رواية صراع الذئاب الجزء الثاني (عهد الذئاب) الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم ولاء رفعت علي


رواية صراع الذئاب الجزء الثاني (عهد الذئاب) الفصل الواحد والثلاثون

_ لا تعلم القوة التي داهمتها تواً فتحدثت وهي تنزع ساعدها من قبضته لكن محاولتها باءت بالفشل :

- الي بتشتمه ده يبقي جوزي ولو فيه حد و.... يبقي أنت عشان تدخل بيوت الناس في نصاص الليالي وتنتهك حرمتهم وطبعاً مش هسألك أنت جيت إزاي كالعادة هربت من السجن .

أنار مصباح يدوي و أنبعث ضوءه مما أعطاه مظهراً مخيفاً وملامحه الشيطانية تبتسم بشرٍ مستطير :

- جوزك ؟.

أندفع نحوها فتراجعت إلي الخلف وأصتدم ظهرها بالحائط والنافذة الخشبية المسدل عليها ستائر ... حاوطها بجسده وقبض علي كتفيها بعد أن ترك المصباح جانباً :

- شكلك لسه متعرفنيش يا شيماء ... أنا مستعد أقتل أي حد هيقف في طريقي ليكي وكده كده أنا في حكم القانون قاتل والي بيقتل مرة يقدر يقتل مليون مرة .

أبتلعت لعابها بخوف ... يكاد قلبها يتوقف من كثرة ضرباته .. تفوهت بحذر :

- و عايز أي من واحدة بتكرهك وبتلعن اليوم الي عرفتك فيه ؟.

نظرات عينيه كفيلة بالإجابة .. إزدادت خضرواتيه قتامة حتي أشتدت سواداً وظلمة جامحة مجيباً عليها بنبرة قاتلة :

- كدابة أنتي لسه بتحبيني وجوازك من الندل الواطي ده عشان تحرقي قلبي زي ما حرقت قلبك علي أبوكي يوم ما غرزت مطوتي في قلبه .

قالت وهي تبعد إنتباهه عن يدها التي تسللت إلي طرف طاولة الزينة لتلتقط زجاجة العطر :

- ياريتك كنت قتلتني أنا علي الأقل كنت أرتحت منك .

قبض علي نحرها بقوة ملصقاً جسده بجسدها بعنف:

- عمرك ما هترتاحي مني يا شيماء ... لأنك ملكي أنا ..بتاعتي أنا .

قالها وهم بتقبيل شفتيها وقبل أن يلامسهما ضربت رأسه بزجاجة العطر .. أبتعد عنها صارخاً وممسكاً برأسه مما أفزع الصغيرة في الغرفة المجاورة وأخذت تصرخ خوفاً .. حملها صاحبه وكان ملثم وقام بتكميم فمها بكفه .

هربت شيماء من أمامه وهي تلتقط عباءتها ترتديها وهي تركض إلي خارج الغرفة وكادت تصتدم بالرجل الذي يحمل إبنتها ... صرخت بأعلي صوت :

- بنتي .

_ وبالعودة مرة أخري لطه الذي أنتهي من الإستحمام بعدما أكتشف الظلام وأنتفض بفزع من صرخاتها التي وصلت إلي سمعه... أرتدي مأزر قطني مسرعاً و وضع يده علي مقبض باب المرحاض ليجده موصداً من الخارج وقد تأكد من ظنونه .. قام بدفع الباب بكل قوته .

وبالخارج لحق بها عبدالله وجذبها من خصلاتها مهدراً بصوت كاد يسبب لها الصمم :

- عايزة تموتيني يا بنت ال.... عشانه ! .. وربنا لأدبحهولك أدام عينيكي .

قالها ودفعها علي الأرض وقام بالضغط علي قواطع التيار لتعود الإضاءة مرة أخري ... أطلقت صراخات إستغاثة:

- ألحقونا يا ناس.

صاح بها صاحبه مهدداً إياها :

- أخرسي يا وليه لأموتلك بنتك .

وكانت الصغيرة تتلوي بين يديه وصرخاتها مكتومة بسبب تكميم هذا المجرم لفمها .

وفي محاولة طه لآخر دفعة للباب .. فتح مرة واحدة ليجد جسده يرتطم إلي الخارج أرضاً .. وقعت عينيه وأتسعت برعب وذعر علي شيماء التي تبكي بقهر وقلب ملتاع وصغيرتها التي تختنق من يد هذا الملثم ..

ولم يمهله ذاك الثائر ثوان ليدرك مايحدث فداهمه بالإنقضاض عليه وجذبه من ثيابه :

- أوم يا حليتها .. فاكر لما جتلي السجن وقولتلك هخليك تتمني الموت ونهايتك هتبقي علي إيدي؟.

ثم وجه له لكمة قوية أطاحت به فأطلقت شيماء صرخة تجمع علي إثرها الجيران في الشرفات والحارة .

_ تعالت صيحات الشباب والرجال .. فقال إحدهم:

_ الصريخ ده جاي من شقة طه إبن الشيخ سالم الله يرحمه .

وقال الآخر :

- تعالو يا رجالة نطلع له ليكون إبن الحرام الي إسمه عبده طليق البت شيماء رجع تاني .. شكله هرب من السجن .

عقب آخر منهم :

- جيب العواقب سليمة يارب .

_ وبالعودة إلي قلب الحدث ... نهض طه و وقف يرمق عبدالله بنظرات إزدراء وضغينة قائلاً :

كنت ديما بعتبرك صاحبي و واطي وندل مع أي حد ما عدا أنا .. ولا فاكرني نسيتلك يوم ما خنتني مع سماح ! .

قهقه عبدالله بضحكة ساخرة ثم قال :

- قول بقي كده .. أنت بتردهالي طب علي الأقل دي كانت واحده سهلة ورخيصة وشمال .. تقوم لافف علي مراتي ومستغل وجودي في السجن وتخليها تطلقني عشان تتجوزها !.

بصق طه دماء فمه جانباً من أثر اللكمة وصاح في وجه الآخر :

- السافلة خدت جزاءها وأنت ربنا أدالك عقابك بقتلك لحماك ودخولك السجن .. لكن جوازي من شيماء مكنش إنتقام .. أنا حبيتها بجد وهي كمان محستش معايا غير بالأمان والحب والحنية الي للأسف عمرك ماتعرفهم وفاقد الشئ لايعطيه .

