رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الرابع والثلاثون
بناء على رغبة القراء هنحط في بداية كل فصل كل عيلة بولادها عشان الناس اللي لسه بتتلغبط
جاسر ورؤي أبطال الأجزاء اللي فاتت عندهم 6 أولاد رعد وجوري أول تؤام
يوسف ومريم تاني تؤام
سليم وياسين آخر تؤام
----------------
نرمين أخت جاسر اللي جاسر كان بينتقم من صبري وبنته شاهندا عشانها
نرمين وياسر جوزها عندهم 2
( جاسر الكبير 29 سنة دكتور نفسي
اريج في 2 كلية طب )
ياسر كان ليه بنت من مراته اللي ماتت قبل ما يتجوز نرمين اسمها سما جوزها اسمه مصطفى
______________
عاصم أخو رؤي خال العيال اللي كان بيحب تهاني واتجوز حلم في الجزء التاني عنده ولدين
حسين الكبير مهندس ، مراد الصغير في ثانوية عامة ساقط سنة
_____________
رؤى كان ليها جيران أخ وأخت ساكنين سوا اللي هما عمرو وايمان
ايمان اتجوزت علي صاحب جاسر وعندها شريف الكبير ظابط شرطة ، وليان الصغيرة المدلوقة على الجاموسة جواد
_________
أما عمرو فاتجوز روان بنت صاحب الشركة اللي كان شغال فيها وخلف ولد وبنت
جواد جاموسة متنقلة مهندس ديكور
ومرام دلوعة ماما 22 سنة في كلية إعلام ومخطوبة لشريف ابن عمتها
_______
فاضل طرب وملاك ، ومليكة وتوحة وكل الناس دي هنعرف اصلهم وفصلهم فيما بعد
لما تتلغبط اطلع بص هنا وكمل الفصل عادي
نبدأ الفصل❤
__________
توقفت بسيارتها أمام منزل المهندس عاصم ، لا تعرف إن كان ما تفعله صحيحا ولكنها هنا فقط لتقدم واجب العزاء ، تحركت صوب باب المنزل رفعت يدها تدق الباب بخفة انتظرت عدة لحظات إلى أن فتح لها مراد الباب ، ابتسمت له وفعل المثل يفسح لها الطريق لتدخل :
- اتفضلي يا مرام ، نورتي ، اتفضلي
ابتسمت تشكره ، تحركت للداخل يسير أمامها مراد يرشدها إلى غرفة الصالون ، جلست على أحد المقاعد تردف متوترة :
- أنا آسفة على الإزعاج ، أنا كنت جاية اعزي ، عرفت من جواد أن اخوكوا يعني توفى ربنا يرحمه
هل يخبره أنه لم يكن يعرف شقيقه ذلك من الأساس ، لم يره حتى بعد موته ... زين هو الوحيد الذي يكاد يموت كمدا بسبب موت شقيقه الذي جل ما يعرفه عنه أن اسمه عمار ، انتبه حين سألته :
- اومال عمو عاصم أو باشمهندس زين فين
عايزة اعزيهم
ابتسم مراد لها يومأ برأسه :
- ثواني وراجعلك
وتحرك يصعد لأعلى ، دخل لغرفة زين ليرى زين هو المستيقظ ووالده يغط في النوم على فراش زين ، رفع زين يده إلى فمه سريعا يهمس بصوت خفيض :
- ما تعملش صوت ، بابا تعبان وما صدقت نام
حرك مراد رأسه بالإيجاب اقترب بخفة من زين يحادثه بصوت هامس :
- مرام بنت عمو عمرو تحت ، عاوزة تعزيك
حرك عينيه الذابلة نحو شقيقه يومأ برأسه ، تحرك معه لخارج الغرفة ينزلان لأسفل ، رأى مرام تجلس أمامه وحلم زوجة أبيه تضع أمامها كوبا من القهوة ، نظرت لزين تبتسم مترفقة بحاله تحادثه :
- على فكرة ما ينفعش كدة يا ابني ، أنت ما بتاكلش خالص ، ولو قولت لعاصم هيزعل منك أوي ، أنا هحط العشا ونتعشى كلنا سوا
وتحركت صوب المطبخ ابتسم زين في ذبول يجلس على المقعد المقابل لها يسألها عن حالها :
- ازيك يا مرام عاملة ايه ؟
نظرت اه حزينة ، ملامح وجهه ذابلة عينيه مجهدة حزينة منطفئة ، وهو من يسألها عن حالها !! ، حركت رأسها تتمتم متوترة :
- الحمد لله ، البقاء لله يا باشمهندس شد حيلك ربنا يصبرك يارب
أعطاها ابتسامة صغيرة يحرك رأسه يتحدث بنبرة خاملة :
- يارب دعواتك ، صحيح على الموقف اللي حطيتك فيه قدام جوزك
انتفضت حين قال جملته تحرك رأسها للجانبين سريعا تردف متلهفة :
- لالا ما تعتذرش ما حصلش حاجة اصلا ، وبعدين سليم ما كنش جوزي إحنا بس كان مكتوب كتابنا وما حصلش بينا تفاهم ، واتطلقنا من مدة طويلة
لا تعرف لما قالت ما قالت بذلك الاندفاع ، شعر بالحرج بعد أن أدركت ما قالت لتحمحم متوترة ، التقطت حقيبة يدها ، هبت واقفة تعتذر منه :
- أنا آسفة للإزعاج ، أنا كنت جاية اعزيك ، عن إذنك
وقف زين يردف يحادثها :
- استني هنتعشى سوا
حركت رأسها للجانبين سريعا تقبض على ذراع حقيبتها تردف متوترة :
- مرة تانية معلش أنا مستعجلة ، عن إذنك
مد يده لها لتتوتر لعدة لحظات قبل أن تضع يدها في يده فسمعته يقول :
- شكرا أنك جيتي يا مرام
ابتسمت له ؛ لتتحرك للخارج سريعا ما أن دخلت لسيارتها وضعت يدها على قلبها تشعر به يدق بعنف ، بالكاد تلتقط أنفاسها حركت رأسها للجانبين تحادث نفسها :
- ايه الهبل دا ، هو بيدق بسرعة كدة ليه ، لالا دا أكيد من الموقف بس ، عشان أنا غبية هو ماله أنا اتطلقت ولا لاء ، يقول عليا ايه دلوقتي غبية يا مرام
أرادت أن تصرخ في وجهها بأعلى ولكنه ليس المكان المناسب على أي حال ، تحركت بالسيارة تغادر عائدة لمكتب جواد
الوضع كان يختلف كثيرا في شركة جواد ، فما أن وقعت عيني جواد على الصورة هب واقفا يركض صوب المطبخ ، توجه إلى مكبس الكهرباء ينزعه بعنف يحادثهم منفعلا :
- انتوا إزاي مش واخدين بالكوا أن الفيشة بتطلع شرار ، كان ممكن حد فيكوا يتكهرب ولا يحصل مصيبة ، ما حدش يستخدم الفيشة دي خالص
وتحرك يخرج من المطبخ يتنفس الصعداء ، الصورة التي التقطتها مرام هي ما نتبته ، لتلك الشرارات القوية خلفهم ، تنهد بعمق يكمل طريقه للمكتب يبتسم في نفسه ساخرا ، للحظة صور له عقله أن نور هي رحمة ومتخفية نظرية سخيفة يعرف ذلك ، ولكن الصورة التي رآها اثبتت له أن فعلا نظريته كانت سخيفة للغاية ، في طريقه لمكتبه سمع صوت رجل ينادي باسمه ، التفت خلفه ليرى شريف ، تحرك إليه يسأله :
- شريف حمد لله على سلامتك ، خير بتعمل ايه هنا
نظر شريف له عن كثب ، رفع يده يضعها على كتفه يربت عليه يحادثه مترفقا :
- جاي اشوفك ، أنا وأنت كنا أصحاب في يوم قبل ما غرور العظمة ياخدك من صحابك حتى ،
أنا وأنت كنا لفترة طويلة أصحاب ، قبل ما ابقى خطيب اختك ، وبعد كل الكوارث اللي حصلت في حياة كل واحد فينا ، أنا جاي أشوف صاحبي ، سمعت من خالي أنه رجع جواد الطيب بتاع زماااان اوووي
نظر جواد إليه مطولا يشعر بالدموع تحرق مقلتيه ليقول شريف :
- أنت عايز تعيط مش كدة ، تعالا نروح مكتبك ، ما تعيطش قدام الموظفين
اوما جواد برأسه يتحركان سويا لداخل مكتب جواد ، وقف جواد أمام صديق طفولته ينظر له مطولا قبل أن تنهمر دموع عيناه يعتذر منه :
- أنا آسف يا شريف ، بجد آسف أوي
اقترب شريف منه يعانقه ليتمسك جواد به يبكي بحرقة ، يتذكر قديما حين كانا صغار هو وشريف لم يكونا يفترقان تقريبا ، حتى الثانوية العامة حين دخل شهاب صديق ثالث ، كرهه من كل قلبه لأنه أخذ منه صديقه وشيئا فشيء بدأ هو يبتعد عنهم ، ابتعد جواد عن شريف يعاتبه :
- أنا زعلان منك ، من سنين طويلة من ساعة ما دخلت اللي اسمه شهاب دا في صحوبيتنا وهو بعدك عني
ضحك شريف بخفة يحرك رأسه يائسا :
- عشان كدة بعدت عني وقطعت فجاءة وكل ما اكلمك تكلمني من طراطيف مناخيرك ، أما انك عيل صحيح ، بس إحنا الحياة هبدتنا جامد يا صاحبي ، أقولك تعالا نرمي اللي حصل كله ، دلوقتي لا أنا ليا علاقة بأختك ولا أنت ليك علاقة بأختي ، ونرجع صحوبية العيال الصغيرين تاني
ابتسم جواد حزينا يومأ برأسه موافقا ، ليتنهد شريف يردف يواسيه :
- البقية في حياتك ، أنا عرفت من قريب بس والله ، صحيح أنت عملت حركة زبالة لما خطفتها تقريبا ، بس أنا عمري ما تخليت أنك ممكن تحب حد اصلا ، فعشان كدة ما كنتش مصدقك لما قولتلي في المستشفى أنك بتحبها ، كنت خايل عليها منك بصراحة ، شايفها عيلة صغيرة وأنت سمعتك زي الزفت فقولت أكيد هتستغلها
انهمرت الدموع فجاءة من عيني جواد يتحدث بحرقة :
- يا ريتني ما خدتها ، ياريتني سيبتها عندك ، كان كفاية عليا أعرف أنها عايشة حتى لو بعيد عني ، إنما بعد ما بقت في حضني ، بعد ما سمعت صوتها أخيرا ، راحت ومش هترجع تاني يا شريف ، أنا مش قادر أعيش من غيرها ، أنا بفكر في الانتحار في كل لحظة ، نفسي اشوفها تاني ، وساختي وقرفي هما كانوا السبب في موتها يا شريف ، اماندا هي اللي قتلتها
أمسك شريف كف يده يستند بكف الآخر على عكازه صحيح أن حركته باتت أيسر ولكنه لا يستطيع السير بدونه بعد ، جذبه إلى اقرب أريكة جذب مقعد يجلس أمامه يحادثه مترفقا :
- ممكن تهدا شوية ، دا عمرها يا جواد ، واللي حصل دا مقدر أنه يحصل ، وبعدين ايه بفكر في الانتحار دي ، ايه شغل عيال ثانوي دا ، ما تنشف يا جدع كدة شوية
مد يده له بكوب الماء الموضوع على الطاولة ارتشف جواد منه القليل يتنفس بعمق يحاول أن يهدأ قليلا ليسمع شريف يقول ضاحكا :
- الواحد نفسه ينزل حجز كورة من بتوع زمان دول ، بس اتكحست خلاص، تعرف يا جواد أنا اللي اتعلمته من كل اللي حصل في حياتي الفترة اللي فاتت دي ، أن الدنيا بتعصرك كدة من شدة الألم عشان تخلق منك إنسان جديد ،
ولو ركزت في اللي حصلك هتلاقي نفسك أنت كمان اتعصرت من الألم وبقيت واحد جديد تماما ، المهم بردوا أن أنا عاوز ألعب كورة
لاحت ابتسامة صغيرة على شفتي جواد ، قام من مكانه يفتح شاشة التلفاز الكبيرة أمامهم يخرج جهاز لعب حديثه يوصله بالشاشة ، عاد لشريف يجلس مجاورا له على الأريكة يعطيه أحد ذراعي اللعبة يردف :
- نلعبها بلايستيشن
- حلو دا أوي
أردف بها شريف بابتسامة واسعة يأخذ ذراع التحكم من يد جواد يبدأ اللعبة
بعد مدة طويلة نسبيا توقفت سيارة مرام أمام مكتب جواد ، تحركت لداخل المكتب ما أن اقتربت من غرفته سمعت صوت جواد يصيح متحمسا :
- جوووون كدة إحنا ، وأصبر أنا اللي هفوز
مع من يلعب جواد ؟! ، فتحت باب المكتب ودخلت تتحدث ساخرة :
- بذمتك سايب الشغل وقاعد تل....
