رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل الرابع بقلم ولاء رفعت علي
تتمدد علي سرير الفحص داخل عيادة النساء داخل مشفي متخصص في حالات الولادة، تمسك بيد يونس الذي كان شارداً في عالم آخر، يبدو علي وجهها القلق و الخوف حتي اطمئن قلبها عندما قال الطبيب الذي يتفحصها علي جهاز الأشعة التليفزيونية:
"زي ما قولت لك يا مدام آسيل، دي مجرد أعراض طلق مبكر، اللي بتقولها عليها يا ستات دي تفاسيح ولادة، عمتاً لسه بدري و كلها خمس ايام و تبدأي في الشهر السابع".
سألته بلهفة:
"طيب يا دكتور البيبي عامل إيه؟".
أجاب و هو يضع الجهاز جانباً و يتناول محارم ورقية و يعطيها إياها لتزيل بها آثار المادة الجلاتينية الشفافة من علي بطنها المنتفخ
"الحمدلله الجنين وضعه كويس جداً من حيث الوزن و الحجم، هطلب منك بس شوية تحاليل زي اللي عملتيهم قبل كدة عشان نطمن عليكِ ".
"حاضر يا دكتور ".
تركت يد يونس و نهضت، بعد أن تركهما الطبيب خلف الستار العازل، قامت بإسدال طرف الثوب الذي ترتديه و أزاحت الغطاء و نزلت من فوق السرير، ربتت علي كتف هذا الشارد:
"يونس، أنا خلصت".
نظر إليها و سألها:
"بتقولي حاجة؟".
تعلم سبب حالته و هذا كافي لجعلها تشعر بالغيرة، لا تنكر عندما علمت إنه ذهب إلي المأذون من أجل الطلاق فكانت في حالة سعادة، فتلك الخطوة قدمتها لها كارين علي طبق من الذهب دون أي مجهود منها.
"يلا عشان ماشيين".
ذهبت إلي مكتب الطبيب الذي مد يده إليها بورقة:
"دي التحاليل المطلوبة و ممكن حضرتك بنفسك تجيب لي النتيجة، و مدام آسيل تيجي عشان المتابعة بعد أسبوعين".
رد يونس بإقتضاب:
"تمام يا دكتور".
غادر كليهما المشفي، و في السيارة ظل صامتاً حتي سألته:
"لما أنت بتحبها أوي كدة، ليه طلقتها؟".
أجاب بإقتضاب و ينظر إلي الطريق:
"دي كانت رغبتها".
"أنا عارفة اللي حصل ده كله، أنا السبب فيه، أنا آسفة يا يونس".
نظر إليها من خلال المرآة قائلاً:
"ما تعتذريش، أنا اللي غلطان و أنا اللي هاتحمل نتيجة اللي عملته".
سألته مرة أخري بدهاء:
"و هي كدة مش هترجع لك تاني؟".
توقف فجأة مما جعل إطارات السيارة تصدر صريراً أثر احتكاكها المفاجئ بالأسفلت، حدق إليها بأعين تندلع منها ألسنة لهب، فهي ألسنة نيران عاشق لا يعرف الهزيمة أو الإستسلام، أخبرها بتحديٍ و إصرار:
"أنا فعلاً نفذت لها رغبتها بس ده مش معناه إن إنا هابعد عنها، كارين ملكي و لحد آخر نفس في عمري مش هسيبها".
استمعت إليه و ما رأته داخل عينيه جعلها تريد أن تصرخ باكية، تتمني و لو جزء صغير من حبه إلي من أصبحت طليقته.
༺༻
ليلة قمرية و ضوء البدر يخترق زجاج أبواب الشرفة و تنير أرض الغرفة حتي المنتصف، و هناك ضوء مصدره هاتف يتسلط علي عينيها الزرقاء حيث تتصفح الصفحة الخاصة بها علي موقع التواصل الإجتماعي، تقرأ المنشورات الخاصة بأصدقائها و أشقائها تضحك تارة و تحزن تارة أخري، توقفت لدي منشور علي صفحة عامة، و كان محتواه كالتالي
"الحب قبل أم بعد الزواج؟ "
ضغطت علي علامة إعجاب ثم توقفت داخل مستطيل التعليق و كتبت
"الحب قبل الجواز بيحاول الطرفين يظهروا أحسن ما عندهم للتاني و خصوصاً الراجل بيكون ملهوف ديماً عليكي و بمجرد لما بيتجوزوا و الراجل يمتلك حبيبته اللي بقت مراته بيقل الشوق و الشغف اللي كان في البداية ده غير فرض سيطرته عليكي بدافع الخوف و الغيرة "
بدأت تتلقي إشعارات إعجاب و أحببت علي هذا التعليق، انتبهت إلي إشعار رسالة واردة في طلبات المراسلة، قامت بالنقر عليها وجدتها رسالة من حساب يبدو من الإسم «حبيبة زوجي» و الصورة إلي إمرأة ثلاثينية
"السلام عليكم "
ترددت ملك في الإجابة لكن ليطمئن قلبها أخذت تبحث في معلومات الأخري وجدت النوع أنثي و تقيم في القاهرة و تخرجت من جامعة عين شمس، ضغطت علي الصورة لتتأكد من التعليقات ماهية صاحبة هذا الحساب، وجدت من لديها تاركين تعليقات ما بين الإطراء و الإعجاب.
عادت إلي الرسالة فقامت بالرد
"و عليكم السلام"
حبيبة زوجي: "أنا إسمي سلمي محمد، ٣٠ سنة و أتمني نكون أصحاب"
ملك: "معلش يا سلمي بس أنا معرفكيش عشان نكون أصحاب"
حبيبة زوجي: "أنا آسفة لو كنت ضايقتك، أنا كنت شوفت تعليقك علي صفحة مشاعر و عملت لك عليه لاڤ لأن كلامك شبه اللي أنا عيشاه بالظبط و يمكن أسوأ"
كانت تقرأ الرد جيداً ثم كتبت: "إزاي؟"
سرعان ما بدأت الأخري في الكتابة و الإجابة علي سؤال ملك التي تنتظر بفضول أن تعرف قصة المرأة
"أنا متجوزة بقي لي خمس سنين، كنا أنا و جوزي واخدين بعض علي حب، بمجرد ما أتجوزنا أهتمامه بيا قل، يعني بقي كل اهتماماته الشغل و مشاغل بيتنا و أنا أخر واحدة في حياته"
تنهدت ملك و قالت بصوت لا يسمعه غير سواها:
"و مين سمعك الحال من بعضه"
"بتكلمي حد؟"
كان صوت مصعب الذي وصل للتو من الخارج، شهقت بفزع و وقع الهاتف جوارها:
"حرام عليك، مش تخبط و لا تكح، قلبي كان هيقف من الخضة".
يخلع سترته و يضعها علي الكرسي المقابل لطاولة الزينة ثم بدأ بفك ربطة العنق، عقب بنبرة يشوبها البرود:
"سلامتك من الخضة، ما أنتِ اللي قافلة نور الشقة و قاعدة في الضلمة لوحدك".