أقترب منه وهو يصفق بتهكم :

- برافو .. برافو .. ده أنت بقيت رومانسي وحبيب يالاه وأنا معرفش .. ولابس لي بورنوص وعاملي عريس .. بس متقلقش كل شئ هيرجع زي ما كان بعد ما أخلص عليك يا إبن ال......

أخرج من خلف ظهره سلاح ناري و صوبه نحو رأسه.

_طه .

صرخت بها شيماء... و نهضت مسرعة لتقف بينهما _ أقتلني أنا يا عبدالله .

أصبحت خضرواتيه شديدة السواد والحقد أشعل نيرانه الضارية بداخل قلبه ... إلي هذه الدرجة أحبت من كان يدعوه صديقي يوماً وتقدم روحها فداء له ! .

أزاحها طه من أمامه و جعلها تقف خلفه في حمايته وأصبح في مواجهة عبدالله يرمقه بتحدي

_ ده أنتي طلعتي بتحبيه بجد !.

قالها عبدالله بنبرة مليئة بالألم والغضب في آن واحد

أجابت عليه بصياح وإنتقام :

- أنت غبي مش عايز تفهم وتصدق ... أيوه بحبه ومستعدة أفديه بروحي .

صاح طه ومازال يحدق في عينين الآخر :

- كلامك معايا أنا .. سيبها تاخد البنت وتمشي وحسابنا نصفيه مع بعض راجل لراجل .

_ لاء يا حيلتها حسابي معاكو أنتو الأتنين أنت هقتلك وهخلص منك وهي هخليها تتعذب بدل المرة ألف وتبوس رجلي عشان أرحمها.

صاح بها عبدالله وهو يجذب زراعها من خلفه ... وجه له الآخر لكمة دفعته إلي الخلف وأوقعت منه السلاح مما آثار شياطينه أنحني ليلتقطه بيده لكن سبقته يدها و وقفت أمامه بدون تردد أطلقت عليه رصاصة نفذت في صدره يليها رصاصة نفذت في معدته .. غر فاهه وحدقتيه متسعتين وسقط علي الأرض .. رأي المجرم الآخر ذلك وقال :

- نهااااااار أسود .

ترك الصغيرة وفر هارباً من الشرفة في حين أندفع باب المنزل ودخل حشد من الرجال والشباب ليروا ذلك المشهد .

___________________________________


_ الصغيرة تبكي بصراخ وتحبو نحو والدتها التي تمسك السلاح بيديها وتجثو علي ركبتيها تبكي أيضاً أمام عبدالله المسجي علي الأرض وعينيه تنظران إليها .. و مشاهد من الذكريات التي جمعتهما معاً تمر أمام بصره مثل شريط سينمائي كالتالي:


( دفعته ف صدره ليبتعد عنها وقالت :

- طيب من هنا لحد ماتيجي لأبويا مش عايزة أشوف خلقتك .

- ‏قالتها لتهم بالمغادره .. فقبض علي معصمها ليجذبها ويغلق الباب ويدفعها نحو الحائط وقال : - عايزة تسيبي حبيبك كده من غير تصبيره.

قالت وهي تدفعه مرة أخري :

- أنت مابتزهقش حرام عليك يا أخي.

أقترب منها وهو يجذبها نحوه بين زراعيه وقال :-- لاء مبزهقش حد يزهق من العسل ده .. يابت لما بزعقلك علس الإسدال عشان لما بتلبسيه بيخليكي جامده والشباب مبتنزلش عينيها من عليكي.

_ طيب أبعد عني وحياة أبوك لحد يشوفنا .

قالتها وهي تدفعه في صدره وهو مازال يعانقها بقوة

_ لاء مش هسيبك غير لما أدوق العسل ....قالها وهو يقترب من شفتيها ).

" مشهد سابق من الحلقة الأولي من صراع الذئاب"


( أقترب منها وهو يضع جبينه علي جبينها وقال :-- مسمحاني يا شوشو ؟

تنهدت ليشعر بأنفاسها التي أستنشقها بعمق فقالت :

- أعمل أي في قلبي الي مهما عملت مبتهونش عليه وبيحبك.

عبدالله وهو يحاوط جذعها بزراعيه :

- قوليلو يحس بنار قلبي الي بيعشق كل حاجة فيكي وقوليلو كمان عشان خاطرك هابطل أي حاجة تضايقك.

- ‏ قالها لينهض وأخذ من فوق الكومود علبة السجائر والقداحة ثم فتح النافذة وألقاهم وأردف :

- ‏تحرم عليا السوجاره لحد ما اموت عشان خاطرك ياروحي.

نهضت لتقترب منه وبنبرة عشق :

- بعد الشر عليك من الموت يا عبده ... ده أنا مقدرش أعيش من غيرك.

فأقترب منها أكثر وهو يحاوط خصرها وقال :

- ولا أنا يا عيون عبده مقدرش أبعد عنك ولا لحظه عارفه ليه ؟.

أجابت بشفتيها الوردية التي ظل محدقاً بهما :

- ليه ياقلب شوشو؟.

فأقترب بشفتيه أمام شفاها وقال هامساً :

- عشان عاشقك.).

" مشهد سابق من الحلقة العاشرة من صراع الذئاب "


.( أتسعت عينيها وتسمرت قدميها عندما رأته يقف أمامها في حالة يرثي لها ... شعره وذقنه كثيفه ... ثيابه غير مهندمة... كادت تغلق الباب في وجهه فقام بمنعها وقال بنبرة رجاء :

- أنا آسف.

صاحت شيماء بنبرة غضب :

- إمشي من هنا مش عايزه أشوفك.

عبدالله :

- عشان خاطر الي في بطنك سامحيني .. أنا مش عارف أعيش من غيرك.

شيماء :

- عارف إن لولا إنه حرام وخايفه من ربنا كنت زماني نزلته من ساعتها لأن خلاص مش عيزاك ولا عايزه حاجه تربطني بيك لأنك إنسان كداب وندل وأخرهم خاين وعمري ما هأمن علي نفسي معاك تاني.

