنفي وإنكار:
“لأ طبعا، مفيش، ولا متعصبة ولا أي حاجة.”
لم تقنع الإجابة كاميليا، فاتجهت بنظرتها نحو صديقتها التي وضحت لها:
“مش متعصبة خناق، هي متعصبة توتر.”
“إيييه توتر!”
صدحت بها كاميليا لتواصل استهجانها:
“توتر إزاي يعني، هو إحنا قليلين؟ ولا إحنا قليلين، ما انتي زي القمر أهو والارتست مظبطاكي تمام، يبقى إيه اللي خليكي تقلقي بقى؟”
كادت أن تتحدث ردًا لها، ولكن زهرة سبقت لتهمس لها ببعض الكلمات التي جعلت الأخرى تشهق فاغرة، فاهاها، ثم تضحكان بصوت مكتوم، مما أثار التوجس بقلب صفية لتتهتف بهما:
“بتقوليلها إيه يا زهرة؟ شكلك بتقوليلها حاجة قبيحة، والمصحف أنا قلبي حاسس.”
علا صوت الضحكات، حتي انتقل الحديث إليها بالهمس داخل أذنيها من الناحيتين، مرة بالتساؤلات ومرات بالمزاح الذي كان يستفزها معظم الأحيان؛ ولكن رويدًا رويد أصبحت تشاركهم الضحك على خجل، حتى استرخت ملامحها واندمجت، وحين جاء ميعاد دخول العريس: فغر فاهه هو الآخر بعدم تصديق، بمجرد أن وقعت عينيه عليها، مرددًا بمزاح بدد رهبتها:
“يا نهار أبيض، دي الأستاذة؟ ليكون أنا غلطت في العنوان، معقول دي الأستاذة الآنسة صفية.”
ضحكت زهرة وكاميليا والعاملات لمزاحه، مما أثار غيظها؛ حتى إذا اقترب منها وكزته على ذراعه فتوجع متمتمًا:
“آه براحة يا أستاذة، كدة على طول، طب استني شوية مش قدام الناس.”
زجرته بعيناها حتى يكف عن عبثه، ولا يزيد عليها أمام الخبيثات المرافقات لها وعاملات المحل؛ فتبسم بتفهم وأعطاها باقة ورد بلفتة رومانسية، تبسم لها ثغرها؛ فازدادت ملامحها فتنة، ليجذبها على حين غرة، خاطفًا قبلة من فوق جبينها أجفلتها؛ حتى كادت أن تبدى اعتراضها، ولكن لحقها من البداية، ليلف ذراعه حول ذراعها هامسًا كي يزيد من خجلها:
“دي حاجة بسيطة، تعبير عن محبتي؛ لسة التقيل ورا.”
❈-❈-❈”
واقفًا بمدخل الغرفة، متكئًا على الساحرة. أنثى مكتملة بحق. مرت سنوات على زواجه بها، ولم يملّ أو يقلّ شغفه بها مرة، حتى عندما خانها ذات يوم. وحين واجهته بمعرفتها، توقف ولم يكرر خطأه من أجلها، فقد أصبحت تمثل له شيئًا ليس بالهين، لا يستطيع الاستغناء عنها، لا يستطيع تركها. هذه المرأة أجادت استخدام أسلحتها حتى تمكنت من ترويض رجل مثله.
هتفضل واقف تبصلي كده كتير؟
جاءت كلماتها تخاطبه عبر انعكاس صورته أمامها، فخطا نحوها حتى اقترب، ولفَّ ذراعيه حول خصرها من الخلف، ثم مال بوجهه ليطبع قبلة رقيقة على كتفها العاري، هامسًا بإعجاب.
طب أعمل إيه؟ ما أنا كنت داخل صدفة، لقيت لوحة ساحرة قدام عيني خطفت عقلي، وقدام جمالها ده مقدرتش أتحرك ولا أروح ولا أجي، تنحّت كده مكاني، يعني إنتِ السبب.
ضحكت بانتشاء، مستمتعة بوابل الغزل الذي يغمرها به دائمًا، ممتنة لتقديره. فهي لا تكف عن الاهتمام بكل تفصيلة في جسدها، من شعر رأسها حتى أصغر ظفر في قدمها، فقط لتظل في عينيه ولا يرى سواها. وقد نجحت في ذلك إلى حدٍّ ما… أو هكذا تظن. لكن هاجسًا يطلّ برأسها، يبدد فرحتها في كل مرة يغمرها بعشقه كما يحدث الآن، لتسأله فجأة عمّا يشغلها دائمًا:
كارم، أنا لو عجزت، هتفضل تحبني كده؟ أو بمعنى أصح، لو بقيت وحشة وحصل أي حاجة شوّهت شكلي – لا قدر الله – هتفضل تحبني كده؟ ولا هتشوف واحدة غيري؟
استوقفه حديثها الغريب، ففكّ ذراعيه عنها وأدارها نحوه ليواجهها وجهًا لوجه.
ليه بتقولي كده؟ ما إنتِ زي الفل و…
بس أنا سؤالي، لو مابقتش زي الفل… يا ترى هتسيبني يا كارم؟
بدا أنها مصرة بالفعل، تجبره على الإجابة عن سؤال لم يخطر له ببال أبدًا. هل كان ليختارها حقًا لو ذهب عنها جمالها؟!