نهضت و ضغطت علي زر الإضاءة الخافتة ثم اقتربت نحوه:
"أنا سايبة إضاءة الـ kitchen شغالة برة، و هنا مفيش ضلمة زي ما أنت شايف النهاردة إحنا في نص الشهر العربي و القمر منور الأوضة".
نظر إليها في صمت رافعاً إحدى حاجبيه قائلاً بسخرية مازحاً:
"اعتبر ده غزل و لا جر ناعم؟".
وضعت يديها علي جانبي خصرها تحدق إليه بـ حنق:
"لا ده و لا ده، أنا قصدي علي القمر اللي في السما".
و أشارت إليه نحو الشرفة، أطلق قهقهه جعلتها تلكزه في صدره:
"ده أنت بقيت رخم أوي علي فكرة".
تقدم منها خطوة فأصبح قريباً منها تكاد تعبر من بينهما ورقة، يخبرها بنبرة يتخللها رومانسية شاعرية حالمة تحت ضوء البدر الذي يظهر جمال و بريق زرقة عينيها:
"أنا بقي بقولك القمر منور الأوضة و منور عليا حياتي، و بقوله كفاية بقي يا قمر كل شوية خناق و لا إيه؟".
غمز بعينه و نظرات الشوق و الرغبة تنضح من عينيه، حاوط جذعها بين ذراعيه، يحتضنها بلهفة و تيم
"القمر بيقولك إنه مش عايز حاجة منك غير الحضن ده و تقوله كلام حلو زي زمان و لا ما بقناش نعجب!".
رفع رأسه لينظر إليها و أمسك بيدها:
"مين الأهبل اللي قال كده؟،ده أنتِ أجمل بنت و ست شافتها عينيا، و إن كان علي حضني من يوم ما بقيتِ حلالي و حضني و كل ما فيا ملكك".
قام بتقبيل ظهر يدها و قبلة أخري في باطن كفها
"أنت ممكن تتجوز عليا في يوم من الأيام؟".
عقد ما بين حاجبيه ثم تذكر ما أخبره به قصي من زواج يونس من امرأة أخري، تحولت نظرة الإستفهام لديه إلي أخري ماكرة بل و خبيثة فقال:
"و إيه يعني لو أتجوزت تاني، و ما تخافيش هعدل ما بينكم هي يوم و أنتِ يوم و الجمعة هاخده أجازة منكم أنتم الأتنين هاخرج مع أصحابي أو أقعد مع نفسي".
بمجرد انتهاءه من حديثه الذي تعمد أن يخبرها إياه بجدية، رأي علي وجهها ابتسامة أثارت مخاوفه فهو يعلم إنها شديدة الغيرة عليه و ذلك النقاش لديها لا مزاح فيه بتاً، و في لحظة أرتطم ظهره في الحائط و تلابيب قميصه المفتوحة أزراره في قبضتيها:
"قول تاني كدة يا روحي!، أقسم بالله يوم ما تعملها مش هعمل زي الستات الهبلة تطلق و تبعد Never، ده أنا مين اللي هعمله فيك أنت و اللي مامتها داعية عليها هخلي الشيطان يسقف لي و يضرب لي تعظيم سلام و يقولي شابوه يا أستاذة".
وضع يديه علي قبضتيها و أقسم بأن جسدها يشع حرارة من حالة الغضب المسيطرة عليها، ضحك ثم قال:
"اهدي يا وحش، أنا كنت بهزر معاكِ، لو كنت عايز أعمل كدة كنت عملت من زمان و خبيت عليكِ و عمرك ما كنتِ هاتعرفي، بس أنا زي ما قولت لك أنتِ ماليه عينيا هبص بره ليه، و الدليل منار شغالة معايا بقي لها سنين و ربنا يعلم نظرتي ليها زي أختي مش أكتر".
صاحت بغضب أكثر:
"ما تجبش سيرة البت دي علي لسانك تاني".
رفع كفيه أمامها قائلاً:
"اهدي فيه إيه، خلاص أنا يعتبر نقلتها من الشركة كلها".
"يا سلام!، ليه مش ده اللي كنت بتحايل عليك و بقوله لك من زمان و أنت تقعد تقولي حرام عليكِ يا ملك، دي بنت غلبانة و ملهاش غير مامتها، دلوقت قلبك الحنين قسي و لا بتضحك عليا؟".
ضغط علي خدها بين سبابته و إبهامه يخبرها:
"لو مش مصدقاني أسألي قصي أخوكِ هاتكون عنده في الشركة من بكرة".
اتسعت عيناها فجأة، تدرك كلماته فقالت:
"اه منك يا سوسة، ربنا يكون في عون صبا شكلها هاتحصل كارين علي المأذون قريب".
عانقها مرة أخري:
"أخوكِ جبل، لا منار و لا ألف غيرها تقدر تهز شعرة منه، سيبك من كل دول و خليكِ معايا في إيه عمال اقولك أنا ملكك و ماليا عينيا مفيش أي ردة فعل كدة تروي عطشي!".
ابتسمت و تلمس ذقنه الحليق قائلة بدلال:
"لو عطشان عندك الكولدير برة مليان ميه علي الأخر".
وضع إبهامه علي شفتيها يلمس نعومتها:
"لاء أنا عايز أشرب عسل، فراولة، كريز".
أخذت تتمايل بين يديه و قالت:
"طب حاسب النحلة هتقرصك".
"مش مهم، كله يهون عشان العسل".
قالها و أنحني نحو موطن كلماتها، يرتشف قطرات العسل من بين فمها الذي لم يعرف كلمات الحب سوي معه هو فقط.
༺༻
تحتضن صغيرها النائم و تنظر إلي ساعة الحائط فوجدتها الثانية بعد منتصف الليل، أخذت هاتفها من جوارها فوق الكومود لتجري إتصالاً علي زوجها الذي تسميه علي هاتفها «روح قلبي»، فهو حقاً لديها بمثابة الروح التي تحيا بها، كثيراً ما يخالجها أفكاراً تنهش قلبها و تجعلها تشعر بغصة في لحظة و هذا بسبب معاملته الجافة منذ أن أصبحت زوجته، قد أخبرها إنه كان متزوجاً و أكتفي بتلك الكلمات، يخبرها حدسها أحياناً إنه مازال يحب و يعيش علي ذكري زوجته الأولي، و كلما سألته عنها تهرب من الإجابة، لذا حاولت بكل الطرق الإستحواذ علي قلبه و عقله حتي لو كان قلبه يدق للأخري، لكن هي سوف تجعله ينسي كل الماضي معها، فهي خير الزوجة المثالية تلبي له كل متطلباته قبل أن يتفوه بها، سيدة منزل ماهرة و تفعل كل شئ دون مساعدة من أحد، و بالرغم أخبرها بأنه سوف يجلب لها مربية أو مساعدة حتي تخفف عنها العبء قليلاً، لكن رفضت و قالت له هي ملكة هذا البيت و عليها أن تديره بنفسها و لا داع إلي وجود الغرباء.
