رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الخامس والثلاثون
قامت من فراشها لا رغبة ولا طاقة لديها في فعل ذلك ، تشعر بالخواء يسكن روحها ، ما حدث في حياتهم دمرها تماما ... دمرها لدرجة أنها أقسمت على ترك بيت جاسر ، أقسمت ألا تعود إلا حين يعود ولدها كما كان ، ترفض محاولات جاسر اليومية لمحاولة مراضاتها ، تنهدت تخرج من غرفتها القديمة في منزل أبيها تتجه صوب غرفة عاصم القديمة التي تبيت فيها مريم منذ الأمس ، فتحت الباب تضيء الإنارة لتقطب جبينها مستنكرة حين لم ترى ابنتها في الغرفة ... بحثت عنها هنا وهناك لا أثر لها!! ، التقطتت هاتفها تطلب رقم ابنتها سمعت رنين وانتظرت بضع لحظات إلى أن اجابت مريم لتحادثها رؤى سريعا :
-أنتي فين يا مريم قلبت عليكي البيت
سمع صوت ابنتها تقول تعتذر منها :
-أنا آسفة أوي يا ماما كان عندي محاضرة بدري فنزلت على طول ما رضتش أقلقك ، هخلص وأرجع عندك قبل ما أروح عند بابا
تنفست رؤى الصعداء توصيها أن تهتم بنفسها وألا تتأخر ، حين سمعت صوت دقات على باب المنزل ابتسمت يائسة ، من غيره سيكون
جاسر بالطبع ، تعيش منذ عام بعيدا عنه وفي كنفه في الآن ذاته ، توجهت إلى باب المنزل تفتحه لتبصر جاسر يقف امامها يعطيها ابتسامة حزينة معاتبة كعادته كل يوم افسحت له الطريق ليدخل ، فتوجه للداخل جذب مقعد وجلس ينظر إليها من عند طاولة الطعام يبسط راحة يده أسفل ذقنه يحادثا معاتبا :
- ما تعبتيش من البعد أنا تعبت يا رؤى ، عدى سنة ومش عارف أعيش حياتي من غيرك ، كل يوم بجيلك يمكن ترضي ترجعي معايا
حركت رأسها للجانبين ، تحركت تقترب منه جذبت المقعد المجاور له تعتصر كفيها تشعر بالألم يحرق قلبها والعجز يقيد يديها تجمعت الدموع في مقلتيها تنزل على وجهها تتمتم بحرقة :
-لا يا جاسر مش هرجع معاك ، مش هرجع غير لما رعد يرجع ، أنت بتقولي أنك زعقلته وقولتله أنه عيل ومش ناضج ، ومين اللي كان السبب في كدة ، مين اللي عاش سنين يكبت فيه ويقفله على غلطة ويتلككله ، أنت اللي بدأت غلط يا جاسر ، أنا هتجنن وأنا مش عارفة هو فين ولا حاله ايه وأنت مش عاوز تقولي ، أنا خايفة عليه خايفة عليه أوي
ماذا يقول ،أنا أيضا أكاد أموت كمدًا مما يصل لي ، رعد صار النسخة التي حاولت سنوات منعه من أن يصبح عليها ، أن ولده بات سكيرا يرتاد الملاهي الليلية ليلا وصباحا يعمل على أخذ كل صفقات السوق لنفسه لينافسه ، صمت يتنهد بحرقة يبتلع لعابه يغص فيه ؛ ليقرر تغير دفة الحديث :
- صحي مريم عشان اخدها معايا اوديها الجامعة ، عايزاها تبات معاكي النهاردة كمان ولا عادي ترجع الفيلا
مدت يديها تمسح دموعها عينيها تبتلع لعابها تردف :
-مريم نزلت قبل ما انت تيجي عندها محاضرة بدري ، لاء هترجع الفيلا عشان تذاكر عشان الامتحانات هي ما بتعرفش تذاكر هنا ، أخبار چوري ايه بقالي مدة ما شوفتهاش وكل ما اكلمها ترد على القد
مد يده إلى كفيها يحتضنهم بين يديه يمسح على ظهر كفها بإبهامه يحادثها مترفقا :
-انتي عارفة هي متضايقة ليه ،چوري فضلت تتخايل عليكي كتير أنك ما تسبيش البيت وأنتي بردوا ما سمعتيش كلامها ، ومشيتي
تنهدت حزينة ، تحرك رأسها چوري أكثر مم ابتعدت عنها بسبب بعدها عن البيت ... في اللحظة التالية سمعوا صوت باب غرفة والديها التي يقطن بها يوسف الآن خرج من الغرفة وهو يرتدي ثيابه يحمل مئزر أبيض وعلبة متوسطة الحجم في يده ، ابتسم ما أن رأى أه ليقبل عليهم يعانق والده ؛ لتقوم رؤى تردف :
-أنا هعملك فطار ، تفطر قبل ما تروح الجامعة وتركتهم ودخلت إلى المطبخ ، وتوجه يوسف يجلس على المقعد المجاور لأبيه يسأله :
-عملت ايه يا بابا مع رعد؟
تنهد جاسر حزينا يمسح وجهه بكفي يده يحرك رأسه للجانبين ، تنهد يتحدث بحرقة:
- مش عارف اعمل معاه ايه يا يوسف أنا تعبت منه ، المهم خلي بالك من والدتك وياسين وسليم أنا عارف إن القعدة هنا مش محببة ليك ، بس أنا مش هينفع أسيب والدتك قاعدة لوحدها
تنهد يوسف يحرك رأسه موافقا ، منذ أن تركت والدته المنزل ووالده أجبره أن يذهب ويقطن معها في شقة والديها ، الطريق من تلك الشقة إلى الجامعة طويل للغاية ، ولكن استطاع والده أن يراضيه وابتاع له سيارة ليتنقل بها ، بعده عن ملاك يضاقيه حد الجحيم ، بالكاد يراها
قام جاسر يربت على كتف يوسف برفق قبل أن يأخذ خطاه للداخل يبتسم حين تذكر الماضي ، دخل إلى المطبخ ليرى رؤى تُسرع في إعداد الطعام له هو ويوسف ... اقترب منها حتى بات ملتصقا بها لفها إليه نظر لعينيها يتحدث بنبرة حزينة :
- يا رؤى أنا حاسس إني بلف حوالين نفسي وأنتي جاية في عز المشاكل تسيبي البيت وتمشي
تنهدت تشيح وجهها في الاتجاه الآخر لا ترغب في الكلام ، تنهد يحاول أن يبتسم خاصة حين تذكر ما كات يحدث هنا قديما ليبتسن يحادثها عابسا :
- فاكرة لما طمطم قفشتنا وأنا بحاول ابوسك وطلعت تصرخ تقولهم عمو جاسر بيبوس رؤى في المطبخ بوسة عيب
ضحكت رؤى بخفة حين تذكرت الماضي ، لم يكن بالسعيد فقد كانت تعاني مع شخصية جاسر القديمة في محاولة إصلاحها والآن أيضا تعاني ولكن معاناة أخرى فرعد كان نقيا ولكن ما حدث له سيتسبب له بالكثير ، تنهدت تحرك رأسها بغير رضى حين رأته يقترب منها يبتسم عابثا ، أراد الحصول على تلك القبلة والآن ولكنه ما إن كاد يفعل ، صدح صوت سليم الصغير وهو يصرخ بعلو صوته:
- يا ياسين يا يوسف ، بابا بيبوس ماما في المطبخ بوسة عيب
وهرع يركض للخارج يُخبر اخويه بما رأى وهو يصرخ بعلو صوته ، ابتعد جاسر عن رؤى يزفر أنفاسه حانقا :
-هو أنا مش هخلص من الفضيحة دي بقا ، أما وريتك يا سليم الكلب
وخرج من المطبخ تتبعه ضحكات رؤى ،تحرك للخارج فرأى سليم يتقوقع داخل أحضان جاسر كقط صغير خائف ، ضحك بخفة يحرك رأسه قبل أن ينظر لساعة يده يتحدث سريعا على عجل :
-أنا اتأخرت أوي وفي اجتماع مهم لازم أحضره، وتحرك ينزل درجات السلم إلى سيارته متوجها إلى حيث الإجتماع
أما يوسف فلم ينتظر كثيرا عشر دقائق وكان ينزل خلف أبيه يأخذ سيارته الموضوعة
في جراچ للسيارات ينطلق بها صوب بيت ملاك ، ينظر أمامه طول الطريق شاردًا غاضبا ، عليه أن يحكم قبضته على ملاك يشعر بأنها تنسل من بين يديه وهو لا حول له ولا قوة
وصل إلى حديقة بيتهم ليرى ملاك تقف أمام شاب في مثل عمرها تقريبا تمد يدها له تصافحه وهي تضحك سعيدة ... اتسعت ابتسامتها تلوح له ما أن رأته ولكن يوسف بدأ غاضبا ، شعرت بالتوتر أثر نظراته الغير راضية إطلاقا ...رحل الشاب الواقف أمامها واتجهت هي إلى يوسف الذي عقد ذراعيه أمامه يسألها دون مقدمات :
- مين دا يا ملاك ؟ وازاي واقفة تتكلمي وتهزري معاه بالشكل دا
نظرت ملاك إلى يوسف قلقة تلك ليست المرة الأولى التي تظهر فيها غيرته عنيفة تُخيفها ، ابتسمت تحاول أن تبرر:
- يا يوسف دا جارنا لسه ناقلين في الفيلا اللي جنبنا وكان بيسأل على كذا حاجة ، أنت متعصب ليه ؟
انفجر غاضبا في لحظة مد يده يقبض على رسغ يدها بعنف كبير يصيح محتدا :
-ويسألك أنتِ ليييه ، على الله اشوفك واقفة معاه تاني ولا حتى بيتكلم معاكي إن شاء الله من بعيد فاهمة يا ملاك
نظرت له خائفة ترتعش ، تشعر بألم أصابعه تشتد على رسغ يدها ، تتابع تجهم وجهه واشتعال غضبه بلا سبب هي لم تفتعل كارثة ليصرخ فيها هكذا ، حين لاحظ أنها تنظر إليه خائفة ،ترك كف يدها يعود خطواته للخلف يزفر أنفاسه يحادث نفسه غاضبا بصوت خفيض تعمد جعله مسموع ليصل إليها وهو ينهر نفسه:
- غبي وما بتعرفش تتحكم في نفسك اديك خوفتها منك وكمان اذيتها ، أنا لازم اسيبها ما ينفعش ملاك زيها تكمل حياتها مع واحد زيي
انتفضت ملاك تحرك رأسها للجانبين ترفض إبتعاده عنها تماما ، اقتربت منه تمسح دموع عينيها تحرك رأسها للجانبين ترفض إبتعاده :
- لا لا أنا كويسة أهو ايدي مش وجعاني ، أنت عندك حق ما ينفعش اقف أتكلم واضحك مع راجل غريب ، ما تزعلش مني
ارتسمت في نفسه ابتسامة ماكرة أما لها فأعطاها إبتسامة صغيرة يحرك رأسه للجانبين يتمتم نادما :
- لا يا ملاك ، أنا غلطت وغلطت جامد بصي صوابعي معلمة على إيدك إزاي ، أنا إزاي حتى أفكر أعاملك كدة
مدت يدها الأخرى سريعا تجذب أكمام قميصها بقوة لتُخفي علامات أصابع يوسف أسفله ابتسمت تردف سريعا :
- شوفت أهو اختفوا خلاص ، متزعلش بقااا أنا واثقة أنك مش هتعمل كدة تاني ، مش هتوصلني الكلية ولا ايه أنا متأخرة هجيب شنطتي بسرعة وجاية
وتحركت تهرول للداخل لترتسم على شفتيه ابتسامة خبيثة ساخرة من السهل خداع الملاك للغاية
_____________
كان يود أخذ الصغيرة معه للبيت ، كان لديه الكثير والكثير من الخطط التي وضعها لها ولكن مكالمة جاسر قلبت موازين كل شيء ، تواصل معه جاسر وأخبره أن لديهم اجتماع هام وعليهم الحضور اليوم والآن في ظرف ساعة على اقصى تقدير ، فتركها مرغما أمام جامعتها وأخذ سيارته يكمل طريقه للمكان المنشود ، يُفكر سعيدا في كل ما حدث الفترة الماضية ، بعد أن ترك رعد حياة جاسر ورحلت زوجته عن البيت ومعها يوسف والتؤام الصغار ، بات من أقرب أصدقاء جاسر يعتمد عليه ويستشيره في كل صغيرة وكبيرة ، أصبح من الطبيعي أن تراه في منزل جاسر في الصباح أو العشي بات جزء لا يتجزء من العائلة ، ومن حياة مريم استطاع أن يستدرج الصغيرة الحمقاء لشباكه ، وستكن هي المسمار الأول الذي سيدقه في نعش جاسر ، الحمقاء تثق به ثقة عمياء ، ما يزعجه فقط هي محاولات مراد المستمرة ليعودا معا ، وهو لن يسمح له بأخذها منه أبدا .. وصل أخيرا للغرفة التجارية حيث الإجتماع ، نزل من سيارته ليرى سيارة رعد تقف هي الأخرى ونزل رعد ، وقف ينظر إليه وكيف اختلف حتى في هيئته وثيابه ،رفع رعد النظارة عن وجهه يوجه لنصار نظرة ساخرة قبل أن يتحرك للداخل ، يسير بخيلاء وكأنه يملك الأرض وما عليها ، تحرك يصل لغرفة الاجتماعات وجد والده هناك لم يوجه له نظرة واحدة ، جذب مقعد وجلس يضع ساقا فوق أخرى يتصفح هاتفه ، أما جاسر فكان ينظر لولده الجالس أمامه يقاوم رغبته العنيفة في أن يذهب إليه ويصفعه عله يسترد عقله ، إلى أن بدأ الإجتماع في الآونة الأخيرة بدأ رعد يستحوذ بشكل ملحوظ على العديد من الصفقات الجيدة ، يقتنصها من أفواه الجميع ، ما سبب له في عام واحد الكثير من الأعداء ، انتبه جاسر على صوت أحد الرجال حين هب واقفا يضرب سطح الطاولة بكف يده يصرخ غاضبا :
- لاء بقى أنا العرض بتاعي أحسن منه ، الصفقة دي كمان مش هتروح لابن جاسر مهران
تحركت عيني جاسر يراقب رد فعل رعد دون توقع لأي شيء ، أما رعد فابتسم بخفة يسخر منه :
- والله لو ما بتعرفش تقدم عروض كويسة ، وابن جاسر مهران دا ليه اسم ، اسمه حتى معروف ومسمع أكتر من شركاتك كلها ، ياللي مش فاكر اسمك ايه كدة
امتقع وجه الرجل حرجا ليحرك رأسه صوب جاسر يصرخ فيه منفعلا :
- ما تلم ابنك يا جاسر ، بدل ما إنت سايبه طايح في الكل دا ومش عامل حساب لحد ولا حتى أنت!!!
