رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الثالث والثلاثون
بناء على رغبة القراء هنحط في بداية كل فصل كل عيلة بولادها عشان الناس اللي لسه بتتلغبط
جاسر ورؤي أبطال الأجزاء اللي فاتت عندهم 6 أولاد رعد وجوري أول تؤام
يوسف ومريم تاني تؤام
سليم وياسين آخر تؤام
----------------
نرمين أخت جاسر اللي جاسر كان بينتقم من صبري وبنته شاهندا عشانها
نرمين وياسر جوزها عندهم 2
( جاسر الكبير 29 سنة دكتور نفسي
اريج في 2 كلية طب )
ياسر كان ليه بنت من مراته اللي ماتت قبل ما يتجوز نرمين اسمها سما جوزها اسمه مصطفى
______________
عاصم أخو رؤي خال العيال اللي كان بيحب تهاني واتجوز حلم في الجزء التاني عنده ولدين
حسين الكبير مهندس ، مراد الصغير في ثانوية عامة ساقط سنة
_____________
رؤى كان ليها جيران أخ وأخت ساكنين سوا اللي هما عمرو وايمان
ايمان اتجوزت علي صاحب جاسر وعندها شريف الكبير ظابط شرطة ، وليان الصغيرة المدلوقة على الجاموسة جواد
_________
أما عمرو فاتجوز روان بنت صاحب الشركة اللي كان شغال فيها وخلف ولد وبنت
جواد جاموسة متنقلة مهندس ديكور
ومرام دلوعة ماما 22 سنة في كلية إعلام ومخطوبة لشريف ابن عمتها
_______
فاضل طرب وملاك ، ومليكة وتوحة وكل الناس دي هنعرف اصلهم وفصلهم فيما بعد
لما تتلغبط اطلع بص هنا وكمل الفصل عادي
نبدأ الفصل❤
__________
الثالثة عصرا فى أحد المقاهي الهادئة ستجد سامر يجلس وأمامه أريچ يتحدثان عن أشياء عدة لا صلة بين موضوعٍ والآخر سوى أن كلاهما يشعر بالسعادة من تلك المشاعر المبعثرة التي يتعرفان عليها ويعيشانها ، جاء النادل يضع أمامها أكواب العصير ، ألتقط سامر الكوب أمامه ارتشف منه قبل أن ينظر إليها يغمغم ضاحكا:
- فاكرة لما جيتلك أنتي وجاسر الكافية وشربت القهوة بتاعته ، يا نهار أبيض دا أنا كنت بموت من مرارتها
ضحكت تحرك رأسها بالإيجاب تردف ساخرة:
- وبمنتهى قلة الذوق اللي في الدنيا خدت كوباية العصير اللي قدامي وشربتها
اعتدل سامر في جلسته يدافع عن نفسه :
- ايه يا ست الحجة ما أنا جبتلك غيرها ، وبعدين أخوكي بيشرب المر فعلا ، دا أنا كنت هموت
ضحكت أريچ ترتشف من كوب العصير قبل أن تتجمد الابتسامة على شفتيها حين اقتربت فتاة منهم ودون مقدمات دنت منه تقبل خده ، توسعت عيناه ينظر خلفه سريعا ليهب واقفا يردف مدهوشا :
- چودي !
ابتسمت الفتاة سعيدة تعانقه تغمغم فرحة :
- سامر ما قولتليش ليه أنك خرجت من المستشفى وحشتني ، وحشتني أوي يا حبيبي
هنا هبت أريچ واقفة تنظر لما يحدث مصعوقة تتجمع الدموع في عينيها ، لا تصدق أن قلبها يخدعها للمرة الثانية كان تظن أن سامر مختلف ولكنه مخادع كاذب آخر ، التقطت حقيبتها هرعت لتغادر ؛ ليمسك سامر بيدها سريعا يمنعها من ذلك يغمغم:
- استني يا أريچ، انتي مش فاهمة حاجة
ومن ثم عاد ينظر للفتاة أمامه يحادثها بنبرة جافة للغاية :
- أنتي عايزة ايه يا چودي ؟! ، انتي مش مكسوفة من نفسك بجد ، أنا لما تعبت جيتي قولتيلي أنا مش هكمل حياتي مع مريض نفسي مجنون ، أنا عايزة افسخ الخطوبة دي وقلعتي الدبلة ومشيتي ، ايه لازمته بقا اللي أنتي عملتيه دا
شعرت چودي بالإهانة مما يقول ابتلعت لعابها تحادثه بنبرة حزينة نادمة :
- سامر أنا آسفة بجد على اللي أنا قولته ، بس صدقني من صدمتي من حالك اللي اتغير في يوم وليلة ، أنت كنت عصبي وبتعاملني وحش جداا ولا ناسي ، ومش عايز تتقبل أي كلام من أي حد ، على فكرة كان من حقي أن أنا أعمل كدة ، أنت اهنتني يا سامر وطردتني برة بيتك أكتر من مرة
محقة هو لن ينكر ، ولكن لم يجدي ما تقوله الآن :
- كنت مريض نفسي ومجنون بقا معلش ، ممكن تتفضلي عشان نقعد أنا وخطيبتي ولا نمشي وتفضلي أنتي
رمته الفتاة بنظرة حزينة طويلة قبل أن تأخذ بعضها وتغادر ، التفت سامر إلى أريچ يطلب منها :
- ممكن تقعدي وأنا هفهمك كل حاجة
سحبت يدها من يده تعود لمقعدها تتحاشيى النظر إليه ، تنهد هو بقوة يردف :
- أريچ أنا لا هكذب ولا هحور ، أنا وچودي كنا مخطوبين وفضلنا مخطوبين سنتين تقريبا قبل وفاة والدتي ، بس لما حصلتلها الحادثة وأنا دخلت في حالة نفسية سيئة ، هي ما وقفتش جنبي ، زعقت في وشي وقالتلي أنا مش هكمل حياتي مع مجنون ورمت الدبلة في وشي ومشيت ، ما وقفتش جنبي في أكتر وقت أنا محتاج حد يقولي بس أنت مالكش ذنب زي ما أخوكي عمل ، عشان كدة بعد ما الأزمة دي عدت ما دورتش عليها ، هي خلاص خرجتني من حياتها وأنا كمان عملت زيها ، دا حقي على فكرة
صمتت وشردت عينيها ربما هو محق فيما يقول ، حين عادت تنظر إليه سمعته يقول:
- ممكن ما تخليش اللي حصل دا يعكنن علينا بجد ، صحيح مش أنا قررت ارجع تاني انزل اشتغل في صيدلية والدي ، أنا كان بقالي مدة طويلة عامل من بنها بصراحة ، بس قولت لازم ارجع تاني ، ايه رأيك
ابتسمت له تحرك رأسها رفعت كتفاها لأعلى قليلا تردف :
- حل كويس تقضي فيه الإجازة لحد ما نرجع الكلية تاني ، وأنت كدة كدة في آخر سنة ، وأعتقد لما تتخرج هتشتغل فيها بردوا
شرد عدة لحظات يفكر قبل أن يردف حائرا:
- مش عارف ، أنا بفكر اشوف شركة أدوية ، وابقى انزل الصيدلية شيفت تاني بليل بقى ، لسه سنة كاملة على الحوار دا ، دلوقتي أنا هشتغل في الصيدلية
ابتسمت له قبل أن تعاود الارتشاف من كوب العصير بضع لحظات في صمت قبل أن تسأله متوترة :
- هو إنت يعني ، لسه حاسس بمشاعر ناحيتها
ابتسم فشعرت بالغيظ ، حرك رأسه للجانبين في هدوء يتحدث :
- لا يا أريچ ، لو كنت حاسس بحاجة ناحيتها كنت اتغاضيت عن اللي عملته وروحتلها وطلبت منها نرجع ، إنما أنا فعلا ما بقتش حاسس ناحيتها بأي حاجة خالص ، ممكن بقى نقفل على الموضوع دا وننساه ، ويلا قومي نتمشى شوية وأروحك قبل ما جاسر يتصل يهزقنا
_________
في أحد أقسام الشرطة في مكتب الضابط المسؤول عن التحقيق ، دق الباب يدخل لترتسم ابتسامة كبيرة على شفتي مجدي وقف عن مكانه يتحرك صوب صديقه يعانقه يغمغم سعيدا :
- شيفو عاش من شافك يا صديقي الصدوق ، عامل ايه .. كويس أنك ما اتأخرتش
ضحك شريف يبتعد عن مجدي يلكزه في ذراعه يردف :
- تصدق الشغل وحشني أوي ، اوعى ياض أنا اللي هقعد على كرسي المكتب
ضحك مجدي يفسح له الطريق ليخطو شريف إلى المكتب جلس خلف المكتب ليجلس مجدي على المقعد المقابل للمكتب يحادثه :
- اخبارك ايه ، القائد لسه كان بيسألني عليك
ابتسم شريف في هدوء ،ابتسامة حزينة رغم ذلك تنهد يردف :
- أهو الحمد لله عايش ، بس زهقان أوي يا مجدي ما اتعودتش اقعد في البيت المدة دي كلها وجلسات العلاج الطبيعي مطلعة عيني ، المهم قولتلي عايزك في حاجة مهمة فيما ايه
حرك مجدي رأسه يقص على شريف ما حدث لمليكة وصديقتها زينب بالتفصيل ، ظهر الغضب جليا على وجه شريف يردف :
- زينب دي أصلا متدربة كانت بتيجي مع دكتور عبدالله دكتور العلاج الطبيعي وأنا كلمتها مرة بأسلوب وحش وعيطت بسببي ، المهم كنت خارج مع ليان من مدة وعجبها فستان ولما دخلنا المحل عشان تشوفه شوفت زينب وصاحبتها وقربت منها أنا وليان واعتذرت عن اللي حصل ، وقتها جه الحيوان دا وكان أسلوبه في الكلام ونظراته **** ، ولما أنا هزقته هددها أنه مش هيسكت وأنه هيقول لأمها وكلام كتير كدة ، دا حتى ليان سجلت رقمها عندي عشان اساعدها تعمل محضر عدم تعرض ليه ، وهو ما اتصلتش فقولت الموضوع خلص
همهم مجدي متفهما قبل أن يعاود النظر لشريف يغمغم:
- طب لو معاك رقمها استعجلها بقالها ساعة بتقول في الطريق وأنا عايز اقفل المحضر قبل ما نمشي ، هعزمك على أكله كبدة ومخ تحلف بيها باقي عمرك
ضحك شريف بخفة وهو يخرج هاتقه من جيب سرواله يبحث بين الأرقام عن رقمها الذي لم يطلبه قط إلى أن وجده ، طلب رقمها دق الهاتف عدة مرات قبل أن يسمع صوتها تتحدث متوترة :
- أستاذ شريف خير
حاولت شريف إلا يضحك يتحدث بهدوء :
- آنسة زينب ، هو حضرتك هتتأخري عشان بس مجدي عاوز يقفل المحضر
سمعها صوتها تغمغم متوترة :
- لالا أنا أنا جاية حالا ، مش هتأخر
أغلق معها الخط يتحدث مع مجدي في مواضيع شتى إلى أن دق الباب ودخل العسكري وهي من خلفه ابتسم مجدي لها يشير للمقعد المقابل له :
- آنسة زينب اتفضلي اقعدي هما كلمتين بس عشان اقفل المحضر ، هي والدة حضرتك كانت موجودة ساعة الحادثة ، أصل فؤاد مصر أن والدتك هي اللي ضربت مليكة بالسكينة
تذكرت كلمات مليكة التي أخبرتها مرارا وتكرارا ألا تأتي بسيرة والدتها تماما تنهدت متوترة تردف :
- لا أبدا ما كنتش موجودة ، هو فؤاد بس اللي كان موجود ، هو اكيد بيقول كدة عشان ما يتحبسش
نقل مجدي انظاره بين شريف وزينب قبل أن يغمغم بحذر :
- فؤاد قال ، أن كان في علاقة بينك وبين شريف ، علاقة غير شرعية عشان كدة هو بلغ والدتك ووالدتك كانت جاية عشان تنتقم لشرفها على حسب تعبيره
شهقت زينب بعنف في حين وقف شريف مرة واحدة يصيح في مجدي غاضبا :
- إنت اتجننت يا مجدي ، علاقة إيه هاتلي الحيوان دا من الحجز أنا هعرفه مقامه
وقف مجدي سريعا يحاول أن يهدأ صديقه :
- اهدا يا شريف مين قالك أن أنا مصدقه ، هو أنا مش عارفك يا إبني ، أنا بقولك اللي هو بيقوله ، هو مصر أن والدة زينب كانت معاه ولما سألته ايه اللي هيجيبها اصلا معاك قال اللي قاله ، على العموم أنا هقفل المحضر وابعته للنيابة وهما يصطفلوا معاه ، خلاص بقا اهدا واقعد
تأفف شريف غاضبا قبل أن يعاود الجلوس مرة أخرى ، نظر مجدي إلى زينب يطلب منها :
- اتفضلي حضرتك ، امضي على أقوالك وتقدري تمشي
التقطت زينب حقيبتها تهرب لا ترحل فقط ، تقاوم دموعها بصعوبة ، ألن يتوقف ذلك الوغد عن تشويه سمعتها وتدمير ما بقي من حياتها البائسة ، التي دمرها منذ طفولتها ... إن كان تزوجت شقيقه كان ليدمر حياتها أضعافا مضعفة ، ماذا فعلت لتعش تلك المأساة من طفولتها ؟!
