رواية عشق الادهم الجزء الثانى (طغيان) الفصل الثالث 3 بقلم شهد السيد

 


 رواية عشق الادهم الجزء الثانى (طغيان) الفصل الثالث بقلم شهد السيد



‏لم تكن كل الطرق تؤدي إليك ، أنا من كان يعكف الطريق عنوةً ليعود إليك .

صمت يسود ونظرات حارقة صادرة من أدهم نحو حازم الذي يتحاشي النظر إليه، قطع مختار الصمت يحدثهم بجدية وصوت منخفض: 
_أنا مقدر الموقف بس هو ابن خالها ويعتبر اللى باقي من أهلها وكان لازم يعرف طالما مُصر تنتقم من نصار انتوا فى الأول والآخر اخوات قبل ما تكونوا أصحاب... 

قاطعة أدهم بنبرة حادة وهو يطفئ سيجارتة بعنف: 
_صاحبي ميغفلنيش، الموضوع ده هيخلص وهيطلقها ومش عاوز أشوف وشه تاني. 

رفع حازم رأسه ونظر له مدهوشًا للحظات قبل أن يتسأل: 
_يعني انتَ شايفني غلطان. 

نظر له أدهم بأنفعال وصاح بصوت عم أرجاء المنزل: 
_وستين غلطان، انتَ لو راجل بحق كنت تيجي تعرفني وانا اجيبه زى الكلب تحت رجلي متستغفلنيش وتتجوزها وتروح من ورايا عاوز تخطفه... 

أنقطع حديثهم ونهض حازم سريعًا عندما ثبتت نظرات أدهم على شئ خلفه ليجدها واقفه أمام باب الغرفة تحاول رؤية المتواجدين بغرفة الجلوس، أشار له أدهم بمعني أنها خرجت للتو ليقترب حازم منها يدفعها للداخل برفق مغلقًا الباب خلفهم يبسط كف يده على وجنتها يربت عليها برفق: 
_معلش ياحبيبتي عارف ان الصوت أزعجك..دول إتنين صحابي فى الشغل كانوا عاوزيني بخصوص قضية مهمة بس عشان انتِ تعبانه رفضت أنزل واسيبك وخليتهم يجي هنا، اوعدك مش هتسمعي صوتهم خالص وربع ساعة بالكتير ويمشوا أتفقنا.؟ 

ظلت تنظر له لبضع لحظات قبل أن تنظر نحو يده الموضوعة فوق وجهها، أبعد يده برفق عنها وأبتسم بهدوء يربت فوق خصلات شعرها يتسأل برفق: 
_لسه تعبانة.؟ 

اومأت ببطئ تجيبه بصوت منخفض: 
_مصدعة وو..وعاوزة العلاج بس مش لقياه. 

ابتعد نحو أحد الأدراج يخرج منها الدواء وعاد يعطيه لها ويناولها كوب المياة، ظل جالس على أحد المقاعد حتى تأكد تمامًا من أنها غفت بفعل نسبة المنوم التى بالمهدأت وغادر الغرفة مغلقًا الباب خلفه يجلس قبالتهم كما كان قائل بصوت هادئ: 
_نامت..ياريت بلاش صوت عالي عشان متصحاش تاني. 

رمقة أدهم بنظرة غاضبة وألتزم الصمت حتى بدأ مختار الحديث يناقشهم بما سيفعلوا حتى أنهي حديثة مشددًا بتحذير: 
_اى غلطة فيها مستقبلكم، ولا يسمع أسم حد فينا ولا يشوف شكلنا، وياريت تتكلموا مع بعض هيكون أفضل وكل واحد فيكم يعذر التاني. 

لم يعلق أدهم ليشير حازم لمختار بأعينه يخبره بأن أدهم الآن باسوأ حالاته والحديث لن يجدي نفعًا معه، هو مقتنع بعدم وجود أخطأ فعلها، وعلى أدهم تفهم ذلك وليس العكس. 

