رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل الثانى والثلاثون
الساعة تدق الخامسة مساءً، يختلط صوت عقرب الثواني مع صوت تدفق القهوة من الماكينة الآلية داخل الكوب المصنوع من الخزف الفاخر، تتناول الكوب وعلي شفتيها ابتسامة نابعة من فؤادها الذي بات مطمئناً بعد أن أصبح حلمها علي وشك التحول إلي الواقع، تنظر كل حين و الآخر إلي هاتفها الموضوع أعلي الطاولة الرخامية وكأنها تنتظر أمر هام، اكتملت الابتسامة عندما صدح صوت تنبيه رسالة واردة، يظهر نصها علي شاشة القفل وكانت كالتالي
«هعدي عليكي بعد ساعة»
رسالة نصها مقتضب لكن ما بها يعني الكثير لديها، تنهدت ومازالت البسمة تملأ ثغرها حتي تلاشت بالتزامن مع صوت والدتها ذو النبرة الساخرة
"ما سمعناش يعني صوت الأستاذ ياسين من يوم قراية الفاتحة"
أطلقت رودينا زفرة وتستعين بالصبر أمام كلمات والدتها الاستفزازية فتابعت الأخرى
"طبعاً كلامي تقيل علي قلبك، عموماً مفيش أقرب من الأيام هتيجي تقوليلي حقك عليا يا مامي ياريتني سمعت كلامك"
ألتفت إلي والدتها وقد سأمت هذا الجدال المستمر حول أمر زواجها
"وأنا بقول لحضرتك مش هيجي اليوم ده أبداً، و ياريت يعني لو عايزة علاقتنا تبقي كويسة الفترة دي بلاش كلامك اللي مش هيغير أي حاجة هتحصل"
كادت تذهب لكنها تابعت قولها
"و لو بتخططي إزاي تبعديني عن ياسين، وفري مجهودك و تعبك لأن مفيش أي قوة في الأرض تقدر تبعدني عنه، ملخص الكلام دي حياتي و أنا حرة أكملها مع مين"
أنهت حديثها بنظرة تحدي وإصرار يشوبها تحذير جلي، اكتفت والدتها بالصمت وذهبت ابنتها لتعد حالها من أجل من هذا القادم.
وبعد مرور الساعة ينتظر أمام بوابة المنزل في سيارته، يتحدث في هاتفه
"يعني إيه مش هتيجي؟"
أجابت شقيقته علي الجانب الآخر
"معلش يا ياسين أصل حسيت بدوخة وإرهاق، و بعدين أنت رايح تاخد خطيبتك تشتروا الشبكة وبعدها هتتفسحوا، لازمتي إيه غير أن هبقي عزول ما بينكم"
"ماشي يا ملك، براحتك"
"أنت اتقمصت و لا إيه، اصبر بس... "
لم يسمع جواب شقيقته عندما انتبه إلي تلك القادمة، ترتدي ثوب أبيض دون أكمام ويصل إلي ركبتيها، تركت شعرها تداعبه نسمات الهواء، تنظر إليه والسعادة تلوح علي شفتيها ذات الحمرة الوردية، هز رأسه لها دون أن يبتسم وعاد لحديثه مع شقيقته
"أنا هقفل معاكي دلوقت وهاكلمك لما أروح، سلام"
أغلق المكالمة و ترك هاتفه بجواره، ضغط علي زر فتح باب السيارة، اقتربت رودينا وقامت بفتح الباب
"أتأخرت عليك؟"
كان يلقي نظرة عابرة عليها وقام بهز رأسه بالنفي
"لاء"
أخذت تنظر إليه وحمرة الخجل تغزو خديها، أرادت كسر هذا الصمت والهروب من نظراته المبهمة، نظرت إلي المقعد الخلفي الشاغر فسألته
"أومال ملك فين؟"
"مش هتيجي"
أجاب باقتضاب وانطلق بالسيارة ينظر أمامه ويمسك بعجلة المقود، عقدت ما بين حاجبيها مبتسمة ثم سألته لعله يفيض بالحديث معها بدلاً من جوابه المختصر
"ما جبتش ياسمينا معاك ليه، وحشاني أوي ونفسي أشوفها"
"بايتة عند يونس وكارين من إمبارح، هعدي عليهم وأنا راجع"
"ممكن أطلب منك طلب وأتمني توافق عليه"
نظر إليها لثوان ثم عاد ببصره إلي الطريق
"اتفضلي"
"ممكن تسيب معايا ياسمينا الفترة دي، و أطمن أنا هوصلها بنفسي للمدرسة وهجيبها كمان وهذاكر لها مش هخلي أي حاجة ناقصها"
رفع زاوية فمه جانباً بطيف ابتسامة قد رأتها من جانب وجهه المواجه إليها، أسرت ما شعرت به للتو داخل قلبها ولم تظهر ذلك
لاسيما عندما ألقي عليها جملة هازئة
"نعتبر ده تدريب علي حياتنا بعد ما نتجوز"
"ليه بتقول كدة؟!، ربنا يعلم ياسمينا بالنسبة لي إيه، بنتي وهي كمان بتعتبرني مامتها"
أوقف السيارة فجأةً مما جعلها كادت تصطدم أمامها، ألتفت إليها وأخبرها صراحةً
"و يعتبر ده من أسباب جوازنا"
قامت بإدارة كلماته في عقلها و شعرت برجفة في قلبها
"و بس؟"
تظاهر بعدم الفهم ربما تدرك هي ذلك
"و بس إيه؟"
أخذت تنظر صوب عينيه لعلها تعلم ما هي الأسباب الأخري التي لا يذكرها، فلم تجد سوي حصن عازل حول قلبه صعب الاختراق، أشعل داخلها روح المثابرة والإصرار علي إحتلال هذا القلب بكل السبل المتاحة والغير متاحة.
"قصدي يعني و إيه هي الأسباب التانية؟"
عاد للصمت مرة أخرى وانتقل بصره من النظر صوب عينيها إلي خلفها حيث متجر المصوغات والمجوهرات يخبرها
"وصلنا"
أطبقت شفتيها معاً حتي لا تفقد صبرها وتتلفظ بغضب من تجاهله للرد علي سؤالها، قامت بفتح الباب وترجلت من السيارة ثم أغلقت الباب بحدة.
دخل كليهما إلي المتجر سوياً وقام الصائغ باستقبالهما بترحاب ثم جلب لهما ما لديه من خواتم الخطبة التي يتوسطها فص ألماس بأشكال مختلفة، وقع الإختيار علي خاتم ذو طراز رفيع، قامت بارتدائه في إصبعها البنصر ونظرت إلي ياسين تسأله
"إيه رأيك حلو؟"
كان شارداً نحو الفراغ وانتبه حين رددت النداء
"ياسين؟"
ألتفت إليها
"نعم"
"كنت بقولك إيه رأيك في الخاتم ده؟"
نظر إلي الخاتم في يدها فأجاب
"رأيي هيفيدك بإيه؟!، أنتي اللي هتلبسيه مش أنا"
عبست بامتعاض من حديثه الفظ ولم تعلق فقالت للصائغ
"أنا هاخد الخاتم ده"
"مبروك عليكي يافندم، عايزين أي حاجة تاني غير الخاتم، طقم كامل أو عقد"
أجابت رودينا بنبرة الحزن أسيرها
"لاء، شكراً"
وبعد الانتهاء من الشراء، عاد كليهما إلي السيارة، شعر بالندم في أسلوب حديثه معها منذ قليل فأوقفها قبل أن تفتح باب سيارته
"رودينا"
ألتفت إليه وانتظرت ما يريد قوله
"أنا مكنش قصدي أضايقك جوه، فبعتذر منك"
"تمام يا ياسين حصل خير"
قالتها ونظرت في اتجاه آخر فأدرك ما تشعر به من حزن، سألها
"أنتي جعانة؟"
حدجت إليه بتعجب لسؤاله الذي لا يناسب موضوع الحوار بينهما
"لاء"
"أركبي هانروح نتغدي في مطعم ..."
