![]() |
رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الثالث بقلم دينا جمال
-جاسر موبايلك مقفول ليه ، بقولك هو رعد فين في صورة نازلة على النت قدامي لشاب عامل حادثة وما عهوش اي إثبات شخصية شبه رعد ، أكيد شبهه مش هو ، رعد فين يا جاسر طمني عليه
زُلزل كيانه شعر بأنه يقف على قمة جبل ينهار به ، لطمة قوية نزلت على وجهها عينيه شاخصة من الذعر .. قلبه على وشك أن يتوق ، يده تقبض على الهاتف ، اندفعت الدموع تحرق
والألم يجلد بسوطه كيانه يخبره بأنه بما فعل فقده ولده ، سقط الهاتف من يده اندفعت دموعه ليصرخ باسم رعد بعلو صوته ، هرع علي إليه يلتقط الهاتف من الأرض يغمغم مذعورا :
-الو ، ايوة يا عاصم في ايه
شخصت عيني علي ذعرا هو الآخر ، نظر لجاسر الذي سقط على ركبتيه أرضا يبكي بحرقة يردد اسم ابنه بلا توقف ، بالكاد تماسك يغمغم :
- هات العنوان يا عاصم
أخبره عاصم بالعنوان ليغلق علي معه الخط ، مقررا أنه سيذهب بمفرده عاصم سيوافيه هناك
في حالة جاسر تلك لا يجب أن يذهب أبدا
تحرك علي نحوه نزل إليه يساعده على النهوض من على الأرض توجه إلى أقرب أريكة يجلسه هناك ليقبض جاسر على ذراعه ، نظر علي له ليراه يبكي كطفل صغير فقد والدته يتمسك بذراعه :
-إبني ، إبني يا علي ... أنا ضيعته ، أنا موته
كنت خايف يطلع زيي ، أنا عايز اشوفه يا علي
جذب جسده بعنف من فوق الأريكة يستند على ذراع صديقه حاول علي إثناءه عن الذهاب دون فائدة ، تحرك يركض فجاءة في الشركة لا يرى أمامه سوى صورة رعد منذ أن كان طفلا إلى أن بات شابا ثم رجلا ، والآن ماذا ؟!! يسمع صوت علي وهو يحاول اللحاق به ، وصل للسيارة ليصرخ في السائق أن يبتعد توقف للحظة حين تذكر أنه لا يعرف العنوان ، نظر خلفه ليجد علي وصل خلفه يلهث يحاول إلتقاط أنفاسه :
-يلا أنا معايا العنوان
اومأ له ليجلس سريعا خلف المقود وعلي جواره يخبره بالعنوان يديه تشتد على المقود يفكر في الأسوء ، وصل لمستشفى حكومي صغيرة ، فتح باب السيارة يركض للداخل وصل لمكتب الاستقبال ليصرخ في الموظف الواقف أمامه:
-الشاب اللي جاي في حادثة فين
نظر الرجل له متضايقا من صراخه عليه ، فتح الدفتر أمامه يبحث عن شئ ما قبل أن يرفع وجهه لجاسر يغمغم بنبرة جافة:
-البقاء لله ، هتلاقوه في المشرحة ... الدور التاني آخر الطرقة
كلمات بسيطة انطلقت من فم الرجل كالرصاص ، لم تستطع قدميه حمله كاد أن يسقط أرضا لولا علي الذي أسرع وأمسك به يغمغم سريعا:
-بإذن الله مش هو يا جاسر ، إحنا لسه مش متأكدين أنه هو