_______________________________

دلفت لطابق عملها ليقابلها الساعي قائلًا:
_صباح الخير يا أستاذه فى واحد مستني حضرتك بقاله ساعة ونص من أول ما جيت فتحت وهو مستني وأستاذ بدير عرض عليه يدخل لحد من الأساتذة المحامين الموجودين رفض وطالبك بالأسم. 

عقدت حاجبيها بقليل من التعجب لكنها أبتسمت بلطف قائلة:
_طيب هدخل لأستاذ بدير ولما أروح مكتبي أبعتهولي يا عم مسعد ومتنساش قهوتي. 

وافق مسعد بحبور لتقترب من أكبر الأبواب الموجودة بالطابق، مكتب كبير المحامين الذين يعملون تحت إشرافة والذي كان سبب أساسي بقبولها للعمل حيث أنه صديق مقرب لوالدها، عندما جائها صوته بأذن الدخول دلفت تضع الأوراق التي بحوزتها أمامه تحدثه بأعتذار: 
_أنا آسفه جدًا حقيقي يا أستاذ بدير بس إبني تعب أمبارح ومعرفتش أرجع وكملت باقي الشغل فى البيت. 

نزع بدير نظارته الطبية يتسأل بأهتمام: 
_مش مهم الشغل طمنيني على آدم بقى كويس.؟ 
لو محتاجه أجازة خدي وهبعت شغلك لحد تاني. 

أبتسمت بهدوء تجيبه قائلة: 
_لا شكرًا لحضرتك هو بقى كويس. 

أمسك الأوراق التى وضعتها أمامه يقلبها سريعًا وهمهم برضاء يحدثها: 
_هايل، اتفضلي على مكتبك بقى عشان فى عميل مستني الأستاذة ساره من أول ما بدأنا شغل. 

ضحكت بخفه وودعته مغادرة لمكتبها وفور ان وطأت قدميها أرض المكتب تجمدت يدها فوق مقبض الباب، هى تتذكره جيدًا ذلك الجرح العريق الذي بجبهته لم ينمحي من رأسها، أنه المعلم حكيم كما يطلق عليه، والد نسمة زوجة جاسر الحالية وصاحب مفاجأة أمس. 

أعتدل حكيم فى جلسته وأبتسم فى حبور وزهو وهو يعدل من وضعية العبائه التي فوق كتفيه يحدثها بأبتسامة عريضة أظهرت ذلك السن الذهبي الموجود بفمه: 
_يا صباح الخير على الحلويات وست الكل وست الستات. 

أغمضت أعينها تلعن ذلك اليوم الذي قررت به الزواج من جاسر بالأصل، دلفت وتركت باب المكتب مفتوح كما أعتادت وتقدمت تضع حقيبتها جانبًا وعدلت من وضع ثوبها الفضفاض قبل جلوسها وهى تعقد يدها تحدثه بعملية وجدية: 
_اقدر أساعد حضرتك ازاي. 

ورغم ملابسها المحتشمة الملائمة لحجابها الأنيق إلا أن نظراته كانت وكأنها تستشف ما هو أسفل ملابسها وأجابها بلهفة: 
_طالب القرب وغرضي شريف وهعملك فرح العزبة كلها تحكي وتتحاكي عليه ولو على المهر والمؤخر من جنية لمية رقبتي سدادة بس ننول الرضا ياجميل. 

فركت جبهتها برفق تحاول السيطرة على أعصابها وهى تجيبه بهدوء نسبي: 
_للأسف يا معلم طلبك مرفوض أنا ست عايشة لأبني وبس، نورتنا. 

أنهت حديثها وفتحت أحد ملفات القضايا التي أمامها تتصنع إنشغالها به ليخرج من الحقيبة التي أمامه علبة من الصفيح المطلي يفتحها أمامها لتتفاجئ بالمشغولات الذهبية الموجودة بداخلها ليعاود إقناعها من جديد ظنًا منه أنه سيستطيع شراء موافقتها بهم: 
_دول عشر فرد غوايش عيار 24 لزوم الإيدين الحلوه وسلسلة عليها قرأن لزوم منع الحسد عن الجميل وقصادهم 100 ألف مهر وزيهم مؤخر، قولنا إي ياست البنات نبل الشربات.؟ 

ظلت صامتة للحظات قبل أن تتمتم بهمس مسموع:
_قولت لا إله إلا الله، أطلع بــرا ياعم مسعود. 