تعتني بمظهرها و أناقتها أمامه، تريده أن لا يرى امرأة سواها فقط.
"هذا الهاتف ربما يكون مغلق أو غير متاح...
لمست علامة الإنهاء علي الفور، كم كرهت تلك الرسالة الصوتية التي تسمعها من حين إلي آخر.
أتاها صوت سيارة قد وصلت للتو، نهضت في الحال تلتقط حجاباً لترتديه و هذا لكي تنظر من النافذة و تتأكد هو من آتي أم لا، تنفست الصعداء عندما رأت سيارته، بينما هو ترجل و قبل أن يصعد نظر في هاتفه و يبدو إنه يجري مكالمة هاتفية، بعد دقائق قليلة قام بإنهاء المكالمة و صعد إلي البناء، عادت إلي الداخل و ألقت حجابها علي طاولة الزينة ثم نظرت إلي هيئتها المهندمة في المرآة، أمسكت بزجاجة العطر و قامت بنثر الكثير منها، كم أحبت ذلك العطر كثيراً و السبب لأنه يهديها إياه كلما فرغت الزجاجة.
ركضت لتفتح إليه الباب و عندما دخل قابلته بابتسامة و قامت بمعانقته:
"حمدالله علي السلامة".
بادلها العناق و لكن ليس بقوة عناقها إليه، يغمض عينيه و أخذ يستنشق عبق عطرها، طبع قبلة علي عنقها ثم قال و ينسحب بهدوء من بين ذراعيها:
"الله يسلمك".
وقفت خلفه لتساعده في خلع سترته و سألته:
"أنت أتأخرت ليه؟، أنا كنت هاموت من قلقي عليك، و فضلت أتصل عليك ألاقي رسالة مغلق أو غير متاح".
خلع قميصه و هو يدخل إلي الغرفة:
"الفون كان فاصل شحن".
عقدت ما بين حاجبيها و تنظر إليه بصدمة من كذبه، حيث رأته و هو يتحدث في هاتفه قبل أن يصعد، ابتلعت الغصة التي وقفت داخل حلقها و سألته:
"إزاي الفون كان فاصل و أنت كنت بتتكلم فيه قبل ما تطلع؟ ".
أطلق زفرة بضيق و قال بحدة:
"أنتِ هتحققي معايا!، بقولك كان فاصل شحن وقت ما أتصلتي، وصلته بعد كدة بالـ power bank قبل ما أوصل، لازم أشرح لك كل التفاصيل عشان ما تفتكريش إن بكذب عليكِ! ".
و في لحظة قامت بمعانقته من ظهره و قالت مُعتذره إليه:
"حقك عليا ما تزعلش مني، أنا مكنش قصدي حاجة من اللي فهمته، أنا كنت قلقانة عليك و خصوصاً لما أتأخرت لحد دلوقت".
تسحب من بين ذراعيها ثم ألتفت إليها دون أن ينظر في عينيها:
"كان عندي شغل متراكم و كنت بخلصه".
هزت رأسها تعقيباً علي حديثه ثم سألته بإهتمام:
"بما إنك مش بتتعشا أنا عاملة كريم كرامل أجيب لك؟".
"لاء، قصدي شكراً مش قادر أكل حاجة، أتغديت متأخر في الشغل".
أقترب منها و أغمض عينيه مرة أخري يستنشق رائحتها بعمق و طبع علي خدها قبلة ثم سألها:
"الأولاد فين؟".
أجابت و تشير نحو غرفة أبنائهما:
"قصي نام من بدري عشان عنده تمارين سباحة الساعة ٦ الصبح، و يزيد و سيف لسه نايمين من ساعة".
نظر إلي الساعة في شاشة الهاتف:
"خلاص روحي أنتِ نامي عشان تقدري تصحي و تروحي مع ابنك النادي".
"و أنت مش هتنام؟".
سألته فأجاب و ينظر في شاشة هاتفه:
"لاء أنا سهران، هخلص شوية حاجات كدة في أوضة المكتب".
ردت بإندفاع و حماس:
"و أنا كمان مش جاي لي نوم، ممكن أسهر معاك عادي، علي الأقل أونسك بدل ما تقعد لوحدك".
نظر إليها في صمت للحظات ثم قال:
"معلش يا دنيا، أنتِ عارفاني بحب أعتزل مع نفسي شوية".
حدقت إليه بأعين تقف علي اعتاب أهدابها الدموع، أخبرته و قلبها يخفق من الألم:
"من يوم ما عرفتك و أنت بتحب العزلة، عمرك ما شاركتني اهتماماتك، و لا قعدت معايا زي أي إتنين متجوزيين و نتكلم عن نفسنا أو حتي عن حياتنا، ممكن أعرف أنا إيه بالنسبالك؟".
لم يتلفظ بحرف لكن قام بجذبها من يدها برفق و دخل إلي غرفة النوم، أغلق الباب بقدمه ثم باغتها بقبلة بدت ناعمة يشوبها الحميمية حتي بدأت تتحول إلي قبلة قوية، لم تشعر بجسدها الذي حمله و هوي علي الفراش، مازال يقبلها و يعتصر جسدها بين ذراعيه حتي تأوهت داخل فمه، أبتعد و أخذ يلهث قائلاً:
"أنتِ مراتي".
سألته و في عينيها مئة سؤال تود أن تعلم إجاباتهم و في ذات الوقت غير قادرة علي التفوه بسؤال واحد منهم، فسألته بإقتضاب:
"و بس؟".
هبط بشفتيه علي خاصتها و وضع يده علي مقدمة منامتها الحريرية، وضعت يدها علي يده لتوقفه عما كان يفعله:
"أنا مش كل ما أسألك تكون دي إجابتك ليا، الحياة ما بينا مش كلها السرير".
أبتعد عنها و أطلق زفرة بضيق:
"مش هنخلص من الأسئلة اللي مالهاش ستين لازمة، بطلي بقي الأوهام اللي دماغك و هتخرب عليكِ حياتك".
نهضت و وقفت أمامه لتخبره بدفاع:
"ملهاش لازمة عندك، بس ليها عندي، من يوم جوازنا عمري ما شوفت لهفتك عليا أو نظرة حب زي ما بتقول، كلامك ليا بحسه جبر خاطر مش أكتر، كنت فاكرة إنك من النوع اللي ما بيعرفش يعبر بالكلام عن مشاعره، لكن اللي شوفته معاك طول الـ ٨ سنين بيقولي إنك عايش معايا جسد من غير قلب و لا عقل حتي، علي طول سرحان مش بتنطق، من أقل حاجة بتتعصب حتي لو علي حاجة هايفة، حتي ولادك علاقتك بيهم هي بتصرف عليهم مش أكتر، لا قربت من ولد منهم و قعدت تتكلم معاه زي أي أب و لا عمرك سألت عملوا إيه و لا معملوش، أنا اللي عايشة دور الأب و الأم معاهم، و بالنسبة ليا أنا علاقتك معايا مقتصرة هنا".