دخلت إلي السيارة وهو أيضاً ثم بدأ بالقيادة
"معلش وصلني للبيت الأول"
اختطف نظرة وجدها تنظر إلي الأمام بوجه متجهم، أجاب متظاهراً باللامبالاه
"هوصلك بعد ما هناكل"
ألتفت نحو زجاج النافذة لإخفاء ابتسامتها، تشعر بالسعادة عندما أدركت إصراره علي مجيئها معه، أخذت ذلك علي محمل الاعتذار منها و هذا جعل قلبها يزداد تشبثاً في الوصول إلي بقعة الضوء القابعة في نهاية النفق المظلم.
༺※※※༻
رائحة المعقم تفوح في المكان، وذوات الرداء الأبيض يتجولن في الغرف للعناية بالمرضى، بينما هي تجلس أمام غرفة العمليات وتمسك المصحف الشريف تتلو الآيات الكريمة تارة و تارة أخرى تدعو إلي صديقتها بالنجاة، بجوارها تجلس سيدة أربعينية تبكي وتدعو إلي ابنتها، انتهت خديجة من التلاوة والتفت إلي السيدة تربت عليها بحنان
"كفاية عياط يا طنط، فجر بإذن الله هتقوم بالسلامة، أنا سمعت الدكتور قبل ما يدخلوا العمليات بيقول الإصابة مش في مكان حيوي"
أجابت السيدة بحزن و من بين بكاء مرير
"أنا واثقة أن ربنا هيقومها بالسلامة، فجر طيبة وقلبها أبيض، عمرها ما أذت و لا جرحت حد، طول عمرها في حالها، بتخاف ربنا وبتتقيه في كل خطوة، ليه يحصل فيها كدة؟! "
"استغفري الله، ده قدرها و مكتوب و بإذن الله هتقوم بالسلامة"
نظرت الأخرى إلي أعلي تردد داعية
"يارب، يارب"
نهضت خديجة وأخرجت هاتفها من الحقيبة لكي تتصل بزوجها للمرة العاشرة ولم تجد رد، فكان هاتفه علي المكتب في وضع الصامت بينما هو منشغلاً في عمله وأمر آخر، لم يعلم بما تواجهه زوجته في نفس الوقت.
قامت بالبحث عن اسم شقيقها في سجل المكالمات ولمست علامة الإتصال وانتظرت الرد
"ألو يا طه، أنت فين؟"
"أنا لسه خارج من المصنع دلوقتي، فيه حاجة و لا إيه أنتي كويسة؟"
"معلش محتاجاك تجيلي ضروري، هابعتلك الـ Location ولما توصل كلمني وأنا هنزلك"
"حاضر، بس قوليلي فيه إيه الأول أنتي قلقتني"
"تعالي بس الأول وهحكيلك كل حاجة، مستنياك، سلام"
༺※※※༻
أضواء ساحرة تعكس ألوانها علي مياه النيل في لوحة فنية ذات خلفية موسيقية صادرة من السماعات المعلقة في جدران المطعم، و هواء عليل يداعب غرتها المتناثرة علي جانبي وجهها، تتظاهر بأنها تتناول الطعام وهي لن تفعل سوي التأمل في أسير فؤادها، تراقب حركاته وطريقة تناوله للطعام، تجول عينيها علي ملامحه المحفورة في قلبها قبل ذاكرتها، خصلات شعره الناعمة فهي خليط من البني و الأشقر القاتم، عينيه الرمادية والتي ورثها عن والدته، تتسم بالوداعة والنقاء حينما تشرد داخلهما عند النظر إليه عن كثب، ذقنه تغزوها لحية مشذبة ودت أن قامت بإحاطة وجهه بكفيها وتلمس شعيرات ذقنه وهي تحدق صوب عينيه وتخبره كم تشتاق إلي اليوم الذي يعيشا معاً سوياً تحت سقف واحد، سيكون بين ذراعيه ملاذها من عذاب دام لسنوات منصرمة و كم من الدموع هُدرت علي الوسائد من أجل محاولة نسيانه وفي النهاية تفشل في ذلك، بل كلما تفر إلي النسيان كلما زاد حبها له إشتعالاً حتي كادت تحترق، و عندما جاءت الفرصة ووهبتها الحياة فرصة علي طبق من ذهب، عزمت أنها ستحارب بشتي الطرق من أجل الوصول إلي قلبه ليصبح ملكها.
"ما بتاكليش ليه؟"
سألها ويستمر في تناول الطعام دون أن ينظر إليها فأجابت
"الحمدلله أكلت"
نظر إلي صحنها الذي لم ينقص منه قطع لحم واحدة أو ملعقة أرز مبهر
"لو ما بتحبيش الأكل ده ممكن أطلبلك حاجة تانية أنتي بتحبيها"
ابتسمت وقالت
"بالعكس أنا بحب البيكاتا جداً، و كنت بحب أؤكلها من إيد طنط چيهان لما كانت بتعملهالك"
و بالطبع أثر الصمت ولم يعلق وكأنه يبني جدار جديد لحماية حصون قلبه الذي لم يكن ملكاً سوي لزوجته الأولي!
"ياسين؟"
ندائها إليه ذو نبرة تحمل المئات من الأسئلة والمعاني، وعندما أدرك ذلك توقف عن تناول الطعام و مسح يديه بالمحرمة ثم تناول كوب من الماء، تجرع القليل ونظر إليها فوجد ما أدركه داخله عن حالتها كان حقيقياً، يرى الخوف من القادم، تخشى الفراق، إصرار ليس له نظير علي أن تظفر بقلبه، والكثير من الأمور يفهمها قلب قد أحب قديماً و مازال يعيش علي ذكري هذا الحب.