صاحت بأخر حديثها بصوت مرتفع ونهضت ليأتي مسعود سريعًا لتشير نحو حكيم قائلة: 
_طلع الراجل ده برا ياعم مسعود ومتخليهوش يجي هنا تاني. 

نهض حكيم وأنقبضت قسمات وجهة بغضب يحدثها بضيق: 
_هو دى الأصول يا أستاذة بقى أنا شاري وانتِ بتطرديني.؟ 

صاحت بوجهة بأنفعال أتى بسببه بدير وبعض العاملين: 
_انتَ جاي تشتري بهيمة ياراجل انتَ، فاكر بحبة دهب وفلوس تشتري موافقتي الله فى سماه لو لمحتك هنا تاني ولا ظهرت قدامي فى اى مكان لاحبسك، خد حاجتك دي واطلع برا. 

تفاجأت من صوته الخشن الذي صاح بوجهها بهمجية قائل بإهانة: 
_ما برااحه علينا يا أستاذة هى الأصول بقيت عيبة دلوقتي، ده بدل ما تسمعينا زغروطه ان فى حد هياخد بضاعة مستعملة مش لقيالها شاري.! 

تراجعت للخلف خطوتين من صياحه بوجهها وتجمعت الدموع بأعينها على آثر كلماته المهينة لكرامتها وكبريائها كأنثي ليتدخل بدير ويقم بدفعه للخارج وهو يوبخة على كلماته تلك يهدده بعدم المجئ مرة أخري، رفعت يدها تمسح دموعها قبل هبوطها ونظرت حولها بأحراج من الجمع الكبير الواقف يشاهد لتمسك بحقيبتها وتسارع بالخروج تعتذر لبدير بصوت متحشرج: 
_أنا آسفه على اللى حصل بس محتاجه أمشي واخصم اليومين من مرتبي. 

حاول منعها من المغادرة لكنها أصرت على رأيها لتغادر وسط العديد من النظرات، منها العابر ومنها المستهين لتتحدث أحدهم بسخرية قائلة للواقفة بجانبها: 
_ماهو عنده حق دي فى الأول والآخر مطلقة مستنيه مين يعني يعرض عليها الجواز تحمد ربنا انها هتلاقي واحد يرحمها من تعب الشغل ويصرف عليها وعلى أبنها. 

ردت الأخري برفض شديد تجيبها: 
_والله لو هيوزني دهب ما أرضي بيه ده البصة فى وشة تخلي المعدة تقلب وصوته خضني أنا وانا واقفه برا ما بالك هى اللى واقفه قدامه.! 

___________________________

دلف للمنزل بخطوات بطيئة وكأنة كهل بالعقد الثامن وليس بالخامسة والثلاثين من عمره، الحزن والضيق أصبحوا ملازمين لقسمات وجهة. 

أخرج سلاحه من خلف ظهره يضعه فوق الكومود وشرع بتبديل ملابسة غير مبالي بتلك التي تجلس فوق الفراش تضع الطلاء على أظافر قدمها، منذ ماحدث فى منزل عمته وهو متجاهل الحديث او النظر إليها ولا يعود للمنزل سوى للنوم فقط. 

تأكدت من إسقاط حمالات الثوب المنزلي التى ترتدية ليظهر جزء لا بئس به من جسدها العلوي ونهضت تضع كفيها فوق كتفيه تدلكهما برفق تحدثة بصوت ناعم أصبح يشمئز من سماعة:
_مش هتتغدي، ده أنا عملالك شوربة كوارع تأكل صوابعك وراها. 

أبعد يدها عن كتفيه بضيق بالغ وفتح خزانة الملابس يخرج ملابسه قبل دلوفه للمرحاض لتقترب منه من جديد تلتصق به تحاول إغراءة بكلماتها الناعمة السامة: 
_موحشتكش ولا اى، أهون عليك كل المدة دى بعيد عنى. 