أما عند شريف حاول مجدي أن يهدئه يحادثه محتدا :
- يا ابني اهدا بقى أنا غلطان إني قولتلك يعني ، أنا بقولك عشان تبقى عامل حسابك الحيوان دا أكيد هيقول الكلام دا في النيابة ومش بعيد يحاول يحولها لقضية شرف وأنه كان بيدافع عن شرفه والحوارات الفاكسة دي ، مش هتدخل على النيابة بس هيعملك قلق ، يلا بينا نروح نتغدا ونشوف هنعمل ايه
___________
في الشركة عند جواد ، ستراه يتحرك هنا وهناك يبتسم في وجوه الموظفين ، ابتسامة حزينة رغم ذلك ، الحزن وصم قسمات وجهه وأبى الرحيل ، يسلم على هذا ويبتسم في وجه ذاك ، ويثني على أعمالهم جميعا ويوجه لهم النصائح بشكل لطيف ، يمكن أن يقال أن جواد الآن بات قائدا حقا ، تحرك يعود لمكتبه أغلق الباب عليه يفتح هاتفه ينظر لصورة نور ينظر إليها طويلا أدمعت عيناه وخرجت منه شهقة ذبيحة قبل أن يحادثها بحرقة :
- أنا بقيت واحد تاني ، مش أنتي دايما كنتي بتكتبيلي نفسي تتغير يا جواد ، أنا اتغيرت يا نور والله ، بس أنتي مش موجودة عشان تشوفي دا ، الموظفين كلهم بقوا بيحبوني ، رميت جواد القديم بكل قرفه وبقيت واحد تاني ، نفسي أخدك في حضني ، نفسي أقولك أنا آسف ما اعرفتش احميكِ ، أنا آسف أوي يا نور ، آسف أوي
دق باب مكتبه ليغلق الهاتف ويمسح دموعه سريعا بكفي يده حمحم يجلي صوته يسمح للطارق بالدخول :
- اتفضل
فُتح الباب وظهر عمرو يبتسم ، ليبتسم جواد له هو الآخر ، قام من مكانه يعانقه ليربت عمرو على ظهره بخفة يحادثه :
- عامل ايه يا حبيبي ؟
ليس بخير ، قلبه يتمزق ، روحه تصرخ ، كل ذرة به تحتضر ، إلا أنه فقط ابتسم يردف بهدوء :
- بخير الحمد لله ، ايه لحقت وحشتك يا حج أنت لسه شايفني الصبح
ضحك عمرو بخفة ، يربت على كتفه تحركا للداخل يردف :
- لاء بصراحة أنا جايلك في خدمة تانية ، اقعد الأول
جلس جواد مقابل لأبيه ليحمحم عمرو يردف :
- بص يا جواد ، عم طه الله يرحمه الساعي بتاع الشركة توفى من أسبوعين وللأسف عنده بنت صغيرة تقريبا 17 سنة ، الراجل كان حاسس أن أجله قرب وقبلها كان موصيني على بنته ، روحت للبنت وزورتها ... وحاولت من غير ما احجرها اديها مبلغ ، لأن اللي أنا أعرفه أن مالهاش حد غير أبوها ، رفضت تماما البنت كرامتها عزيزة عليها جداا يا جواد ، حاولت اساعدها بأي شكل لدرجة إني قولتلها أنا زي بابا تعالي ننزل نشتري حاجات للبيت ، رفضت خالص ... فين وفين ما قبلتش مني غير اني اشوفلها شغل ، فقولت ما فيش جواد ابني حبيبي اللي هيساعدني في حاجة زي دي
ارتسمت إبتسامة باهتة على شفتي جواد قبل أن يردف حائرا:
- بس يا بابا 17 سنة دي عيلة ، ابعتلها شهرية كل شهر وما تقولهاش أنه إنت وخلاص
حرك عمرو رأسه للجانبين يردف:
- مش هترضى تاخدها صدقني لا مني ولا من غيرها ، أنا قولت بدل ما تشتغل في أي مكان وحد يتعرضلها ولا يضحك عليها ، اجبها عندك
هي للأسف ماعهاش شهادة بس بتعرف تقرأ وتكتب كويس جداا
- كمان يعني يا بابا دي أنا هعمل بيها ايه هنا
غمغم بها جواد حائرا ، قبل أن يتنهد بعمق يومأ برأسه موافقا :
- عشان خاطرك بس ، حاضر ... هي معاك ولا هتيجي امتى دي
حرك عمرو رأسه بالإيجاب :
- ايوة برة ثواني اناديلها
وتحرك للخارج غاب لعدة دقائق قبل أن يدخل ، ودخلت بعده بدقيقة تقريبا فتاة لم يتبين جواد منها أي ملامح ، ترتدي فستان أسود واسع تغطي وجهها بنقاب أسود اللون ، دق قلبه دقات سريعة متتالية بلا سبب ، نظر لعينيها سوداء الأعين ، نور عيناها زرقاء تلك ليست نور ، نور ماتت هل نسي ذلك ، ترتدي قفازات سوداء فلا يرى حتى أصابع يديها ، ابتلع لعابه متوترا ، نظر إليها يتحدث :
- أنتي اسمك ايه ؟
رفعت وجهها إليه رأى عينيها تهتز متوترة تبدو كذلك قبل أن تهمس بصوت خفيض للغاية بالكاد سمعه :
- رحمة
اومأ برأسه في هدوء يسألها :
- معاكي بطاقة ؟
نظرت إلى أبيه قبل أن تعاود النظر إليه تحرك رأسها للجانبين ، ليتولى عمرو دفة الحديث :
- لاء يا جواد ما عهاش ، ما تقلقش أنا ضمنهالك
قام جواد صوب أبيه ، أمسك يده يبتعدان يخفض صوته يتحدث هامسا :
- الموضوع مش ضمان يا بابا عشان بس اعملها عقد ، وبعدين ما عهاش بطاقة ليه ، إزاي تمشي من غير بطاقة ، ولو اتمسكت في كمين ولا حاجة ، ما ينفعش خالص ما يكونش معاها بطاقة
أوقف عمرو سيل الكلمات التي تخرج من فمه يقاطعه :
- يا إبني اهدا ، هي كان معاها واحدة بس ضاعت وأبوها قبل ما يموت خدها وعمل لها محضر ، والمفروض كانت هتطلع غيرها بس اللي حصل ، أنا هبقى اخدها في أي وقت اطلعها بطاقة ، المهم هتشغلها ايه
رفع جواد كتفيه لأعلى يهمس حائرا :
- والله ما عارف ، هشوف ايه المتاح عندي ينفعلها ، بابا صحيح أنا كنت بتجنب السؤال دا بقالي فترة بس خلاص مش قادر ، نور اتدفنت فين يا بابا
نظر عمرو إلى ولده عدة لحظات قبل أن يحادثه مترفقا بحاله :
- في مقابر العيلة يا جواد ، في قبر والدتي الله يرحمها ، لو حابب تروح تزورها
شردت عيناه ألما يومأ برأسه ، قبل أن تتلاقى عينيه مصادفة بعيني تلك الفتاة وينغز قلبه من جديد بشعور غريب يؤلمه !
_________
في شركة عمرو ، خرج شهاب من مكتبه يتوجه إلى مكتب ليان ، جذب مقعد يجلس مقابلا لها يسألها دون مقدمات :
- ما ردتيش يا ليان ، أنا سايبك طول الفترة اللي فاتت ومش راضي حتى اكلمك ، عشان ما ابقاش لحوح واضعط عليكي ، صدقيني أنا هتقبل رفضك جداا لو رفضتي ، اصل مش هينفع تعيشي مع واحد ما بتحبهوش حتى لو هو بيحبك ، هتبقي بتظلمي نفسك وبتظلميه
فأنا حابب أعرف ردك قولتي إيه
لا تعرف أهي موافقة أم لا ، لا تعرف إن كانت تحبه حتى أم فقط اعتادت على وجوده ، قرار مصيري سيرتب الكثير من الأحداث القادمة ، قاطع تفكيرها فجاءة صوت سارة وهي تصيح فرحة :
-شيبووو ، وحشتني
انتفض شهاب ينظر خلفه ليجد سارة تقف خلفه تبتسم سعيدة ، هرعت إليه تعانقه بقوة ، نزل شهاب على ركبيته يعاتبها :
- سارة وبعدين معاكي كام مرة قولتلك ما تجليش الشغل ، المكان بعيد ممكن تتوهي ولا تتخطفي ولا يحصلك أي مشكلة
- شهاب عنده حق يا سارة فعلا الطريق بعيد أوي وممكن يحصلك حاجة بعد الشر
تدخلت ليان تؤيد ما يقول شهاب ؛ لتبتعد سارة عن شهاب تنظر لليان في غيظ شديد لتحادثها ساخرة :
- وأنتي مالك أنتي ، أنا بتكلم مع اخويا ، بتتحشري ليه يا رخمة
- سااارة
صاح بها شهاب غاضبا من وقاحة شقيقته الصغرى لتنظر سارة إليه مرتبكة تدمع عيناها ، تحولت دموعها إلى سيل من البكاء في لحظة :
- أنا كنت عارفة أنك هتكرهني وتبعدني عنك بسببها ، أنا مش هجيلك تاني يا شهاب ومش هتكلم معاك تاني
وبدأت في الركض بعيدا ، ليركض شهاب خلفها يصيح باسمها مذعورا ، وركضت ليان خلفهم تنادي باسم سارة هي الأخرى ، ركضت سارة في منتصف الشارع المكتظ بالسيارات المسرعة ، هرع شهاب خلفها وهو يرى سيارة تلتهم الطريق إليها يصرخ باسمها مذعورا ، قبل أن تصدمها السيارة بلحظات ، جذبها إليه سقطت بها أرضا يخفيها بين أحضانه يبكي بعنف ، كانت على شفا الموت في أقل من لحظة ، اعتصرها بين أحضانه يعلو صوت بكاءه
خوفا ، قام يحملها بين ذراعيه يجلس بها أرضا بعيدا عن السيارات ، ابتعدت عنه تنظر له حزينة مدت يدها تمسح دموعه :
- شهاب ماتزعلش مني ، ما تعيطش عشان خاطري أنا آسفة
وضع يده على وجهه يبكي ، عقله لا ينفك يصور له أن السيارة قد صدمتها بالفعل ،وأنه قد كسر وصية أبيه ، وأن ابنته الصغيرة التي رباها منذ أن كانت طفلة لا تفقه حتى الكلام ماتت !! ، جذبها إلى أحضانه يشهق في البكاء يحادثها بحرقة :
- ما تعمليش كدة تاني ، ابوس إيدك ما تعمليش كدة تاني ، أنا عمري ما هحب حد في الدنيا قدك يا سارة ، أنتي اغلي حد عندي في الدنيا
اقتربت ليان منهم تدمع عيناها حزنا وشفقة على حاله ، سارة الصغيرة تغار على شقيقها وهي لا تلومها فهي لا تزال طفلة تظن أنها ستسرقه منها ، جلست أمامهم وضعت يدها على رأس الفتاة تحادثها :
- كدة يا سارة ، ينفع اللي عملتيه دا ، ينفع تخلي شهاب يعيط كدة ، شهاب بيحبك أوي أكتر من الدنيا كلها
نظرت سارة إليها حزينة تدمع عيناها ، لتمد ليان يدها تمسح على شعر سارة برفق تسألها :
- أنتي مش عاوزة نتجوز أنا وشهاب صح ؟
حركت سارة رأسها بالإيجاب سريعا لتبتسم ليان لها تردف:
- خلاص يا ستي ، وإحنا مش هنتجوز ، ولا تزعلي يا سرسورة
ومن ثم وجهت انظارها لشهاب تردف بابتسامة صغيرة :
- أنا آسفة يا شهاب ، أنا مش موافقة !
___________
الوضع في شركة عاصم كان غريبا كثيرا ، ففجاءة دون سابق قرر عاصم إقامة اجتماع مفاجئ ، عاصم شخص هادئ عادة في الاجتماعات ، ولكن الغريب أنك ستراه يعلو بصوته غاضبا داخل ذاك الاجتماع :
- الموضوع بقى زيادة عن اللزوم أوي يا باشمهندسين ، التصميمات نصها شبه بعض والنص التاني منقوش من على النت ، بقيتوا بتكسلوا تفكروا ، أنا يتسحب من شركتي مشروعين ورا بعض ، عشان الأفكار بقت متكررة ، انتوا بتوقعوا سمعة الشركة اللي طلع عيني سنين عشان اعملها اسم ، العك اللي بقى بيحصل دا أنا مش هسمح بيه تاني ، وأي تصميم هيجيلي متكرر ولا منقوش ولا ما فيهوش فكرة ، صاحبه هيتجازى
ألتقط ورقة تصميم يفتحها على مصراعيه يردف محتدا :
- دا يعتبر آخر وأحسن تصميم عدل عملته الشركة من مدة ، مين كان عامل التصميم دا
رفعت چوري يدها ، وفعل حسين كذلك ، حمحم حسين يتولى الحديث هو :
- أنا والباشمهندسة چوري مهران يا باشمهندس
وضع عاصم التصميم جانبا يلتقط ملف ازرق كبير يعطيه لحسين يعلو بصوته :
- حلو أوي ، إحنا وشركة السراج داخلين شراكة في مجمع سكني جديد ، وهما عجبهم التصميم دا ، من بين 50 تصميم تخيلوا 50 تصميم ، 49 واحد منهم يا تقليدين يا منقوشين ، وعليه چوري وحسين الملف معاكوا ، هتطلعوا على الموقع ساعة بالظبط وتكونوا هناك ، هتنقسوا مع مهندسين شركة السراج عشان هتبدأوا من بكرة الشغل ، أما الباقي قسما بالله
إن الشغل ما اتعدل ، لهرفد الكل حتى ابني هرفده
وأشار لزين الذي توسعت عيناه ذهولا ، وانتهى الإجتماع وبدأ الجميع في المغادرة عدا چوري التي اقتربت من عاصم تعتذر عن المشروع :
- باشمهندس عاصم ، أنا عاوزة اعتذر عن المشروع دا
التفت عاصم إليها غاضبا يحادثها محتدا:
- چوري أنا مش عازمك على الغدا عشان تعتذري ، الشركة سمعتها بتقع ، وأنا مش هسمح أن دا يحصل ، اتفضلي على الموقع يا باشمهندسة يلا
تحركت چوري لخارج مكتب عاصم ، رأت حسين يقف في منتصف صالة الإستقبال يمسك في يده الملف ، يطالع ما فيه عن كثب ... اقتربت منه تنتزع الملف من بين يديه بعنف أشهرت سبابتها أمام وجهه تحادثه حانقة :
- بص بقى ، أنا اتدبست في المشروع المنيل دا معاك ، وأبوك ما رضيش يخليني اعتذر ، وانسى أن يكون في بينا أي تعامل ، أنت تعمل شغلك مع نفسك وأنا اعمل شغلي مع نفسي ، وما توجهليش أي كلام لحد ما الورطة دي تخلص فاهم ولا لاء
ابتسم حسين في هدوء يرفع كتفيه لأعلى لا مبالايا يردف :
- دي النسخة بتاعتي ، استلمي نسختك يا آنسة چوري وحصليني على الموقع
وجذب الملف من يدها يتحرك للخارج تاركا إياها تقف تنظر للفراغ بأعين متسعة ترمش بعينيها مذهولة ، الوقح !!
أخذت نسخة الملف الخاصة بها واستقلت سيارة أجرة إلى الموقع ، نزلت من السيارة لتبصر حسين يقف أمامها يتحدث مع فتاة ما يبتسم لها ، الوغد يبتسم لها ، اجفلت حين اقترب منها شاب في مثل عمر حسين تقريبا يحادثها مبتسما :
- أنتي باشمهندسة چويي ، أنا عُمي من شيكة السياج
وضعت چوري يدها على فمها تحاول ألا تضحك اومأت برأسها ، ليردف هو ساخرا :
- اضحكي اضحكي ما تكتميهاش
انفجرت چوري في الضحك بصوت عالٍ ليلتفت حسين ينظر لها غاضبا ، لما تضحك هكذا ؟! ، ما الذي قاله لها السخيف عمر لتضحك بذلك الشكل ، أما چوري فسعلت عدة مرات من شدة الضحك تعتذر منه :
- أنا آسفة بجد ما كنش قصدي ، أنا چوري مهران من شركة عاصم
ابتسم عمر يومأ برأسه يردف ببساطة :
- لا يا ستي ولا يهمك ، تعالي اعيفك على چومانا ، زميلتي في الشيكة ومعانا في المشيوع
شدت چوري كف يدها تحاول ألا تضحك ، تحركت بصحبته صوب حسين وتلك الشقراء الملونة الواقفة أمامه ، تعطيه نظرة تحدي قوية ، اشار عمر للفتاة يردف :
- چومانا ، دي چويي
ضحكت چومانا ساخرة مما جعل چوري تقطب جبينها محتدة ، هل تسخر الملونة منها ؟! ، أما چومانا فأردفت :
- عمر ، بطل حركاتك دي ، على فكرة هو بيشتغلك هو مش ألدغ ولا حاجة ، أول مرة شوفته عمل نفسه أخرص ، البيه بيستظرف
توسعت حدقتاها تنظر إليه مدهوشة ، ليبتسم هو رفع يده يضعها على رقبته من الخلف يردف محرجا :
- أنا كنت بهزر معاكي ، أنا آسف
ابتسمت چوري في هدوء تردف :
- لا أبدا ما حصلش حاجة ، مش هنشوف ورق المشروع بقى
ابتسم عمر لها يومأ برأسه يتولى دور المرشد السياحي السخيف يتحدث معها بلا يتوقف ، لا يتوقف عن المزاح ، سيدق عنق ذلك الوغد المبتسم وينهي حياته ويرتاح ، لما تبتسم له تلك البلهاء بهذه الطريقة ، اجفل حين وضعت چومانا يدها على كتفه تسأله :
- مالك يا باشمهندس واقف سرحان ليه ، يلا ورانا شغل كتير
حرك رأسه يقترب منهم يردف ساخرا :
- ايه يا باشمهندس عمر ، على فكرة أنا بردوا شغال معاكوا في المشروع المفروض تشرحلي أنا كمان ولا ايه
التفت عمر له يردف بابتسامة سخيفة :
- چومانا هتشرحلك يا باشمهندس ، يلا يا چوري عشان نكمل
وأخذها وغادر ، الوغد أخذها وغادر تاركا إياه يقف كعمود إنارة انطفأت أنواره ، شد على كف يده غاضبا ، يبدو أن الأيام القادمة لن تمر مرور الكرام على ما يبدو !