كلمات صديقه دبت في قلبه الأمل حرك رأسه سريعا يتمنى أن يكن ما قاله صحيحا ، استند على يد علي لأعلى ، تركه علي وذهب إلى أحد الأطباء يتحدث منه ليرى الطبيب ينظر صوبه مشفقا قبل أن يحرك رأسه موافقا ، تحرك يسبقهم إلى المشرحة .. ارتجفت كل ذرة به وهو يرى الطبيب يسبقهم صوب فراش في منتصف الغرفة ، يغطي جسد شخص أمامه غطاء أبيض اللون ، قبض على يد علي بعنف .. يتمسك به رفع الطبيب الغطاء عن وجه الراقد أمامه لتختفي أنفاسه في تلك اللحظة ، توقف قلبه ينظر لجثة الشاب أمامه مذعورا ، الجثة شبه محترقة الظاهر منها ذقنه وأجزاء من وجهه ولسوء الحظ عينيه تشبه عيني ولده وذقنه ، تحركت عينيه على الجثة لتقع عينيه على الملابس التي يرتديها الشاب الشبه محترقة هنا انتفض يصرخ بلا توقف :
-دي مش هدوم رعد ، رعد كان لابس سويت شيرت زعقتله عليه الصبح عشان يغيره ، دي مش هدومه .. دي مش هدوم إبني ، دا مش إبني
وهرع يركض من المشرحة ارتمى على أقرب مقعده قابله يلتقط أنفاسه ، ولا زال هاجس داخله يخبره أن من بالداخل هو ابنه ، قاطع ذلك صوت صرخات سيدات متواصلة نظر لمصدر الصوت ليجد مجموعة من السيدات يصرخن يتقدمهم رجلين هرعا إلى غرفة المشرحة لم تمر سوى لحظات وسمع صوت أحد الرجلين يصرخ بحرقة :
- أخويا طاهر ، طاااهر
وبدأ عويل السيدات وصراخهن يزداد ، بشكل يُبكي الحجر .. قام من مكانه يستند على ذراع علي الذي ابتسم له يغمغم :
-الحمد لله يا جاسر مش هو ، هو أكيد بخير .. يلا تعالا أروحك ، أكيد هتلاقيه في البيت
اومأ برأسه يستند على ذراع صديقه تحرك لخارج المستشفى إلى سيارته ، ارتمى على المقعد المجاور للسائق أغمض عينيه يلتقط أنفاسه لا يصدق ما حدث توا ، يحمد الله أنه لم يكن ولده
___________
على صعيد آخر فى المستشفى الخاصة التابعة لجاسر
في مكتب ياسر مدير قسم الأمراض النفسية في المستشفى تجلس اريج أمام مكتب والدها تتأفف حانقة بين الحين والآخر ليبتسم ياسر يغمغم ساخرا :
-ما هو أنا مش جايب بنت أختي معايا ، اتهدي وبطلي فرك أو انزلي اقعدي في الجنينة
ابتسمت لتهب سريعا توجهت إلى والدها تقبل خده تغمغم متلهفة :
-أنا هنزل اقعد في الجنينة باي يا بابا يا حبيبي
ابتسم ياسر يأسا ، ليلتقط هاتفه مقررا الاتصال بسما ابنته البكر ليطمأن عليها ، التقط هاتفه يطلب رقمها وضع الهاتف على أذنه ينتظر سماع صوتها إلى أن أجابت ليغمغم مبتهجا :
-حبيبة بابا وحشاني يا سمسم أخبارك يا حبيبتي وأخبار حبايب جدو ايه
آتاه صوت ابنته تغمغم سعيدة:
- بخير يا حبيبي أنت متفق أنت وماما ولا ايه ، أصلها لسه قافلة معايا بردوا ..
قام ياسر من مكانه متوجها إلى شرفة غرفته يطل على الحديقة يبحث عن ابنته الأخرى يردف:
-مش هتنزلوا مصر بقى ، دا أنا بقالي سنة ما شوفتكيش أنتِ وحشاني أوي
- الولاد بس يخلصوا السنة دي وهننزل على طول ، أنت عارف ما ينفعش ننزل وهما في الدراسة
همهم يوافقها ما تقول تتحرك عينيه هنا وهناك أين تلك الصغيرة ألم تخبره أنها سوف تنزل إلى الحديقة :
-أخبار مصطفى جوزك ايه ، هو راجل محترم وأنا واثق فيه ، بس اوعي يكون شيطانه وزه كدة ولا كدة وزعلك تقوليلي وهتلاقيني عندك في أول طيارة
ضحكت سما بخفة تردف سريعا:
- لا والله يا بابا مصطفى طيب وحنين وبيتقي ربنا
________
خرجت من مكتب والدها تتحرك بين الطرقات تتوجه مباشرة إلى قسم الجراحة حيث تعلم أنه يتدرب هناك ، وصلت لهناك قبل أن تبحث عنه رأته يقف في الممر أمام أحد الطبيبات يضحكان بانسجام ضيقت حدقتيها غيظا الخائن كيف يخونها وهو لا يعلم أنها تحبه من الأساس ؟! ، جل ما يعلمه عنها أنها اريج ابنة الطبيب ياسر مدير قسم الأمراض النفسية والمسؤول الأول عن المستشفى ، وقفت مكانها تنظر إليهم من بعيد مغتاظة ، لن تتقدم وتتحدث ولن تظل واقفة هكذا ... حاولت أم تجد سببا لتتحرك إليهم ولكن قبل أن تفعل كان هو رآها رفع يده يلوح لها ليدق قلبها طربا ، استأذن من الشمطاء الواقفة أمامه متوجها إليها وقف أمامها يحادثها مبتسما :
-أريج ، إزيك ... أنتِ بتعملي ايه هنا
طار قلبها فرحا لأنه يقف أمامها تشعر بصوت الطبول يقرع يزلزل كيانها أجمع عمار الذي الطبيب المتدرب الجديد في مستشفى خالها قابلته مصادفة عدة مرات وتحدثت إليه عدة مرات أخرى وتعلقت به بسرعة البرق ، عمار شاب وسيم بشكل يجعلها عاجزة عن عدم الإعجاب به طويل القامة عينيه خضراء شعره بني داكن لديه حفرتين في وجنتيه يظهران حين يبتسم ، تشعر بالغيظ منهما لأنها لا تملك مثلهما .. حمحمت تردف سريعا :
-بخير يا دكتور عمار ، أنا جاية مع بابا ... ما عنديش محاضرات النهاردة فقولت اجي معاه
ابتسم يومأ لها ليمد كفه يردف بتلك الابتسامة العريضة :
-حقيقي أنا ببقى مبسوط لما بشوفك ، خصوصا أنك ما بتضعيش وقت الفراغ في الحاجات الفاضية لاء بتيجي المستشفى عشان تكتسبي خبرة
ضحكت داخلها ساخرة؛ خبرة ماذا التي تأتي لتكتسبها هي تأتي لتراه والاحمق يظن أنها طالبة مجتهدة ، نظرت لكف يده لتمد يدها سريعا ليختفي كفها الصغير داخل كفه ، في اللحظة التالية صدح صوت مبكر الصوت يطلب منه التوجه لغرفة العمليات ، ليستأذن منها يهرول سريعا صوب عمله وهي تقف تراقبه تبتسم كبلهاء سقطت على رأسها توا ، اختفى من امامها .. لتتحرك هي إلى الحديقة حيث ستجد صديقتها المقربة تجلس هناك في مثل ذلك الوقت دائما ، خرجت إلى الحديقة تحرك رأسها هنا وهناك تبحث عنها ... ابتسمت ما أن رأتها لتقترب منها سريعا جذبت المقعد أمامها تغمغم سعيدة:
-وحشتيني يا طنط كاريمان عاملة ايه
حركت السيدة العجوز رأسها تنظر لمن جلست امامها لتظهر ابتسامة ضعيفة على محياها شقت جذور الحزن المغروسة داخل أعماقها من يصدق أن تلك الجالسة كانت عارضة أزياء من أشهر عارضي الازياء في البلاد ، باتت الآن شبح إمرأة يبحث عن نهايته الرحيمة في مكان نائي عن البشر ، كرهت العالم أجمع عدى تلك الفتاة الجالسة أمامها ربما لأنها تذكرها بابنتها الصغيرة الراحلة ، رفعت كفها الأبيض المجعد من أثر الزمن تمسح دموعها بإباء ، ترسم ابتسامة صغيرة على شفتيها تغمغم بصوت واهن :
-وأنتِ كمان وحشتيني يا أريج ، كل دي غيبة !