لاحَت الحيرة على ملامحه، بينما كانت تستجديه بعينيها، لا تريد الكذب، بل تبحث عن الحقيقة في أمرٍ صعب كهذا! يا لعقل النساء!
زفر، رافعًا رأسه للسماء قبل أن يعود إليها سريعًا، يقرص وجنتها بين إصبعيه، قائلًا:
يا مجنونة، يا أمّ مخ طاقق! لو الموضوع متعلق بس بالجمال، كان إيه اللي هيجبرني أكمل معاكي إنتِ بس، وأتوب عن باقي الصنف من غير ما أخونك مع واحدة منهم؟
يعني إيه؟
يعني أنا مستغني بيكي عن الجميع، حتى لو بقيتِ عجوزة أو مشوّهة. يخرب بيت مخّك.
يعني إنت بتحبني لشخصي؟
أيوة زفت، عايزة إيه تاني؟
كطفلة صغيرة تلقت هديتها الغالية، ألقت بثقلها عليه، تحتضنه بلهفة، مرددة:
وأنا بموت فيك يا كارم، والله بموت فيك.
ضحك، يشدّد عليها بذراعيه هو الآخر مردداً:
والله مجنونة!
❈-❈-❈
دلف إلى المنزل بعد أن فتحه باستخدام النسخة التي يملكها من المفاتيح، ووضع أكياس الفاكهة والحلويات التي اشتراها على المنضدة التي تتوسط الردهة. جال بعينيه باحثًا عنها، ليخمن مكان تواجدها بناءً على مصدر الصوت القادم من الأغاني الشعبية التي يعرفها.
لم يجد صعوبة في البحث، فقد وجدها في غرفة الأطفال التي لم تأتِ بعد، جالسة على أحد التختين في شرود جعلها لم تنتبه لقدومه، إلا عندما أغلق السماعة التي كانت تصدح بالأغاني.
لتجفل، ناظرة إليه بجزع، ثم سرعان ما تلاشى ذلك الجزع بعد أن تأكدت من هويته، ليخرج صوتها بلوم وهي تخاطبه:
خضتني يا طلال، مش تعمل أي صوت ولا حركة وإنت داخل؟
ابتسم بسخرية وهو يتخذ طريقه إليها، ليجلس بجوارها على الفراش، مرددًا: …
أي حركة ولا أي صوت ده اللي هتحسّي بيه وإنتِ معليّة الأغاني لآخر العمارة، وكماااان سرحانة؟ في إيه يا غالية؟ إيه اللي واخد عقلك؟
قال الأخيرة، وهو يدفع كتفها بكتفه بمناكفة، لكنها لم تتأثر بها، وجاء ردها بفتور.
وهي دي عايزة سؤال؟ طبعًا بفكر في المصيبة السودة اللي أبويا ورّطنا فيها، الديون اللي عليه من ورا هباب البرك اللي كان متجوزها، محدش عارف طريقة نسد بيها، خلصت على كل النقدية اللي كانت معانا، وبرضو الشيكات مش خلصانة، أنا مش فاهمة هي إزاي قدرت تمضيه؟
صدرت منه ضحكة عالية، خالية من المرح، وهو يعلق على قولها.
أو:
ودي محتاجة نباهة دي؟ أبوكي ريل أول ما رنّت عليه بالتليفون وقالتله “نتصالح”، كان مفكرها اشتاقت لحسنه وجماله، ميعرفش إنها كانت عاملاله فخّ، عشان تمضيه على الأوراق من غير ما يحس! يا مؤمنة، دي محطّتلُوش حاجة صفرا ولا منوّم زي ما بنسمع، ده سخسخ منها بمجرد ما ساقَت عليه الدلع وشغل النسوان إياه، إيده مضت من غير ما يعرف المكتوب في الورق، بذمتك ده حد يزعل عليه؟
انتابها الحرج الشديد من حديثه، فسارعت بالتبرير بنوع من التساؤل.
ده مهما كان برضو يبقى أبويا يا طلال، ده غير إن المصيبة تخص الكل مش هو بس؟ لكن إنت عرفت منين التفاصيل دي؟
أجابها وهو يضع قدمًا فوق الأخرى.
عرفت من أبويا طبعًا، ما هي دي حاجات ميقدرش يحكيها قصادكم إنتو عيلته، متزعليش مني بس أبوكي يستاهل كل اللي يجراله.
اعترضت بغضبٍ شديد، ظهر جليًا في نبرتها.
طب أهو اللي حصل بقى، هنعمل إيه في الورطة اللي اتورطناها معاه؟ لا هو ولا أي حد من إخواتي معاه نص الفلوس.
فاض به منها، ليهدر حاسمًا:
هما رجالة ويعرفوا يتصرفوا… مش إنتِ تسمعي الشكوى من أمك، وتيجي على العشية تنكّدي عيشتي؟ اصحي يا سامية، مش يبقى هما عايشين حياتهم وأنا أشيل الطين! أبوكي لو غلب خالص يبقى يبيع الوكالة.