أشارت إلي الفراش و أردفت:
"و لما بتقوم من جمبي بترجع لوضعك الصامت و الجواب علي قد السؤال، و في الأخر بتقولي أوهام في دماغك".
تهرب من النظر إليها و اتجه نحو الخزانة، يخلع ثيابه و يأتي بأخري نظيفة ثم ذهب إلي المرحاض، و قبل أن يدخل قال:
"واضح إن حد بيلعب في دماغك، و أنا حذرتك كذا مرة إن اللي ما بينا ما يطلعش برة، لكن إزاي تقدري تخبي حاجة علي جدتك، عموماً خليكِ علي وضعك، إما بقي قربي منك لو بيضايقك أنا بقولك حقك عليا، و أوعدك مش هقرب منك إلا لو كانت دي رغبتك".
غرت فاها من حديثه الذي قلب من خلاله الأدوار، فأصبح هو الآن المظلوم و هي التي تجني عليه بالإفتراء.
دخل إلي المرحاض و أغلق الباب، تركها في صراع ضاري بين أفكارها، لم تستطع السيطرة علي عبراتها فأطلقت سراحها و أخذت تبكي، كم تعاني من الضغوط النفسية و آلاف الأسئلة تلقي بها خلف ظهرها حتي تراكمت و أصبحت جبلً آيل للسقوط فوق رأسها.
مرت خمس دقائق علي هذا الحال، حتي فاض بها الأمر، لم تشعر بنفسها و اندفعت إليه حيث فتحت باب المرحاض و دخلت لتجده يقف أمام المرآة يرتدي منشفة حول خصره فقط، و يمسك بآلة الحلاقة يشذب بها لحيته، نظر إليها من طرف عينيه و قال لها و كأن لم يحدث شئ أو حتي يكلف عناء نفسه أن ينظر إليها مباشرة و يرى عينيها التي جعلها تذرف دموعاً:
"دقيقة هخلص حلاقة و خارج".
لو كان الذي أمامها جبل جليدي لكان تحرك و أنصهر من أجلها، لكن الذي أمامها تعدي مرحلة برودة الأعصاب إلي مرحلة تجمد المشاعر، رجل بلا قلب.
صاحت باكية:
"أنا مش عايزة الحمام، و بطل بقي برودك المستفز معايا، حرام عليك ده الحيطة قربت تنطق و أنت و لا أي إحساس، هو سؤال واحد و عايزاك تجاوبني عليه، أنت بتحبني يا كنان و لا لسه بتحبها؟".
أنتهي لتوه من الحلاقة فقام بفتح الصنبور، غسل وجهه و تناول المنشفة، أخذ يجفف وجهه جيداً، أقترب منها و قال بهدوء يُحسد عليه:
"أنا لو مش بحبك مكنتيش هتبقي علي ذمتي لحد دلوقت، حطي عقلك في راسك...
و وضع طرف سبابته علي رأسها:
"و بطلي ترمي ودانك لحد، لأن الموضوع ده لو أتفتح تاني أنتِ اللي هاتزعلي، تصبحي علي خير".
ترك المنشفة في يدها و ذهب من أمامها، فها هو من جديد يضع الخطأ عليها و جعلها تعود إلي متاهة أفكارها التي لا ترحم.
༺༻
أشرقت الشمس بنورها الساطع، نفذت أشعتها أقطار نوافذ القصر، رنين منبه يصدر من الهاتف جعلها تستيقظ بكسل، تثائبت و نظرت بجوارها وجدته مازال نائماً، تتذكر متي جاء حيث غفت مبكراً بالأمس.
كادت تتحرك فقام بمنعها عن النهوض، لف ذراعه عليها و قال بصوت يغلبه النوم دون أن يفتح عينيه:
"صباح الخير".
ألتفت لتصبح ممددة علي جانبها في مواجهته قائلة:
"صباح النور، إيه اللي مصحيك بدري، و شكلك رجعت متأخر إمبارح".
فتح عينيه و سرعان ضيق إياها بسبب ضوء الشمس الساطع في الغرفة:
"ما أنتِ عارفة بمجرد ما بتقومي جمبي ما بعرفش أنام".
حاوطت عنقه بيدها و ابتسمت:
"إيه الكلام الحلو اللي علي الصبح ده، بحبك و أنت مزاجك رايق خصوصاً لما بتصحي من النوم، بتبقي زي البيبي في براءته".
عقد حاجبيه و سألها:
"ده كلام حلو برضو و لا تريقة؟".
أطلقت ضحكة رنانة جعلته يرفع حاجبيه مبتسماً، يرمقها بدهشة:
"إيه الضحكة دي!".
أجابت من بين ضحكتها:
"معلش يا بيبي هي طلعت كدة، هابقي أعملها silent المرة الجاية".
حاوطها من خصرها و ألتصق بها قائلاً:
"بتعتذري عن إيه، لو تعرفي ضحكتك دي عملت فيا إيه".
ابتسمت بمكر و سألته:
"عملت إيه؟".
"هاتعرفي دلوقت".
قالها و أنهال علي وجهها بقبلات تدغدغها، ضحكت و تدفعه برفق لتبتعد:
"بس يا قيصو، خليني أقوم أصحي زوزو و مالك، نص ساعة و الـ bus هيجي ياخدهم".
مازال مستمر في قبلاته قائلاً من بينها:
"هكلم السواق أقوله ما يجيش و أنا هاخدهم أوصلهم بنفسي، ركزي معايا و عايز أسمع ضحكة أجمد من اللي قبلها".
"هي بتطلع من غير قصد كده لوحدها".
"مليش دعوة، أضحكِ".
و أخذ يدغدغها، ضحكت و قالت:
"الله بقي عليك، هو الضحك بالعافية!".
"مش هاسيبك غيري لما تضحكي".
نهض و جلس علي ركبتيها و قام بتقيد يديها معاً و بيده الأخري يدغدغها
"بس يا قصي، مش قادرة أضحك، إيه الهزار التقيل ده علي الصبح".
كانت تنطق بها من بين ضحكاتها حتي توقفت عندما أنفتح الباب فجأة و ولجت صغيرتها تضع يديها علي جانبي خصرها:
"الله، الله يا بابي أنت و مامي، سايبيني صاحية في أوضتي لوحدي مستنية مراتك اللي بدل ما تيجي تلبسني الـ uniform و تحضري لي الـ lunch box، عمالة تلعب معاك و تضحك و مش مشكلة عيالها".
نهضت صبا و نظرت إليها بتحذير:
"بنت مش قولت لك قبل كدة فيه باب بنخبط عليه و نستأذن؟".
همس قصي إليها:
"إهدي و أنا هفهمها براحة، قومي شوفي مالك و حضري لهم حاجتهم".
أطلقت زفرة تدل علي صبرها الذي نفذ قائلة:
"أقعد أنت بس دلع فيها لغاية محدش فينا هيقدر عليها بعد كدة و أنت السبب".