_____________
في منزل نصار ، على طاولة الغداء الكبيرة التفوا جميعا يترأس جاسر الطاولة بإصرار من نصار نفسه ...تحدث جاسر يوجه حديثه لنصار :
- وأنت ما اتجوزتش ليه لحد دلوقتي يا عم نصار ، كان زمان عيالك قد مريم وملاك دلوقتي
ابتسم نصار في هدوء يختطف نظرة سريعة للغاية صوب مريم التي تجمدت أطرافها خوفا ، ابتسم يوجه حديثه لجاسر :
- اتجوزت مرة وأنا برة ، وخلفت وابني الله يرحمه توفى وهو لسه طفل صغير ، فما حبتش أكرر التجربة تاني ، أنا عارف إني افورت بس أنا حقيقي سعيد ، إني اتعرفت بيك وبالعيلة ، ومش هبقى وحيد تاني ، أنت مش متخيل شعور الوحدة بشع إزاي
مالت ملاك على مريم تهمس ضاحكة :
- مُز أوي عمو نصار دا ، أنا هقول لماما تتجوزه
ضحكت مريم بخفة تضع يدها على فمها تومأ برأسها موافقة ، لتميل رؤى عليهم تهمس هي الأخرى :
- بتتوشوشوا في ايه ، مراد عمال يتصل بيا على فكرة يا مريم
اشاحت مريم رأسها في الإتجاه الآخر تهمس حانقة :
- أنا مش عاوزة اسمعه لو سمحتي يا ماما ، خلاص كل اللي بينا خلص ، أنا شبعت
وقامت من على الطاولة تخرج للحديقة دون كلام ، نظر جاسر صوب رؤى يسألها بعينيه عما حدث ، لتتنهد تحرك رأسها للجانبين ..
ابتعدت مريم بعيدا عنهم لتخرج من المنزل ، جذب
انظارها تمثال غريب لإمراة تنظر أمامها خائفة ، تمسك ثوبها بيديها وكأنها تخاف أن يسقط ، تمثال غريب مخيف ولكنه جذب انظارها وقفت تنظر للخوف المرسوم على وجه التمثال المنحوت بدقة مخيفة ، اجفلت على صوته العميق يهمس من خلفها يسألها :
- عجبك القصر ؟!
ابتلعت لعابها مرتبكة ، اقشعر جسدها من صوته تردف متوترة :
- عن إذنك
تحركت تحاول أن تتجاوزه ؛ ليقف أمامها يمنعها من ذلك كتف ذراعيه يتمتم بهدوء :
- رايحة فين ، أنا بسألك سؤال عابر ، عجبك القصر
ارتجفت خائفة من نظراته الغريبة لتحرك رأسها بالإيجاب علها تتخلص منه ارتعش صوتها تهمس :
- ايوة حلو أوي
ارتسمت إبتسامة كبيرة على شفتيه يهمس بنبرة عميقة :
- مش أحلى منك يا حلوة !
انتفضت كل ذرة بها على إيقاع صوته العميق ، تنقسم إلى اجزاء ، جزء خائف وجزء يرتجق وجزء لا يفهم لما وقع كلمة ( حلوة ) يرضيها كثيرا
دق الباب ليتركها ويتحرك يفتحه ، قطب جبينه حين أبصر مراد يقف أمامه ، ما الذي جاء بذلك الأحمق هنا ؟! ، ارتسمت إبتسامة صفراء على شفتيه :
- نعم ؟ أنت مين ؟!
ابتسم مراد في هدوء شديد يحادثه بتهذيب :
- مساء الخير يا افندم ، أنا مراد عاصم ، ابقى قريب جاسر باشا مهران ، هو موجود هنا أنا عارف ممكن أدخل
أراد أن يرفض بشدة ولكنه لن يستطيع ، افسح له الطريق ليدخل ، وقعت عيني مراد على مريم ليبتسم يهرع نحوها يغمغم سريعا :
- مريم اسمعيني أنا آسف بجد آسف
أما هي ما إن رأته تحركت سريعا تغادر المكان بأكمله تعود ادراجها إلى الغرفة حيث أبيها ارتمت بين أحضانه تطلب منه باكية :
- بابا لو سمحت خليه يمشي
ظنها جاسر تتحدث عن نصار ، ولكن تفاجئ من وجود مراد أمامه ليهب واقفا يحادث مراد غاضبا :
- إنت ايه اللي جابك هنا يا مراد ، بقولك ايه أنا مش جاي فضايح عند الراجل ، وبعدين خلاص الموضوع انفض اتفضل امشي
تحرك مراد صوبهم يحرك رأسه للجانبين يرفض رفض جاسر يتحدث بثبات :
- أنا مش همشي من هنا يا عمي ، أنا عارف إني غلطت ودي تاني مش أول مرة كمان ، بس اقسملك إني مش هعمل كدة تاني ، أنا بحب مريم ، بحبها أوي ... وعارف إني غبي وزعلتها ، فعشان كدة دورت عليكوا لحد ما عرفت انكوا هنا ، أرجوك يا عمي أنا آسف ، مريم أنا آسف ، حقك عليا ، أنا غبي ، صدقيني ما كنش قصدي ازعلك بالشكل دا ، أنا آسف يا مريم
نظر جاسر لمراد يبتسم ساخرا يهدده :
- امشي يا مراد من هنا بدل ما اضربك
تقدم مراد للأمام بدلا من أن يتراجع يتحدث بثبات :
- اضربني ، لو ضربك ليا هيخليلك تسامحني اضربني، أنا قدامك اهو
ابتسم جاسر في هدوء يدنو برأسه من ابنته يهمس لها خفية :
- اضربه ، لو عايزة
حركت رأسها للجانبين سريعا تنظر له مذعورة ليضحك جاسر بخفة يمسح الدموع عن وجهها يهمس ساخرا :
- خايفة عليه يا بت ، يا خسارة تربيتي ، خلاص سامحيه يا أما هضربه ومش هتعرفيله ملامح من الضرب
رفعت يدها تمسح دموعها تومأ برأسها بخفة ليقفز مراد سعيدا يخرج يده من خلف ظهره يخرج لها هدية مغلفة يبتسم :
- مبروك يا أحلى إعلامية في مصر كلها
مدت يدها تأخذ منه توردت وجنتيها تبتسم خجلة ليردف جاسر ساخرا :
- محن كلاب قسما بالله ، أنا مش عارف هي بتحب فيك ايه والله ، فضحتونا عند الراجل وخلاص ، يلا يا بهوات نقوم نروح
اقترب نصار منهم يغمغم سريعا:
- ليه كدة لسه بدري أوي
ابتسم جاسر يعتذر منه أخذ الجمع يغادر راقبتهم أعين نصار من خلف النافذة تشتعل غضبا صوب مراد ، رفع الهاتف إلى أذنه يتحدث غاضبا :
- ايه يا ماري ، أنتي ما عرفتيش تجيبي رجله ولا ايه
وصمت يستمع إليها لترتسم ابتسامة خبيثة على شفتيه يردف مستمتعا :
- حلو أوي ، ابعتيلي بقى الصور والفيديوهات !
__________
حل الليل ومحمود لم يعد بعد ، حاولت أن تتصل به عدة مرات ولكن لا فائدة ، دق هاتفها لتبتلع لعابها حين أبصرت رقم الطبيب حين فتحت الخط سمعته يعتذر سريعا :
- أنا آسف جداا يا مدام على التأخير بس كان في مشكلة في المعمل ، وأنا آسف بردوا في اللي هقوله وعارف أنه هيبقى صادم ، جوز حضرتك بيتعاطى مخدرات ووصل لمرحلة الإدمان ، ولازم يتحجز في مصحة في أقرب وقت
شهقت مذعورة ، توسعت عيناها أثر ما سمعت ،لتسمع الطبيب يردف من جديد :
- أنا هبعت لحضرتك رقم مصحة كويسة جداا ، أنا آسف بجد على اللي حصل
وأغلق معها الخط ، ووقفت هي كتمثال نُحت من حجر من هول ما سمعت ، محمود وصل لمرحلة إدمان المواد المخدرة ، ولكن كيف ولما يفعل محمود ذلك ، انهمرت الدموع من عينيها ، لم تجد نفسها سوى وهي تطلب رقم شقيقها تشهق في البكاء تردف بجملة واحدة :
- الحقني يا عاصم ، الحقني يا عاصم
أعادتها كثيرا وعاصم يصرخ فيها خائفا يخبرها أن تهدأ وتخبره ما حدث ، في تلك اللحظة دخل محمود يترنح فأغلقت الخط سريعا ، رأت الشرر يقدح في عينيه تحرك إليها قبض على الهاتف في يدها يفتحه يغمغم ساخرا :
- كنتي بتكلمي مين ، قوليلي بتخونيني مع مين
شهقت مذعورة تعود بخطاها للخلف تصرخ فيه :
- إنت اتجننت أنا هخونك ؟! ، محمود فوق تعالا اغسل وشك وهعملك قهوة
ضحك عاليا يحرك رأسه للجانبين أقترب منه يقبض على خصلات شعرها يحادثها بنبرة بذيئة :
- اخس عليكي ، يعني تخونيني وكمان تقولي عليا مجنون ، وبقالك كتير مش عيزاني ألمسك ، ينفع كدة يعني
تلوت بين يديه تحاول إبعاد يده عن خصلات شعرها بكت تحادثه بهدوء :
- محمود يا حبيبي اسمعني ، أنا واثقة أن في حد لاعب اللعبة دي ، محمود حد خلاك تدمن المخدرات يا حبيبي ، فوق يا محمود عشان خاطري ، لو بتحبني
ضحك يسخر منها ، حملها بين ذراعيه عنوة لتصرخ مذعورة تتلوى بين يديه تحاول إبعاده عنها ، حين ألقاها على الفراش زحفت بجسدها للخلف تبتعد عن مرمى يديه تصرخ فيه تتوسله :
- محمود عشان خاطري ما تعملش كدة ، أنا عارفة أنك مش وعيك ، أبوس إيدك يا محمود
قامت سريعا تجذب يده تحاول جذبه للمرحاض تتوسله :
- تعالا معايا عشان خاطري تعالا معايا
صرخت حين دفعها بعنف لتسقط على الفراش بقوة أشعرتها بالألم الشديد في ظهرها ، أما هز فضحك يسخر منها :
- ايه مخبية عشيقك في الحمام عشان تموتيني انتي وهو ، عايزة تخلصي مني يا فاطمة
اقترب منها ينزع عنه قميصه ، هم بها وهي تصرخ تحاول دفعه بعيدا تتوسله أن يستفيق ، وهي كلما قاومته صفعها بعنف ، كادت أن تستلم خائرة القوى متعبة من صفعاته حين سمعت صوت الباب يُفتح بعنف ، وصوت عاصم يصرخ باسمها ، هرع إلى الغرفة لتتسع حدقتاه ينتزع محمود بعيدا عنها يلكمه بعنف يصرخ فيه :
- إنت اتجننت يا حيوان دا أنا هموتك
ترنح محمود للخلف يضحك بسخرية يردف :
- أختك ال**** بتخوني
توسعت عينا عاصم ينظر لشقيقته مذهولا ، لتحرك فاطمة رأسها للجانبين بكت تردف بحرقة :
- محمود مدمن يا عاصم ، محمود حد خلاه يدمن وبقى بيتهيئله أن أنا بخونه
نظر عاصم إلى محمود بحذر قبل أن يتحرك صوبه أمسك به عنوة يصدمه على رأسه ليسقط أرضا فاقدا للوعي ، نظر إلى شقيقته يصيح مذهولا :
- فهميني في ايه
قصت له فاطمة ما حدث سريعا ليومأ متفهما يردف محتدا :
- أكيد الكلب منير هو اللي عمل كدة ، ورحمة أبويا لأجيبه ، خليكي هنا لمي حاجتك ، أنا هودي محمود مصحة ، ما ينفعش يفضل عايش معاكي بحاله دا ممكن يموتك ، ارجع الاقيكِ لميتي حاجتك
مال يرفع جسد محمود عن الأرض يسنده على جسده ، يتحرك به للخارج بصعوبة ، أسرعت فاطمة تفتح له باب المنزل ليأخذه عاصم ويغادر ظل تتابعهم إلى أن غادر عاصم بالسيارة
تحركت تضع ثيابها في حقيبة صغيرة تُغلق كل الأجهزة في الشقة ، تدعو أن يمر الأمر على خير ، سمعت دقات على باب المنزل ظنته عاصم لتتحرك تفتح الباب شهقت مذعورة تعود للخلف تهمس مرتعدة :
- منير !!
ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتيه يومأ برأسه دخل إلى الشقة يحادثها :
- وحشتيني يا توما ، وحشتيني اوي ، ما تعرفيش أنا عملت ايه عشان ابعد اللي اسمه محمود دا ، واخليه يدمن ، صدقيني أنا كان ممكن أموته بس ما رضتش عشان خاطر عيونك الحلوة دي
ابتعدت للخلف تصرخ فيه :
- امشي يا منير بدل ما اصرخ وألم عليك الدنيا
ضحك عاليا يقترب منها دون مقدمات بدأ يتخلص من ثيابه ، ارتعشت حدقتاه يهمس بنبرة خبيثة مجذوبة :
- همشي يا روحي ، بس انتي وحشاني أوي ، أوي يا فاطمة
ابتعدت للخلف تصرخ فيه :
- أبعد عني يا منير ، إياك تقرب مني ، ابعد عني
هرعت تركض إلى الباب تفتحه لتبصر رعد ! يقف أمامها صرخت تستنجد به :
- الحقني يا رعد ، المجنون دا عايز يعتدي عليا
دخل رعد إلى الشقة ينظر لمنير ، نظرات تقدح شررا ، حاول الأخير الهرب لينقض الأخير عليه يضربه بجنون لا يمر في عقله سوى صوته وهو يصرخ في أبيه :
- اللي أنت بتعمله دا همجية ، في حاجة اسمها بوليس ، إحنا فرقنا ايه عن العصابات ، أنا عمري ما هبقي زيك ، أنا عمري ما هبقى زيك ، أنا عمري ما هبقى زيك ، وصوت يصرخ يسمعه من بعيد :
- يا رعد هيموت في ايدك يا رعد ، يا رعد هيموت في ايدك هتودي نفسك في داهية
استفاق فجاءة ينظر للملقى أرضا مذهولا ، نظر لكفيه التي تغطيها الدماء مصعوقا ، نظرت فاطمة إلى منير الذي اختفت أنفاسه مذعورة تنظر صوب رعد تتمتم برعب :
- دا مات !
دوامة تلتف به تعصره ، تصفعه ، تقف أمامه جميع شياطين الإنس والجن تشير إليه وتضحك تسخر منه ، تخبره بأنه بات قاتلا ، الحمل البرئ الذي كان يغضب ويثور من أفعال والده فاقه سوءً وبات قاتلا ، تتحرك عنياه بخواء شديد مع حركة والده وهو يتحدث في الهاتف أمامه ، أذنيه لا تسمع ما يقول ، رفع يديه أمام عينيه ينظر لهما يديه ملطخة بالدماء
أغلق جاسر الخط ، ينظر لولده الذي يبدو في عالم آخر ، من الجيد أن فاطمة اتصلت له ... اقترب منه يضع يده على كتفه يحادثه :
- رعد ، منير ما ماتش ، ما تقلقش ، أنت ما قتلتش حد
رفع عيناه عن يديه ينظر لأبيه مطولا ، قبل أن تعلو شفتاه ابتسامة مريرة نفض يد والده عن كتفه هب واقفا يصرخ فيه بحرقة :
- إنت بتعمل كدة ليه ، أنت بتعمل فيا كدة ليه ، حرام عليك ، أنت مخلفني عشان تقهرني !!
عيشت سنين عمري كله في ظلم منه عشان هاجس في عقلك أنت بس ، وبعد ما اتصالحنا بردوا مصر تهمشني ، شايفني عيل صغير ، خليت حتى مراتي تشوفني عيل صغير ، ويوم ما فكرت تحكي الحقيقة جت حكتها ليك أنت ، طب كنت قولي ، استخسرت تقولي ... كنت قولي أنها خايفة تقولي أحسن ما اصدقهاش وأنا كنت هصدقك واصدقها ، أنا دلوقتي لا عارف اسامحها ، ولا عارف أعيش حياتي بعد اللي حصل ، أنت عمال تدمر فيا ، أنت طول عمرك بتدمر في وجودي ، عايزني تابع ليك
عايزني ضل على الهامش ، أنا بجد بكرهك !
ارتسمت إبتسامة مريرة على شفتي جاسر حرك رأسه يهمهم قبل أن يرفع رأسه لولده ، ظل ينظر إليه مطولا دون أن ينطق بكلمة قبل أن يقترب بخطاه منه يتحدث بنبرة قوية حادة :
- أنا عايزك ضل وهامش ليا !! ، بقى أنا بدمر وجودك يا رعد ، وأنت بتكرهني ، أنت روحت اتجوزت رقاصة من الشارع وأنا عشان خاطرك قبلت بيها وسطنا ، فكرك لما جت الشركة ما عرفهاش بدل الموظف عشرة ، فكرك ما اتريقوش عليك في ضهرك ، وأنا خوفا عليك طردتهم كلهم ، كنت شغال ليل نهار بدفع مبالغ بالهبل عشان يتمحي أي أثر لشغلها عشان خاطرك ، كل حاجة عملتها عشانها ولا عشان أختها أو أمها كان عشان خاطرك أنت ، عشان بس كنت شايفك سعيد معاها ، آه أنا غلطت إني ما قولتلكش على اللي هي قالتله ، بس ما كنتش هقدر اشوفك مكسور ، قولت هي بتتعرف تتنافش معاك وبتقنعك دايما بكلامها يبقى هي اللي تقولك ، أنا عايزك ضل ؟!!