صاحت رافضةً تمامًا، غير متقبّلةٍ لما قيل.
“لا طبعًا ما ينفعش، دي أبويا عاملها بدم قلبه، تيجي واحدة زي دي تلهف تعب السنين في ثانية! ده حتى ما يرضيش ربنا.”
أسهبت في حديثها حتى غفلت عن الحقيقة التي يدركها هو، كما يدركها غيره من أهل الحارة، ليواجهها بها دون مواربة.
“وهو كان يرضي ربنا لما أكل نصيب أخوه وحرم اليتامى منه؟ أديهم اليتامى نفسهم استغنوا وربنا كرمهم من فضله، لكن جات اللي تخلّص على الأخضر واليابس، الحلال بالحرام من فلوس أبوكي.”
برقت عيناها استعدادًا للاحتجاج ورفض التصديق، لكنه لم يمنحها فرصة للإنكار أو المراوغة.
“الكلام ده أنا مش جايبه من برّه، وافتكري كويس إن أبويا كان شاهد على كل المراحل.”
أطرقت رأسها هذه المرة بخزي، حين واجهها بالحقيقة التي ترفض الاعتراف بها، فواصل حديثه ليُنهي الأمر تمامًا.
“خلاص يا سامية، خلينا نقفل على الموضوع ده، بس أرجع وأقولك تاني، بلاش ترمي ودانك لأمك وتشوفي الحقيقة من وجهة نظرها، إذا كان إخواتك نفسهم مش هاممهم عشان عارفين اللي فيها، ده سامر شوفته متشيّك وأنا جاي بسأله على فين، قالي إنه رايح فرح المحامية، فوكّك بقى وقومي كده فرفشي.”
بدا عليها شيء من الاقتناع، فأخذت لحظات للاستيعاب قبل أن تعقّب:
“وعايزني أفرفش وأعمل إيه يعني؟ أرقص لك مثلًا؟”
وكأنه وجد ضالته، التمعت عيناه بشغف وهو يردد:
“طب وما ترقصي فعلًا، إيه يا بت اللي يمنع؟ ده أنا جوزك حلالك، ده غير إنك ما عملتهاش من أول ما اتجوزنا، قومي يا سامية، أنا لازم أشوف رقصك دلوقتي، ولا إنتِ ما بتعرفيش ترقصي كويس؟”
“فشر! مين دي اللي ما تعرفش؟ ده أنا أشطر من صافيناز، ولا إنت مش فاكر رقصي وسط البنات يوم فرحنا؟”
“قالتها بانفعالٍ أشعل رأسه، فابتلع ريقه وردد خلفها:”
“صافيناااز كمان! طب ما توريني يا ست صوفي، أصل بصراحة أنا ما كنتش مركز.”
“ما كنتش مركز!”
تمتمت بها وهي تنهض من جواره، ثم أردفت بتحدٍّ:
“طب أنا دلوقتي هخلي الذاكرة ترجع لك.”
قالتها، ثم اتجهت نحو السماعة التي كانت تصدح منذ قليل، وضبطتها على موسيقى للرقص. تناولت طرحتها ولفّتها حول خصرها في الأسفل، ثم بدأت وصلتها بالتمايل بهدوء قاتل، لتزيد رويدًا رويدًا حتى تهتز بقوة، مما جعله ينتفض من مجلسه مهللًا.
“أيوة بقى، على الطلاق إنتِ أحلى من صافيناز نفسها!”
❈-❈-❈
“فرحة أخيرًا تجمعنا، ولا حد هيقدر يمنعنا
وأخيرًا هديت، مقفول علينا بيت
وصبرنا له معنى، ودي فرحة بتجمعنا
قدام العالم، إنتِ مراتي
وده كل اللي أنا عايزه في حياتي
ولا يهمنا مين، دي عيون حاسدين
والحلم ده بتاعنا، ودي فرحة بتجمعنا
يا أصحاب يا أغراب، خلاص كتبنا الكتاب
شوفوا حبيبة قلبي
لو ماشي بعكاز، طقم سنان أو محتاس.”
تلك الأغنية التي كان يراقصها عليها أمام الجميع، رافضًا خجلها، مثبتًا لها بالفعل قبل القول أنها زوجته الحبيبة التي يفتخر بها وبعشقه لها. لم يتوقف عن الهمس في أذنها بكل كلمات الغزل، ولا عن تدليلها بما تستحق، فهذا وقتها كي تعيش أنوثتها التي تخفيها خلف رداء الأستاذة، مناصرة الضعفاء من النساء.
أما عنها، فكثيرًا ما كانت لا تصدق نفسها وهي تجاريه في جنون رقصته، أو حينما تضحك على مزاحه الوقح أحيانًا، رغم تحذيرها له بألّا يعيده، وهو بالطبع لا يفعل.
“بحبك يا صفية، بحبك.” تمتم بها، وهو يخطفها بين ذراعيه ويدور بها في لفة كبيرة كما وعدها سابقاً، غير آبهٍ باعتراضها. فنال تشجيع الملتفين حولهما من أصدقاء العريس وصديقات العروس، الذين تفاعلوا بالتصفيق والصفير.”