ممتاز يا رعد تسببت في إهانته أمام الجميع ، شعر رعد بالغضب الشديد قبض كفه يعتصر أصابعه وقبل أن يصرخ في الواقف يُهينه تحدث جاسر بهدوء شديد :
- وأنت فاكر أن حتى لو ابني طايح في الكل زي ما بتقول ، هبدي مصلحتك على مصلحته ، طالما مش عارف تقدم عرض كويس ، يبقى تروح تبيع بطاطا أحسن
بعد رد أبيه الهادئ والساخر في الآن ذاته ،ترك الرجل الإجتماع وغادر غاضبا ، وانتهى الإجتماع بعد تقسيم المشروعات الجديدة ، تحرك الجمع يغادرون واحدًا تلو الأخر الهمهمات تصل لأذني جاسر مهران عن مدى سوء العلاقة بين رعد وأبيه ، بحث جاسر بعينيه عن رعد ليراه يقف جوار سيارته يتحدث في الهاتف مع شخص ما يبدو غاضبا ، يُمسك بين أصابع يده اليسرى سيجارة مشتعلة ... نظر للسيجارة في يده يشعر بالغضب الشديد منه ، أقترب منه حين بات أمامه مد يده ينزع السيجارة من بين أصابعه يلقيها أرضا يدهسها بحذائها ، ابتسم رعد ساخرا يغلق الخط في وجه المتصل يوجه لأبيه نظرة ساخرة للغاية قبل أن يتحدث بكل هدوء :
- في حاجة يا جاسر باشا ، خير؟
تحركت عينا جاسر على وجه رعد ينظر له غاضبا ، طحن أسنانه يهسهس غاضبا :
- ايه اللي أنت عامله دا ، ايه اللي بيوصلني عنك دا ، البيه بيسهر في الديسكوهات والكبريهات ، البيه بيشرب ويسكر ، ايه القرف اللي بقيت فيه دا
ابتسم رعد في هدوء يكتف ذراعيه أمامه يتهكم مما يقول أبيه:
- وبعدين يعني ، عاوز ايه ... أنا حر أعمل اللي أنا عاوزه ، مش هتتحاسب مكاني ... وبعدين يا سيدي أنا بعدت عنكوا ، مالكوا ومالي ، أنا الفرع الفاسد اللي في العيلة ، اقطعوه واتبروا منه ومن غير سلام يا جاسر باشا
ترك أبيه واقفا واستقل سيارته يغادر المكان بأكمله ، وقف جاسر ينظر لغبار سيارة رعد وهو يغادر يأكل الألم كيانه ، شعر بيد تُوضع على كتفه تشد عليه تشجعه نظر جواره ليرى نصار يقف جواره يبتسم له قبل إن يحادثه بهدوء :
-سيبه يا جاسر ، هيلف يلف ومصيره هيرجع للبيت تاني ، تعالا يلا نشوف شغلنا
ابتسم جاسر في هدوء يتنهد بحرقة قبل أن يومأ برأسه موافقا
________
وصل يوسف بسيارته أمام الجامعة ، دخل بصحبة ملاك نزلا من السيارة يتحرك منها يبحث عن مريم ليراها تجلس في إحدى المقاهي أمامها كوب من العصير وكتاب مفتوح ، نظر لملاك يحادثها:
-ملاك روحي يا حبيبتي هاتي ليكي عصير ، وأنا هشوف مريم هانم
علمت ملاك أنه يريد أن يحادث مريم بمفردهما فوافقت ورحلت ، أما هو فتحرك بخطى غاضبة صوب مريم جذب المقعد المجاور لها يسألها محتدا :
- أنتي كنتي فين ، وإزاي تنزلي من غير ما تقوليلي ، إحنا مش متفقين امبارح أن أنا هوصلك الكلية ، إزاي تنزلي وأنا نايم حالك مش عاجبني بقالك فترة
أغلقت مريم الكتاب في يدها بعنف تنظر صوب يوسف غاضبة حانقة قبل أن تردف منفعلة :
- بقولك ايه يا يوسف أنت ما تتكلمش معايا بالأسلوب دا بدل ما أقول لبابا ، أنا مش ملاك العبيطة اللي بتطلع غيرتك المريضة دي عليها وبعدين تضحك على عقلها بكلمتين ، أنا ماشية
قام تأخذ كتابها وترحل غاضبة ليشد كف يده ينظر لها حانقا ، رأى ملاك تتحرك سريعا نحوها تحاول أن تلحق بها ليزفر أنفاسه بعنف يحاول أن يهدأ ، حين جذب وليد المقعد المجاور له يجلس مكان مريم يحادثه ضاحكا :
- ايه يا دكترة فينك ، عاش من شافك يا عم ، الطب واخدك مننا خالص
ابتسم يتحدث مع مراد في مواضيع شتى أراد أن يسأله إن كان يلاحظ أي تصرفات غريبة من مريم ، بحكم أنهما سويا في نفس الجامعة ولكنه لم يفعل ، ظلا يتحدثان بضع الوقت إلى أن نظر يوسف لساعة هاتفه يعتذر من وليد :
-معلش يا وليد ، عندي محاضرة كمان عشر دقايق عن إذنك
وقام واقفا يتحرك صوب جامعته ، في الطريق رأى مراد يجلس جانبا في مقهى آخر أمامه كتاب ينظر له سارحًا شاردًا ، اقترب منه يجلس مجاورًا ، فابتسم مراد بتحدث دون أن ينظر إليه :
- هندسة دي العذاب المرير فعلا
ضحك يوسف يسخر منه :
-دا على أساس أنك كنت باصص في الكتاب أصلا ، كنت سرحان في ايه يا روميو
تنهد مراد بعنف يمسح وجهه بكف يده ، أدار رأسه إلى يوسف ابتسم متألما قبل أن يردف :
- عادي يا يوسف ، سرحت شوية بس ... أنا عارف إني غلطت يا يوسف بس مين ما بيغلطش إحنا مش ملايكة ، كنت فاكر أن مريم بتحبني ومتمسكة بيا عن كدا ، طول السنة وأنا بحاول أصالحها ، آخر مرة هزقتني وقالتلي أنا ما عنديش كرامة ، لا يا يوسف أنا عندي كرامة وكرامتي غالية أوي عندي ، مريم متغيرة حاسس أن في غلط
إذا ليس هو بمفرده من يشعر أن مريم بها خطب ما ، مريم تحاول أن تُخفي شيئا ، مريم وكأنها أخرى لا يعرفها ، تنهد بعنف يومأ برأسه يوافق مراد :
- عندك حق ، أنا بردوا حاسس أن في حاجة غريبة بس المشكلة إني مش عارف ايه هي ، بس هعرف ، هعرف قريب أوي
نظر لساعة يده يعتذر من مراد ليتحرك ذاهبا إلى جامعته ، أما مراد فكان يفكر في أمر نصار !! ، ذلك الرجل الغريب أما أنه يأخذ حذره لأبعد حد حتى لا تظهر علاقته بمريم فهو شبه يراقبه بإستمرار ، أم أنه لا علاقة بينه وبين مريم من الأساس وهو فقط يتوهم وكم يتمنى أن يكن فقط يتوهم! ، زفر أنفاسه يمسح وجهه بكف يده لن يترك مريم ببساطة تقع في براثن ذلك الوغد
_____________
وقفت أمام الاهرامات تلك المعجزة المبهرة العظيمة تنظر إليه تبتسم ، رفعت الكاميرا المعلقة على رقبتها لتلتقط صورًا ، ولكن عدستها التقطت وجهه وهو يقف أمامها يبتسم ، أنزلت الكاميرا تنظر إليه تبتسم هي الأخرى علاقتها بزين ، تطورت بشكل سريع لا تجد مسمى لها ولا تفهم لما انجذبت له هو تحديدا ، ولكنه بات دون مقدمات جزء من حياتها ، ابتدا الأمر بمحاولتها للتخفيف عنه وقع موت أخيه على نفسه وانتهى بأن جزءً لا ينفصل من حياتها الصاخبة ، يشجعها دوما لتخطو للأمام ، لا تعرف حتى ماهية شعورها نحوه والعكس ... اقترب منها يبتسم يتحدث مازحًا:
-ايه يا بنتي سرحانة في اي ، بتفكري هتلبسي ايه النهاردة في الفرح ؟
زفاف جاسر كانت قد نسيته من الأساس ، انزلت الكاميرا تحادثه :
-تصدق كنت نسيت اصلا فرح جاسر ، بس عندي فستان سوارية لسه جيباه قريب وهعمل ميكب سريع في البيت وهروح، بقالي كتير ما حضرتش أفراح ، أهو بالمرة اعملهم فوتوسيشن
ابتسم زين يحرك رأسه موافقا ، قبل أن تتلاشى ابتسامته شيئا فشيء تنهد يحادثها حزينا :
- أنا احتمال كبير ما اروحش
قطب مرام جبينها مستنكرة ما يقول ، والفكرة الوحيدة التي طرقت رأسها ولا تعرف لما ، أن زين كان يحب عروس جاسر سابقا ، لذلك هو لا يرغب رؤياها عروس لغيره ... ابتلعت لعابها تحادثه متضايقة:
- أنت حر ، بس هيبقى لذيذ يعني لو جيت
رفع رأسه لها يحرك رأسه شاردًا ، مليكة الفتاة التي عشقها عمار من كل قلبه ، ها هو على وشك أن يحضر زفافها على غيره ، أجفلا معا على صوت أحد الرجال وهو يقول بالقرب منهم:
- تركبوا جمل يا حضرات
نظرت للرجل تحرك رأسها للجانبين ترفض ، لا تعرف لما تشعر بالضيق لتلك الدرجة ولكن فكرة أن زين كان يحب فتاة ضايقتها للغاية
_____________
في مركز التجميل حيثُ توجد مليكة ومعها زينب صديقتها وشاهندا والدة مليكة وعدة أصدقاء لهم ، الجميع يضحك سعداء يلتقطون الصور بلا توقف ، دق هاتف زينب ... نظرت زينب لهاتفها لتعرف من المتصل ، توترت أخذت هاتفها تبتعد عنهم فتحت الخط تضع الهاتف على أذنها تجيب متوترة:
- ايوة يا شريف
سمعت صوته التي باتت تعشق وهو يسألها :
-روحتي لمليكة ؟
اومأت برأسها وكأنه يراها ، ابتلعت لعابها تردف :
-ايوة أنا عندها أهو
سمعت يقول بكل برود:
- طيب خلي بالك من نفسك ، هقفل دلوقتي عشان عندي شغل كتير ، سلام
ودعته تُغلق معه الخط ، تشعر بالألم ينخر قلبها من طريقته الجافة في الحديث معها ، نظرت لخاتم زواجهم في إصبعها الأيسر ، تشعر به يخنقها ، زواجهم كان كارثة بكافة المقاييس ، انتبهت حين سمعت مليكة تحادثها عابثة :
-دا شيفو مش كدة
حاولت أن تبتسم في وجه صديقتها كي لا تُفسد عليها فرحتها اليوم ، ابتسمت تحرك رأسها لأعلى وأسفل تردف:
- ايوة كان بيطمن أن أنا وصلت ،وبيباركلك
مليكة ليست بالحمقاء هي تعلم مدى تدهور العلاقة بين شريف وزينب ، زواجهم في الأساس كان سببه الفضيحة البشعة التي سببها الوغد ابن خالتها ... ابتسمت في وجه تمسح على خصلات شعرها برفق تحادثها
-زينب أنا عارفة أنك بتحبيه بتبصيله بنفس الطريقة اللي كنت ببص بيها لجاسر ، وأنتِ بس اللي تقدري تحببيه فيكِ ... ولو هو رافض خلاص يغور مع ستين سلامة ، أنتي ألف مين يتمناكِ يا زينب
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي زينب تحرك رأسها للجانبين تتهكم من نفسها :
- بعد الفضيحة اللي عملها فؤاد صدقيني ما قداميش اي خيارات متاحة اصلا غير شريف ، شريف اللي أنا واثقة أنه ما بيحبنيش بس هعمل ايه يعني
ومن ثم صمتت تزفر أنفاسها بعنف تبتسم في وجه صديقتها تُغير دفة الحديث :
- يلا نخلص الميكب قبل ما الليل يليل وتيجي حماتك الحرباية تقولك ايه دا ، انتوا لسه ما خلصتوش ، دا أنا ابني الدكتور جاسر خلص من بدري
ضحكت مليكة على محاولة زينب لتقليد نرمين والدة زوجها ، لا تعرف السبب ولكن نرمين لا تطيقها ومع ذلك لم ترفض زواجهم ، لم تعارضه ولكنها لا تطيق النظر في وجهها في الآن ذاته والسبب بالنسبة لها مجهول تماما
____________
في منزل ياسر راضي ، في غرفة ياسر ونرمين ، خرج ياسر من المرحاض يجفف وجهه ليرى نرمين تقف أمام المرآة ترتدي حجاب رأسها ، شرع يأخذ حلته يرتديها ؛ ليسمعها تتحدث حانقة :
- يكون في علمك يا ياسر أنا مش موافقة على الجوازات دي
تلك هي المرة المليون تقريبا التي تقول فيها نرمين أنها تعترض على زفاف جاسر ومليكة التفت ياسر لها وضع الحلة من يده يتحدث بهدوء :
- وإحنا اتكلمنا في الموضوع دا ألف مرة وقولتلك ابنك بيحبها ، وقولتلك البنت مالهاش ذنب في حاجة عملها جدها من قبل ما تت حد على وش الدنيا أصلا ، يلا كملي لبسك وأنا هروح البس
والتفت وتركها وغادر لتشد نرمين كف يدها تشعر بالغضب الشديد ،تلك المليكة لن تتركها قبل أن تبتعد عن ولدها نهائيا
أما في غرفة أريچ فكانت تلتف حول نفسها أمام المرآة تبتسم سعيدة تحادث سامر من خلال مكبر الصوت :
-يا سامر بقولك فستان زهري ، ألبس جرافتة تليق عليه لو سمحت
- يا بنتي ارحميني هلاقيها منك ولا من الناس اللي بتيجي الصيدلية عايزة اكياس چل وحجارة ريموت ، على العموم حاضر ، هلبس الحتة اللي على الحبل وهاجي اشرفك ، إحنا عندنا كام جاسر
- ما تتأخرش يا سامر الفرح هيبدأ 9
-حاضر هقعد قدام القاعة من دلوقتي
ضحكت تودعه تُغلق معه الخط ، في اللحظة التالية دخلت سما تًمسك كيان في كف يدها تحادث أريچ :
-أريچ سرحي لكيان شعرها ، على ما اشوف تميم فين ، جاسر قالي هياخده يحميه
توجهت إلى غرفة جاسر تدق الباب ، سمعت صوت جاسر يطلب منها الدخول ، دخلت تبتسم في وجه شقيقها لتبصر تميم الصغير يقف جوار خاله ارتدى حلة سوداء ، يمسك بمشط هو الآخر ينظر لانعكاس جاسر في المرآة يحاول أن يفعل مثلها ، ضحكت سما بخفة على ما يحدث قبل أن تقترب منهم تحمل تميم على ذراعها توجه حديثها لجاسر تبتسم:
- تيمو عايز يطلع زي خاله شكله كدة ، ألف مبروك يا حبيبي ربنا يتمملك بخير يارب
ابتسم في وجه شقيقتها يعانقها يقبل جبينها وجبين الصغير:
-عقبال ما نفرح بيكِ مع اللي يستاهلك بجد
ابتلعت لعابها متوترة ، وطارق هو أول صو ة تسارعت إلى ذهنها ، طارق الذي يلح عليها بالتقدم للزواج منها ولكن ها هي من تماطل ، تخاف في قرارة نفسها أن يكن نسخة أخرى من مصطفى ويخدعها كما فعل مصطفى قبلا
ابتسمت في وجه جاسر تُحرك رأسها بالإيجاب قبل أن تردف سريعا:
-ماشي يا سيدي ، اخلص بقى عشان بابا بيقول نص ساعة والمفروض تتحرك
___________
رحلة بطائرة خاصة ... استغرقت عدة ساعات ، رحلة كانت قد قطعت وعدًا أنها لن تخوضها من جديد ولكن ما حدث قلب موازيين كل شيء ، كان عليها العودة ، الآن وحالا ... نزلت من الطائرة تتحرك لخارج المطار ، أغمضت عيناها ما أن خرجت من بوابة المطار وهي تشعر بألف عين تحدق بها ، وكأن الجميع عرف من تكون ؟
التفتت إلى كمال حين سمعته يقول :
- تحبي اجي معاكِ ؟
حركت رأسها للجانبين تبتسم في وجهه تحاول أن تبدو أقوى مما هي عليه :
-ما تقلقش عليا ، هو زودها أوي وأنا اللي هوقفه عن اللي بيعمله
أرادت أن توقف سيارة أجرة ولكن كمال رفض وأصر على إيصالها إلى العنوان المنشود ، حيث يقطن رعد ، كانت خائفة دقات قلبها تتقافز ، لا تتوقع كيف سيكون رد فعله ... طال الطريق من المطار إلى الشقة التي يقطن بها رعد .. أخيرا وصلت ، قبل أن تنزل من السيارة مدت يدها تأخذ الصغير من بين يدي تنهدت تحادثه بنبرة تحاول جعلها هادئة :
- اتفضل حضرتك يا عمو ، وصدقني لو حصل أي حاجة هكلمك
نزلت من السيارة تتحرك صوب العمارة التي كانت تقطن فيها هي ورعد قبل هروبها منه ، صعدت للطابق الثاني ، مدت يدها تدق الباب قلبها هو من يدق بعنف شديد ، انتظرت وانتظرت إلى أن فتح رعد الباب ، بدا غاضبا حين فتح الباب ولكن دون مقدمات تجمد كما فعلت هي كل ذرة بهما ثابتة عادا عينيه التي تتحرك على صفحة وجهها بسرعة يُغمض عينيها ويفتحها وكأنه يظن أنه يحلم ، ارتجف جسده ينهار لا يصدق أنها تقف أمامه ، لا يصدق أنها هنا ، تحركت عينه سريعا على الصغير التي تحمله على ذراعها ولده ، طفله الصغير جسده كان ينتفض خاصة وهو يرى طفله الصغير ، لم يفهل شيء كل ما فعله أنه مد يديه إلى الصغير يأخذه منها يضمه لأحضانه يتنفس رائحته البريئة ، يكاد قلبه يُحطم جسده ضم الصغير لأحضانه تنهمر الدموع من عينيه وهو يقبل جبينه ويديه ووجهه ، لا يصدق طفله ولده الصغير أخيرا بين يديه بعد طول فراق ، سيجعلها تدفع ثمن إبعاد طفله عنه غاليا،وربما سيكون أحمق إن فعل
ألم يكن هو من هام الشوارع ليل نهار يبحث عنها ليعتذر منها ، والآن بعد أن جاءت له يريد أن يجعلها تدفع الثمن ، ولكنه لا يفهم لما اختفت فجاءة وحين عادت ، عادت فجاءة أيضا
كاد أن يقول شيئا ولكن صوت الفتاة التي كانت بصحبته جاء من الداخل تسخر منه :
- يا رعد يا رودي ، يا حبيبي أنت فين ، إنت قولتلي ما بتعملش علاقة حرام ، اومال جايبني ليه أنا مش فاهمة
شهقت بعنف تصع يديها على فمها توسعت حدقتاها تنظر له مصعوقة ، لا تصدق إلى قدر بشع وصل رعد ، دفعته جانبا تتوجه لداخل شقته بعنف ، شهقت بعنف تلف رأسها في أنحاء الشقة ، رعد المنظم بات شخص آخر فوضوي مهمل ، الكثير من زجاجات الخمر الفارغة والمليئة هنا وهناك ، رعد بات سكيرا
ومن غرفة المقابلة لها خرجت فتاة تتهادى بفستان أسود لا يستر منها شيئ
الصدمات على عقلها كانت أكثر من اللازم ، تحركت صوب الفتاة تمسك بذراعها تدفعها لخارج الشقة تصفع الباب في وجهها ، وتوجهت إلى رعد وقفت أمامه لا تصدق إلى أي مرحلة من السوء وصل إليها ، ماذا فعلت ؟ رفعت يدها تهبط بها على وجهه بعنف شديد بصفعة قوية ، تختطف الصغير من بين يديه تصرخ في وجهه مشمئزة :
- أنا غلطانة اني جيت ، أنا مش هخلي ابني يتربى مع أب خمورجي ومقرف زيك ، ايييه اللي أنت عملته دا أنت اتجننت ، أكيد اتجننت ، أنا ماشية
وتحركت صوب الباب تود الرحيل ليسبقها هو إلى الباب يغلقه بالمفتاح يحادثها منفعلا :
- أنتي فاكرة أن دخول الحمام زي الخروج منه ولا ايه ، دا إحنا لسه قدامنا حساب طويل أوي يا طرب على هروبك ، وأنك تخلفي وتخبي عليا وانك
قاطعته تبتسم ساخرة :
- واني هتجوز وجيالك هنا عشان تطلقني !!
وقعت الجملة على نفسه وقع الصاعقة لم يكد يستيقظ من مفاجأة ظهورها المفاجئ ، ورؤيته لطفله الصغير لأول مرة ، جاءت هي لتُكمل سيل المفاجآت تخبره أنها جاءت هنا ليطلقها لتتزوج غيره ، هل جُنت ؟
شعر بالغضب وهو في الآونة بات سريع الغضب يشتعل دون مقدمات ولا يهدأ بسهولة ، قبض على عضد يدها يصرخ فيها بعلو صوته :
-تتجوزي ، جاية بعد سنة هربتي فيها ، بعد سنة قلبت عليكي الدنيا فيها ، جاية تقوليلي طلقني هتجوز ، دا في المشمش ، مين دا وعرفتيه امتى وفين ؟!