عبدالله :

- أنا فعلا أستاهل كل الي بتقوليه بس جاي وبطلب منك إنك تسامحيني ... إغفر لي للمره الأخيره.

شيماء :

- أطلب المغفره دي من ربنا يمكن يتوب عليك ويتصلح حالك لنفسك ... لكن أنا إنسي يا عبدالله .. إنسي شيماء الي ضيعت من عمرها سنين ومستحمله حرقة الدم والأرف عشانك ...الي ياما إتبهدلت وسمعت تهزيئ وإهانه وذل برضو عشانك ... رخصت نفسي معاك عشان كنت بحبك ... بس للأسف أنا مش رخصتها وبس أنا خسفت بيها الأرض لما أكون عايشه في حضنك وأنت بتروح ترمي نفسك في حضن مرات صاحبك.


عبدالله :

- والله كنت بعمل كده عشانك وعشانك إبننا....

قاطعته بصياح :

- أخرس خالص ... بتخوني وتبيع نفسك عشان أي !.. عشان توصل للفلوس!... يا أخي ملعون أبو الفلوس الي تخيلك تبيع نفسك وتخون أقرب الناس ليك.

عبدالله :

- وأنا جايلك وندمان وعايزك تسامحيني.

شيماء :

- وأنا خلاص بكرهك يا عبدالله وإستحالة أعيش معاك تاني ومش عايزه منك غير إنك تطلقني وكفايه أرف لحد كده.

أقترب منها وأمسك بعضديها وصاح بها :

- وأنا إستحاله أطلقك يا شيماء وعمرك ما هتنسيني طول ما أنا جواكي وشايلة حته مني.

قالها وذهب نحو الباب ليغادر

فصرخت وقالت :

- لو مطلقتنيش هاخلعك يا عبدالله.

ألتفت إليها وحدق بها بنظرات تحدي وقال :

لو قادره إعمليها.).

" مشهد سابق من الحلقة الأخيرة من صراع الذئاب ".


حاول عبدالله يمد يده إليها ويتفوه بصعوبة بالغة : ب .. ب..حب...ك.

توقف القلب عن النبض و ذرفت عينه عبرة أنسدلت جانباً... صعدت روحه إلي بارئها .

وصلت الشرطة في الوقت المتأخر كالعادة وجدوا الشباب بالأسفل يمسكون بالرجل الذي هرب من الشرفة و تم القبض علي طه الذي أخذ السلاح من شيماء وأدعي إنه من قام بإطلاق الرصاصات علي عبدالله دفاعاً عن النفس وشيماء كانت في حالة يرثي لها ما بين صرخات وبكاء وعويل.

____________________________________


_ هدوء يقاطعه أصوات الرياح في ليلة قمرية ، تنسحب الغيوم يميناً ويساراً لتفسح ظهور البدر المنير وحوله تتلألأ النجوم ... منظر خلاب يشعرك بالسعادة والطمأنينة... لكن إذا تمعنا جيداً صوب المكان الذي ينتهي إليه ضوء القمر سوف نجده مكان موحش يرسل إليك الإحساس بالإنقباض والتوجس وحين نقترب منه للغايه نكتشف من هيئته الصخرية المجوفة إنه كهف ... ولنتعمق قليلاً نحو مدخله يقف أمامه مجموعة من رجال الشيخ سويلم وهذا الكهف إحدي أملاكه يستخدمه كمخزن آمن للأسلحة بعيداً عن أعين الشرطة المتربصة لهم كل حين وآخر ... ولربما يكن سجناً للأعداء والخائنين ليتلقو بداخله أسوء وأبشع أنواع العذاب مهما كانت منزلتهم ومكانتهم ... وذلك يطبق الآن علي هذا المكبل بالسلاسل الحديدية حول معصميه... يديه مضمومتان للأعلي وأيضاً قدميه تقيدها تلك الأصفاد المثبتة في الأرض الصخرية ... مازال في غفوته لايشعر بما يحدث له حتي إقترب نحوه رجل ذو جسد ضخم ينعكس ظله عليه ... يمسك بدلو مليئ بماء مثلج وإذا به يسكبه علي رأس هذا المسكين ... الذي أستيقظ بذعر لايعلم ما يحدث له ... فتح عينيه وصاح بزمجرة قوية أهتزت لها الجبال أقرب لزئير ليث جامح وقع في فخ صياد محترف ... أخذ يشهق ويزفر بقوة و يطلق أفظع السباب لهذا الجدار الواقف أمامه كالصنم ... تعالت قهقه ساخرة من خلفه .. تنحي الرجل جانباً.

_ المثل بيقول لايقع إلا الشاطر وعندينا وقع الملك بنفسه ... الله يرحمه أبوك رسلان بيه دفع حياته تمن غباءه.

... تفوه بها الشيخ سويلم بتهكم

تصنع الآخر إبتسامة إستفزازيه بجانب فمه وقال بهدوء عجيب عكس الإعصار الأهوج الموجود بداخله :

- والله يرحمه كان ديماً بيقولي حاسب من الأغبيه.

وبعد وقع كلماته تبدلت ملامح سويلم من التهكم إلي الغضب ليشير إلي الرجل الذي أومأ له وتناول من الجدار سوط غليظ مثل الذي يستخدم قديماً مع العبيد فالضربة الواحدة تعادل ضربات العشرات من السيوف في آن واحد .. ويهوي به علي ظهر قصي العاري .. صاح بأنين مكتوم لايريد أن يظهره أمام هذا الكهل ...بينما لم يستطع أن يخفي إحتقان وجهه وخاصة عينيه بالدماء.. فهو يمقت بشدة أن يظهر ضعفه وآلامه مهما حدث معه حتي إن وصل الأمر إلي الموت ... لكن هيهات وقد بدأ الجحيم الآن .. مازال يتلقي سوطاً تلو الآخر حتي خارت قواه وتصاعدت أنفاسه بلهاث واهن ... فأرتسمت بسمة تشفي علي محيا هذا الشيطان فرفع يده إشارة للرجل قائلاً :

- كفايه عليه إكده ليموت ... وأني ما بريده يموت.