حدق إليها بنظرة تحذير، تركته و ذهبت، أشار إلي ابنته:
"تعالي يا زوزو".
ركضت و وقفت أمامه تنظر ببراءة زائفة:
"أنت زعلان مني يا حبيبي؟".
حملها و جعلها تجلس أعلي فخذيه ليخبرها قائلاً:
"حبيبك ما بيزعلش منك أبداً لأنك شطورة و بتسمعي الكلام، صح و لا لاء".
تلعب بيديها معاً و نظرت إلي أسفل:
"صح ".
أمسك يديها الصغيرتين و قال:
"خلاص ممكن نسمع كلام مامي و اللي تقولك عليه تقولي حاضر، نقول إيه؟ ".
ابتسمت إليه و بإذعان تفوهت:
"حاضر يا أحلي بابي".
"براڤو، يلا بقي هاتِ بوسة بابي و روحي لمامي عشان تغيرلك، و أنا هقوم أوصلكم أنتِ و مالك".
طبعت قبلة علي خده بشفتيها التوتية الصغيرة ثم نزلت و قالت:
"ok بابي "
بينما صبا التي تساعد مالك في إرتداء زي المدرسة
" مامي please أنا مش هاركب مع زوزو تاني الـ bus ".
سألته والدته:
"ليه يا حبيبي عملت لك إيه؟".
أجاب و يبدو عليه الضجر:
"بنتك naughty جداً، و علي طول بتحرجني قدام أصحابي، و لو في بنت بتكلمني هي بتقعد تزعق لها و تقولها كلام معرفش بتجيبه منين، حضرتك متأكدة إنها بنتك يا مامي؟".
نظرت إلي الفراغ و أجابت حائرة:
"و أنا كمان بسأل نفسي السؤال ده علي طول، معلش يا لوكا إستحملها، و أنا هقول لبابي يتصرف معاها عشان هو الوحيد اللي بيقدر يتفاهم معاها".
ضحكت زينات التي ولجت للتو:
"اه لو سمعتكم هتخلي بابي هو اللي يتفاهم معاكم أنتم الجوز".
ردت صبا و تضع حافظة الطعام في حقيبة ابنها:
"انتِ هتقولي لي عليها، ده علي طول رافعه لي ضغطي، مش عارفة لما كنت حامل فيها بتوحم علي إيه!".
ضحك مالك و قال:
"كنتِ هتلاقيكي يامامي بتتفرجي علي فيلم أبوعلي و شوفتي البنت اللي اسمها سوكا".
"ده مين دي اللي سوكا يا لوكا؟".
صاحت بها شقيقته بغضب بعد أن دلفت للتو
أسرع مالك و أختطف حقيبته من يد والدته:
"bye مامي ".
طبع قبلة علي خد والدته و هرب مسرعاً حتي لا يتشاجر مع شقيقته التي كلما اختلفت معه تتصنع البكاء و يصبح هو الجاني و ليس المجني عليه.
"بتهرب يا لوكا ماشي، لينا bus هنتقابل فيه"
ثم نظرت بغضب إلي صبا التي صدح رنين هاتفها للتو:
"يلا خلي داده زينات تغيرلك هدومك، عشان معايا فون".
ذهبت من أمامها فقالت الأخري:
"أهربي، أهربي أنتِ كمان يا ست مامي، أنا لازم أقول لبابي و هو يعلمكم الأدب".
كانت زينات تنظر إليها و تضحك، و لدي صبا في غرفة النوم
"حبيبي يا داد و احشني أوي، فينك بقي لك أنت و طنط چيچي أكتر من أسبوع تليفوناتكم غير متاحة؟".
أجاب عابد و يقف في مقدمة اليخت بجوار چيهان، يحاوط خصرها و الهواء يداعب خصلاتها الشقراء و طرف ثوبها الوردي المرقط بالأبيض
"معلش يا حبيبتي، كنا بنعمل جولة سياحية قريب من أثينا، و الشبكة وحشة جداً، المهم أنتم عاملين إيه أنتِ و قصي و الأولاد؟".
"الحمدلله يا حبيبي كلنا بخير، هترجعوا أمتي؟ ".
نظر إلي چيهان و قام بتقبيل وجنتها ثم أجاب:
"إن شاء الله علي الأسبوع الجاي إذا ما سافرناش لحتة تانية".
"ماشي يا سيدي الله يسهلوا، من وقت ما أتجوزت حبيبة قلبك و أنت نسيت ليك بنت و أحفاد و مقضينها فسح من بلد لبلد".
ضحك عابد و قال:
"أنتِ هتحسدينا و لا إيه، و بعدين اللي غيران مننا يروح يعمل زينا".
أجابت بعتاب و مزاح:
"بقي كدة يا داد و أنا اللي مبسوطة جداً عشانك تقولي بغير منكم، خلاص أنسي إن ليك بنت".
أخذ يضحك و قال بمزاح أيضاً:
"خلاص بقي كفاية هزار أنا مراتي بتغير عليا".
عقبت چيهان بصوت مرتفع لكي تستمع الأخري:
"ما تصدقهوش يا صبا، ده العكس اللي بيحصل، كل ما أكلم حد من ولادي هو اللي يغير خصوصاً لو قولت لحد فيهم حبيبي، يقولي أنا اللي حبيبك".
أجابت صبا بعدما قهقهت:
"أيوه يا طنط ما أنا عارفة، داد في الغيرة معندهوش رحمة، ربنا معاكِ".
تدخل عابد قائلاً:
"كفاية بقي هزرنا كتير، نيجي بقي للجد إيه الأخبار؟".
ابتعد قليلاً و نظر إلي زوجته يخبرها:
"دقيقة يا چيچي هاروح أجيب حاجة من جوة و راجع لك".
ثم أردف يسأل مرة أخري:
"بقولك يا صبا هو فيه حاجة حصلت ليونس و كارين، أصل فتحت الفيس من ساعة، لاقيت بوست منزله يونس بيتكلم عن البعد و الفراق، و في نفس اللحظة لاقيت كارين عاملة الحالة الإجتماعية علي صفحتها مطلقة".
علمت من سؤال والدها إنه ليس لديه علم هو أو زوجته من ما حدث، تمتمت الأخري دون أن يسمع والدها:
"اتنين مجانين هيجننونا معاهم".
و قبل أن تجيب ابنته سألته:
"هي طنط چيچي جمبك؟".
أجاب بصوت خافت:
"لاء، أنا بعدت عنها، غير كدة أنا ما جبتلهاش سيرة من اللي حكيته لك دلوقت، ما أنتِ فاهمة أخر مرة من ساعة موضوع ياسين و جالها جلطة علي القلب لولا لحقتها بسرعة مش عارف كان ممكن يحصلها إيه".
"و الله يا داد مش عارفة أحكي لك إيه، بس بالله عليك أوعي تجيب لها سيرة أبداً ".