مشاعر الغضب والضيق والألم الذي يخبئهم بصدرة عن طريق صمته شعر بهم يبدأو بالإنهيار ليبعدها عنه بأختناق شديد يشعر به كلما أقتربت منه لترفع حاجبيها بأستنكار وتخلت عن نعومتها ووضعت يدها بخصرها تسأله ببعض الحده: 
_مالك يا أخويا، ده بدل ما تطايب بخاطري على اللى النطع أبن عمتك كان بيعمله معايا تقاطعني، ده فى شرع مين.؟ 

خرج صوته مختنق وكأن روحه تستغيث: 
_انتِ كدابة. 

شهقت بعنف وأستنكار وحدثته بغضب وهى تديرة ليقف قبالتها: 
_هى مين دى اللى كدابة يا جاسر، مش كفاية... 

دفعها بعيدًا عنه وقد فقد سيطرته على زمام الأمور وصاح بوجهها كأسد ضاري جريح وصوته يكاد يستمع له المارون بالشوارع: 
_كفــــــاية انتِ أنا بسبب بقيت بموت بالبطئ دمرتيني ودمرتي حياتي كلها وخلتيني خسرت مراتي وابني ومن يومين عمتي ورفعت، رفعت اللى رميتي بلاكي عليه وأنا واثق ومتأكد أنه معملكيش حاجه بس لو كنت كدبتك قدامهم ومتخانقتش معاه يا اما كانوا هيقولوا انى قرني وعرفت ان واحد بيقرب لمراتي ومعملتش حاجه او هبقي فى نظرهم زبالة أكتر لما أثبتلهم سوء إختياري ليكِ، غوري بقى غووري. 

أنهي حديثه بأنهيار عصبي وأنفعال يطيح محتوايات مرأة الزينة لتتراجع زينة للخلف بخوف من حالته الجنونية تلك، أقترب يلتقط قميصة الملقي فوق الفراش ومفاتيح سيارته وغادر صافعًا الباب خلفه يرتدي القميص وهو يهبط الدرج، صعد لداخل سيارته يستند بيده على المقود وإنفلتت سيطرته ليعلوا صوت بكائه، كأن والدته تركته للتو وضل طريق العودة. 

أرجع رأسه للخلف والإختناق ظاهر على وجهة ودموعة تحفظ طريقها فوق وجنتيه، أزدادت إنفعالاته ليضرب بكلتا يديه مقود السيارة بقوة حتى تأذت يديه وتوقف ينظر لهما ويزداد بكائه بنشيج متألم، ما يتعرض له هو بالتأكيد سبب ظلمه لساره، ساره الذي كان عليه مقابلتها اليوم لرؤيتة لطفلهما كما ينص القانون. 

رفع يده يمسح دموعه عن وجهة ببعض العنف وأدار سيارته وهو يكاد يري الطريق أمامه، يريد أحد لجواره أحد يشعر بألمه وندمه وما يمر به. 

____________________________

همت بأخذ قطعة من الشطيرة التي بيدها لتتوقف عندما لاحظت توقفة عن الطعام ونظرة نحوها لتبتلع ما بفمها تتسأل: 
_اى شبعت.؟ 

نظر لها زياد بيأس وهو ينظر للأوراق الفارغة: 
-انتِ مشبعتيش.؟ 

حركت رأسها بالرفض وهى تجيبه ببساطة: 
_لسه، ده السندوتش التاني وأنا اصلًا طالبة سندوتش بطاطس وسندوتش شاورما وبيتزا ميكس وسط وبان كيك كراميل ونوتيلا وسڤن دايت. 

ضرب جبهته بأسف مصتنع قائلًا: 
_للأسف نسيت أقولهم ان السڤن دايت أكيد بعتوها عاديه. 

عبس وجهها بعض الشئ ونظرت له بعدم رضا تتذمر بجدية: 
_اهو انتَ دلوقتي اللى بتبوظلي الدايت. 