تحمل علي أوجاعه وآلامه التي لايتحملها بشر وقال بصوت محتفظاً بكبريائه وشموخه :

- وأنت فاكر كده إن هاجي لك راكع وأبوس إيدك عشان تسيبني !! .. شكلك لسه متعرفنيش يا سويلم .. أنا الي يقف ف طريقي بيبقي بيحفر قبره بإيدو . . والي زيك خلاص كلها مسألة وقت وهتشرف السجن .

قهقه بسخرية مجيباً عليه :

- لساك فيك روح بتعافر وتتحدث كمان !! .. وفوق إكده غبي .. إلي ماتعرفو إن أنا مش لوحدي وفيه الي رايد يتشفي فيك ويشوفك الحين وأنت بتتعذب وبتتذل وتعرف قيمة أسيادك.

رمقه قصي بنظرة ساخرة تخفي ألماً قاتلاً وكاد يتحدث لكن قاطعه هذا الصوت قائلاً :

- سيبني أنا الي أعرفه.

ألتفت عينيه نحو مصدر الصوت فجحظت بإتساع غير مصدق

قصي : عزيز البحيري !.

___________________________________

_ وبداخل مخزن قديم مليئ بالأخشاب وقطع الخُردة الحديدية يزمجر كنان بقوة ويجز علي أسنانه بألم لم يحتمل.

_ أجمد يا كنان كده ده أنا لسه برحب بيك.

قالها تميم وهو يمسك بمقبض عازل لقطعة حديدية متوهجة كالجمار.

أكمل حديثه الإستفزازي:

_ كان نفسي ومني عيني يكون قصي الكلب ده مكانك بس يلا ملحوقه... زمان أبويا قايم معاه بالواجب وزيادة.

توقف كنان عن الزمجرة وأخذ يلتقط أنفاسه من شدة ألم الحرق في كتفه، فقال:

_ يا ويلك أنت وأبوك من الي هيعملو قصي بيه فيكو... ده غير حساب الحكومة معاكو.

قهقه تميم وهو يقترب منه وقال لرجاله الذين يقفو علي جانبيه بمسافة:

_ ألحقو يا رجالة ده لسه عنده أمل إنهم هايعيشو.

أرتدي قطعة حديدية لها فتحات لأنامله الأربع ويبرز منها سنون حادة، فقام بتسديد لكمة تلو الأخري له... والآخر من شدة اللكمات ودماءه التي تتطاير من فمه أحس وكأن عظام وجنتيه قد تهشمت.

توقف تميم عن اللكمات وأبتعد وهو يخلع تلك القطعة القاتلة وألقي بها جانباً وقال:

_ كفاية إكده لأحسن بدر الأسد بتاعي لو شافك متشلفط بمنظرك ده هيأرف ياكلك.

لم يكن قادر علي التفوه بحرف وكذلك عينيه لايري بهما سوي الضباب.

أطلق تميم ضحكة أخري لكنها مرعبة تعلن عن ما ينوي عليه من شرٍ مُفزع.

_ وأنا ميرضنيش إنه يتأرف... عشان إكده قررت أقدمك ليه زي ما بنعمل في الدبيحة.

أقترب مرة أخري منه وبالقرب من أذنه قال:

_ هسلخك وأنتي حي.

ترقب ملامح كنان وهو يصيح بصعوبة:

_ لو راجل أعملها... أنا الي هسلخك يا إبن ال....

صاح بها وبصق دماء فمه في وجهه، فصرخ تميم بغضب وهو يزيح الدماء من وجهه :

_ الخنجر.

ناوله إحدي رجاله الخنجر ، وكان علي وشك أن يغرزه في صدر كنان، فأوقفه صياح إحدهم:

_ يا تميم بيه.

أطلق زفرة بغضب وهو يغمض عينيه وقال:

_ في أي يا غراب الزفت؟.

أجاب عليه الرجل:

_ سويلم بيه بيبلغك الجماعة وصلو.

_ طيب روح وأنا جاي.

وبعد أن ذهب الرجل قال:

_ هاروح أشوف الحاج و الضيوف وبعدها هاجيلك أسلخك علي رواقه.

_________________________________


_ أيوه عزيز الي حاطه في دماغك من زمان... مرة لما كسرت قلب آدم إبني يوم ماخطفت منه حبيبته، والمرة التانية لما خسرتني فلوسي و شركاتي وبِيعت قصر البحيري وأكتشف بعد كده إنك إشتريته من الراجل الي بيعته ليه ... مكنش أدامي غير حل وحيد وهو أشتغل في تجارة أبويا وجدي الله يرحمهم، وفي خلال زمن قياسي بقيت من أكبر تجار السلاح والفضل يرجع للشيخ سويلم... وعشان مفتحش العين عليا و الجماعة بتوع من أين لك هذا... أكتفيت بالڤيلا وبشركة واحدة ومع الوقت هارجع زي ما كنت عزيز البحيري صاحب أكبر شركات ومصانع لإنتاج الحديد والصلب وكذلك برضو في السلاح... وكان يسعدني إنك تشوف إنجازاتي في التليفزيون والمجالات بس يا خسارة مش هتلحق.

قالها عزيز وكأنه يقدم عرض مسرحي درامي، وأنتظر أن يجيب هذا الذي أُنهكت قواه ويلهث من التعب... لكن فاجئه بضحكة صدح صداها في الأرجاء مما أثار حنق عزيز فخطي نحوه وأوقفه باللكمة قوية جعلت الدماء تتناثر من فمه.

_ ده أخرك يا عزيز! ... أضرب عايزك تضرب علي أد ماتقدر زي ما أبوك ضرب زينب الشغالة زمان!!!!.

هنا أنتفض عزيز وتجمدت أوصاله، فأكمل قصي وهو يحاول أن يتحمل أوجاعه التي تنهش في كل أنحاء جسده وأوصاله التي يشعر بداخلها نيران وكأنها تتمزق حرفياً من الداخل.