لفت مشهدهم الجميل انتباه الجميع، ومن بينهم بالطبع تلك المجموعة التي إجتمعت حول طاولة خاصة بهم: جاسر وزوجته زهرة، طارق وزوجته كاميليا، وبالطبع رياض وبهجته، التي علّقت بمرح:
“يا حبيبتي يا صفية، تلاقيها بتدعي عليه دلوقتي، بس ماسكة نفسها بالعافية.”
ضحكت زهرة ثم علّقت هي الأخرى:
“اسكتي، ده إحنا اتطورنا! بتضحك أهي، ومن شوية كانت بتعرف ترقص، ده أنا قلت هتسيب الفرح ومش هتكمله، بعد النكد اللي كانت عاملاه مع الميكب أرتيست، طلعت عين البنية.”
ليه يعني؟ دي حتى جميلة وما شاء الله عليها النهارده.” قالها جاسر، غير منتبهٍ لتبادل النظرات الماكرة بين زوجته وصديقتها، قبل أن تنضم إليهما بهجة، التي فهمت هي الأخرى.
فتدخل طارق بعفويته:
“العريس باين عليه بيحبها، وعامل فرح حلو وشيك.”
“مش شيك أوي، هو واد مرووش أصلًا.”
قالها رياض بتقليل، لينال نكزة بمرفق زوجته، التي همست له محذرة:
“امسك لسانك شوية، صفية تبقى أخت زهرة، يعني أكيد مش هيعجبها الكلام لو فتحت مع أصحابك.”
رد هامسًا هو الآخر:
“ما أنا مش هحبه في يوم وليلة، الواد ده كان مطلع عيني، ولا فكراني نسيت؟ صاحبتك عملت خير لما قبلت بيه، ياللا خليها تشرب بحق عمايلها معايا هي كمان.”
“قطبت بحيرة لم تستطع إخفاءها.”
“يا نهار أبيض على قلبك الأسود يا رياض!”
“أوي أوي كمان.” تمتم بها مؤكدًا، قبل أن يلتفت على هتاف زهرة:
“الله يا بهجة! مش حماتك دي اللي بترقص هي والواد الأجنبي؟”
التفت رياض نحو الجهة التي أشارت إليها زهرة، ليجد والدته بالقرب من مسرح العروسين، تراقص الطفلين برقة وعذوبة، فخطف مشهدها المبهج الأبصار، وأسر أنظاره تمامًا.
بهجة، هي الأخرى، خفق قلبها للمشهد، شاكرة الله أن مَنَّ على شقيقتها بتلك المرأة التي غمرتها بحنانها كأم، تمامًا كما فعلت لاحقًا مع آدم، والذي أخبرت زهرة عنه قائلة:
“ده آدم ابن جوزها المرحوم حكيم يا زهرة.”
“آه يا قلبي، ربنا يباركلها ويديها على قد طيبة قلبها، بصراحة فرق السما والأرض بينها وبين طنط بهيرة.” قالت الأخيرة زهرة بهمس، تخفي فمها بكف يدها، حتى أثارت ضحكاتهن نظرات البعض نحوهن، قبل أن ينتبه الجميع إلى صوت مقدم الحفل وهو يهتف عبر الميكروفون، لاقتراب الأزواج المرتبطين لمشاركة العروسين الرقصةالرومانسية التالية
كان خالد وزوجته نوال أول من دلف إلى قاعة الرقص، فهتفت كاميليا بحماس:
“شايفة يا زهرة، خالك سحب مراته عشان يرقصوا.”
“وأمام وغادة هما كمان.”
علّقت بها زهرة، لتجد الرد حاضرًا من زوجها:
“وإحنا اللي هنقعد مكانا؟ قومي ياللا قبل ولادك ما يسيبوا جدهم ويطبوا علينا كالعادة.”
قالها مشيرًا إلى الطاولة التي يجلس عندها والداه، وحولها تجمع الأطفال الصغار، فانتفضت هي الأخرى باستدراك:
“آه والله عندك حق، ده أنا ما صدقت.”
علّق طارق هو الآخر نحو زوجته:
“أظن إن بنتك مفيش قلق عليها.”
قالها مشيرًا إلى فاتنته الصغيرة، ابنته، التي كان مجد، أكبر أبناء جاسر، يراقصها بحمائية وحنان كعادته، فانعكس إحساس الأمان على والديها كنتيجة حتمية، مما جعل كاميليا تنهض دون تردد، وتجيبه:
“لا يا سيدي، مفيش حاجة تمنع. الحمد لله، أخوها الصغير مع المربية في البيت.”
“أيوة بقى، خلينا نشم نفسنا شوية.”
“قالها طارق، ثم سحبها ولحق بمن سبقوه، فبقي رياض وزوجته، بهجة قلبه، التي نظر إليها بعينيها الخضراوين الساحرتين، بينما تطل الرغبة منهما بوضوح، فبزغت ابتسامة مشاكسة على شفتيه وهو يقول لها:”
“وانتي كمان عايزة ترقصي زيهم؟ طب ده مفيش منه ضرر على حملك؟”
نفت سريعًا بتحريك رأسها:
“لا طبعًا، مفيش. دي خطوات هادية ورزينة، مفيش منها أي ضرر.”