شعرت بأنه سيهم بضربها وهو يحدثها من بين أسنانه بأنفعال طفيف: 
_يعني هى السڤن اللى هتبوظلك الدايت ياختي، بعدين دايت اى ده انا مضيع فلوسي كلها على بطنك يمكن تشبعي فى مره كل ما تشوفي وشي تقوليلي جعانة، وياريته ظاهر عليكِ أنا شاكك إن عندك ديدان والله. 

زمت شفتيها وتركت الطعام تجيبه بضيق: 
_انتَ هتأكلني وتذلني ياعم انتَ.! 

قرب منها البيتزا يجيبها بتهكم: 
_لا ياختي كلى يلا خلينا نمشي. 

عقدت يدها بضيق وحدثته بصوت مرتفع قليلًا: 
_كل شويه ياختي ياختي، على فكرة أنا خطيبتك.

رمقها بنظرة حادة بعض الشئ واشار لها بالصمت، همت بأكمال طعامها لكنها تركته من جديد عندما وقفت بجواره فتاة رشيقة وطويلة تحدثة بأبتسامة واسعة: 
_زياد، أنا مايان فاكرني اللى قابلتك فى رحلة السفاري واتصورنا سوا. 

تفحصتها جودي للحظات قليلة لتتذكرها سريعًا، عندما أنفصلت عن زياد ولأجل ان ينتقم قام بنشر صورة له بصحبة فتاة تلتصق له ضاحكين سويًا. 

أنعقدت قسمات وجهها وتركت الطعام من يدها بهدوء تلتقط أحدي المحارم الورقية تمسح يديها وفمها تتابع نظراته التوجسيه نحوها، ضحكت مايان بأستمتاع شديد ومدت يدها تجذب وجهة نحوها تكمل حديثها: 
_فاكر يوم ما شربت ومعدتك مستحملتش اللى شربته وسبتنا ومشيت وانتَ تقريبًا سكران، لا بجد كان يوم تحفه أتمني يتكرر تانى. 

اومأ بالإيجاب حتى تتركه وترحل لتنحني تمسك بدفتر الشكاوي والمقترحات تدون رقم هاتفها تعطيه الورقة متجاهلة تمامًا وجود جودي قائلة بأبتسامة: 
_هستني منك كول يا زيزو. 

أنهت حديثها تمد يدها بالورقة لتجد يد أخري تسحبها وتمزقها ببعض العنف تقف حائل بينهم تحدثها من بين أسنانها: 
_أنا بقول كفاية مياعة ومياصة وشغل شلة طارق كابو اللى جايه تعمليه ده وتروحي تقعدي على ترابيزتك جمب صحباتك الحلوين دلوقتي بدا ما أعمل من شعرك الحلو شرشوبة فى المطعم ونطلع تريند سوا، يلا ياحبيبتي يلا متنحيش. 

أنهت جودي حديثها تدفعها للخلف ببعض الحده ونظرات شرسة تلتمع بأعينها، جذبها زياد بعيدًا عنها خوفًا من تطور الأمور بينهم ليتفاجئ بغرزها لأظافرها بظهر يده، أبعد يده سريعًا بألم لترمقة بنظرات مشتعلة والتقطت هاتفها وحقيبتها تغادر المطعم دون ان تنتظره، سارع بدفع حساب الطعام ولحقها ليجدها تشير لأحدي سيارات الأجرة. 

خفض يدها يزجرها ببعض الحدة قائلًا: 
_انتِ هبلة هتركبي تاكس لوحدك.! 

رفعت يدها وكادت توشك على تشويه وجهة بأظافرها لكنها تراجعت تحدثة من بين أسنانها بأنفعال: 
_بقولك اى انتَ تسبني دلوقتي عشان ولا طيقاك ولا طيقاها واقسم بالله لو مسبتنيش فى حالى لادخل اجيبها من شعرها، مش دي اللى كنت حاضنها قبل كده عشان تدايقني، وبعدين تعالى هنا شربت اى وخلاك سكران.؟ 
بتشرب خمرة يا زياد، تصدق إنك ملقتش حد يربيك و.... 

