رواية القلب أخضر الجزء الثانى الفصل الرابع والثلاثون بقلم رباب عبد الصمد
فى اليوم التالى ذهبت فريدة الى بيت ابيها وبصحبتها ليلى التى قررت المواجهة
طلبت ليلى طارق الذى اتى اليها بسرعة وقابلته وجها لوجه وبعد لحظات صمت حاولت ليلى ان تجمع من شتات نفسها فى حين ظل طارق متوترا فى انتظار ان تنطق باى كلمة لعلها تطمانه
بينما صعدت فريدة لايوب الذى ظل حبيس غرفته لا يتحدث مع احد وما ان راها الا وانتفض واقفا فقد شعر بانها قد جاءت برسالة منها لتطمانه عليها حيث انه شعر برائحة عبيرها فى المكان دون ان يراها فقال بلهفة دون حتى ان يلقى على اخته السلام : كيف حالها وحال جنينها
دمعت عين فريدة وهى ترى تلك اللهفة فى عين اخيها وقالت : لقد ساءت حالتها وكل يوم تسوء اكثر ولكنها الان جاءت لتواجه طاووسنا ولافع عن حبكما ولتؤكد له انها ليست بعائدة اليه
تحرك بسرعة وبلهفة تحت انظار فريدة المشفقة عليه وهو يقول : ليلتى هنا مهجة فؤادى هنا وفجاة توقف فقد تذكر وضعه والتفت الى فريدة وقال ارجوكى طمنينى انتى عليها كيف حالها ؟ هل تاكل تتغذى جيدا . هل تهتم بصحتها . اعلم انها فى حاجة الى التبرع بالدماء ولهذا اخبريها انى ذهبت امس الى الطبيب وتبرعت بدمى وسياتى هو اليها ليوم لينقله لها
نظرت له فريدة فهى تشعر به لانها مثله عاشقة وقالت : كل هذا الحب تكنه لها وتتحمل وحدك لوعه فراقها لاجل طاووس مغرور لا يريدها الا لاجلالاحتفاظ بنعمة نادرة
ولاها ظهره وقال : لا تعيبى اخاك فهذا حقه فهى لازالت زوجته
فريدة بعصبية : اى زيجة تلك وهى لم تشعر معه باى يوم من السعادة بل سعادتها بدقيقة وهى بالقرب منك تساوى كل ايامها التى عاشتها معه ونلكنه مغرور وعنيد يابى التنازل
ايوب بقلب يتمزق : انزلى الان يا فريدة وابقى معها فانا اعرف انها لا تقوى على الوقوف كثيرا وقد لا تقوى على الرجوع فابقى معها حيث كانت وان كنتى تحبينى فراعينى فيها
بكت فريدة وهبطت من عنده وبداخلها ثورة لاجل اخيها الذى دوما ما يتحمل اى شىء لاجل سعادتهم
.....
اخذت ليلى نفس عميق وقالت : لقد كنت بين يديك واعطيتك كل ما فى وسعى لاسعدك ولكنك قابلت هذا بالخيانة فكنت تتركنى لتتنعم باحضان غيرى وكنت اصبر واصعب شىء على المراة كونها تشعر انها لا تكفى زوجها فهذا بمثابة سكين بارد مزق كرامتها ومع ذلك صبرت
قبل ان تبصر زهو وريقاتى
تامل فى الجذور معاناتى
فكل ابتسامات شفاهى سبقها دمعى واهاتى
اتهمتنى فى عرضى وكان هذا اسوء ما توقعته منك ولكنى اعطيت لك الف عذر واتيت لك بارادتى لاقول لك انى ساكمل حياتى معك ولكنك لاخر لحظة مزقت كل جميل بيننا ومع هذا لن اتخلى عنك وحميتك بجسدى حتى وانا لم اعد زوجتك ولكن فى تلك المرة لم اكن احميك لاجل نفسك ولكن لاجل فهدى الذى اتمسك بالحياة لاجله
واليوم جئت ايضا لك بارادتى ولكن ليس لاجل ان اعترف بانى ساكمل حياتى معك بل لاجل ان اؤكد لك ان حياتى معك قد انتهت ولن اجبر نفسى على العيش معك
هنا نطق طارق وقال بتوسل : اعرف انى ظلمتك وانك تكرهيننى ولكن اعطينى فرصة لاصلح ما تلفت
صرخت فيه وقالت : وهل جرح القلوب تعتبره تلف يمكن اصلاحه ومع ذلك هل استاذنت زوجتك او حبيبتك الوحيدة على حد قولك واعترافك الذى لم تتوقع بالطبع انى سمعته انك ستجمع بنى وبينها ؟ هل اخذت رايها فى هذا ام انك جعلت نفسك سيد القرار وحدك
