رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل السادس والثلاثون
"فلاش باك "
وقف أمام سيارته يشعر بالغيظ الشديد يركل بقدمه الحجارة بعيدا ، يكاد يشتعل غضبا .. لو لم تكن فقط إمرأة ، لو لم تكن فقط زوجة شقيقه لكان جعلها دفعت ثمن صفعته غاليًا ، تصفعه ومن ثم تُلقي خاتم خطبته هو وملاك في وجهه ، هل عادت طرب بعد عام هربت فيه لتدمر حياتخ ، لن يسمح لها بذلك... ملاك ستعود له رغما عن أنفها ، تقدم وليد منه وضع يده على كتفه يحاول التهوين عنه :
- اهدا يا يوسف ، يا عم محلولة والله خد والدك وأروح اتفاهم مع والدة ملاك
اشتعل وجه يوسف غضبا يصرخ بعلو صوته :
- دي ضربتني بالقلم ، لو ما كنتش بس واحدة ست أنا كنت كسرت ايدها اللي رفعتها عليا ، وملاك صبرها عليا ، عشان أقول الكلمة ما تتنفذش بسببها صوت علي وأنا بتخانق مع الحيوان اللي اسمه زين ولميتهم حوالين
تضايق وليد مما يقول يوسف ، ابتعد عنه يقطب جبينه يسأله مستنكرا ما يقول :
- هو أنت مش حاسس أنك غلطان خالص ؟!
احتدت عيني يوسف غضبا ينظر لوليد بحدة قبل أن يصرخ فيه :
- غلطان في ايه عشان بقولها تسمع كلامي ابقى غلطان
حرك وليد رأسه بالإيجاب يصارحه بالحقيقة التي لن يسمعها من غيره :
- لا يا يوسف ، أنت من زمان وفيك الطبع الزفت دا عايز تبقى القائد المسيطر على الكل ، عايز كلمتك بس هي اللي تتسمع ، أنا ما انكرش أنك فيك مزايا كتير جداا لكن فعلا لو فيك عيب ، فهو أنك شايف أنك دايما صح ومستعد تفرض كلامك عشان يتنفذ بأي طريقة ، فاكر لما كنا في أوضتك بعد ما عرفتوا بالحوار اللي كان بين طرب ورعد قولتلي أنك هتقصقص أجنحة الملاك ، ودا اللي أنت بتعمله ، أنت بتعاملها بقسوة وعنف غير مبررين يا يوسف
أنت عايزها انسان آلي تقول نعم وحاضر وطيب ، تضحك وقت ما تقولها اضحكي بس ، ولو عملت عكس كدة تبقى أجرمت من وجهه نظرك ، اسمعها مني يا يوسف أنا صاحبك ومش هغشك ، أنت عاوزة عروسة لعبة تتحرك جوا صندوق ، مش مدي لملاك أي ثقة ودا ما ينفعش ما فيش حياة بتقوم على انعدام الثقة دا ، تعرف كويس اللي حصل دا عشان تراجع نفسك ،وتعرف أنك غلطان وأنك أجرمت في حق ملاك ، بدل ما تكون ايدها تسند عليها عشان تشوف الدنيا من جديد ، كنت أيد حبستها جوا صندوق أصغر من الكرسي اللي كانت قاعدة عليه ، راجع نفسك يا صاحبي عن إذنك
وتركه وغادر ، وظل يوسف واقفا مكانه عينيه شاردة تتضارب بعنف الكلمات والمشاهد في رأسه ، جلس أرضا يستند إلى سيارته خلفه ينظر للفراغ أمامه وكل مشهد حدث بينه وبين ملاك يُعاد أمام عينيه ، يشاهد من خارج الصورة كيف كان يؤذيها وهي تسامحه
وليد محق !
_____________
في سيارة شريف ... يتحرك شريف بسرعة هادئة صوب منزلها هي ووالدها يتحدث مع والدها الذي يجلس على المقعد المجاور له في أمور شتى ، وهي تنظر له تختلس النظرات بين حين وآخر ، تتنهد حزينة أغمضت عينيها تتذكر ما حدث قبل عدة أشهر
Flash back
فؤاد الوغد ومحاميه القذر اتفقا سويا بمساعدة عادل صديقه على تلفيق فضيحة لها هي وشريف ، بدأ بمقطع فيديو نشره عادل صديق فؤاده على جميع مواقع التواصل الإجتماعي يقول فيه بكل تأثر وحزن
« مساء الخير يا جماعة أنا اسمي عادل الصباح ، عايز أحكي عن مصيبة هيضيع فيها صاحبي وأخويا ، أنا ليا صاحب عمري اسمه فؤاد كان شغال بقاله سنين في بلد عربي ، شقيان وطافح الدم ولما قرر يرجع عشان يستقر هنا ويتجوز ، كان بيدور على شغل في كذا مكان عشان يكون ليه شغلانة ثابتة هنا في مصر ، لقيته راجع في مرة مهموم وزعلان وفضلت ازن عليه لحد ما قالي أنه شاف بنت خالته ماشية مع شلة بنات وولاد ودا ما ينفعش ولما راح يكلمها الراجل اللي معاهم طلع ظابط وهزقه قدامها وطرده ، وهو مشي
فضل يدور على عنوانها عشان يقولها يا بنت الحلال دا ما ينفعش وأنهم ناس من عيلة محافظة وأهلها ناس محترمين ، ولما وصل لاقى بنت خالته اللي اسمها زينب في وضع مش كويس مع الظابط دا اللي اسمه شريف علي ، وصاحبتها كانت قاعدة برا عادي ولا كأن في حاجة بتحصل ، كان هيتجنن أن بنت خالته اللي زي أخته الصغيرة اللي يعتبر هو اللي مربيها قبل ما يسافر ، في الوضع دا ، الدم غلي في عروقه ودا راجل وعنده نخوة ، صاحبتها وهي بتزقه السكينة جت فيها ، ودلوقتي الظابط عايز يلبسه قضية شروع في قتل البت صاحبتها ، حسبي الله ونعم الوكيل فيهم حسبي الله ونعم الوكيل
وانفجر في البكاء وإلى أن هنا انتهى مقطع الفيديو وفي ظرف ساعات تصدر ذلك الفيديو جميع الصفحات الجميع يتحدث عن تلك الحادثة الغريبة وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض ، مُصدق ومن يرى أن ما يقال هراء لا يجب تصدقيه
وقف شريف في مكتب مجدي يصرخ بعلو صوته :
- شوفت ابن الكلب دا عمل ايه ، حتى لو النيابة ما صدقتوش ومتنيل مرمي في السجن ، أنا سمعتي أنا والبنت دي بقوا في سابع أرض ، أنا في ناس بتبصلي في الشارع بقرف
حاول مجدي أن يهدئه ولكن لا فائدة ، شريف كان يغلي غضبا ، دُق الباب ودخل جاسر ومعه شاب لا يعرفه أي منهم ، هرع شريف إليه يتحدث منفعلا :
- كويس أنك جيت يا جاسر مش أنت يا ابني كنت شاهد وشوفت اللي حصل
رفع جاسر يده يضعها على كتف شريف يحاول أن يهدأه :
- ممكن تهدا يا شريف ، ما فيش حاجة هتتحل وأنت متعصب أوي كدة ، وبعدين الموضوع دلوقتي مش موضوع تحقيق ومين شاهد ومين مش شاهد ، الموضوع دلوقتي موضوع سوشيال ومجتمع ، وزي ما هو ضرب النقطة دي ، إحنا كمان نقدر نضربها عشان نحافظ على سمعتك وسمعة زينب ، سامر عنده فكرة اسمعها
نظر شريف للفتى الواقف جوار جاسر والذي بدأ يتحدث بهدوء :
- أنا أقدر أعمل بوستات بتاريخ قديم بلايكات وكومنتات وشير كتير ، لخطوبتك إنت وزينب وكتب كتابك أنت وهي ، وفيديوهات خطوبة كمان عن طريق برامج معايا ، بس لازم صور ليك وليها وانتوا بتكتبوا الكتاب ووأنت بتلبسها دبل الخطوبة ، في أماكن مختلفة وبهدوم مختلفة ، ونصيحة كتب الكتاب يكون حقيقي عشان المحامي بتاع فؤاد هيضرب في الحتة دي وهيفضل يدور على القسيمة ، وعليه إحنا محتاجين مأذون يكتب القسيمة بتاريخ قديم وتتوثق بتاريخ قديم ، ومش لازم نتأخر لأن الفيديو بينتشر بسرعة البرق
وقف شريف مذهولا حدقتيه متسعة ، ينظر أمامه شاردًا ... الحل بمنتهى البساطة أن يتزوج من زينب ، يعرف مأذون صديق لوالده سيساعده في ذلك ولكن المشكلة في الفكرة نفسها ، فكرة إجباره في أن يتزوج فتاة لأجل فضيحة لا دخل له فيها ، ليحافظ على سمعة عائلته وسمعته وعمله ، فما يحدث يدفعه نحو الهاوية وهو لم يعد للعمل بعد ، تنهد بقوة يرفع يديه يضعهم فوق رأسه يفكر ، قبل أن يطلب رقم والد زينب يخبره بكل ما قال سامر والرجل وافق لأجل تلك الفضحية المدوية ،
بعدها جاء بدأوا في إجراء تلك المسرحية استطاع سامر فعلا صنع منشورات بتاريخ يطابق تاريخ وثيقة الزواج تحمل عدد ضخم من الاعجابات والتعليقات ، منشورات ظهرت فجاءة من العدم ، وبدأت تنتشر بين الناس أكثر فأكثر والجميع يضحض بها ما قاله عادل في مقطع الفيديو ، ويباركان للعروسين ، ليبتسم شريف ساخرا أكثر ما كان يكرهه في مرام أنها توثق حياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وها هو يفعل ذلك ، تذكر أنه جاءته عدة تعليقات تسب فيه من عدة فتيات يقولون أنه خائن ترك مرام التي كانت تحب وذهب لأخرى ، ولذلك عاقبه الله بتلك الفضيحة
Back
فتحت زينب هاتفها تنظر لصورتهم في عقد القران كان يقف مجاورا لها ينظر لها يبتسم سعيدا لأجل الكاميرا ، ولكنها تحب تلك الصورة لأنه يبتسم لها حتى لو كانت ابتسامته زائفة
انتبهت حين توقفت السيارة أسفل العمارة التي تسكن فيها بصحبة والدها ، نزلت من السيارة لترى أبيها يصافح شريف يحادثه مبتسما :
- طب اطلع يا ابني ، اشرب حاجة ولا اقولك اتعشى معانا ، زينب قبل ما نمشي كانت عاملة طاجن ورق عنب بالكوارع يادوب بس هيتحط في الفرن يستوي
تحركت عيني شريف إلى زينب يسألها مبتسما :
- أنتِ بتعرفي تعملي ورق عنب ، دا المحشي المفضل ليا
شعرت بالسعادة ودق قلبها بعنف ، ابتسمت خجلة تومأ برأسها ؛ ليعاود هو النظر لأبيها يعتذر منه :
- مرة تانية بإذن الله هعزم نفسي عندكوا على ورق عنب ، دلوقتي سامحني مش هينفع عن إذنكوا ، تصبحي على خير يا زينب
ومن جديد نظرت له وابتسمت تشعر بفراشات وردية تحلق حولها سعيدة ، تتمنى فقط لو يشعر كم تحبه
__________
وصل بسيارته أمام منزل أبيه ، أوقف السيارة يتنهد بقوة يرفع يديه يمسح وجهه بكفي ، جذب مفتاح السيارة وخرج منها صوب الباب لم يحتاج لدق الباب ، فما إن اقترب فتح أبيه الباب ، نظر إليه مشتتا ضائعا قبل أن يدخل إلى المنزل ، رأى والدته تجلس في الصالة ترميه بنظرات غير راضية هي أيضا ، نظر إلى أبيه حين سمعه ينادي باسمه ، ما أن التفت لأبيه ، التف وجهه أثر صفعة قوية سقطت من يد جاسر على وجهه ، لم يبدو متأثرا لم يثور أو يتضايق حتى ، فقط نظر لأبيها الذي قبض على ذراعه يصرخ فيه غاضبا:
- ايه اللي أنت هببته دا ، أنا مش مصدق أن يوسف هو اللي يعمل كدة ، أنا دايما بقول عليك عاقل وناضح وسابق سنك ، تطلع حتة عيل وعيل قليل الأدب ما عرفتش أربيه ، عارف لو شوفت بتقرب ناحيتها تاني ، همسح بيك الأرض يا يوسف، يا خسارة يا دكتور
ظل يوسف ينظر لأبيه لعدة لحظات في هدوء قبل أن يحرك رأسه موافقا يتمتم :
-حاضر ، زي ما حضرتك تحب ، عن إذنكوا أنا طالع أنام
وتحرك لأعلى ، التفتت رؤى إلى جاسر تعاتبه على ما فعل :
- يوسف ما بقاش صغير يا جاسر ، إزاي تضربه بالقلم
كان قاب قوسين أو أدنى من الإنفجار ، وانفجر فجاءة دون مقدمات يصرخ فيها :
- أنتِ آخر واحدة تعاتب ، انتي سيبتني في أكتر وقت محتاجك فيه ، كنتي بتضغطي عليا عشان ارجع رعد ، فسيبتي الجمل بما حمل يتهد على دماغي ، وخدتي بعضك ومشيتي ودلوقتي جاية تعاتبي يوسف ابنك المحترم الدكتور كان بيضرب في ملاك وبيرهبها ، ذنبي بيتجسد قدام عيني تاني ، كنتي فين يا رؤى
وسكت يقبض كفه يتنفس بعنف ، لف رأسه لها ليرى عينيها شاردة تحرك رأسها لأعلى وأسفل كأنها تخبره أنه محق ، هو أيضا أخطأت ابتعدت دون أن تحسب لبقية أبناءها حسابا ، اهتمت فقط أن يعد رعد وتركت المركب يغرق دونها، وها هو يوسف كما يقول جاسر يجسد ذنب قديم خاف جاسر أن يراه في رعد فرآه في يوسف ، شعرت في لحظة بأنها افتعلت أكبر جريمة في حياتها تركت أطفالها فجاءة دون رعاية ، الأمر الذي قتلها ...اندفعت الدموع إلى عينيها تحرق خديها ؛ ليقترب سريعا منها يأخذها بين أحضانه يعتذر لها :
- أنا آسف يا رؤى ، آسف إني انفعلت عليكِ ، أنتِ كنتي دايما جنقي في الصغيرة قبل الكبيرة حقك عليا يا حبيبتي صدقيني كل حاجة هتتصلح بإذن الله