“مفيش منها أي ضرر!”
قالها لينهض بحماس هو الآخر، يمد كف يده أمامها يدعوها:
“لا، مدام مفيش منها أي ضرر، هستنى إيه؟ ياللا.”
تلقفت دعوته الكريمة بلهفة، ووضعت كفها في يده، فرفعها إليه وهو يتمتم:
“ياللا بينا.”
وتحرك بها لينضما إلى مجموعة المحبين، حيث يتوسطهم العروسان السعيدان في مشهد يأسر البصر ويخطف القلب.
❈-❈-❈
وفي ناحية أخرى، دلف شادي بصحبة زوجته صبا، وقد برزت بطنها من أسفل ملابسها، لتُظهر حملها أمام الجميع، وتزيد من تسليط الضوء عليها في كل مرة تخرج معه، لتضاعف من حمائيته نحوها وخوفه عليها:
“ما تتحركيش كتير، وابعدي عن الزحمة، وإوعي ياخدك الحماس وترقصي وسط البنات عشان تجامليهم، وربنا هزعل يا صبا، ومش بعيد أسحبك من بينهم ولا هيهمني.”
زفرت بتذمر لتعيد عليه وتطمئنه:
“للمرة الألف حاضر يا شادي! عمال تنصح فيّا وتديني التعليمات، ده على أساس إنك بتسيبني أصلًا! هو أنا أول واحدة أحمل ولا أشيل عيل؟”
رمقها بضجر معقبًا على قولها:
“بلاش تراجعيني يا صبا، ولا أخدها من قاصرها وأرجع بيكي أحسن! أنا مكنتش عايز أجي أصلًا، ها، أعملها؟”
“لا، الله يخليك!”
“تمتمت بها لتلطّف الأجواء معه حتى لا يُقدم على فعلها وينفّذ ما يدور برأسه، فقد أصبحت تتوقع منه أي شيء منذ حملها، بسبب خوفه الشديد عليها.”
“أنت حبيبي، ولا يمكن تزعلني طبعًا! ده ما صدقت إنك توافق وتجيبني فرح الأستاذة صفية، وأنا هنفذ كل تعليماتك، ده أنا صبا حبيبتك اللي بتسمع كل كلامك.”
كالعادة، تغلبه. في كل مرة يحاول فرض رأيه، تُظهر ضعفها أمامه، وتضغط عليه بدلالها حتى تحصل على ما تريد. ومهما كان متشددًا، ينصاع لرغباتها في النهاية، ويعلن راية الاستسلام.
“ااااه؛ والله ما في حد بيسمع الكلام إلا أنا!”
❈-❈-❈
“كانت من بين الحضور، تشاهد السعادة التي تغمر شقيقتها وزوجها الذي يحيطها بحماية، وقد تكللت قصتهما بثمرة هذا العشق، التي ستأتي بعد شهور قليلة لتتوج حبهما وتزيد من ترابطهما.
وأزواج المحبين يشاركون في الرقصات الرومانسية بجوار العروسين في ساحة الرقص، في مشهد يبهج القلب ويداعب مخيلتها كفتاة تتمنى أن تجد من يشاركها تلك اللحظات، وتلك العاطفة التي لا ينالها سوى المحظوظين، وتتمنى أن تكون منهم.
“تحبي نشارك زيهم؟”
ارتجفت بتلك الكلمات التي صدرت من خلفها، وقبل أن تلتفت، وجدت أحد الأشخاص بالقرب منها يعيد على مسامعها:
“أنا شايف القمر واقف لوحده، وأنا كمان لوحدي. إيه رأيك لو عملنا كابل زيهم، ورقصنا إحنا كمان؟”
شاب في عمرها تقريبًا، لكن عيناه الوقحتان في تفحصها، ولا مبالاته بالحدث وبالبشر المتجمهرين حولهم، أصاباها بالخوف حتى لجم لسانها عن صده بما يستحقه. لكن النجدة جاءت من حيث لا تحتسب، حينما دُفع من أمامها بواسطة شخص ما، تبينت شخصيته من ظهره، وقد ألصقه بالحائط، يهمس بتهديد ووعيد:”
“لولا بس إني مش عايز أخرب الفرح ولا أطربقه ع اللي فيه، كان زماني شلفطت خلقتك اللي أنت فرحان بيها دي. امشي يا شاطر من قدامي، بدل ما أراجع نفسي وأعجنك مكانك!”
“سمع الشاب كلماته، وكاد يموت رعبًا من هيئته، فتحرك مهرولًا من أمامه، هاربًا من أن ينفذ تهديده.
“التفت إليها بملامحه المتجهمة مخاطبًا:”
“حتة عيل متني زي ده متعرفيش توقفيه عند حده؟ ولا كان لازم أنا أتدخل عشان أبعده؟”
“استطاع بكلماته أن يستفز ذلك الجزء المتمرد داخلها، فردّت معارضة:”
“أنا مش محتاجلك، لا أنت ولا غيرك! أنا بس كنت متفاجئة من جرأته، ده غير إني خوفت من الفضيحة، وده اللي أخرني.”