____________
عيادته الخاصة ، في مكان هادئ شبه خالي من إزعاج البشر كم يكره البشر وإزعاجهم ، الألوان حوله هادئة ، تنظيم المكان مريح للأعصاب ، دوما ستجد المكان مزدحم ولكنك لن تسمع نفس ، جاسر يرفض تماما أن يتحدث المرضى ،
في غرفته الخاصة دقت المساعدة الباب لتسمع صوته يأذن لها بالدخول فتحت الباب بخفة دخلت تغلقه بهدوء تحركت صوبه كان يجلس خلف مكتبه يضع نظاراته الشفافة على عينيه يقرأ في كتاب ما لم تتبين ماهيته ، رفع عينيه عن الكتاب ينظر إليها لتحمحم هي تردف :
-دكتور جاسر ، مدام رقية الحالة اللي حاجزة من أسبوع وأول جلسة ليها معانا ، صاحبتها بستأذن حضرتك تدخل هي الأول زي ما حضرتك طلبت حد من أسرتها تتكلم معاه قبل ما تبدأ العلاج
اومأ لها بالإيجاب ولم ينطق بحرف ، لتتحرك الممرضة للخارج فتحت الباب نصف فتحة تشير للسيدة بالدخول تهمس تحذرها قبل أن تدخل :
-الدكتور بيكره الصوت العالي ، ممكن ينهي الجلسة تماما بجد مش بهزر
تحركت فتاة أمامه ليشير لها بأن تجلس في حين أغلقت مساعدته باب الغرفة ، تحركت عينيه على وجه السيدة أمامه ، تبدو متوترة ربما قلقة منه ، لا خاتم في أي من يديها إذا هي عزباء ، تنظر لباب الغرفة المغلق بين الحين والآخر يبدو أنها قلقة للغاية على صديقتها الجالسة بمفردها خارجا ، نظرت إليه تنهدت تغمغم بنبرة هادئة قدر المستطاع:
-أنا هحكي لحضرتك اللي حصل أنا ورقية أصحاب من ابتدائي تقريبا أنا وهي أكتر من أخوات ، واحنا في 2 جامعة رقية تصرفاتها بدأت تبقى غريبة بتنعزل كتير ، بترفض الخروج أغلب الوقت ، طريقة لبسها اتغيرت بقت هدومها واسعة جداا دي مش حاجة وحشة بالعكس ، بس المشكلة إني كنت ساعتها بحسها متبرمجة على الكلام والحركة والردود فضلت كدة مدة لحد ما ظهر فجاءة قدامنا كلنا حاتم ، شاب وسيم طول بعرض شغال محاسب وعنده مكتب خاص كل الشلة كانت بتحسدها عليه جه اتقدملها وكان باين جدا من تصرفاته أنه بيحبها جدا وفعلا اتجوزوا في أسرع وقت واختفوا ، سنة كاملة اختفوا اختفاء كامل حاولت اكلمها بدل المرة ألف أنا واهلها قلبنا عليها الدنيا ما فيش أثر لحد قبل شهرين بالظبط ، لقيت رقم مستشفى بيتصل بيا وبيقولي أنها جاية في حادثة هي وجوزها وأن جوزها مات ، روحتلها جري أخيرا لقيتها ، بس اللي لقيتها ما كنتش رقية أبدا ، كانت بقايا جسمها هزيل جداا شكلها مرعب أشبه بالجثث ، جسمها كله علامات ضرب وتعذيب ، ما كنتش زعلانة أن جوزها مات بالعكس دي كانت مرعوبة وبتقول أنه أكيد ما ماتش وأنه هيجي تاني يعذبها ، شهرين وإحنا بنحاول نفهم مالها وفين وفين لما اقنعناها تروح لدكتور نفسي ، دكتور رقية شافت كتير ، أنا شوفت العلامات اللي على جسمها حاجة مرعبة
كان يدون ملاحظات مما تقول إلى أن أنهت كلامها ليتنهد بعمق يومأ لها يردف يخبرها :
-طيب هطلب من حضرتك تستني هنا معانا ، لأن في أول الجلسات أكيد مش هتبقى واثقة فيا ، ووجود راجل معاها في أوضة مقفولة خصوصا بعد كلامك هيأذيها مش هيساعدها ، ممكن حضرتك تجبيها وتيجي
اومأت الفتاة سريعا لتهب من مكانها تتحرك للخارج وجلس هو يراقب باب الغرفة الشبه مفتوح ، عينيه تريد أن ترى صاحبة تلك المأساة لحظة وظهرت تتمسك بذراع صديقتها مذعورة عينيها مضطربة تنظر في كل مكان ، الذعر نهش كل خلية بها يستطيع أن يرى جسدها الذي يرتجف على بعد منه ، شبح لفتاة جميلة ضعيفة هزيلة ، نظرت إليه مذعورة ما أن وقعت عينيها عليه ، لتحتضنها صديقتها سريعا تطمأنها :