نزعت ذراعها من يده تبتعد خطوة للخلف خافت على صغيرها من أن يفزع من صوتهم ، فتحركت تضعه على الأريكة تحاوطه بالوسائد قبل أن تعد إليه وقفت أمامه تُشهر سبابتها في وجهه طحنت أسنانها تحادثه منفعلة :
- أنت مالكش أي حق أنك تسأل ، بعد كل اللي عملته أنا خرجتك برة حياتي خالص ، عايز تعرف هو مين ، هو واحد مش هيعايرني في يوم إني كنت رقاصة غصب عني ، هو واحد هيصدقني ويحترمني ، مش هيتعامل معايا على إني واحدة رخيصة جايبها لمزاجه وبعد ما ياخد غرضه منها يسمعها كلام زي السم ، هو راجل يا رعد
توسعت حدقتاه غضب تتقد نارًا ، مد يديه يقبض على ذراعيها يهزها بعنف يصرخ فيها:
- وأنا مش راجل يا طرب
حركت رأسها للجانبين في اللحظة التالية تحادثه متشفية :
-لا يا رعد مش راجل
في اللحظة التالية صرخت من الألم حين هوى بكفه على وجهها بعنف ، كانت متيقنة من أنه سيفعل ذلك ، التف وجهها أثر صفعته تشعر بها كالنيران تحرقها رغم ذلك التفتت له تبتسم ساخرة تتهكم منه :
- كدة أنت راجل يعني ، لو فاكر أن الرجولة بفرد عضلاتك عليا ، تبقى أبعد ما تكون عن كدة ، أنا حبيت رعد ... حبيت رعد الطيب اللي كان ليا السند والأمان والحماية والضهر ، حبيت رعد اللي كنت بنام جنبه وأنا مش خايفة من أي حاجة في الدنيا ، حبيت رعد اللي ما سمحش لحد أبدا أنه يهين كرامتي حتى أبوه ، بس واضح إني حبيت قشرة وأن الحقيقة عكس كدة
اقتربت منه تدفعه بكفيها في صدره بعنف ليرتد للخلف في حين بدأت هي تصرخ فيه بعلو صوتها :
- بتضربني ، إنت عايش دلوقتي بسببي ، أنا اللي حميتك ، أنا اللي خدت السم بدالك ، أنا اللي منعتهم يأذوك ، أنا اللي رغم كل اللي عملته فيا ، ما حبتش احرمك من ابنك وسميته يونس زي ما كنت عاوز ، أنا أنضف منك ألف مرة
ومن ثم أشهرت سبابتها في وجهه تصرخ فيه تتوعده :
- إياك تفكر تمد إيدك عليا تاني ، فاهم
ومن ثم التفتت تود المغادرة ليسارع يمسك بكف يدها يمنعها من ذلك يحادثها غاضبا :
- أنتي رايحة فين ، أنتي فاكرة إني هسيبك تهربي تاني بابني
نزعت يدها من يده تنظر لها من جانب عينيها تبتسم في سخرية ، تحركت صوب الأريكة تحمل الصغير قبل أن تلتفت له تتحدث بلامبلاة :
-أنا رايحة عند ماما ، ياريت ورقة طلاقي توصلي على هناك ، إنت عارف العنوان ، ومن غير سلام
تحركت تود الرحيل ؛ ليسارع خلفها سريعا اعترض طريقها يقف أمامها يمنعها من الرحيل يتحدث غاضبا :
- سيبي إبني ، وروحي عند والدتك لو عايزة ، وترجعي تاني
ضحكت تسخر مما يقول ، نظرت لعينيه تتحداه قبل أن تتحدث تتهكم منه :
-عايزني اسيب ابني مع أب خمورجي بتاع كاس ، لا يا حبيبي أنا آسفة ابني هيريبه راجل محترم ويكون في علمك يونس متعلق بيه جداا وبيحبه جداا ، باي
تحركت تتجاوزه وهو يقف مكانه يكاد ينفث اللهيب من الغضب ، لا يعرف لما انفجر فيها غاضبا بذلك الشكل ، أراد رؤياها ليعتذر منها ولكن ها هو ينفجر فيها دون سابق إنذار ، والأسوأ يصفعها ، قبض كفه ينظر للمكان حوله ليبتلع لعابه مختنقا يتذكر جملتها( عايزني اسيب ابني مع أب خمورجي بتاع كاس )
بات نموذجًا سيئا لا يجب أن يحُتذى به بعد أن كان العكس ، ارتعش كف يده وتعرق جبينه وجملتها تطرق في رأسه بعنف
____________
أما هي فأخذت سيارة أجرة تخبره بعنوان منزل أبيها ، دقات قلبها على وشك أن تتوقف تمنع دموعها بمعجزة لأنها في سيارة الأجرة ، لا تصدق مدى تدني الحال التي وصل إليه رعد ، حين أخبرها جاسر والده في الهاتف أن رعد على شفا السقوط في فوهة من نار ، أنه ينهار لم تكن تظن أن الوضع بذلك السوء ، لم تتخيل في أسوأ كوابيسها أن تجد عاهرة في منزله ، ولكن النقطة الجيدة أنه لم يقم معها بعلاقة محرمة ، ربما لو تركته لنفسه يوما آخر لفعل ذلك ، من يدري؟!
لقائها بجاسر والد رعد من جديد كانت مصادفة ولكنها علمت الآن أنها كانت من تدابير القدر لتعد في الوقت المناسب ، وقف السيارة بعد رحلة قصيرة ووقفت هي أمام منزل أبيها من الخارج تنظر له مشتاقة تدمع عيناها من الشوق والحنين ، تحركت للداخل تمر عبر الحديقة إلى أن وصلت لباب المنزل رفعت يدها تدق الباب تحادث صغيرها سعيدة :
- دلوقتي هنشوف تيتة وخالتوا ملاك
لحظات وسمعت صوت ملاك وهي تصيح من الداخل:
-حاضر جاية
ابتسمت سعيدة قلبها يدق بعنف ، كم تود رؤياها وهي تقف على قدميها أخيرا وبالفعل فُتح الباب وظهرت ملاك ، ارتسمت الصدمة على ملامح وجهها ظلت تنظر إلى طرب مذهولة تنقل عيناها بينها وبين الطفل الصغير الذي تحمل قبل أن تصرخ فجاءة من الفرح :
- طرب ، طرب انتي رجعتي ، طرب أخيرا
واندفعت تعانقها تنهمر الدموع من عيناها بحرقة تهمس ملتاعة:
-وحشتيني يا طرب ، أنا كنت خلاص فقدت الأمل أنك ترجعي تاني ، وحشتيني اوي أوي
ابعدت طرب ملاك عنها تمسح بكفها على وجنتها برفق لمعت الدموع في عينيها تحادثها وهي تبتسم :
- وأنتي كمان يا حبيبتي وحشتيني أوي ، مش عاوزة تسلمي على يونس .. يونس دي خالتو ملاك
توسعت عينا ملاك للحظات قبل أن تصرخ من الفرح تسرع تأخذ الصغير من بين يدي طرب تحتضنه بقوة تتحدث سعيدة :
- دا ابنك ، دا جميل اوي يا طرب ، تعالي ادخلي واقفة عندك ليه ، أنا هطلع أنادي ماما
دخلت طرب إلى منزل أبيها تنظر لكل ركن فيه تتذكر مشاهد من حياتها القديمة وكم كانت سعيدة ، توقفت عيناها عند الصورة الكبيرة في منتصف الصالون لوالدها ووالدتها وهي وملاك ، تتذكر تلك الصورة جيدا ، أجفلت على صوت والدتها تحادث ملاك وهي تنزل درجات السلم :
- في اي يا ملاك عمالة تصرخي ليه كدة
التفتت طرب برأسها تنظر إلى والدتها التي توقفت مكانها ما أن رأتها تنظر إليها بلهفة شديدة تدمع عيناها ألما ، ابتسمت طرب تحرك رأسها وكأنها تأكد لوالدتها أنها هنا حقا ، تحركت ناحيتها لتسارع كاملا تنزل الدرجات الفاصلة تهرع إلى ابنتها تأخذها بين أحضانها تبكي ويتعالى نشيجها تعاتبها :
- ليه بعدتي يا طرب ، ليه حرقتي قلبي عليكي لما اختفيتي ، أنا كنت هموت من الخوف ليكون جرالك حاجة ، حرام عليكي دا أنا ما صدقت رجعتوا لحضني تاني
ظلت طرب بين أحضان والدتها طويلا لم تنطق بحرف، لم تُبرر لم تقل شيئا فقط ظلت تعانقها تغمض عينيها ... إلى أن قاطع كل ذلك صوت يونس وهو يبكي يُعرف عن نفسه ، ابتعدت طرب عن أحضان والدتها تأخذ الصغير من ملاك تحركت إلى والدتها تعطيها الصغير تعرفها به :
- يونس ، ابني يا ماما
شهقت كاملا بقوة تضع يدها الأخرى على فمها تتمسك بالصغير بين أحضانها جيدا تدمع عيناها فرحا ، تضمه إلى أحضانها ... تحادثها مدهوشة :
-ايوة صح ، دا جاسر كان قالنا أنك حامل ، طب حصل ايه وولدتي فين إزاي
ضحكت طرب بخفة تبعثر خصلات شعر يونس الخفيفة بأطراف أصابعها تردف :
- الأستاذ يونس معاه الجنسية البريطانية ، هحكيلك كل حاجة بعدين يا ماما ، بس مبدئيا أنا اللي ساعدني الفترة اللي فاتت عمو كمال صاحب بابا فكراه
حركت كاملا رأسها بالإيجاب سريعا تنظر للصغير تبتسم سعيدة ، قبل أن تفوح رائحة غير سارة تماما من حفاض يونس ؛ لتضحك طرب تردف :
-الأستاذ يونس عاوز يغير الحفاضة ، الشنط كلها عند عمو كمال ، هنعمل ايه دلوقتي
قاطعتها كاملا تردف سريعا :
-مالكيش دعوة بأستاذ يونس أنا هتصرف ، هتصل بالصيدلية القريبة مننا تجبله بامبرز ، وفي هدوم هنا ليكي أنتي وملاك وانتوا صغيرين ، وهنروح نعمل شوبينج ونجبله أحلى هدوم في الدنيا ، اقعدي أنتي ارتاحي ، وأستاذ يونس بقى في عهدتي خلاص
ابتسمت طرب لوالدتها تومأ برأسها لوالدتها ؛ لتتحرك كاملا لأعلى ، في حين تهاوت طرب إلى الأريكة وملاك جوارها تغمض عيناها متعبة تفكر في القادم ، مرت عدة دقائق إلى أن دُق الباب وجاء عامل التوصيل ، أخذت ملاك منه الحفاضات وصعدت تعطيها لوالدتها ، نزلت لطرب بعد دقائق تحادثها ضاحكة :
-ماما هتطير من الفرحة بيونس
ابتسمت طرب شاردة تومأ برأسها ، ارتمت ملاك جوارها على الأريكة ترفع يديها تعقد شعرها في دائرة خلف رأسها ، نظرت طرب إليها وهي تفعل ذلك تبتسم جذب انظارها تلك الاصابع الحمراء المطبوعة على ذراع شقيقتها لتعقد جبينها مستنكرة أن تكن ملاك تتعرض للعنف ؟! أمسك بذراعها تزيح كم قميصها للخلف تسألها مستنكرة :
_ صوابع مين دي يا ملاك اللي معلمة على دراعك ، مين دا يا ملاك ، يوسف ؟
التوتر الذي ظهر على وجه ملاك وهي تحرك رأسها للجانبين سريعا أكد لها أن حدسها صحيح ، ولكن لما يفعل يوسف ذلك ، هل جُن مثل شقيقه ، عقدت جبينها غاضبة تحادثها منفعلة :
_ أنتي بتكدبي يا ملاك ، إزاي تسيبيه يعمل كدة انتي اتجننتي ، هو بيضربك؟!
حركت ملاك رأسها للجانبين سريعا تهمس متوترة:
_وطي صوتك يا طرب عشان ماما ، لاء طبعا ما بيضربنيش ، هو بس اتعصب عشان أنا كنت بتكلم مع جارنا وهو بيغير عليا أوي ، واعتذرلي كتير أوي وكان أصلا عاوز يسيبني عشان خايف يإذيني
قبضت كف يدها غاضبة ، خبيث ذلك اليوسف بشكل يصعب تصديقه وشقيقتها حمقاء بشكل مبالغ فيه لم تستطع أن تظل صامتة فصرخت فيها :
_ انتي عبيطة أنتي بتبرريله ، وانتوا لسه على البر اومال لما تتجوزا هيعمل فيكي ايه ، هيصبحك بعلقة ويمسيكي بعلقة دا مش طبيعي تتصلي بيه دلوقتي تخليه يجي هنا ياخد شبكته ونفضها سيرة ، ولو ما عملتيش كدة يا ملاك لا انتي ولا أعرفك
حركت ملاك رأسها للجانبين سريعا تجمعت الدموع في عينيها تهمس تتوسلها :
- لا يا طرب عشان خاطري أنا بحبه ، بحبه أوي
شعرت بالغيظ الشديد من سلبية شقيقتها في حق نفسها كم لها أن تقبل أن يفعل بها يوسف ذلك ومن يعلم كم مرة عنفها فيها وهي تقبلت وسكتت ، لم تكن تتخيل أبدا أن يوسف بذلك السوء ، اقتربت من شقيقتها تحتضن وجهها بين كفيها تحادثها مترفقة تحاول إقناعها :
- يا حبيبتي ما ينفعش يعاملك كدة ، يا ملاك أنا طول عمري محافظة عليكي مش عايزة أي حد يضربك ، كنت بضرب من تهاني وعدي عشان احميكي منهم ما حدش فيهم يضربك ولا يكلمك ، جاية أنتي دلوقتي تبرري ليوسف ضربه ليكي إزاي تقبلي على نفسك كدة يا حبيبتي ، اللي بيحب ما بيأذيش يا ملاك أومال أنا سيبت رعد ليه ، عشان آذاني
ولكن يبدو أن يوسف كان يسيطر جيدا على عقل شقيقتها ، حركت ملاك رأسها بالإيجاب سريعا تردف متلهفة :
- صدقيني دي أول مرة يتعصب كدة ، والله ندم جداا ووعدني مش هتتكرر ، ولو عمل كدة هقولك صدقيني هقولك أوعدك عشان خاطري يا طرب أنا بحبه
تنهدت يائسة لم تُرد أن تُحزن شقيقتها في أول لقاء لهما بعد غياب طويل بينهما ، ولكنها لديها الكثير ستقوله لذلك الوغد يوسف في غياب ملاك ، ابتسمت لها تحرك رأسها لأعلى وأسفل لتصرخ ملاك سعيدة تعانقها ، أمسكت بكف يدها تجذبها معها تتحدث سريعا :
- طب تعالي معايا بسرعة قوليلي ألبس انهي فستان عشان خلاص يوسف ساعة وجاي ، أنا بس هلبس الفستان ومش هحط ميكب ، يوسف رافض إني احط ميكب
___________
في فيلا جاسر مهران ... في غرفة مريم تحديدا في الحمام الملحق بالغرفة وقفت مريم هناك تُمسك بهاتف صغير تهمس تحادث نصار غاضبة :
- يعني ايه مش جاي يا نصار ، أنت وعدتني أنك جاي ، الفستان دا أنا اصلا جيباه عشان..