زفر وهو يعدل من وقفته، موجّهًا نظره نحو منصة الرقص، حيث لا تزال الرقصة بين المحبين مستمرة، فتلين نبرته بعض الشيء:
“الحاجات دي عايزة سرعة، بس أنا مقدر لَبْختك، لكن بنبهك للي جاي، يا بنت عمي. ما تخليش حد يستغل سهوتك زي ما حصل من شوية. العيل اللي من شوية كان باين عليه شارب، بس خواف، وده كان في صالحنا أكيد، بس مرة تانية محدش ضامن. لازم يبقى ليكي ضوافر تخربشي بيها.”
“متشكرة.”
خرجت منها بامتنان ورقّة متناهية، فألهبت مشاعر بدأت تنمو داخله نحوها، رغم محاولاته لكبتها، كما يفعل الآن. تشنجت رقبته في صراع داخلي حتى لا يلتفت إليها ويضعف، وحتى لا يزعجها كما حدث في المرة السابقة.
“على العموم، أنا قريب منك. خدي راحتك واطمني، الواد ده لا يمكن يقربلك تاني طول ما أنا موجود.”
وتحركت قدماه مبتعدًا عنها كما وعد، منشغلًا بأجواء الحفل. أما هي، فقد تأثرت بفعلته، وشعرت بشيء غامض يدور داخلها، يصرفها عن متابعة أي شيء سواه. راقبته بعينيها وكأنها تراه لأول مرة، شخصًا آخر، ليس ابن عمها الذي تعرفه منذ مولدها.”
“إن كانت هي قد نضجت، فهو قد تغيّر وأصبح شخصًا آخر……… شخصًا يثير اهتمامها!”
❈-❈-❈
تلك اللحظة التي لطالما هربت منها كلما خطرت في بالها، ها هي الآن قد أصبحت واقعًا… هي وهو، وقد انغلق عليهما باب واحد، داخل غرفة ستجمعهما في شقتهما الخاصة. تفرك كفيها بقلق، تجاهد التحكم به، تحاول استحضار روح الأنثى المتمردة الشرسة، تلك التي يصدح صوتها أمام رجال القضاء، تدافع عن موكليها أمام أعتى المجرمين مهما بلغت خطورتهم، ولكن يبدو أن تلك الأخرى قد هربت أيضًا.
لماذا الخجل؟ ولماذا الخوف في يومٍ كهذا، تمر به جميع النساء؟ ولماذا ال…
قطع سيل أفكارها تلك النظرات التي اصطدمت بها، حينما دلف إليها بعد توديع عدد من أقربائه قبل عودتهم إلى بلدتهم.
أطلَّ برأسه من المدخل قبل أن يدخل إليها، ثم أغلق الباب، وصفق بكفيه قائلاً:
والله، وفي الآخر بقيتي ليا يا صفصف، واتقفل علينا باب واحد.
انتفضت متراجعة إلى الخلف حينما همَّ بالتقدم نحوها، لترفع سبابتها أمامه محذرة:
أقف مكانك يا هشام، أنا بقولك أهو.
توقف فجأة، فاغرًا فاه للحظات قبل أن يصدر تعقيبه بسخرية:
ولما أقف مكاني وما أتحركش، هيبقى دوري إيه النهاردة بقى؟ بما إني عريس وكده؟
أخجلها كعادته، فتراجعت عن حدتها قائلة بتشتت:
آسفة، مش قصدي، بس أصل أنا يعني…
أنتِ متوترة.
قالها واقترب، يضم كفيها داخل كفيه الكبيرين، موجّهًا بصره إلى عينيها بتركيز شديد وتفهُّم، قائلاً:
اهدي كده ومن غير ما تتشنجي، إيدك متلجة قوي كده ليه؟ هو أنا هاكلك؟
هشام، ماتقولش كدة، وبطل…
أبطل قلة أدب، صح؟… للأسف، موعدكِش.
قاطعها بها ليواصل دون تردد:
النهاردة أنا وأنتِ مش بس عريس وعروسة، لا، أنا وأنتِ بنكون عيلة، أنا وأنتِ بنبتدي حياة، وربنا في كتابه العزيز بيقول: “هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ”، يعني أنا وأنتِ ستر لبعض، واخدة بالكِ؟
أومأت بنبرة اختفت حدتها، وحل محلها شيء يشبه الاقتناع:
واخدة بالي طبعًا، “هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ”، الآية الكريمة واضحة وما فيهاش أي لبس، أنا بس اللي متشنجة، مش عارفة ليه؟ أنتَ أكيد دكتور نفسي وفاهم حالتي، هو أنا كده مريضة؟
نفى على الفور، يجيبها:
لا طبعًا، الكلام ده فارغ، كل اللي عندكِ مجرد رهبة، أنتِ لا معقدة ولا خوافة، هي بس رهبة وهتختفي خالص دلوقتي وبين إيديا، وبمساعدتكِ أنتِ كمان.
بمساعدتي أنا؟
آه، بمساعدتكِ أنتِ.