_ من ستة وتلاتين سنة أستغليت حبها وضعفها أدامك ولما أمنتك علي نفسها وأستسلمت للوهم بين إيديك جيت أنت بكل قسوة وقلب من حجر إتخليت عنها بعد ما قالتلك إن جواها ثمرة الي أنت زرعته ومش عايز تحصده لأنه زرع مش هيليق بمقامك أنت وعيلة البحيري، راحت ولدته بعيد عن جبروت أبوك وقتها خافت لتخدوه منها وترموها، راحت ولدته في بلدها وهربت تاني لجدها يقتلها وجتلك القصر وأتصدمت لما لاقتك بتتجوز چيهان هانم بنت الحسب والنسب، هددتها ساعتها بأنها ما تقولش لأبوك العيل الي علي إيديها ده يبقي إبنك لأنك مش هاتعترف بيه عشان إبن الخدامة... فضلت صابرة ومستحملة إهانات منك ومن أبوك غير إبنها الي بيكبر في عز أبوه ومحروم منه في نفس الوقت... كان كل يوم ينام ودموعه علي خده لما يلاقي ولادك يجرو عليك وياخدوك بالحضن وهو فاكر إنه ملهوش أب ده غير المعايرات الي كان بيسمعها من الي حواليه... و جه اليوم الي فاض بيها وجت تواجهك يا تعترف بيه يا تقول لمراتك... ضربتها بالقلم وروحت كملت عليها لما قولت لأبوك وراح شتمها وأهانها ومد أيده عليها وكان هيحرمها من إبنها لولا إنها هربت ليلتها، وكانت آخر ليلة إبنها يشوفها ويسمع صوتها وبقي بدل ما كان يتيم الأب وأبوه عايش بقي لطيم فقد أمه.

صمت و جز علي فكه يمنع شهقة بكاءه، فعينيه بدأت تذرف عبراتها رغماً عنه ... أكمل حديثه التي تتمزق له القلوب:

_ ماتت بعد ما خبطتها عربية وصاحبها كان يبقي أرسلان العزازي... دفنها وخد إبنها وكتبه بإسمه وبدل ما كان محمد عزيز البحيري بقي.. قصي آرسلان العزازي.

وكانت الصاعقة لدي عزيز الذي أشار له وقد غر فاهه بصدمة:

- أنت!!!.

وقد إنهارت حصونه التي يحتمي خلفها من الإنهيار في البكاء، صرخ باكياً وكأنه عاد الطفل ذو العشر أعوام عندما فقد والدته:

- عرفت دلوقت ليه بكرهك!... عرفت ليه عايز أخليك تعيش كل لحظة ذُل وإهانة عيشتها ليا أنا وأمي!... المفروض كنت أنت الي تموت وهي تعيش.

- وقبل أن يتفوه عزيز بكلمة قاطعه دخول سويلم وهو يقول:

- ‏كامل ورجالته وصلو ومستنينك برة عشان تستلم منهم البضاعة.

وما إن ذُكر إسم كامل عاد إلي قصي الأمل من جديد وظهر طيف إبتسامة قام بإخفاءها علي الفور. ، أجاب عليه عزيز وهو ينظر إلي قصي في حالة تيه:

- روح أنت يا شيخ سويلم وأنا جاي وراك.

ثم وجه حديثه إلي قصي الذي أصبح في حالة سكون يكافح آلام زراعيه التي تملك منها الخدر.

_ ولو كلامك صحيح... أي الي خلاك ساكت السنين دي كلها ومتجيش تواجهني؟.

قالها عزيز، فأجاب قصي بهدوء:

_ يعني كنت عايش أدام عينيك عشر سنين ومرضتش تعترف بيا تفتكر لو جيت واجهتك زي مابتقول هتاخدني بالحضن وتعلن أدام العالم إني إبنك الي خلفته من الخدامة!!... ولنفترض إنك عملت كده.. أنا ميشرفنيش إنك تكون أبويا وعمري ما هسامحك علي الي عملته في أمي الله يرحمها وفيا.

قالها وبصق جانباً، أقترب منه عزيز وأمسكه من طرف ذقنه و رفع وجهه، حدق في عينيه بنظرة ثاقبة، يتأمل ملامحه التي تجمع مابين قسمات وجهه ويغلب عليها ملامح والدته لاسيما لون عينيها الزيتونية ولون بشرتها البرونزية اللامعة، ولم يغفل تلك القسوة النابعة من نظراته فلربما هذه أكثر الأشياء التي ورثها منه، لكن مهلاً يكمن وراء هذه القسوة قلب حنون... عاشق... طفل صغير يبحث عن حضن والديه.

أطلق تنهيدة عميقة وقال:

_ تعرف أنه بمجرد طلوعي من الكهف... سويلم هيخلص عليك!.

إرتفعت زواية فمه لأعلي وقال بسخرية:

- و ياتري ده بعد ما يتقبض عليكو ولا بعده؟.

وقبل أن يتفوه عزيز بحرف سبقه صوت إطلاق النار بالخارج.

صاح عزيز بتعجب ورهبة وخوف:

- أنت عملت أي؟ وإزاي!!.

أجاب عليه بسخرية:

_ عملت إن كل كلمة قولتها وإعترافك بتجارة السلاح كل ده إتسجلك... ده غير الساعة الي هناك دي.

وأشار بعينيه نحو ساعة يده الملقاه علي الأرض

وأكمل حديثه:

_ الساعة دي فيها جي بي إس... يعني زمان البوليس علي وصول.

_______________________________


_ في سكون الفجر ونسمات الهواء الباردة يدوي من المآذن أصوات تواشيح ما قبل آذان الفجر ...

و ها هو ذاك البناء المظلم الذي هجره سكانه منذ حدوث الجريمة ولا يوجد به سوي الحارس و أحياناً هناك زوار في الخفاء ربما لأمر ما .

وبداخل المنزل ما زالت الأشياء والأثاث المبعثر كما هو حتي بعد معاينات رجال الشرطة وأخذ العينات إلي المعمل الجنائي ... ضوء القمر يتسلل من نافذة الشرفة لينير الردهة ذات المساحة الشاسعة وأرضيتها التي ظهر للتو ظل لشخص ما قد تسلل الآن ... هناك وقع أقدام خافت متجه نحو غرفة النوم وقام بإدارة المقبض بيده المكسوه بقفاز جلدي وبعد دخوله إتجه بكل سرعته إلي الخزانة وفتح ضلفة تلو الأخري باحثاً عن شئ ما مسلطاً ضوء مصباح يدوي علي كل رف ...