حركت رأسها للجانبين عينيها شاردة تحركت شفتيها تتمتم بحرقة:
- أنت عندك حق ، إنت عندك حق يا جاسر
أنا اللي آسفة ، أنا مش هبعد تاني ، ما ينفعش أتصرف زي العيال في عز الأزمات دي كلها ، أنا اللي آسفة سامحني
أبعدها عنه قليلا يمسك بذراعيها بين كفيه برفق يحاول التهوين عنها يتحدث مترفقا :
- ايه يعني اللي حصل ، هنصلحه أنا وأنتي ، يا ستي اعتبريها زوبعة فنجان ، وبعدين عارفة أنا هجيب الواد رعد من قفاه هو ويونس وطرب هنا ، شوفتي يونس نسخة من رعد وهو صغير
حاولت أن تبتسم تحرك رأسها بالإيجاب ليضمها بين أحضانه يمسح على رأسها ، نظرت عينيه في الفراغ يتحدث شاردا :
- كفاية سيبت الحبل على الغارب كتير لأولاد مهران ولازم أرجع أشده تاني
___________
وصل إلى منزله ، صعد لأعلى ليجد الجميع خلدوا للنوم ولكن هناك ضوء يأتي من غرفة ليان ، اقترب من الغرفة رأى بابها شبه مفتوح ما أن أقترب سمع صوت ليان تحادث شهاب :
- يا شهاب مش عارفة فكرة السفر دي مقلقة أوي أننا نعيش بعيد عن أهلك وأهلي ، طب سارة ما هي هتزعل وتفتكر إني قولتلك
ومن ثم صمتت لعدة لحظات تستمع له قبل أن تتنهد تهمس متوترة :
- مش عارفة هفكر طيب وأرد عليك ، فاهمة والله يا شهاب أنه مستقبلك هناك أحسن ، ماشي تصبح على خير
انهت كلامها لتجد شريف يدفع الباب بخفة ودخل إلى غرفتها يبتسم في وجهها يتحدث:
- أنا ما كنتش بتصنط صدقيني الباب كان مفتوح ، هو شهاب عايزكوا تسافروا
اومأت برأسها تتحرك عينيها شاردة أما هو فاقترب منها يلاعب خصلات شعرها بأصابعه ينظر للخاتم في كفها الأيسر يتمتم مبتسما :
- يعني أستاذ شهاب بيسيبك تيجي عندنا جمعى وسبت وكمان عايز ياخدك ويسافر
ابتسمت ليان تربع ساقيها أمامها على الفراش تنهدت تحادثه :
- بص هو من فترة كان مقدم ورقه لشركة كبيرة في دبي ومن أسبوع تقريبا جاله المواقفة وادوله مهلة شهر يجهز نفسه ، الفرصة ممتازة حقيقي ، بس أنا خايفة من الغربة بعيد عنكوا
ضحك شريف عاليا يضرب كفا فوق آخر يردف:
- خايفة من الغربة في دبي ، يارب غربة زيها
ضحكت ليان هي الأخرى تصدمه على كتفه بخفة قبل أن تتنهد حائرة تردف متوترة :
-يا شريف بطل هزار ، وبعدين هو بيقولي إحنا هنسافر وسارة تخلص الابتدائي هنا ولما توصل إعدادي هيجيبها تقعد معانا ، وقبل ما تسأل صدقني أنا بحب سارة وعوزاها تقعد معانا ، أنا بس قلقانة
ابتسم شريف في هدوء يحاوط وجهها بكفيه يحادثها مترفقا :
- حقك تقلقي ، بس أنتي متجوزة الواد شهاب بقالك زيادة عن ست شهور ودايما بتشكري فيه ، إنما لو قلقانة عشان هتبقي بعيد عننا ، فالانترنت جعل العالم قرية صغيرة ، أنا قصدي أن إحنا على طول هنكلمك وبعدين في أسوء الظروف حصل أي مشكلة هتلاقيني أنا و بابا عندك ، الحج رجل أعمال ومعاه فلوس يسفرنا بيزنس كلاس كمان وأنا معايا باسبور
ضحكت ليان بخفة تومأ بخفة قبل أن تتنهد تهمس :
- طيب هاخد رأي بابا وماما الصبح ، صحيح شوفت زينب
اختفت الإبتسامة من على شفتيه تدريجيا تنهد يومأ برأسه ، لتمد ليان يدها تمسك بكف يده تحادثه :
- شريف ، زينب مالهاش ذنب وبعدين لو تشوفها وهي بتبصلك عينيها ناقص تطلع قلوب والله مرام نفسها عمرها ما بصتلك بالشكل دا أبدا
يعرف حرك رأسه يخبرها أنه يعرف ولكن المعضلة هنا في مرام يشعر أنها تقف جاحزا بينه وبينها ، يتذكرها كلما رأى زينب بلا سبب وكأن طيف الماضي عاد ليؤرقه فقط
___________
أوقف سيارته ينزل منها ، بالكاد يتحرك ، قدميه ثقيلة ، ثيابه ملطخة بالرماد ، عينيه حمراء من البكاء ، دس المفتاح في قفل الباب ودخل ليبصر مرام في صالة المنزل تجلس وأمامها على الطاولة حاسب والكاميرا الخاصة بها ، رفعت وجهها إليه وابتسمت قبل أن تختفي ابتسامتها حين أبصرت جواد بحالته تلك ، قامت من مكانها تتحرك إليه تسأله مذعورة:
- مالك يا جواد ، إنت عامل كدة ليه ؟
ومن ثم صمتت لعدة لحظات قبل أن تسأله بنبرة أكثر حزنا :
- أنت كنت في المقابر عند نور ؟
حرك رأسه بالإيجاب يحاول أن يبتسم في وجهها ، تنهدت حزينة على حاله قبل أن تقترب منه تعانقه بخفة ليخرج من بين شفتيه زفرة طويلة محملة بالألم يغمض يهمس بحرقة :
- وحشتني أوي يا مرام ، وحشتني أوي أوي
المفروض الوقت بينسي ، بس أنا ما بنسهاش لحظة وكأنها ماتت إمبارح ، يارتني ما زعلتها ولا سيبت البيت ومشيت ، قلبي بيتحرق يا مرام
ظل هكذا لعدة دقائق قبل أن يبتعد عنها يمسح دموعه بكف يده يغير دفة الحديث :
- صحيح ايه اللي حصل في الفرح ، و بابا وماما فين
امسكت بكف يده تجذبه ليسير معها إلى الأريكة جلست وجلست أمامه على الطاولة تحادثه بحماس :
- ماما نايمة ، وبابا مشي من الفرح فجاءة قال عنده مشوار مهم ، اسمع بقى اللي حصل
وبدأت تقص عليه كل ما حدث في الزفاف وهو يستمع إليها يبتسم على شيء معين تقوله دون أن تدري ، إلى أن انتهت مما تقول لتراه لا يزال يبتسم لتسأله مرتابة :
- في ايه بتضحك على ايه
حرك رأسه بخفة ، غمزها بطرف عينيه يتمتم عابثا :
- أصل أنتي قولتي اسم زين يجي 60مرة ، وكل مرة بتشكري فيه
توسعت عينا مرام وأحمر وجهها بالكامل ، حمحمت تحاول أن تبتلع لعابها قبل أن تهمس متوترة :
- مش قصدي حاجة هو بس ، تصبح على خير
قالتها لتحاول الهرب ليمسك سريعا بكف يدها يمنعها من ذلك ، عادت تجلس من جديد تتحاشى النظر إليه أما هو فابتسم في وجهها يسألها :
- بتحبيه ؟
ارتبكت أكثر وتبعثرت أنفاسها لا تجد إجابة لسؤاله أما هو فظل ينتظر الإجابة لتتوتر تهمس بنزق :
- يوووه ما اعرفش يا جواد ، وبعدين أنا شوفته بيعيط وهو بيبص للعروسة يعني ممكن يكون كان بيحبها أصلا ، جواد أنا هطلع أنام تصبح على خير
قطب جبينه مستنكرا ما سمع عن زين ، يُحب عروس جاسر ؟! ، لا لا يصدق ذلك ، من أين له أن يعرفها من الأساس ، تنهد مقررا التدخل هو ومعرفة كل شيء من زين بشكل غير مباشر ،حتى يطمأن على شقيقته ، نظرة لساعة يده اقتربت من الثالثة فجرا ، أين والده إلى الآن ؟!
_______________
في غرفة في مستشفى بعيدة ، يقف عمرو أمام نور يحادثها منفعلا :
- يا بنتي الله يهديكِ تمشي تروحي فين ، جواد والله اتغير واتصلح حاله ، نور أنا ما رضتش اقوله أنك فوقتي من الغيبوبة من مدة لحد ما العلاج الطبيعي يخلص والحمد لله دلوقتي بتقدري تتحركي ، وأنا حلفتلك كذا مرة أن جواد اتغير ليه مش مصدقاني
نظرت الفتاة إليه لتنهمر الدموع من عينيها تحرك رأسها للجانبين تهمس بحرقة :
- دا اتهمني إني بخونه ، قالي أنه اشتراني بفلوسه ، واني هبقى خدامة لمزاجه ، سمعني كلام مهين جداا لو بنت حضرتك اللي كانت سمعته ما كنتش قبلت أبدا أنها تكمل مع جوزها
وأنا قعدت في غيبوبة بسبب مين ، مش بسبب اماندا اللي هو كان مصاحبها ، جواد دمر حياتي كلها
وانفجرت في البكاء ووقف عمرو عاجزا عن قول شئ ، اقترب منها بعد تفكير يجلس على المقعد أمامها يحادثها :
- طب اقولك عند جواد بنت بتشتغل في البوفية اسمها رحمة ، هي تقريبا نفس جسمك كدة ومنتقبة هو ما يعرفش شكلها ، ولو على لون عينيها هجبلك عدسات ، وهتشوفي هو اتغير إزاي ولو يا ستي طلعت بكذب عليكي ، أنا بنفسي اللي هسفرك برة البلد ، ولو على الصوت قوليله أنك تعبانة وصوتك رايح قولتي إيه ؟!!
شردت عيني نور تفكر فيما يقول في حين كان يردد عمرو داخله :
- أنتي بس توافقي وأنا ورحمة أمي لهقوله أن رحمة هي نور ، في ظرف أسبوع هيكون جايبلي حفيدين
أعطاها ابتسامة لطيفة يحرك رأسه يشجعها أن توافق :
- ما تقلقيش أنا جنبك ومش هيعرف أي حاجة ، وعد !!!
______________
في صباح اليوم التالي باكرا
وقف أمام شاطئ النيل ينظر للماء وهو يتحرك بخفة تارة ويصطدم بعنف تارة أخرى ، ليأخذه عقله إلى ذكرى بعيدة
Flash back
أغمض عينيه بين أحضان شقيقه واستسلم للموت ، قالوا الموت هادئ مريح ، ولكن الموت الذي عاناه ملئ بالكوابيس ومشاهد عذابه القديمة وهو طفل صغير ، فتح عينيه فجاءة يشهق بعنف ليُبصر وجه آخر من توقع أن يراه ، جاسر مهران هنا أمامه ، ابتسم في وجهه بخفة ، قبل أن يتحرك بخفة يقترب منه يربت على رأسه برفق يحادثه :
- حمد لله على السلامة ، زين وعاصم هيفرحوا أوي ، أصل الكل دلوقتي فاكرك ميت أنا آسف طبعا
جعد جبينه لا يفهم ما يحدث يسأله بصوت واهن :
- أنا مش فاهم حاجة ، هو ايه اللي حصل
ابتسم جاسر في هدوء يرفع كتفيه لأعلى قليلا يتمتم ببساطة :
- اتضربت بالرصاص من حد أكيد عاوز يأذيك ، أو يخلص منك ، وعشان ما يكررهاش تاني خليت المستشفى تعلن وفاتك ، حتى عاصم أبوك وزين فاكرينك ميت ، كانت حالتك حرجة جداا ، وأخيرا حالتك استقرت
ومن ثم اقترب منه خطوة تلو الأخرى يبتسم في وجهه يحادثه :
- عمار أنت روحت لعاصم من فترة إنت ونصار ، على انك عمر بن نصار
وكنت شغال في المستشفى بتاعي باسم عمار نصار ، إنت بتشتغل مع نصار مش كدة ؟ ما تحاولش تنكر جاسر حكالي على كل حاجة ، جاسر لما راح لنصار في الحفلة قاله أنا عندي ابن واحد اسمه عمر ومات وهو صغير ، المرحوم بقى ايه نظامه ، بُعث للحياة من جديد
توتر عمار ينظر لجاسر مرتبكا ، قبل أن يحرك شفتيه يهمس بصوت واهن ضعيف :
- نصار هو اللي ضرب عليا رصاص ، نصار ليه تار بايت معاك ، ما اعرفش إيه هو ، وما اعرفش بيعمل كدة ليه ، بس صدقني أنا كنت قررت أبعد عنه وأسافر بعيد وهو خاف لأقول عليه عشان كدة قرر يقتلني ، نصار هو اللي خد تهاني بعد ما خرجت من المستشفى وفضلت عنده لحد ما ولدت أنا وزين ، وعشان تهاني كانت بتزن عليه عشان تنتقم منك خدني وسابها مع زين وسافر وسابلها عنوان جلال المهدي تروحله ، مش لازم تعرف تفاصيل هو عمل فيا ايه ، تفاصيل ما أحبش حد يعرفها
ولكنه زرع فيا فكرة الانتقام منك ومن عيلة مهران كلها ، دايما يقولك أنك سارق حقه وأنك حرامي ونصاب ، هو اللي خلى تهاني توقع جلال وتتجوزه وتمضيه على املاكه كلها لعدي وتخلي عدي عروسة في ايدها ، وهو اللي خطط أنه يرمي طرب في طريق رعد عشان يدمن ، وهو اللي كان عاوز زين يدخل في علاقة مع چوري عشان يفضحك ، بس صدقني زين عمره ما سمع كلامه ، زين كان دايما بيحمي چوري وحسين من خططه ، وهو دلوقتي اللي بيعمل أي حاجة عشان يكسب ثقتك عشان يلف الحبل حوالين رقبتك ويخنقك بيه
توسعت ابتسامة جاسر قبل أن تتحول لضحكات عالية متتابعة يحرك رأسه بالإيجاب
لطيف نصار ، لطيف للغاية ... عاد ينظر إلى عمار يحادثه :
- تعرف أن أنا كنت واثق من ساعة ما شوفته، ودلوقتي اتأكدت ، حمد لله على سلامتك يا عمار ، عاصم وزين زمانهم جايين
Back
إلى الآن لم يفهم لما لم يأخذ جاسر أي إجراء ضد نصار، لما لم يقتله ، لما يوطد صداقته به بعد أن أخبره بالحقيقة ؟!