"نعم"
ترددت في أن تفلت زمام لسانها حتي استسلمت للصوت الذي بداخلها ويجعلها تبوح عما يدور في عقلها و يألم قلبها
"أنا عارفة إنك ما بتحبنيش وقلبك ملك مراتك الله يرحمها، و عارفة إنك جيت طلبت إيدي من بابي بعد ما أخواتك ضغطوا عليك، يمكن عشان أنت زي أي راجل ليك احتياجات فلازم تتجوز واحدة تلبي رغباتك، السؤال هنا أنا بقي في وسط ده كله هبقي بالنسبة لك إيه؟"
عقد ما بين حاجبيه وغزي التجهم ملامح وجهه
"أظن باباكي سأل نفس السؤال بصيغة مختلفة و أنا جاوبت عليه، وهو أن كل اللي هيبقي ما بينا مودة ورحمة، احترام"
عقبت باندفاع يكاد يكون أقرب من الهجوم
"أنا عارفة و حافظة كل كلمة أنت قولتها وقتها، بس مش دي الإجابة اللي أنا عايزاها"
أخذ ينظر من حوله ويطلق تنهيدة، انتبه إلي شاب غريب يجلس علي طاولة قريبة منهما ينظر إلي رودينا كل فينة والأخرى حتي لاحظ الشاب عينين ياسين الموجهة إليه، يحدقه بتحذير ثم عاد بالنظر إليها وقال بحدة
"ما أنا قولتلهالك قبل كدة و لا نسيتي؟!، قلبي مش ملكي، و أنا ما ينفعش أوعدك بحاجة ما أملكهاش"
تنضح عينيها بالتعجب والدهشة سوياً بل واشتعل داخلها نار مؤججة
"واللي كانت بتملك قلبك ماتت خلاص"
أرادت قول ذلك لكن هناك ما جعل لسانها يتشبث بعدم الرد، نهضت وأمسكت بحقيبة اليد خاصتها و همت بالذهاب، سألها قبل أن تتحرك
"رايحة فين؟"
أبعدت وجهها حتي لا يرى الدمعة التي فرت علي خدها فأجابت
"رايحة التويليت، عن إذنك"
ذهبت من أمامه قبل أن تضعف وتستسلم إلي البكاء، وضع كفيه علي وجهه يزفر بضيق، نهض وذهب خلفها.
كانت قد دخلت إلي المرحاض و وقفت أمام الحوض تغرف الماء بيديها تغسل وجهها ثم قامت بسحب المحارم الورقية من حقيبتها لتجفف يديها ووجهها
"إهدي يا رودينا و بلاش عياط من دلوقتي، لسه أنتي في بداية الطريق وكلها أيام و هتتجوزوا، و بالتأكيد مع الوقت مشاعره هتبقي ليكي، مفيش حاجة بتفضل علي حالها، خليكي قوية و ما تستسلميش"
كلمات يخبرها بها قلبها وهي تنظر إلي صورتها في المرآة حتي شعرت بالهدوء وخرجت من المرحاض، وجدته ينتظرها وينظر لها بقلق يسألها وكأنه ليس من تسبب لها بالحزن منذ قليل
"أنتي كويسة؟"
هزت رأسها بابتسامة زائفة
"اه"
"تعالي كملي أكلك عشان هنعدي علي يونس وتاخدي ياسمين"
"معلش مش قادرة أؤكل، ممكن نمشي أحسن"
نظر إلي وجهها يراقب ما تخفيه عينيها، اختار الفرار كالمعتاد وأخبرها
"استنيني هنا، هاروح أحاسب وراجع لك"
"روح أنت و أنا هاسبقك علي العربية"
لم تنتظر رده وذهبت بخطى سريعة، ظلت تنتظره حتي عاد إليها وجلس خلف عجلة المقود، كان متردداً قبل أن يبدأ بالقيادة، ألتفت لها
"أنا مكنش قصدي أجرحك أو أزعلك، لكن مكنش ينفع أكذب عليكي، أنا هقولك واسمعيني كمعالجة نفسية"
"اتفضل أنا سمعاك"
"الموضوع و ما فيه أن مش قادر أخرج من حالتي النفسية من وقت موت ياسمين، جوايا إحساس بيقولي أن قلبها لسه بينبض وعايش، لأنها لو ماتت كان زمان ده مات هو كمان"
كان يشير إلي موضع قلبه، حاولت أن تستمع إليه بعقلها وليس بقلبها حتي لا تحترق من الكلمات التي تخترق كل خلاياها
"أنت عشان بتحبها أوي ومتعلق بيها فمش قادر تستوعب موتها، بقي عقلك و قلبك في صراع، عقلك عايزك تكمل حياتك طبيعي وقلبك معارض عقلك وعايزك تفضل أسير الذكريات، الحل لحالتك أو نقدر نقول العلاج المناسب أنك تسمع لعقلك"
أخذ يحدق نحوها كالبحار التائه الذي يبحث عن مرسي قبل أن يغرق داخل ظلام المحيط
"مسألة جوازي منك دي رغبة عقلي، مش نتيجة ضغط أخواتي عليا زي ما أنتي فاكرة"
"و أنا مش هستسلم غير لما أخليها رغبة قلبك كمان"
كلمات دارت في عقلها واحتفظت بها لنفسها ثم قالت بصوت مسموع
"بس أحياناً بتكون رغبات العقل نابعة من رغبات القلب من غير ما نحس"
"ده لو في حالة تبادل الطرفين نفس المشاعر"
دلو ماء آخر ينسكب فوق رأسها، نظرت إلي الأمام وتقبض علي يد حقيبتها بقوة
"يلا عشان ما نتأخرش علي ياسمين"
نبرة جادة تخفي خلفها كبريائها الذي أصبح فُتات أمام حصونه المنيعة.
لم يعقب أو يبدي أسفاً أو كلمة تصلح ما يفسده، بل أنطلق بالسيارة في صمت مجدداً.
༺※※※༻
يركض طه ما بين الأروقة داخل المشفى باحثاً عن شقيقته والتي رأته فصاحت منادية وأشارت له ليتقدم منها
"طه، تعالي أنا هنا"
كان يلهث بشدة من القلق علي شقيقته والركض في آن واحد، أخذ يتفحصها وسألها
"أنتي كويسة؟، حصلك حاجة؟"
أمسكت يده وجلسا سوياً علي المقاعد الشاغرة
"خد نفسك بس الأول، أنا الحمدلله بخير"
تنفس الصعداء حتي هدأ
"أومال بتعملي هنا إيه؟"
"بص أنا هحكيلك الموضوع من البداية عشان تفهم اللي حصل"
سردت له منذ بداية معرفتها بفجر وعلاقتها بالمدعو باسم، و الأحداث التي مرت جميعها حتي انتهي بالحدث المأسوي وهي تكون الشاهدة الوحيدة علي الجريمة.
عقب طه مردداً
"لا حول ولا قوة إلا بالله، هو كل واحد حب واحدة وهي بعدت عنه يقوم يقتلها؟!، هو الحب و لا الجواز بالعافية؟!، إيه المرار اللي وصلنا ليه ده"
"الحمدلله الطعنة مجتلهاش في مكان حيوي، بس الدكتور قال لازم تعدي مرحلة الخطر"
"بإذن الله هتقوم بالسلامة"
"يارب"
ألتفت إليها وسألها
"كلمتي آدم؟"
تشعر بالضيق والغضب من عدم رد زوجها علي إتصالها المتكرر، لكن أسرت ذلك داخلها واكتفت بقولها
"آدم مش فاضي، عنده شغل كتير وبالتأكيد عامل الفون صامت"
"طيب إحنا مطلوب مننا إيه دلوقتي؟"
"الممرضة قالتلي إن فيه ظابط هيجي ياخد أقوالي دلوقتي، أنا كلمتك تيجي تقف معايا، و بيني و بينك أنا أعصابي سايبة ومخنوقة أوي"
كانت علي وشك البكاء، جذبها بين ذراعيها يحتضنها ويربت علي ظهرها بمواساه
"اهدي واستغفري الله، ما تخافيش أنا معاكي، و بعد ما الظابط ياخد أقوالك هاخدك عندي تقعدي مع شيماء، أهو تنموا براحتكم و تحرضوا بعض عليا أنا وجوزك"
ابتعدت وحاولت أن لا تترك نفسها للبكاء فأخبرته
"معلش يا طه، هابقي أجيلكم في وقت تاني، أنا هخليك توصلني عند آدم في الشركة"
"مدام خديجة؟"
ألتفت إلي صاحب النداء، نهضت تحدق نحوه بامتعاض
"نعم يا دكتور هاني؟"
نهض طه ونظر إلي شقيقته باستفهام فأخبرته مشيرة إلي أستاذها
"ده دكتور هاني اللي بيدرسلنا مهارات وتنمية في الجامعة"
"أهلاً بحضرتك"
تفوه بها طه ولم يرد الآخر بل تجاهله ونظر بغموض إلي خديجة
"ممكن نتكلم خمس دقايق"
شعرت أن هناك خطب ما لاسيما لديها علم بأنه صديق عائلة باسم كما هو قدوته التي لا يحسد عليها.