وتوقفت باقي الجملة في فمها حين رأت شريف أمامها ، والصمت حل على الغرفة بأكملها ، تبادلت هي وشريف نظرات طويلة ، مر أمام عيني كل منهما ما حدث بينهما كاملا منذ لحظة البداية ، شعر شريف بالألم مما فعلت به ، وشعرت مرام بالاشمئزاز مما كانت عليه ، ارتجفت تقبض كفيها بقوة ، أما هو فوقف عن مكانه يستند إلى عكازه ، نظر لجواد ابتسم يردف :
- طيب همشي أنا يا جواد ، وهكلمك على الموبايل
تحرك للخارج دون أن ينتظر لحظة ليستمع رده ، مر جوارها لا يعرف كيف منع نفسه من النظر إليها ، أما هي فارتجفت هي اشتمت عطره وتذكرت الكثير والكثير مما حدث بينهم ، راقبته عيناها وهو يغادر سريعا وكأنه رأى شبحا ، خرج يغلق الباب خلفه ؛ لتغمض عيناها
تستعيد ثباتها لعدة لحظات قبل أن تفتحهما نظرت لجواد لتراه ينظر إليها مشفقا حزينا حاول أن يقول شيئا لتقاطعه هي :
- ما تبررش حاجة يا جواد ، شريف شخص محترم وطيب جداا ، وكون أنه جه هنا يبقى مش عايز يخسرك ، ما تخسروش يا جواد
تحرك جواد صوبها ضمها إليه يقبل رأسها يحادثها مترفقا ليجد نفسه يُعيد جملة شريف :
- عارفة يا مرام اللي اتعلمته من كل اللي حصل الفترة اللي فاتت دي ، أن الدنيا بتعصرك من شدة الألم عشان تخلق منك إنسان جديد ، إنسان أفضل نسخة جديدة ، ودا اللي حصل معاكِ ، يمكن تكون حكايتك أنتي وشريف وأنا عارف أنك حاسة بالذنب ، بس أنا واثق أنك هتبدأي حكاية جديدة سعيدة قريب أوي كمان
_____________
الساعة التاسعة مساءً يقف بسيارته هو أبيه أسفل العمارة السكنية التي تسكن بها مليكة وهو أيضا يفعل ، يرتدي حلة زرقاء داكنة يمسك باقة ازهار وعلبة حلوى هدية لها ، اقترب ياسر منه يضع يده على كتفه يحادثه ضاحكا :
- ايه يا عريس متوتر ولا ايه
نظر جاسر لأبيه تنهد بعمق قبل أن يردف فجاءة :
- هو ما ينفعش اكتب عليها دلوقتي ؟
ضحك ياسر يصدمه على كتفه بخفة يسخر منه :
- دا الحب بيعمل المعجزات صحيح ، اومال فين دكتور جاسر العاقل الرزين ولا اوعى تفضحنا فوق ، أنا بقولك أهو
زفر أنفاسه بقوة يومأ برأسه صعد بصحبة أبيه لأعلى ، وصلا إلى شقة مليكة ليرفع يده يدق الباب بخفة ، مرت دقيقة قبل أن يفتح فتحي لهم الباب ، ابتسم يرحب بهم :
- اهلا وسهلا نورتوا اتفضلوا
دخل ياسر ومن بعده جاسر ، اصطحبهم فتحي إلى غرفة الصالون جلس ثلاثتهم يتحدثون في أمور شتى إلى أن دخلت شاهندا تحمل صينية عليها أكواب العصير وقطع الحلوى :
- منورين والله ، معلش مليكة أنت عارف تعبانة بوظت عليك لقطة العروسة اللي شايلة الصينية
ضحك جاسر بخفة يحرك رأسه للجانبين يردف:
- لاء ما تقوليش كدة طبعا ، تسلم ايدك يا طنط ، بس هي مليكة مش هتيجي ولا ايه
لكز ياسر ولده بمرفقه في ذراع ينظر إليه يحذره قبل أن يهمس له خفية :
- هو أنا مش قولتلك اعقل ، ما تقوم تدخلها إنت أحسن ، أنت ضربت على كبر
ابتسم جاسر يسخر من نفسه والده محق ، هو حقا لا يعلم ما الذي حل به ولكنه يشعر في هذه وكأنه مراهق أحمق ، حتى نظريات علم النفس التي يحفظها عن ظهر قلب نسيها أجمع ، في اللحظة التالية ظهرت مليكة تستند على يد صديقتها زينب ، شقت ابتسامة كبيرة شفتيه ما أن رآها ، تبدو متعب شاحبة ورغم ذلك لا تزال جميلة كما عهدها ، اقتربت منهم مدت يدها تصافح والده الذي ابتسم يحادثها :
- ألف سلامة عليكي يا بنتي ، ما شاء الله زي القمر
ابتسمت مليكة خجلة ليقترب جاسر خطوة منها مد يده ليصافحها حين فعلت سمعته يقول جملة لا تناسب الموقف تماما :
- بتاخدي علاجك ؟
قطبت جبينها مستنكرة جملته ، رفعت رأسها إليه ظنت أنها تتوهم جملته إلا أنه أعادها من جديد :
- بتاخدي علاج بإنتظام ولا لاء؟
تلك المرة تولت زينب مهمة الرد بدلا عنها :
- ايوة يا دكتور جاسر ما تقلقش أنا بديهولها بالساعة
ابتسم يتنهد بارتياح يومأ برأسه ، تحركت مليكة تجلس على الأريكة جوار والدها الذي مال عليها يهمس خلسة :
- لو تعبانة ادخلي أوضتك احسن ، أنتي مش أول مرة تشوفيه كدة كدة
حركت رأسها للجانبين تهمش مرتبكة :
- لاء أنا كويسة
حمحم ياسر يتولى دفة الحديث بلباقة وهدوء :
- بص يا أستاذ فتحي ، أنا يشرفني ويسعدني طبعا ، إني أطلب أيد بنت حضرتك الانسة مليكة ، لابني الدكتور جاسر ، وطبعا معاكوا كل الوقت للتفكير
عقد جاسر جبينه يرفض جملة أبيه الأخيرة :
- تفكر ايه ما فيش الكلام دا ، هي موافقة اصلا
أنا جاي اقرا فتحة واحدد ميعاد خطوبة ، إحنا لسه هنفكر
رفع ياسر يده يحركها على ذقنه محرجا مما يقول ولده الأحمق الذي كان بعقله قبل عدة ساعات وجُن فجاءة ليهمس يتوعده :
- لما نروح يا جاسر على الهبل اللي بقيت فيه دا
في حين ضحك فتحي يردف:
- واضح أن الدكتور مستعجل أوي يا دكتور ياسر
أراد قول شيئا ما ولكن والده سيقتله إن فعل ، فابتسم وظل صامتا ، هنا تحدثت مليكة بصوت خفيض خجول :
- أنا موافقة
أطلقت زينب صديقتها زغرودة عالية ، ليضحك ياسر يردف :
- يبقى نقرا الفتحة وبإذن الله يبقى لينا قاعدة تانية عشان والدة جاسر وأخواته حابين يتعرفوا على العروسة وساعتها نحدد ميعاد الخطوبة
رحب فتحي بالأمر لم يرفض ، رفع كل منهم كفيه أمام
وجهه يبدأ بقراءة الفتحة يختلس النظرات إليها ويبتسم وهي تفعل المثل
____________
في فيلا جلال المهدي حيث يقطن بها الآن كاملا وملاك ، في حديقة الفيلا سترى يوسف قد جاء قبل دقائق معدودة يجلس أمام ملاك في الحديقة يسألها بإهتمام عما قالته لها الطبيبة :
- يعني آخر كلام قالتلك قدامك أسبوعين وتبقى الحركة سهلة من غير عكاز
ابتسمت ملاك تحرك رأسها بالإيجاب تتحدث بحماس :
- ايوة ، أنت ما تعرفش أنا مبسوطة قد ايه حاسة إني هطير من الفرحة ، أخيرا هعرف أخرج واتفسح وأعمل كل اللي اتحرمت منه السنين دي ، تعرف نفسي اعمل كامب تخييم دا ، ونفسي اركب خيل ، ونفسي اجري ، نفسي أعمل حاجات كتير أوي ، ويكون ليا أصحاب كتير أوي ، وأنا على الكرسي الناس كانت بتبصلي بشفقة وما بتصاحبنيش
أحلام جميلة لطيفة وكأنه سيسمح بها مثلا ، ستبقى الأحلام أحلاما ، ابتسم في وجهها يحرك رأسه موافقا على كل ما تقوله ، فالكلمات لا تُشترى على اي حال
في اللحظة التالية توقف سيارة رعد بعنف داخل حديقة المنزل ، نزل منها يتحرك صوب يوسف ما أن رآه يسأله متلهفا :
- يوسف ، هي طرب هنا ؟
قطب يوسف جبينه يتعجب مما يقول رعد قبل ان يحرك رأسه للجانبين يقول مستنكرا :
- طرب ايه اللي هيجيبها هنا ، مش طرب معاك يا ابني
تركه رعد وتحرك يركض لداخل المنزل رأى كاملا تجلس على أحد المقاعد أمام التلفاز يصرخ فيها :
- طرب فين ؟ شغل الأفلام العربي اللي بنتك بتسمعها دي مش هيدخل عليا
هبت كاملا تصرخ فيه مذعورة :
- يعني ايه طرب فين ؟ طرب معاك ، أنت عملت ايه في بنتي