نظر خلفه ليتأكد إنها بعيدة فقال للأخري:
"شايفاني عيل صغير عشان تأكدي عليا يا بنت، ما تقولي فيه إيه؟ ".
أجابت بآسف:
"حقك عليا يا داد ما قصدش طبعاً، بصراحة كارين و يونس أتطلقوا و السبب إنها عرفت إنه أتجوز عليها و من ست شهور كمان".
༺༻
صفت سيارتها بالقرب من بوابة المدرسة الدولية التي تدرس داخلها ابنة زوجها و ابنها أيضاً، ترجلت من السيارة و تابعت السير إلي البوابة، رحب بها حارس الأمن:
"أهلاً و سهلاً بيكِ يا دكتور علياء".
ابتسمت إليه و قالت:
"أهلاً و سهلاً يا مصطفي، المدام و الأولاد عاملين إيه؟".
أجاب الأخر:
"الحمدلله حضرتك كلهم بخير، و ربنا رزقنا و المدام حامل في التالت".
أخرجت من حقيبتها بطاقة تحتوي علي عنوان و أرقام تواصل بالمركز الطبي الخاص بها:
"ألف مبروك و ربنا يقومها بالسلامة هي و البيبي، ده الكارت بتاعي فيه عنوان المركز بتاعي هاتها تعمل متابعة لحد ما تقوم بالسلامة".
أخذ البطاقة و السعادة تتطاير من عينيه:
"ربنا يسعدك يا دكتورة و يبارك لك ".
"تسلم يا مصطفي، عن إذنك ".
أشار إليها بإجلال:
"اتفضلي يا دكتور".
ولجت إلي الداخل حتي وصلت إلي مكتب الإخصائية التربوية، طرقت الباب فجاء صوت أنثوي من الداخل:
"أتفضل".
فتحت الباب و دخلت:
"السلام عليكم".
ردت الأخري التحية و وقفت تصافحها:
"welcome doctor ".
أومأت علياء و رددت الأخري علي الرحب و السعة ثم قالت:
"حضرتك بعت لي Message بتبلغيني فيه آجي و بجد so sorry إن مجتش تاني يوم من الـ message و ده بسبب ظروف شغلي غصب عني لازم أكون موجودة في حالات الولادة و خصوصاً لما بتكون مفاجئة ".
أخبرتها الأخري بإبتسامة:
"و لا يهمك، أنا كنت عايزة أبلغك عن حاجة معرفش هل عندكم علم حضرتك و دكتور يوسف عن اللي حصل و لا لاء، لوچي بقي لها two days مش بتحضر بالرغم عز أخوها بيقول إنها جت و قبلها حصلت مشكلة ما بينها و بين بنات أصحابها في الـ class
هم ضايقوها و الحمدلله لحقت الموقف و حليت المشكلة اللي حصلت".
༺༻
"لوچي ممكن تهدي و تبطلي عياط، عشان أقدر أفهم إيه اللي حصل؟".
قالها آسر الذي يجلس خلف عجلة مقود سيارته و بجواره لوچي التي تبكي منذ مدة و ذلك يبدو من مظهر عينيها و حمرة جفونها المنتفخة.
لم تستطع التوقف عن البكاء، زفر الأخر بقلة حيلة لا يعرف ماذا عليه أن يفعل، تردد في وضع يده علي ظهرها و يربت لعلها تهدأ، و بمجرد أن وضع يده:
"خلاص أنـ...
توقف عن التحدث بسبب ما حدث للتو، أرتمت علي صدره و تشبثت بذراعيها حول عنقه:
"أنا كرهت المدرسة و كرهت البيت، و كرهت أروح أزور مامي عند نناه و كرهت كل حاجة، أنا تعبت أوي يا آسر مش قادرة أستحمل".
حاول إبعاد يديها من حول رقبته:
"معلش يا لوچي، أنا مقدر اللي أنتِ فيه، و أول ما أتصلتِ عليا و أنا في الطريق للمستشفي، سيبت كل اللي ورايا و جيت لك، ربنا يعلم معزتك في قلبي".
سألته من بين بكائها و بسمة سعادة ظهرت علي محياها:
"بجد حضرتك بتحبني؟".
أجاب بتوتر:
"طبعاً بحبك زي كارما و أمجد ولادي بالظبط".
تجمدت ابتسامتها بل و تلاشت، تردد ما قاله لها:
"كارما و أمجد!".
أخفي توتره بإبتسامة بعدما علم و تأكد من ماهية سؤالها الصريح إليه:
"اه طبعاً بعتبرك زيهم، مش أنا صديق بابا يعني أنا في مقام بابكِ و أنتِ في مقام بنتي".
صدمة أخري يراها في نظرة عينيها:
"بنتك!".
تنحنح ثم نظر إلي الأمام عاقداً ما بين حاجبيه، وجد عليه التحدث بجدية و لو قليلاً، تذكر حديث زوجته له و تحذيرها إليه عن مدي قربه من ابنة صديقه
"لوچي أنتِ عمرك سبعة عشر سنة يعني في سن المراهقة و في أخطر مرحلة كمان، مشاعرك ممكن تخلط عليكِ الأمور و تهيق لك حاجات مش حقيقية زي اللي فهمته دلوقت من صدمتك لما صارحتك بمكانتك عندي".
كادت تبكي مرة أخرى، لكن منعت عبراتها بل و تظاهرت بعدم الإكتراث لما تفوه به الآن، ابتسمت و قالت بإنكار كأن لم يحدث شىء:
"حضرتك اللي فهمت غلط يا uncle، أنا بعتبرك صديق مش أكتر من كدة".
و الآن تبدلت الأدوار و هو من يرمقها بصدمة، كيف تتحول من حال إلي أخر بتلك السرعة!
"حضرتك مالك مستغرب كده ليه!، يلا بينا علي المستشفي، أصل بابي واحشني و بقي لي يومين ما شفتهوش".
كان القلق يدق ناقوس الخطر داخله، خاصة من النظرة التي ترمقه بها الآن، تشعره بالخوف من القادم
"يلا، حضرتك ما أتحركتش ليه؟".
سألها قبل أن يتحرك:
"طيب لما يسألك و أنتِ رايحة له بالـ uniform و المفروض الوقت ده تكوني في المدرسة، هتقولي له إيه؟".
رفعت كتفيها و زمتت شفتيها ثم أجابت:
"هاقوله الحقيقة إن ما روحتش المدرسة و كلمتك نتقابل و بعدين طلبت منك تخدني معاك".
قاد السيارة دون أن ينبث بكلمة، و كم من آلاف الأسئلة تدور في رأسه!
༺༻
و بالعودة إلي علياء زفرت بتأفف و ضجر، هاتفت لوچي أكثر من خمسون مرة و الأخري لا ترد و أحياناً تضغط علي علامة رفض المكالمة.
"ماشي يا لوچي، لازم يوسف يعرف باللي بيحصل".
قالتها و ترجلت من السيارة أمام المشفي، و قبل أن تصعد الدرج و تعبر البوابة، لاحظت سيارة آسر تتوقف علي بعد أمتار، تنزل منها ابنة زوجها و يتبعها في النزول آسر الذي قال:
"اتفضلي أنتِ روحي، أنا هعمل مكالمة".