"استناني هنا يا طه"
مال الأخر منها وسألها بهمس
"عايز إيه منك الراجل ده؟"
أجابت بهمس أيضاً علي شقيقها
"أنا عارفة هو عايزني في إيه، فخليك هنا أنا مش هابعد، هنقف آخر الطرقة"
أطلق زفرة وقال علي مضض
"روحي وأنجزي بسرعة"
ذهبت علي بُعد أمتار مع هذا الهاني، توقفا فاستدارت إليه تسأله وهي لديها علم بالإجابة قبل أن يتفوه بها
"خير يا دكتور هاني، يا تري جاي تطمن علي فجر و لا جاي تطمن علي مصير تلميذك النجيب اللي بإذن الله هيتسجن لإنها محاولة قتل مع سبق الإصرار والترصد "
ابتسامة شيطانية تلوح علي ثغره يتبعها قوله
"بحب فيكي ذكائك أوي يا خديجة، و حلو جداً أختصرتي عليا مسافة كبيرة من الكلام"
بادلته بابتسامة صفراء ونظرة كراهية تنضح من عينيها
"و هختصر عليك أكتر في ردي علي طلبك، اللي هو طبعاً أن ماشهدش باللي شوفته، بس أحب أقولك وفر طلبك المرفوض من قبل ما تطلبه، لأن أنا مش هاشهد باللي حصل و اللي كان بيحصل من قبلها كمان، هقولهم كان كل شوية يطاردها ويهددها، يعني كان فيه نية سابقة لمحاولة قتلها"
ضحك باستهزاء ثم توقف فجأة عن الضحك وظهر وجهه الآخر، فكان كالشيطان اللعين حينما أخبرها كالآتي
"طب بصي بقي عشان وقتي أثمن من أنه أضيعه معاكي، باختصار كدة عيلة باسم نفوذها واصل في البلد و لا حتي يهمهم أنتي من عيلة مين، انطقي بس كلمة علي ابنهم و شوفي هما ممكن يعملوا إيه، و لو مش خايفة علي نفسك خافي علي ابنك وجوزك"
قد سري الخوف داخلها بالفعل عندما أتي بذكر زوجها وابنها، لكن تظاهرت بالنقيض، نظرت إلي هاني بقوة وتحدي
"بص أنت واسمعني كويس و روح قول للي بعتينك إن أنا ما بخافش غير من اللي خالقني، ولما يطلبوني للإفادة هقولهم كل حاجة وبأدق التفاصيل، و اللي عندكم أعملوه، عن إذنك"
ألقت بوعيدها و ذهبت من أمامه و لم تر تلك النظرة الآتية من الجحيم في عينيه يصاحبها وعيد بصوت كالفحيح ساخراً
"أبقي وريني إيمانك هاينفعك إزاي لما تخسري كل حاجة يا شيخة خديجة"
༺※※※༻
يسبح ذهاباً وإياباً باستمتاع داخل مياه المسبح الذي يعلو اليخت، وهي تجلس علي الحافة تحرك ساقيها داخل الماء، تحرك نحوها واستند بساعديه علي الحافة جوارها
"منزلتيش الميه ليه؟"
"مُرهقة شوية"
نظر باهتمام يتفحص وجهها فسألها
"حاسة بأي تعب؟"
استندت بكفيها و عادت بظهرها قليلاً إلي الوراء، تخبره بدلال
"هو لو فيه تعب يبقي أنت السبب فيه"
ابتسم بفخر بعد أن أدرك مقصد جملتها، غمز بعينه معقباً
"أنتي لسه شوفتي حاجة، إحنا هنتغدي و أعملك مساچ يرجع لجسمك الحيوية من جديد و نكمل باقي الفقرات"
"لاء يا حبيبي، إحنا هنتغدي و نجهز نفسنا عشان نروح، بنتك قالبة الدنيا علينا و عمالة تعيط وتصرخ تقول لدادة زينات مامي خطفت بابي ومش عايزاني أشوفه"
أخذ يضحك مما جعلها تشعر بالحنق، لكزته في كتفه
"أنت و بنتك هتشلوني قريب"
"بعد الشر عليكي يا حبيبتي، ما أنتي عارفة هي بتحبني و متعلقة بيا إزاي، و قولتلك قربي منها لكن من وقت ما بدأتى شغل و أنتي لا بقيتي تهتمي بيها و لا بمالك"
رفعت ساقيها من الماء و نهضت بوجه عابس
"أهو ده بقي اللي كنت واثقة إنك هتقوله و أنا لسه يا دوب مكملتش أسبوع شغل"
صعد علي الدرج المعدني ذو المقبضين و وقف أمامها بجسده المبتل
"أنتي ليه فهمتي كلامي غلط؟!"