-دا الدكتور يا رقية ما تخافيش يا حبيبتي ، أنا معاكي مش همشي
تحركتا لداخل الغرفة لتجذب مساعدته الباب من الخارج تغلقه بخفة ، جلست رقية بعيدا عند أبعد أريكة تلتصق بصديقتها تقبض على كفيها مذعورة ، وفضل هو أن يظل مكانه تاركا مساحة كبيرة من الأمان لها ، ظل صامتا للحظات قبل أن يردف بترو :
-رقية أنا مش عايزك تخافي لا مني ولا من أي مخلوق ،أنتِ قوية وهترجعي قوية ، أنتِ لسه عايشة يا رقية وهو اللي مات واللي بيموت ما بيرجعش أبدا
راقب ردة فعلها وكانت الرفض التام لما قال ظلت تحرك رأسها للجانبين بعنف انهمرت دموعها تغمغم ذعرا :
-بس هو هيرجع ، هيرجع يعمل فيا اللي كان بيعمله ، هيرجع تاني
في حالتها تلك لم يكن ليتقدم خطوة واحدة قام من مكانه لتشهق مذعورة تتمسك بصديقتها ، تحرك إلى ثلاجة صغيرة للعصائر يوليهم ظهره يحقن علبة عصير تفاح بمهدئ جيد ، اخرج ثلاث علب من نكهات مختلفة التفت إليهم يغمغم مبتسما :
-أنا بحب البرتقال ، واعتقد صاحبتك بردوا ، وأنتِ خدي التفاح عشان البرتقال خلص ، العصير مبرشم اهو
تحرك إليهم يضع العصير على الطاولة أمامهم نظر لصديقتها لتفهم ما يريد فتحت علبة العصير سريعا تقربها من فم رقية تغمغم :
- اشربي يا رقية ما تخافيش ما فيهوش حاجة
أنا هشرب أنا كمان أهو
تحرك إلى مكتبه يفتح زجاجة عصير البرتقال يرتشف منها ينظر إلى الكتاب أمامه يراقبها بطرف عينيه لتراها انهت زجاجة العصير بعد إلحاح من صديقتها ، راقبت عينيه الساعة ينتظر ، مر بعض الوقت إلى أن نظر إليها يردف مبتسما :
-بقينا اهدى دلوقتي العصير بتاعي ممتاز بيجيلي مخصوص ، لو بتحبي البرتقال هجبلك المرة الجاية
نظرت له متوترة تقبض على كف صديقتها صحيح أنها تشعر بأنها اهدئ بكثير عما كانت ولكنها لا تزال خائفة ، انتفضت خائفة حين سمعته يهمس مترفقا :
-رقية أنا مش هأذيكِ ما تخافيش مني ، أنا واخد منكوا فلوس قد كدة عشان اساعدك مش عشان آذيكِ ، ممكن تحكيلي البداية خالص من أول ما بدأتي تغيري لبسك وطريقتك
يطلب الكثير وفتحت ذكريات كان لها أثر الطعنات ليس بالسهل أبدا ، أغمضت عينيها تعتصرها بعنف تفتح أولى صفحات دفتر قديم ارتعش صوتها حين بدأت تتحدث :
-أنا من وأنا في الجامعة كنت بحب أوي القراية وبدأت اقرا في حاجات كتير وروايات أكتر ، كنت معجبة أوي بشخصية البطل القاسي اللي بيخطف البطلة ويحبها وتنتهي نهاية سعيدة ، بس دي كلها كانت روايات تسلية في مرة وأنا بقلب على فيس لقيت رسالة مبعوتالي من واحد بيقولي أنه معجب بيا جداا وأنه نفسه يتعرف عليا كان اكونت حقيقي مش فيك ، كان شخص وسيم جدا باين من صورته وكلامه أنه شخص كويس أو زي ما أنا كنت فاكرة ، وبدأت اتكلم معاه واعجب بيه وهو عرف إزاي بطريقته يخليني أنفذ كل كلمة بيقولها من غير ما أقاوم ، مش فاكرة أنا كنت بعمل كدة ليه بس كنت ببقى مبسوطة لما بيقولي أنه مبسوط إني بنفذ أوامره بالحرف ، وعدى الوقت وظهر حاتم في الواقع ما صدقتش نفسي لما شوفته ، كان البطل اللي حلمت بيه ليالي ، أحسن من اي بطل .. كلامه كله أنه بيحبني وأنه نفسه يعمل اي حاجة عشان يسعدني واننا لازم نتجوز في أسرع وقت ، كنت لسه في سنة تانية قالي هتكملي في بيتي أنا مش هقدر ابعد عنك ، واقنع والدتي واتجوزنا في اجازة نص السنة ، كان تصرفاته في فترة الخطوبة غريبة بس كنت بقول عادي يعني ، لحد يوم فرحنا لما روحنا سوا ودخلنا شقتنا وقفل الباب صوت المفتاح مش هنساه