تنهد يحرق قلبه الألم حين مر طيف مليكة بفستانها الأبيض أمام عينيه ، أغمض عينيه يعتصر الألم قلبه
_______________
- مليكة تهدي وتبطلي عياط
همس بها مترفقا يحاول أن يضع يده على كتفها لتصرخ فيه بقوة تبتعد عنه تنتفض بقوة :
- ابعد عني إنت زيك زيهم ، أنا وثقت فيك يا جاسر ، قولتلك إني موافقة ، قولتلك اني بحبك
ليه عملت فيا كدة
تأفف لا يفهم ما بها بدأ يشعر بالغضب مما تفعل ليصيح فيها:
- في ايه يا مليكة ما توضحي كلامك ، لو حد سمعك يقول إني اعتديت عليكِ ، حصل ايه لكل اللي بتعمليه دا
أخرجت يدها من خلف ظهرها تقذف على وجهها ظرف به أوراق ليصفر وجهه ما أن رآه ، تسخر منه :
- ودا تسميه ايه يا دكتور يا محترم ، صدقني إنت خطر على الناس لازم يشبطوا اسمك من النقابة ، ايه الصور دي يا قذر ؟!
غضب بشدة مما قالت ، تحرك إليها ينتزع الصور من بين يديها ينظر لما فيها وفهم لما تبدو ثائرة لتلك الدرجة فالصور أمامه هي تلك الصور التي أخذها من حاسب عمار ، صور الفتيات التي كانت يمارس عليهن طقوسه المريضة ، رفع يده يمسح وجهه بكف يده ، قبل أن ينظر إليها يسألها :
- هو مش أنا يا بنت الناس عرضت عليكِ ناخد شقة تانية وأنتِ قولتي لاء ؟
لم تفهم ما علاقة سؤاله بما تقول ، هل يحاول أن يداري على جريمته ، حركت رأسها بالإيجاب رغم ذلك ، ليتنهد بقوة يكمل ما يقول :
- واصريتي أننا نقعد هنا ، وقولتلك خلاص يا مليكة أنا هغير عفش الشقة كلها ما عدا المكتب بتاعي عشان فيه ورق مهم ، بتاع كل الحالات
الصور اللي أنتِ خدتيها من درج المكتب وأنا مش فاهم ايه اللي يخلي عروسة تدخل مكتب جوزها يوم الصباحية وتفتش فيه ، صور متاخدة من لاب توب مريض نفسي بيضحك على البنات ويأذيهم وكنت بجهز الورق كله عشان أقدم فيه بلاغ ، ومن ضمن الورق كان الصور اللي أنتي روحتي شوفتيها ، وجيتي دلوقتي تصرخي في وشي أنهم لازم يرفدوني من النقابة واني شخص قذر !!! على حد تعبيرك
أصفر وجه مليكة ، تسرعت كثيرا وألقت عليه الاتهامات البشعة جزافا ، ولكن ما ان رأت تلك الصور في مكتبه ، ظنت أنه يخدعها كما فعل عمار ، خافت حد الذعر ، والآن هل سيقبل جاسر إعتذارها لا تظن ذلك !!
اقتربت منه خطوة وأخرى تبتلع لعابها متوترة ، حمحمت تود أن تعتذر منه ؛ ليرفع كف يده يرفض إعتذارها قبل أن تقوله :
-إعتذارك مرفوض يا مليكة ، أنا ما بقبلش الإهانة وما بسامحش عليها
والتف يخرج من الغرفة لتهرول خلفه تلحق به سريعا وقفت أمامه تحادثه متوترة تعتذر منه :
- جاسر أنا آسفة بجد آسفة ، أنا بجد مش عارفة إزاي قولت كدة ، أنا كنت جيبالك هدية وقولت أحطاهالك في المكتب عشان لما تفتحه تتفاجئ ، بس لما فتحت أنا الدرج اتصدمت وافتكرتك كنت بتخدعني وهتعمل فيا زي ما عمار عمل ، ساعتها اتصدمت وحسيت بذعر شديد أوي ، أنا آسفة يا جاسر بجد آسفة عشان خاطري ما تزعلش مني أرجوك
ظل إليها للحظات ، يتذكر مقطع الفيديو الذي رآه لها على حاسوب عمار ، كانت تعاني وتبكي تتوسله أن يرحمها ... حاول أن ينظر لما حدث من جهتها هي ليجد لها عذرا ، ووجدها محقة ولكنه لن يسامح على إهانته التي وجتها إليه
، رفع سبابته أمام وجهها يتحدث :
- رغم أن عاذرك ، بس أنا بردوا ما أقبلش الإهانة يا مليكة وما أقبلش أنك تشككي فيا وتقولي عليا دكتور قذر لازم يتشطب اسمي من النقابة ، رغم أنك شوفتيني في جلساتك مع صاحبتك
حركت رأسها سريعا تصدق على ما قال ، اقتربت منه فرأى الدموع تلمع في عينيها قبل أن تهمس سريعا تعتذر منه تكاد تبكي :
-جاسر أنا آسفة بجد حقك عليا ، أنا أكيد ما كنش قصدي أقول كدة ، وما كنش قصدي يحصل كدة تاني يوم جواز ، عشان خاطري يا جاسر لو بتحبني
يحبها ، نعم يفعل ويؤلمه قلبه لأنها تكاد تبكي بسببه ، تنهد بعمق يحاول أن يبتسم كي لا تبكي ، تحرك إليها خطوة واحدة يحملها بين ذراعيه دون مقدمات يتحرك صوب غرفة نومهم يتحدث عابثا :
- أنتِ عارفة أن سيجموند فرويد قالك أن شخصية الإنسان بتكون من 3 عناصر الهوية والأنا ، والأنا العليا ، تعالي أنا هشرحهملك بالتفصيل
___________
استيقظت على صوت بكاء طفلها الصغير ، فتحت عينيها تنظر للمكان حولها ، شقة رعد جلبها هنا بالأمس ، قامت من مكانها صوب فراش الصغير تحمله تهدهده ، توجهت إلى المطبخ لتجد علبة الحليب على طاولة المطبخ وزجاجة لإطعام الصغير ، أعدت له الحليب وجلست على أحد المقاعد في الصالة تطعمه وهو بين أحضانه قبل أن تشرد فيما حدث بالأمس
Flash back
تحرك بالسيارة بعد أن أخبره أبيه أن عليه العودة للبيت ، ينظر أمامه يبدو شاردا يفكر ، أما هي فكانت تجلس جوار ملاك التي لم تتوقف عن البكاء ، أبعدتها طرب عن أحضانها برفق تكوب وجهها بين كفيها تحادثها مترفقة :
- ما تعيطيش يا ملاك هو اللي خسرك مش أنتِ اللي خسرتيه ، إنتِ ما اذيتهوش في حاجة ، ولا أنتِ حق مكتسب ليه عشان يعاملك بالأسلوب دا ، طالما ما بيحترمكيش يغور في داهية ، مش من حقه يهينك ، مش من حقه يقلل منك ، الحب من غير إحترام مالوش لازمة
كانت تقصد يوسف ورعد معه ، نظر رعد لها من خلال مرآة السيارة الأمامية ، تتحرك عيناه على قسمات وجهها ، اختلفت طرب كثيرا عما يعرف، يشعر بالندم على ما اقترفت يداه في حقها ، وقف أمام منزل كاملا والدة ملاك ، نظر لملاك يطلب منها النزول :
- ملاك ممكن تنزلي عاوز اتكلم معاكي كلمتين
تحركت ملاك من جوار طرب تنزل من السيارة وفعل رعد وقفا بالقرب من السيارة فاستطاعت طرب سماع ما يقوله رعد لها :
- ليه ما قولتليش يا ملاك ، وازاي تسكتي على اللي كان بيعمله أنا كنت دايما بكلمك ودايما بقولك اللي حصل بيني وبين طرب ، مش هيغير أنك زي مريم ، صدقيني أنا هحاسب يوسف ، زمان بابا نفضه أصلا ، ادخلي يلا ارتاحي وأنا هاخد طرب ونروح لبابا
نظرت ملاك لطرب تحاول أن تبتسم قبل أن تومأ برأسها تلوح لها ، لا ترغب سوى في أن ترتمي على فراشها وتبكي
عاد رعد للسيارة يقودها متوجها إلى منزله الخاص ، لتقطب طرب جبينها تسأله مستنكرة :
- أنت رايح فين ، بيت عمي جاسر مش من هنا ، هو مش قالك روح ملاك وهات طرب وارجع البيت
لم يلتفت لها بل أكمل طريقه لمنزله يتحدث لامبلايا :
-والله أنا حر ، أنا مش عيل صغير ، أنتي بترضعي يونس طبيعي ولا صناعي ؟
شعرت بالخجل من سؤاله ؛ لتقطب جبينها تسأله مستنكرة ما يقول :
-وأنت مالك بتسأل ليه اصلا
تأفف يمسح وجهه بكف يده يسخر منها :
-طرب بالله عليكي اليوم مش ناقص غباء ، عشان لو بترضعيه صناعي نقف قدام أي صيدلية نجبله اللبن
فهمت لما سأل ولكنها تضايقت من طريقته لتحتد نبرتها تردف :
- لاء بقولك إيه إحنا بينا إتفاق ، وما تكلمنيش بالأسلوب دا أنا مش غبية ، إحنا اتفقنا 3 شهور زي ما قولت يا تخليني اسامحك فيهم يا تطلقني وتتنازلي عن حضانة الولد خالص وهاخده وأسافر ومش هتشوفني ولا هتشوفه تاني
رأته كف جز على أسنانه يعتصر المقود بين كفيه بعنف يحاول أن يهدأ على ما يبدو ، أدار محرك السيارة ووقف أمام أقرب«صيدلية » نظر إليها يطلب منها أن تخبره باسم الحليب وفعلت ، نزل من السيارة وغاب لبضع دقائق قبل أن يعود وفي يده حقيبة بها علبة الحليب وزجاجة حليب صغيرة ، أكمل طريقه لتعلق هي ساخرة :
- هو إحنا رايحين ، أنا ما عييش هدوم لا ليا ولا ليونس
أكمل طريقه دون أن يلتفت إليها إلى أن وصلا إلى شقته ، نزل من السيارة يلتقط الحقيبة التي بها الحليب ، توجه إلى الباب الخلفي يحمل الصغير منها ، نزلت تلحق به وقفت جواره في المصعد ، أرادت أن تأخذ الصغير منه حتى تضايقه فقط ولكنه رأته ينظر له يبتسم سعيدا ويونس كان يبتسم هو الآخر يحرك هو الهواء يمسك بوجه أبيه بكفه الصغير ، فابتسمت سعيدة لم ترد أن تُفسد الصورة السعيدة أمامها بل أرادت أن تلتقط لهم صورا ولكنها لم تفعل ، حافظت على ملامح وجهها هادئة إلى أن وصلا إلى الطابق المطلوب ، تقدمها يفتح الباب ، دخلت إلى شقته تنظر حولها متضايقة ، تكره هذا المكان فهنا كان يتفنن في إشعارها بالاحتقار والإذلال أثر كلماته السامة المؤذية ، صحيح أن المكان يختلف كثيرا عما تتذكر فيبدو أنه قد بدل أثاث البيت بأكمله حتى ألوان الحوائط ولكنها لا تزال تكره المكان ، حاولت ألا تبدو متضايقة أمامه ولكنه كان يعرف أنها متضايقة سمعته يقول :
- أنا اتواصلت مع سمسار النهاردة وهيشوفلنا شقة تانية وهبيع دي ، وجودنا هنا مؤقت ، ادخلي الأوضة اللي قدامك
وفعلت تحركت صوب الغرفة المقابلة لهم ، فتحت المقبض ودخلت أول ما جذب أنظارها كان فراش أطفال صغير موضوع في جانب الغرفة والعديد من الحقائب الموضوعة على الفراش ومن ثم سمعت صوته يقول من خلفها :
-أنا جبت سرير ليونس وجبتله هدوم عندك على السرير اهي ، وهدومك في الدولاب ، خدي دش لو حابة وغيري هدومك ، هطلب أكل
التفتت له ترفض اقتراحه الأخير :
- لاء الوقت اتأخر جداا وأنا ماليش نفس ، أنا عاوزة أنام ، هات يونس أغيرله
اخذت منه الصغير بدلت ثيابه ونظفته ووضعته في فراشه بعد أن نام ، ومن ثم التقطت منامة من القطن توجهت إلى المرحاض اغتسلت وبدلت ثيابها ، وقفت أمام مرآة المرحاض تتنفس بعمق تحاول أن تهدأ ، لن تدعه يضع إصبعا عليها ، لن تستلم له .. خرجت من المرحاض لتراه يضجع إلى الفراش يعبث في هاتفه فلم تستطع سوى أن تعلق ساخرة :
- ويا ترى بقى بتكلم مين الفجر ، الهانم اللي كنت جايبها تعملك مساچ
ابتسم ولم يعقب ، توجهت إلى الفراش تنام بعيدا عنه توليه ظهرها ، شعرت به يتسطح خلفها ، انتفضت لف ذراعه حول خاصرتها يقربها منه ؛ لتنتفض هبت جالسة ترفض اقترابه منها :
- إيدك ما تتحطش عليا ، وما تلمسنيش يا رعد
يا أما هقوم أنام في اي أوضة تانية
قلب عينيه يبتسم ساخرا قبل أن يوليها ظهره ، ظلت تنظر إليه لعدة لحظات في حدة قبل أن ترفع الوسادة تصدمه بها بعنف ، التفت إليها يقطب جبينه غاضبا كاد أن يصرخ فيها حين ابتسمت تقول بوداعة :
- سوري كنت بعدل المخدة ما كنش قصدي ، لو سمحت أقفل النور
Back
أجفلت على صوت دقات عنيفة على باب المنزل ، توجهت لتفتح فسمعت صوت رعد يحادثها :
- استني أنا هفتح ، مين اللي بيرزع على الصبح كدة