تناول المنشفة وأخذ يجفف شعره و وجهه وسائر جسده، بينما هي عقدت ساعديها وصاحت
"لاء أنا فاهمة صح، فكرك يعني مش واخده بالي من اللي أنت حسيته وقت لما قولتلك عايزة أفتح شركة خاصة بيا، أنت وافقت عشان بتكفر عن ذنب جوازك بالبت السكرتيرة لما حبيت تعلمني الأدب"
تجهم وجهه وشعر بالغضب من أسلوب حديثها و نبرة صوتها المرتفعة
"أولاً وطي صوتك وأنتي بتتكلمي معايا، إحنا مش بنتخانق، إما حكاية موافقتي علي يكون ليكي شغلك و شركتك ده مش تكفير ذنب، لبيتلك رغبتك في حاجة أنتي بتحبيها و عملتلك اللي أنتي عايزاه، لكن لو أنتي شايفاه زي ما بتقولي يبقي ده موضوع تاني خالص"
تصاعدت أنفاسها بغضب وخشيت أن تتفوه بحديث تندم علي قوله لاحقاً، همت بالذهاب فأمسك ساعدها بقبضته
"رايحة فين أنا بكلمك"
"و أنا كلامي مش بيعجبك"
"طبعاً مش عاجبني، لأنه غلط"
حدقت إليه بغضب وأخبرته
"يبقي خلاص ما نتكلمش أحسن، و ملكش دعوة بيا"
جذبت ذراعها من يده بحدة مما جعل جسدها يهتز وأنزلقت قدميها وألتوت احداها أسفلها، أطلقت صرخة مدوية افزعته، هبط علي ركبتيه ومسك قدمها، يسألها بقلق
"أنهي حتة فيها بتوجعك؟"
أشارت نحو الكاحل ومن بين بكائها أخبرته
"هنا"
حاول تحريك قدمها وضغط قليلاً علي الكاحل فأطلقت صرخة وتمسك بيده
"سيبها بالله عليك مش قادرة أحركها"
قام بحملها قائلاً
"كدة لازم نروح لدكتور عظام و تعملي آشعة عشان ممكن يكون شرخ"
تُعلق ذراعيها حول عنقه وتدفن وجهها في صدره تبكي مثل الطفلة، هبط إلي الطابق الأسفل حيث الغرف، و ما أن دخل إلي الغرفة جلس علي السرير وهي أعلي فخذيه، قام برفع قدمها المصابه جواره علي الفراش، أخذ يربت علي رأسها ويخبرها بصوت هادئ
"خلاص يا روح قلبي كفاية عياط، استحملي لحد ما نروح للدكتور"
"مش قادرة يا قصي، شكل رجلي اتكسرت"
و انخرطت في البكاء، عانقها بقوة وهمس بجوار أذنها بحنان
"بعد الشر عليكي يا روحي، إن شاء الله هيطلع إلتواء بسيط، أنا هاقوم ألبس هدومي و هجيبلك حاجة تلبسيها"
ذهب بالفعل وارتدى ثيابه علي عجلة من أمره، فتح الخزانة وأخذ ملابسها المعلقة فوق المشجب، وضعها بجوارها علي الفراش ليساعدها في تبديل ثيابها، و كل فينه والأخرى يُقبل رأسها و يربت عليها
"خلاص خلصنا لبس، قومي اسندي عليا"
"مش قادرة أقوم"
كان يرى الألم بادياً علي ملامح وجهها، فأراد تشتيت ذهنها، نظر إليها مبتسماً وأخبرها مازحاً
"قولي بقي أنك بتدلعي عليا و عايزاني أشيلك لحد العربية"
صاحت بألم
"بس يا قصي مش وقت هزار، أنا حاسة روحي هتطلع من الوجع"
دنا وأحاط وجهها بين كفيه، كانت تعتصر عينيها من الألم، نظر صوبهما مباشرة وقال لها بأمر
"بصي في عينيا"
فتحت خاصتها فقال لها
"أفتكري لحظة حلوة من اللي ما بينا"
"مش قادرة أفتكر حاجة، يلا بالله عليك خدني للدكتور بسرعة"
و ما أن انتهت من توسلها ببكاء يقطع نياط فؤاده، حملها علي الفور وغادر اليخت ثم أستقل السيارة بعد أن أدخلها علي المقعد الخلفي فأنطلق من بعد ذلك علي الفور متجهاً نحو أقرب مشفي خاص.
༺※※※༻
ينفث دخان سيجاره ولا يلجأ لتنفيث ما يشعر به الآن في السجائر إلا عندما يصل غضبه إلي ذروته، أصبح في هذه الحالة بعد أن أخذ يقرأ الأوراق التي أمامه، لم ينتبه إلي هاتفه المُلقي بإهمال علي طرف المكتب، العديد من المكالمات الفائتة من زوجته وشقيقها.
طرق علي الباب يتبعه صوته المرتفع والغاضب
"أدخل"
ولجت المساعدة بحذر تخبره باقتضاب
"أستاذ محسن المحامي واتنين معاه منتظرين حضرتك برة يا فندم"
تأهب لهذا اللقاء، فسألها
"كلمتي مدام روفان زي ما قولتلك؟"
أومأت له وأجابت
"أيوه يافندم وزمانها علي وصول"
رفع زاوية فمه جانباً وعقب
"أول ما تيجي دخليها علي طول، و روحي دلوقتي بلغي اللي عندك يتفضلوا"
"تمام حضرتك"
ذهبت وفعلت ما أُمرت به، ولج المحامي من الباب وألقي التحية وبادله الآخر السلام، كان يتبعه رجلان فقال محسن
"آدم بيه، ده يبقي متر ماجد المحامي و الأستاذ التاني اسمه... "
قاطعه الرجل الأخر معرفاً نفسه إلي آدم
"رشاد أبو المجد محامي والمساعد الأول لأستاذ ماجد"
"أهلاً وسهلاً، اتفضلوا"
قالها آدم وأشار لهم نحو المقاعد أمام المكتب، جلسوا ثلاثتهم وبدأ المدعو ماجد بالتحدث
"استاذ محسن بلغني حضرتك عايزنا في مسألة قانونية مهمة تخص مجموعة البحيري"
نظر آدم إلي محسن والذي ابتسم بانتصار لأنه نجح في إقناع هذين الرجلين للمجئ إلي هنا بتلك الحيلة الخادعة
أجاب آدم
"اه أنا فعلاً عايزكم في مسألة مهمة جداً جداً، بس مستني ضيف زمانه جاي "
انتهي حديثه تزامناً مع قدومها، فتحت الباب و الابتسامة تملأ ثغرها
"هاي آ... "
توقفت الحروف علي لسانها حينما رأت المحامي الخاص بها و مساعده، نهض آدم بطريقة مسرحية يخبرها بسخرية
"هاي يا مدام روفان، أنا بعتلك تيجي عشان أقولك عرفنا مكان المحامي بتاعك اللي ضحك عليكي و بيعك كل أملاكك بالتوكيل اللي معاه"
كاد ينهض ماجد فضغط آدم علي كتفه
"رايح فين يا ماجد بيه، دي القعدة لسه هتبدأ"
ابتلعت ريقها فكانت تقف مثل الفرخ الصغير الذي انسكب الماء فوق رأسه
"آدم أنا هافهمك.... "
صاح وأشار بسبابته محذراً إياها
"اسكتي خالص، حسابك جاي ما تقلقيش"
و عاد بالنظر إلي ماجد و تابع حديثه
"هي المدام أديتلك كام مقابل اللعبة الهبلة دي؟"
نظر الآخر إلي أسفل
"مفيش داعي للكلام يا آدم بيه، أنا مهما كان موظف عندها و أي أوامر بنفذها"
"أه الأوامر اللي بمقابل 5 مليون جنيه و شريكك رشاد 2 مليون، و ده عشان أطلع مغفل وأصدق روفان هانم أنكم نصبتوا عليها، صح و لا أنا غلطان؟"
تدخل رشاد
"آدم بيه، لو افترضنا زي ما حضرتك قولت إحنا ما أذيناش حضرتك في حاجة"
ابتسم الأخر ساخراً
"أنتم ما عليكمش أي لوم، أنا جيبتكم بس عشان أثبت للهانم أن مفيش حد مغفل وغبي زيها"