لم يقتنع رعد بما تقول تحرك يركض يفتش كل ركن في المنزل حرفيا ، لم يترك بقعة دون تفتيش ولكن النتيجة كانت صراخ كاملا المتواصل بإسم ابنتها من ناحية ولم يعثر على طرب من ناحية أخرى ، خرج من المنزل دون أن يلتفت لصراخ كاملا توجه إلى ملاك يسألها :
- ملاك يا حبيبتي ، طرب حامل ، كدة خطر عليها وعلى الجنين ، أختك فين يا حبيبتي
حركت ملاك رأسها للجانبين تنهمر الدموع من عينيها تهمس بحرقة :
- والله ما نعرف يا رعد وما جتش هنا ، إحنا كل اللي نعرفه إنها معاك ، طرب فين يا رعد ؟
رفع يده يضعها فوق رأسه يشد خصلات شعره بعنف ، الآن هو على أتم ثقة أن والده هو من اخفاها ، تحرك يركض إلى سيارته وخلفه يوسف الذي استطاع اللحاق به في اللحظة الأخيرة فتح الباب المجاور له يجلس سريعا قبل أن ينطلق يسأله متلهفا :
- اهدا بس يا رعد ، هتكون راحت فين يعني ، هي ما تعرفش حد اصلا ، ملاك قيلالي أنهم مالهمش قرايب خالص ، وما يعرفوش حد تروح عنده
أكمل رعد طريقه سريعا إلى منزل أبيه ، أوقف السيارة ينزل منها مسرعا ، هرول لداخل البيت يفتح الباب بمفتاحه رأى والده يجلس في صالة يتحدث في الهاتف غاضبا :
- تقلبوا الدنيا لحد ما تلاقوها ، قبل شمس بكرة يكون عندي هي فين
أغلق الخط حين رأى رعد ؛ ليقف اقترب منه يغمغم يطمأنه :
- ما تقلقش ، أنا قالب عليها الدنيا هنلاقيها والله
كاد أن يقول شيئا حين سمع صوت صرخة فرحة خرجت من والدته حين رأته ، هرعت إليه تحتضنه بقوة تنهمر الدموع من عينيها :
- كل دي غيبة يا رعد وحشتني أوي ، وحشتني أوي يا حبيبي
احتضن والدته يقبل قمة رأسها ، قبل أن يتوجه بأنظاره إلى أبيه يترجاه بنظراته قبل أن يحادثه بحرقة :
- أنا عارف إني غلطت في حقها كتير ، بس والله أنا كنت رايح أصالحها ، أرجوك يا بابا لو بتعاقبني ببعدها ، أنا هتنازلك عن كل حاجة، بس أرجوك رجعهالي
زفر جاسر أنفاسه حانقا يحادثه منفعلا :
- يا إبني أفهم ، أنا لما اعوزك اعاقبك هخفي منك مراتك ، أنا بدور عليها زيي زيك وهلاقيها ، اهدا يا رعد عشان تعرف تفكر ، ودور عليها في الأماكن اللي كنتوا بتتقابلوا فيها الأول
اومأ برأسه سريعا ، ربما والده محق فيما يقول ركض إلى سيارته يبحث عنها ولكن أين طريق صحيح ؟
هناك في منزل فخم فاخر ، ملك لرجل الأعمال كامل غريب ، صديق والدها المقرب ، الرجل الذي ظهر في طريقها فجاءة حين كانت تهرب من منزل رعد ، كاد أن يصدمها بسيارته ، ربما القدر وضعه في طريقها ليساعدها ، تتذكره جيدا كان من أقرب أصدقاء والدها ، والده كان يثق به أكثر من ثقته بعُدي شقيقه ، جلست على الفراش في غرفة النوم هذه تنظر حولها بين حين وآخر ، تنهمر الدموع من عينيها ، تشتاق لرعد ولا تنكر ، لكنها لم تتعد تتحمل ما يفعل ويقول ، دُق باب الغرفة لتمد يدها تمسح دموعها سريعا تأذن للطارق بالدخول ، فدخل كامل ، رجل في منتصف الخمسينات جسده متوسط الطول ممتلئ لحد ما ، ملامح وجهه هادئة بسيطة بشوشة ، اقترب منها يجلس على حافة الفراش أمامها ، ظل ينظر إليها مطولا حزينا على حالها قبل أن يردف :
- أنا ما صدقتش نفسي لما شوفتك وأنتي بتجري بالمنظر دا ، كأنك بتهربي من وحش ، بعد موت جلال سافرت ، ويا ريتني ما سافرت
المعلومات اللي عرفتها في الكام ساعة دي حاسس إني هتجنن ، جلال مش هيسامحني أنا بعدت عنكوا وسيبتكوا تتبهدلوا ، بس أنا مش هسيبك تاني ، أنا هاخدك معايا وهنسافر أنا وأنتي برة مصر ، انجلترا
نظرت إليه متلهفة تحرك رأسها بالإيجاب توافق ما يقول :
- ايوة بس هخرج إزاي أنا ما عييش أي أوراق
عقد كمال جبينه يفكر في حل لتلك المعضلة ، إلى أن توصل الى حل نظر إليها يغمغم سريعا:
- هديكِ هوية سارة بنتي ، الله يرحمها هي اتوفت وإحنا في البرازيل وادفنت هناك ومش مثبت في أي ورق هنا أنها ماتت ، تغير صورتك بصورة سارة مش هتبقى صعبة بالفلوس ، اديني كام ساعة وهحلها ، حتى لو اضطريت إني أخد طيارة خاصة ، الوقت مش في صالحنا مع نفوذ جاسر مهران
اومأت برأسها توافق ، خرج كمال من الغرفة وتركها ، تتصارع بين صوتين احدهما يخبرها بالعودة والآخر يصرخ فيها أن ترحل بلا عودة ، مرت عدة ساعات قبل أن تجد كمال يدخل إلى الغرفة ومعه رجل آخر جل ما فعله أنه وضع خلفية بيضاء خلفها والتقط لها صورة ، ورحل
وجلست هي تهز ساقيها متوترة تحاوط بطنها بكفيها تربت عليه برفق تحادث صغيرها وهي تبكي :
- ما تزعلش مني يا حبيبي ، بس والله أنا عملت كل حاجة عشان خاطر احمي بابا من كل أذى وفي الآخر هو اللي اذاني واذاني أوي ، حسسني أن أنا رخيصة أوي يا حبيبي ، مش ناسية كلامه ، كلامه صعب أوي
ظلت هكذا مدة طويلة تقترب من الساعتين ، إلى أن وجدت جلال يدخل إلى الغرفة يعطيها جواز سفر بإسم سارة كمال غريب بصورتها هي ومن ثم أردف يقول :
- ما تخافيش أنتي مش هتعيشي بهوية واحدة ميتة ولا حاجة ، الهوية دي بس عشان تخرجك من البلد ، وهناك أنا بعلاقاتي هعرف اجبلك بطاقتك وجواز سفرك وشهادتك الجامعية ، يلا بينا الطيارة مستنيانا
اومأت برأسها موافقة وقلبها وعقلها وروحها يرفضون جميعا موافقتها ، تحركت معه تحمل حقيبتها ليأخذها كمال منها ينزلان لأسفل صوب السيارة التي تنتظرهم ، تحركت بهم صوب المطار ، نظرت لكمال حين سمعته يقول :
- طرب أنتي لسه عندك فرصة ترجعي ، وبعدين اللي وصلي أن جاسر مهران وابنه رعد قالبين الدنيا عليكي وأن رعد بيلف في الشوارع يدور عليكِ ، هقول للسواق يلف
حركت رأسها للجانبين ترفض ذلك شردت عيناها تبتسم ساخرة تتهكم من نفسها :
- لاء ، أنا مهما عملت هنا هفضل طرب الرقاصة ، حتى هو عايرني بدا ، أنا ماليش مكان هنا ، أنا تعبت من الخوف
الأول الخوف على ملاك ، وبعدين الخوف عليه ليأذوه ، والخوف من جاسر باشا ليعرف الحقيقة ، والخوف منه هو لما يعرف الحقيقة ، والخوف من نفسي لأن بعد كل اللي عمله فيا أنا لسه بحبه مع إني عمري ما كنت بالضعف دا
عشان كدة لاء كفاية كدة ، أنا هبعد ومش هرجع تاني ، جاسر باشا حولي فلوس كتير لحساب عملوا ليا في البنك ، بس أنا مش عارفة هسحب منه إزاي ، بس أكيد هنلاقئ طريقة ، أكيد هلاقي حياة جديدة ، أعيشها من غير خوف بقى
تنهد كمال حزينا على حال المسكينة ، توقفت السيارة بهم أمام المطار نزل منها إلى الطائرة ، بعد فحص الجوازات جلست على مقعدها في الدرجة الأولى مجاورة للنافذة تغلق حزام الأمان كما أخبرتها المضيفة قبل الإقلاع وما هي إلا لحظات وشعرت بالطائرة ترتفع عن سطح الأرض رويدا رويدا إلى أن باتت تحلق في السماء ، في اللحظة التي أدركت فيها أن الطائرة قد باتت في السماء ، أرادت أن تبكي كطفلة صغيرة تود العودة له من جديد ولكنها لن تفعل ذلك !