وسكتت تشعر بالحرج مما كانت ستقول لتسمع ضحكاته العميقة قبل أن يتحدث عابثا :
-جيباه عشاني قولي ما تتكسفيش ، رغم اني بعشق خجلك دا ، يا حبيبة قلبي عندي صفقة مهمة ما ينفعش ما احضرهاش وبعدين ما أنا هشوف الفستان في الصور ، أنتي اصلا لو لابسة ورقة جرايد هيبقى عليكي فستان عالمي
يا مريومة
أحمرت وجنتاها خجلا تقبض على الهاتف في يدها ، توجهت تجلس على حافة المغطس ابتلعت لعابها تسأله متوترة :
- نصار ، تفتكر لو روحت طلبت أيدي من بابا هيوافق ، أنت عارف يعني عشان فرق السن اللي بينا
سمعت صوته يتحدث بهدوء وثقة :
-أنا وجاسر أصحاب يا مريم ، وأنا واثق أنه هيوافق ، مش هيعترض خالص على موضوع فرق السن دا ، ولو اعترض يا ستي أنا هقنعه بقولك صاحبي وفاهم دماغه ، أنا بس مش عاوز أكلمه دلوقتي عشان هو يا عيني بيلف حوالين نفسه بسبب اللي بيهببه رعد أخوكي
مش عايزك تقلقي خالص يا حبيبتي
تنهدت بعمق تومأ برأسها ، لا تزال تشعر بالقلق ولكنه أقل مما كان عليه ، ابتسمت حين سمعت يقول يتغزل بها :
- وبعدين بقا ، أنا مستعد أفضل اتكلم مع القمر دا طول عمري ، يلا يا حبيبتي روحي كملي لبسك واتصوري في الفرح كتير أوي عايز أشوف كل الصور
ابتسمت خجلة تحرك رأسها بالإيجاب ، أغلقت معه الخط وخبأت الهاتف في المرحاض ، وخرجت بهدوء تُكمل إرتداء فستانها تنظر لإنعكاس صورتها خاصة لعدسات عينيها الطبية ، نصار كان محقا حين أن تنزع النظارة وتضع بدلا منها عدسات طبية ، نصار دوما مخق ذلك الرجل تعشقه !! ، أجفلت على صوت دقات على باب غرفتها ودخل والدها ، ابتسم ما أن رآها يردف:
- ايه الجمال دا زي القمر يا حبيبتي ، يلا خلصي عشان لسه هنعدي على ماما نجيبها هي وياسين وسليم ، هروح اشوف البت چوري لبست ولا لسه
وترك مريم تحرك إلى غرفة چوري يدق الباب ،سمع صوتها تأذن له ففتح الباب ودخل ، رآها تجلس على الفراش تعبث في هاتفها ابتسمت له في حين عقد هو جبينه يسألها :
- أنتي مش هتلبسي ولا ايه ، فرح جاسر ابن عمتك كمان نص ساعة إحنا متأخرين أصلا
اقترب يجلس على حافة فراشها في حين حركت هي رأسها للجانبين تعتذر منه :
- لا يا بابا معلش أنا تعبانة خالص ، الشغل في المشروع الفترة دي كتير أوي عشان نلحق نخلصه تعبنا بقى ، معلش مش هقدر آجي
ابتسم لها يحرك رأسه موافقا ، جاء يقوم فأمسكت بذراعه تردف سريعا:
- بابا صحيح قبل ما تخرج في حاجة عايزة اقولك عليها
نظر إليها يبتسم يُحثها أن تكمل ، فظهر الارتباك جليا على وجهها تتمتم متوترة :
- بصراحة يا بابا ، أنا متقدملي عريس ، باشمهندس عمر من شركة السراج ، الشركة الشريكة معانا في المشروع ، هو شاب طيب ومحترم و.....
قاطعها يسألها :
- وأنتي موافقة عليه ؟
ابتسمت مرتبكة تُخفض رأسها لأسفل تومأ برأسها بالإيجاب ليصفر وجه جاسر ، حاول أن يبتسم في وجهها يحرك رأسه موافقا قبل أن يربت على وجنتها برفق ويخرج من الغرفة ، يجذب الباب ، ألتقط هاتفه في اللحظة التالية من جيب سترته يطلب رقم حسين ، ما أن أجاب الأخير أردف جاسر ساخرا :
- أهلا بخيبتها ، عارف فيلم عريس مراتي يلا ، ابقى روح اتفرج عليه
سمع حسين يسأله مستنكرا :
- في اي يا عمي حصل ايه
ضحك جاسر يسخر منه من جديد :
- لا يا حبيبي ما حصلش حاجة ، خليك عايش في ماية السلطة ، مراتك متقدملها عريس وهي موافقة عليه ، هبقى اجيبك تشهد على كتب الكتاب
انفجر حسين يتحدث غاضبا :
- دا مين دا إن شاء الله ، ويعرفها منين
تحرك جاسر لأسفل صوب سيارته يردف ساخرا:
- مش بقولك عايش في ماية السلطة ، الواد اللي اسمه عمر اللي معاكوا في المشروع ، كاتك خيبة إن كنت إنت ولا المتخلف أخوك مراد ، غور ياض شوف هتتصرف إزاي
وأغلق الخط في وجهه يتنهد متعبا ، يحتاج رؤى جواره يشعر بأنه يلتف في حلقة يحتاج يدها لتشد على كتفه ولكنها حرمته منها
___________
أمام قاعة زفاف كبيرة فخمة مضاءة بالكثير من الأضواء وقفت سيارة الزفاف التي بها جاسر ومليكة وسامر يقودها وجواره أريچ ، نزل جاسر اولا يعقد زر حلته ، يلتف حول السيارة فتح الباب المجاور لمليكة يُمسك بكف يدها يجذبها بخفة من السيارة يبتسم في وجهها سعيدا في حين يطغي هي على وجهها حمرة الخجل ، لا تزال مشهده حين رآها تخرج من صالون التجميل ترتدي فستانها الأبيض، توسعت عيناه حتى ملئت وجهه ينظر لها يبتسم دون كلام ، اقترب منها وقتها يعانقها بقوة يهمس لها بكلمة واحدة:
-بحبك
لا تزال تتذكر صوته وهو يقولها ، تشعر بسعادة لا مثيل لها تكاد تأخذها وتطير من فوق الأرض ، أجفلت على صوت الدفوف من جوارها ، دق قلبها بعنف حين نظرت لوجه جاسر خلسة ورأته يبتسم سعيدًا ، نظرت جوارها لترى والدتها تقف بالقرب منها تنظر اليها تبتسم تدمع عيناها وعلى الناحية الآخرى تقف نرمين والدة جاسر تنظر لها هي ووالدتها كارهة ، هي حقا لا تفهم لما تكره نرمين والدتها دون أن تفعل لها شيئا ، فُتح باب القاعة على مصراعيه وبدأت أصوات الموسيقى تعلو وبدأت تخطو لداخل قاعة الزفاف بصحبة جاسر تنظر للجمع من حولها متوترة ، كلما زاد توترها تقبض أظافرها على حلة جاسر إلى أن رفع يده الأخرى يربت على كفها برفق يطمأنها :
- أنتي متوترة ليه كدة ، دا فرحنا يا حبيبتي ، اهدي وافرحي ، الناس دي مش هتاكلك ، هما هياكلوا البوفية
ضحكت بخفة على مزحتة تتنفس بعمق تحاول أن تهدأ كما قال ، اقتربا من « الكوشة» ولكن قبل أن يجلسا طلب منهم منظم الحفل أن يبدآ الزفاف برقصة لهما معا
تحرك جاسر يجذبها معه وقف أمامها يمسك بكف يدها ، يضع يده برفق على خاصرتها ، لترفع يدها الأخرى تضعها على كتفه ، تُخفض عينيها متوترة ؛ ليميل برأسه صوبها يهمس عابثا :
- يا شيخة يخربيت الكسوف ، يا بنتي بقالنا سنة مخطوبين ، الطم دا إحنا لو كنت اتجوزنا من وقتها كان زمان معانا ميرفت وعلاء
رفعت عينيها إليه تضحك بخفة على ما قال لتتسع ابتسامته حين ضحكت ، يتحرك معها على أنغام الموسيقى يمازحها من جديد :
- الواد الرخم اللي اسمه الودينج بلانر دا ، كان هيخسر ايه لو كنا قعدنا الأول ، هو دا بقى الكلام اللي العريس بيقوله للعروسة وهما بيرقصوا وهي بتضحك مكسوفة ، بيشتم في الودينج بلانر ، وأنا اللي كنت فاكر أنه بيقول قلة أدب
ضحكت مليكة من جديد على ما يقول تحرك رأسها يائسة منه ، شيئا فشئ بدأ توترها يزول وتضحك وتتفاعل معه ، تنظر إليه تلمع عيناها فرحًا
رآها وهي سعيدة تضحك تتمايل بين أحضان آخر بفستان زفاف آخر تبدو سعيدة تكاد تطير تلامس السحاب من شدة سعادتها ، لمعت الدموع في عينيه يحترق قلبه ، يتذكر حين كان يراها قديما ، ولكن هي تلك النهاية الطبيعية لحكايتهم الأميرة لا تتزوج المسخ ، الأميرة تتزوج أمير ، حتى لو كان المسخ لم يعشق غيرها
انتفض حين شعر بيد تُوضع على كتفه نظر خلفه سريعا متوترا ؛ ليرى زين يقف خلفه .. ابتسم عمار له يعانقه ليشدد زين على عناقه يهمس له :
- تعرف أن أنا جيت عشان أشوفك ، عشان كنت واثق أنك هتيجي
ابتعد عمار عن زين يبتسم حزين يحرك رأسه يردف سريعا:
- أنا مش جاي أعمل جاحة والله يا زين ، أنا جاي اشوفها وهي مبسوطة وهي عروسة وبترقص في حضن جاسر ، جاي اشوف عينيها وهي بتلمع ، مليكة لما بتبقى مبسوطة أوي عينيها بتلمع زي النجوم ، صدقني هما لاقيين على بعض أوي ما ينفعش تتجوز واحد زيي ، أنا عارف أنه غباء إني جيت هنا دلوقتي بس أنا كنت محتاج اشوفها للمرة الأخيرة ، أنا هرجع أسوان تاني دلوقتي
والتفتت ليغادر ليجذبه زين يعانقه من جديد ليتمسك عمار به يغمض عينيه تنهمر الدموع من عينيه يتمتم بحرقة :
- أنا استاهل يا زين ، استاهل يتحرق قلبي ، أنا اذيت ناس كتير أوي ، سيبني امشي أرجوك قبل ما حد ياخد باله إني هنا ، المفروض إني ميت خصوصا نصار
ابتعد عمار عن زين يودعه يُنزل القبعة على وجهه يُخفي وجهه بكمامة طبية ، وتحرك سريعا يخرج من الباب الخلفي للقاعة ، رفع زين يده يمسح الدموع عن عينيه؛ لتراه مرام وهو يبكي يمسح دموعه فأستحال شكها يقينا أنه كان يحب العروس ، فشعرت بالضيق الشديد تقبض على فستانها حانقة ، وهي من ارتدت أفضل فستان لديها ليراها فقط جميلة يالها من حمقاء ، ابتعدت تبحث عن طاولة والديها لتجلس عليها
أما على صعيد آخر دخلت عائلة جاسر الحفل عادا يوسف الذي لم يأتي بعد ، رفع عاصم يده إلى جاسر ليتحركوا جميعا صوب طاولتهم عدا مريم التي لم تذهب حين رأت مراد يجلس هناك ، توجهت إلى أريچ تصافحها تلتقط معها الصور ، إلى أن جاء سامر يعتذر منها :
- معلش يا آنسة مريم ، ممكن أخد المجنونة خطيبتي خمس دقايق
ابتسمت مريم بخفة تومأ له ، فتحركت أريچ بصحبة جاسر ، رأتهم مريم يتوجهون إلى طاولة يجلس عليها والد أريج ومعه رجل آخر يشبه سامر على الأغلب هو والد سامر ، انتبهت على صوت مألوف يأتي من خلفها :
- إزيك يا مريم
التفتت خلفها لترى مراد يقف خلفها ، حاولت أن تبدو لامبلاية وتحادثه ببرود:
-بخير كويسة ، في حاجة؟
ابتسم مراد في هدوء يحرك رأسه للجانبين يدس يديه في جيبي سرواله الجينز يردف :
- لا أبدا جاي أسلم عليكي ، أنتي ناسية أن إحنا قرايب ولا ايه ، بس تعرفي شكلك بالنضارة أحلى العدسات دي مش لاقية عليكي
لم تهتم لما يقول ، أعطته ابتسامة صفراء تردف :
- أنا شايفة أن شكلي بالعدسات أحلى
في اللحظة التالية قال ما جعل الدماء تتجمد داخل خلاياها ذعرا :
- أنتي بردوا اللي شايفة ولا عمو نصار !!!