ذهبت كما قال لها، و لدي قربها من باب المشفي انتبهت إلي نداء علياء:
"لوچي، أنتِ بتعملي إيه هنا؟".
أجابت الأخري بهدوء و برود تام:
"جاية أشوف بابي، عن أذنك".
أوقفتها علياء و تمسك يدها:
"تعالي هنا، قافلة الفون ليه؟، و بعدين مش المفروض تكوني في المدرسة دلوقت؟".
حدقت إليها بسخط و أخبرتها بأسلوب فظ:
"أنا حرة".
جذبت يدها من قبضتها و ولجت إلي داخل المشفي تحت نظرات الغضب التي تنضح من عينين علياء التي ذهبت إلي آسر:
"دكتور آسر، ممكن أعرف لوچي ليه مش في مدرستها، و دلوقت شوفتها نازلة من عربيتك".
ألتفت إليها و شعور الصدمة لا يفارقه خاصة بعد أن لمس نظرة و نبرة إتهام من زوجة صديقه، فأجاب و يشير إليها نحو سيارته:
"دكتور علياء ممكن خمس دقايق نقعد في أقرب كافيه؟".
تنهدت ثم أومأت له و قالت:
"ok ".
دخلت إلي سيارته و كذلك هو أيضاً و أنطلق في الحال، و كان هذا تحت مراقبة لوچي التي تابعت الموقف من خلف زجاج البوابة، و نظرة عينيها لا تنذر بالخير!
اتجهت إلي مكتب والدها و طرقت الباب
"اتفضل".
فتحت الباب و ولجت إلي الداخل:
" Hi dad".
نهض من خلف مكتبه و بابتسامة عارمة استقبلها بترحاب:
"إيه المفاجئة الحلوة ديه".
عانقته و قبلته علي وجنته:
"بقي لي يومين مش بشوفك وحشتني، قولت أجي أخطف من وقتك حبة ده بعد إذنك".
أمسك طرف ذقنها و قال:
"حبيبة بابي تيجي و تنور في أي وقت".
انتبه إلي زي المدرسة الذي ترتديه فأردف:
"إيه ده أنتِ ما روحتيش المدرسة!".
حدقت إليه بتوتر، تخشي أن يغضب من هذا الأمر الذي فعلته، وجدت عليها أن تخبره الصدق:
"لاء مشيت قبل ما يبدأ الـ line، أتخنقت و خرجت كلمت uncle آسر عشان عارفة إنه بيخرج في الوقت ده و رايح علي المستشفي، قولت ياخدني معاه و قابلت علياء".
شعر بالقلق عليها فسألها:
"مالك يا حبيبتي، مخنوقة من إيه؟، حد ضايقك في المدرسة؟".
ابتسامة طفيفة ظهرت علي شفتيها عندما سمعت سؤال والدها و الذي يبدو مهتم بها غرار الأيام السابقة
"مفيش يا بابي، كل الحكاية كان نفسي أشوفك و حضرتك غايب عن القصر بقي لك أكتر من يومين".
ضمها بين ذراعيه و عانقها بقوة قائلاً:
"حبيبتي و أنتِ كمان وحشاني أوي، أنتِ و عز و علياء، اه صح هي فين مش قولتي قابلتيها؟ ".
ابتعدت عن صدره و نظرت إليه، داخلها يتردد في الإجابة التي عزمت علي إخباره إياها، لكن تذكرها لكلمات آسر أشعل النيران مجدداً بداخلها فأجابت بكل براءة تعمدت أن تظهرها علي تعابير وجهها:
"كانت جاية معايا سابتني و ركبت مع uncle عربيته و معرفش راحوا فين".
༺༻
"لوچي محتاجة منكم اهتمام و حب، أنا مقدر ظروف الشغل لأننا في مركب واحدة، بس ده ما يمنعش إنه لازم نخصص وقت لولادنا نقرب منهم و نسمع مشاكلهم نتناقش معاهم مع تقديم نصيحة من غير أوامر صارمة تخليهم ينفروا من تنفيذها".
كان حديث آسر الذي تفوه به الآن و تناول كوب الماء ليرتشف القليل، أجابت علياء و الحزن جلي علي ملامحها:
"و الله يا دكتور آسر بعمل معاها كده هي و عز، و يشهد عليا ربنا عمري ما فرقت بينهم، بالعكس يمكن بهتم بلوچي أكتر، خصوصاً عشان الظروف النفسية اللي مرت بيها و هي صغيرة، بس أخر تلات سنين حسيت إنها أتغيرت من ناحيتي ١٨٠ درجة، كلامها بقي قليل جداً معايا حتي نظراتها بشوف في عينيها نظرات إتهام مش لاقيه لها أي إجابة أو أنا متهمة فيه إيه...
توقفت عن الحديث و تناولت فنجان القهوة و ابتلعت القليل ثم استطردت:
"أنا شاكة في حاجة و ربنا يسامحني علي اللي هقوله، من وقت ما والدتها خرجت من المستشفي و لوچي بتروح تزورها كل أسبوع بتقضي معاها اليوم، لما بترجع من عندها ألاقيها سرحانة و بدأت تصرفاتها تتغير، حاولت أتكلم معاها و بطريقة غير مباشرة سألتها مامتها بتقولها إيه ألاقيها بتتهرب مني و ساعات بتفتعل مشكلة عشان تاخدها حجة و ما نتكلمش".
استند الأخر بمرفقيه أعلي المنضدة و ضم كفيه معاً و أطلق زفرة بينهما:
"و الله يا دكتور علياء مش عارف أقولك إيه، أنا ما أنكرش إنها قريبة مني و بتحكي لها كل أسرارها، بس زي ما حكيت لك قبل كدة، كل كلامها بيدور في فلك واحد و إن لوچي محتاجة لحضن يحتويها، سنها بيبقي فيه المشاعر متقلبة، ده غير إنها شخصية حساسة، هي عمرها ما جابت لي سيرة مامتها و لا مرة، أتذكر في مرة كانت بتفضفض لي ومخنوقة و نفسها تعيط وقتها، قالت لي هي بتحبكم بس فيه صوت تاني بيقولها ما تحبهمش أكرهيهم ".
كانت تنصت إليه جيداً فعقبت قائلة:
"و ليه مجتش تقولي ساعتها؟".
"ما تقلقيش أنا هديتها و فهمتها إنها وسواس و أفكار سلبية و عشان تبعد عنها و عن تفكيرها، لازم تشغل نفسها في حاجة بتحبها، هواية أو رياضة".
تناولت أخر رشفة من القهوة و تركت القدح فوق الطبق الخاص به أعلي المنضدة، نظرت إلي ساعة يدها و قالت:
"معلش يا دكتور، الوقت خدنا في الكلام و مضطرة أروح المركز عشان عندي حالة ولادة cesar، و إن شاء الله لما أخلص هاتكلم مع يوسف و هافهمه الوضع عشان يكون علي علم بكل حاجة".