وتوجه إلى باب المنزل فتحه ليُبصر وجه أبيه يشتعل غضبا ، دفعه في صدره بقوة ؛ ليدخل إلى المنزل يصفع الباب بعنف يصرخ في وجه رعد بعلو صوته :
- هو أنا مش قولتلك تجيب مراتك وترجع البيت ، إنت ما بتسمعش الكلام ليه ؟
ابتسمت طرب في خبث قبل أن تردف سريعا تُشعل
نيران غضب جاسر :
- أنا قولتله يا عمي ، قولتله عمي جاسر قالك تروح ملاك عند مامتي وتجيب طرب وترجع البيت ، زعق فيا وقالي أنا حر ، أنا راجل ، أنا أسد ، أنا نمر ، أنا فهد وكلام كدة كله حيوانات وما رضيش يسمع كلامك
توسعت عينا رعد ينظر إليها مدهوشا أما هي فاحتضنت يونس إليها تنظر لرعد تبتسم في خبث ، أما جاسر فاشتعل غضبا .. نظر صوب طرب يطلب منها:
- خدي يونس وخشي جوا يا طرب
حركت رأسها بالإيجاب دون تردد فهي الابنة المطيعة المهذبة هنا على ما يبدو ، دخلت للغرفة تضع الصغير على الفراش ومن ثم توجهت إلى الباب تفتح شق صغير تنظر لما يحدث في الخارج وقد كان كالآتي ، اقترب جاسر من رعد يقبض على تلابيب ثيابه يصرخ فيه:
- هو أنت فاكر عشان سيبتلك الحبل شوية تعمل ما بدالك ، إني هسيبك كدة على طول ، أنا سيبتك تجرب وتعيش ولقيتك أول حاجة عملتها ، دورت على الغلط وعملته ، كدة أنت راجل بقى صح
فما كان من رعد إلا أنه أنتزع نفسه من بين يدي والده عاد عدة خطوات للخلف يلتقط علبة التبغ من فوق الطاولة خلفه ، أشغل سيجارة ينفث دخانها بهدوء نظر لأبيه يبتسك ساخرا :
- ما تبطل بقى ، هو أنت فاكر أن أنا كدة هنهار وأقول إزاي أنا وحش كدة ، إنت اللي عملت كدة واديك بتحصد اللي زرعته ، تقدر تقول ذنبك ربنا بيخلصه منك ، هو أنت فاكر اللي عملته زمان دا هيعدي بسهولة كدة ، فلو سمحت خليك بعيد عن بيتي ومراتي وابني
زي ما أنا بعيد عنكوا ، شرفت يا جاسر باشا !! ، نتقابل في المناقصة الجاية
وقف جاسر مكانه ، للحظة شعر بأنه وهن وبات هرما ، رعد يطرده خارج منزله ، الوقح كيف يفعل ذلك ، شعوره بالغضب يدفعه بأن يبرحه ضربا حتى لا يفكر حتى في فعل ذلك من جديد ، لا يعرف حتى كيف يتمالك زمام نفسه ، ربما لأنه المخطئ منذ البداية ، ربما لأن ما يحدث الآن بفعل يديه ، ربما لأن رعد عانى منه كثيرا ، الكثير من الاحتمالات منعته من أن يصفعه حتى ، نزر إليه يبتسم في هدوء يحرك رأسه موافقا :
- نتقابل في المناقصة يا رعد باشا
وتحرك للخارج يجذب الباب خلفه وارتمى رعد إلى المقعد خلفه يدهس سيجارته في الطاولة المجاورة له يشعر بغصة عنيفة تلكم صدره ، رفع كفيه يخفي وجهه خلفهما يتنفس بعمق ، يشعر أنه يتحرك إلى الهاوية يريد تلك اللحظات التي كان يعيش فيها مع أبيه وهما على وفاق ، مر أمام عينيه سريعا ما حدث منذ أن علم بالحقيقة يوم الحفل حتى اللحظة الحالية ، حين رفع وجهه رأى طرب تقف أمامه ترميه بنظرة حادة قبل أن تردف تنهره على ما قال :
- مبسوط لما طردت والدك ، تعرف يا رعد أنا لو بابا كان عايش ما كنش حصلي اي حاجة من اللي حصلتلي دي ، كان زماني لسه طرب هانم المهدي ، أقولك على حاجة والدك لما عرف مكاني فضل يلح عليا عشان ارجع مصر وأنا كنت رافضة وكنت بتحايل عليه ما يقولكش مكاني ، لحد ما في مرة لقيته بيكلمني وبيترجاني اني أرجع ، وبيحكيلي على العك اللي أنت بتعمله ، عشان خاطره رجعت ، رعد أنت مش ملاحظ أن كل اللي بيحبك وبيدور على مصلحتك أنت بتدور ازاي تأذيه ؟! ، أنا رايحة عند ماما عن إذنك
وتوجهت إلى الغرفة من جديد تصفع بابها بعنف وظلت جملتها تتردد في رأسه بعنف ، ظل هكذا إلى أن رآها تخرج تحمل طفلهم الصغير تتحرك صوب الخارج ، أمسك بكف يدها لتنزعه من كفه بعنف ، أعطته نظرة عتاب طويلة تحادثه محتدة :
- لما ترجع رعد اللي أنا عرفته وحبيته ، وتروح تعتذر لوالدك ، أنت عارف مكاني
وتركته وخرجت من المنزل تصفع الباب عليه وحيدا !!
_____________
أستقل سيارته يتحرك متوجها إلى جامعتها ، وليد محق ووالده محق لا يصدق أنه كان لعبة خيوطها في يد الشيطان !! ، تذكر ما حدث مع والده صباحا
Flash back
قبل ساعتين من الآن كان في غرفته ينظر للفراغ شاردًا عينيه تائهة سابحة في بوتقة بعيدة ، مخطئ جاني ، نعم هو كذلك ولن يسامح نفسه على ما فعل في حقها ، انتبه حين فُتح باب غرفته ودخل أبيه ، بسط كفيه على سطح الفراش ينتصف جالسا توقع وصلة توبيخ أخرى من أبيه ، إلا أن جاسر اقترب يجلس أمامه على الفراش ينظر إليه دون أن يتحدث ؛ ليشعر لأول مرة أن عينيه تخجل من النظر لعيني أبيه ، تنهد بحرقة أما جاسر فمد يده يربت على كتف يوسف يحادثه متضايقا :
- كنت فاكرك أذكى من كدة ، كنت شايفك ناضج وعاقل بقول دايما أن يوسف سابق سنه ، ما كنتش متخيل أن الشيطان يضحك عليه بالبساطة دي
قطب يوسف جبينه مستنكرا جملة أبيه الأخيرة ، رفع وجهه إليه يتمتم متعجبا :
- الشيطان!
حرك جاسر رأسه بالإيجاب يتحدث من جديد :
- ايوة ، هو أنت فاكر أن الشيطان وظيفته يقولك اسرق ، اكدب ، اقتل ، غش
دا كان زمان يا يوسف ، الشيطان دلوقتي بيتطور مع تطورات العصر ، وشايفك عمال تقفل الأبواب قدامه وشق صغير اتفتح باللي حصل بين أخوك ومراته فدخلك منه عشان يشكك في ملاك ، عشان ينغص عليك عيشتك ، عشان تتصرف معاها بالعنف والأسلوب دا ، مين أداك حق أنك تعنفها تزعق وتشخط فيها ، تحطها دايما في موضع شك ، تمد إيدك عليها وأنا مش قادر استوعب أنك فعلا عملت كدة ، يوسف اللي بحكي وبتحاكى بأخلاقه استقوى بعضلاته على بنت صغيرة قضت نص عمرها على كرسي متحرك ، نفسها تخرج وتتفسح وتشوف الدنيا اللي اتحرمت منها ، راجع مع نفسك اللي عملته يا يوسف وصدقني هتصغر أوي في عينك ، زي ما صغرت في عيني ، أنا رايح لأخوك أنا مش عارف ايه اللي جرالكوا يا ولاد مهران
Back
انتبه فجاءة حين شعر بدموعه تحرق خديه ، أوقف السيارة على جانب الطريق نظر لوجهه من خلال مرآة السيارة الأمامية ليرى أنه كان يبكي وبحرقة ، شعر بمدى كونه ضئيلا كما قال أبيه ، تذكر وجه ملاك في كل مرة كان يقسو فيها ، تذكر ابتسامتها وبراءتها ، تذكر إلحاحها عليه لتسافر لتخرج لترى العالم الذي حُرمت منه لسنوات ، وهو كان وغدًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ... مسح وجهه بكفيه يدير محرك السيارة ينطلق بها سريعا إلى الجامعة ، وصل بعد مدة قصيرة توجه ليصف سيارته ليقطب جبينه حين رأى نصار يتوجه إلى سيارته يتحدث في الهاتف يبتسم يتحدث:
- خلاص يا حبيبتي مش زعلان ، أنا كنت جاي اشوفك ما قولتليش إن ميعاد محضرتك اتغير ودا مش عادتك يعني ، هكلمك لما أوصل عشان أشوف هنتقابل تاني إزاي
وأغلق الخط مع من كان يتحدث ومن ثم أدار محرك سيارته وغادر ، في تلك اللحظة شعر يوسف بشعور سيء للغاية واستوطن عقله فكرت فكرة واحدة أن نصار كان يحادث مريم !! ، الفكرة مقززة للغاية وربما هي فقط وهم من الشيطان ليؤرق حياته كما فعل مع ملاك ، تنهد ينزل من السيارة ، دخل إلى الجامعة يبحث عنها رأى مريم تجلس على مقعد في المقهى حيث اعتادت ، وملاك ليست هنا اقترب من مريم يسألها بهدوء:
- هي ملاك ما جاتش ولا ايه
حركت مريم رأسها للجانبين توجه أنظارها للكتاب أمامها ، نظر يوسف إلى هاتفها يسألها فجاءة :
- أنتِ موبايلك كان مشغول ليه ، بتصل بيكِ بقالي فترة مشغول
ابتسمت في هدوء تفتح هاتفها أمامها، حركت شاشة هاتفها أمام وجهه تتحدث ببساطة :
- ما كنتش بكلم حد ، الموبايل اهو قدامك ، هتروح تاخدني معاك ؟
اومأ برأسه ، تعجب أن مريم لم تسأله عما حدث بالأمس ، مريم في الفترة الأخيرة باتت غريبة منعزلة عن الجميع بشكل مبالغ فيه ، لل تهتم سوى بنفسها حتى ملاك لم تعتد تهتم بها كصديقة ، تحرك جوارها لف رأسه إليهل يحاول أن يبتسم يسألها :
- بقالنا كتير أوي ما قعدناش مع بعض ، مريم أنتِ بتبعدي عني ليه ، دا احنا كنا أقرب اتنين لبعض ، مريم أنتي اتصلتي بملاك تسألي عليها ؟
توترت مريم لعدة لحظات قبل أن تحرك رأسها للجانبين ، ابتلعت لعابها تهمس متوترة :
- ها ، لاء هكلمها لما أروح كان عندي محاضرات كتير النهاردة
وقف يوسف أمام مريم يبتسم يحادثها متلهفا :
- تعالي يا مريم نرجع زي ما كنا أنا حاسس إن الموجة جرفتنا أوي ، نرجع يوسف ومريم نرجع لكل حاجة قديمة فاتت ، دا إحنا كنا أصحاب أكتر من كونا أخوات ، نرجع تاني نذاكر مع بعض ، وتفضلي أنتي فاردة الورق على الترابيزة وأنا واخد مساحة 2 سم حاطط فيهم كتاب بالعافية ،.. مريم أنا حاسس أننا بقينا غُرب ودا إحساس وحش أوي
طرب رجعت وهترجع هي ورعد البيت ، وكل حاجة هترجع زي ما كانت قولتي إيه
لم تكن لترفض فهي ايضا اشتاقت لتلك الحياة التي يحكي عنها يوسف ، ابتسمت تحرك رأسها موافقة لتتسع ابتسامته يود أن يعانقها ولكنهم في منتصف الجامعة ، الخطوة القادمة ستكون إعادة ضم الأطراف القديمة وأولهم مراد وملاك ووليد
_________
وصلت سيارة الأجرة إلى منزلها ، نزلت منها بعد أن حاسبت السائق تتوجه للداخل فتحت لها سيدة لم ترها قبلا وعرفت أنها مساعدة والدتها في المنزل ابتسمت لها تسألها :
- اومال ماما وملاك فين
بدت السيدة متوترة قليلا لسبب لا تعرفه طرب ، حمحمت تخبرها :
- الآنسة ملاك نايمة غرقانة في النوم ، ومدام كاملا في أوضتها ، عنك يا بنتي أوديه أوضتك
أعطت طرب يونس للسيدة أمامها تبتسم تشكرها ، صعدت لأعلى قاصدة غرفة ملاك ولكن جذب انتباهها صوت رجل يأتي من غرفة والدتها ، جعدت جبينها مستنكرة ما تسمع ، تحركت إلى غرفة والدتها بدلا من غرفة ملاك ، وضعت أذنها على باب الغرفة تسمع ما يحدث بالداخل لتتسع عيناها ذهولا حين سمعت والدتها تقول :
- عُدي امشي قبل ما ملاك تصحى أو طرب ترجع ، لو سمحت اتفضل يلا
شعرت بالغضب الشديد والدماء تندفع بين أوردتها تتذكر كل لحظة عانت فيها بسبب عُدي والآن هو هنا في بيتها ، في غرفة نوم والدتها ... فتحت الباب بعنف دون مقدمات لترى والدتها تقف أمام عُدي في منتصف الغرفة شهقت كاملا حين رأت طرب ، أما طرب فتحركت إلى عُدي تدفعه في صدره بكل قوتها تصرخ فيه بشراسة :
- أنت ايه اللي جابك هنا ، إزاي تدخل البيت دا ، إزاي تسمحيله يدخل أوضتك ؟!