دس يده في جيب سترته يخرج ورقة مطوية وضعها في كفه بعنف يحادثه غاضبا :
- اتفضل يا بيه ، لما بطلت بقالك فترة كبيرة تاخد عمولات وارباح ما كلتهمش عليك ، أنا ما باكلش حق حد ، هاكل حق ابني ، اشتريتلك الشركة دي ، وقولت يكبرها ويوسعها وتبقى ماشية جنب بجنب مع شركاتنا ، عشان بعد ما أموت ، ما يقولوش واخد شركات أبوه على الجاهز لاء يعرفوا أن رعد مهران ليه اسم وكلمة في السوق
تنفس بعمق يحاول أن يهدأ قليلا يحادثه بنبرة مترفقة :
- رعد يا حبيبي ، أنت ابني البكري ، أنا عمري ما هحب حد في الدنيا قدك أنت واخواتك وأمك ، انسى يا رعد اللي عملته طرب ، وعدي يا سيدي وانبسط بحياتك معاها ومع الطفل اللي جاي ، اعتبر اللي حصل دا زوبعة فنجان قوية شويتين وعدت يا حبيبي ، أنت مش متخيل البيت كله قلقان عليكوا ازاي ، نتايج اخواتك بتاعت الثانوية طلعت ومش عارفين نفرح بيهم وأنت مش موجود ، والواد يوسف والواد مراد عايزين يعملوا حفلة الخطوبة على ملاك ومريم وأنا رافض غير لما تكون موجود ، تعالا يا حبيبي نجيب مراتك ونروح البيت
واقترب منه يمسك بذراعه ؛ لينتزع رعد ذراعه منه يتحرك للخلف يسأله :
- إنت عرفت منين إن طرب حامل ؟!
لما يا رعد يجب أن تكون دقيق الملاحظة كوالدك تماما ، سكت لم يجد ما يقوله لتتسع حدقتا رعد يصيح فيه :
- يعني أنت كنت بتراقبني ، كنت عارف أنا فين طول الوقت دا ، عارف حتى اللي بيحصل جوا بيتي ، اوعى تكون عارف اللي بيحصل جوا أوضة نومي
هنا توسعت عينا جاسر غضبا لولا أنه قبض يدع لكان صفعه على ما قال ليصرخ فيه بعلو صوته :
- إنت اتجننت ، احترم نفسك احسن ما أمد ايدي عليك، واللي اقوله يتنفذ تروح تجيب مراتك وترجع الفيلا ، وأنا هروح الزفت اللي مرمي في المستشفى دا
القى رعد على جاسر نظرة أخيرة غاضية ساخطة وتحرك يغادر المكان بأكمله ؛ ليقترب أحد حراس جاسر منه يسأله بصوت خفيض :
- جاسر باشا إحنا هنعمل ايه في الجثة !!
منير مات ، ورعد ان علم بتلك المعلومة سيُجن بالتأكيد ، لا يود أن يتخيل حتى رد فعل إن علم بتلك المعلومة سيموت كمدا ، نظر إلى الحارس يغمغم :
- ادفنوا جثته في ترب عيلتهم في الليل ، ولو أنه كلب يستاهل يترمي في اي خرابة ، وعلى الله رعد يعرف أنه مات هيبقى بموتكوا كلكوا
دخل إلى المستشفى ليلا يحمل بين يديه باقة أزهار خلابة الشكل ، بعد أن أوصل والديها إلى شقتها عاد هو إليها ، دق باب غرفتها ليسمع صوتها تأذن بالدخول من الجيد أنها لم تنم بعد ، فتح الباب يبتسم لها ، ليلوح على ثغرها إبتسامة خجلة متعبة ، دخل للغرفة يجذب المقعد المجاور لفراشها ، جلس هناك يعطيها باقة الأزهار يحادثها دون مقدمات يخرج كل ما يجيش في صدره من تخبط وحيرة وحب ! :
- تعرفي انا عاندت قلبي كتير أوي ، كنت دايما بقول لنفسي اني شخص ما بيعرفش يحب ، حتى لما كان بيرخم عليا والاقيه كل شوية بيفكر فيكي كنت بقول دا تعلق مش أكتر ، هو عاجبه شخصيتك بنت جدعة ، صاحب صاحبه ... واقفة جنب صاحبتها وعايزة تساعدها بأي شكل ، لما طلبت منها مساعدة أختي ما اتأخرتش ، على طول مبتسمة وبتضحك في وشوش الناس ، رغم أني واثق أن الإبتسامة دي قناع مخبية وراه ألم كبير ، كل ما اقول لنفسي ، لالالا دا إعجاب مش أكتر عينيا تسرح وافتكر تفاصيل وشك وتموج شعرك وضحكة عينيكي ، بس بردوا كنت بعاند وأكذب نفسي ، لحد ما لقيتك مطعونة بالسكينة ، ساعتها حسيت أن روحي طلعت من مكانها ، حسيت بطاقة غضب وشر فظيعة كفيلة أنها تحرق الدنيا كلها ، تخيلت لحظة أنك ما بقتيش موجودة في الحياة وكانت أسوء لحظة عدت عليا في عُمري كله ، عشان كدة أنا بعترف أنك انتصرتي يا مليكة وملكتي ، تتجوزيني يا مليكة
كل كلمة خرجت من شفتيه بعثت في جسدها ذبذبات عنيفة تُرجف جسدها بعنف ، قلبها يكاد يخرج من قفصها الصدري يحتضنه ويعود من جديد ومع فرحتها الشديدة بكل كلمة قالها ، ألا إن تلك الفرحة تبخرت في لحظة حين تذكرت الحادثة القديمة ، حين يعلم جاسر بها ستبدد حبه الجم الذي يتغنى به الآن ، شعرت بالألم الشديد يلكم قلبها يخبره أن يظل مكانه ، جرت الدموع تغرق وجهها حركت رأسها للجانبين خرجت من بين شفتيها شهقة بكاء قوية تهمس بحرقة :
- لا يا جاسر ، أنا ما ينفعش ، ما ينفعش أحبك ما ينفعش اتجوزك ، أنا آسفة
هو ليس بالغبي لكي لا يفهم رفضها وهو يعلم كل شيء عن الحادثة القديمة ، ابتسم لها يحرك رأسه للجانبين يرفض رفضها :
- وأنا رافض رفضك يا مليكة ، ورافض أنك مقتنعة أنك مذنبة عشان حادثة حصلت غصب عنك وأنتي لسه عيلة صغيرة
توسعت حدقتاها تشهق بقوة وضعت يدها على فمها ، تتمنى أن تنشق الأرض بها في تلك اللحظة ، جاسر يعرف بأمر حادثتها القديمة، كيف ومن أخبره ، أيعقل أنه قاسم من فعل ، وإن كان قاسم فبالطبع أخبره عن عمار أيضا ، تحدث جاسر يقطع سيل أسئلة عقلها :
- أنا روحت اطلب ايدك من والدك ، رفض وقالي أنك هترفضي ، استغربت صدقيني ما كانش راضي يقولي إلا اني فضلت ألح عليه كتير ، لحد ما رضي يقولي ، وتاني وتالت وعاشر كمان ، أنتي ما غلطتيش يا مليكة عشان تشيلي الذنب أو عشان تشوفي نفسك قليلة بأي شكل كان ، صورتك في عينيا ما اتهزتش درجة بالعكس دا أنا شوفتك أقوى وأشجع ، ما سمحتيش للماضي أنه يفضل عقبة في طريقك ، وكملتي ودرستي وبتعملي دراسات عليا ، ما حبتيش تعيشي في دور الضحية رغم أن ما حدش كان هيلومك لو عملتي كدة ، بس انتي مبهرة بجد ، وأنا يشرفني أن اسمي يرتبط بإسمك يا مليكة
قلبها عاد يدق بعنف شديد يخبر الألم اللعين أن من حقه الآن أن يخرج من مكانه يعانقه ويعود من جديد ، انهمرت دموعها وباتت نظراتها مدهوشة بما يقول ، لأول مرة لا تشعر بذلك الذنب الذي ظل يلتهمها عمرا كمرض لعين ، رغبت بشدة في أن تعانقه ، دون كذب تلك رغبة تراودها منذ أن رأته أول مرة ، ولكنها لن تفعل بالطبع كي لا يظنها منحرفة ولكنها سعيدة ، سعيدة للغاية حتى دموعها تعبر عن فيض سعادتها ، جاسر الذي أحبت يحبها أيضا ، يراها بطلة لا يمكن أن تكون أكثر سعادة من الآن ، تود في تلك اللحظة ان تذهب وتشكر والدة زينب على ضربها ، رفعت يدها تمسح دموعها تهمس بصوت خفيض خجول للغاية :
- على فكرة أنا كمان بحبك
خارج الغرفة كان الوضع مختلف تماما يقف يستمع إلى ما يُقال يُخفي وجهه بقبعة ، حين يعلم أنها اُصيب جاء يركض ليطمأن عليها ، حين رأى ذلك الجاسر يدخل إلى غرفتها تخفى جانبا ، إلى أن دخل إلى الغرفة ... اقترب بحذر يسمع إلى ما يقول ، لتتناهى إلى أذنيه كل حرف قاله ، وكل حرف طعن قلبه ، نهاية بجملتها وهي تعترف لها بحبه ، تسارعت دموعه في السقوط وضع يده على فمه يصرخ بلا صوت ، قلبه يتفتت إلى مئات الشطايا تهشم ما بقي من روحه ، تحرك يركض خارج المستشفى ، الألم يفتك به .... ارتمى أمام شاطئ النيل القريب من المستشفى يبكي بحرقة يحتضن جسده له ، ود أن يصرخ ... انتفض حين شعر بيد توضع على كتفه ، نظر جواره ليرى مُحسن جاره ماذا يفعل ذلك العجوز في وقت متأخر من الليل هنا ، تحدث محسن قائلا :
- بتعمل ايه هنا يا عمار ، أنت لسه تعبان يا ابني ، كويس إني شوفتك أنا لسه مخلص شغلي في المستشفى ، تعالى معايا يلا يا ابني نروح ، الجو برد وأنت لسه تعبان
مد الرجل يده ليسنده ؛ ليدفع عمار يده بعنف تراجع بخطواته للخلف يحرك رأسه للجانبين يصرخ فيه غاضبا :
- ابعد عني إنت فاهم ، ابعد عني ... أنا ما حدش بيعاملني كدة ، أنا ما حدش طبطب عليا قبل كدة ، مش عايزك منك شفقة ، أنا مش ابنك ... أنا بني آدم وحش ، وحش أوي ، آذيت ناس كتير مالهمش اي ذنب ، حتى البني آدمة الوحيدة اللي حبيتها من كل قلبي اذيتها وبقت بتكرهني وبتحبه هو ، بس عندها حق هو أحسن ألف مرة ، أنا مسخ ، مسخ مريض
امشي وسيبني أنا اللي زيي محكوم عليه بأنه يعيش متعذب في الدنيا باللي بيعمله ، ويتعذب بعد موته عقابه على الأذى اللي عمله في غيره
تحرك مُحسن إليه وقف أمامه ينظر إليه قبل أن يبتسم يسأله :
- عارف قصة الراجل اللي قتل 100 نفس
قطب عمار جبينه مستنكرا رد الرجل الذي لا يتناسب مع ما قال ، حرك رأسه للجانبين يغمغم حانقا :
- قصة ايه لاء ما اعرفهاش ، وايه اللي أنت بتقوله دا أصلا
ابتسم مُحسن في هدوء رفع يده يضعها على كتفه يحادثه :
- الرسول صلى الله عليه وسلم ، قول عليه الصلاة والسلام ، حكى للصحابة عن قصة الراجل اللي قتل 99 نفس وقرر يتوب وبدأ يسأل عن حد يفتيله هو ليه توبة ولا لاء ، فالناس دلوه على راهب ، لما راح سأله ، الراهب قاله لاء مالكش توبة الراجل اتعصب وراح قاتله ومكمل بيه ال 100 ، وبدأ يدور تاني على حد يسأله أنه كان ليه توبة ولا لاء ، فراح لراجل من أهل العلم قاله أن ليه توبة طالما هو صادق فيها ، ونصحه أن يخرج من البلد دي ويروح بلد تانية أهلها ناس صالحة ،
وفعلا شد الرحال على البلد ، بس في نص الطريق جه أمر ربك ومات ، فبدأت الملايكة تتخانق ملايكة الرحمة تقول أنه كان مقبل على الله وعايز يتوب توبة نصوحة ، وملايكة العذاب شايفة أنه ما عملش حاجة اصلا تتحسبله في التوبة ، وعشان ربك الغفور ذو الرحمة ، عايز برحمته عبده يدخل الجنة ، بعت لهم ملك في صورة بني آدم وقالهم قيسوا الأرض لو كان قريب من الأرض اللي فيها ناس صالحة وكان رايح ليهم يدخل الجنة وإن كان بعيد يدخل النار ، وطبعا أنا مش محتاجة أقولك ، أن هو كان أقرب للأرض اللي كان رايح يتوب فيها ، فأنت مهما عملت مش هتكون قتلت 100 نفس ، فأنت مهما عملت طالما نويت التوبة ربك برحمته هيقبلها
ابتعد عمار بخطواته للخلف ابتسم ابتسامة مريرة يحرك رأسه للجانبين يتمتم متألما :
- لاء ، أنت مش فاهم حاجة ، أنت ما تعرفش أنا حصل فيا ايه ، أنا ليه ما اترحمش وأنا عيل صغير لا حول ليه ولا قوة ، ليه ما اترحمتش وأنا بيحصل فيا كل أنواع العذاب اللي ما حدش يتحملها ، لاء فين الرحمة اللي بتقول عليها ، فين الرحمة وطفل صغير بيعاني العذاب والمرار والذل والإهانة ، أنا مش مصدق ولا كلمة بتقولها
تقدم مُحسن منه يحادثه بنبرة أحد قليلا :
- دي شياطين الإنس ولازم تبقى عارف إن دول عقابهم عند ربنا مرير ، كل ألم وعذاب اتعرضتله هيُقتص منهم في الدنيا وفي الآخرة ، إنما أنك تقول أنك مش مصدق ، يبقى أنت كدة بتكفر ، فين الرحمة في اللي بيحصل في فلسطين ، فين الرحمة في ق...ت..ل أطفال مالهمش أي ذنب ، طالما أنت بتسأل فين الرحمة ، دي حكمة ربك وحده اللي يعرفها وأنت اللي عليك تسلم لأمره وقضاءه ، وما تخليش الشيطان يعملك كورة في رجله ، أنت لسه قدامك فرصة تنجح في الاختبار ، سيب البلد دي كلها وأبعد ، ما بقولكش روح صلي وقيم الليل روح فكر وحاسب نفسك وأتأمل في كل حاجة حوليك ، هتلاقي نفسك بتصلي وتقيم الليل لوحدك
تخبطت حدقتي عمار بعنف ، يرحل يبتعد يبدأ من جديد ، هل سيفعل ؟! ، هل يمكن أن يبدأ من جديد كما قال له ، ولكن زين عليه أن يرى زين أولا قبل أن يفعل ذلك ، أجفل من جديد حين وضع مُحسن كف يده على كتفه يحادثه مترفقا:
- يلا يا ابني عشان نروح ، أنت لسه تعبان
___________
في صباح اليوم التالي في مكتب جواد ، اعتاد أن يأتي جواد إلى الشركة باكرا ، أول الحضور تقريبا ، دخل إلى مكتبه عدة دقائق وسمع دقات على باب المكتب ، أذن للطارق بالدخول ؛ لتدخل رحمة ، ابتسم لها وقف عن مكانه يرحب بها :
- اهلا يا آنسة رحمة اتفضلي اقعدي
وأشار إلى المقعد المجاور للمكتب ، اومأت برأسها تبدو مرتبكة للغاية تلك الفتاة ، تحركت صوب المقعد جلست هناك تعتصر حقيبتها الصغيرة تهمس متوترة :