أصفر وجهها وتوسعت عيناها ، ابتلعت لعابها تشعر بكل ذرة فيها تنتفض أما هو فأكمل بهدوء :
- هو فين صحيح مش شايفه ، مع أنه دايما ييبقى موجود في اي مكان أنتي فيه ، عارفة يا مريم الراجل دا يبقى چان بجد وكاريزما بس لو تبصي في عينيه هتخافي أنا نفسي بخاف والله في كمية خبث وشر في عينيه مش طبيعية
حاولت أن تبدو أكثر هدوءً ولكن ذلك لم يُفلح رغما عنها ارتعش صوتها تهمس تسأله :
- أنت عاوز ايه يا مراد بالظبط ؟
ابتسم يرفع كتفيه لأعلى يتحدث ببساطة:
- أبدا أنا جاي أسلم عليكي ، ما رضتيش تقعدي على الترابيزة لما شوفتيني قاعد ، على العموم أنا هروح أرقص مع الشباب وأسلم على جاسر ، تقدري تروحي تقعدي
وتركها وغادر تاركا كل ذرة فيها تنتقض ، وتأكد هو من حدسه إن نصار ينصب شباكه حول مريم
أما زين فتحرك هنا وهناك يبحث عن مرام ، إلى أن رآها تُمسك بالكاميرا الخاصة بها تلتقط الصور للعروسين ، اقترب منها يبتسم يحادثها :
- أنتي فين يا مرام ، بدور عليكي بقالي شوية
لفت مرام رأسها نحوه تعطيه نظرة باردة وابتسامة فاترة تتحدث بهدوء :
- هكون فين يعني بصور العريس والعروسة ، عن إذنك عشان اخلص
قطب جبينه متعجبا من طريقتها ، قبل أن يسألها ما بها أشار له عاصم أن يأتي إليه ففعل .
أما هناك جوار مليكة تقف زينب تبتسم تضحك ، تلتقط مع مليكة الصور وعينيها تتحرك خلسة صوب باب القاعة تتمنى أن تراه بين لحظة وأخرى ، إلى أن فعلت أخيرا رأته يدخل بصحبة جواد ، جواد شقيقه مخطوبته السابقة التي بالمناسبة هي المصورة التي تقف أمامها الآن ، ابتسمت متوترة حين تلاقت عيناها بعينيه لتراه يعطيها إبتسامة فاترة شقت قلبها نصفين لتحرك رأسها صوب مليكة تمنع نفسها من البكاء بصعوبة بالغة
وختام الدخول كان ليوسف الذي يُمسك بيد ملاك التي تحاول أن تبتسم ولكن إن دققت النظر إلى قسمات وجهها سترى بقايا دموع عالقة في عينيها ، وابتسامتها ترتجف تحاول ألا تبكي ، تلك المرة لم يبدي يوسف ندمه على ما فعل بل اقترب برأسه منها يهمس محتدا :
- تستاهلي عشان اللي اقوله يتنفذ ، دلوقتي تقعدي على الترابيزة ما تتحركيش وما تتكلميش عن اللي حصل تمام
طرب كانت محقة تلك الجملة الوحيدة التي تتردد في عقلها ، لا تصدق حتى أن يوسف فعل بها ذلك ، اومأت برأسها تشعر بالذعر منه ؛ ليمسك بكف يدها يجذبها إلى الطاولة ابتسم في هدوء وكأن شيئا لم يكن يرحب بالجميع
أما هي فكانت ترتجف تتمنى فقط أن تهرب من هنا ، تختبئ بين أحضان طرب تبكي
كان من المفترض أن يكن يوسف وملاك آخر الحضور ولكن بعد ساعة وأقل ، توقفت السيارة ورفضت النزول حتى يلتف يفتح لها الباب نزلت من السيارة تتألق في ثواب أسود يخطف الأنظار ، دخلت من باب القاعة لتتوجه أنظار الجميع ، طرب تجاور رعد
الصدمة ، الذهول كانت من نصيب كل من كان داخل القاعة ، أليست تلك طرب زوجة رعد الهاربة ، تعلقت أعين الجميع بها وهي تتهادى كأميرة هامتها مرفوعة لأعلى ، تمسك بيد رعد ، أما هو فكان يمسك بيدها بكفه الأيسر ويحمل طفل صغير على ذراعه الأيمن ، شهقت رؤى وقفت تنظر لهم مذهولة أما طرب فابتسمت في هدوء ، اقتربت رؤى منهم لتتحرك طرب إليها تعانقها تحادثها سعيدة :
-وحشتيني أوي يا طنط ، أخبار حضرتك ايه؟
ولكن يبدو أن وقع المفاجأة على رؤى كان كبيرا ، لم تنظر لها ولا لرعد أنما اقبلت على الصغير تأخذه من بين ذراعي رعد ما أن نظرت لوجهه ملئت الدموع عينيها ، تضمه لأحضانها نظرت لطرب في تلك اللحظة تعاتبها على ما فعلت بعنينها فقط لم تنطق بكلمة ، وإنما أخذت الصغير وعادت لطاولتهم نظرت لجاسر تدمع عيناها تهمس بحرقة :
-ابن رعد يا جاسر ، ابن رعد
حرك رأسه ينظر لها يبتسم مد يده يمسح على رأس الصغير برفق يردف :
-يونس يا رؤى اسمه يونس يا حبيبتي
ضمته لأحضانها برفق تنزل دموعها ، ما حدث جعل جميع من في الزفاف ينظرون إليهم لمدة دقائق قبل أن يعود المشهد كما كان عليه قبل قليل ، أما رعد فأمسك بيد طرب وتوجه إلى الطاولة إلى حيث يجلس الجميع ... ابتسمت طرب في هدوء تنظر لجاسر الذي ابتسم بدوره يحرك رأسه يرحب بها :
-نورتي يا أم يونس حمد لله على السلامة
هدوء جاسر وترحيبه بها بحفاوة أثار استنكار رؤى التي نظرت لطرب تعاتبها على ما فعلت :
-هربتي ليه يا طرب ، كان في ألف حل غير الهروب ، غير أنك تحرقي قلوبنا كلنا ، رعد كان بيدور عليكي في الشوارع ليل نهار ، لحد ما حاله اتقلب وخاصم الكل وبعد عن البيت وعن أهله
لم تتغير ابتسامة طرب بل زادت هدوءً نظرت صوب رعد ومن ثم نظرت إلى رؤى تحادثها مبتسمة :
- تقدري حضرتك تسألي رعد يا طنط وهو هيقولك هو عمل ايه خلاني هربت ، بس حقيقي شكلك حلو أوي بالنقاب دا لونه جميل عليكي
لم تعرف رؤى أتبتسم أم تغضب أم تنظر لرعد تسأله عما فعل ، ولكن ما حدث مجئ نرمين إلى طاولتهم تنظر لطرب بإحتقار واشمئزاز قبل أن لها من أعلى لأسفل تتهكم منها :
-هي الهانم اللي كانت هربانة رجعت وكمان داخلة بكل غرور ولا كأنك عاملة كارثة يا بجاحتك
لم تتغير ابتسامة طرب بالعكس توسعت أكثر تنظر لنرمين بهدوء قبل أن تردف تهنئها :
- مبروك يا طنط ، ألف مبروك عقبال البكاري
باركيلي للعروسين
احتقنت عيني نرمين غيظا تنظر إليها محتدة أراد الصراخ في وجهها أرادت جذبها من خصلات شعرها وطردها خارجا ولكنه زفاف ولدها لن تفتعل فيه فضيحة يكفي أنها لا تطيق العروس ، تركتهم وغادرت غاضبة لتبتسم طرب في هدوء تأخذ كأس العصير من أمام رعد ترتشف ما فيه ، مالت نحوه تهمس له تسخر منه :
-ايه دا ، دي ما طلعتش خمرة أنا قولت بقيت خمورجي لدرجة أنك بتشرب خمرة في كل مكان ، بس طلع عصير تفاح يا خسارة
عض رعد دفة شفتيه السفلى غاضبا ينظر لها بغيظ شديد أما هي فقررت فجاءة أنه ليس غاضبا كفاية ، قامت من مكانها تنزع حذائها الكعب ذو الكعب الرفيع تتحرك حافية القدمين ، شعر أنها ستفتعل كارثة ؛ ليهب واقفا يلحق بها أمسك بمرفقها فنظرت له ببراءة أما هو فهمس محتدا :
- أنتِ رايحة فين دلوقتي ؟
ابتسمت ساخرة تجذب مرفقها من كف يده وقفت أمامه تكتف ذراعيها ، قبل أم ترفعهم لأعلى قليلا تتحدث ببساطة :
-رايحة أحيي الليلة يا حبيبي أنت مش متجوز رقاصة بردوا ، ينفع تبقى متجوز راقصة مصر الأولى والفرح يبقى ساكت كدا
شخصت عيناه ذهولا وهو يتصور منظرها وهي تتمايل أمام الجميع ، شعر بالدماء تتدافع بغزارة إلى رأسه تضرب عقله وأعصابه وكل خلية حية به ؛ ليقترب منها يطحن أسنانه يهسهس غاضبا :
- طب ابقي أعمليها كدة يا طرب وأنا أكسر كل عضمة فيكي
ابتسمت تتحداه أن يفعل اقتربت منه خطوة تهمس ساخرة:
- طب ابقى أعملها كدة يا رعد وأنت تشوف أنا أقدر أعمل ايه ، وكدة طبعا يُعتبر الإتفاق اللي ما بينا لاغي ومش هتشوف خلقتي أنا ويونس لباقي عمرك لو شقيت الأرض
كور كف يده يضعط عليه بعنف تتأجج النيران في مقلتيه غضبا ، أغمض عينيه يلتقط أنفاسا سريعة قوية متتابعة قبل أن يزفرها دفعة واحدة يحاول أن يتحدث بهدوء :
- طرب لو سمحتي أرجعي الترابيزة
توسعت ابتسامتها تحرك رأسها لأعلى وأسفل
تتحدث بهدوء :
- ماشي عشان طلبت بذوق بس
وتركته تتحرك بخطى مختالة مغترة تعود للطاولة تجلس هناك تشاهد العروسين
أما هناك عند الشرفة الخارجية للقاعة وقفت ملاك قبل مجئ طرب هناك تحاول ألا تبكي ، لا تعرف لما يفعل يوسف ذلك ؟! ، لما يستمتع بضغفها ؟! ، كيف يكن يحبها وهو يؤذيها ؟!