ابتسم عُدي ساخرا يكتف ذراعيه أمامه نظر إلى كاملا يتحدث متهكما :
- ما تقوليلها يا كاملا ، هتقوليلها ولا اقولها أنا
ومن ثم نظر إلى طرب يتحدث ساخرا:
- كاملا هانم كانت بتخون جلال باشا مع أخوه الصغير دي حتى ملاك تبقى .....
_____________
في الموقع الخاص بالبناء
وقف چوري أمام رسم هندسي لنادي رياضي
وجوارها ذلك المهندس المدعو بعمر ،الذي التفت لها يسألها:
- من ساعة ما جيتي وأنا بحاول أسألك بس الشغل كان كتير ، قولتي لوالدك إني عاوز اتقدملك
ابتسمت في وجهه كادت أن تقول نعم حتى رأت حسين يقترب منها يبدو غاضبا بشكل لم تعهده منه قبلا ، اقترب منها يمسك بكف يدها يجذبها لتسير معه بعيدا عن عمر ، الذي صرخ فيه :
- أنت اتجننت يا حسين ، ايه الهمجية دي سيب ايدها ، دي تعتبر خطيبتي دلوقتي
توقف حسين فجاءة وترك يد چوري والتفت إلى عمر تحرك إليه يقبض على تلابيب ثيابه يقربه منه يصرخ فيه :
- دي مرااااتي
الجملة صدمت كل من كان واقفا ، چوري أصابها الذهول أثر ما سمعت منه ، أما هو فدفع عمر بعيدا وتوجه إليها يتحرك بها إلى مبنى بعيد عن الأنظار ، أما هي فكانت بين أمواج صدمة ما قالت ، إلى أن توقف بها بعيدا ، هنا بدأت تستيقظ نظرت إليه تصرخ فيه :
- مراتك إزاي ، إنت مش طلقتني ، دا احنا مطلقين بقالنا أكتر من سنة ، إنت بتقول اي كلام
وقف حسين أمامها يحرك رأسه للجانبين ، بدا منفعلا هو الآخر يصيح بعلو صوته:
- لاء يا چوري ما بقولش أي كلام أنتي مراتي ، عمي جاسر وقتها قالي ما اطلقكيش وهو هيقولك إني طلقتك ، وأحاول تاني اكسب ثقتك ، مع إني ما كسرتهاش اولاني ، كنت ضحية زيي زيك ، روحت قدام ابوكي قولتله اعتبرني اعتديت عليها وحاسبني أنا هي مالهاش ذنب ، وكنت مبسوط طاير من الفرح ، وأنا شايف علاقتنا بتتحسن وأنا شايفك غيرانة عليا ، بس أنتِ قررتي تحمليني الذنب لوحدي
طول السنة اللي فاتت وأنا ناقص بس اتشقلب عشان تسامحيني على ذنب أنا ما عملتوش اصلا ، وفي الآخر عمر جاي يخطبك، البيه بيقولي دي خطيبتي دلوقتي ، تخيلي أنا سايب مراتي واقفة مع راجل غريب معتبرها خطيبته ، ايه رأيك القرون ماشية مع القميص
بصي يا چوري أنا دايما بقولك إني بس عاوزك تكملي في علاقتنا وأنتي راضية وسعيدة ، بس طالما فيها خطيبتي بقى فتبقي راضية مش راضية وحياة أمي وأمك اللي هي تبقى عمتي لهتكملي في العلاقة دي ، حسين الهادي العاقل خلاص راح ، أنتِ ضربتي البرج الفاضل في دماغي ، عارفة يا چوري لو شوفتك واقفة مع اللي اسمه عمر دا تاني ، هتروحي تلاقيني نايم في أوضتك وهخليكِ تتفاجيء بباقي التفاصيل
ومن غير سلام
___________
وقفت أمام مكتب جواد دقات قلبها على وشك أن تحطم صدرها وتفر من الخوف ، تشجع نفسها على أن تمضي قدما أخذت نفسا تليه الآخر قبل أن تدخل للداخل ما أن فعلت رأت شاب لا تعرفه يقترب منها يحمل صينية على سطحها كوب من القهوة يغمغم سريعا متلهفا :
- أنتِ جيتي يا رحمة ، دا باشمهندس جواد على آخره وقالب عليكِ الدنيا ، أدخلي وديله القهوة بسرعة
ووضع الصينية بين يديها ورحل كاد أن تصرخ فيه أن ينتظر ولكنه اختفى من أمام عينيها دون مقدمات ، هي حتى لا تعرف أين مكتب جواد ، اقتربت منها فتاة أخرى بعد عدة لحظات تغمغم سريعا :
- يا رحمة اتحركي واقفة ليه ، يلا يا ماما افتحي الباب اللي قدامك دا ، مالك متسمرة كدة ليه
تنفست بعنف تكاد تبكي ، يا ليتها لم توافق على خطة أبيه حركت رأسها تتحرك صوب الباب أمامها، دقت الباب لتسمع صوت جواد يأتي من الداخل ، انتفضت كل ذرة بها لا تصدق أنها ستراه بعد كل تلك المدة ، دخلت إلى مكتبه كل ذرة بها ترتجف رأته يجلس خلف مكتبه دق قلبها بعنف حين وقعت عيناه عليها ، اختلف عما تذكر ، وجهه بات أكثر هدوءً ولكن ملامح وجهه باتت أكثر حزنا ، اشتاقت له لدرجة تجعلها تنتفض ، انتبهت حين سمعته يقول :
- كنتي فين يا رحمة واتأخرتي كدة ليه وطالما هتتأخري ما اتصلتيش تبلغيني ليه
لم تستطع أن تتحدث ، جرت قدميها إلى مكتبه تضع الصينية على الطاولة لتسمعه يقول :
- أنتِ لسه زعلانة بقى عشان زعقتلك إمبارح عشان كدة مش عاوزة تردي عليا ، طب تعالي في حضني وأنا هصالحك
توسعت عيناها تنظر إليه مذهولة ، أما هو فضحك بخفة يردف ساخرا :
- ايه يا بنتي ، مالك النهاردة وبعدين اقلعي النقاب هو أنا غريب ، دا أنا جوزك!!!
-ايه يا رحمة متخشبة كدة ليه يا بنتي ، تعالي
وربت بكفه على ساقه بخفة يبتسم لها يغمزها بطرف عينه ، لتشد على أسنانها غاضبة ... الوقح عديم الأخلاق لم يتغير والده ظل يخبرها مرارًا وتكرارًا أنه تغير كثيرا يكاد يموت كمدًا لفراقها وها هو الآن متزوج من أخرى ، تشعر برغبات مبعثرة إحداها تدفعها للهروب بعيدا وأخرى للبكاء وثالثة لصفعه على وجهه والصراخ فيه أنه وغد حقير تكرهه ، شدت كف يدها غاضبة تتحرك إليه وقفت أمامه ليبتسم لها ، مد يده يجذبها بخفة لتجلس على قدميه خرجت من بين شفتيها شهقة خافتة تحاول أن تجاريه فيما يفعل ، رأته يبتسم مد يده لينزع نقاب وجهها ، لتمسك بيده سريعا تحرك رأسها للجانبين رافضة ذلك ، قطب جبينه مستنكرا ما فعلت يسألها:
- ايه يا روحي مالك ، وبعدين مش عاوزة تخليني اشوف وشك ليه النهاردة
حركت عينيها على وجهه تملأها دموعها الخذلان والألم أما هو فقطب جبينه مستنكرا دموعها يسألها قلقا:
- مالك يا رحمة أنتِ تعبانة ولا ايه، تعالي طيب نروح المستشفى ولا اطلبك دكتور
حركت رأسها رافضة كادت أن تقوم ليمسك بكف يدها يمنعها من ذلك ، حاولت جذب يدها من يده بعنف ، أما هو فكات يُمسك بكف يدها بإحكام سمعت صوته بالقرب من أذنها يهمس لها بنبرة ملتاعة :
- هو أنتِ فاكرة إني هسيبك بعد كل المدة دي
لفت رأسها إليه واتسعت حدقتيها ذهولا ، هل علم أنها هي ؟! ، مد يده إلى نقاب وجهها ينزعه برفق ، أنفاسه تختفي إلى أن رأى وجهها ، شعر وكأن الحياى التي غابت عنه عادت من جديد ، قلبه يصرخ من الفرح يطير عاليا ، يقيم حفلا صاخبا يحتفل برجوعها ، لا يصدق فتح عينيه وأغلقها عدة مرات وهو يردد بصوت مسموع :
- يارب ما يكونش حلم يارب
حين فتح عينيه في المرة الأخيرة ، رأت الدموع تفيض من حدقتيه ، جذبها لأحضانه هي يحتضنها بكل ذرة لا يصدق أنها بين يديه من جديد ، بين لحظة وأخرى يبعدها عنه ينظر لوجهها ليتأكد أنه لا يحلم ومن ثم يعاود إحتضانها من جديد ، تشعر بجسده يرتجف ، يديه تشدد على احتضانها ومن ثم سمعت صوته يتحدث بحرقة :
- أنا مش مصدق أنك قدامي ، مش مصدق إني شايفك وأنك في حضني يا نور ، إنتِ ما تعرفيش أنا حالي كان عامل ازاي المدة اللي فاتت ، أنا كنت بموت في اليوم مية مرة ، حاسس إني بحلم قلبي هيخرج من مكانه
أبعدها عنه ينظر لوجهها للمرة الألف يشعر بالظمأ لرؤياها ، أما هي فكانت نظراتها إليها مزيج لم يفهمه ، مزيج من الألم والعتاب والشوق والحسرة ... عيناها الزرقاء تملأها الدموع التي انهمرت تغرقها وجهها مثله ، ولكنها لم تتحدث إلى الآن لم تنطق بكلمة فشعر بالخوف من أن تكن فقدت قدرتها على الكلام من جديد ، ابتلع لعابه يطلب منها ملتاعا :
-اتكلمي يا نور ، انطقي يا حبيبتي ، انتي ساكتة ليه ؟ نور ما تقلقنيش سمعيني صوتك يا حبيبتي
- حبيبتك
همست بها بنبرة ساخرة قبل أن تحرك رأسها للجانبين قبل أن تردف بحرقة تتهكم منه :
- حبيبتك !! ،مش أنا كنت خاينة واستغفلتك وأنك اشترتني بفلوسك ، ودفعت كتير أوي عشان تتجوزني ، ومش هترمي فلوسك في الأرض
نور لا تزال تتذكر كل كلمة سامة قالها لها ، حرك رأسه للجانبين يتحدث سريعا :
- ايوة يا نور حبيبتي وأغلى من عمري ، أنا ما كنش قصدي أنا ما كنتش عارف أنا بقول ايه ، نور أنا كنت شخص وحش أوي وأناني وقذر من الآخر ، بس والله العظيم أنا اتغيرت وبقيت شخصية تانية ، اسألي بابا وماما ومرام ، أقولك اخرجي اسألي الموظفين اللي برة حتى ، أنا آسف يا نور ، سامحيني أنا مستعد أعمل أي حاجة عشان تسامحيني
ظل تنظر إليه مطولا دون كلام وهو يشعر بالخوف من أن تطلب منه الإنفصال ، ولكنها قالت جملة أخرى :
- أنت عرفت إزاي أن دي أنا ؟
ارتسمت إبتسامة ضعيفة على شفتيه ، تنهد بحرقة يتمتم :
- بابا قالي كل حاجة ، ثورت وزعقت وقولتله كان لازم تقولي من زمان ، قالي أن حالتك ما كنتش مستقرة ، وأنه خاف يديني أمل ضعيف وأعيش عذاب موتك مرتين ، وكلمني لما وصلك قدام الشركة وقالي أنك داخلة ، أنا منعت نفسي بالعافية إني اطلع أجري زي المجنون عليكي ، يلا قومي ... قومي نروح أنا بقالي سنة و4 شهور نفسي أنام ليلة من غير كوابيس ، من غير ما اقوم في نص الليل وأنا بعيط و بدور عليكي ، أنا شوفت العذاب ألوان في بعدك يا نور
لم يحصل منها على إجابة ، كانت تنظر للأمام شاردة عينيها مضطربة ، قام يمسك بكف يدها يتحرك معها للخارج حين أقترب من باب مكتبه رآه يُفتح ودخل شريف وهو يمازحه ضاحكا :
- ايه يا عم المنطوس المنعزل هتفض.....