- حضرتك ، أنا قصدي يعني الشغل ، صدقني لو ما فيش شغل ، أنا هشوف في مكان تاني ، ما فيهاش إحراج
ابتسم بهدوء يحرك رأسه للجانبين يتحدث :
- بصي يا آنسة رحمة ، الموضوع معقد شوية عشان دا مكتب ديكورات ، بس كلنا هنا موظفين ما فيش حد فينا أحسن من حد ، كلنا بنسعى على أكل عيشنا ، من اول الأمن اللي برة لحد المدير اللي قاعد قدامك دا ، فأنا من رأيي لو تقبلي طبعا ، أنك تشتغلي في الكافتريا بتاعت المكتب ، زي كأنك بالظبط شغالة في مطعم وأنتِ الشيف ، والدي قالي أنك بتعرفي تطبخي كويس جداا ، ومعاكِ مدام سناء ومهاب ، دا شاب صغير عنده 16 سنة بس قمة الأخلاق بيتكسف من خياله ، ومدام سناء دي ما فيهاش أطيب منها ، تحسيها أم للكل ، قولتي ايه ؟ أنا من رأيي تجربي لو ما حبتيش الشغل تقدري تقدمي استقالتك
ابتسمت في نفسها ساخرة وهل تملك حرية أن تُملي شروطا وهي حتى لا تملك شهادة مدرسية ، اومأت برأسها موافقة ؛ لتجده يفتح أحد الأدراج يُخرج منه ظرف أبيض اللون ، بالطبع داخله نقود ، جاءت أن ترفض ليبادر هو سريعا :
- هخصمهم من المكافأة السنوية أنا مش ببقشش عليك ِ ، بس أنتي هتروحي وتيجي كل يوم مواصلات طويلة بيتك بعيد على حسب كلام بابا ، اتفضلي معايا عشان اوديكِ مكان شغلك
وقفت سريعا ترفع حقيبتها على كتفها ، قام يتحرك أمامها وهي خلفه ، المكتب كبير عكس ما ظنت في بداية الأمر ، سمعت همسات الموظفين في طريقها
- باشمهندس جواد اتغير أوي
- إنت مش شايف ماشي باصص في الأرض إزاي ، دا اللي كان مناخيره في السما وباصصلنا كلنا من فوق
- على رأيك والله دا كان فرعون
- هو ايه اللي حصله صحيح
- سمعت أن مراته ماتت وهو كان بيموت فيها ومن ساعتها وهو اتكسر الكسرة دي
-ربنا يهديه ويفضل كدة دايما ، وما يتشعوذش علينا تاني
حركت عينيها تنظر لظهره شاردة ، يبدو أن الرجل أمامها كان نسخة سيئة للغاية ولكنه اختلف فجاءة ، الموت صعب وهي تعرف ألمه فوالدها قد مات قبل أيام فقط ، ويبدو على ما سمعت أنه كان يعشق زوجته ، وصلا إلى غرفة كبيرة أشبه بالمطبخ ، يعرفها بالشاب والسيدة اللذان رحبا بها بشدة ، أما هو فنظر إلى الشاب يحادثه :
- مهاب فنجان قهوة أحسن دماغي هتنفجر
ابتلع مهاب لعابه متوترا اقترب منه يهمس يحادثه مرتبكا :
- باشمهندس ، هو أنا ينفع استأذن عشان عندي امتحان عملي في المدرسة
ابتسم جواد يحرك رأسه بالإيجاب يحادثه :
- ايوة طبعا ، يلا بسرعة روح ألحقه ، أنت لسه واقف ، اجري ياض
ابتسم مهاب سعيدا يشكره يركض لخارج المكتب ، التفت جواد لها يطلب منها هي :
- معلش يا رحمة مهاب مشي ، فنجان قهوة مظبوط
اومأت برأسها سريعا ، أما هو فابتسم لها قبل أن يرحل وهي تتابعه بعينيها ، مسكين ذلك الرجل
__________
في منزل جاسر مهران
يجتمع في صالة المنزل ، جاسر وحسين ومراد ويوسف ومريم وملاك والصغيران ، ورؤى
جاسر وحسين يجلسان بعيدا يبدو أن بينهما أمرا هاما فمها يتحدثان منذ مدة لا بأس بها ، أما مراد فيشاكس مريم يحاول أن ينتزع منها هاتفها ، ويوسف يجلس على المقعد المجاور لملاك ينظر لما تفعل في هاتفها ، قطب جبينه يأخذه من بين ينظر لصورة الشاب أمامها على صفحة الفيس بوك ، قطب جبينه يسألها :
- مين دا
تضايقت مما فعل كثيرا ، كيف له أن يسمح لنفسه بأن يخترق خصوصتيها بكل هدوء وبرود :
- دا آدم كان زميلنا في درس العربي وبعتلي آد من قريب وأنا قبلته ، وعلى فكرة ما ينفعش تاخد الموبايل من ايدي كدة
تحركت أصابعه على سطح شاشة هاتفها ينظر للمحادثات بينهما ولكنه لم يجد شيئا ، فماذا فعل ، حظر صحفته من عندها تماما ، قطبت جبينها غاضبة للغاية مما فعل وقبل أن تنفعل في وجهه ، نظر لها وابتسم في هدوء يردف :
- آدم دا قليل الادب وكتير بعت كلام وحش لبنات معانا ، أنا دخلت على الشات مش عشان شاكك فيكِ خالص ! أنا خوفت ليكون بعتلك حاجة سخيفة وأنتي اتكسفتي تقولي
هدأت ثورتها يبدو أنها تسرعت في الحكم عليه والغضب منه أما هو فابتسم في هدوء خبيث ، هو لا يعرف ذلك الآدم من الأساس ، نزلت مدام كاملا من أعلى توجهت صوب والده وهو يراقب ما ستقول ليجدها تطلب منه :
- جاسر باشا ، لو سمحت أنا همشي أنا وملاك نرجع بيتنا ، كفاية كدة ... حضرتك استضفتنا عندك بما فيه الكفاية ، النهاردة هنمشي ، أرجوك ما ترفضش ، أنا عايزة ارجع بيتي اللي عيشت فيه أجمل سنين حياتي ،
رغم كرم ضيافتك ، بس هفضل أنا وبنتي هنا ضيوف ، عشان كدة لو سمحت أنا راجعة بيتي
ظل جاسر ينظر لها عدة لحظات قبل أن يبتسم يومأ برأسه موافقا :
- زي ما تحبي يا مدام كاملا ، وفي أي وقت أنا تحت امركوا ، وما تقلقيش على طرب، قريب أوي هترجع هي ورعد ، رعد هو اللي قالي
ابتسمت سعيدة تشكره ، أما هم فالتفت صوب حسين يسأله :
- صحيح ما قولتليش المشروع اللي عاصم مشارك فيه حامد السراج ، هياخد وقت قد ايه
امتعضت قسمات وجه حسين حين تذكر ذلك السخيف عمر ، وجوده يثير غضبه يرغب في لكمه حتى تختفي قسمات وجهه تماما ويصعب التعرف على جثته بعد أن يقتله :
- كتير أوي مش اقل 6 شهور ، لأن دا مجمع سكني كامل ، الأيام الجاية شكلها هتبقى طويلة أوي
ابتسم جاسر بهدوء يومأ برأسه موافقا ، لحظات ونزلت چوري اشاحت برأسها ما أن رأت حسين أمامها ، كادت أن تقول شيئا ولكن قاطع كل شيء صرخة قوية خرجت من مريم ، جعلت الجمع ينتفض يهرع إليها ، كانت رؤى اقربهم لها احتضنها وهي تصرخ وتنتفض ، تحرك رأسها للجانبين بسرعة تصرخ بلا توقف تردد مذعورة :
- لالالا مش حقيقي ، لاء مش حقيقي
نزل يوسف يأخذ الهاتف الذي سقط من بين يدي مريم وهي تصرخ ، فتح الهاتف لتتسع حدقتاه ينظر لمقطع الفيديو مذهولا ، لف شاشة الهاتف صوب مراد ليصفر وجه الأخير ذعرا مما رأى ، تحرك جاسر سريعا ينتزع الهاتف من يد يوسف ، ولم يقل ذهولا عن ولده ، فالمقطع الذي رآه أمامه كان أسوء مما توقع ، مراد عار الصدر يحادث فتاة عن طريق الكاميرا والفتاة تتغزل فيه بشكل فج ، تطلب منه خلع باقي ملابسه !! ومراد ابتسم ابتسامة خبيثة وانتهى مقطع الفيديو لهنا ، رفع جاسر وجهه ينظر لمراد ودون مقدمات صفعه بعنف ، اقترب منه يقبض على مقدمة ثيابه يصرخ فيه بعلو صوته :
- كلب وزاني ، أبوك لو عرف اللي أنت عملته هيروح فيها يا قذر ، عاصم طلع عينه في تربيتك عشان في الآخر تبقى زاني ، إكراما لأبوك أنا مش هقوله حاجة وما حدش هنا هينطق بكلمة ، بس أنا مش عايز أشوف وشك في بيتي تاني ، وما عنديش بنات للجواز
ومن ثم نظر لحسين الذي يرمق أخيه بنظرات حادة قاتلة ليحادثه :
- حسين ، عاصم ما يعرفش باللي البيه عمله ، عاصم مريض ضغط وخبر زي دا يجبله جلطة ، هتقوله أن مريم ومراد اتخانقوا ، وقرروا أنهم عيال
ومن ثم نظر لمراد الذي يبكي يحرك رأسه للجانبين يحاول أن يتحدث :
- أنا ما عملتش حاجة ، صدقني أنا ما عملتش حاجة
رماه جاسر بنظرة قاسية مشمئزة ، قبل أن تصرخ رؤى مذعورة باسم مريم حين تهاوت بين أحضانها فاقدة لوعيها ، آخر ما حدث أمام عينيها كان صوت الجرس المتواصل وعصا نصار الابانوس تظهر من خلف الباب
كم مضى من الوقت لا تعرف ، استيقظت على وخز مؤلم يضرب ذراعها فتحت عيناها ، الرؤية أمامها مشوشة ، أبصرت وجه نصار أمامها يزداد وضوحا شيئا فشيء يخرج سن الإبرة من ذراعها يبتسم لها يتحدث :
- بالشفا يا حبيبتي !!!!
حبيبتي ! كيف يقولها هكذا ببساطة أمام الجميع ، التفت برأسها للجانب الآخر لترى والدتها تمسح على رأسها برفق ابتلعت لعابها تهمس تسألها :
- هو ايه اللي حصل
تنهدت رؤى حزينة قلبها ينفطر على حال ابنتها تمسح على رأسها برفق تحادثها :
- اغمي عليكِ ، بابا أداكِ إبرة مهدئة ، هتبقي كويسة بإذن الله
بابا !! جعدت جبينها تنظر للجانب الآخر من جديد لتبصر وجه والدها بدلا من وجه نصار ، كيف رأت نصار مكان والدها قبل لحظات ولما فعلت ذلك ، تذكرت ما حدث لها قبل أن تفقد الوعي لتنهمر الدموع من عينيها تتمسك بأحضان والدتها تبكي بحرقة وينتفض جسدها ، اقترب جاسر منها يحادثها مترفقا :
- خلاص يا حبيبتي اهدي ، يغور في ستين داهية ما يستاهلكيش ، رؤى خليكِ جنبها على ما انزل اشوف نصار قاعد تحت بقاله كتير
مسح على رأس ابنته برفق قبل أن يتحرك لأسفل، يتنهد حزينا على حالها ، غاضبا من مراد
الوقح كان يعتبره مثل أبناءه ، كيف تأتي له القدرة ليفعل تلك الفعلة البشعة في حق الجميع ، نزل لأسفل ليرى نصار هب واقفا يسأله قلقا :
- مالها البنوتة الصغيرة ، خير حصل ايه
ابتسم جاسر بهدوء يربت على كتفه يردف :
- تعبت بس شوية ، الحمد لله بقت احسن ، معاك ورق الصفقة
اومأ نصار برأسه بالإيجاب ليردف جاسر بهدوء :
- طب اقعد عشان نراجعه ، الصفقة دي مهمة أوي ولو خدتها هتبقى اثبت اسم شركتك في السوق ، خصوصا أنها صفقة مهمة تبع الدولة
________
في سيارة حسين ، بكى مراد بحرقة يتوسل أخيه :
- أقسم بالله ما حصل حاجة يا حسين ، أرجوك ارجع قولهم إني مظلوم
أوقف حسين السيارة على أحد جانبي الطريق التفت لأخيه يصرخ فيه :
- اقولهم ايه بالظبط ، دا أنت عريان في الفيديو مظلوم إزاي بقى ، مراد أخرس أنا مش عاوز اسمع صوتك
انفعل مراد يصيح فيه :
- اقسملك بالله مظلوم ، والله العظيم مظلوم ، أنا كنت قاعد قدام اللاب ، والجو كان حر في الأوضة فقلعت التيشرت ، كنت بقلب عادي لقيت أكونت بنت من
بيرن عليا فيديو ، استغربت ومش عارف هو فضول ولا ضعف ولا شيطان ، رديت كانت بنت جميلة جداااا ، لقيتها فجاءة عمالة تتغزل فيا ونبرة صوتها تتغير لنبرة مش كويسة وطلبت مني إني اقلع هدومي ، فضحكت واتريقت عليها ، وهزقتها وعملتلها بلوك ، ما كنتش أعرف أنها بتسجل وقصت الفيديو ، أنا غبي أنا عارف بس قسما بالله دا اللي حصل ، ابوس إيدك يا حسين ساعدني ، أنا بحب مريم بحبها أوي
ظل حسين ينظر لشقيقه الذي انفجر باكيا كطفل صغير لتلين نبرة صوته قليلا يحادثه :
- مش هينفع دلوقتي يا مراد خالص ، كام سوم على ما حالتها تهدا ، وزي ما عمك جاسر قالك ، حسك عينك بابا ياخد خبر باللي حصل دا ممكن يجراله حاجة فيها دي فاهم !
________
وقف أمام تلك الشركة التي اشتراها والده لها ، بنقود الصفقات التي لم يأخذها ، إذا تلك الشركة اشتراها بنقوده هو ، يملك عقدها في جيبه ، وقف أمام اسم الشركة المحفور على حائط زجاجي بشكل ضخم بارز يبدو أن والده أيضا اختار الاسم ( رعد آل مهران )اسم سخيف لم يعجبه هو في الأساس لم يحب اسمه يوما ، خطى لداخل الشركة يتوجه مباشرة إلى رئيس مجلس إدارة الشركة ، رأى شاب تقريبا في مثل عمره يجلس هناك ، هب واقفا ما أن دخل يغمغم سريعا :
- يا نهار أبيض رعد باشا اتفضل يا افندم نورت الشركة ، أنا ممدوح المدير التنفيذي للشركة وتقدر تقول هبقى دراع حضرتك اليمين
تحرك رعد صوب المقعد الفخم يجلس عليه ، ينظر إليه يغمغم ساخرا :
- وأنت بقى اللي حطك هنا جاسر باشا مهران عشان تنقله أخباري مش كدة
توتر الشاب مما يقول قبل أن يحرك رأسه للجانبين يغمغم سريعا :
- لاء طبعا يا افندم ، أنا كنت المدير التنفيذي للشركة من أيام رمضان بيه الله يرحمه قبل ما يموت ويشتري الشركة جاسر باشا والد حضرتك ، حضرتك تؤمر بحاجة
ابتسم رعد ساخرا وكأنه سيصدق فعلا ، همهم يحرك رأسه بالإيجاب قبل أن يتحدث :
- في ظرف ساعتين عايز كل المعلومات عن صفقة إسكان الدولة الجديدة
أصفر وجه ممدوح يغمغم متوترا :
- إزاي بس يا افندم ، وفي آخر اجتماع حصل بين والد حضرتك ورؤساء الشركات التانية ، اتفقوا أن الصفقة دي هتبقى من نصيب نصار باشا شريك والدك الجديد
ابتسم رعد في سخرية رفع كتفيه يردف ببساطة :
- أنا كنت معاهم في الإجتماع دا ؟!