صمتت للحظات قبل أن يتفوه بحرف ثم عادت وقالت انا لست بنادمة على تلك اللحظات التى كنت تختلسها معى فقد علمتنى الكثير حتى انها اتت إلى بالسعادة كمكافاة لى فى لحظة ايضا
تعجب هو من قوتها وثباتها الذين لم يعتاد عليهم وشعر ان ثقتها تلك لم يكن خلفها الا حب حقيقى لاخيه سلب عقلها وقال : تقولين لحظات؟
قالت : نعم وما العجب فى ذلك فالحياة جميعها لحظات . لحظات تدركنا وندركها قد تكون صادقة أو كاذبة أو حتى جارحة وربما وربنا تكون وربما تكون حزينة أو سعيدة أو حتى صادمة وليس منا ما لم يمر بتلك اللحظات كلها كلها بعضها وان كنت انا قد مررت بهم جميعا معك وكان لابد لها أن تترك بى علامات داخلى ولكن كان فيها ما لم أندم عليه لانها اشعرتنى بسعادة لم اشعر ها قبلها وقد لا اشعرها بعدها
صمتت قليلا بينما كان هو جاحظ العينين من كلماتها التى أحرقت ندما ثم استطردت قائلة : قد تكون تلك اللحظات نتيجة أخطأنا أو قد تكون قدرية وانا كانت لحظة سعادتى قدرية فتقابلت مع قدرى وسعادتى المخزونة فهل اتستكثرتها على
طارق : لا تتسرع فى احكامك يا ليلى فانا ندمت عما بدر منى و ...
صاحت فيه بعصبية لتؤكد له للمرة الثانية انها قد تغيرت ولم تعد تلك الليلى المسكينة التى تتكلف لترضيه على حساب ذاتها وقالت : كفاك أيها المواقع لم اعد كما تريد أن ترانى لاننى عرفت الحب الحقيقى . الحب الذى يعطى القوة وليس الحب المزيف تلذى يموت عندما يحيا صاحبه وانا قد حييت مع حبك لاكتشف انه لم يكن الا حب مزيف وان حبى لايوب لن ينتهى إلا بموتى وموته معا وقد كان من الغباء منى انى بحثت عن الحب من البداية فى قلب لم يحبنى
غادر فانك فى الغرام لمدعى
احللت ذبحى فى الهوى وتوجعى
وتركتنى فى حيرة اشكو الجوى
فتمزقت روحى وسالت ادمعى
كفكف دموعك ما عاهدتك صادقا
ما عاد دمعك فى الغرام بمقنعى
قد كان وصلك فى الغرام مطمعى
هنا وقبل ان ينطق طارق دخلت سهيلة وكانت قد استمعت للخوار منذ بدايته وشعرت بالحماقة لانه حسب انها هى ايضا سترضى حتنا بوجود ضرة وبكل اباء قالت : لم ياخذ رايى فى شىء وان اخذه لن اوافق وان اعتقد انه قد سلبنى عرضى قديما رغما عنى ان اتركه الان ان يسلب كرامتى رغما عنى
فانا كنت اريده لاجل ان يعترف بابنه حتى يحيا مرفوع الراس ولكن فهدكم قام بهذا وليس هذا بغريب عن كريم مثله اما الان وقد تحقق ما سعيت اليه فلن ارض ال برجل يريدنى وحدى لاننى اكفيه اما غير هذا فلا
طارق بذعر من كلام سهيلة : لا الا انتى يا سهيلة فانتى تعرفين تمام المعرفة انى لم اعشق احدا قبلك او حتى بعدك
سهيلة ولماذا تريد ان تتزوج من واحدة لم تحبها ولم تعد هى الاخرى تحبك ما السبب فى هذا
طارق بصياح : لاجل ابنى
نظرت له ليلى بنصف عين كعلامة سخرية وقالت : الان تقول باعلى صوتك ابنك ولكنى اعترف امامك وامام الجميع ان الاب ليس صاحب النبتة فقط فكثير من الابناء جاءوا نتيجة غلطة او نتيجة نشوة من رجل كان ذاهبا عقله او ساكرا وذهب دون ان يعرف انه ترك نبته حرام ومع ذلك يود الله ان تنشا تلك النبته نشاة كريمة بيد حانية تتبناه فينشا اكرم الناس فهل هذا يدل على صاحب النبتة الاصيل
ايها الطاووس ما فى احشائى ليس ابنك بل هو ابن فهدكم الذى رواه بدمه وتركته وخرجت من امامه وقد مدت لها فريدة يدها لتتوكا عليها وما ان خرجت من الغرفة الا ووجدت ايوب واقفا يريد ان يخطف نظرة عليها تهدا من لهيب شوقه عليها خاصة انه كان يحمل حقيبته وقد قرر ترك الجميع لعل الامور تهدا من دونه