"آدم لو سمحت ياريت بلاش غلط، و لو عايزنا نتكلم خلي استاذ ماجد و رشاد يمشوا و أنا هحكيلك كل حاجة"
نهض كل من ماجد و رشاد، فقال الأول
"عن إذن حضرتك يا آدم بيه"
ذهبا الإثنان، نهض محسن أيضاً
"و أنا كمان مضطر أستأذن يا آدم بيه"
أومأ له الآخر
"اتفضل يا محسن"
غادر فذهب آدم خلفه و أغلق الباب، انتفضت روفان عندما عاد إليها بملامح يغزوها الغضب
، عقد ساعديه أمام صدره وسألها
"ها يا روفان هانم، يا تري أي هي كدبتك الجديدة اللي هتغطي علي الكدبة القديمة"
كانت تنظر إلي أسفل بخجل و حرج، اقترب منها وصاح بصوت أجفلها
"ما تردي و لا أتخرستي"
لم تكف عن الحيل بعد، وجدت عليها في هذا المأزق الذي لا فرار منه أن تلجأ إلي سلاح كل أنثي أمام رجل قد وصلت ذروة غضبه إلي حلقومه، جلست علي أقرب كرسي لها و رفعت وجهها، امتلأت عينيها بالدموع فأخبرته بنبرة يتخللها البكاء
"أنا عملت كل ده عشان أكون جمبك"
أخذت محرمة من حقيبة اليد خاصتها تجفف دموع أنثى التمساح وتابعت
"أنا ما بقاش ليا حد حقيقي من بعد وفاة بابي الله يرحمه، و معرفش حتي قرايبي مين و لا هما فين، و كل اللي يقرب مني بيبقي طمعان فيا و في فلوسي وأملاكي"
نهضت واقتربت منه للغاية
"آدم أنا مستعدة أكون مراتك و لو في السر وأوعدك محدش هايعرف، هاعملك توكيل بكل ما أملك و أنت تديره أو تضمه لشركتك، أنا واثقة فيك"
"روفان أنا قولتلك قبل كدة أنتي زي أختي، و لو محتاجة أي مساعدة أنا موجود، غير كدة مقدرش أوعدك بحاجة"
أمسكت يده
"لو خايف علي زعل خديجة أقسملك مش هخليها تعرف أبداً و هرضي بأي شرط أنت هتقوله"
سحب يده علي الفور و ولاها ظهره، تذكر تحذير زوجته أن يبتعد عن خطوات الشيطان و لم يستمع إليها حتي كاد يوقع في فخ هذه الصهباء
"و أنا لآخر مرة بقولك، أنسي اللي في دماغك خالص، أنا مكتفي بأم ابني و عمري ما هخونها و لا حتي أتجوز عليها"
وقفت أمامه وألقت بوساوسها
"شوفت أديك نطقتها بلسانك، أم ابنك، يعني ما بتحبهاش، اللي حاسه من ناحيتها حب عِشرة مش حب اتنين عشاق"
"هو أنتي دخلتي جوانا و لا عايشة معانا عشان تعرفي بنعشق بعض و لا لاء؟"
"من غير ما أعيش ما بينكم، أنا ست و أتعاملت مع ناس كتير و افهم اللي قدامي كويس أوي، أنت واهم نفسك بحب مراتك بعد ما أتفرضت عليك"
عقد ما بين حاجبيه بضيق و كاد يتفوه بشىء، قاطعته متابعة لحديثها
"أونكل عزيز كان حكي لبابي عنك كل حاجة وقت ما طلب ايدي للجواز منك، و برغم أنك كنت وقتها متجوز بس وفقت لأننا شبه بعض في حاجات كتير، نفس المستوي و التعليم والثقافة، حتي مجال البيزنس واحد، أنا هقدر أخليك تعيش أسعد واحد في العالم، لو وافقت نتجوز"
"روفان، ريحي نفسك كل اللي قولتيه ده و لا يعني لي أي شىء، روحي دوري علي حد غيري دماغه زي دماغك، و ياريت يكون سينجل زيك عشان حرام تاخدي واحد متجوز من مراته"
بالأسفل أمام مبني الشركة، قد صف طه سيارته، نزلت خديجة فقال لها
"اسبقيني أنتي عقبال ما هعمل مكالمة أطمن علي شيماء والولاد و هحصلك"
اومأت له وذهبت نحو بوابة الشركة، تخطو سريعاً تريد أن تلقي نفسها بين ذراعي زوجها و تبكي، فالذي مرت به خلال هذا اليوم ليس بالهين، كما أن تهديد عائلة باسم له أثراً قوياً داخلها، اهتزت وتشعر بالخوف علي عائلتها، لا تريد أن تقحم زوجها و ابنها في شر الآخرين لكن هناك شهادة حق ستحاسب عليها لو كذبت، فماذا عساها أن تفعل؟!
و بالعودة إلي آدم، كان يزفر بقوة ويدعو ربه أن يلهمه الصبر قبل أن يمسك هذه الصهباء من تلابيب ثوبها ويلقي بها خارج المكتب، لا تكل و لا تمل في أن تلح عليه في رغبتها بالزواج منه وكأنه أخر رجل في العالم!
"آدم please، أدي لنفسك فرصة تفكر في كلامي هتلاقيني أنا صح، و بعدين أنا طالبة الحلال، جواز علي سنة الله ورسوله، و لو مش عايز أطفال أطمن، أنا عندي مشكلة في الخلفة وصعب أحمل، يعني هاكون متفرغة ليك، كل ليلة هنقضيها مع بعض هاعيشك فيها ملك، هاكون رهن إشارتك، قولت إيه"
كان ينظر إليها في صمت بداخله كلمات مهينة يريد أن يلقنها إياها، بينما هي ظنت هذا الصمت ليس سوي التفكير في الأمر و سينتهي بالموافقة، فقامت بالهجوم الأخير حتي يستسلم لمطلبها
"أنا بحبك أوي يا آدم"
أنهت الجملة بمد ذراعيها حول جذعه تحتضنه بقوة، تهمس بشفتيها بالقرب من أذنه
"مش هتلاقي واحدة بتحبك قد حبي ليك"
اقتربت بشفتيها من خاصته رويداً رويداً، رائحة عطرها اخترق رئتيه بضراوة.
و خارج الغرفة قد وصلت خديجة، نهضت المساعدة وأخبرتها
"أهلاً وسهلاً مدام خديجة، آدم بيه عنده... "
لم تستمع الأخرى لها وفتحت باب جهنم لترى مشهد تقبيل تلك الأفعى الصهباء لزوجها، هناك خنجر ذو نصل عطب يخترق قلبها، برودة تسيطر علي أطرافها، تشعر وكأن لسانها قد عجز عن الحركة، إمرأة أخرى في هذا الموقف لقامت القيامة علي رأس زوجها وتلك الحية، لكن وجدت نفسها دون إرادة تغلق الباب و كأنها لم تر شىء، ركضت بكل قوة وكانت دموعها تسبق قدميها، تهبط علي الدرج و مع كل درجة يقطر قلبها نقطة دماء و من عينيها الكثير من الدموع.
خرجت من المبني وجدت شقيقها ينتهي من التحدث في الهاتف، رآها بتلك الهيئة المزرية، شعر بالخوف عليها
"في إيه يا خديجة مالك، آدم كويس؟، إيه اللي حصل؟"
أخبرته من بين دموعها
"طه وديني بيت بابا وروح هاتلي يوسف ابني من القصر"
"اهدي بس و فهميني، حصل إيه؟، اتخانقتي أنتي و آدم بسبب اللي حصل في الجامعة؟"
"مش قادرة أتكلم، هتوصلني و لا هاخد تاكسي؟"
"هوصلك بس علي عندي، ما ينفعش تقعدي لوحدك هناك في الحارة"
و في الأعلي، طرقت المساعدة الباب، انتفض آدم و دفع روفان عنه، ابتلع ريقه و حدق إليها بغضب، أذن للطارق بالدخول، اقتربت منه المساعدة لتخبره بصوت خافت لا تسمعه الأخري، اتسعت عينيه و وقع قلبه إلي سابع أرض، اختطف سترته و هاتفه وغادر مسرعاً يسابق الرياح للحاق بزوجته.