وفي آخر ضلفة ظهرت خزنة صغيرة بقفل وشاشة رقمية ... قام بالضغط علي عدة أرقام لينفتح الباب الصغير .

_ أثبت مكانك وأرفع إيدك فوق .

صاح بها الضابط وبرفقته بعض من رجاله وأشرف الوكيل المحامي الذي قال بدهاء ومكر :

_ أصدك ياباشا تقولها إرفعي إيديكي لفوق .

وأقترب من الشخص الملثم لينزع لثامه و غطاء رأسه حتي ظهرت ملامحها المذعورة وخصلات شعرها النارية

وأردف :

- أحب أعرفكو بمدام رانا .

أمر الضابط رجاله بحزم :

- هاتوها .

أخذت تصرخ وهم يقومون بتكبيل يديها بالأصفاد :

لاء لاء معملتش حاجة .. مقتلتوش .. مقتلتوش .

__________________________________________


_ صرخ عزيز بأعلي صوت:

_ سويلم؟.

جاء مهرولاً إليه فأكمل عزيز قائلاً:

- فُك الواد ده حالاً ويلا نمشي من هنا مفيش وقت.

جحظت عينيه بخوف وغضب:

_ كيف حصل ده والطيارة وقعنها وكل الي فيها ماتو!.

صاح عزيز به:

_ مش وقت كيف خالص يلا بلغ كامل والرجالة.

أخرج سويلم سلاح ناري من جيبه وقال:

_ أطلع أنت ليهم وأنا هخلص عليه وهفكه وأرميه للديابة تنهش جتتو.

قالها وقام بتصويب السلاح نحو قصي وقبل أن يضغط داهمته طلقة من سلاح عزيز... أستقرت الرصاصة في ظهره جعلته يقع جاثياً وسلاحه وقع من يده وسلسلة مفاتيح الخاصة بالأصفاد.... أنحني عزيز ليلتقطها وقام بفك قيود قصي وهو يقول:

_ يلا بسرعة أمشي من هنا رجالة كامل وسويلم وإبنه مش هيسيبوك.

بينما و هو يحذر ابنه تلقي رصاصة من سويلم الذي أطلقها و مات علي الفور ... توقف قصي وهو يحاول أن يستوعب ماحدث للتو... أومأ له عزيز وقال:

- أيوه أنا قاسي وظالم وفيا كل العبر و مستهلش أكون أب ليك ولا لأخواتك خصوصاً بعد مايعرفو حقيقتي... بس عمري ما هسمح لحد يقرب من واحد فيكو أو يمس شعرة منكو.

لم يعلم قصي بماذا يجيب عليه.

_ أنت لازم تتنقل للمستشفي؟.

مد يده له بسلاحه و أجاب:

_ أنا خلاص مش هاعيش أد الي عيشته تاني.. أهرب أنت وخد المسدس ده خليه معاك.

وفي تلك الأثناء جاء تميم بعدما ترك كنان في حالة يرثي لها وإذ به يتفاجئ من والده الذي لن يتحمل الرصاصة ومات، فصرخ بحزن وغضب:

- أبويااااااااا.

صرخ عزيز هنا:

- أهرب ياقصي.

أطلق تميم عليهما رصاصات أصابت إحداها عزيز ، فقام قصي بحمايته وإبعاده عن مرمي الطلقات وكان يبادل تميم بالإطلاق أيضاً... أختبأ تميم في تجويف صخري وكذلك قصي في تجويف مماثل له يبعد عنه عدة أمتار قليلة.

_ مش هتطلع من هنا يا إبن العزازي غير وأنت جثة ومحدش هيرحمك مني حتي الحكومة متقدرش تمسك نفر مننا ولا يطلع منهم عسكري سليم.

صاح بها تميم.

_ الموضوع أكبر مني ومنك ومن الحكومة يا تميم... ده أمن بلد ويمكن بلاد... تقدر تقولي السلاح الي بتبيعوه ده لمين وبيعملو بيه أي؟.

قالها قصي... ليجيب عليه تميم:

_ ملناش صالح بالي بياخدوه ده بيهببو به أي... ومتحسسنيش إنك كنت بتبيع سبح وسجاجيد صلاة!.

_ أيوه كنت بتاجر في السلاح بس مش في بلدي وأول ما عرفت الحقيقة الي أنتو خبيتوها أنت وأبوك وكلاوس عليا وقفت تجارته فوراً.

وعندما كان قصي يتحدث تسلل تميم إليه وقال بسخرية وهو يصوب سلاحه أمام رأسه:

- حافظ الشهادتين ولا أقولهملك!.

_ أرمي المسدس الي في إيدك بدل ما أخليك أنا الي تردد الشهادتين.

ألتفت تميم لصاحب هذا الصوت بعدما ألقي بسلاحه علي الأرض وقال:

_مش أنت مصعب الحارس الشخصي لكامل بيه يا جدع أنت؟.

سدد له قصي لكمة قوية في بطنه وقال:

_ مصعب شغال مع الحكومة ومعايا بقاله شهور.

جحظت عينيه من الألم وقال بصعوبة وهو يضع يده علي بطنه واليد الأخري وضعها أسفل جلبابه فأخرج سلاحاً آخر:

_ آه يا ولاد ال........

وكاد يضغط علي سلاحه لكن باغته مصعب بضربة ساحقة في زراعه أوقعت سلاحه الآخر من يده بل وقبض علي تلابيب عباءته وأخذ يلقنه العديد من اللكمات .

_ قصي بيه البوليس في الطريق دلوقت والمفروض إن إحنا نختفي قبل ما رجالة كامل يكتشفو الي حصل وقتها أنا وأنت هانبقي في خطر ده غير الراجل التاني الي معاهم ولغاية دلوقت منعرفهوش.

قالها مصعب، فأشار له قصي نحو عزيز المولي لهما ظهره ويجلس علي الأرض.

ذهب مصعب ليري وجهه حتي أصابته الصدمة:

_ عزيز بيه!!.

بينما قصي أخذ يركل تميم في معدته وفي كل أنحاء جسده:

_ وديتو كنان فين يا ابن ال.....