وصمت وتوسعت حدقتيه ذعرا ينظر لنور التي تجاور جواد ، لينتفض يعد خطوة للخلف يتمتم مذعورا :
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إنت كنت منعزل عشان تحضر عفريت مراتك ، الله يخربيتك حضرتها بجد
ضحك جواد يصدم شريف على ذراعه يتهكم منه :
- دي نور نفسها يا أهبل
قطب شريف جبينه ينظر إلى نور مدهوشا قبل أن يعاود النظر لجواد يسأله :
- بس إزاي ، إنت مش قولت يعني أنا آسف في الكلمة أنها ماتت ، إنت كنت بتضحك علينا يا جواد
حرك جواد رأسه للجانبين ، تنهد يحادثه متعبا :
- والله يا شريف اللي كان بيضحك علينا كلنا ، خالك عمرو .. هفهمك كل حاجة بعدين ، أنا همشي
حرك شريف رأسه موافقا قبل أن ينظر إلى نور أعطاها ابتسامة صغيرة يحادثها :
- حمد لله على سلامتك يا نور ، ماما هتفرح أوي لما تعرف أنك بخير وكويسة
لمعت عيني نور ما أن ذكر شريف والدته وتذكرت السيدة إيمان والفترة التي قضتها معها ، وكيف كانت تعاملها بحنو وكأنها تعامل ابنتها ، رفعت عينيها إلى شريف وتذكرت فترة طويلة ، ومشاعر قديمة تائهة مبعثرة توجهت إليه قبل أن ترسو على شاطئ جواد ، تحركت عيناها على وجهه قبل أن تبتسم تخبره :
- سلمي عليها كتير أوي ، وقولها أنها وحشتني أوي
تفاجئ شريف من جديد أن نور تتحدث ولكنه ابتسم يحرك رأسه ، استأذن جواد من شريف يشعر بالضيق يخالط نفسه ، رأى كيف نظرت نور إليه رأى كيف لمعت عيناها ، كيف حركت عيناها على صفحة وجهه وكأنها مشتاقة له ، كما فعل هو معها يعرف نظرة الاشتياق تلك جيدا ، تنهد متضايقا ولم يقل شيئا ، كيف يفعل وقد عادت له من الموت تقريبا
______________
- كاملا هانم كانت بتخون جلال باشا مع أخوه الصغير دي حتى ملاك تبقى ...
ولم يكملها بل ابتسم ساخرا ينظر صوب كاملا التي شهقت بعنف تحرك رأسها للجانبين ، أما هو فضحك عاليا يتهكم منهم :
- في أي يا جماعة مالكوا ، ملاك تبقى بنت جلال عادي ، يعني بذمتك هتبقى بنتي واسيبها تتبهدل مع طرب البهدلة دي كلها ، ولا ايه يا طروبتي
شعرت طرب بالغضب الشديد من الجميع من نفسها ومن أبيها ومن والدتها ومن ذلك الوغد الواقف أمامها يضحك يسخر منهم ،تذكرت سريعا كل مرة اعتدى عليها بالضرب فيها ، تذكرت حين جعل حارسه يحاول الإعتداء عليها ، حين أبرحها لتوافق أن تعمل راقصة رغما عنها ، كيف يترك جاسر هكذا ، كيف يتركه ؟!! ، أحمرت عيناها غضبا تسارعت أنفاسها لحد مخيف ، نظرت حولها تبحث عن شيء تأخذ ثأرها به ، فرأت مضارب كرة ( البيسبول ) الخاصة بأبيها ، كان يحب والدها تلك اللعبة كثيرا في شبابه ، سلة المضارب لا تزال في مكانها ، توجهت إليها تلتقط أحدهم بلا مقدمات التفتت لعدي تنزل بالمضرب في يدها على ذراعه الأقرب إليه ، صرخ من الألم ومن المفاجأة ، أما طرب فكانت تشعر في تلك اللحظة أنها تملك قوة رجل ضخم البنية تلبسها لتنتقم لتأخذ ثأرها من الوغد الذي عذبها لسنوات ، اقتربت منه في طرفة عين تنزل بالمضرب في يدها على كل جسده بالكامل ، لم تكن تدري أي جزء تضرب ، لم تكن ترى سوى مشاهد عذابها القديمة ، لم تكن تصرخ سوى ب :
- أنت قذر ، حيوان ، كلب ، أنا هاخد حقي منك ، هاخد حقي وحق أختي وحق أبويا
هتدفع التمن يا عُدي ، هتدفع التمن غالي أوي
ولكن ما حدث أن كاملا هي من أن اندفعت تُمسك بالمضرب في يد طرب تمنعها من ضربه تصرخ فيها توقفها :
- بس كفاااية هتموتيه ، امشي يا عُدي ، امشي بسرعة
جر عُدي جسده المصاب بصعوبة يهرب ، أما طرب فوقفت مكانها مصعوقة لا تصدق ما يحدث الآن ، حركت رأسها للجانبين ترتجف بعنف ، اندفعت الدموع إلى عينيها سقط المضرب من يدها ليُحدث صوتا مدويا ، نظرت إلى والدتها ، تحرك رأسها للجانبين ترفض ما يحدث وما سمعت وعرفت ، عادت خطوتين للخلف تسألها مصعوقة :
- الكلام اللي قاله الكلب دا حقيقي ، أنتِ كنتي بتخوني بابا معاه
توقعت رفض والدتها التام لما يُقال ولكن ما حدث أن كاملا صرخت غاضبة :
- وجلال ما خانيش مع حتة خدامة وقدام عيني بكل بجاحة
شهقت مذهولة مما تسمع ، والدها خان والدتها فوالدته خانته ، عادت للخلف تحرك رأسها للجانبين عقلها توقف عن تدارك ما يحدث تتمتم بذهول :
- أنا مش فاهمة حاجة ، يعني أنتي كنتي بتخوني بابا فعلا ، كنتي بتخونيه مع أخوه ؟!
توترت كاملا تحرك رأسها تارة ترفض وأخرى توافق وطرب لا تفهم ما تفعل ، يبدو أن تصارع ماضيا لا ترغب في الإفصاح عنه ، نظرت كاملا أخيرا إلى طرب ، تتمتم يائسة :
- أنا ما خونتوش بالمعنى اللي أنتِ فهمتيه ، جلال لما بدأ يتغير في الفترة الأخيرة قبل ما أعمل الحادثة ، بدأ عُدي يقرب مني ويقعد معايا بالساعات يسمعني وأنا بشكيله من جلال ومن شكوكي ناحية علاقته بتهاني ، وكان دايما أنا جنبك أنا موجود ما تشليش هم حاجة ، فجاءة اتعودت على وجوده وبقى اليوم اللي يغيب فيه ابقى متضايقة أوي ، بس كنت بفضل أقول لنفسي أنا اتجننت ولا ايه ، دا أخو جوزي إزاي أفكر فيه حتى ، وقبل الحادثة بأيام بسيطة لقيت جلال داخل الأوضة وهو متعصب جداا ولأول مرة في حياته كان يضربني ، ضربني بالقلم وقالي إني بخونه وأنه هيدفعني تمن خيانتي غالي أوي ، بعدها عملت الحادثة ولما فوقت وكلمت جلال عشان يلحقني قالي أنه لو شاف وشي تاني هيموتني ، ما اعرفش إيه اللي حصل ومين وصل له ايه عشان يقولي الكلام دا ، بعدها لقيت عُدي عندي في المستشفى وبيقولي أن جلال هو اللي دبر حادثة العربية عشان يخلص مني وأنه اتجوز تهاني ، وفضل جنبي في المستشفى ، في آخر مرة جالي قالي أنه جلال شاكك فيه وبدأ يراقبه وأنه يختفي شوية عشان جلال لو وصلي هيقتلني ، وأنه خايف عليا مش خايف على نفسه ، وصيته عليكوا وقالي انه مش هيسمح لحد يأذيكوا وأنه هيحاول يجيلي في أقرب فرصة ، واختفى ، اختفى خالص ما شوفتوش و
قاطعتها طرب تصرخ فيها محتدة :
- وايييه ، وايه يا ماما ، ما أنا حكيتلك كل حاجة قولتلك أن هو اللي عمل فيا كل المصايب دي ، هو كل اللي كان متفق مع تهاني ، هو اللي اجبرني اشتغل رقاصة ، كان بيخطف ملاك ويهددني أن هيخلي رجالته يعتدوا عليها ، أنا عايزة أعرف إزاي أصلا عمي جاسر سابه
- أنا اللي اتحايلت على جاسر عشان يرضى يسيبه وما يحبسوش
شعرت بالألم وكأن خنجر انغرز في قلبها مباشرة ، لا تصدق ما تسمع من والدتها ، مقدار الألم الذي تشعر به غير طبيعي لا يُحتمل ، تراجعت خطواتها تحرك رأسها للجانبين تنهمر الدموع من عينيها ، تتمتم بحرقة :
- أنتِ إزاي تعملي كدة ، إزاي يجيلك قلب تعملي كدة ، بعد كل اللي قولتلك أنه عمله فيا وفي ملاك ، أنا مش قادرة أصدق ... لالا مستحيل ، طب ليه رد عليااا ليييه
لم تحصل على إجابة من والدتها ، جل ما فعلت كاملا أنها تحاشت أن تنظر لعينيها ، فابتسمت طرب ساخرة تتحرك صوب باب غرفة والدتها فتحت الباب وهرعت إلى غرفتها تأخذ يونس ونزلت على السلم تهرول فتحت الباب وخرجت تركض في الشارع تبتعد عن البيت تنهمر الدموع من عينيها ، شعورها بالألم لا يضاهى تمسكت بالصغير بين أحضانها تركض ، لا تعلم حتى أين تذهب ، جل ما تعرفه أنها تشعر بالألم والخذلان والحسرة ، توقفت تنظر حولها تلهث بعنف لا تعرف أين هي ؟ لا تعرف ماذا تفعل ؟ للحظة شعرت بكونها طفلة صغيرة تائهة في غابة وكل ما حولها وحوش ، زادت من ضم الصغير لها ، مدت يدها إلى جيب سروالها تخرج هاتفها ارتعشت يديها بعنف تطلب آخر رقم اتصل بها وضعت الهاتف على أذنها لحظات وسمعت صوت رعد وهو يهمس باسمها ، ارتعشت صوتها بكت وهي تطلب منه بحرقة :
- ممكن تيجي ، ممكن تيجي تاخدني أرجوك
انتفض مذعورا يحادثها قلقا :
- ايوة طبعا جاي ، أنتي فين عند مامتك
حركت رأسها للجانبين وكأنه سيراها ، تحادثه باكية ضائعة :
- لالا ، أنا مش هروح عندها تاني ، أنا مش عارفة أنا فين ، مش عارفة ، أنا في الشارع ، أنا تايهة يا رعد
هنا انتابه الذعر عليها ، ركض إلى سيارته يدير المحرك يحاول أن يجعلها تهدأ :
-اهدي يا طرب أنا في العربية وجايلك اهو ، ابعتيلي لوكيشن وأنا معاكي على الخط يلا يا حبيبتي ، أو خلي حد من الناس اللي حوليكي يكلمني يقولي المكان
فعلت ما طلب أرسلت له موقعها ، لم يغلق ظل يحاول أن يحادثها وهو يسمع صوت بكائها فقط تقريبا ، قلبه كاد ينفجر قلقا وهو لا يعلم ما بها ، أقترب من موقعها رآها تجلس هناك عند نهاية أرضا تحتضن الصغير تبكي بصمت ، أوقف السيارة جانبا وأسرع إليها يركض ، نزل على ركبتيه أمامها ينظر لها مذعورا يسألها :
- مالك يا طرب ، حصل ايه ، أنتي بتعملي ايه هنا وبتعيطي ليه
رفعت عينيها إليه ليرى فيها نظرة كسيرة تتألم تصرخ ، جل ما فعلت أنها مدت يديها بالصغير له تهمس بنبرة خاوية من الحياة :
- أنا عاوزة أنام يا رعد ، عاوزة أنام ... خلي بالك من يونس
قطب جبينه قلقا مما تقول ، أمسك بكف يدها يجذبها لتقف معه ، لف ذراعه حول جسدها يتحرك بها إلى السيارة فتح الباب ، جلست على المقعد تغمض عينيها ، التف يجلس جوارها يضع الصغير على قدميه ، حرك رأسه نحوها ينظر إليها قلقا ، مد يده يمسح على خصلات شعرها برفق ، نزل بكفه إلى جبينها ليشعر بجبينها يشتعل ، مجددا يا طرب !! ... يعرف جيدا أنها حين تشعر بالخوف ترتفع حرارتها ، يكاد يُجن ليعرف ما الذي حدث في سويعات قليلة ليتبدل حالها ، تحرك بالسيارة مسرعا صوب أقرب مستشفى ، نزل من السيارة يحمل الصغير يطلب من الممرضات أن يساعدنه ، أخذت منه إحداهن الصغير وعاد هو راكضا ومعه إحدى الممرضات ترشده إلى غرفة الطوارئ ، حين حملها بين ذراعيه كانت ساكنة تماما فاقدة للوعي ، لا تشعر بشيء ، وضعها في الغرفة ، طلبت منه الطبيبة أن ينتظر خارجا ، خرج ليرى الممرضة تقترب منه تعطيه الصغير ، ضمه لأحضانه يسأله :
- حصل إيه لماما يا يونس
نظر للصغير الذي بدأ يبكي ، حاول أن يهدهده دون فائدة ، ظل يتحرك به ذهابا وإيابا ، إلى أن خرجت الطبيبة من الغرفة تحرك إليها سريعا يسألها قلقا عن حالها :
- طمنيني أرجوكي ، طرب مالها
أخبرته الطبيبة أنها لربما تعرضت لصدمة أو مؤثر قوي لم تتحمله هو السبب فيما حدث لها وختمت كلامها ب :
- أنا كتبتلها على علاج كويس وحرارتها انخفضت كتير ، تقدر تخرج من المستشفى وضروري راعوا حالتها النفسية الفترة دي عن إذنك
وقف مكانه حائرا ، نظر إلى طرب الساكنة ... عينيها مفتوحة وجسدها ساكن تنظر إلى الفراغ ، تحرك إليها وقف بالقرب منها مد يده يضع كفه برفق على خصلات شعرها حركت عينيها إليه لترتكز حدقتيها على طفلها الصغير الذي بدأ يمد يديه إليها يبكي ، نزعت المحلول من يدها تشعر بالدوار قامت تأخذ منه الصغير تضمه إليها ، رفعت رأسها إلى رعد حركت شفتيها فبالكاد سمعها :
- يونس ما كلش يا رعد ، يونس جعان
حرك رأسه سريعا ، أخذ الصغير منها يمد يده لها لتقوم معه أخذها إلى السيارة ... أخذ طريقه سريعا إلى منزلهم ، ينظر إليها بين حينٍ وآخر ليراها ساكنة شاردة الكثير من الألم يعصف بمقلتيها ، أوقف السيارة فتحركت تخرج من السيارة تُسرع خطاها لأعلى وهو يلحق بها وقفت أمام باب منزلهم أخذت منه المفتاح تفتح الباب سريعا هرولت داخل المنزل إلى المطبخ تُمسك بزجاجة الحليب يديها ترتجف بعنف دموعها تتساقط تحاول أن تُسرع ، صوت الصغير وهو يبكي يمزق نياط قلبها ارتجفت يدها التي تُمسكت بمعلقة الحليب مع صوت صراخ الصغير لتسقط المعلقة من يدها رفعت يديها تضعهم على أذنيها تصرخ من الألم :
- بس اسكت بس
هرع رعد إلى المطبخ يبُعد يديها يمسك بذراعيها برفق يحادثها :
- طرب اهدي ، اقعدي أنا هعمله اللبن
بدأ سريعا يحاول متوترا أن يُعد الحليب للصغير كما تخبره أن يفعل إلى أن انتهى أمسك بيدها يجذبها معه للغرفة وضع الزجاجة جانبا يطلب منها أن تتسطح إلى الفراش ، حاولت الرفض ليدفع جسدها بخفة كانت متعبة منهكة فلم تقاوم وضعت رأسها على الوسادة الوثيرة عينيها تُجبرها على النوم وهي تحاول الرفض والمقاومة شعرت به يضع غطاء عليها ، ينزع الحذاء عن قدميها ، فتحت عينيها تود رؤية طفلها الصغير لتراه أمامها مباشرة بين ذراعي رعد يُطعمه يمسح الدموع عن وجهه لتُغمض عينيها ساكنة خائرة القوى
______________
في فيلا جلال المهدي
تحركت كاملا من غرفتها تخرج منها ، تبحث عن طرب لتُخبرها الخادمة أن طرب رحلت ، أخذت الصغير وخرجت من البيت وكأنها تهرب ، تهاوت كاملا على أقرب مقعد جسدها بالكامل يرتجف ، ابنتها باتت تكرهها طرب لا تعلم أنها لا ترغب في شيء أكثر من قتل عُدي وتمزيق لحمه بيديها هو السبب في كل ما حدث لها ، لو بيدها لكانت قتلته من يوم الحفل ولكن جاسر مهران منعها ، تذكرت حين طلبت منها جاسر أن يريدها في مكتبه
Flash back
دخلت إلى مكتب جاسر تُغلق الباب خلفها ابتلعت لعابها تنظر إليه متوترة ، أما هو فابتسم وأشار إلى المقعد المقابل لمكتبه يطلب منها الجلوس ، ففعلت حين جلست ، جلس هو خلف مكتبه ظل ينظر إليها يبتسم قبل أن يتحدث بهدوء تام :
- عارفة يا مدام كاملا أنا أكتر حاجة بكرهها الخيانة ، بس أنا في حاجة مش فاهمها إزاي بتكملي عُدي تقوليله أن أنا مش هشارك وفي نفس الوقت بتديني تفاصيل مهمة لقبول العرض بتاعي ، وبتطلبي مني أشارك ، أنا ما رضتش أصغرك قدامه وما قدمتش ورقي عشان يبقى كلامك صحيح
هبت كاملا واقفة تنظر إلى جاسر مصعوقة تحركت شفتيها تسأله مرتعدة :
- أنت عرفت كل دا منين
ابتسم جاسر يطلب منها أن تجلس مرة أخرى مط شفتيه قليلا قبل أن يرفع كتفيه يتحدث ببساطة :
- أصل حوار أنك قعدتي سنين عمرك في المستشفى ما كلش معايا عشان أنتي كنتي خايفة تخرجي من المستشفى دا ما كلش معايا ، أنتِ كنتي مستخبية جوا المستشفى ، كنتي مستخبية من مين بقى ؟!