بدأ جسد رقية يرتعش فجاءة بعنف تقبض على يدي صديقتها تحرك رأسها للجانبين بعنف تصرخ مذعورة :
-لا ، لاء والنبي ابعد عني ، أنا آسفة ، أنا ما كنش قصدي افتحله الباب ، لا لا لا أبعد عني
دخلت في حالة هيستريا من الصراخ لينتفض من مكانه يغمغم سريعا يحاول جذب انتباهها :
-رقية ، رقية ركزي مع صوتي ، رقية ، اهدي ، رقية كل دا مش حقيقي ، رقية فتحي عينيكِ ، رقية هو مات خلاص ، رقية
أخيرا استجابت فتحت عينيها تشهق بعنف ليرفع هو كفيه أمام وجهه يغمغم حَذِرا :
-اهدي ما فيش حد ، الميت ما بيرجعش ، كفاية لحد هنا الجلسة دي ، أنا هديكِ مهدئ كويس بس عايزك دايما كل ما تفتكريه، تفتكري بسرعة أنك عايشة وهو ميت والميت ما بيرجعش ، أنتِ الاقوى يا رقية
لا يصدق أخيرا أن تلك الجلسة انتهت، اعطاهم الأدوية اللازمة ورحلت الفتاة بصحبة صديقتها ليرتمي هو على مقعده يغمض عينيه يزفر أنفاسه ، يبدو أن الجلسات القادمة مع تلك المسكينة لن تكون سهلة أبدا .. في تلك اللحظة تذكر والدته هل تُرى كانت تعاني مثل تلك الفتاة، عرف من مذكراتها أنها قضت أعوامٍ في حالة غريبة انفصلت عن الواقع ، وحين بدأت تستجيب للواقع عانت لأيام وليالي هل ترى عانت مثل تلك المسكينة ، مد يده إلى هاتفه يخرجه من جيب سترته ينظر لوجه مليكة تلك حفيدة صبري ، حرك اصبعيه يُكبر وجهها ينظر لابتسامتها الواسعة ؛ ليتنهد حانقا لن يستطيع السفر الآن وترك حالة تلك الفتاة البائسة ، يبدو أن مليكة يجب أن تنتظره أكثر !
__________
في منزل إيمان وعلي
في شقة كبيرة راقية في منطقة سكنية جديدة هادئة ، وقفت إيمان في المطبخ تتحرك هنا وهناك تتأكد كل شئ جاهز قبل العشاء ، اليوم سيعود ابنها البكر أخيرا بعد شهرين غياب فى إحدى سفريات تدريبه البعيدة ، وقفت في منتصف المطبخ تبتسم تنظر لما صنعت يديها بفخر ، تحركت لخارج المطبخ تبحث عن المدللة ليان ، فتحت باب غرفتها لتراها تقف أمام مرآة الزينة تدقق النظر لملامح وجهها قطبت إيمان جبينها مستنكرة ما تفعل اقتربت منها تسألها :
-ليان أنتِ اتجننتي يا حبيبتي ، بتبصي لنفسك كدة ليه
التفت إليها لترتمي بين أحضان والدتها تبكي بعنف تغمغم من بين شهقاتها المتتابعة :
-هو أنا وحشة أوي كدة يا ماما
توسعت عيني إيمان ذهولا مما تسمع ضمت ابنتها لأحضانها تمسح على رأسها تغمغم سريعا :
- مين الحمار اللي قالك كدة ، دا أنتِ زي القمر يا ليان ، حبيبتي أنتِ جميلة جداا ، مالك يا ليان فيكي ايه يا حبيبتي
لم تجد ما تقوله ظلت تبكي تتمسك بأحضان والدتها ، كيف تخبرها بأن قلبها الأحمق لم يحب سوى جواد ابن خالها والأخير يتفنن في إحراجها وجرح كبريائها بكلماته وتعليقاته الساخرة السخيفة ، قاطع ما يحدث صوت شريف شقيقها الكبير يأتي من الخارج :
- يا أهل الدار ، ايه يا جماعة الصحرا دي انتوا فين دا أنا غايب بقالي شهرين مش كدا
انتفضت من بين أحضان والدتها تبتسم سعيدة من بين دموعها تلحق بوالدتها إلى الخارج ، اقتربت إيمان من ابنها البكر ترتمي بين أحضانه تبكي فرحا بعودته تغمغم سعيدة :