قالتها و نهضت فتبعها الأخر و أخبرها:
"أنا كمان و رايا عمليات بعد نص ساعة، تعالي أوصلك في طريقي".
༺༻
أسدل الليل ستائره و ضوء القمر كالسراج المنير في كبد السماء، و هنا أمام أكبر الفنادق في العاصمة توقفت السيارة السوداء الفاخرة
"يلا نزلي إيدك من علي عينيكِ وصلنا خلاص".
فعلت كما قال لها و نظرت عبر زجاج النافذة من داخل السيارة و جدت إنها أمام بناء ضخم تزينه الأضواء و الديكورات الكلاسيكية الفاخرة.
"واو، الله بجد يا قصي أنا أول مرة أجي هنا، بس إحنا جايين نعمل إيه؟".
ضحك من سؤالها الساذج، أمسك بيدها و همس بالقرب من أذنها:
"إحنا هنا يا روح قلب قصي عشان نقضي وقت جميل بعيد عن البيت و الأولاد و الشغل و أي حاجة شغلتنا عن بعض".
ألتفت إليه و حدقت بسعادة و فرح جعل ضحكتها تصل من الأذن إلي الأذن الأخري
"أنت كل مرة بتفاجئني بحاجة أجمد من اللي قبلها، ربنا ما يحرمني منك أبداً ilove you my heart ".
عانقته بقوة، فبادلها العناق قائلاً:
" i love you too my baby girl".
نزلت من السيارة و هو من الجهة الأخري، ذهب إليها و خلل أنامله بين أناملها، صعد الدرج ذو السجاد المخملي الأحمر الداكن.
بعد قليل...
فتح باب الجناح الخاص الذي أوصي به، دخلت أولاً لترى إنه ليس جناحاً عادياً بل كان يشبه غرف الملوك مزين بالشموع و أوراق الورود المتناثرة في الأركان و عطر فواح ساحر يملئ المكان.
أغلق الباب و علي حين غرة حملها علي ذراعيه، انتفضت و شهقت:
"خضتني يا قيصو، نزلني أنا خايفة علي ضهرك".
رفع حاجبه معترضاً علي ما تفوهت به:
"ده علي أساس إنك متجوزه عيل طري!، ده أنت لو وزنك عدي الـ ١٠٠ كيلو هشيلك برضو".
لكزته في كتفه بحنق:
"قصدك إن أنا تخينة، أخص عليك".
ضحك و سار بها إلي الغرفة الداخلية للجناح حيث السرير المحاوط بالأقمشة الشفافة و أعلي الفراش أوراق أزهار متناثرة و علي كلا الجانبين كمود فوقه شمعدان ملئ بالشموع العطرية، و موسيقي شاعرية تصدر من سماعات صغيرة موضوعة في الأركان.
نزلت برفق و تنظر من حولها بفرح، و كان هو ينظر إليها سعيداً لما يراه في عينيها
"عجبك يا حبيبتي؟".
"جداً، حلو أوي، بجد أنا فعلاً كان نفسي من فترة كبيرة أنا و أنت نقضي يوم لوحدنا بعيد عن الضغوط و الأولاد خصوصاً أم أربعة و أربعين زوزو بنتك".
أخذ يضحك و من بين ضحكاته أشار خلفها و قال:
"خدي بالك دي قاعدة وراكِ أهي ".
شهقت و ألتفت خلفها فلم تجد شيء مما جعلته يضحك أكثر حتي امتلأت عينيه بدموع السعادة، اقتربت منه و سددت له لكمة في صدره:
"بتضحك عليا، أوعي أنا ماشية".
جذبها من يدها و توقف عن الضحك قائلاً:
"تعالي هنا هو دخول السويت زي خروجه و لا إيه!".
دفعها نحو الفراش فتمددت علي ظهرها و مال عليها و أردف:
"هقولك حاجة مش أنتِ متضايقة إن جسمك زاد شوية و قال عايزة تعملي نحت و عمليات تجميل، أنا بقي اللي بقولك أنتِ بقيتِ أحلي و أجمل و أجمد كمان من الأول".
سألته و قلبها يخفق أسفل صدره الملتصق بخاصتها:
"بجد و لا بتقولي كده تجبر بخاطري يعني؟".
أخذ يداعب خصلات غرتها علي جانبي وجهها:
"أنا عمري ما بجامل و أنت أكتر واحدة عارفة الكلام ده، و لا نسيتِ طباع جوزك!".
حاوطت وجهه بين كفيها و قالت:
"أنسي إيه، ده أنا حافظة كل حاجة فيك و عنك، من مجرد نظرة من عينيك أفهم أنت عايز إيه".
حدق إليها بنظرة جعلتها ابتسمت و أدركت ما يريد، فسألها:
"طب أنا عايز إيه دلوقت؟".
أجابت بنبرة ناعمة و دلال:
"أنا و كل ما لي ملكك و طوع أمرك يا سيدي".
اختطف قبلة من شفتيها و كأنه يقطف زهرة من البستان ثم أخبرها:
"سيدك يريد الدخول إلي الحمام ليعد نفسه من أجل أميرته الفاتنة".
ضحكت و قالت:
"و أناً أيضاً سوف أفعل مثلك هيا أذهب و سوف أنتظرك بعدما أنتهي".
غمز بعينه و قال لها قبل أن يذهب إلي المرحاض:
"هتلاقي شنطة عندك فيها كل حاجة".
دلف و أصبحت هي بمفردها، قامت بفتح سحاب الحقيبة لتجد كل ما يخص المرأة من أدوات زينة و عطور و ثياب، لكن ثياب من نوع آخر، تنظر إلي كل قطعة و الإبهار ينضح من عينيها.
و ها هي الآن تقف أمام المرآة ترتدي من المفترض أن يكون ثوباً، يجسد كل معالمها و يبرز جمال قوامها ذو المنحنيات، يتميز قماشه الحريري بلون النبيذ، فهي تعلم إنه كم يعشق هذا اللون في تلك الثياب.
وضعت بعض اللمسات البسيطة التي تظهر جمال ملامحها و عينيها، قامت بتمشيط خصلاتها و تركتها بحُرية علي كتفيها، قامت بنثر القليل من العطر من كل زجاجة حتي أختارت المفضلة لديها و قامت بوضع منها علي يدها ثم ربتت علي عنقها و علي رسغيها.
ضرب ذاكرتها أمر هام، شهقت عندما تذكرته ركضت تبحث عن حقيبة يدها الصغيرة، وجدتها علي السرير، أخذتها و أخرجت منها شريط الأقراص، تناولت منه قرص في يدها و و الأخري تمسك بالشريط، بحثت عن المياه حتي وجدت براد صغير في زاوية، فتحت و تناولت زجاجة مياه غريبة الشكل، وضعت القرص في فمها، فتحت غطاء الزجاجة و كادت تشرب
"بتعملي إيه يا صبا؟".