حرك ممدوح رأسه للجانبين ليكمل رعد بنفس البساطة :
- خلاص ، يبقى أنا مش موافق على اللي اتقال وأنا مش موجود ، وعليه في ظرف ساعتين عايز كل المعلومات عن صفقة إسكان الدولة الجديدة ، لأني ناوي أكسب الصفقة ، ولو حابب تبلغ المعلومة دي لجاسر باشا اتفضل بلغها ، واتفضل يلا أعمل اللي قولتلك عليه
خرج منير من الغرفة متوترا يضرب كفا فوق آخر ، سمع قبلا أن جاسر مهران حاد الطباع ولكن يبدو أن ولده ايضا كذلك
أما هو فأغمض عينيه يرجع رأسه للخلف ، مقررا أنه سيكن الشوكة التي ستقف في حلق أبيه ، الأيام القادمة لن تمر مرور الكرام
ضغط على الزر الموجود في مكتبه ليأتي ممدوح له تحدث رعد :
- بقولك ايه ، أنا عايز في ظرف عشر دقايق كل موظفين الشركة قدامي هنا في المكتب
وحدث فعلا في ظرف دقائق معدودة كان جميع الموظفين يكتظون أمامه ، وقف عن مقعده يقترب منهم يتحدث بنبرة قوية تعملها من أبيه ولكنه ينكر ذلك :
- مساء الخير أولا ، أنا رعد مهران ، رئيس مجلس الإدارة الجديد ، والشركة دي مش امتداد لشركات مهران ، منفصلة عنها تماما ، وعليه أنا عايز شغل من نار ، عايز في مدة بسيطة تنافس شركات مهران ، آه صحيح لو عرفت أي موظف منكوا بينقل أي خبر في الشركة لشركات مهران ، أقسم بالله هخليه عبرة يتحاكى بيها الكل لسنين مش أيام ، لو ولائك مش ليا ، اتفضل أمشي احسنلك ، اتفضلوا على مكاتبكوا يلا
بدأ الجمع ينفض يتهامسون قلقين منه ، أما هو فعقد ذراعيه أمامه يتمتم ساخرا :
- أنا هوريك نسخة رعد اللي كانت خايف منها يا جاسر يا مهران
_____________
في المستشفى حيث تعمل سما ، احتاجت الأخيرة كوب قهوة تشعر بصداع قوي منذ الصباح ، توجهت صوب الكافتريا طلبت منهم كوب قهوة ووقفت تنتظره ، لتشعر بحركة جوارها نظرت جوارها لترتبك حين رأت طارق يقف بالقرب منها يطلب هو الآخر كوب قهوة ، التفت لها ابتسم يتحدث :
- ازيك يا سما ، عاملة ايه ، وحشاني
توترت كثيرا تحاول أن تبتسم تومأ برأسها دون كلام ، أما هو فأردف يكمل كلامه :
- أنا عرفت من جاسر أنك اتطلقتي ، هو ما رضيش يقولي أي تفاصيل ، بس أنا متأكد أن الحيوان دا آذاكِ ، مصطفى دا كتلة شر وآذية ماشية على الأرض ، هو زمان اللي فرقنا عن بعض وأنتي صدقتيه وما صدقتنيش يا سما
- طارق أرجوك كفاية، إحنا اللي كان بينا خلص من سنين طويلة
همست بها متوترة تنظر حولها ، تشعر بأن الجميع ينظرون إليها ، أما هو فحرك رأسه للجانبين يهمس بحرقة :
- اللي بينا اتقتل ، اتغدر بيه ، بس ما خلصش ، أنا اتجوزت بعد ما انتي اتجوزتي ، سنين وأنا عايش مع مراتي بخونها بفكري اللي دايما معاكِ ، بسببك أنا دايما حاسس بالذنب ناحيتها ، ما اعتقدش إن كلامي دا يفرق معاكِ ، عشان أنتي لو كنتي فكرتي واحد في المية زمان ما كناش وصلنا لهنا ، عن إذنك
ورحل دون حتى أن يأخذ كوب قهوته
أما هي فتهاوت على أقرب مقعد منها ، اضطربت حدقتاها تتذكر صوت مصطفى وهو يحادثها
( شايفة يا سما ، الخاين بصي بيقولها ايه ، طارق عمره ما حبك يا سما ، اقري الشات كويس ، عشان تعرفي اني عايز مصلحتك وما يهونش عليا تتخدعي حتى لو من صاحبي أعز أصحابي ، انتي عندي أهم من الدنيا كلها )
أيعقل أن مصطفى كان يكذب أيضا ، مصطفى دمر علاقتها بطارق لأنه كان يغار منه ؟! ، وضعت يدها فوق رأسها تشعر به يكاد ينفجر
_________
خرج من المنزل دون أن يتخفى كما اعتاد ، مُحسن محق عليه أن يبتعد ربما يحى من جديد بعيدا ، ولكنه أولا عليه أن يرى زين شقيقه ، يودعه قبل أن يغادر ، تمشى في الطرقات ينظر إليها وكأنه يودع كل شيء حوله ، إلى أن وصل أمام الشركة ولم يحتاج للدخول رأى زين يخرج ، ابتسم له ابتسامة كبيرة ، وعليها ابتسم زين ايضا سعيدا ، تحرك صوب شقيقه يود عناقه ولكن قبل أن يصل إليه وقفت سيارة مسرعة وخرجت من نافذتها المفتوحة في أقل من لحظة ، بندقية صوبت صوب ظهر عمار وفي لحظة كانت الرصاصات تندفع إلى جسده قبل أن تختفي السيارة ، صرخ زين مذعورا يركض إلى شقيقه الذي سقط بين أحضانه يبكي بعنف يصرخ باسمه ، ليبتسم عمار تخرج الدماء من بين شفتيه يهمس بصوت خفيض للغاية :
- تفتكر يا زين ، أنا هبقى زي الراجل اللي قتل 100
واغمض عينيه وارتخي جسده لتتسع حدقتي زين هلعا يصرخ باسم شقيقه:
- عماااار
الألم ، الشعور بالألم الخالص ... ذلك الشعور الذي يشبه الاختناق وكأن أفعى الكوبرا تلف جسدها حول الروح تعتصرها تخنقها ، تفتت كل ذرة بها ولكنها لا تقتلها ، والموت في هذه اللحظات راحة يتمنى الحصول عليها ، لم تذق عينيه النوم منذ أسبوع تقريبا ، كل ذرة به تحتضر ، الدموع لم تتوقف من عينيه ، عينيه تنزف لا تبكي ، لا يصدق أنه لن يرى شقيقه من جديد ، عمار مات بين يديه ، عمار رحل ولن يعود ، عمار لأول مرة كان يبتسم تلك الابتسامة الصافية وكانت ابتسامة الوداع ، ليته لم يستمع إلى تهديد نصار ، ليته أخبر والده عنه ، ليته ما ابتعد عنه لحظة ، ليت نصار أخذه هو منذ الصغر ، وضع يده على فمه يصرخ بعلو صوته يشهق في البكاء بقوة ، صوت رنين هاتفه هو ما جذبه ، الرقم الذي كان يدق عليه ، رقم غريب لا يعرف صاحبه ولم يحتاج ليعرف من هو ، فهو على أتم ثقة من أنه نصار نفسه ، فتح الخط يضع الهاتف على أذنه ليسمع صوته يحادثه ساخرا :
- البقاء لله يا زين ، عمار كان غالي عليا أوي ، كان زي أبني اللي ما خلفتوش ، لولا بس غبائه كان زمانه عايش دلوقتي ، اسمعني يا زين كويس أنا ما عنديش عزيز ولا غالي ، ودلوقتي ما بقاش في أي خطر عليا عايش غيرك ، بس أنا عارف أنك ذكي يا زين ، أنت لو نطقت بحرف أنا مش هقتلك انت ، أنا هقتل عاصم ، ومراد وحسين ، ومريم وچوري ، وطنط حلم ، هموت الكل ، وهسيبك إنت عايش تتفرج عليهم وهما بيموتوا واحد ورا التاني ، زي عمار ما مات كدة ، سلام يا زيزو ، اوعى تنسى كلامي
وأغلق الخط في وجهه ، قبض زين على الهاتف في كفه يقطع وعدا في نفسه ، أنه سيقتص لشقيقه من ذلك الوغد ، فُتح باب غرفته ودخل أبيه ، وجهه شاحب عينيه حمراء أسفل عيناه هالات سوداء قاتمة ، تحرك صوب زين جلس أمامه يسأله بحرقة :
- ليه ما قولتليش يا زين ، ليه ما اعرفش أنه ابني غير بعد ما يموت ، ليه خبيت عليا ، ليه مقولتيش أنه أخوك
صرخ فيه في نهاية كلامه ، قبل أن يتحرك إليه قبض على تلابيب ثيابه يصرخ فيه :
- انطق ، ليه ما قولتليش انه أخوك
أغمض زين عينيه تنهمر منها الدموع تتابعت شهقاته يتحدث بحرقة :
- رفض إني أقولك، تهاني بهدلته عمره كله لدرجة أنه بقى بيكره الناس كلها ، لما قولتله هقولك ، هددني أنه هيقطع علاقته بيا تماما لو عملت كدة ، كنت مستني اللحظة المناسبة ، بس اللحظة المناسبة جت بعد موته
وخرجت من بين شفتيه شهقة عالية ، لتنهمر الدموع من عيني عاصم أيضا يسأله غاضبا :
- مين اللي قتله ؟ ، أكيد أنت عارف
اخفض زين رأسه لأسفل ، يحرك رأسه للجانبين يهمس بحرقة :
- عمار كان ليه عداوات مع ناس كتير ، عشان كدة دايما مختفي ، كان جاي يودعني قبل ما يسافر ، أكيد حد منهم شافه ، أنا هموت يا بابا ، أنا مش مصدق إني مش هشوفه تاني ، عمار ، عماار
بكى عاصم بحرقة يجذب زين إليه يعانقه لينفجر الأخير في البكاء كطفل صغير خائف يتمسك بأحضان أبيه ، يصرخ باسم شقيقه بعلو صوته ، حتى اختفى صوته من الصراخ شيئا فشيء ، فلم تعد سوى صوت بكاءه العالي ، وجسده وهو ينتفض بعنف بين يدي والده
__________
في تلك الأثناء في شقة طرب ، اليوم هو اليوم الموعود ، من المفترض أن يأتي جاسر مهران بعد قليل ليأخذها ويغادران بلا عودة ، رعد منذ عدة أيام وهي تكاد لا تراه ، يخرج قبل أن تستيقظ ويعود ليلا في وقت متأخر ، كلما وقعت عينيه عليها ، ترى في عينيه نظرة لوم تصفعها نظرات اشمئزاز ونفور ، أعدت حقيبة صغيرة
وجلست في صالة المنزل تهز ساقيها متوترة ، ستبتعد ستأخذ ما تبقى لها من كرامة وترحل بلا عودة ، أكثر ما يعتصر قلبها ألما هو أنها لن تجد الفرصة حتى لتودع والدتها وشقيقتها ، لا هي تكذب أكثر ما يعتصر قلبها ألما أنها سترحل بلا عودة ، لن تراه من جديد ، لن ترتمي بين أحضانه في أشد لحظاتها ألما ومرارة ، سمعت صوت الباب يُفتح هبت واقفة لترى جاسر يقف أمامه يبتسم لها ، قامت تتحرك إليه تسأله متوترة :
- هنمشي خلاص
ابتسم لها مترفقا يحرك رأسه للجانبين اقترب هو منها يُنزل الحقيبة من يدها ، ظل ينظر لها لعدة لحظات في صمت قبل أن يُفجر القنبلة:
- أنتي مش هتسافري يا طرب ، رعد هيتدمر لو سيبتيه وسافرتي ، وعلاقتي أنا وهو هتتدمر تماما لو عرف أن أنا اللي هربتك ، وهيعرف لو عملتها دي مش حاجة صعبة خالص تتعرف ، عشان كدة أنتي مش هتسافري يا طرب ودا آخر كلام عندي
توسعت حدقتاها ذهولا تنظر له مستنكرة مصعوقة مما يقول ، كيف يفعل بها ذلك هو الآخر ؟ ألم يقلها لها مرارا وتكرارا أن تعتبره كوالدها ، ولكنه لن يكون أبدا ، هو والد رعد وليس أبيها هي ، ضحكت ساخرة بعلو صوتها تومأ برأسها توافق على ما يقول :
- إنت عندك حق ، ما ينفعش رعد باشا مهران يتدمر ، هو في الأول وفي الآخر ابنه ولازم هتدور على سعادته قبل أي حد ، طب عشمتني ليه من الأول ، ضحكت عليا وقولتلي أنا هبقى ضهرك وسندك وكلام كتير كدة ، امشي يا جاسر باشا ، امشي لو سمحت وأنا حقيقي آسفة إني طلبت مساعدتك
الحمقاء سريعة رد الفعل تماما كزوجها ، تأفف حانقا منها يتحدث غاضبا :
- ماتبقيش مندفعة زي جوزك كدة ، اسمعي باقي كلامي ...
لم تدعه يُكمل حرفا آخر ، دخلت إلى غرفتها وصفعت الباب وأغلقته عليها من الداخل بالمفتاح ، جلست خلف باب الفصل المغلق تضم قدميها لصدرها تنهمر دموعها بحرقة ، تحادث نفسها بصوتٍ مسموع :
- شايف يا بابا لما مشيت ، مش لاقية حد يجيبلي حقي ولا يخاف عليا ، أنا مش بلومه وهو عايزه سعيد بأي شكل ، حتى لو على حسابي ، أنا تعبت ، تعبت وما بقتش قادرة أكمل تعالا خدني أرجوك ، أنا عايزة اجيلك
واجهشت في البكاء بصوتٍ عالٍ ، الجميع تخلى عنها ، لم يعد لها سوى الصغير القابع بين أحشائها ، هبت واقفة تمسح دموع عينيه بقوة تعزم النية على الهروب مهما كلفها الأمر واليوم ستفعل
______________
اجتمع رؤساء عدة شركات في مقر الصفقة الرئيسي ، حتى يعرفوا إلى من سيوكل أمر الصفقة ، رغم أن الأمر محسوم لصالح شركات نصار ، ولكن وجودهم هنا ليتلقطوا عدة صور ويتحدثون عن القرعة القادمة ، توقفت سيارة جاسر أمام المقر نزل منها يتحرك للداخل عينيه شاردى ، يفكر قي كلمة قالتها طرب ، وسمعها تتحدث خلف الباب النغلث ، مسكينة الفتاة تحتاج ليده ليساعدها ، ولكن ها هو يبدي سعادة ولده على المسكينة التي انهارت تبكي حين أخبرها بكل قسوة أنه سيخذلها ولن يساعدها ، ولكن لم يقصد خذلانها ، هو أخبر رعد بكل حدة أن يأتي بزوجته إلى القصر من جديد ، وبالطبع رعد سيفعل ما أمره به
دخل جاسر إلى غرفة الاجتماعات يترأس مجلس الطاولة
في تلك اللحظات توقفت سيارة رعد ، نزل منها يمشي بخطى واثقة صوب الداخل يرتدي قميص اسود وبنطال اسود وسترة حلة تماثلهم سوادًا ، تحرك لداخل الشركة يتوجه مباشرة لغرفة الاجتماعات فتح الباب يدخل بهدوء ، لتتوقف جميع الأحاديث الدائرة يوجه الجميع انظارهم إلىه ، تحرك رعد يبحث عن اسم شركته ، ليجلس على المقعد الفارغ المقابل لاسم شركته في هدوء ، تحركت مقلتاه ينظر صوب والده العزيز يبتسم في سخرية جعلت جاسر يقبض كف يده غاضبا ، إن فعل رعد ما يفكر به الآن لن يفلت من قبضته ، مضت عدة لحظات قبل أن يدخل المسئول عن المشروع ، ابتسم يوجه حديثه للجالسين أمامه :
- مساء الخير يا جماعة ، مشروع إسكان الدولة الجديد مشروع مهم وحيوي ، وعليه لما طلبنا منكوا تقدموا العروض كان لحد قبل النهاية بدقايق بسيطة أفضل عرض متقدم هو عرض شركة نصار جروب ، ولكن زي ما بيقولوا الجون بيجي في ثانية ، قبل ما يتقفل باب استلام العروض جالنا عرض شركة من شركات مهران ، شركة رعد مهران ، وحقيقي العرض كان فوق الممتاز وعليه بإجماع الآراء ، الصفقة الجديدة رايحة لشركان مهران
رفع رعد يده ابتسم يغمغم في هدوء تام :
- معلش يا افندم عشان واضح أن في لبس عند حضرتك ، شركة رعد مهران مش تابعة لشركات مهران ، منفصلة عنهم ، وأنا حقيقي أن الشركة خدت صفقة مهمة زي دي
وقام من مكانه يصافح الراجل يبتسم في وجهه بهدوء ليعطيه الأخير عدة ملفات بها كل ما سيحتاج لتنفيذ المشروع ، وأخبره أنهم سيظلوا على تواصل دائم الفترة القادمة ، والتقطوا الصور معا أيضا ، أما أعضاء الاجتماع فكانوا ينظرون إلى جاسر في حالة من الدهشة والعجب ، مما حدث قبل قليل ، وجاسر يشعر بالغضب الشديد ، اقترب نصار منه يهمس له :
- ليه ما قولتليش أنك عاوز الصفقة لرعد يا جاسر ، دا أنت اللي مساعدني في كتابة العرض ، أنا مش فاهم حاجة
احتقنت الدماء في عيني جاسر ووجهه ، انتظر إلى أن انفض الجمع إلى الغرفة وتوجه إلى رعد قبل أن يغادر قبض على ذراعه ، طحن أسنانه يهسهس حانقا :
- إنت اتجننت يا رعد ، أنت إزاي تهبب اللي أنت هببته دا ، أنت مش عارف إن الصفقة دي ليا ، تروح تتنازل عنها ، الصفقة دي بتاعتي أنا ، وهديك عمولة عليها
ضحك رعد ساخرا لعدة لحظات قبل أن يكتف ذراعيه أمامه يستند بكتفه إلى إطار الباب المجاور له يسخر مما يقول :
- تؤتؤتؤ ، الصفقة دي أنا كسبتها بمجهودي ، زي ما أنا يامااا كسبتك صفقات ، وأنا قررت خلاص إني لن أعيش في جلباب أبي تاني يا جاسر باشا ، لاء صحيح دا أنت ما بتلبسش جلاليب ، يبقى لن أعيش في بدلة أبي ، سلام يا باشا
وضحك ساخرا يتحرك يبتعد للخارج ، وقف جاسر يقبض كف يده الوقح ، لن يتهاون معه فيما سيأتي ، رفع هاتفه يطلب رقمه مر عدة لحظات قبل أن يجيب رعد بنبرة ساخرة :
- ايه يا جاسر باشا في حاجة نسيت تقولهالي ولا ايه
زفر جاسر أنفاسه حانقا يمسح وجهه بكف يده يحادثه غاضبا :
- اسمع يلا ، اللي قولتلك عليه من اكتر من اسبوع وأنت عامل عبيط يتنفذ ، النهاردة تكون جايب مراتك وترجع الفيلا ورجلك فوق رقبتك ، فاهم ولا لاء
- لاء
قالها رعد بهدوء وبساطة شديدة قبل أن يغلق الخط ، توسعت حدقتا جاسر ذهولا ينظر لشاشة الهاتف ، رفض وأغلق الخط في وجهه ايضا !!! ، الوقح سيريه .. نظر مجاورا له ليرى نصار يقف مجاورا ، حاول جاسر أن يبتسم في وجهه قبل أن يردف :
- ما تقلقش ، الصفقة دي عندي هعوضك عنها بصققة تانية ، وما تقولش لاء مش عاوز ولا تتكسف اعتبرها عربون صداقة ومش هقبل أنك ترفض خالص
تنهد نصار متوترا يحادثه بنبرة خاملة حزينة :
- يا جاسر باشا ، كفاية مساعدتك ليا لحد هنا ، مش عاوز يحصل مشاكل بينك وبين رعد بسببي
ابتسم جاسر رفع يده يربت على كتف نصار تنهد يحادثه بهدوء :
- ما تقولش الكلام دا يا نصار ، ما فيش مشاكل ولا حاجة ، دي زوبعة فنجان وهتعدي ، تعالا يلا اتغدى معانا
ابتسم نصار يومأ برأسه موافقا ، ستكون فرصة أكثر من جيدة ليوصل هديته إلى الفتاة الصغيرة الجميلة !