وقف عند ضفاف المكان القديم ، اعتاد أن يقابلها هنا ... يتحدثان يضحكان ، يشعر مع الغريبة أنه بأمان وينتهي الأمر دوما بعدة شطائر من عربة "الكبدة" وكوب عصير "قصب" كبير ومن ثم يغادران على موعد بلقاء جديد غدا ، لف رأسه يبحث عنها هنا وهناك عله يرى طيفها يؤنسه ، يعتذر له ويطلب منه أن تسامحه ، ارتسمت ابتسامة كبيرة على شفتيه حين تذكر أول مرة رآها هنا ، المجنونة قفزت في النيل وخرجت تخبره أنها جائعة ، قطعت دموعه ابتسامته حين تذكر سيل الكلمات الجارحة التي خرجت من فمه يؤذيها به ، تهاوى أرضا على ضفاف النيل ينظر للمشهد أمامه متلهفا يتمنى رؤياها ، أن يخرج كما الحورية ليخبرها كم يحبها وينكوي فؤاده لفارقها
_______________
في صباح اليوم التالي استيقظت باكرا على صوت المنبة المزعج وهو لا يتوقف عن الدق بشكل سخيف متواصل ، لا تزال السادسة ترغب بشدة في البكاء لتعود للنوم من جديد ، الجميع نيام لما يجب أن تصحو هي مبكرا ؟ قامت تجر قدميها من الفراش إلى المرحاض اغتسلت وبدلت ثيابها إلى أخرى ، حملت حقيبة يدها ... تنهدت تتمتم مجهدة:
- ربنا يسامحك يا خالي ، مش كفاية دبستني في المشروع مع حسين ، لاء كمان نكون موجودين في الموقع ٧ الصبح ، هموت وانام يا ناس
نزلت للطابق السفلي الجميع نيام ، توسعت حدقتاها حين رأت رعد أمامها والمشهد العجيب الذي تتخيل أن تراه يوما ، رعد مجهد حزين عينيه حمراء شعره مبعثر ، ولكن لما التبغ بين شفتيه !! منذ متى ورعد يدخن من الأساس حين نظرت للطاولة أمامه شهقت من كم السجائر المطفئة ، كم سيجارة شرب رعد للآن ؟!!! ، اقتربت منه تغمغم مستنكرة :
- رعد ، أنت بتشرب سجاير ؟! من امتى يا رعد وكام سيجارة شربت دي علبة ولا اتنين ، بابا لو شاف كدة هيتضايق أوي يا رعد
جلست جواره تسحب السيجارة من يده تدهسها في الطبق الزجاجي أمامها لترى ابتسامة حزينة ساخرة ترتسم على شفتيه رفع كفيه إلى وجهه يتمتم متهكما :
-من فترة طويلة لما كنت بتخنق من اللي ابوكي بيعمله فيا ، كنت ببعد عن البيت لأقصى الحدود واتأكد كويس أن ما حدش شايفني ، واشرب سيجارة اخفف بيها الضغط عني ، وأعمل حسابي أن ما يفضلش على هدومي اي ريحة ، كنت عبيط أوي
ومن ثم صمت يحاول أن يمنع دموعه ، ولكنه لم يقدر انهمرت الدموع من مقلتيه بحرقة :
-ولسه عبيط وغبي ، ضيعتها من أيدي ، هربت وسابتني يا چوري أنا هموت من خوفي عليها مش عارف هي فين ولا حصل فيها ايه ، كويسة ولا لاء ، هي ترجع بس وأنا هغور في داهية مش هوريها وشي تاني ، بس على الأقل ابقى مطمن عليها يا چوري
أدمعت عيني چوري على حال أخيها الحزين المشتت ، اقتربت منه تعانقه تمسح على رأسه ليتمسك بها ينفجر في البكاء ، ظل بين أحضانها تعانقه تهدئه وهو يبكي طويلا إلى أن ارتخى وكاد أن ينام اخيرا ، مسحت على رأسه برفق تهمس تحادثه :
-قوم معايا يا رعد ، اطلع نام شوية عشان تقدر تكمل تدوير عليها ، أنا واثقة انك هتلاقيها قريب أوي
حرك رأسه للجانبيبن يتمتم بحرقة:
- مش هقدر أدخل الاوضة وهي مش موجودة يا طرب مش هقدر صدقيني
أسندت جسد أخيها تدخله إلى غرفتها هي ، سطحته على الفراش تضع الغطاء عليه ، نزلت لأسفل سريعا تنظف فوضى السجائر تُعطر المكان حتى تختفي رائحة السجائر من المكان ، خرجت للسيارة فتفاجئت بوجود حسين يقف بسيارته في الحديقة ، فتح الباب المجاور له من الداخل يحادثها بهدوء:
-اركبي يا چوري كدة كدة أنا وأنتي رايحين نفس المكان ، عاوز اتكلم معاكي كلمتين معلش
تنهدت متضايقة ومتوترة في الآن ذاته ، تحركت صوب السيارة ،جلست على المقعد المجاور له تُغلق باب السيارة لتظهر رائحة السجائر التي علقت بملابسها وكفيها ، قطب حسين جبينه حين وصل إليه رائحة السجائر يسألها مدهوشا ؛
-في ريحة سجاير ، أنتي بتشربي سجاير
حركت رأسها إلى ثيابها تشتم رائحة السجائر التي علقت بها ، امتعضت قسمات وجهها اشمئزاز ، تُخرج زجاجة عطرها من حقيبة يدها التفتت له قبل أن ترش منه تحاول إخفاء رائحة السجائر تحادثه بلامبلاة:
- وأنت مالك ، بشرب ولا ما بشربش مش شغلك
أدار محرك السيارة يتأفف حانقا ، انطلق بالسيارة يحاول أن يقول ما سيقوله بنبرة هادئة حتى لا يظهر أنه يغار عليها ، حمحم يتحدث بحذر وهدوء :
- أنا عارف أن وضع وجودك معايا في المشروع دا مفروض عليكِ ، بس مش بإيدي صدقيني ، احسن تفتكري أن أنا اللي قولت لوالدي ، النقطة اللي أنا عاوز اتكلم معاكي فيها ، أن أنا مجبر على الصفقة دي زيي زيك بالظبط ، وبحاول أكون بعيد عشان ما يضايقكيش وجودي ، بس يا چوري معلش أنا في الأول وفي الآخر ابن خالك ، وما اقبلش أبدا أن البتاع اللي اسمه عمر دا يقف يهزر معاكي بالشكل دا ، انتي المفروض تصديه وتبعيده مش أنتي تضحكي على اللي هو بيقوله بالمنظر دا
هنا تأججت غضبا شعرت بغضب شديد يجتاح كيانها يأتي الآن ويتلبس دور الواعظ ، هل نسي ما فعله شقيقه ؟
هل نسي ما عانت بسببه هو وشقيقه ؟ وفوق هذا وذاك هل نسي انه نفسه كان يمزح مع تلك المهندسة السخيفة زميلة عمر التي لا تذكر اسمها حتى ، رفعت يدها بحقيبة يدها تصدمه بها بعنف لمرة واحدة تصرخ فيه :
-أنت مالكش أي حق في اللي بتقوله دا ، بعد اللي عيشت بسببك أنت وأخوك جاي تعيشلي في دور الواعظ وكمان بتنصحك ، لاء خلي نصيحتك لنفسك ، وبعدين ما إنت واقف بتضحك وتهزر مع المهندسة التانية اللي اسمها منال وروان كلمتك ولا قولتلك حاجة ولا هو حلال ليك عادي وحرام عليا ، اقولك حل حلو اتبرى مني بلا ابن خالي بلا بنت عمتك
أذابه الذهول حقا بداية من صدمها له بحقيبة يدها نهاية بإنفجارها كالإعصار بذلك الشكل ، عصر المقود تحت كفه يده يحارب رغبته العارمة أن يصرخ فيها أنها لا تزال زوجته !! وأن تتوقف عما تقوله قبل أن يأخذها ويتحرك بها إلى شقة الزوجية التي لم يدخلانها بعد ويحتجزها هناك إلى أن تعود علاقتهم لسابق عهدها ، أكمل طريقه غاضبا شاردا إلى أن وصل للموقع ، رآها تفتح باب السيارة نزلت منها تصفع بابها خلفها بعنف ، أول ما فعلت كان هو أنها رفعت يدعل تلوح لعمر أنها قادمة !!
_________
التاسعة والنصف صباحا في المستشفى في مكتب جاسر راضي تحديدا ، يجلس هناك خلف مكتبه يحاول الاتصال برقمها مرارا وتكرارا ،لما لا تجيب لا يفهم ؟! ، رينا لأنها التاسعة والنصف صباحا وهي لا تزال نائمة مثلا!! ، أخيرا بعد عدة محاولات سمع صوتها الناعس المتحشرج أثر النوم تتحدث متضايقة :
- ايوة مين على الصبح
ضحك عاليا يضجع بظهره إلى ظهر مقعده يغمغم عابثا :
-في عروسة لسه مقري فتحتها إمبارح تفضل نايمة لحد تسعة ونص دا ايه الكسل دا كله
سمع صوتها وهي تضحك ودقيقة تقريبا من الصمت قبل أن تحادثه :
-ايوة انت بتصحى مع الفراخ أنا ذنبي ايه ، أنت بتصحى بدري أوي يا جاسر
ضحك مستمتعا بمحادثتهم معًا ، لم يكن يظن يوما أنه سيسعد في محادثته مع فتاة ، ولكنه حدث ، حمحم يسألها عن صديقتها :
- صحيح زينب صاحبتك عملت إيه ، قولتيلي أنها قلقانة وخايفة
سمع منها تنهيدة طويلة ومن ثم صوتها تطلب منه إن ينتظر ، ومن ثم سمع صوتها تقول :
- معلش كنت ببعد عن الأوضة عشان زينب مش ناقصة ، زينب صعبانة عليا أوي يا جاسر الظابط خوفها ، قالها أن ممكن الحيوان دا يقول أنه يعني شافهم في وضع مخل عشان كدة كان بيدافع عن شرفه
ضحك جاسر يسخر من تلك الفرضية الهزلية السخيفة قبل أن يتهكم منهم :
- دا ظابط ساقط دا ، يعني هو شاف بنت خالته في وضع مخل فراح ضربك أنتي بالسكينة ، دا أحول دا ، وبعدين لما يقول كدة وكيل النيابة هياخد شهادتك وتقولي أنه كذاب ، سيبك من الهطل وطمني زينب ، البنت دي بنيتها النفسية زي الزفت اصلا ، أنا بحاول ارمم بس الأساس نفسه مخوخ
تنهدت توافق ما يقول تتمتم بنبرة حزينة بائسة :
- تعرف يا جاسر ، كان نفسي زينب تبقى أختي ، أنا بحسد نفسي على بابا وماما ، تعرف لو كانت والدة زينب هي مامتي ، وكان حصلي نفس الحادثة كان زماناها موتتني ولا حرقتني زي ما كانت بتهدد زينب
انتفض من مقعده يعقد جبينه وقلبه ينقبض من تلك الفكرة المروعة حرك رأسه للجانبين يتحدث متضايقا :
-بعد الشر عنك ، ما تقوليش كدة تاني ، وبعدين بطلي تفتكري الحادثة يا مليكة ، ارميها ورا في آخر ذكرياتك عشان عقلك ما يستخدمهاش ضدك في طل لحظة ضعف يفكرك بيها عشان يضغط عليكي لحد الانهيار عشان تأذي نفسك وياخد جرعة الألم اللي اتعود عليها
سمع ضحكة صغيرة تخرج من بين شفتيها قبل أن تتنهد تهمس مستاءة :
- أنا واثقة أن دكتور قاسم مالكش حاجة على حوار اني بأذي نفسي دا ، بس الموضوع سخيف بجد يا جاسر ، أنت دايما بتحلل معطيات الموقف وتوصل لنتايج صح ، يعني أنا لو حبيت مثلا اخبي عليك أي حاجة مش هعرف
تضايق فأول فكرة تجول في رأسها هي أن تُخفي عليه بعض الأشياء ، زفر أنفاسه اعتدل في جلسته يحادثها متضايقا :
- وليه تخبي عليا اصلا أي حاجة يا مليكة ، أنا شخص صريحة لا ليا في اللف ولا في الدوران ، شايف إن أقصر وأسهل هو الطريق المستقيم ، وبعدين ما فيش أي حاجة تستاهل أن يحصل بينا خلاف أو نتخانق ، عشان كدة مهما كان اللي حصل ، أرجوكِ تقولي لي عليه
قابله الصمت من ناحيتها لعدة لحظات قبل أن يسمعها تتحدث متعجبة ما قال:
-مالك يا جاسر قفشت كدة ليه ، على فكرة أنا كنت بهزر ، ما تقلقش أنا شخص عاقل وناضج مش هبلة يعني ، معلش يا جاسر هقفل عشان بابا بينادي سلام
وأغلقت معه الخط ، أبعد الهاتف عن أذنه ينظر لسطح شاشته متضايقا، لما تضايقت مما قال ؟ أو هو من تضايق اولا فهي تضايقت بسببه ؟
زفر أنفاسه متضايقا يفكر
بالأسفل حيث الكافتريا ، جلست سما كعادتها تشرب من كوب قهوتها تنظر أمامها شاردة تفكر فيما مضى وفيما سيحدث ، تشعر بالقلق ولكن وجود جاسر ووالدها يُخفف من بين ذلك الشعور ولكنه في نفس الوقت يوقظ شعور آخر ، شعور سخيف لا تحبه ، شعور أنها عبئ زائد عليهم ، شعور أنها ضيف ثقيل .. تنهدت بعمق تغمض عينيها لعدة لحظات كي تستعيد نفسها ، حين فتحتها وجدت طارق يشق طريقه قادما إليها ،يحمل في يده كوب قهوة أرادت أن ترحل ولكنها لم تفعل فقط ظلت جالسة تحاول أن تُظهر أنها لا تبالي ، جذب طارق المقعد أمامها جلس يبتسم في وجهها قبل أن يتحدث بهدوء :
-صباح الخير عاملة ايه ؟
ابتسمت تحرك رأسها في هدوء قبل أن تتمتم :
- صباح النور ، كويسة الحمد لله ، شكرا لسؤالك
كانت تحاول إنهاء المحادثة ولكنه كان يبدأها فلم يصمت ، بل ابتسم يعاود سؤالها :
- جبتي هدوم المدرسة لتميم
حركت رأسها بالإيجاب سريعا ، ورفعت رأسها إليه قررت إحراجه ليرحل فسألته :
- وأنت جبت للولاد ولا لسه اوعى تكون معتمد على المدام ومنفض إيدك
ابتسم يحرك رأسه للجانبين تنهد يتحدث :
-لاء أنا معنديش أولاد يا سما ، أميرة الله يرحمها ما كانتش بتخلف ورضيت الحمد لله وما فكرتش اتجوز عليها أبدا عشان ما أجرحهاش ، لحد ما ربنا استرد وديعته ربنا يرحمها يارب ويجعل مثواها الجنة ، كانت ست طيبة أوي
ومن ثم صمت لبضع لحظات قبل أن تتغير نبرته لأخرى أكثر حزنا :
- كان نفسي أحبها أوي ، هي تستاهل كل الحب اللي في الدنيا بس للأسف قلبي كان مشغول بغيره
قال جملته الأخيرة وهو ينظر لعينيها مباشرة لتتوتر للغاية ، ارتبكت تحاول أن تقول شيئا :
- طارق أرجوك دا كان ماضي ، عن إذنك
تحركت لتقوم ليمسك بكف يدها يتحدث سريعا :
- وليه ما يبقاش حاضر ومستقبل يا سما ، ليه ما تقوليش أننا رجعنا هنا لنقطة البداية عشان نرجع لبعض تاني ، سما أنا لسه بحبك .. أدي لمشاعرك فرصة يا سما ، أنا مش وحش زي ما هو ضحك عليكي وفهمك
شدت يدها من يده لتقف سريعا ، وقف أمامها يمنعها من الرحيل يتحدث متضايقا :
- أنا ما بطلبش منك معجزة يا سما ، أنا بطلب منك فرصة ، لو بصيتي للمستقبل هتلاقي ان إحنا للاتنين محتاجين الفرصة دي وما تقلقيش من نقطة الولاد ، صدقيني هيبقوا زي ولادي
أنا هسيبك تفكري وهستنى رأيك ، عن إذنك
وتركها والتفت وغادر تاركا إياها في عاصفة من الحيرة ، تفكر !!