-حمد لله على سلامتك يا شريف ، حمد لله على سلامتك يا حبيبي ، كنت هتجنن من الخوف عليك
عانقها شريف يقبل يديها ورأسها يمسح الدموع عن وجهها يغمغم يشاكسها :
-يا ست الكل والله أنا كنت في تدريب مش في مأمورية ، ما تقلقيش عليا أنا زي الباب قدامك اهو ، تعالي يا بت يا زئردة أنتِ ياللي واقفة هناك مش عايزة تيجي تحضنيني
انهمرت الدموع من عيني ليان لتهرع إليه ارتمت بين ذراعيه تبكي بعنف تتمسك به ، ليقطب جبينه متعجبا مما هي فيه ترك والدته يعانقها يسألها قلقا :
-مالك يا ليان ، في اي يا حبيبتي حد مزعلك ، مالها يا ماما
حركت رأسها بأنها لا تعلم تغمغم قلقة هي الأخرى:
-والله يا إبني ما اعرف هي بقالها شوية تعيط وقبلها عمالة تبص على وشها في المراية وتقولي أنها وحشة مش عارفة مين اللي قالها التخاريف دي
فهم ! شريف يعلم أن شقيقته غارقة حد الثمالة في حب ابن خالهم جواد ، والجلنف الأخير لا يشعر بها ، وصدقا هو لا يريده أن يشعر ؛ ليان تستحق من هو أفضل منه ألف مرة ليس ذلك المدلل الجلنف الذي يقيم شبه علاقة محرمة مع فتاة أجنبية لعوب حاولت إغوائه عدة مرات ، نظر لوالدته يغمغم مبتسما:
-دي ليان الدلوعة دي ، معلش يا أمي واقع من الجوع هاتيلي أي حاجة انقنق فيها على ما بابا يجي ونتعشى
اومأت إيمان سريعا لتتحرك للداخل ، ليتحرك هو بشقيقته إلى أريكة بعيدة أجلسها جواره رفع يده يمسح دموعها ، رفع وجهها إليه تنهد يغمغم مترفقا :
-والله العظيم ما يستاهلك يا ليان ، والحب الكبير اللي في قلبك دا ليه صاحب تاني ، مش هو دا أبدا ، جواد بسبب والدته واللي حصل منها زمان تقريبا جاله عقدة بأمارة أنه مصاحب واحدة أجنبية أكبر منه الكل شايف أنها شمال إلا هو ، هو بيعاند وخلاص ، محتاج حد يساعده والحد دا مش أنتِ ، أنت مش مهمتك fix him خالص ، دي مهمة أهله ... أنا مش هخاطر بيكِ يأذيك ِ نفسيا ، ممكن بقى تمسحي دموعك وما اشوفكيش بتعيطي تاني خالص ، ما فيش اي حد في الدنيا يستاهل دموعك تنزل بسببه ، اللي يخليكِ تقفي قدام المراية وتفتكري ان شكلك وحش يبقى ما يستاهلكيش يا ليان ، قومي يلا اغسلي وشك ، واسرقيلي طبق محشي ورق العنب من المطبخ
ابتسمت ترتمي بين أحضان شقيقها تعانقه سعيدة ، دُق الباب لتهرع سريعا للداخل في حين قام شريف يفتح الباب ليبتسم سعيدا يعانق خاله عمرو ويصافح زوجة خاله يفسح لهم الطريق ليدخلوا يغمغم مرحبا :
- حمد لله على السلامة اتفضلوا ، ماما جوا يا طنط روان لو عوزاها ، أنا جايلك يا خالي عشان المرة دي أنا اللي هفوز في الشطرنج
والتفت ينظر لباب المنزل ليراها ها هي مخطوبته الحبيبة مرام ابنة خاله ، ابتسم سعيدا ، اقتربت هي منه في لحظة وقفت جواره لتخرج هاتفها تلتقط صورة لها معه وهو لا يزال بحلته العسكرية ترفع على أحد مواقع التواصل الشهيرة تكتب عليها
( حبيبي حامي البلد رجع إجازة أخيرا )
لتتوافد التغريدات بالمباركات ، قلب شريف عينيه يغمغم ساخرا :
-طب سلمي عليا قبل ما ترفيعها على انستا ، ولا أنا حبيبك على انستا بس ، خشي يا مرام
ابتسمت سعيدة لتشب على أطراف أصابعها تقبل وجنته تغمغم فرحة :
-وحشتني يا حبيبي شهرين غياب وحشتني أوي أوي أوي ، ها هتاخدني ونخرج فين أنا عايزة اروح سينما ومسرح ومول مصر و...