لمحته ليلى فتقدمت اليه ببطء وهى تنظر الى الحقيبة التى فى يده وبصدمة قالت : هل هذا ما تعاهدنا عليه ؟ انا جئت الان لادافع عن حبنا وان قررت انت التخلى عنى فلن امانعك ولكنى اعترف لك بشىء واحدا
كان منتبها اليها وعيناه تنظر فى اشتياق الى كل انش فيها
قالت وقد امتلات عيناها بالدموع : انا فى اشد الحاجة الى سندك تلك الايام على الخصوص فقد لا ترانى بعدها ثانية ولكن لا تعجل ايامى بفقدك
قال بلهفة : ماذا حل بكى ولما تقولين هذا ؟
ليلى : ستعرف فيما بعد ولكن وقتها ستعرف انى دافعت عن حبى وتمسكت بميثاقى معك لاخر لحظة ولا اريد منك شىء الا سندك فقط حتى ولو بنظرة فلا تمنعنى منها
ثم التفت واتكات على يد فريدة وخرجت من امامه قبل ان يلح عليها فى السؤال فتصبح مضطرة ان تخبره بخطتها
نادى معتز عليها فتوقفت فقال لها انتظرى يا ليلى انتى فى حاجة الى منةترعاك وتخدمك وانتى كنتى السباقة فى هذا فكم خدمتينا واكرمتينا ولم تشتكى
ليلى بضعف : اشكرك يا معتز ولكنى لن اتى لاطلب ثمن ما قدمته وعليك ان تعرف انى لم اخدمكما الا حبا فانت لى مثل على ووالدك ووالدتك مثل والدى د
معتز مقاطعا : اعلم ما تقصدينه يا ليلى واعلم انكى ما اتيتى لاخذ ثمن هذا من جانب والجانب الاخر نى اؤيدك فى قرارك الذى جئتى لتؤكديه وانا معك فى اى شىء تحتاجينه
همت ليلى ان تشكره الا انه اكمل بصوت جهورى ونادى على صفاء التى اتت مهرولة نتيجة علو صوته وتفاجات عندما سمعته يامرها ان تذهب مع ليلى لاجل خدمتها فتلعثمت وحاولت الانفلات من امره ولكنها فى ذات الوقت كانت خائفة اذ ان معاملته معها فى الفترة الاخيرة كانت خشنة وجافة ومع ذلك لم تستطيع مجرد حتى التحجج بشىء لانه كرر امره ولكنها قالت بصوت خافض ليلى معها امى وفريدة ولان والدتك ليس معها احد
نظر لها وهو مضيق العينين وقال انا لامى لا تشغلين بالك بها
فرحت فريدة باخيها واصراره على خدمة صفاء لليلى
وفى الحقيقة لم يكن امام صفاء اى خيار ولا تستطيع الرفض فمعتز فى الاونة الاخيرة شد عليها فى المعاملة حتى تفقد التدلل دون داعى ولكنه فى ذات الوقت كان يمدح دلالها وجمالها ان كانوا بمفردهم بحجرته حتى لا يشعرها بالجفاء التام فامثال صفاء فى حاجة الى التقويم ولكن ليس بالشدة فى كل الاحوال حتى لا تنقلب للضد فاصحاب النفوس النرجسية لا يستطيعون الانخلاع من حب الذات هكذا بسهلة وهم دوما ما يشعرون انهم افضل من الاخرين ولكن معتز اجاد فن الترويض حتى انها اصبحت تقوم بمسؤلية البيت بمفردها وبدات تتقدم فى كل شىء وان كان ببطء الا انه لم يعارضها
كما ان صفاء نفسها شعرت ان دلالها الزائد لم يعد يخيل على معتز وانها فى طريقها لخسارته فحاولت رغما عنها ان ترضخ لاوامره
الا ان غيرتها من ليلى لازالت تشتعل يوما عن يوم وكلما سمعت اذناها مدح فى ليلى او شاهدت بعينيها نظرات ايوب او طارق لها شعرت هى بالنقص لانها رغمجمالها لم يتنافس عليها الرجال فى حين ان ليلى اقل منها جمالا
ولكن هذا من سطحية تفكيرها فالرجل لا يبحث عن الجمال فقط انما يبحث على من تاثر قلبه فى كل شىء فالجمال يزول مع مرور الزمن ولكن نقاء القلب او رجاحة العقل وفطنته لا تذبل ابدا بل تزداد نورا كلما مر عليها الزمن
............