__________
تشتاق له ، تشتاق لرؤياه ... بسببها هي حدث له ما حدث ، تشعر بذنب بشع يأكل روحها بسبب ذلك الوغد منير حدث له ما حدث ، بعد أن كان رجل خلوق يشهد الجميع بأخلاقه ونجاحه في عمله بات بين ليلة وضحاها مدمن للمخدرات ، بصعوبة أعطاها عاصم عنوان المصحة الذي يتعالج بها ، تحركت لهناك ترغب فقط في رؤياه ولو من بعيد تطمأن أنه بخير ، اصطحبها الطبيب لغرفته ، وقفت أمام باب الغرفة في حين دق الطبيب الباب ودخل من شق الباب المفتوح استطاعت أن ترى ما يحدث بالداخل ، رأته أمامها يجلس على طرف فراش ينظر بعيدا ... حين دخل الطبيب ناحيته محمود لف رأسه إليه ، فتجمعت الدموع في عينيها حين رأته ، وجهه شاحب ذابل يعلو شفتيه ابتسامة باهتة ، هالات قاتمة تأكل محيط عينيه ، وضعت يدها على فمها تكبح صوت بكائها ، سمعت صوت الطبيب يقول :
- يارب دايما تكون كويس يا عم محمود ، معايا ضيف مشتاق أوي أنه يشوفك
وتحرك يفتح الباب فظهرت أمامه وظهر أمامها وكأن الحاجز بينهما تلاشى ، تحركت عيناها على قسمات وجهه وفعل المثل باشتياق ظلا هكذا لدقيقة تقريبا قبل أن ينتبها على صوت الطبيب يقول :
-اتفضلي ادخلي يا مدام يا فاطمة أنا هروح أمر على كام كشف 10 دقايق وراجع
أعطته ما يشبه ابتسامة تشكره ،خطت للداخل في جين خرج الطبيب من الغرفة أغلقت فاطمة باب الغرفة ، ابتلعت لعابها متوترة دقات قلبها على وشك تحطيم صدرها ، تحركت تبتسم في وجهه حزينة على حاله جلست جواره على الفراش ، رفعت يدها مترددة تضعها على كتفه تهمس باسمه ، فالتفت لها توسعت عيناها حين رأت الدموع تملئ حدقتيه وجرت على وجهه يهمس يعتذر منها:
- أنا آسف يا فاطمة ، بجد آسف على كل كلمة متخلفة غبية خرجت مني جرحتك ، أنا ما كنتش في وعيي ، أنا...
وسكت حين مدت يدها تكمم فمه بكف يدها تحرك رأسها للجانبين تقطر دموعها من عينيها بلا توقف ، جذبته تعانقه ليتمسك بها ، يغمض عيناه يسمح لدموعه بالسقوط بين أحضانها حين سمعها تقول :
- ما تقولش حاجة يا محمود أنا عارفة وفاهمة ، صدقني أنا مش زعلانة منك ، أنا عيزاك تخف ، أنت واحشني أوي حاسة إني في غربة من غيرك ، إحساس ما حستوش قبل كدة ، أنا حاسة إني غريبة وسط أهلي ،عشان خاطري يا محمود خف بسرعة
شعرت به يحرك رأسه لأعلى وأسفل ، أبعدته عنها تعود بظهرها للخلف قليلا تنظر لوجهه تبتسم تشد على كفه تشجعه ، أشارت إلى الحقيبة في يدها تفتحها سريعا تخرج منها طبق معكرونة مغلق فتحته أمامه تعطيه شوكة تغمغم مبتسمة :
- عارفة أنك بتحب المكرونة بالبشاميل ، ثولت لازم اعملهالك ، وسألت الدكتور قالي عادي ياكل أي حاجة هو عايزها
ابتسم لها قبل أن يوجه انظاره للطبق في يده لا شهية له في اي شيء سوى النوم يشتهى النوم وكأنه المتعة الوحيدة المحرمة في الحياة ، ينام أكثر مما يصحو ، حين طال صمته توترت فاطمة من شروده الطويل ومدت يدها تأخذ منه طبق الطعام والشوكة ، تأخذ البعض تقربهم من فمه ، فتح فمه يأخذ ما في يدها لتبتسم سعيدة تعيد الكرة مرة بعد أخرى إلى أن شعر بالشبع فرفض أكل المزيد وتوقفت هي عن إطعامه تضب الطعام في الحقيبة في خضم ما تفعل ارتجف كفها وانزاح قناع الثبات الذي حاولت رسمه ما أن وقعت عينيها على وجهه الشاحب لتنهمر الدموع من عينيها بغزارة ، رفعت كفيها إلى وجهها تبكي بلا توقف لتشعر به يجذبها إلى أحضانه تمسكت بقميصه بكفيها تدفن وجهها بصدره تبكي بحرقة تعتذر منه :
- أنا آسفة ، أنا بجد آسفة أوي سامحني ، سامحني يا محمود ، يا ريتك ما اتجوزتني ، أنا السبب أنا آسفة
لم يفهم لما تردد الآن أنها السبب ولكنه لم يقبل بلومها لنفسها ، أبعد رأسها عن صدره قليلا يمسح دموعها بإبهاميه يحرك رأسه للجانبين يحادثها بهدوء :
- لاء يا فاطمة مش أنتي السبب إياكِ تلومي نفسك ، وبعدين أنا كويس وهبقى كويس قريب أوي كمان ،أرجوكي ما تعيطيش
حاولت أن توقف سيل بكائها لم يستطع لسانها أخباره أن ما حدث له فعله الوغد منير بسببها هي ، لأن منير مهووس بها ولكن منير الآن ميت وقد انتهت من لعنته تماما ، تنهدت تومأ برأسها موافقة ، تحرك عينيها على صفحة وجهه ، أحمر وجهها خجلا حين أدركت أنها تجلس بين أحضانه ، أما هو فابتسم لها زيارتها اليوم كانت كالنسيم على قلبه في خضم الجحيم الذي يعيشه حتى يتعافى ، انحنى برأسه شيئا فشيء منها إلى أن شعرت بأنفاسه الدافئة تدغدغ كيانها ، أغمضت عيناها حين شعرت به يلتف معها في موجة سريعة من العشق ، لذة للحظات يرتوي منها العشق في يوم صيفي شديد الحرارة أجهد قلبه ، أبعد ثغره عن شفتيها يستند إلى جبينها يتنفس سريعا يبتسم لها ينظر لوجهها لحظات عدة قبل أن يتذكر شيئا ما فابتعد برأسه يسألها قلقا :
- صحيح يا فاطمة أنتي قولتي ايه لماما ، اوعي تكوني قولتلها حاجة
حركت رأسها للجانبين تبتسم تطمأنه:
- لاء ما تقلقش قولتلها أنك سافرت مع جوز أختي عشان هتدخل معاه في صفقة عربيات هتكبر بيها شغلك ، وهي فرحت أوي الصراحة وليل نهار بتدعيلك ، أنا كل يوم عندها
ابتسم يزفر أنفاسه مطمئنا قبل أن يبتسم يشكرها
___________
يجلس في إحدى الغرف يحرك ساقه متوترا يقضم أظافر يده بعنف يكاد ينفجر من الغيظ ، رفع رأسه ينظر للمحامي الجالس أمامه يتحدث منفعلا غاضبا :
- وبعدين يا متر ، خلاص كدة ، هروح في داهية ما تتصرف هو أنت واخد شوية ، دا أنت سفاح فلوس
ابتسم المحامي الجالس أمامه بمكر يضع ساقا فوق أخرى يهمهم ساخرا ، قبل أن يتحدث بهدوء خبيث :
- بص بقى يا فؤاد ، خلينا واضحين أن القضية لبساك لبساك والحوار اللي قولته قدام الظابط ووكيل النيابة ما دخلش على ولا واحد فيهم لانك متناقض شوية تقول أم زينب اللي ضربتها في حين أن ما فيش أي بصمات لأم زينب دي ، وشوية تقول أصل بنت خالتي كانت في وضع مخل وأنا بنتقم لشرفي ، ما هو أنت لو بتنتقم لشرفك المفروض تضربها هي مش تضرب صاحبتها يا غبي
ومن ثم ضحك ضحكة ساخرة ، قبل أن تختفي ابتسامته يقترب برأسه منه يحادثه :
-حل قضيتك دي ، أنهم يتنازلوا عنهم ، عشان يتنازلوا عنها لازم يبقى في فضيحة تضغط عليهم، والفضيحة بقت ساهلة أوي ، كل اللي إحنا عاوزينه أن قضيتك تطلع ترند على السوشيال ميديا
قطب فؤاد جبينه مستنكرا ما يقول المحامي :
- يعني أنت عايز تفهمني أن السوشيال ميديا هتطلعني براءة ؟!