أجاب تميم بصوت متقطع:

_ م..ش هقو..لك.

ألصق فوهة السلاح في جبهته وصاح بتهديد:

_ أقسم بالله لو مقولتليش كنان فين لهفرغ المسدس ده في دماغك.

أجاب تميم بصعوبة من الألم:

_ في مخزن مهجور ورا الكهف.

أعطي قصي له ضربة قوية برأسه في وجهه ليفقد الآخر وعيه وسقط ... تناول قميصه وسترته ليرتديهما مسرعاً وهو يقول لمصعب التي تعتليه الصدمة :

_ ومستغرب ليه ما أبوه حكيم البحيري كان من أكبر تجار السلاح.

_ ما أنا عارف بس هو كان ديماً ضده في المجال ده وأكتفي أن يمسك له شركات الصلب.

أخذ سلاح تميم وقام بشد أجزاءه وقال:

_ مش وقته بعدين هافهمك كل حاجة... كل الي طلبه منك تشيلو بسرعة وتخرجه من هنا وتاخده في أي عربية وتطلع بيه علي أقرب مستشفي... عقبال ما هادور علي كنان.

رمقه بنظرة إندهاش فتفهم قصي مغزي تلك النظرة فقال ليزيد من تعجبه أكثر:

_ مش هاسيب أبويا يموت.

قالها وأخذ يبحث عن مخرج آخر للكهف حتي وجد شق متسع يتسلل منه ضوء القمر... أقترب بحذر وتفحص ببصره المكان بالخارج ولم يجد أي شخص.

__________________________________

_ وبالخارج يبحث عن ذلك المخزن، فوجد بالفعل بناء علي بُعد عشرة أمتار، يقف علي بوابته رجلين.... ظل يسير في الظلام متجنباً نور القمر الساطع حتي لاينكشف أمره، وعندما وصل تسلل بحذر ممسكاً بالسلاح في يده وكلما وجد رجل أمامه، يشن هجوم عليه بشل حركته وتلقينه ضربة علي رأسه ليفقد وعيه.

و بمجرد دخوله المخزن صاح الرجال بالخارج.

_ الحقو يا رجالة البوليس هجم علينا.

وبدأ تبادل إطلاق النار من كل حدب وصوب... وابل من الرصاصات.

وبداخل المخزن وقعت عينيه علي هذا المقيد والدماء تذرف من وجهه وكتفه، وعلي جانبيه حارسين من رجال تميم.

_ خدو بالكو من الواد ده لحد مانشوف الحوار بره أي.. وإياك حد فيكو يتحرك من مكانه.

قالها رجل ثالث، فأومأ له الحارسان.

لاحت في عقله فكرة... أختبأ خلف مجموعة أخشاب متراصة وفوقها كتل حديدية، فألقي بحجر صغير و أصدر صوت إرتطام شئ ما متعمداً ذلك.

قال الرجل لزميله:

_ روح شوف أي الي بيخبط ده.

أجاب الآخر:

_ لو حد فينا إتحرك من مكانه وجه تميم بيه هيسلخنا بدل الأخ ده.

_ طيب تعالي نروح إحنا الإتنين بسرعة و كده كده هو مربوط ومفهوش نفس حتي يتكلم.

_ فكرة برضو... يلا بينا.

ذهبا معاً وكان قصي ينتظرهما خلف الأخشاب وفي يده عصا من الحديد... وبمجرد أن رأي أحدهما أنزل بالعصا علي رأسه فوقع علي الفور، ولم يتبقي سوي الآخر... وما أن ألتفت خلفه تفاجاء بوجود قصي الذي لم يمهله حتي الإستيعاب فأنزل بالعصا علي رأسه بقوة ليلقي مصير صاحبه.

- وفي الخارج أُضرمت الحرب بشدة وعنف بين رجال الشرطة وبين رجال سويلم ومعهم رجال كلا من كامل وعزيز....

وقف كامل في حماية رجاله يبحث عن مصعب منادياً عليه، فأجابه إحدي رجاله الذي جاء إليه للتو:

_ مصعب يا باشا لاقيته واخد عزيز بيه ودخله العربية ومشي.

صاح كامل بغضب:

_ إزاي يسيبنا في ظروف زي دي ويمشي!.

نظر الرجل إلي كامل بتوتر وقال:

_ واحد من رجالتنا دخل الكهف لقي الشيخ سويلم مات وتميم بيه كان مغمي عليه ولسه فايق وأمر رجالته يدورو معاه علي مصعب وقصي ورجالتنا ورجالة عزيز بيه هم الي في وش الحكومة.

- وبالعودة إلي داخل المخزن... أنتهي قصي من فك قيود كنان وحمله من زراعه علي كتفيه.

_ معلش يا كنان إستحمل... البوليس جه بره وهيقبضو عليهم وهطلع بيك علي المستشفي.

قالها قصي... وعندما وصل لدي البوابة الخلفية للخروج أوقفه صوت مصاحب بصوت طلقات نارية.

_ وقف عندك يا إبن العزازي.

وتوقف بالفعل لكن هنا مرغماً وعلامات وجهه في حالة صدمة، بالأحري نقول هذا تأثير ما يشعر به بسبب إختراق طلقتين إحداهما في كتفه لدي المفصل والأخري في ساقه.

كافح من أجل أن لايسقط تاركاً كنان الذي أجمع ماتبقي لديه من قوة و أخذ السلاح من يد قصي وألتفت إلي تميم وكاد يطلق عليه... فأوقفه صوت الضابط.

_ كله ينزله سلاحه ويرفع إيده لفوق.

- تم القبض علي تميم وكامل وما تبقي من الرجال أحياء، وتم أخذ جثمان الشيخ سويلم إلي المشرحة... بينما قصي وكنان تم نقلهما إلي أقرب مشفي وهناك في إنتظارهما مصعب... بينما عزيز ما زال في العمليات لإخراج الرصاصة من جسده.

__________________________________


_ وفي المخفر ...

تحتضن نفسها بخوف وهي تبكي وتحدق في الفراغ بخوف وكأنها تري شبحاً .

_ أتفضلي يا مدام رانا أشربي عصير الليمون ده و بطلي عياط .