و في الأسفل، دخلت خديجة إلي سيارة شقيقها وهو أيضاً في مقعد القيادة، قامت بالإتصال علي المربية سميرة
"ألو يا دادة سميرة، ممكن تحضريلي شنطة هدوم ليوسف و ليا و تجهزي يوسف و تستنوني علي البوابة"
"خير يا مدام خديجة، فيه حاجة و لا إيه؟"
"دادة بالله عليكي أعملي اللي طلبته منك أنا جاية في الطريق، سلام"
أغلقت المكالمة وألقت الهاتف في حقيبتها و انخرطت في البكاء من جديد، نظر طه إليها يعلم أنها لم تخبره بشئ و هي في تلك الحالة
لذا تركها تبكي حتي تخرج كل ما تشعر به من أحزان وسيعلم لاحقاً ماذا حدث.
وصل آدم ورأي سيارة طه تنطلق سريعاً، وضع كفيه علي وجهه بندم و أخذ يلعن نفسه و المدعوة روفان، لكن ما فائدة الندم بعد أن تحطم قلب احدهم كالزجاج وإذا أعاد ترميمه ستظل الشروخ كما هي!
༺※※※༻
يحيط ذراعه ظهرها و يجلسا في انتظار أن يأذن لهما فني الأشعة بالدخول، و ذلك بعد أن فحص الطبيب قدمها وطلب بعمل أشعة للتأكد من وجود شرخ أم لا، لم تترك يد زوجها وتتشبث به كالطفلة التي تمسك بوالدها، فكان تارة يربت عليها و أخرى يخبرها بأن لا تخاف ويداعبها ببعض المزاح الخفيف ليجعلها تضحك وتنسي الألم.
"حاسة بإيه دلوقتي؟"
أجابت بصوت خافت من أثر التعب والبكاء الكثير
"لسه حاسة بوجع بس مش زي الأول، خصوصاً بعد ما أنت دهنتلي المسكن في العربية"
ضمها إلي صدره وقام بوضع قُبلة علي مفترق خصلاتها
"حبيبتي ألف سلامة عليكي"
"الله يسلمك"
"اللي يسمع صوتك اللي مش طالع دلوقت ما يصدقش أنك من شوية كنتي عمالة تزعقي"
تفوه بذلك مازحاً، حدقت إليه بامتعاض
"أنت شمتان فيا؟!"
ابتسم وأخبرها بنبرة رومانسية حالمة
"حد هايشمت في روحه برضه!، يعلم ربنا لما وقعتي وقعدتي تصرخي وتعيطي قلبي واجعني عليكي أوي، قولت يارب اللي فيكي يجي فيا بس تكوني كويسة"
وضعت كفها علي خده تردد بحب مماثل
"بعد الشر عليكي يا حبيبي، أنا ما استحملش عليك حاجة أبداً"
أمسك يدها وقام بتقبيل ظهر كفها
"ربنا يباركلي فيكي أنتي والأولاد"
"اه صح، أنت كلمت داده زينات تطمن عليهم؟"
"مستني أطمن عليكي الأول و إحنا مروحين هتصل بيهم"
"مدام صبا عابد"
كان نداء الفني، فأخبره قصي
"حاضر جايين"
نهض وقام بحملها إلي داخل غرفة الأشعة، أشار إليه الفني نحو مقعد مجاور للجهاز
"المدام هتقعد علي الكرسي ده وترفع رجلها هنا علي الجهاز"
انزلها قصي برفق و رفعت ساقها بروية لكي لا تؤلمها، اقترب الشاب وكاد يمسك قدمها فسبقته يد قصي وحدق إليه محذراً تحت نظرات صبا التي انتفضت من رد فعل زوجها، لا تنكر أنها تشعر بالسعادة لكن الوقت غير مناسب لغيرته، شعر الشاب بالخوف من رد فعل الأخر وهو يخبره بلهجة تحذيرية
"قولي أعمل إيه وعينك علي الجهاز؟"
أخبره الشاب بحذر دون أن ينظر إلي قدم صبا بالأحرى لم يتجرأ للنظر إليها ككل.
و بعد قليل انتظرا لدي الطبيب حينما تظهر الأشعة و كانت النتيجة شرخ بسيط و تم إحاطة قدمها بالداعم الذي سيساعد علي إلتئام الشرخ، و كتب بعض الأدوية مثل مسكن لألم العظام ومكمل غذائي كالكالسيوم.
جلست بجواره في السيارة وقبل أن يبدأ بالقيادة اقتربت منه وقامت بتقبيل خده المقابل لها
"ربنا ما يحرمني منك أبداً و لا من حنيتك وخوفك عليا"
أحاط ظهرها بذراعه وأجاب بعشق
"و طول ما أنا فيا نفس هشيلك جوة قلبي وعينيا، تعرفي لما بقولك بعشقك مش مجرد كلمة في لحظة رومانسية، دي أفعال في وقت الشدة والفرح، كفاية أشوفك مبسوطة ديماً ده عندي بالدنيا كلها"
لم تكتفي البسمة بالظهور علي شفتيها وفقط بل تتراقص من عينيها
"عارف لولا إننا في العربية و وسط طريق عام و الناس رايحة جاية كنت عملت فيك إيه دلوقتي؟"
غمز بعينه بجرأة سافرة
"خلاص نرجع علي اليخت وقوليلي هاتعملي إيه"
نظرت بجرأة مماثلة وعضت علي شفتها السفلي فأخبرته
"لاء إحنا نروح علي القصر عشان الولاد وحشوني، و في أوضتنا هابقي أقولك"
غمزت بعينها أيضاً
أخذ يضحك وقام بتقبيل خدها ثم جبهتها
"بعشقك و بعشق جنانك"
أنطلق بالسيارة وقلبه ينبض بالسعادة والراحة، فالمرأة التي يعشقها قابعة بين أحضانه، لم يريد سوي الهدوء والعيش في إستقرار بين زوجته وأولاده دون حدوث شىء مزعج يعكر صفو حياتهم، لكن نحن نعيش في دنيا الخير والشر، يوم حلو وآخر مُر، نضحك تارة و نبكي تارة أخرى، و كما قالوا السابقون دوام الحال من المُحال.