أصفر وجهها شعرت بالدماء تُسحب من جسدها دق قلبها بعنف ، ترددت كثيرا قبل أن ترفع وجهها إلى جاسر تملأ عيناها الدموع تتمتم بحرقة :
- من جلال ، أنا غلطت ، غلطت غلطة كبيرة أوي وخونت جلال مع عُدي ، ولما عملت الحادثة عُدي جالي المستشفى وقالي أن جلال هو السبب هو اللي كان عاوز يموتني ، دا حتى خلاني كلمت جلال وساعتها جلال هددني أنه لو شاف وشي تاني هيقتلني وهيقول لطرب وملاك إني خاينة ، اللي يضحكك أن عُدي كان ظاهر الملاك البرئ ، جلال عرف إني بخونه بس ما عرفش مع مين ، في الفترة عُدي ما كنش بيسيبني وكان دايما بيقولي أنه خايف جلال يعرف أنه بيجيلي عشان ما يأذنيش ، في آخر مرة جالي قالي أنه جلال شاكك وأنه لازم يختفي ساعتها مسكت ايده ووصيته يحمي طرب وملاك ، وقالي انه هيحميهم بحياته ، واختفى حاولت أوصله كتير ما عرفتش ، وكانت مرة واحدة عرفت أخرج من المستشفى وخاطرت قولت مش مهم حتى لو جلال هيموتني بس اشوف بناتي روحت لقيت البيت فاضي وعرفت أن جلال مات والبيت اتقفل وما حدش فيه ، كنت هتجنن بحاول أوصل لعُدي ما عرفتش ، عارف أنا عملت ايه ... ولا حاجة وثقت في عُدي وفي وعده ليا أنه هيحافظ على البنات ورجعت المستشفى عايشة بلا حول ولا قوة ، لما جيت هنا وطرب قالتلي على اللي عمله أقسمت إني هقتله هاخد حقي وحق بناتي ، بس أنا غبية ما بعرفش أعمل حاجة ، الحاجة الوحيدة اللي هعملها إني هموته لو آخر نفس فيا هقتله
Back
اجفلت كاملا على صوت دقات على باب المنزل قامت لتفتح الباب لتبصر مريم شقيقة يوسف ، تقف أمامها ابتسمت تسألها عن ملاك :
- مساء الخير يا طنط اومال ملاك فين ، عاوزة اتكلم معاها
ارتسمت إبتسامة باهتة على شفتي كاملا تشير لها لأعلى تخبرها أنها لا تزال في غرفتها ، شكرتها مريم وصعدت سريعا لأعلى دقت الباب ودخلت غرفة ملاك رأتها جالسة على سطح فراشها تنظر للفراغ شاردة لا تبكي ، فقط صامتة شاردة ... تنهدت تقترب منها ، جلست أمامها على سطح الفراش مدت يدها تربت على كفها تحادثها مترفقة :
- ملاك ، ملاك يوسف غلط بس والله هو بيحبك ، أنتِ مش متخيلة حاله عامل إزاي ، عارفة دا واقف في الجنينة وفضل يتحايل عليا يقولي خليها بس تخرج البلكونة اشوفها والله يا ملاك يوسف بيحبك أوي
انتهبت ملاك على جملة مريم أن يوسف يقف بالأسفل ، قامت من فراشها لم تتوجه إلى الشرفة بل تحركت إلى أسفل لتراه وجها لوجه، أسرعت خطاها كل ذرة بها ترتجف الغضب والألم يبتلعان روحها ، تجاوزت والدتها تفتح باب المنزل خرجت منه إلى الحديقة رأت يوسف يقف أمامها ، نظر إليها حزينا نادما ؛ لتقترب منه بخطى سريعة وقفت أمامه ودون أي كلمة رفعت يدها وصفعته ، توسعت حدقتاه ذهولا أما هي فارتجفت تعود خطاها للخلف تصرخ فيه بعلو صوتها :
- أنا بكرهك يا يووسف فاهم بكرهك ، بكرهك من كل قلبي ، أنا ما غلطتش أنا ما عملتش حاجة غلط ، أنت خلتني أخاف أعمل أي حاجة في حياتي أحسن تضايق وتزعق ، أنت خلتني أخاف منك أكتر من إني أحبك ، خلتني عروسة عاوز تحركها بإيديك شمال شمال يمين يمين ، أنت مش طبيعي ، طرب كان عندها وأنا اللي فضلت اتحايل عليها وأعيط وأقولها أنتِ فاهمة غلط يوسف بس بيغير عليا ، أنت دمرتني أنا كل اللي كنت عوزاه إني أعيش سنين عمري اللي اتحرمت منها على الكرسي ، بس أنت شوفت أن دا مش من حقي وقررت أنك تحبسني جوا دبلتك ، امشي اطلع برة أنا مش عاوزة اشوفك في حياتي تاني ، امشي من حياتي يا يوسف
تجمد مكانه تملأ الدموع عينيه ، يشعر ببشاعة ما فعل الآن فقط ، أراد قول الكثير من الإعتذارات وعلقت الكلمات في فمه ، اقتربت منه مريم تطلب منه بهدوء :
- روح يا يوسف أنا هفضل مع ملاك
نظر إلى شقيقته يترجاها بعينيه أن تفعل شيئا قبل أن يتحرك ويغادر ، اقتربت مريم من ملاك لترتمي الأخيرة بين أحضانها تنفجر في البكاء
____________
في منزل عمرو ... في غرفة جواد
جلس جواد أمام نور يطعمها ينظر إليها مشتاقا خائفا من أن تختفي من جديد ، أما هي فكانت بين شعورين مشفقة على حاله ، ومتضايقة من كلماته التي لا تزال نتذكرها جيدا ، مد جواد يده يضعها على ذراعها برفق لتنكمش تبتعد عنه تتمتم متوترة:
- جواد لو سمحت ما تلمسنيش
كاد أن يسألها عن السبب ولكن الباب دق ، تحرك ليفتح الباب فرأى مرام تقف أمام الباب تطلب منه إن ترى ، أفسح لها فدخلت ، توترت نور حين رأتها لا تزال تتذكر كل موقف سيء تعرضت له بسببها ، اقتربت مرام من نور ودون مقدمات عانقتها ، عانقتها بقوة تطلب منها السماح :
- أنا آسفة يا نور ، أنا بجد آسفة أوي على اللي عملته ، أنا أذيتك كتير أوي ، بس والله أنا كنت شخصية وحشة أوي واتغيرت اسألي حتى جواد ، أقسملك بالله إني عمري ما هضايقك تاني أبدا ، حقك عليا أنا آسفة
ابتعدت بعد عدة لحظات تنظر إليها حزينة نادمة ، توترت نور قليلا تومأ برأسها تتمتم بنبرة خافتة :
- لو سمحتي أنا تعبانة وعاوزة أنام
ففهمت مرام أن نور لم تسامحها ولكنها لم ترد إحراجها ابتسمت لها بخفة تخرج من الغرفة ، أغلق جواد الباب واقترب منها جلس أمامها يحادثها مترفقا :
- نور، صدقيني كل اللي في البيت اتغير للأحسن ، وأنا أولهم أنا كنت شخص سيء أوي يا نور ، يمكن الحاجة الوحيدة اللي كانت عدلة فيا إني حبيتك ، حبيتك أوي ودوقت مرارة فراقك عشان أفوق عشان أعرف قد ايه أنا كنت إنسان بشع ، أناني ... أنا عارف أنك مش مصدقاني وأنك زعلانة من بابا عشان قالي ، وزعلانة من مرام عشان اللي عملته معاكي ، وزعلانة مني عشان اللي قولته ، إحنا بجد وحشين أوي عشان زعلنا القمر دي
حركت نور رأسها للجانبين تتجمع الدموع في مقلتيها تحرك رأسها للجانبين تتمتم بحرقة :
- أنا زعلانة من نفسي وزعلانة من الدنيا ، عارف ليه يا جواد لأني ماليش أي مكان أروحه حتى لو حبيت أزعل منك وأبعد ماليش غير الشارع ، أنا أهلي باعوني من زمان أوي ، أنا كان نفسي ابقى معايا شهادة وادخل الجامعة وأحب وأتحب ، كان نفسي يتعملي فرح كبير لما اتجوز ، كان نفسي ابقى عروسة وأختار عفش بيتي ، كان نفسي في حاجات كتير أوي الدنيا رفضت تديهالي ، أنا كل حاجة في حياتي مجبرة عليها لأني ما عنديش اختيار تاني
شعر بنغز قوي أثر كلماتها ، ابتلع لعابها يسألها خائفا من الإجابة:
- وجودك معايا مجبرة عليه يا نور
لم يحصل على إجابة مباشرة ولكن عينيها التي رفضت أن تنظر إليه أجابت ، شعر بالألم يتفاقم يأكل قلبه ، لم يجد ما يقوله سوى أنه حرك رأسه بالإيجاب يتحدث بنبرة تقطر ألما :
- حاضر يا نور ، حاضر هعملك كل اللي أنتِ عوزاه ، هخليكي تحققي كل اللي نفسك فيه ، هبعدك عني يا نور عشان ما تبقيش مجبرة على وجودك معايا ، ومش هلمسك ما تخافيش
في ظرف أيام هرتبلك كل اللي أنتي قولتيه ، أنتِ عندك حق ، أنا استغليت أنك ما عندكيش أي حل غيري عشان اتجوزك ، أنا أنا أنا آسف
رأت الدموع تلمع في عينيه كادت أن تقول له شيئا ولكنه قام سريعا وخرج من الغرفة
أما في الأسفل فجلست مرام على مقعد في الحديقة تنظر أمامها شاردة عودة نور ذكرتها بفترة كانت فيها شخصية بشعة سيئة للغاية ، تذكرت كيف طردتها بكل قسوة من منزل شريف ، كيف عاملتها بإحتقار وصرخت في وجهها ، تنهدت بقوة ربما صديقتها محقة هي بحاجة لتلك السفرية لتهدأ قليلا ، أجفلت على صوت زين وهو يتحدث مازحا :
- اللي واخد عقلك يتهنى بيه
التفت صوب صوته لتراه يقف جوار الارجوحة يبتسم لها ، قامت من مكانها توجهت إليه تسأله :
- زين أنت بتعمل ايه هنا
ضحك يحادثها مازحا:
- علميا أنا جاي لوالدك عشان والدي عاوزه في صفقة جديدة ، عمليا أنا جاي أرخم عليكِ سمعت أنك مسافرة من غير ما تقوليلي ينفع يعني
ضحكت بخفة تومأ برأسها تتحدث ببساطة :
- تعبت من الشغل قولت أطلع يومين أنا وصاحبتي أسوان ، عاوزة أصور المكان هناك أوي
أسوان !! ، عمار هناك ستكن فرصة أكثر من رائعة ليرى شقيقه ، توسعت ابتسامته يغمغم سعيدا :
- يا محاسن الصدف دا أنا بردوا تعبت من ضغط الشغل وقولت أسافر أسوان أريح وأزور جدي
قطبت مرام جبينها تسأله:
- هو جدك عايش هناك
ابتسم زين يومأ برأسه يتحدث ضاحكا :
- ايوة طبعا ، أجدادي الفراعنة كلهم هناك ، قولتيلي بقى هتنزلي في أنهي فندق
أخبرته باسم الفندق وهي تضحك ، ليرسم الدهشة ببراعة على وجهه يتمتم مذهولا :
-يا محاسن الصدف تاني أنا بردوا نازل في نفس الفندق ، أنا مش فاهم بجد ايه الصدف دي ، طيب أشوفك هناك بقى عند أجدادنا الفراعنة