أغلق باب المنزل يتحرك للداخل تاركا إياها تكمل عد قائمتها الكبيرة في حين توجه هو للداخل ليبدل ثيابه
_________
في منزل جاسر مهران
فتحت جوري باب المنزل رأت والدتها تجلس على الأريكة أمام أحد برامج الطبخ لتبتسم مرهقة اقتربت منها ترتمي على الأريكة جوارها نزعت حجابها ، مددت جسدها على الأريكة تضع رأسها على قدمي والدتها لتبتسم رؤى مدت يدها تعبث بخصلات شعرها برفق ، في حين اردفت جوري حانقة :
-ماما ، حسين ابن خالو عاصم قوليله يبعد عني ، أنا زهقت من تحكماته دا ولا كأنه ولي أمري
ضحكت رؤى تمشط شعر ابنتها بأصابعها بخفة تغمغم ضاحكة :
-أنتِ عارفة هو بيعمل كدة ليه ، الواد يا عيني قرب يقف في نص الشارع ويقول بحبها يا ناس
ابتسمت چوري ساخرة تحرك رأسها تصدق على ما تقول والدتها ، ارتسمت ابتسامة فجاءة على شفتيها حين مر أمامها دون مقدمات صورة زين ذلك الفتى المرتبك دائما ، قاطع ما يحدث دخول والدها إلي المنزل يصيح باسم رعد ، انتفضت هي ووالدتها يهرعان إليه
هرعت رؤى إليه تسأله قلقة :
-رعد مش هنا هو مش معاك في الشركة ، من ساعة ما خرج الصبح ما رجعش
توسعت عيني جاسر قلقا أين ذهب ؟ مر ما يقارب تسع ساعات ألم يعد بعد ؟! ، اقتربت رؤى من زوجها تسأله مذعورة :
- رعد فين يا جاسر ، عملت ايه ، ابني راح فين ما ترد عليا
أين هو ؟ ، أين رعد ؟
ربما هو هناك يجلس على ضفاف النيل بالأسفل جوار المياه ينظر لها منذ ساعات شاردا تخونه دموعه فيبكي ، ليرفع يده سريعا يمسح دموعه
يبتسم ساخرا لما يبكي الآن ألم يعتاد ؟ ربما لأنه تلك المرة أهانه أمام جميع موظفي الشركة ، أخرجه من دوامة أفكاره حركة جواره نظر جواره ليجد فتاة لم يتبين ملامح وجهها لأنها اندفعت تركض ترمي بنفسها في النيل شخصت عينيه يصرخ فيها :
-أنتِ بتعملي ايه يا مجنونة ارجعي يخربيتك
لم يكن جواره أحد ، هرع خلفها يحاول أن يصل إليها سريعا قبل أن تجذبها المياه للداخل قبض على ذراعها يجذبها بعنف للخارج ، ارتمى خارجا ينظر إليها وهي تتنفس جواره ليصرخ فيها حانقا :
-أنتِ مجنونة ، أنتِ ازاي تعملي كدة ، رايحة تنتحري دا كُفر بالله
انتصفت جالسة تُخفي وجهها بين كفيها تبكي تغمغم بحرقة :
-أنت ما تعرفش حاجة ، ما تعرفش الدنيا عملت فيا ايه
ابتسم ساخرا ، أيخبرها بما يفعله أبيه بها ربما لتشفق عليه ، حمحم يغمغم بنبرة حادة :
-مش مبرر أبدا أنك تنتحري ، لو سمحتي ابعدي عن المايه ، أنا ما اضمنش ما يمكن الشيطان
يوسوسلك وترجعي تنطي تاني
رفعت وجهها عن كفيها ببطئ تنظر إليه ترمش بأهدابها الكثيفة رفعت يديها تمسح دموعها تردف باكية من جديد! :
-أنت ما تعرفش حاجة بس أنت عندك حق ، شكرا يا ... أنت اسمك ايه
ابتسم محرجا يهمس لها مرتبكا :
-رعد
اعطته ابتسامة شاحبة حزينة تهمس هي الأخرى:
-وأنا طرب ، شكرا يا رعد !