أنقطع حديثها عندما وضع يده فوق فمها محاولًا إسكاتها لتقطم يده بعنف حتى أبعدها سريعًا بألم ترمقة بشراسة: 
_قولتلك ولا تمسكني ولا تحاول تلمسني قبل كده وتيجي تاخد دبلتك ولا عاوزه اشوفك ولا أشوف وشك جتك القرف. 

أنهت حديثها ورغمًا عن أعتراضة صعدت لسيارة أجرة ليسارع بالجلوس لجوار السائق حتى لا يدعها تعود للمنزل وحدها، ليليان شخصية مسيطرة قوية اما جودي.! 
أنها مختلة بالفعل تلك الحمقاء جرحت يده بأظافرها ولم يكفيها لتكمل حماقتها بترك علامة مميزة من أسنانها على كف يده، تهدأ فقط وسيريها حقًا جزاء فعلتها، هى بالأساس يمكنها الهدوء إن جلب لها المثلجات.! 

______________________________

أبعدت يدها عن خصلات شعره ورتبت فوق ذراعه برفق تحدثة بصوت حاني: 
_حازم عمل كده من حبه فيها كان عارف إنك هتبعدها عنه لو عرفت وبعدين هى مراته دلوقتي يا أدهم وهو عارف اللى حصلها ومتقبلة وبيحاول يخليها تتخطاه وانتَ بنفسك قولت أنها بقيت زى الطفل المتعلق بأمه معاه، فرح بتحبه واكيد بعد وقوفه جمبها وكل اللى بيعمله هيحاولوا يتخطوا اللى حصل مع بعض وهو مشي خطوة كبيرة فى علاجها لوحده وخلاها تتقبل وجوده معاها، حازم راجل وبيحبها بجد، متبقاش انتَ والظروف عليهم وساعدهم ومتبعدهمش عن بعض. 

لا رد يصدر منه يستمع لها وفقط، نجحت بأمتصاص غضبه عندما عاد والآن تحاول ترتيب أفكاره دون أن يتحدث، خبئ وجهة بأحضانها وشدد من ضمها له يغلق أعينه بهدوء، بادلته العناق ورتبت فوق ظهره حتى تأكدت من أنه سقط بالنوم، زفرت بحرقة على ما مرت به فرح، تتمني رؤيتها وبشدة علها تستطيع مساعدتها وتخفيف ألامها، ما مرت به بشع ولا يُنسي.! 

__________________________

إفترشت الأرض العشبية بثوبها الأصفر الزاهى وهى تضم صغيرها لصدرها تقبلة بقوة وأصوات ضحكهما ترتفع من حولهما تداعبة قائلة بحب: 
_روح قلب ماما وكل دنيتها يا دودي. 

-ماما بثى..بثى دى. 
حدثها آدم وهو يجذب وجهها نحو أحد الأطفال الذى يفوقه عمرًا بقليل وهو ممسكًا بسلاح بلاستيكي يحاول إصابة الهدف المحدد له بمساعدة والده الواقف جواره. 

تصنعت سارة الإبتسام تقبل وجنتية الممتلئتين بلطافة طاغية: 
_هجبلك واحد أكبر من ده كمان عشان تلعب بيه مع جدو. 

قاطعها الصغير وهو ينفلت من بين يديها يركض حيث والده الواقف خلفهما بمسافة قصيرة يستمع لهم بصمت يتعلق بقدمية صائحًا بسعادة: 
_بابـــــا. 

أنحني جاسر يحمل جسده الصغير يقبل يديه ووجنته يجيبه بحب بالغ: 
_حبيب بابا، وحشتني أوي. 

أستمر آدم بالحديث دون توقف كـمن لم يتحدث من قبل وهو يشير لكل شئ حولهما يخبره بلعب والدتة معه بينما تعلقت أنظار جاسر المشتاقة عليها وهى تنهض متحاشية النظر تمامًا نحوهما تجمع أغراض آدم بحقيبتة متصنعة الإنشغال وعدم المبالاة بوجوده كـ كل مرة.! 