بدا حمزة ومحمود خطتهم وبدا القلق يدق البلدة فمعظم ادوية الاطفال لم تعد متوفرة فى الصيدليات ولا لبن الاطفال
وساد القرية جو من التوتر بالاضافة الى التوتر الموجود بسبب صدام طارق للطفل
ومما زاد الجو توترا ان مستشفتا القرية قد اذاعتا انهما فى حاجة الى اكياس دم لعجزها عن توفر الدم اللازم لمعظم العمليات الجراحية واخذت تحفز اهل القرية على التبرع بالدم وبالفعل توافدت الناس على المستشفتان من كلا العائلتين للتبرع بالدم كما اذاعت ان هناك عجز فى حضانات الاطفال وانها ستضطر لوضع اكثر من مولود معا
.......
فى صباح يوم جاءت فريدة تركض وهى متوترة واخذت تنادى على ايوب وعلى ابيها
خرج اليها ايوب وقد شعر ان الموضوع يخص ليلته
الحاج صالح : ماذا حل بكى يا فريدة ؟
فريدة وقد تقدمت نحو ايوب وكانها تترجاه الا يخذلها ويلبى نداء قلبه وقالت : لقد ساءت حالة ليلى حتى اننا نقلناها الى المستشفى وةقد قرر الطبيب على وجوب الولادة حالا على الرغم انه هذا ليس موعد ولادتها وعلى الرغم من ان الطفل لم تكتمل رئتيه بعد ولكن رحمها اصبح لا يتحمله ليوم اخر
ارتعد ايوب خوفا عليها وقد تصدع قلبه وذهب عقله فلم يعد قادرا على تخيل اى شىء وهم ان يسير معها الا انه وجد طارق يخرج من غرفته على اثر سماع صوتها فتراجع ايوب مكانه وكتم فى صدره لوعته
تقدم طارق نحو فريدة وقال فى ثبات تحت اعين سهيلة ايضا التى كانت شغوفة ان ترى رد فعله : انا ساتى معكى لاطمان على ابنى وسحبها من يدها وتقدم خطوتين ثم توقف عن السير ونظر الى اخيه وقال : الم تاتى معنا لتطئن انت الاخر على ابنك وزوجتك
اتسعت ابتسامة سهيلة وشهقت فريدة فرحا بينما تقدم هو نحو اخيه وابيه وارتمى فى صدره كما الطفل الصغير
خرج الاربعة فريدة وايوب وسهيلة وطارق وذهبوا الى المستشفى وما ان وصلوا حتى ركض ايوب مسرعا نحو حجرتها وما ان راها فى حالتها تلك الا واشفق عليها وجثى امامها وهى راقدة وقبل جبينها وقال : انا جوارك يا ليلتى فتشبثى بالحياة لاجلى
مدت يدها ورفعت كفه وقبلته وقد اختلطت دموعها بعرقها الذى كان كاسيا وجهها وقالت امام اعين الجميع اريد ان اثبت نسب ابنى باخذ عينة منك
تقدم طارق وهو فى غاية الخجل وقال : لم تعدى فى حاجة الى اثبات نسب يا ليلى فانا معترف بالطفل امام الجميع
نظرت له وقالت : انت لوثت عرضى بالكلام وانا ساثبت عفتى باليقين
ربت ايوب على راسها وقال : لا ترهقى نفسك وسافعل لكى ما ترنه ولكن كما قلت لكى تشبثى بالحياة لاجلى ولاجل ابننا
ليلى : قلت لك اخاف من ان تفرقنا الاقدار وانا اشعر ان خوفى على وشك ان يبقى حقيقة
كاد ان يبكى وقال بعيون دامعه : وانا ايضا قلت لكى ان فرقتنا الاقدار فهذا يعنى موتى وان اردتى موتى استسلمى انتى للاقدار
............
مرت ساعات ليست بقليلة والكل خارج غرفة العمليات يقف مضطربا وما ان خرج الطبيب الا وبشرهم ان العملية تمت على خير ولكن الطفل وضع فى الحضانة
وتم سحب عينة من ايوب لاثبات نسب الطفل وما اشد فرحة الحاج نعمان وعلي بثبوت نسب الطفل وظهور عفة ابنتهم وما كان اخذل طارق فى تلك اللحظات