ضحك المحامي ساخرا يومأ برأسه بالإيجاب يردف:
- يا حبيبي السوشيال ميديا بتطلع المغتصب ضحية ، والقاتل بطل ... مش هيبقى صعب تطلعك إنت براءة دي حتى البت لسه عايشة
كل اللي أنا عاوزه منك رقم تليفون أخوك ولا صاحبك بس يكون كل التفاصيا ويقدر يساعدني واوعدك هنعملهم أحلى فضيحة
شرد فؤاد عدة لحظات يفكر في كلمات المحامي ربما هو محق فيما يقول لن يخسر شيئا ، فهو خلف القضبان على كل حال ... مد المحامي له هاتفه ليدون فؤاد رقم صديقه يوجه حديثه للمحامي :
- دا رقم عادل صاحبي هو عارف كل تفاصيل الموضوع وهيساعدك أنا ليا في رقابته جمايل
التقط المحامي الرقم يدونه تحت اسم
( عادل وفؤاد فضيحة سوشيال )
ومن ثم وضع الهاتف في جيب سرواله يخبر فؤاد ما سيفعله بالضبط
___________
توقفت بسيارتها على جانب الطريق تضبط عدسة الكاميرا الخاصة بها ، توجهت إلى منطقة أثرية قديمة في أحياء القاهرة تلتقط الصور هنا وهناك ،إلى أن وقعت عدسة الكاميرا الخاصة بها على ذلك الجالس هنا شاردا يرفع يده يمسح دموع عينيه بين لحظة وأخرى قربت الصورة ليظهر وجهه ، وكما توقعت كان زين يجلس هناك بعيدا شاردا تنهدت حزينة على حاله ، رأت بائع غزل بنات يسير بالقرب منها اشترت منه اثنين وتحركت ذاهبة إليه مدت يدها له بواحدة ليرفع وجهه ينظر الفاعل بدا مندهشا لرؤيتها هنا ، ابتلع غصته يسألها :
- مرام ، أنتي بتعملي ايه هنا؟
جلست على السور القديم تجاوره تمد يده له بالحلوى تصر على أن يأخذها إلى أن فعل يائسا تصميمها المبالغ فيه ، ابتسمت تؤرجح قدميها قبل أن تردف :
- أبدا أنا بحب أجي الأماكن القديمة دي أصورها ، أنت اللي بتعمل ايه هنا ؟
شردت عيناه في المكان حوله قبل أن ترتسم على شفتيه ابتسامة حزينة تتألم اختنق صوته يقول :
- عمار كان بيحب يجي هنا دايما ، كان يقولي أنا بكره الزحمة بس بحب زحمة المكان دا ، كنا بعد ما نخلص لف وضحك نيجي نقعد هنا وناكل ولازم يطلب بعد الأكل شاي بالنعناع يقولي الواحد حاسس أن مالك الدنيا كلها بالخروجة دي ، ما كناش بنخرج كتير ، هو دايما كان مشغول هما بس اللي كام مرة اللي خرجنا فيهم سوا ، كان بيكره التصوير أوي تخيلي مالناش صورة واحدة سوا ، أنا خايف انسى شكله
ورفع يده يمسح الدموع عن وجهه ؛ لتتنهد حزينة على حاله تحادثه مترفقة بحاله :
- هون على نفسك يا زين ، ما كانش بإيدك اللي حصل دا ، وبعدين دا عمره وخلص وأكيد هو أرتاح من هم الدنيا دي
وافقها عمار ارتاح من عذاب نصار الوحشي له، عمار ارتاح من عذاب عشقه لمليكة وهو يعلم أنها تحب جاسر ، عمار ارتاح من عذاب ملاحقة جميع اعداء وضحايا نصار له ، عمار بالفعل ارتاح ... حين انتبه من شروده الطويل رآه تقف جواره تمد يدها له بكوب شاي بالنعناع جلبته من المقهى القريب ، ارتسمت إبتسامة حزينة للغاية على شفتيه يأخذ منها الكوب جلست جواره ترتشف ما في كوبها قبل أن تبتسم تغمغم شاردة ساخرة :
- تعرف مرة وأنا صغيرة كنت بحب أعمل مقالب أوي ، قبل ما نروح قولت للميس أما هروح الحمام واستخبيت وقلبوا عليا المدرسة حتة حتة لحد ما لاقوني في باسكت الكور الكبير كنت مستخبية فيه
لف زين رأسه يبتسم لها شاردا قبل أن يتنهد بعمق يرتشف من كوب الشاي ليمسعها تسأله بحماس :
- عارف ايه الفرق بين الخميس والدقيق
قطب جبينه مستنكر العلاقة بينهما تماما ، نظر إليها يحرك رأسه للجانبين لتردف هي تبتسم باتساع :
- الدقيق بدرة والخميس بعد بدرة
قالتها وانفجرت في الضحك أما هو فظل ينظر إليها مستنكرا نكتتها السخيفة حد الإغماء لما تضحك عليها من الأساس ، خرجت من بين شفتيه ضحكة خفيفة يحرك رأسه للجانبين يائسا ، مجنونة تلك الفتاة الغريبة على ما يبدو
____________
يراقبها من بعيد منذ مدة وهي تقف بصحبة ملاك في انتظار قدوم يوسف ، راقبتها عيناه جميلة تلمع كالقمر بين النجوم ، تلك الملاك الجميلة حبيبة يوسف وهي تقف جوارها تكاد لا تظهر من الأساس ، لو تعلم أنه يحبها لو تعلم أنه ارتاد نفس الجامعة ليكون قريبا منها فقط ، تحرك نحوهم وقبل أن يصل رأى يوسف يقبل عليهم يبتسم لمريم وملاك يرفع يده يلوح لهم ليقترب هو الآخر منهم يسأله مبتسما :
- كنت فين يا عم يوسف كنت لسه همشي أقول عيل تايه يا ولاد الحلال
شعر وليد في تلك اللحظة أنه أثقل الأشخاص ظلا في العالم فلم يبتسم اي منهم حتى على مزحته ، في حين وجه يوسف حديثه لمريم :
- عملتوا ايه في الورق بتاعكوا إمتحان القبول
حركت مريم رأسها تتحدث بهدوء :
-تمام ، فاضل بس نتيجة الامتحان هنروح ولا هنعمل ايه
هنا تدخل وليد من جديد يغمغم سريعا:
- لا لسه بدري تعالوا ناكل أي حاجة ، اهو بالمرة نبقى فود بلوجر ونقيم اكل الكافتريا
ضحك يوسف وابتسمت مريم فطرب قلب وليد ، تحركوا خطوتين فقط ليسمعوا صوت مميز يهمس باسم مريم ، التفوا جميعا لترى مريم مراد يقف بالقرب منهم ينظر إليها مشتاثا حزينا ، ابتلع لعابه وبادر يقول يترجاها :
- مريم ارجوكي اسمعيني ، أنا بحبك والله بحبك أوي ، وعمري ما أفكر أخونك عشان خاطري يا مريم اسمعيني
لم تستمع مشهده وهو عارٍ بذلك الشكل المخزي ، يفعل ما يفعل مع تلك الفتاة لا يزال يصيبها بالغثيان إلى الآن ، صرخت فيه بشراسة:
- أنا لا عايزة اسمع ولا عايزة اشوف خلقتك تاني في حياتي ، امشي من هنا أنا بكرهك سا مراد فاهم بكرهك من كل قلبي
وكم شعر وليد بالسعادة في تلك اللحظات ، أما مريم فبالكاد أمسكت زمام نفسها كي لا تبكي ، التفت يوسف لمراد يطلب منه أن يرحل ولكنهم جميعا تفاجئوا بصوت رجل يأتي من خلفهم يقول :
- في أي يا ولاد مالكوا بتتخانقوا كدة ليه
وكان الرجل نصار الذي ظهر فجاءة أمامهم وكأن الأرض انشقت وأخرجته ، تعجب يوسف كثيرا من ذلك الرجل الذي بات يلتصق بحياتهم ، ووالده يرحب بهم وكأنه شقيقه مثلا !! ، فالتفت له يسأله :
- هو حضرتك بتعمل ايه هنا ؟!
ابتسم نصار في هدوء ، الوغد شبيه أبيه بالطبع سيسأل ، اقترب نصار يدخل إلى الدائرة معهم يغمغم مبتسما :
- أبدا كنت في زيارة لواحد من أصدقائي قي الجامعة اسمه دكتور طه راغب ، في كلية اقتصاد ، وأنا خارج لفت نظري خناقتكوا. واعتقد أنها لفتت نظر ناس كتير لأن صوتكوا فعلا كان عالي وخصوصا
لف رأسه إلى مريم يرمقها بنظرة سريعة قبل أن يردف:
- مريم كانت بتزعق ومتعصبة أوي ، جاسر لو عرف هيزعل أوي عشان في بيوت تتخانقوا فيها مش في نص الجامعة كدة ، ممكن تتفضلوا تروحوا لو خلصتوا
زفر يوسف أنفاسه غاضبا سيخبر أبيه أنه لا يحب ذلك النصار ولا يرتاح لوجوده بالقرب منهم ، نظر لنصار يعطيه ابتسامة صفراء يحرك رأسه موافقا ، نظر لمراد يُخفض صوته يحادثه :
- روح قدم في جامعتك يا مراد وهنتقابل بليل
ومن ثم نظر لهم يتحدث :
- يلا عشان نوصل ملاك ونروح
تحركت مريم من أمام عيني نصار تحاول اختلاس النظرات له وحين فعلت رأته يعطيها إبتسامة كبيرة ، لتنظر أمامها سريعا ... لم يلاحظ ما حدث سوى مراد نفسه الذي قطب جبينه مستنكرا ما حدث أمامه توا !!