أنهت من جمعها سريعًا ورسمت إبتسامة زائفة على وجهها تطالع بها صغيرها وهى تقترب منهم قليلًا بصمت قطعة الصغير وهو يلوح لها بحلوي دائريه ضخمة جلبها له جاسر: 
_ماما بثى.. بابا 

اومأت بشبة إبتسامة تجبه: 
_قوله شكرًا يا بابا. 

أنحني يحمل عنها حقيبة آدم ينظر لها قاصدًا أعينها تحديدًا يجيبها بصوت هادئ عميق: 
_لو فى حد هيشكر التاني فـ هيكون أنا مش انتِ لأنك بعد كل اللى حصل بتثبتيلي دايمًا إنك الأحسن، ولو حد هيعتذر وإعتذاره مش هيكفي هيكون أنا. 

ألتمعت أعينها بالدموع تلقائيًا لكنها سيطرت عليها وزفرت بتروي تحادثهم:
_أستقريتوا هنروح فين.؟ 

سارع بإيجابتها ببسمة بها نوع من الحماسة: 
_فى مدينة ملاهي فتحت جديد فيها حاجات حلوة هتعجبكم. 

اومأت بصمت وسارت لجوارة بينهما مسافة ليس بالكثيرة والصغير لا يكف عن الحديث بشتي المواضيع الخاصة به وبها لجاسر، نظر لها جاسر وهى تنظر حولها بصمت تترك لهما مساحة شخصية للحديث، طوال السنوات الماضية لم يكف عن ملاحقتها والإعتذار وإبداء ندمه بشتي الطرق المُمكنة، ورغم رفضها لم تكن كما توقع منها بل أزهلته بحسن المعاملة بينهما.!! 

لم يتوقع أنها لم تمانع زياراته بأي وقت شاء لآدم او أخذه والخروج سويًا، بل وجعل الصغير يحادثه من هاتفها إذا أراد وتخصيص يوم من كل أسبوع للخروج معًا كأسرة حتى لا يشعر الصغير بنقص شئ وينشاء على مودة أبيه وأمه. 

_انتَ مبتردش عليا ليه.! 
ولا عشان السفيرة عزيزة متدايقش، لأ ياحبيبي فوق أنا مراتك يا عنيا والكل عارف يعني من قبل ما أرن ترد ولا معايا أنا مش طايق نفسك ومعاها هى مية فل وعشرة

أعطي كوب القهوة لساره الجالسة بصمت وحمل صغيره يضعه فوق قدمه يقبله بحب ويعطيه الحلوي وأبعد الهاتف عن أذنه قبل أن يردف بعدم إكتراث: 
_طب سلام دلوقتي. 

أغلق بوجهها دون أن يعطيها فرصة للرد ليثير بفعلته الشياطين بداخلها لتبدأ بالصراخ بحرقة وغضب وجسدها يهتز من شدة الإنفعال تنظر لوالدتها الباكية، بالتأكيد أبيها قد جُن قبل أن يخبرهم برغبته للزواج من ساره وانه قد ذهب لها صباحًا بمقر عملها.!! 

ضُرتها تتزوج بأبيها لتريها هى ووالدتها ما قد عانته عندما تزوجت هى بجاسر.! 
لأ وألف لأ.!!! 

يجلس كلاهما جوار بعضهما يراقبوا الصغير وهو يلهو بمنزل صغير معبئ بالكرات البلاستيكية مع من هم صغار مثله، زفرت ساره بتروي وماحدث صباحًا لم يبارح عقلها  من نظرات وحديث ذلك الهمجي. 

حتى هو..يبدو به خطب ما أعينه تريد البوح بشئ لا تعلمه..مهلًا.! 
ما شأنك به يوجد ما يوجد ليس لدينا شئ او حق للتفكير به من الأساس، قاطع حربها النفسية وهو ينظر لها يحدثها بصوت منخفض مستنزف: 
_عندي أستعداد أعمل اى حاجه بس تسامحيني، ندمان وعاوز منك فرصة أكفر بيها عن ذنبي، انتٌ الفرصة الوحيدة اللى ممكن تديني أمل فى الحياة من تاني، ارجوكِ يا ساره! 

تفتكروا ساره ممكن توافق.؟ 

تعليقات



×