لا تتذكر كم مرة صرخ في وجهها لأنها فعلت شيء من وجهة نظره هو خاطئ ولا يجب أن تفعله ، كم مرة انطبعت أصابعه على رسغ يدها وهو يمسك برسغها بعنف وكأنه يود كسره ، وهي بكل بلاهة تتقبل ندمه الذي يظهره وتسامحه ولكن تلك المرة شعرت بالذعر الحقيقي شعرت بالذعر حين كانا في سيارته
قبل المجئ
Flash back
منذ أن رآها تخرج إليه بدا غاضبا غير راضيا ، لا تعرف لما هو غاضب ولكن يوسف دوما غاضب بلا سبب ، لم تتحدث خوفا منه !! ... ولكن بعد مدة وجدته يقف بالسيارة في منطقة فارغة ومن ثم التفت برأسه إليها يسألها غاضبا :
-أنا قولت ايه على الهباب اللي في وشك دا
توترت ترتعش يداها خوفا نظرت إليه تحاول أن تبرر حتى لا ينفجر غاضبا كعادته :
- دي طرب هي اللي أصرت صدقني أنا ما كنتش عاوزة أحط
بدا متفاجئً حين أخبرته أن طرب هنا ، ولكنه ظل غاضبا ، مد يده يقبض على رسغ يدها كما اعتاد أن يفعل !! يصرخ فيها :
- وأنتِ ما عندكيش لسان تقولي لاء
رفع يده الأخرى يقبض على ذقنها بعنف رأت في عينيه نظرة مخيفة وصرخ فيها :
-عارفة يا ملاك لو قولتلك حاجة وعملتي عكسها تاني هعمل فيكي ايه ، هسيبك تتخيلي أنا هعمل ايه ، هسيبك تتخيلي أنا هعمل ايه ومهما يوصل خيالك أنا هعمل أسوء منه
في اللحظة التي فرض فيها سيطرته وشعرت بالضعف والخوف حد الذعر أمامه بدأت تكرهه ، تنفر منه ...ذلك ليس يوسف الذي تعرف ، ذلك ليس سوى مسخ على هيئة يوسف
مسخ مخيف عليها أن تبتعد عنه ، سجب أن تهرب بعيدا قبل أن يبتلعها في ظلمة جوفه ، أما هو فتركها يلتقط عدة محارم من العلبة أمامه يغرقهم بالماء يمسح ما على وجهها بكل عنف ! قبل أن يُكمل الطريق لقاعة الزفاف
Back
انتبهت تنتفض حين سمعت صوت رجل يحمحم ظنته هو ، فارتجفت خائفة نظرت خلفها سريعا لترى زين هو من يقف خلفها ، حاولت أن تبتسم ولكن خرجت ابتسامتها مرتعشة ، ابتسامة فتاة على وشك البكاء ... اقترب زين منها يقطب جبينه يسألها قلقا:
-مالك يا ملاك ، دي مش إبتسامة أبدا ، عينيكِ مليانة دموع شكلك حزين ليه كدة ، حصل ايه ؟!
حركت رأسها للجانبين سريعا ، لم تكن لتخاطر لتخبر زين ويحدث شجار بينها وبين يوسف هنا والآن ، اقترب زين خطوة أخرى منها يسألها قلقا :
-يا ملاك ما تخابيش عليا ، إحنا متربين مع بعض وأنا زي أخوكي الكبير ، حصل ايه طيب متخانقة مع يوسف
ما إن ذكر اسم يوسف ، ظهر يوسف وكأنه جني المصباح يظهر فقط ما أن تنطق اسمه ، نظر لهما وهما يقفان في الشرفة بغضب شديد ، نظر لزين يصرخ فيه غاضبا :
- أنت واقف معاها هنا لوحدكوا ليه ، أبعد عنها يا زين أنت فاهم
توسعت عيني زين ذهولا يرفع حاجبيه ذهولا يتحدث مستنكرا :
- أنت بتزعق فيا يا يوسف ، إنت اتجننت وايه أبعد عنها دي ، لا مش هبعد ، إنت واضح أنك مش لاقي حد يقفلك وطايح في الكل
ضحك يوسف ساخرا يكتف ذراعيه أمامه رمى ملاك بنظرة قوية يتوعدها قبل أن يعاود النظر لزين يتهكم منه :
- وأنت بقى اللي هتوقفني ، بأنهي صفة بقى يا باشمهندس زين ، لا أنت أخوها ولا قريبها ولا أي نيلة
يوسف جُن كباقي أفراد عائلته على ما يبدو ، اقترب زين منه ينظر له محتدًا قبل أن يتوعده قائلا:
- دا أنت واضح أنك اتفرعنت جامد يا يوسف ، وأنا هعرف من ملاك أنت عملت ايه ، وصدقني لو كنت عملت أي حاجة تأذيها مش هتفضل دبلتك في ايدها ساعة واحدة كمان
ومن ثم نظر لملاك يحادثها بحزم :
- يلا يا ملاك اتحركي قدامي
نظرت ملاك إلى يوسف خائفة من أن تنفذ ما يقول زين فينفجر غاضبا ، فثبت مكانها تنقل عينيها بينهما خائفة ؛ لتلوح ابتسامة ساخرة على شفتي يوسف يتهكم منه :
-شوفت بقى هي بتسمع كلام مين
توسعت عيني زين ذهولا ينظر إلى ملاك مصعوقا قبل أن يعلو بصوته قليلا يحادثها محتدا :
-أنتِ خايفة منه ؟!! ، امشي قدامي يا ملاك ما تخافيش
اغتاظت بشدة حين رأته يبتسم ساخرا يخبر زين أنها تستمع إلى كلامه هو ، فتحركت صوب زين ، انتفض يوسف غاضبا أثر ما فعلت ، مد يده يقبض على مرفق يدها يصرخ فيها :
- إياكِ تتحركي
اشتغل زين غضبا هو الآخر أثر ما فعل ذلك الشاب الأرعن ليجذب ملاك من يده ، وقفت خلفه أما هو فتحرك يقبض على تلابيب ثياب يوسف يصرخ فيه:
- لاء دا أنت اتجننت رسمي وعايز تتربى
صوت الشجار بدأ يعلو ، وعليه خرج عاصم وجاسر ورعد مسرعين إلى الشرفة وخلفهم عدة رجال منهم ياسر تقدم عاصم سريعا يجذب زين بعيدا عن يوسف ، ينظر للجمع القريب يبتسم يعتذر منهم :
-ما فيش حاجة يا جماعة دول قرايب وبيهزروا اتفضلوا ارجعوا عشان العريس ما يقلقش
وبالفعل بدأوا بالانسحاب واحدًا تلو الآخر إلى أن غادروا سريعا التفت عاصم إلى زين يهمس يسأله محتدًا :
-في اي كنت ماسك في يوسف كدة ليه
التفت زين إلى جاسر يحادثه محتدًا :
-لو سمحت يا جاسر باشا يوسف ابنك بيأذي ملاك وبيرهبها ، ودي لسه عيلة صغيرة هو خاطبها عشان يحافظ عليها ويتجوزها ولا يخوفها ويفزعها
توسعت حدقتا جاسر غضبا ينظر ليوسف الذي ظلت ملامح وجهه هادئة للغاية ، تحرك جاسر صوب يوسف يسأله متوعدًا :
-الكلام دا صح يا يوسف ؟!
حرك يوسف رأسه للجانبين بهدوء شديد يتحدث
بسلاسة :
- لا يا بابا مش صح ، باشمهندس زين بيخترع افتراضات من دماغه ، كل دا عشان بقوله ما يقفش معاها لوحدهم ، طلعني الشرير في رواية أحدهم
الوغد الكاذب ، صمت ملاك يدعم كذبه ، كاد الجميع يصدق أن يوسف محق وأن المخطئ هنا هو زين ، حتى دخلت طرب إلى الشرفة لترى ما يحدث وتسأل عن ملاك ؛ لترى ملاك تقف بعيدا تبدو خائفة للغاية نادت باسمها لتتنفس ملاك الصعداء وكأنها وجدت طوق نجاتها في خضم موج بحر مخيف ، هرعت إلى شقيقتها ترتمي بين أحضانها تحتضنها بقوة تنهمر الدموع من عينيها تهمس تترجاها :
- أنا عاوزة اروح يا طرب ، رجعيني البيت ، أنا مش عاوزة أفضل هنا
رفعت طرب يديها تُبعد ملاك عنها تنظر لوجهها الأحمر ، شفتاها المرتعشة ، دموعها المتتابعة لتسألها محتدة :
- هو أذاكِ تاني يا ملاك ، واوعي تكدبي عليا ساعتها مش هتشوفي وشي تاني
خرجت من بين شفتي ملاك شهقة قوية تحرك رأسها لأعلى وأسفل ؛ لتحتد عيني طرب غضبا مد يدها إلى كف شقيقتها الأيمن تنتزع خاتم خطبته من إصبعها ؛ لتتسع عيني ملاك ذهولا أما طرب فتحرك وقف أمام يوسف ، ودون سابق إنذار رفعت يدها وصفعته ، عم الصمت والجميع في حالة ذهول مما فعلت أما هي فقذفت الخاتم في وجهه تصرخ فيه:
- يا حيوان يا قذر لو فاكر أن أنا هسيبك تبهدل فيها يا مريض تبقى بتحلم ، دبلتك أهي
شكرا ما عندناش بنات للجواز ، كفاية علينا واحد من عيلتكوا المنلوخية دي
ومن ثم تحركت تُمسك بيد ملاك تخرج بها من الشرفة إلى قاعة الزفاف ، توجهت إلى طاولتهم تأخذ يونس من بين أحضان رؤى تعتذر منها :
- معلش يا طنط أنا لازم امشي ، البيت مفتوح في أي وقت لحضرتك طبعا ، عن إذنك
حملت الصغير على ذراعها الأيسر تمسك بكفها الأيمن كف ملاك تجذبها خلفها ، خرجت من قاعة الزفاف لتلتفت إلى مكانها تحادثها بحزم :
- ما تعيطيش يا ملاك دا مريض ، ما ينفعش تربطي حياتك بواحد بيأذيكِ افهمي دا ، المؤذي بنبعد عنه وندعيله يتعالج ما بنرتبطش بيه
رفعت طرب يدها لتُوقف سيارة أجرة ولكن قبل أن تفعل رأت رعد يركض نحوهم وقف أمامها يصرخ فيها :
- أنتي ايه اللي هببتيه جوا دا ، إزاي تضربي اخويا بالقلم ، ويعني ايه تفركشي خطوبتهم ، الموضوع مش بمزاجك هو ، إحنا عيلة منلوخية ؟!!!!
ضحكت ساخرة تُعطي الصغير لملاك حتى لا تصرخ وهو على يدها ، حركت يديها بعشوائية انفعلت تصرخ هي الأخرى :
- أخوك بيضرب ملاك ويأذيها نفسيا ، وأنا الصبح كنت هكلمه أفشكل الخطوبة بس عشان خاطر ملاك اديته فرصة كمان ، بأنهي حق تسيبوه يبهدل في أختي ، ولا هو عشان يوسف بيه بن جاسر باشا تسيبوه يعمل اللي هو عايزه ، زي ما أخوه عمل اللي هو عاوزه ، خلاص يا رعد شكرا خلصت ، أختي مش هترجع لأخوك ، وأنت ياريت تحترم الإتفاق اللي بينا ، يا أما نلغيه خالص ، وأرجع مكان ما جيت ومش هتشوفوا وشي لا أنا ولا ابني تاني ، ربي أخوك قبل ما تيجي تزعق فيا
بصقت كلماتها في وجهه قبل أن ترفع يدها تشير إلى سيارة أجرة ، فمد يده يُنزل ذراعها يهمس محتدا :
- تعالي هوصلكوا بعربيتي
نزعت طرب يدها من يده تنظر له من أعلى لأسفل غاضبة قبل أن تتحرك إلى سيارة تفتح الباب الخلفي تجلس هناك تعلو بصوتها تحادث ملاك :
- ملاك تعالي هنا جنبي ، لما نشوف آخرتها مع حوارات عيلة مهران
كور رعد كف يده غاضبا ، تحرك إلى السيارة .. قبل أن يجلس هناك شعر بأن هناك شخص ما يضع يده على كتفه نظر خلفه ليرى أبيه ، الذي بدأ يتحدث متوعدًا :
- توصل ملاك عند والدتها وتجيب طرب وتيجي على البيت قسما بالله لو عملت حرف عكس اللي قولته هوريك جاسر مهران كان بيأذي إزاي ، حاول تتلاشى غضبي الكام ساعة الجايين دول أنت وأخوك
لم يبدو رعد خائفا ، نظر لجاسر نظرة فارغة من أي مشاعر قبل أن يستقل سيارته ويغادر في اللحظة سمعوا صوت احتكاك إطار سيارة بعنف بالأرض أسفلها ليروا سيارة يوسف الذي تأخذ الطريق المعاكس جواره وليد
وقف جاسر في المنتصف ينظر للطريقين حيث غادر رعد من طريق ويوسف من الآخر ، من كان سيصدق أن كل ما حاول زرعه فيهم لأعوام سينقلب بذلك الشكل ، من كان يصدق أن ولديه سينقلب حالهما هكذا ، أهو ذنبه القديم يتجسد أمام عينيه من جديد ؟!