تمتم بها، ثم لثم كفيها بشفتيه، مكررًا الفعلة عدة مرات حينما شعر بتجاوبها. ثم ترك كفيها وسحبها فجأة إليه، يحيط خصرها بذراعيه قائلاً:
من أول مرة شفتكِ وأنا حبيتكِ يا صفية، وأنتِ بقى؟
تمتمت برد مرتبك، وعدم تركيز:
ها؟ لا، أنا أول ما شفتك ما كنتش طايقاك، مش فاهمة ليه؟!.
ضحك، يزيد من تقريبها إليه، قائلاً:
طب ما أنا عارف، وده اللي خلاني تأكدت إنِّي علقت في دماغك، ودي في حد ذاتها كانت البداية.
تساءلت بفضول شغلها عن قربه:
يعني إيه؟
سمع منها، وازداد اتساع ابتسامته، لينهي الحديث بأسلوبه:
أشرحلك عملي يا صفية.
وقبل أن تستوعب، وجدته يجفلها بقبلته، يطبق شفتيه على ثغرها، يغلق كل حديث يشغلها، يمتص توترها كما يمتص رحيقها، يبثها الأمان، يهادنها ويدلّل أنوثتها، تلك التي كادت أن تُطمس أسفل ثوب القوة الذي تتخذه سلاحًا، دون أن تدري أن الضعف هو سلاح المرأة الأكثر فتكًا.”
يشكلها بين يديه حتى تصير أنثى كاملة
❈-❈-❈
تلك الليلة التي مرّت، ما أجملها!
ليلة امتلأت بسعادةٍ لم تسعها غرفة المنزل، سعادةٍ امتدت حدودها بين السماء والأرض،
حيث بات بها أسفل النجوم في تلك البقعة القريبة من البحر، بعدما خطفها عقب انتهاء زفاف صديقتها، ليأتي بها إلى هنا، على شاطئ البحر الخاص بعائلته.
أغلقا الهواتف، ليصبح العالم خاليًا إلا منهما. تحدّثا عن المستقبل والماضي وعن كل شيء، سهرا حتى غلبهما التعب والنوم. وحين بزغ فجر اليوم التالي، كانت ما زالت في حضنه، ولم يتركها، بل تشبّث بها وكأنه طفل صغير وجد أمانه الذي لا يريد التخلي عنه أبدًا.
رفعت رأسها عن صدره، تتأمل ملامحه الهادئة الساكنة، حتى وإن لم يكن أوْسَم الرجال، لكنها لا ترى في العالم غيره. أحبّته، لا، بل عشقته، سبحان من يؤلف القلوب ببعضها، من كان يصدق ان هذا المغرور الارستقراطي يكن من نصيبها هي في العلن الآن، بعد عذاب وشد وجذب ورفض بالاعتراف حتى رفع راية الاستسلام في الاخير
تبسمت بمرح كي تبعد ذراعه عنها حتى تحاول ايقاظه قبل أن تشرق الشمس ويفضحهم نور الصباح:
رياض، يا رياض، رياااض، رياض!
– امممم
زام بها برفض يحاول شد الغطاء الخفيف حتى يغطي رأسه وينقلب نائما على جانبه ولكنها أبت أن تعطيه غايته وحاولت بثقلها أن تمنعه مرددة :
– رياااض مش وقته خلينا نروح الشاليه وكمل نوم براحتك بقى……
شهقت في الاخيرة حينما قلب الوضع على حين غرة ، لتسقط بظهرها على الأرض ويصبح هو اعلاها، مثبتًا رسغيها بقبضتيه، مبتسماً بخبث استفزها:
– يعني انت صاحي اهو ، امال كنت عامل نفسك ميت ليه بقى؟
تبسم مرددًا بانتشاء:
– تقدري تقولي كدة ان الوضع كان عاجبني، ودلوقتي كمان اكتر.
زامت بفمها تدعي ضجرا زائفا، تحاول الهروب من تأثيره:
– اممم كان عاجبك الوضع، طب اوعي بقى خليني اقوم .
وهمت ان تدفعه من امامها، ولكنه ابي أن يتركها بدون أن ينفذ ما اشتاقت إليه نفسه، ورأته هي في عينيه من وقت نهوضه،
ينهل منها ما يعوض به تعب الليالي القاسية في ابتعادها عنه، لا يمل ولا يكتفي منها ابدا
اما عنها وقد تجاوبت معه واستجابت لرغبته، إلا ان عقلها الواعي جعلها تستدرك سريعًا، فتدفعه عنها على حين غرة بضربة قوية على كتف ذراعه اجفلته مندهشا، لتنهض هربا منه مرددة بأسف زائف:
– معلش يا بيبي اصلي مكنش ينفع معاك غير كدة .
– يا مجنونة
ردد بها مزهولا قبل ان ينهض من خلفها بتحفز جعلها تتراجع للخلف كلما تقدم بخطوة نحوها مرددًا بتهديد ووعيد:
– طب انتي قد الحركة دي
– بصراحة لا، بس انت تستاهل صراحة.