༺※※※༻
يفتح الباب ويدخل بضع خطوات ثم رفع زر المسئول الرئيسي عن تشغيل الكهرباء في الشقة، انبعث الضوء من جميع المصابيح وظهر كل شىء من أثاث وطلاء و كل ما يجب أن يحتويه المنزل كل هذا علي الطراز الحديث، أشار إليهما
"واقفين عندكم ليه أدخلوا"
تشبث الصغير بيد والدته التي دخلت وتنظر من حولها بانبهار قاطعه سؤاله
"عاجبتكم الشقة؟"
حدقت بسعادة تنضح من عينيها
"اللهم بارك حلوة أوي"
"ماما، حمزة جعان"
كان صوت صغيرها فقال له عمه
"أنا طلبت دليفري يا حبيبي، أدخلوا استريح أنت وماما عقبال ما الأكل يجي"
ثم نظر إلي علا وأخبرها
"أنا خليت البواب جاب ناس نضفت الشقة إمبارح، و مليت التلاجة عشان العشا والفطار، شوفي لو عايزين أي حاجة عندك الأنتركم كلمي فيه عم مسعود البواب وهيجبلك الحاجة لحد هنا"
استنتجت من حديثه إنهما سوف يقيمان هي وصغيرها فقط لذا سألته
"أنت مش هتقعد معانا؟"
اتسع ثغره بابتسامة بعد أن رأي اهتمامها وسؤالها حول وجوده معها أم لا
"أنا هاكون ما بين هنا و ما بين الفيلا والشغل، أهو هاسيبك تاخدي راحتك من غير ما أضايقك"
شعرت بالحرج لذا أخبرته سريعاً دون التفكير
"أبداً بالعكس مش هضايق لو أنت قعدت معانا... "
أدركت ما تفوهت به فتابعت لتعالج الأمر لاسيما عندما رأت تلك الإبتسامة الماكرة علي شفتيه
"قصدي يعني أن أنا وحمزة ما نعرفش حد هنا، و المكان جديد علينا وكدة يعني"
مسح بطرف لسانه علي شفته السفلي وأخبرها بخبث
"ما تقلقيش هاجي كل يوم أطمن عليكم وممكن، ممكن يعني أبات عشان ما أسابكمش لوحدكم"
نظرت بعيداً بخجل ثم قالت
"بجد مش عارفة أشكرك علي اللي عملته معانا، وقفتك جمبنا وكل حاجة"
اقترب منها و كم كان قربه مُهلك، تراجعت إلي الوراء فاصطدمت بالحائط، تنظر بجوارها لم تجد ابنها الذي أنطلق لاستكشاف المنزل
"ما تقوليش كدة، أولاً أنتي مراتي، و حمزة زي ما هو ابن أخويا يبقي ابني أنا كمان، و راحتكم من راحتي، و أوعدك تقول ما أنا عايش محدش يقدر يقرب منكم أو يأذيكم حتي لو بكلمة"
نظرة امتنان تلمع من عينيها و كلمة همست بها من بين شفتيها
"شكراً يا أحمد"
"شكراً كدة حاف من غير أي حاجة؟"
سؤاله في ظاهره يبدو جاد لذا ابتعدت من أمامه ووجهها كاد ينفجر من دماء الخجل، ولت ظهرها إليه وكانت علي وشك أن تذهب من أمامه قائلة
"أنا، أنا هادخل أفضي الهدوم من الشنط"
أمسك يدها وجعلها تنظر إليه، ضحك فأخبرها
"علي فكرة مكنتش هعمل حاجة، أنا كنت بهزر مش أكتر، عايزك تطمني عمري ما هعمل حاجة غصب عنك"
ظل كل منهما ينظر إلي الآخر بحدث متبادل في صمت لأن هنا العيون هي من تتحدث
"تعالي أفرجك علي باقي الشقة وأوريكي أوضة حمزة و أوضتنا"
قام بسحب الحقائب من المقابض الخاصة بها، توقف أمام غرفة صغيرة بها سرير صغير ومكتب وخزانة كما يوجد تلفاز وألعاب أطفال، نظرت إليه فأخبرها
"الأوضة دي كانت فاضية و جهزتها زي ما أنتي شايفة عشان حمزة"
"شكراً"
عقد ما بين حاجبيه
"ياريت ما اسمعش شكراً تاني"
نظرت إلي أسفل بحرج ثم رفعت وجهها عندما سمعت فتح باب غرفة مجاورة يتبعه قوله
"و دي أوضتنا"
دخلت وأخذت تنظر إلي كل ما يوجد بالغرفة حتي وقعت عينيها علي صورة داخل إطار خشبي مربع أعلي الكمود، كانت صورة فوتوغرافية لفتاه عشرينية، تشعر إنها رأتها من قبل لكن لم تتذكرها جيداً، انتبه أحمد إلي الصورة فولج سريعاً وأخذ الصورة وألقي بها داخل درج الكمود حتي دون أن ينظر إلي الصورة
"حبيبتك؟"
أخبرها بحزن قد أغلق عليه الأبواب منذ سنوات
"كانت حبيبتي"
لا تنكر هذا الشعور الغريب الذي نما بداخلها، غيرة تشعر بهت لأول مرة، فهل وقع قلبه في حبه؟!
"سيبتوا بعض ليه؟"
تنهد وبدي علي وجهه رغبة عدم التحدث في هذا الأمر
"هابقي أحكيلك بعدين، أنا مضطر أنزل و لو في أي حاجة كلميني علي طول"
غادر الغرفة ومضي نحو باب المنزل فأوقفته
"أحمد؟"
ألتفت إليها
"نعم؟"
"لما تخلص كل اللي وراك تعالي علي هنا"
أومأ لها وقال
"حاضر"
عاد إلي وجهته وكاد يفتح باب المنزل فاوقفته مرة أخرى
"أحمد"
زفر قليلاً وسألها
"نعم يا علا؟"
ابتسمت إليه وأخبرته
"لا إله إلا الله"
ردد معقباً
"محمد رسول الله"
غادر سريعاً قبل أن يستسلم لهذا الصوت الذي يردد في أذنه بأن يعود إليها و يجذبها بين ذراعيه، يحتضنها بقوة ويخبرها لا وجود لـ أمرأة أخرى في حياته سواها، هي من اختطفت قلبه قبل بصره عندما رآها لأول مرة، قسوته في البداية و حتي وقت قريب ما هي إلا دفاع وحماية لكي لا يسيطر عليه حبه لها، كان لا يريد تكرار الماضي مرة أخرى يكفيه ما قد عناه من ألم الفراق، لكن جاءت علا إليه و عصفت بمشاعره التي استيقظت من جديد، لذلك عزم علي حماية هذا الحب مهما واجه من صعوبات وتحدي حتي لو كان ذلك التحدي متمثل في والدته!
و في مكان آخر حيث فيلا عائلة الشريف، تجلس شيريهان في شرفة غرفتها تشرب القهوة، جاءت إليها الخادمة تأخذ القدح الشاغر
"أي أوامر تانية يا شيري هانم؟"
"علا و ابنها في أوضتهم؟"
شحب وجه الخادمة من التوتر، فقد اوصاها أحمد أن لا تخبر والدته بأمر رحيل زوجته وابنها من المنزل حتي يعود هو، ابتلعت ريقها ثم أجابت
"معرفش يا شيري هانم"
نظرت الأخرى إليها بحدة
"إزاي ما تعرفيش؟"
"قصدي إنهم خرجوا و معرفش راحوا فين"
"إزاي تخرج من غير ما تقولي أو تقول لجوزها؟!"
"معرفش حاجة يا هانم"
زفرت الأخرى بغضب و نهضت تزيح الخادمة من أمامها جانباً
"غوري من وشي"
ذهبت إلي غرفة النوم لتطمئن أن ما تسعي إليه زوجة ابنها يكون مجرد ظن سئ ليس أكثر، فتحت الخزانة فوجدتها خالية من ثياب علا و ثياب الصغير، كان داخلها كأنه مرجل من الماء يفور، أخذت هاتفها من جيب ثوبها، قامت بالإتصال علي ابنها و لم يرد، فاسرعت تنقر علي تطبيق الدردشة لترسل إليه
«مراتك خدت ابنها و هربت... اتصرف ولاقيها قبل ما اتصرف أنا وتصرفي مش هايعجبك»