___________
في منزل ياسر راضي ، ابتسمت في خبث تنظر لما في يدها ، مدت يدها إلى مقبض الباب تفتح باب غرفة شقيقتها بهدوء شديد ، تحركت بخفة صوب النافدة وعلى حين غرة أزاحت الستار عن النافذة ليدخل ضوء الصباح يملئ المكان ، سمعت صوت شقيقتها تتأفف حانقة ترفع الغطاء تخبئ وجهها لتضحك عاليا ... اقتربت منها تجذب عنها الغطاء تهز ذراعها تصيح بلا توقف :
-سما سما سما سما سما سما سما سما
-بسسسسسس
صرخت بها سما تفتح عينيها تنظر لشقيقتها بغيظ مما تفعل لتنفجر الأخيرة في الضحك عليها رفعت بطاقتين أمام وجهها ومفاتيح سيارة تغمغم متحمسة :
-كريدت كارد بتاع جاسر قلبته منه ، كوبون خصم من براند ***** ، مفاتيح عربية بابا ... قومي البسي الشوبينج ينادينا
ابتسمت
ضحكت سما تحرك رأسها يائسة من أفعال أريچ المجنونة
لتمد يدها إلى الوسادة المجاورة لها خفية تصدمها بها على وجهها فجاءة تغمغم ضاحكة:
-عشان تبقي تصحيني تاني ، هغير هدومي روحي غيري لتميم عشان عاوزة اجبله لبس للمدرسة
هبت اريچ واقفة تضع يدها جوار رأسها تغمغم بنبرة :
- تمام يا افندم
تحركت للخارج تبحث عن تميم الصغير تصيح بعلو صوتها :
- يا تيمو حبيب خالتو ، خش اضرب خالو جاسر بالقلم عشان مش عاوز يصحى
ضحكت سما بخفة تلملم خصلات شعرها للخلف برباط صغير شردت عيناها تفكر في طارق ، وفيما يفعله منذ أسبوع هو لا يفعل شيئا هو فقط يتعمد تقريبا أن يراها كل يوم ، ويبتسم في وجهها ومن ثم يذهب ، زفرت أنفاسها متوترة مدت يدها إلى هاتفها كما اعتادت ، لتقطب جبينها حين وجدته طلب صداقة بعثه طارق لها ! ، ابتلعت لعابها مرتبكة ارتعش إصبع يدها لا تعرف توافق أم ترفض ، طارق يبدو ساعيا لإعادة العلاقة القديمة بعد ماحدث معها وبعد أن طلق زوجته ، أو ماتت هي حقا لا تعرف ما حل بعلاقتهم ، زفر أنفاسها بعنف توافق على طلب صداقته ، ولم تمر سوى لحظة ووجدته يرسل لها :
- صباح الخير ، ايه ما جيتيش لحد دلوقتي ليه
توترت أكثر ، هل كان ينتظر قبولها لطلب صداقته ، حركت أصابعها على الشاشة ترسل :
- صباح الخير ، لاء أنا مش هاجي النهاردة
بعث لها سريعا في اللحظة التالية :
- ليه خير أنتي تعبانة ولا ايه ؟
ماذا تقول ، لما تشعر بالارتباك والتوتر الشديد مما يحدث أرسلت له :
- لاء أبدا أنا كويسة ، بس هروح اجيب هدوم المدرسة لتميم ابني
انتظر عدة لحظات قبل أن يرسل لها :
- ربنا يخليهولك ، معلش في حالة مستعجلة عن إذنك
زفرت تلقي الهاتف بعيدا ، رفعت يديها إلى شعرها تخلل أصابعها في خصلات شعرها ، وشردت عيناها تضطرب توترا من القادم
في اللحظة التالية سمعت صوت صراخ جاسر شقيقها يتألم ، هبت واقفة تركض لخارج الغرفة ، لترى تميم يركض من غرفة جاسر تمسك بساقها يحتمي خلفها ، يمسك في يده معلقة خشب من معالق مطبخ والدتها في حين خرج جاسر من غرفته يضع يده على رأسه المكدومة يتأوه متألما ، اقترب منهم يمسك بالصغير من خلف والدته رفع جسده الصغير بقبضته اليسري أمام وجهه يحادثه حانقا :
- بقى يا اوزعة يا شبر ألا نص تبطحني بالمعلقة الأطول منك دي
نظر الصغير له دون خوف لأنه يعلم أنه لن يؤذيه فقط ضحك عاليا يشير إلى اريچ التي تقف بعيدا تراقب باستمتاع :
- خالتو اريچ قالتلي ،و قالتلي خد دي اضرب خالو
عض على شفتيه ينزل الصغير أرضا ، نظر خلفه ليرى أريچ تحاول الهروب ليلحق بها يقبض على رقبتها من الخلف يجذبها إليه :
- تعالي هنا ، يا فرقعلوز البيت أنتي ، الواد سامر كرف عليكي ، بتحرضي الواد يضربني يا حمارة
توسعت عيناها ذهولا تشير إلى نفسها تتمتم مذهولة :
- أنا يا جاسر ، فكرك أنا هعمل كدة بردوا ، ما حصلش ، دا تميم بيهزر معاك ، تيمو أنا قولتلك اضرب خالو ؟!!!
وتمنت من أعماق قلبها ألا يقول الصغير الحقيقة ، أما تميم فحرك رأسه بالإيجاب يقول :
- ايوة يا خالتو أنتي ، لما روحتي صحيتي ماما وقولتلها كيدت كاد بتاع جاسر قلبته منه ، يعني ايه قلبته منه يا ماما صحيح
توسعت حدقتي أريچ مما قال ، لتنظر إلى سما تصيح فيها مذعورة :
- ما تسكتي الراديو دا ، اااه
تأوهت حين صفعها جاسر على رقبتها من الخلف يحركها في يده يغمغم حانقا :
- انتي قلبتي كمان الكريدت كارد بتاعي ، اطلعي يا بت بالكريدت كارد يا بت
حاولت أن تستعطفه ليتركه لها ولكن الأمر لم يُفلح ، مدت يدها إلى جيب سترتها تخرج له بطاقته الإئتمانية ، لينزعها منها يلقيها بعيدا ، تحرك صوب سما يحادثها :
- كنت بتقولوا امبارح هتروحوا تجيبوا هدوم لتيمو ، خدي يا حبيبي هاتيله كل اللي يعوزه ، والمعزة اللي ورا دي ما تجبيلهاش كيس تايجر حتى منه
ضحكت سما بخفة تنظر لشقيقها ممتنة ، قبل أن تقترب تعانقه بقوة تهمس تشكره :
- أنا بجد مش عارفة اشكرك إزاي على كل حاجة عملتها وبتعملها عشاني يا جاسر
كاد أن يقول شيئا حين صدح صوت أريچ تتذمر :
- على فكرة دا ظلم ، اشمعنى أديت الكريدت لسما ، وعلى فكرة بقى هجيب منه ، يا جاسر عايزة اجيب كذا هودي يا جاسر ، أنت ما بترضاش تخليني ألبس بتوعك
التفتت لها يكتف ذراعيه يسخر منها :
- تلبسي بتوع مين يا معزة أنتي ، أنتي عارفة أنا جايب الواحد بكام
قاطع ما يحدث بالكامل ، فتح باب غرفة ياسر وخرج منها بعد أن تجهز للعمل ، اقترب منهم يبتسم حين رآهم مجتمعين أمامه يحادثهم :
- صباح الخير يا ولاد ، ايه عاملين دوشة ليه على الصبح
قفزت أريچ من مكانها تتعلق بذراع ابيها تتوسله :
- بابا حبيبي ، جاسر بيذلني ومش راضي يديني الكريدت عشان اجيب هدوم واداه لسما بس ، هات الكريدت بتاعك
توسعت حدقتي ياسر فزعا يسحب ذراعه منه يغمغم مذعورا :
- عشان اقعد باقي الشهر اشحت ، لاء طبعا هو أنا مش عارفك
انفجر جاسر في الضحك عليها ، أما هي فزمت شفتيها تطوي ذراعيها أمام صدرها تنزوي بعيدا تعبر عن غضبها منهم ، ليتحرك جاسر إليها وهو يضحك يقرص خدها بقوة يردف :
- خلاص ما تتقمصيش ، هاتيلها اللي هي عيزاه يا سما ، افردي خلفتك ، سامر لو شافك كدة هيتخض وهتنعسلنا
قبضت يدها تضربه على صدره بعنف ليتأوه متألما ينهرها :
- يا جزمة طبقتي صدري وأنا عريس !
- عريس !!
كلمة خرجت من شفاه الجمع الواقف حولهم من ضمنهم والدته التي انضمت لهم الآن ، اقتربت منه تحادثه متلهفة :
- لاء ما تقولش أخيرا نويت تخطب مش كدة
ابتسم لها يحرك رأسه بالإيجاب لتطلق في اللحظة التالية زغرودة عالية للغاية ، ضحك ياسر يوقفها :
- يا نرمين اصبري مش لما نعرف هي مين الأول
حركت رأسها للجانبين تغمغم سريعا :
- لاء مش مهم ، المهم أنه نوى يتجوز أخيرا ، دا أنا كنت قربت افقد فيه الأمل ، ها هنروح نتقدملها امتى
ضحك جاسر على تلهف والدته ليلف ذراعه حول كتفيها يحادثها مترفقا :
- هاخد بابا يا ست الكل النهاردة ونروح نقعد معاهم قاعدة مبدئية كدة ، ولو لضمتنا الخيط في الإبرة زي ما بيقولوا ، نروح كلنا بقى نقرا فاتحة ونحدد ميعاد الخطوبة
ابتهجت نرمين سعيدة تطلق الزغاريد العالية ، في حين نظرت أريچ إلى شقيقها تبتسم في خبث هي الوحيدة التي تعرف من تكون العروس !
___________
في مكتب جواد للتصميمات
دخلت مرام إلى مكتب شقيقها تُعلق الكاميرا الخاصة بها حول رقبتها ، توجهت إلى الكافتريا لتأخذ كوب عصير دخلت إلى داخل المطبخ الملحق به مباشرة ، لفت انتباهها تلك الفتاة الصغيرة التي تقف بعيدا عنها ، اقتربت سناء منها تحادثهل مبتسمة :
- ازيك يا مرام يا بنتي عاملة ايه يا حبيبتي
ابتسمت مرام تحادثها :
- بخير يا طنط ، معلش عايزة كوباية عصير مانجا
تحركت سناء تجلب لها ما تريد ، لتتحرك مرام صوب الفتاة الواقفة هناك تختلس النظرات لها ، وقفت أمامها تحادثها مبتسمة :
- أنتي جديدة هنا شكلك ، أنا يا ستي ، اسمي مرام أخت الباشمهندس جواد بشتغل معاه هنا في المكتب فوتغرافر ، انتي اسمك ايه
توترت رحمة منها حركت رأسها تهمس مرتبكة :
- أنا اسمي رحمة ، على فكرة أنا شوفت حضرتك قبل كدة على النت ، كنت بحب اتفرج على صور حضرتك أوي
ابتسمت مرام للفتاة أمامها حين جلبت لها سناء العصير ارتشفت منه رشفة صغيرة تحادثها :
- ياااه دي فترة في حياتي ما احبش افتكرها ،
بس بما أنك بقى بتحبي تتفرجي على صوري تعالي ناخد صورة أنا وأنتي وطنط سناء ونزلي النقاب ما تخافيش ما حدش بيشوف الصور على الكاميرا بتاعتي
توترت رحمة لعدة لحظات قبل أن تنزل النقاب عن وجهها ، سناء كانت رأتها دون نقابها ، أما مرام فكانت تراها للمرة الأولى ، فتاة جميلة ملامحها هادئة حزينة ، ابتسمت لها أمسكت بالكاميرا ترفعها أمامها تلتقط صورة لثلاثتهم ، قبل أن تودعهم تأخذ كوب العصير تتحرك إلى غرفة مكتب شقيقها ، فتحت الباب دون أن تدقه لتراه يرفع يده إلى وجهه سريعا يمسح دموعه لا يود أن تراه يبكي ، لتتنهد حزينة على حاله ، أغلقت الباب واقتربت منه تجذب المقعد تضعه جواره كما تفعل دوما ، جذبت رأسه تعانقه تمسح على خصلات شعره برفق تحادثه :
- أنا عارفة أنه صعب عليك تنسى يا جواد ، بس أنت كدة بتموت نفسك يا حبيبي
ظلت تحاول أن تهدأه لعدة دقائق قبل أن يبتعد عنها يمسح دموعه عن وجهه يتحدث:
- أنا كويس يا مرام ، المهم عملتي ايه ؟
ابتسمت مرام تحادثه مغترة :
- عيب عليك شوية صور ، عظمة فوق العظمة بمراحل
حاول أن يضحك يومأ برأسه ، قبل أن يلتفت لها يتحدث :
- صحيح مش كنتي قولتيلي ان باشمهندس عاصم ، باعت معاكِ ابنه زين ، اهو زين أخوه مات ، أنا عايز أروح اعزيه آخر النهار وأنا مروح
تهدلت قسمات وجه مرام حزنا قبل أن تومأ برأسها تردف :
- طيب أنا همشي عشان من بدري أوي صاحية ، الكاميرا عندك اهي أختار اللي يعجبك
ودعته وغادرت المكتب تفكر شادرة ، لما لا تذهب لتقدم واجب العزاء لزين ؟!