قالتها ثم ركضت نحو مياه البحر. لم تمهلها خطواتها الطويلة كثيرًا قبل أن يلحق بها، رافعًا إياها من خصرها في لمح البصر. صرخت برفضٍ لا يخلو من دلال:
سيبني يا بن حكيم، بتتشطر عليّا يعني عشان أنا واحدة غلبانة وحامل؟
ولما انتي غلبانة وحامل، بتتحديني ليه؟
ضحكت وضحك معها، حاولت المقاومة، ولكنه – كعادته – استطاع بقوته السيطرة عليها حتى لا تترك حضنه أبدًا.
وتحوّل مزاحهما إلى شيء آخر مع بدء الصباح وإشراق الشمس على مياه البحر الزرقاء، لتبدو كخيوط الذهب. مشهد بديع أذهل الاثنين في مشاهدته، وكأنه بداية جديدة تشهد على زيادة الرابط بينهما، بوجود الطفل الذي يتكوّن في أحشائها، ثمرة الوصال بعد عناء، وما أجمله من وصال!
❈-❈-❈
اما عن العروسين وقد كانا في طريقهما إلى مطار العاصمة، حتى يلحقا بالطائرة التي سوف تحط بهما في إحدى البلدان السياحية الشهيرة لقضاء اجازة العسل
توقف بهما سائق السيارة التي تقلهما، من أجل قضاء حاجة ما في نفسه امام احدى المساجد.
– معلش يا عرسان، دقيقة بس وراجع لكم .
تمتم بها الرجل يترجل مهرولا من السيارة، ليغمغم هشام في أثره بتذمر، ناقلا بعيناه نحو ساعة يده:
-‘ استغفر الله العظيم يارب، حبكت دلوقتى يعني، مكنتش قادر تستني على ما توصل بينا .
تسائلت نحوه بعدم فهم:
– وهو دخل الجامع ليه؟
سمع منها ليتناسى الرجل وغضبه، فيلتقط فرصته في الأنفراد بها ومشاكستها:
– راح مطرح ما راح بقى، تلاقيه هيفك نفسه، المهم انه عمل خير ، يسبنا الدقيقتين دول، حكم انتي وحشتيني اوي يا صفصف.
اجفلها فور ان ضغط على يدها يحاول تقريبها منه، لتشهق مجفلة في البداية ثم تصدر اعتراضها:
– ايه يا هشام انت اتجننت؟ إحنا في الشارع، ثم يه حكاية وحشتك دي، هو إحنا سيبنا بعض من امبارح اصلا؟
ضحك بمكر يعقب:
– وماله يا قلب هشام، ما انا بصراحة شوقي ليكي لازم يترجم بأفعال، وانتي فاهمة..
وصلها قصده الوقح، لتبرق عينيها بغضب امتزج بخجلها الشديد، فجاء ردها الذي يعكس اضطرابها بلكزة قوية من مرفقها على خصره جعلته يتأوه بتوجع :
– اه براحة يا صفصف ايدك ناشفة.
رمقته بتشفي مرددة:
– احسن، عشان تبطل قلة أدب
ضحك يضاعف غيظها مرددا؛
– لو على موتي ما ابطلها معاكي يا صفصف .
همت ان ترد ولكن منعها صوت انثوى تعلمه جيدا صدح من خلفها خارج نافذة السيارة :
– ست الأستاذة، وسيادة الدكتور خطيبها يا الف نهار أبيض، دا ايه الهنا دا يا ولاد.
التفت إليها صفية بابتسامة صفراء:
– ام ريري، اهلا
تدخل هشام مصححًا.
– معدناش خطاب، اتجوزنا خلاص، امبارح كانت دخلتنا .
هللت المرأة بسعادة تبارك وتهني الخبر السعيد:
– يا حلاوة يعني النهاردة صبحيتكم، يا الف نهار نادي، يا الف مبروك،
– الله يبارك فيكي، ما هو كله بسبب دعواتك.
قالتها صفية بغيظ قابلته المرأة بسجيتها وكأنها احدثت انجازا تتشجع بالمزيد:
– بقى دعواتي انا كانت السبب، طب روحي يا ست الأستاذة، ربنا يعمر بيكي انتي والدكتور جوزك، وتجيبي بدل العيل سبعة ولاد.
– سبعة.
رددت بها صفية بصرخة، تتذكر تاريخها الحافل معها بالدعوات الصائبة، لتبرق عينيها بتخيل سريع امًا لسبعة أطفال نسخة من ابيهم، ذلك الذي توسعت ابتسامته ترحيبا بدعوة المرأة، قبل ان يجفل برأس صفية التي سقطت على حجره على حين غرة ، فيهتف بها :
– يا نهار ابيض، صفية مالك ؟ ايه اللي حصل؟
هلعت ام ريري من الخارج أيضا هاتفه به؛
– هي ايه جرالها، اغم عليها ولا ايه ؟
جاء رد هشام إليها بلوم:
– مكنش لازم تخبطيها بالدعوة مرة واحدة كدة في وشها يا ام ريري، دي اساسا دعوة امي ليا، يعني مش بعيد تحصل بجد، ياللا بقى ملوش لازمة خليني افوقها،
قومي يا صفصف قومي، صفصف.
……..تمت ولله الحمد………..
انتهت احداث الرواية نتمني أن تكون نالت اعجابكم وبانتظار آراءكم في التعليقات شكرا لزيارتكم عالم روايات سكير هوم