____________
بداخل قاعة الزفاف جلس زين غاضبا على أحد المقاعد يشعر بالغيظ الشديد من ذلك المدعو يوسف ، اقتربت مرام تجلس على المقعد المجاور لأبيه تسأله :
- هو في ايه يا زين ، ايه اللي حصل
زفر أنفاسه للجانبين يحاول أن يبدو هادئا قدر الإمكان :
- ما فيش حاجة يا مرام سوء تفاهم ، أنتي اللي كان مالك كنتي متضايقة من شوية ء ورديتي عليها جاف أوي
ابتسمت في هدوء ترفع كتفيها لأعلى كاد أن تقول شيئا حين أعلن منظم الحفل بطلب من العريس نهاية حفل الزفاف قبل أن يصبح كارثي أكثر ، فقامت مرام سريعا تحمل الكاميرا الخاصة بها وقبل أن تتحرك وقف زين عن مكانه يردف سريعا :
- على فكرة! شكلك حلو أوي بالفستان دا
لفت رأسها إليه وابتسمت ، تحمر وجنتاها خجلا قبل أن تهرع من أمامه سريعا ، وقفت أمام العروسين تلتقط عدة صور لهما معا ، وهما يخرجان من القاعة يتوجهان إلى سيارة جاسر ، والتقطت عدة صور لأريچ وهي تسير جوار سامر تنظر له تبتسم سعيدة وللطفلين الصغيرين كيان وتميم وهما يلعبان وسما تضحك عليهما ، ولكن الصورة تظهر فيها رجل يقف بعيدا عنهم قليلا ينظر لسما وهي تضحك يبتسم !
نرمين بدت واجمة في الصورة عكس ياسر المبتسم السعيد ، وصورة لطيفة لوالدي العروس وهما يحتضنان ابنتهما يودعنها ، وصورة حزينة لزينب صديقة العروسة وهي تنظر صوب الرجل الواقف هناك نظرات حزينة محبة !! ، بحثت بعدسة الكاميرا عن شقيقها ولكن جواد لم يأتي كانت تعلم أنه لن يأتي لم تتفاجئ من الأمر ، أجفلت حين شعرت بأحدهم يجذب الكاميرا من بين يديها فجاءة ، شهقت تنظر للفاعل لتبصر زين يقف أمامها يبتسم يقول :
- كفاية تصوير في الناس وناسية نفسك ، هاتي أنا أصورك ، أنا فنان هايل خدي بالك
ورفع الكاميرا أمام عينيه ، لتقف هي كعارضة أزياء تبتسم ، فابتسم هو الآخر يلتقط عدة صور لها ، حين قرب عدسة الكاميرا رأى الواقف هناك عند تقاطع الشارع عمار ، رآه وهو ينظر صوب مليكة تملأ الدموع عينيه ، حين شعر عمار أن زين رآه اختفى سريعا ، تنهد زين حزينا يعتصر الألم قلبه أنزل الكاميرا يعطيها لمرام ، بحث بعينيه هنا وهناك عن والده ليطلب منه إن يغادرا ولكنه لم يجده ، أين والده ؟
هناك عند نهاية الشارع الآخر حين اقترب عمار من أن يستقل سيارته ويغادر ، شعر بشخص ما يُمسك بكتفه ، نظر خلفه سريعا خائفا ليرى عاصم يقف خلفه ، أعطاه ابتسامة صغيرة متوترة يتحدث سريعا متلعثما :
- أنا ماشي والله ، أنا ما كنتش جاي آذي حد ، أنا كنت عاوز اتطمن على زين واشوفه ، بس وراجع أهو
- زين قالي أنك كنت بتحبها يا عمار ما تنكرش
تحدث عاصم بنبرة هادئة ؛ لتتجمع الدموع سريعا في عيني عمار رفع يده يمسحها بعنق ، اختنق صوته يقول :
-بس هي بتحب جاسر ، عمرها ما هتحبني ،أنا آسف إني جيت يا باشهندس عن إذنك ، خلي بالك من زين ماشي ؟
كتف عاصم ذراعيه أمامه ابتسم يتحدث ساخرا:
-أنت مش ناوي تقول يا بابا بقى ، دا الأطفال الصغيرين بيقولوها أسرع من كدة
ابتسم عمار طرف إبتسامة صغيرة للغاية يحرك رأسه للجانبين بخفة:
- معلش انا كدة مرتاح أكتر وبعدين صدقني إنت تستاهل ابن زي زين ،مش واحد زيي ، عن إذنك
والتفت ليركب سيارته ليجذبه عاصم إليه قبل أن يفعل يعانقه بقوة ، انهمرت الدموع من عيني عمار يتمسك بقميص عاصم يتمتم بحرقة:
- أنا بحبها اوي أوي
___________
اخيرا توقفت سيارة الزفاف به أمام شقته الهادئة البعيدة ، نزل منها يلتف سريعا حول السيارة ، فتح لها الباب يُمسك بكف يدها يجذبها من السيارة ، ابتسمت خجلة تشهق بخفة حين مال يحملها بين ذراعيه تعلقت بعنفه تنزل رأسها لأسفل تشعر بنابضها على وشك أن يتوقف ، تحرك جاسر إلى المصعد دخل وضغط على زر الطابق ورفض أن ينزلها ، إلا داخل شقتهم ، أنزلها أرضا حين دخلوا إلى المنزل يغلق الباب وتحرك إليها وقف أمامها يبتسم سعيدا لا يصدق إنها باتت زوجته ، لا يصدق أنه تزوج من الأساس. لا يصدق أن قلبه المبرمج لرفض جميع مشاعر الحب والعشق ، أحب وعشق الجميلة صاحبة الشعر المجعد ، زم شفتيه متضايقا ... لما فردت شعرها ليضحى مسترسلا ناعما كان يطوق ليخلل يده في خصلاتها المجعدة والآن عليه أن ينتظر أن تعود مجعدة من جديد
اقترب منها خطوة لتعود هي للخلف بمقدار خطوة ضحك بخفة يحرك رأسه يائسا ينظر إليها عابثا وهي تحرك عينيها في جميع أنحاء الغرفة تهرب بعينيها عنه ، مد أصابعه برفق أسفل ذقنها يحرك وجهها شهقت بخفة تنظر له متوترة أما هو فابتسم يردف مازحا :
-بتداري عينك ليه لما بتيجي في عينيا ، وبعدين كفاية أوي المقلب دا كنت هموت كدة والمس شعرك الكيرلي حبكت تفرديه النهاردة
أرادت أن تبتسم على ما يقول ولكن في تلك اللحظة كان يعصف بها مشهدين أسوء من بعضهما البعض ، المشهد الأول مشهد اغتصابها وهي ابنة الثامنة عشر ، والمشهد الثاني كان مشهد تعذيبها على يد عمار ، شعرت بالخوف الشديد من جاسر وهو لا ذنب له من الأساس ثقلت أنفاسها تعود خطوتين للخلف تحاول أن تهدأ ولكن دون فائدة ، أما هو فكان يقف يراقبها بكل هدوء ، هو ليس بأحمق ويعرف ما ستمر به الآن ... تحرك إليها يضع يده برفق على كتفها لتنتفض هلعة تعود خطاها للخلف تنظر له تتلعثم خائفة:
-جاسر بُص ، أنا عايزة أروح
رفع حاجبيه لأعلى يشير للمكان حوله ضحك بخفة يضرب كفا فوق آخر:
- تروحي فين يا عبيطة ما احنا في شقتنا
عادت خطاها للخلف تحرك رأسها للجانبين تنظر له خائفة وكأنه يتحول أمامها لوحش مخيف ، تجمعت دموع عيناها فجاءة دون مقدمات تنزل على وجنتيها تتمتم خائفة :
- لا أنا عاوزة امشي ، أنت مش فاهم حاجة أنا عاوزة امشي
تضايق ولكنه يعذرها ، فمليكة لم تخضع لعلاج نفسي يؤهلها لتجاوز اي من صدمتي الماضي ، حتى قاسم جل ما فعله معها أنه استطاع أن يوقفها عن إيذاء نفسها ، ملكية تحتفظ بذكريات الماضي في صندوق حصين ترفض التخلص منها ، عليه إذا أن يتخلص منه هو، تعلقت عينيها به لتراه يبتسم في هدوء يشرع في خلع رابطة عنقه وسترة حُلته وقميصه يخطو إليها ، شهقت مذعورة تعود أدراجها للخلف وكل ما يخطر في رأسها أن جاسر كان يخدعها وهو ليس برجل طيب وسيقوم بالاعتداء عليها الآن ، وقف على بعد خطوتين منها يبتسم لها يحادثها مترفقا :
- مليكة أنا فاهم أنتي حاسة بيه ، أنتي متجوزة دكتور نفسي ، بس صدقيني أسرع طريقة للتخلص من العقدة اللي جوا الصندوق دا ، أنك ترميها ورا ومش هتترمي ورا غير لما يحل مكانها ذكرى تانية أحسن ، هاتي إيدك وصدقيني مش هتندمي
حركت رأسها للجانبين بعنف وكلماتها تتضارب في رأسها ، كاد أن يقول شيئا حين سمع دقات عنيفة على باب شقته قطب جبينه مستنكرا ما يحدث تحرك صوب الباب يفتحه لتندفع والدته تدخل كالسهم إلى داخل الشقة تتحدث غاضبة :
- أهلا يا بيه ، أنت لحقت قلعت ، أنت إزاي تخبي عليا أن مراتك مغتصبة مش بنت بنوت
قطب جبينه مستنكرا ما تقول ، أغلق باب الشقة يتحدث متضايقا :
- ماما ممكن توطي صوتك ، وبعدين أنتي عرفتي منين أصلا
رفع نرمين حاجبيها اندهاشا ، تصرخ فيه محتدة :
- يبقى عندي حق ، عرفت من أمها يا اخويا ، سمعتها وهي بتقول لأبوها المسهوكة بنت صبري ( يارب مليكة ما تتفزعش ، وتفتكر حادثة اغتصابها )، كفاية أنها حفيدة صبري وأنا سكت وحطيت جزمة في بوقي ، وتطلع كمان متنيلة
نظر لوالدته غاضبا لا يفهم كيف يمكن أن تكن بكل تلك القسوة ، هي تعرضت لحادثة مشابهة من قبل قبل أعوام طوال قبل أن تتزوج أبيه ، من المفترض أن تكن أكثر من يعلم وجع مليكة ، كيف لها هي أن تحاكمها وتقاضيها بدلا من أن تحنو عليها وتشد من أزرها ، رفع يده إلى خصلات شعره يخلل أصابعه في شعره يزفر أنفاسه يحاول أن يتحدث بهدوء :
- دي مراتي وأنا عارف باللي حصل ، هي بنفسها قالتلي لما طلبت ايدها عشان ارفض وأبعد ، بس ليه أرفض ، لو أنتي شايفة مليكة ناقصة فأنا شايفها أحلى بنت في الدنيا ، بالعكس دا أنا اتشرف إني اتجوزها وتتكتب على اسمي ، وبعدين دي أمور شخصية بيني وبين مراتي مالكيش أنك تتناقشي فيها معايا يا أمي ، ولو سمحتي روحي عشان أنا عريس ووجود حضرتك هنا مالوش داعي ، تحبي اكلملك بابا يجي ياخدك
اشتاطت نرمين غضبا لتصرخ فيه بعلو صوتها :
- هي سحرالك ولا ايه بنت شاهندا ، على العموم ما خلصتش هنا يا جاسر ،ويا أنا يا الحية حفيدة صبري ، أنا اللي غلطانة إني سمعت كلام أبوك وسكت
وتركته وخرجت من المنزل التفتت له تتحدث ساخرة :
- أشبع بالعروسة المستعملة !!!!
احتدت عينيه غضبا وقبل أن يقل شيئا كانت تصفع الباب خلفها ، اغتاظ بشدة من والدته ، اغتاظ لحد الانفجار ، اغتاظ لأن كلمات والدته ستُشعر مليكة بكل آلام الماضي من جديد ، اغتاظ لأنها والدته ولم يكن قادرًا على الثأر من الجملة المقززة التي ختمت بها كلامها ، سمع صوت باب غرفته يُفتح ومن ثم خرجت مليكة توقع أن يسمعها تطلب الطلاق ، ولكنه رآها تبتسم بامتنان ، تحركت إليه تعانقه ليبتسم يطوقها بذراعيه يسمعها تهمس ممتنة :
- متشكرة يا جاسر ، متشكرة عشان دافعت عني قدامها
تنفس الصعداء يبدو أن مليكة لم تسمع جملة والدته الأخيرة ، ابتعدت هي عنه تبتسم خجلة تقول :
-أنا موافقة يا جاسر