______________
هبطت الطائرة في المطار وبدأ الركاب بالنزول ، لم تعتد الألم الذي يشتد منذ ساعات ، تخاف وبشدة أن لا يتحمل جنينها الرحلة ، أغمضت عيناها متألمة تمسك بيد كامل تستنجد به :
- الحقني أنا شكلي بسقط
توسعت عيني كامل فزعا ، سريعا كان المطار يساعدهم في توفير سيارة إسعاف تتحرك بها إلى المستشفى ، أدخلوها غرقى الطوارئ ووقف كامل أما الغرفة قلقا عليها ، لا يعرف ما الذي فعلته تلك الصغيرة لتلاقي كل تلك المعاناة ، مرت ساعة تقريبا إلى أن خرج الطبيب ليهرع كامل إليه يسأله عن حاله فأجاب الطبيب بلغة إنجليزية ترجمهتها :
- إنها في بداية حملها لا ينبغي لها السفر الآن تماما ، من سمح لها بالسفر في مثل هذه الحال ، لا يهم الآن ما حدث قد حدث ، حين اجرينا الفحص اتضح أنها كانت تحمل بتؤام منفصل ، لم يتحمل أحدهما ونزل ، أما الثاني فلا يزال يتمسك برحم والدته عليها الراحة الجيدة ، لا يجب أن تتحرك تماما حتى لا نفقده هو الآخر ، حالتها الآن مستقرة
تنهد كمال يتنفس الصعداء يحرك رأسه موافقا، دخل إلى غرفة طرب جلس جوارها يمسح بيده بخفة على رأسها ليراها تحرك رأسها للجانبين تتأوه متألمة تنطق اسم رعد مرارًا وتكرارًا ليتنهد حزينا على حالها ، فتحت عينيها بعد مرور بضع الوقت ظهر الخوف جليا على قسمات وجهه وهي تسأله :
-هو الجنين سقط مش كدة
ابتسم كمال بهدوء يحرك رأسه للجانبين يطمأنها :
- لاء يا حبيبتي ما تقلقيش بس الدكتور قال لازم ما تتحركيش خالص ، عشان كدة يا استاذة طرب أنتي مش مطلوب منك لحد ما تولدي غير أنك ترتاحي وبس ، مفهوم
أعطته ابتسامة شاحبة مجهدة للغاية تومأ برأسها موافقة تتنهد حزينة مشتاقة للغاية لرؤية رعد
_____________
قضى النهار بأكمله يبحث عنها إلى أن انتصف الليل ولا أثر لها في أي مكان ، حتى في المطارات اسمها ليس مدرج ضمن أي كشوفات المسافرين ، لا شيء فقدها للأبد ، الحزن والقهر والغضب ملئوا قلبه جميعا لم يعد يشعر بشئ سواهم ، عاد أدراجه إلى منزل أبيه ، دخل إلى المنزل لتستقبله والدته بالكثير من الأسئلة لم يرد على اي منها فقط ارتمى على أحد المقاعد يخفي وجهه بين كفيه وجاسر يجلس أمامه ينظر له مشفقا على حاله تنهد يحاول أن يقول شيئا :
- ما تقلقش يا رعد والله هنلاقيها
ابعد كفيه عن وجهه يضحك بعلو صوته يسخر مما يقول جاسر :
- هنلاقيها فين ، قولي هنلاقيها فين ، دا فص ملح وداب ، خلاص اختفت مش هترجع تاني ، خدت ابني ولا بنتي وهربت ، بس أنا استاهل ، استاهل أعيش اللي باقي من عمري متعذب بفراقها وبلوعتي إني اشوف ابني ولا بنتي
أنا ليه الدنيا بتعمل معايا كدة ليه مش عايزة تضحكلي ليه
هب جاسر واقفا ينزل ياسين الصغير عن قدميه اقترب من رعد يود أن يعانقه ليدفعه الأخير يصرخ فيه :
- ابعد عني أنا بكرهك ، أنت فاهم بكرهك من كل قلبي إنت ما بتعملش حاجة غير انك بتدمر حياتي ، دا أنا حتى لما اتعلمت منك حاجة اتعلمت الافترا والقسوة والجحود ، أنت موجود في حياتي عشان تفكرني بكل غلط أنا عملته
هنا فاض الكيل بجاسر تحمله كثيرا ورعد لا يتوقف عن إلقاء اللوم عليه ، مد يده يقبض على ذراعه يصرخ فيه :
- لاء وأنت الصادق أنا موجود في حياتك عشان ألم كل غلط أنت بتهببه آخرهم منير اللي قتلته وأنت بتضربه وأنا اللي لميت الموضوع عشان ما تروحش في داهية
شهق رعد مذعورا لا يصدي ما يقول أبيه ، قتل !! بات قاتلا أسوء من أبيه ، فأبيه لا يقتل وفعل هو ، شعر بألم شديد يعتصر روحه وشيء بداخله يتفتت إلى مئة قطعة ورغبة ملحة في الغثيان ، التقط مزهرية يلقي ما فيها يتقئ بعنف سقط على ركبتيه أرضا حاولت رؤى الاقتراب منه ليدفعها بعيدا عنه ، قام بالكاد يقف نظر لأبيه ضائعا مذعورا مما سمع ، قتل بات قاتلا ؟!! قدميه لم تعودا تحتملانه ولكن رغم ذلك ركض للخارج ، ركض بعنف شديد وكأنه يهرب حاول جاسر اللحاق به ولكنه هدد بقتل نفسه ولم يمر سوى ساعة ووصل لهاتف جاسر مكالمة تخبره أن رعد ولده ، ذهب إلى أحد أقسام الشرطة وسلم نفسه وأخبرهم أنه قاتل !!
جلس غاضبا في غرفة مكتب الضابط يكاد ينفجر من الغيظ ولده الأحمق جاء لقسم الشرطة ليعترف على نفسه ، يطلب حجزه وإعدامه ... رعد يتصرف كمراهق أحمق يعاني من فرط في إفراز هرموناتها ، انتبه حينُ دق الباب ودخل أحد العساكر يجذب رعد لداخل الغرفة ومن ثم انصرف وغادر وبقي رعد واقفا مكانه ينظر إلى أبيه حاقدًا ... تحدث المحامي المصاحب لجاسر يوجه حديثه للضابط :
-حضرتك الكلام اللي بيقوله رعد بيه دا ، سببه أنه بيعاني من صدمة نفسية بسبب مشكلة حصلت أثرت عليه بشكل سلبي ، إنما هو مالوش أي أساس من الصحة
لم يقتنع الضابط بما يقول المحامي ، فابتسم يسخر منه :
- والله المجانين نفسهم ما بيروحوش الأقسام يعترفوا أنهم ارتكبوا جرايم قتل ، يا متر دا لو محشش ولا رافع مخدرات مش هيعمل كدة
قبض جاسر كف يده يطحن أسنانه غاضبا يحاول أن يهدأ كي لا يزداد الامر سوءً ، ينظر لرعد غاضبا يتوعده على الموقف برمته، نظر لساعة يده يتأفف حانقا لا يفهم لما تأخر خالد ... دُق الباب ليخرج من شروده حين فُتح وظهر خالد أخيرا يبتسم في هدوء ، وجه لجاسر نظرة غير راضية إطلاقا ولكنه حافظ على ابتسامته ، توجه إلى الضابط الذي قام واقفا يصافحه ، طلب منه أن يتحدثا سويا على انفراد ، خرج بصحبة الضابط من الغرفة وقف أمامه يتحدث بهدوء:
-بص يا أبو علي الموضوع فيه سوء تفاهم ، رعد ووالده جاسر في بينهم خلاف كبير ، رعد كان عاوز يعمل أي حاجة عشان يضايق جاسر ، وعليه جه يبلغ عن نفسه ، إنما كل دا ما حصلش ،رعد دا زي ابني أنا اللي مربيه
حرك الضابط رأسه يوافق على ما يقول خالد قبل أن يردف مترددا :
-ايوة يا باشا بس المحضر ...
قاطعه خالد قبل أن يُكمل يتحدث مبتسما :
-ما تشغلش بالك بالمحضر أنا هتصرف ، سيبني بس معاهم خمس دقايق عشان أشد ودان الواد دا ما يكررهاش تاني
حرك الضابط رأسه يوافق عاد خالد أدراجه إلى غرفة التحقيق ، ينظر إليهم حانقا قبل أن يوجه حديثه للمحامي:
-معلش يا متر ، تقدر تستنى جاسر برة خمس دقايق وهيحصلك
قام المحامي سريعا وخرج من الغرفة يغلق الباب عليهم ... تحرك خالد صوب جاسر تنهد يتحدث بهدوء يطمأنه:
-ما تقلقش خلصت ، تقدر تاخده وتمشي
ابتسم جاسر يتنفس الصعداء ، قام من مكانه يعانق صديقه يشكره ؛ ليسمعا معا صوت رعد يتهكم منهما معًا:
-لا رُجل أعمال ولوا شرطة شرفاء فعلا
عض خالد على شفتيه غاضبا ، في حين قبض جاسر كفه يمنع نفسه من أن يكلم ولده الأحمق الوقح ، ربت خالد على ذراع جاسر يتحدث حانقا :
-خد ابنك يا ابني وامشي من هنا ، أنا كفاية عليا ولاد الكلب اللي في البيت مش هتبقى أنت وهما عليا يا جاسر ، يلا لو سمحت
نظر جاسر إلى ولده غاضبا فهو يعلم أن خالد يكره أن يقلل أحد من نزاهته في عمله ولو مقدار ذرة واحدة ، أعتذر من صديقه وتوجه نحو رعد قبض على ذراعه يجذبه معه إلى خارج القسم ، لم ينطق بحرف فقد دفعه إلى السيارة ، يجبره على الدخول .. يقود هو ، تحرك بالسيارة مسرعًا الغضب بلغ به مبلغه ، توقف بالسيارة فوق قمة جبل المقطم في منطقة فارغة ، يلف رأسه إلى رعد يردف بكلمة واحدة :
- انزل
ابتسم رعد ساخرًا وفتح الباب المجاور له ونزل ، لحق جاسر به وقف على بعد عدة خطوات أمامه يكتف ذراعيه يتنفس بعمق يحاول أن يهدأ دون فائدة يشعر بنيران تتأجج داخله ، نيران انفجرت دون سابق إنذار حين تحدث رعد يسخر منه :
- ايه جايبني هنا ليه ، عايزني أقتل حد تاني
تحرك جاسر ناحيته يقبض على تلابيب ثيابه يهزه بين يديه يصرخ فيه ، قد فاض الكيل مما يفعل رعد :
- أنت عاوز ايه بالظبط ، أنا خلاص قرفت منك ، أخوك الصغير بيتصرف بنضج عنك ، إنما أنت عايشلي في دور العيل الصغير اللي كل كلمة يتقمص وعايز الكل يراضيه ، يا يغضب ويثور ويكسر ، أنت اللي ضيعت مراتك من إيدك ، لو أنت عاقل كنت سمعتها وصدقتها ، هي ما أذنبتش في حقك هي كانت بتحميك ، وكان دا جزائها وزعلان أوي من رد فعلها ، أنا لما خبيت عليك اللي أنت هببته مع منير ، عشان أحميك من التخلف اللي أنت لسه عامله دلوقتي ، رايح تبلغ عن نفسك برافو عليك ، ما أنا بقولك أنت عيل حتى أخوك الصغير بيتصرف بعقل عنك ، روح هبب اللي تهببه أنت قرفت منك، أنا كنت بحاول أعوضك عن ذنبي في حقك ، بس أنت اتماديت يا رعد ، اتماديت أوي ، واضح أن أنا كان لازم
أفضل أعاملك بنفس الطريقة عشان تفضل ماشي مظبوط ، اكبر بقى وبطل تعيش في دور الضحية
ودفعه بعيدا عنه ينظر له حانقا يكاد ينفجر منه غيظا ، لا يصدق أن الأحمق جره إلى الأقسام بعد منتصف الليل ، أما رعد فكام يقف صامتا ، صامتا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وجهه جامد ، والده محق في كل كلمة يقولها ، محق فهو أحمق أبله ، يفكر بعقل طفل ليس بناضج
محق ، والده محق ومخطئ في الآن ذاته ، ظل ينظر لأبيه مطولا قبل أن يلتفت ويتحرك يغادر يمشي بهدوء ، يغادر المكان قطب جاسر جبينه مستنكرا ما فعل صرخ باسمه :
-رعد ، اقف مكانك رايح فين
ولكن خطوات رعد الهادئة لم تتوقف ، لم تتحرم رقبته حتى وينظر لأبيه بل أكمل سيره في الطريق المعاكس ، المعاكس لكل شيء بداخله ، للقيم والأخلاق والمبادئ
سيبدأ من جديد ، سيبدأ من الإتجاه المعاكس للجميع
___________
بعد مرور عام !!!