___________
في مستشفى كبيرة ، كبيرة للغاية يقف طبيب في منتصف الثلاثينات تقربيا ، على قدر كبير من الوسامة والغرور والعجرفة في الآن ذاته وأمامه جمع من الطلاب كلية العلاج الطبيعي الفرقة الثالثة ، تلك أولى محاضراتهم العملي معه ، في مستشفى خاصة ملك لأبيه ، من المعروف عن ذلك الطبيب المتعجرف أن أخلاقه أسوء ما تكون ، نظر للجمع أمامه قبل أن يقترب من فراش يرقد عليه مريض يشرح لهم ، أن المريض أمامه مصاب بإنزلاق غضروفي طبيعة المرض وخطوات العلاج نظر بعينيه يبحث بين وجوه الفتيات عن واحدة تبدو هشة خائفة متوترة ، ولم يجد أفضل من زينب التي تنطبق عليها جميع المواصفات ليشير إليها أن تقترب منه :
- يا دكتورة ، ايوة أنتِ قربي هنا عشان تساعديني
توترت زينب أكثر تحركت اقتربت منه ليشير لها أن تقترب أكثر وبدأ يحرك جسد المريض بإحترافية ، يشرح للطلاب ما عليهم أن يفعلوا لاحظت زينب أنه يصطدم بها بجسده ولكنها ظنته غير قاصدا فهو يشرح للطلاب ، طلب من المريض أن يجلس وحين فعل حجب يده التي امتدت تتلمس فخذها ، توسعت حدقتي زينب ذعرا أثر ما فعل لتنتفض تبتعد للخلف تملأ الدموع عينيها ، خرجت من الغرفة تركض ليقطب ذلك المدعو حاتم جبينه يتحدث يسخر منها مع بقية الطلاب :
- مالها دي عبيطة ولا ايه
وضحك الطلاب لأن لم يره أحد أما هي فخرجت إلى حديقة المستشفى تبكي وترتجف تتذكر كل لمسة آثمة من يد فؤاد على جسدها حين كانت طفلة ، شعرت بنفس الضعف والخوف والقهر ... ارتجف جسدها لما يجب أن تظل ضعيفة ؟ لما لم تصرخ حين فعل ذلك ؟ لما لم تصفعه ؟ لما هربت وهي لم تُخطئ ؟ إلى متى ستظل تهرب ... إلى متى ستظل تشعر بالخوف يحيط بها من كل جانب ؟، مدت يدها إلى حقيبتها تخرج هاتفها وجدت نفسها تطلب رقم شريف ، لحظات وسمعته يجيبها بنبرة فاترة :
- ايوة يا زينب خير
لم تتحدث فقط بكت وعلا صوت بكائها لتسمعه يسألها قلقا :
- زينب أنتِ بتعيطي ، حصل ايه يا زينب ردي عليا ، ألو زينب ردي عليا يا زينب
استجمعت آخر ذرة باقية منها ارتجف صوتها تهمس بحرقة :
- أنا عاوزة حقي يا شريف ، عاوزة حقي
وأخبرته بما فعل ذلك الوغد لتسمعه يزمجر غاضبا :
-قوليلي عنوان المستشفى أنا جايلك حالا
وفعلت أخبرته بالعنوان ووقفت جانبا ترتجف حاولت أكثر من مرة أن تُخبر نفسها أنها هي من يجب أن تأخذ بثأرها ولكنها كانت أجبن من أن تفعل ، جاسر كان محقا حين أخبرها أنها يجب أن تتعلم رياضة قتالية لتدافع بها عن نفسها ضد أي وغد يتجرأ على الاقتراب منها ، مرت عدة دقائق إلى أن رأت شريف يدخل إلى حديقة المستشفى يبدو غاضبا ، اقترب منها يسألها :
- هو فين ؟
أخبرته برقم الغرفة الذي كانت بها ، ليتحرك غاضبا يسرع خطاه للداخل تحركت هي الأخرى تود أن ترى ما سيفعل ، وقف شريف أمام الغرفة يفتح المقبض نظر لذلك الوغد الذي بدأ يصرخ فيه :
- أنت مين يا بتاع إنت وإزاي تدخل بالمنظر دا ، فين الأمن
دخل شريف إلى الغرفة يقبض على تلابيب ثيابه يقرب وجهه منه يصرخ فيه :
- إيدك ال**** اتمدت على مراتي ، يا قذر أنت دكتور في الجامعة يا متحرش يا قذر ، دا أنا هطلع عين أهلك
ولكمه بعنف أراده أرضا يتكالب عليه باللكمات وزينب تقف عند باب الحجرة تراقب ما يحدث ، وقف شريف ينظر للوغد أمامه ليبصق عليه يتوعده :
- قسما بربي لهوديك في ستين داهية ، وابقى قابلني لو لبست البالطو الأبيض دا تاني
وتحرك يخرج من الغرفة أمسك بكف يدها يجذبها معه لخارج المستشفى ، فتح باب سيارته لها فجلست والتف يجلس جوارها ، مد يده لها بزجاجة مياه يتنفس بعنف واضح، يبدو غاضبا يديه تقبض على المقود بقوة ، ابتلعت لعابها تهمس تعتذر منه خائفة :
- أنا آسفة على اللي حصل
تفاجئ من اعتذارها الغريب ، ليتحدث منفعلا :
- أنتِ بتعتذريلي ليه ، اعتذري لنفسك ... آخرة الجُبن اللي أنتِ فيه دا ايه ، إزاي ما لفتيش ولطشتيه بالقلم ، إزاي ما ممسحتيش بيه الأرض ، وفي الحالتين كنت هاجي أكمل عليه
زينب ما ينفعش ، ما ينفعش السكوت والخوف دا ، ما ينفعش كل ما يحصل حاجة تفضلي تعيطي بس من غير ما تاخدي أي رد فعل
كان ردها على ما قال أنها بكت أكثر ، زفر أنفاسه يحاول أن يهدأ قبل أن يصرخ فيها من جديد لتتوقف عن البكاء ، تنهد يحادثها ببعض الرفق :
- طب بتعيطي ليه دلوقتي ، زينب أنا عاوز مصلحتك ، زينب أنا ...
قاطعته تهمس بحرقة تتابع شهقاتها بلا توقف :
- أنت ما عيشتش اللي أنا عيشته ، أنت ما عيشتش في رعب وخوف من ساعة ما كنت طفلة ، مرعوبة من الحيوان فؤاد وهو بيتحرش بيا ، ومرعوبة من ماما أحسن تحرقني بالنار زي ما دايما بتهددني لو حد لمسني ، أنا عيشت سنين وسنين في رعب في كل لحظة ، أنا كنت بقيت كويسة والله لما انتظمت في الجلسات مع دكتور جاسر ، بس مجرد ما الحيوان دا حط أيده عليا ، رجعت تاني عيلة صغيرة مرعوبة أحسن مامتها تعرف أن ابن خالتها بيتحرش بيها غصب عنها
شعر شريف بمدى الألم والمعاناة الذي عاشته زينب لأعوام على ما يبدو ، أشفق عليها وشعر بالغضب من نفسه لأنه أنفعل عليها لتلك الدرجة وهي لا ذنب لها في شيء ، تنهد يعتذر منها :
- أنا آسف يا زينب عشان انفعلت عليكِ دا من خوفي عليكي صدقيني، أقولك تعالي نتغدا أنا جعان أوي ، أنتِ مش كنتي قولتيلي بتعرفي تعملي ورق عنب ، المرة دي هناكله من برة المرة الجاية هاكله من إيدك ماشي يا ستي اتفقنا
رسمت إبتسامة باهتة على شفتيها تحرك رأسها بالإيجاب ، رغم كل ما حدث إلا أن اللحظة التي رأت فيها شريف يضرب ذلك الوغد حاتم لأجلها كانت من أسعد لحظاتها
___________
توقفت سيارة جوري أمام منزل أبيها تبتسم منتصرة سعيدة ، حسين هددها أن يراها جوار عمر مرة أخرى وماذا فعلت ، قضت النهار بأكمله تضحك على نكات عمر السخيفة للغاية ، لترى ماذا سيفعل الآن ... والآن لديها حديث طويل مع أبيها على ما فعل دون أن يخبرها دخلت إلى المنزل لترى والدتها تحتضن يوسف الذي يغمض عينيه متعبا حزينا قطبت جبينها متعجبة ما يحدث ، اقتربت منهم تتحدث قلقة :
- في اي ماله يوسف
ابتعد يوسف عن أحضان والدته حين رأى چوري يمسح دموعه سريعا ، استأذن منهم يختفي في غرفته تنهدت رؤى حزينة على حاله ، نظرت لجوري تخبرها بما حدث ؛ لتمط چوري شفتيها حانقة مما فعله شقيقها تنهد تتمتم متضايقة :
- عيالك اتهبلوا ، ما بقاش فيهم عاقل غيري أنا والبت مريم ، هو صحيح بابا فين عشان عوزاه في موضوع مهم أوي
مريم عليها أن تطلب تلك الصغيرة وتخبرها أن تعود نظرت إلى چوري تردف :
- لسه في الشركة ، چوري هو انتي لسه زعلانة مني
ابتسمت چوري تحرك رأسها للجانبين بهدوء تنهدت تتمتم :
- لا يا ماما ، هي مطبلة من كل ناحية فمساء الفل أوي يعني ، أنا هطلع أوضتي أرتاح شوية عن إذنك
صعدت درجات السلم تتوجه صوب غرفتها ، دخلت إليها تغلق الباب خلفها التفتت صوب فراشها تود أن ترتمي عليه لتتسع عينيها ذهولا حين أبصرت حسين راقدا هناك عاري الصدر ، كادت أن تصرخ حين انتفض من الفراش يكمم فمها بكف يده يمنعها من ذلك يتمتم ساخرا :
- اوعي تصرخي ، مش أنا قولتلك لو شوفتك جنب الملزق دا تاني هترجعي تلاقيني في سريرك ، وقولتلك هسيبك تتفاجيء بالتفاصيل
عرفتي بقى أن أنا مش بقول كلام وخلاص
دفعته في صدره مرة بعد أخرى إلى أن أبعد كفه وابتعد خطوة لتطحن أسنانها تحادثه شامتة :
- جدع خليك بقى كدة لحد ما بابا يجي يضربك بالنار
ضحك هو ساخرا يلاعب حاجبيه عابثا يغمغم :
- ودي تفوتني بردوا يا حبيبتي ، أنا قولت لأبوكي أنك وافقتي نرجع لبعض ، ونعمل الفرح في أسرع وقت ، وأنك يا عمي هترجع تلاقيني بتناقش أنا وچوري في تفاصيل فرحنا
طحنت أسنانها غاضبة منه تتهكم مما يقول :
- تفاصيل فرحنا وأنت نصك الفوقاني عريان
و بابا هيصدقك أنت عبيط
ارتسمت ابتسامة خبيثة غير مبشرة بالخير على شفتيه مد ذراعه يدير المفتاح في قفل الباب قبل أن ينزعه منه يتمتم بنبرة خبيثة للغاية :
- وإحنا نستنى لغاية ما بابا يجي ليه !!
__________
في حديقة منزل كاملا ، جلست مريم جوار ملاك تحاول منذ مدة التهوين عنها وتحسين صورة يوسف في عينيها والأخيرة ترفض سماع اسمه تماما ، إلى أن دق هاتف مريم ولم يكن هاتفها بل الهاتف الذي اعطاها نصار لها ، ارتبكت حين دق الهاتف تبتعد عن ملاك وقفت بعيدا تُجيب لتسمعه يقول :
- حبيبتي أنا عارف أنك عند ملاك ، في تاكسي هيقف دلوقتي قريب من الفيلا بتاعت جلال ، اركبيه يا روحي أنا مستنيكي ما تتأخريش عليا
ابتلعت لعابها خاصة حين أغلق الخط ، أخبرها رسالته وأغلق ، توجهت صوب ملاك تحتضنها تعتذر :
- معلش يا ملاك أنا لازم امشي عشان اتأخرت
هكلمك لما أروح
وخرجت من منزل جلال ، تحركت تشير لسيارة الأجرة لتقف أمامها ، جلست هناك دقات قلبها تدق بقوة ، جسدها يمر به رعشة بين حين وآخر ، توقفت سيارة التاكسي في داخل حديقة منزل نصار ، ارتجف كف يدها كادت أن تفتح باب التاكسي حين رأته يُفتح من الخارج وظهر نصار وعلى شفتيه ابتسامة كبيرة يحادثها :
- نورتي بيتك يا حبيبتي !!