أما جواد فتنهد بقوة أمسك بالكاميرا ، يشاهد الصور التي التقطتها شقيقته من صورة لأخرى يشاهد معجبا، إلى أن توقف عند الصورة الأخيرة وتوسعت عيناه اندهاشا مما يرى !
__________
في شركة عمرو ، خرج شهاب من مكتبه ينظر لمكتب ليان الفارغ ، منذ أن حدث ما حدث بينها وبين سارة شقيقته ، وهي قدمت طلب إجازة هو يعرف أنها تتهرب من لقاءه ، ربما هي لا تحبه من الأساس وهو الواهم ، ظل واقفا ينظر لمكتب ليان طويلا عينيه سارحة شاردة لم يفق سوى على صوت سارة شقيقته وهي تهتف باسمه سعيدة ، حرك رأسه إليها يبتسم في وجهها ، تنهد يعاتبها :
- يا سارة أنا تعبت منك بجد ، هو أنا مش قولتلك ألف مرة، ما تجيش ليا الشغل ، عشان الطريق بعيد
ابتسمت سارة تنظر له حزينة ، شهاب بات حزينا أغلب الوقت ، عينيه شاردة ، صامت
وهي السبب هي من أبعدته عن الفتاة التي يحب ولذلك قررت أن تساعده ليعود لها ، اقتربت منه تمسك بذراعه تحادثه متلهفة :
- يا سيدي مش أنا اللي جيت ، حنان هي اللي قالتلي اجي ، ومستنياك هي وسامح وشهاب وعائشة في جنينة **** وعاملة غدا حلو اوووي ، أصل أنا قولتلها عايزين ناكل برة راحت عملت الأكل وقالتلي تعالي ناكله برة ، شايف أختك
ضحك شهاب بخفة يومأ برأسه ، أخذ إذن من عمرو وتحرك مع سارة صوب الحديقة التي قالت عنها ، حين دخلا لهناك أشارت سارة إلى ليان التي تقف مع حنان تغمغم تصطنع الدهشة :
- ايه دا معقولة دي ليان اهي !
نظر إلى ما تشير سريعا ، ليشعر بدقات قلبه تتصارع بشكل عالي ، شدت سارة ذراعه ليتحرك معها صوب ليان ليسمعها تحادث شقيقته :
- ينفع كدة يا حنان خضتيني وقولتيلي أنا تعبانة وتعالي ، وتطلعي عاملة مقلب فيا عشان اتغدى معاكوا و...
وصمتت حين اقترب شهاب منهم ابتلعت لعابها مرتبكة حين رأت شهاب ينظر إليها بشوق واضح للغاية في عينيه ، حمحمت متوترة في حين اردفت حنان :
- أنا هاخد سارة ونجيب الأكل من عربية سامح ، ما تمشيش يا ليان والله هزعل منك
وأمسكت بيد سارة تأخذها ويبتعدان سريعا ، هنا فهم شهاب ما يحدث ، شقيقته تحاول إعادة العلاقة بينه وبين ليان ، رفع عينيه لها لتضطرب نظراته شوقا ، رفع كف يده يضعه في شعره مضطربا متوترا قبل أن يستجمع شجاعته يحادثها :
- عاملة ايه يا ليان ، بقالي كتير ما شوفتكيش ، انتي بتهربي مني ؟
ابتلعت لعابها متوترة ، رفعت وجهها هي الأخرى تنظر إليه ، التقطتت أنفاسها تهمس :
- أنا ما بهربش يا شهاب ، أنا بس مش هقدر افرق علاقتك بأختك ، سارة أنت اللي مربيها وبتعتبرك أب مش أخ ، مش عيزاها تزعل ولا تتقهر بسببي
حرك رأسه للجانبين لا يوافق ما تقول يردف بنبرة حادة قليلا فقط :
- لاء يا ليان أنتي هربتي ، كان ممكن تتكلمي معاها وتفهميها ، كانت هتقبل الكلام منك ، عشان بتحبك ، بس انتي ما صدقتي وهربتي ، ممكن لا أكيد أنك ما بتحبتيش يا ليان ، وأنا مش هجبرك تحبيني طبعا
وسكت ينظر أرضا يتحاشى النظر إليها يشعر بقلبه ينغزه بعنف ، أما هي فشعرت حقا أنها حمقاء مشتتة ضائعة ، محق لا تنكر هي هربت وكأنها كانت تنتظر الفرصة المناسبة لذلك ، ولكن طوال الأيام الماضية كانت تفكر به فقط تنهدت بعمق تحادثه :
- إنت عندك حق على فكرة ، أنا هربت ، عارف ليه هربت عشان كنت خايفة أكون لسه بحب جواد واظلمك بس طول الأيام جواد ما جاش على بالي ولا مرة بالعكس كنت بفكر فيك أنت دايما ، ودايما بمنع نفسي إني اكلمك ، أنا عارفة على فكرة أنه كان مقلب من حنان من أول ما كلمتني بس أنا كنت عاوزة اجي عشان اشوفك
واقولك اني موافقة وتقدر تحدد ميعاد مع بابا عشان نحدد ميعاد خطوبتنا
شخصت عينيه ذهولا ينظر لها مدهوشا لا يصدق ما يسمعه ، رمش عدة مرات يغمغم مذهولا :
- أنتي بتتكملي بجد والله ، بتتكلمي بجد ، هكلمه دلوقتي ، دلوقتي حالا ، أنا بجد مبسوط أوي ، هو أنا ينفع احضنك
ضحكت تحرك رأسها للجانبين ليردف هو متوترا :
- ايوة طبعا ما ينفعش إحنا لسه ما اتجوزناش
أنا أنا أنا هروح اكلم عمي علي
وتحرك ينادي على شقيقته بعلو صوته :
- يا عمي قصدي يا حنان ، يا حنان فين الأكل يا بنتي !
_____________
في منزل جاسر مهران في غرفة مريم الابنة الصغرى ، جلست على فراشها تضم ركبتيها لصدرها تحاوطهم بذراعيها تنساب الدموع من عينيها ، لا تصدق ما رأته إلى الأن كم تمنت أن يكن فقط كابوس سيء وستصحو قريبا ، كيف له أن يفعل ، لما قال لها أنه يحبها وهو لا يفعل ، لما أعطاها ثقة هائلة في نفسها بأنها أجمل فتاة رأتها عينيه وها هو يخونها مع أخرى ، قلبها يكاد ينفجر من الحزن ، دق هاتفها برقم غريب مرة تليها أخرى تليها أخرى ، رافضا الصمت تماما ، فتحت الخط بغيظ من الفاعل لتسمعه صوته يحادثهل متلهفا :
- اسمعيني يا مريم اللي في الفيديو دا مش حقيقي ، مريم أنا بحبك والله بحبك وما افكرش اخونك ابدا
لم تدعه يكمل أغلقت الخط في وجهه تبكي بحرقة تزيد احتضانها لنفسها ، دخلت رؤى عليها ، لتتنهد حزينة على حالها ، اقتربت منها تعانقها برفق تحادثها :
- يا مريم كفاية عياط يا حبيبتي هتموتي نفسك ، والله يا مريم أنا حاسة أن مراد مظلوم وأن الفيديو دا مش حقيقي ، ممكن تهدي بقى ويلا ننزل نتعشى كلنا ، بابا قدامه دقايق دا ومعاه صاحبه اللي اسمه نصار دا ، أنا مش فاهمة جاسر مدخل الراجل دا في حياتنا بالثقة دي ليه ، دا لسه عارفه من قريب ، أنا حقيقي مش فاهمة دماغ أبوكي ، ولا اقولك خليكي هنا الراجل دا ما برتحش لنظراته والله ، هروح اجيبلك عصير
وقامت وتركتها تفكر شاردة هي أيضا لا تفهم ما سر الصداقة بين والدها وذلك الرجل الغريب الذي اقتحم حياتهم فجاءة دون مقدمات ، تذكرت كلمته المعتادة التي يقولها لها جين يراها دوما (يا حلوة ) قامت وغسلت وجهها وبدلت ثيابها ولفت حجاب رأسها ، ونزلت لأسفل رأت يوسف يجلس أرضا أمام شاشة التلفاز الضخمة يلعب لعبة ملاكمة جلست على الأريكة خلفه تشاهده ، لاحظت أن يوسف يضغط على ازرار اللعبة بعنف غريب يكاد يكسرها في يديه، قطبت جبينها تسأله متعجبة :
- مالك يا يوسف ، هتكسر الدراع في إيدك
تأفف بعنف يترك ذراع اللعبة من يده التفتت لها يغمغم حانقا :
- أنا عايز أعرف إزاي بابا يوافق أن ملاك ومامتها يمشوا يعني ايه اتنين ستات يقعدوا في بيت واحد لوحدهم ، حتى لو في حراسة وبواب ، أنا قلقان عليهم جداا ، وبجد متضايق من موافقة بابا أوي
نظرت مريم حولها هنا وهناك قبل أن تقترب برأسها من يوسف تهمس بحذر :
- ماما ما كنتش بتحب طنط كاملا وكانت بتغير على بابا منها
توسعت حدقتا يوسف اندهاشا قبل أن يردف مستنكرا :
-يعني ابوكي توم كروز أنتي التانية ، وبعدين بتغير على ايه دا مخلف 6 هيروح يتجوز ويخلف 5 ونعمل فرقة 11 لاعب
لكزته مريم في كتفه غاضبة مما يقول قبل أن تهمس حانقة :
- ايوة على فكرة يا يوسف بابا وسيم جدا ، مش ذنبه أنك أعمى وما تكلمش عليه كدة بدل ما اقوله ويعلقك
ابتسم ساخرا يوجه انظاره لللعبة أمامه ، لحظات وفتح الباب ودخل جاسر بصحبته نصار ، تقدم جاسر منه يرحب به :
- ادخل يا عم نصار أنت ما بقتش غريب
تقدم نصار للداخل ينظر أرضا !! ، رفع وجهه ينظر إليهم لتلوح على شفتيه ابتسامة خبيثة لم تدم سوى لحظة قبل أن يخفيها سريعا يغمغم مبتسما يوجه حديثه ليوسف ومريم :
- كويس إني شوفتكوا ، كنت جايبلكوا يعني معايا هدايا نجاحكوا ، اتفضل يا چو
أخذ منه يوسف العلبة يعطيه ابتسامة صفراء مجاملة فتح العلبة لتتوسع عيناه يتمتم مدهوشا :
- دي روليكس أصلي ؟!
ابتسم نصاؤ يومأ برأسه بالإيجاب يردف :
- ايوة يا حبيبي ، ألف مبروك يا دكتور متغلاش عليك ، اتفضلي يا آنسة مريم
وأعطاها حقيبة صغيرة بها هدية ، ابتسمت مريم مرتبكة تأخذها منه تشكره متوترة ، لف جاسر ذراعه حول كتفي نصار يغمغم ضاحكا :
- يا عم كلفت نفسك كتير والله ، يلا عشان نتعشى يلا يا ولاد ، اومال فين ياسين وسليم
تحدثت مريم بصوت خفيض متوتر :
- معلش يا بابا أنا مش جعانة ، عن إذنكوا
ابتسم جاسر لها يحرك رأسه موافقا ، لتصعد مريم سريعا إلى غرفتها اغلقت الباب عليها بالمفتاح ، تنظر للحقيبة الصغيرة في يدها فتحتها لتجد علبة تشبه علبة يوسف فتحت العلبة لترى سوار مرصع بالألماظ يخطف الأنفاس ، في منتصف كلمة بلغة غريبة لم تتعرف عليها ، التقطت صورة له ترفع على محرك البحث تبحث عن معنى الجملة لتتسع عيناها حين قرأت ترجمتها بالإنجليزية
( My sweety )شهقت مدهوشة حين قرأتها ، ابتلعت لعابها تتسارع دقات قلبها قلقا مما يحدث لها ، نظرت للعلبة من جديد لتلمح عيناها طرف ورقة بيضاء صغير للغاية يظهر من أحد جوانب العلبة ، مدت يدها تجذبه بحذر حتى لا ينقطع ، رأت ورقة صغيرة فتحتها سريعا لترى رقم هاتف كتب تحته ( رقمي لو احتاجتيني في أي وقت ، هبقى سعيد جداا لو سمعت صوتك يا حلوة )
شهقت تضع يدها على فمها تخفي الورقة في كف يدها خوفا من أن يراها أحد ، لا تفهم ما يحدث ، لا تفهم بتاتا
__________
الانتصار على طاووس عائلة مهران الذي هو أبيه له سعادة خاصة ، يشعر بأنه حر طليق يحلق في أعالي السماء وحده دون قيود ، وقف بسيارته أمام شقتهم ، منذ مدة طويلة وهو يتحاشى التعامل معها ، ولكن والده كان محقا بشأنها ، طرب خافت ألا يصدقها ، طرب تحبه وهو أيضا حتى وإن أنكر ذلك ، نظر للهدايا الكثيرة التي جلبها لها ، سيصعد لها يصالحها يتمنى فقط أن تسامحه ، هو لن ييأس فلم يعد يهمه في الحياة الآن سوى هي والطفل القادم ، حمل الهدايا كلها يصعد لأعلى ، فتح باب المنزل وضع الهدايا على الطاولة يبحث عنها ، لم يرد أن يناديها حتى لا تنزوي بعيدا عنه ، دخل إلى غرفتها مباشرة فتح بابها لتتسع عينيه ذهولا حين رأى دولاب ثيابها مفتوحا على مصرعيه وفارغ !! ، هرول لداخل الغرفة ينادي عليها بعلو صوته :
- طرب ، طرب ، أنتي فين يا طرب
توجه لمرحاض يدها ليست هنا ، ركض في أنحاء الشقة مذعورا يبحث عنها ، يصرخ باسمها خائفا من اختفائها .. وقف في منتصف الصالة دقات قلبه على وشك التوقف ، أنفاسه سريعة للغاية كل ذرة به ترتجف لمحت عيناه خاتم زواجهم موضوع على الطاولة ، مد يده يمسكه سريعا يأخذ الورقة المطوية الموضوعة ، فتحها ليجدها كتبت له
( من أول لحظة شوفتك فيها ، وأنا حسيت بالأمان من تاني ، كنت دايما بحاول ابان قوية قدام الكل ، ما عدا أنت ... كنت بحب ابان ضعيفة قدامك عشان أنت تطمني ، أنا لا ظلمتك ولا آذيتك بس أنت ظلمتني وأذتني وهنت كرامتي ، وعايز تحرمني من ابني ، كلامك وجعني أوي يا رعد ، مش عارفة أكرهك ومش هقدر اعيش معاك بعد كل اللي عملته ، عيش حياتك وانساني ، على فكرة لما اخلف وابني يسألني بابا فين ، هقوله بابا كان بيحبنا أوي ، وبيحبك أوي وكان نفسه يشوفك أوي ، مش هقوله أي كلمة وحشة عنك ... هتوحشني أوي يا رعد .... طرب )
هربت !! تركته وهربت بعد ما فعله وهل يلومها ، وهل يجرؤ على ذلك ، سكبت عيناه الدموع يجهش في البكاء ، يحرك رأسه للجانبين يرفض ما تقرأه عيناه ، طرب لن تبتعد لن تتركه ابدا ، ركض للخارج إلى سيارته يبحث عنها بعينيه في الطرقات ، مد يده إلى الهاتف يطلب رقم أبيه ، ما أن أجاب الأخير ، صرخ فيه بحرقة وهو يبكي :
- طرب فين يا بابا ، لو أنت هربتها عشان الصفقة هتنازلك عنها وعن الشركة كلها ، بس ما تبعدش مراتي وابني عني ، أرجوك
غمغم جاسر مدهوشا :
- طرب هربت ، هربت إزاي ، اقسملك بالله ما هربتها ، أنا هدور معاك ما تقلقش هنلاقيها ما تخافش