استيقظت صباحا في تمام السابعة والنصف ، فتحت عيناها تنظر للقطعة الصغيرة النائمة جوارها ، اقتربت منه تضمه لأحضانها تشتم رائحته الخلابة ، يونس طفلها الصغير صاحب الأربعة أشهر ، نظرت استندت إلى راحة يدها تنظر لوجهه وهو يغط في النوم كملاك صغير ، ملاك صغير لا ينام الليل بأكمله وتظل تلتف به حول نفسها إلى أن تنهار باكية ، تحركت عيناها على قسمات وجه الصغير ، يُونس يشبه صورة رعد وهو طفل ،صورة أعطتها والدة رعد لها ، تخبرها أن تنظر إليه دوما حين تحمل في طفل حتى تنجب طفل صغير يُشبه أبيه ، ولكن دون النظر لأي صورة يونس قطعة مصغرة عن رعد ، رعد كم تشتاق لرؤياه لم يتوقف قلبها عن الصراخ بإسمه ، منعت نفسها مئات المرات من أن تدهس على قلبها وتأخذ أول طائرة عائدة لأرض الوطن وترتمي بين أحضانه تخبره أنها تحبه وتسامحه تحلم به كل ليلة هنا يعانقها يعتذر منها يحتضنها يخبرها أنه يحبها ، عقدت ذراعيها خلف رأسها تفكر شاردة ، عام كامل عام مر بسرعة البرق تغير فيه الكثير ، كمال صديق والدها ملاك أُرسل إليها ليساعدها ، استطاع بعلاقاته أن يجلب لها نسخ من أوراقها الشخصية ،وباتت تعيش بهويتها الأصلية ، طرب جلال المهدي وليست إبنة كمال الميتة ، حياتها اختلفت كثيرا لم تعد تشعر أن من حولها ينظرون إليها ويتهامسون ساخرين ها هي راقصة الملهى الليلي ، لم تستطع أن تؤسس لنفسها مشروع خاص لأنها ما أن تقرر أن تسحب من البنك ، سيصبح مكانها مكشوفا أمام رعد وأبيه ، عرض عليها كمال شاكرا أن تعمل معه ووافقت فباتت مساعدته الخاصة وذراعه الأيمن الذي يرتكز عليه ، كمال يعاملها كوالدها يعشق يونس الصغير ... نظرت للساعة تأخرت كثيرا هبت سريعا تتوجه إلى المرحاض
حين خرج وجدت يونس قد استيقظ وها هو يشرع في البكاء ،توجهت إليه تحمله بخفة تهدهده بين أحضانها :
- بس يا يونس ، بس يا حبيبي ، ماما عاوزة تلبس عشان تاخدك وننزل عند جدو
بدلت ثيابها بمعجزة حرفيا نزلت لأسفل تحمل الصغير على ذراعها الأيسر تنزل لأسفل وجدت كمال ينتظرها على طاولة الطعام ، رافضا الأكل قبل نزولها ، ابتسم سعيدا ما أن رآها يحادثها :
- يلا يا طرب عشان نفطر ، هاتي حبيب جدو دا
ابتسمت طرب بخفة تُعطي الطفل الصغير لكمال ليأخذه من بين ذراعيها يحتضنه يقبل يديه الصغيرين وجبينه ، جلست طرب مكانها تبادلت هي وكمال نظرات طويلة شعرت خلالها بتوتره وأنه يود قول شيئا ، فابتسمت في وجهه تتحدث :
-حضرتك عاوز تقولي حاجة ومتردد
ابتسم كمال يحرك رأسه بالإيجاب،طرب ذكية سريعة البديهة عالية التركيز ، ابتلع لعابه يتحدث متوترا :
-لماحة كعادتك ، بصي يا طرب من غير مقدمات مالهاش لازمة ، أنا لازم انزل مصر ضروري ، هنزل لوحدي مش هننزل كلنا ، أنا بس مش عاوزك تضايقي ، مش هطول
حاولت أن تبتسم في وجهه تومأ له ، ولكن في تلم اللحظة شعرت وكأن قبضة قوية تُمسك قلبها تعتصره ، ابتلعت لعابها تهمس مرتبكة :
- تروح وترجع بالسلامة بإذن الله
__________
على جانب آخر ... جانب اختلف فيه كل شئ ، اختلف للأسوء للهاوية يُلقي بنفسه دون أن يحسب حسابا لما يفعل أبدا ، يفعل عكس كل شئ جيد كان يفعله ، أقرب مثال في ملهى ليلا صاخب تراه يجلس هناك بين الجموع يتمايل معهم ، قبل أن يشعر بالتعب ويقرر الذهاب لأحد المقاعد الوثيرة يجلس عليه يُمسك بكأس نبيذ فاخر ، تجرعه دفعة واحدة قبل أنوضع الكأس من يده وابتسم ساخرا على حاله اضجع إلى ظهر المقعد يغمض عينيه ينفث سيجارته أصوات الموسيقى حوله تتصارع داخل رأسه ، فتح عينيه حين سمع صوت فتاة جواره تهمس بغنج :
_ would you dance with me
نظر لتلك التي تقف أمامه ترتدي فستان قصير لا يستر منها شيئا ، مثلها مثل العشرات هنا ، رفع الكأس إلى فمه يتجرع ما بقي فيه تقوست شفتيه يهمس ساخرا :
_you are not my type
نظرت له الفتاة حانقة أما هو فابتسم ساخرا يضجع بظهره من جديد وقعت عينيه على صورته في مرآة كبيرة أمامه لتتعالى ضحكاته يسخر من نفسه من كان يظن أن الأمر سنتهي به هنا ، قام يجذب سترة حلته يخرج من المكان يترنح في خطاه ، توجه إلى سيارته يرتمي بجسده هناك ، دق هاتفه برقم ممدوح مساعده في الشركة ، تأفف حانقا يفتح الخط يجيب عليه بصوت ثقيل ناعس :
-عاوز ايه يا زفت ، حد يتصل بحد دلوقتي
سمع صوت ممدوح يتحدث سريعا متوترا :
-يا رعد باشا أنا بحاول اكلمك من بدري ، حضرتك ، بكرة في اجتماع مهم في الغرفة التجارية ولازم تكون موجود يا افندم ، الإجتماع الساعة 10 الصبح
نظر رعد لساعة يده يضحك ساخرا الساعة في يده الثالثة فجرا صلاة الفجر اقتربت كثيرا ، لازال لديه بعض الوقت للنوم للنوم ، تأفف يقلب عينيه ساخرا :
-طيب طيب هروح ، عاوز حاجة تاني ، لاء ، سلام
أغلق الخط في وجهه ليضحك ساخرا دون أي داعي ، تحرك بسيارته صوب شقة أخرى بعيدة كل البعد عن اي مكانه قريب من عائلته ، لا يرغب حتى في أن يكن قريبا منهم بالمسكن ، وقف بسيارته أمام العمارة نزل منها يجذب سترته يترنح في خطاه يضحك ساخرا يُغني بصوت مسموع:
-أنا شاب لكن من جوا عجوز ، عندي حكايات بس محبوس ، مش عارف ايه كدة بنزف طموح
نظر جاسر العقار إليه ساخطا قبل أن يضرب كفا فوق آخر ، أما رعد فصعد إلى شقته يصفع الباب عليه ، ارتمى على فراشه بثيابه يغط في النوم
____________
-السلام عليكم ورحمة لله وبركاته ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انهى صلاة يجلس في المسجد يتأمل صامتا ، في الحياة والموت ، في الشعرة الصغيرة بين بين الصواب والخطأ ... طال الوقت به وهو شاردًا ، حتى بدأ يشعر بأول شعاع شمس يرتطم بوجهه فابتسم قام يخرج من المسجد ، يتجول في الطرقات ، توجه إلى النيل القريب منهم جلس على سطح صخرة ينظر إلى مياهه يبتسم في هدوء ، أغمض عينيه يأخذ نفسا قويا وعميقا ، أجفل حين شعر بيد تُوضع على كتفه وسمع صوت سامح يسأله قلقا عليه :
-عمار ! قاعد هنا ليه يا ابني ، مش هتيجي يلا عشان نفطر
ابتسم عمار في هدوء يحرك رأسه للجانبين :
-ماليش نفسك يا عم سامح ، اتفضل حضرتك أنت
لم سرحل سامح بل جلس على الصخرة المقابلة له يسأله قلقا عما به :
-مالك يا عمار كنت كويس وفجاءة حالك اتقلب وبقيت ساكت ولا عايز تاكل ولا تشرب
لم يستطع أن يبتسم لم يستطع أن يُخفي ، تجمعت دموع عيناه تهبط على وجهه سريعا يحادثه:
-النهاردة فرح مليكة وجاسر ، النهاردة فرحها هتبقى عروسة جميلة لراجل تاني ، هي تستاهل ، تستاهل واحد أحسن مني ألف مرة بس أنا قلبي بيتحرق ، كل ذرة فيا بتصرخ من الوجع
وانفجر يبكي بحرقة ليقترب سامح منه ارتمى عمار بين أحضانه يبكي بحرقة بلا توقف
__________
استيقظت باكرًا ، اليوم لديها محاضرة هامة ، هامة للغاية ، بدلت ثيابها ونزلت تركض على سلم البيت قبل أن تسألها والدتها عن سبب إستعالجها المبالغ فيه ، ما حدث في منزلهم الفترة الماضية مهزلة بكافة المقاييس ، الجميع يستمتع بحياته دون أن يبالي بالآخر ، لما عليها أن تبالي هي بأحد ، وقفت عند الطريق الرئيسي تُشير لسيارة أجرة تنتظر سيارة معينة زجاجها مُعتم من الداخل ، ابتسمت ما أن رأتها تفتح الباب الخلفي ، جلست سريعا لتبصره يجلس جوارها ، شقت شفتيها ابتسامة كبيرة تغمغم سعيدة :
- نصااار وحشتني اوي
ضحك بخفة يجذبها إليه يعانقها بخفة يربت على رأسها :
- وأنتِ كمان يا حلوة
ابتسمت متوترة تبتعد عنه تعطيه نظرة عابسة؛ ليضحك بخفة يقرص مقدمة أنفها يردف :
-عارف أنك ما بتحبنيش أحضنك ، خلاص يا ستي مش هعملها تاني ، المهم دلوقتي المفاجأة
محضرلك مفاجأة هايلة
ومن ثم نظر للسائق يعطيه نظرة حادة ليفهم السائق مقصده يدير محرك السيارة صوب بيت نصار !!