قالها الضابط بأمر حاسم ، أخذت تلتقط أنفاسها بين شهقات البكاء حتي توقفت ونظرت إليه ، تنهد الآخر وقال :

- لآخر مرة هقولك إعترفي لأن عياطك وإنكارك مش هيفيدك .. وجودك في مسرح الجريمة بشكل متخفي ده غير ف....

بتر كلماته طرقات علي الباب و ولج بعدها إحدي رجال الشرطة قام بتأدية التحية ثم وضع علي المكتب جهاز حاسوب محمول و أنحني نحو الضابط ليخبره بهمس أمر ما .

_ تمام .. أتفضل أنت .

أعتدل في جلسته وقام بالضغط علي زر تشغيل فيديو وأدار الحاسوب ليوجهه أمامها ، و ما إن وقعت عينيها علي الفيديو الذي بدأ بالعرض وكان مشهداً حميمياً يجمعها بحازم بداخل غرفة نومه ؛ فصرخت برجاء وهي توصد الحاسوب :

- خلاااااص ... كفاية .

_ لاء مش كفاية لأن فيه فيديو لقيناه مؤخراً في كاميرا كانت في مكان صعب الوصول ليه ولولا فني الكاميرات الي ركبهم قدرنا نوصله مكناش قدرنا نعرف القاتل الحقيقي .. و فضل ياسين الي لبستيه القضية كان محبوس بدالك والله أعلم يتحكم عليه بالإعدام ظلم .

أنتهي من حديثه و قام بفتح الحاسوب للمرة الثانية وضغط علي فيديو آخر يعرض من زواية ثابتة في الردهة مكان مسرح الجريمة ... حازم يعتدي عليها بالضرب وهي تدفعه بقوة و همت بالإبتعاد عنه لتلوذ بالفرار لكنه تمكن من القبض عليها وجذبها بعنف علي الأريكة و صعد أعلاها قابضاً علي نحرها، وبرغم صعوبة التملص منه أفلتت زراعها وتناولت سكين من طبق الفاكهة فوق الطاولة وبكل ما لديها من قوة قامت بغرزها في صدره... أوقف المحقق الفيديو ورمقها بنظرة ثاقبة وقال:

- ها يا مدام رانا؟.. لسه مُصره إنك مقتلتهوش!.

تناولت كوب العصير وأرتشفت منه مايروي ظمآها وقالت بهدوء منافي لحالتها الهيسترية منذ قليل: - أيوه أنا الي قتلت حازم .

وضعت القدح علي المكتب، و ألتقطت أنفاسها مستطردة حديثها وهي تنظر إلي الضابط المحقق بطرف عينيها كل حين والآخر :

_ أنا وحازم عرفنا بعض عن طريق جماعة أصحابنا من ضمنهم روح مراته وكانت ديماً بتتخانق معاه بسبب الغيره.. وفي ليلة كنت واقفة علي الشط لاقيته جه قعد جمبي وكان سكران.. فضل يحكيلي عن مشاكله وإن غيرتها وحبها الزيادة عن اللازم بقي بيخنقوه وفجاءة لاقيته بيعيط ورمي نفسه في حضني و من سوء الحظ مراته جت وشافتنا طبعاً أفتكرت إننا علي علاقة ببعض واتخانقت معاه خناقة كبيرة لدرجة الناس بدأت تتلم علي صوتهم ولما جاب أخره معاها بعد تبريرات ويحلف لها إن مفيش بينا حاجه مد إيده عليها وضربها بالقلم سابته وقررت أنها هتسافر لوحدها لكن هو راح معاها غصب عنها برغم تحذيرتنا ليهم إن الوقت متأخر والطريق وحش ده غير إنه كان سكران ومينفعش يسوق... روح فضلت مصممة علي رأيها ومشيو فعلاً مكملوش ساعتين زمن وعرفنا إنهم عملو حادثة علي الطريق والعربية إتقلبت بيهم هي أغمي عليها وحازم قدر يخرج بصعوبة و لسه كان هيلف الناحيه التانية عشان يخرجها العربية ولعت بيها.

_______________________________

_ ومن بعدها بشهرين كنت بشوفه ديماً بيسهر في نايت قربنا من بعض فترة أتعلقت بيه وأفتكرته بيحبني وهيتجوزني لكن هو مكنتش نيته كده خالص ولما واجهته قالي إنه مبيحبش ولا هيحب واحدة غير روح خاصة شعوره بالذنب إنه سبب موتها ده خلاه متعلق بيها أكتر حتي وهي ميته... كل واحد راح لحاله بس كنا متابعين أخبار بعض من بعيد لبعيد لحد ما أتقابلنا تاني في حفلة كانت عملاها الشركة الأم للفرع الي أنا بشتغل فيه وقعدنا ندردش مع بعض و عرف إني متعلقة بياسين البحيري ومش قادرة أخليه يحبني زي مابحبه ... عرفت بعد كده إنه منجذب لمرات ياسين و علي حسب كلامه إنها شبه روح جداً وده الي شده ليها ومش فارق معاه إنها مرات ياسين صاحبه وصاحب أخوه الكبير هيثم.

صمتت ثم ألتقطت كأس ماء أخري وظلت ترتشف منها حتي أنتهت وتركتها فارغة لتكمل حديثها:

_ اليوم الي راح فيه ياسين لحازم في الشركة وهددو بعد ما بعت له صور حازم وهو شايل مراته كان مغمي عليها ونقلها للمستشفي ... حازم أتصل عليا وقالي أنه جايلي بس أنا خوفت ليعملي مشاكل وفضايح روحتله فضلت أقنعه مش أنا الي ورا الموضوع ده لحد ماصدق أو أنا الي أوهمت نفسي بكده ... عزم عليا بعدها نشرب كاسين وأبتدي وصلة الفضفضة بتاعته عن حبه لروح وأد أي إنه مش قادر ينساها وكاس ورا التاني محستش بنفسي غير تاني يوم لما صحيت....

- صمتت وهي تنظر لأسفل بندم وأردفت:

_ لاقيتني نايمه جمبه في أوضة نومه... قومت مفزوعة من المصيبة الي حصلت... لبست هدومي بسرعة قبل مايصحي ومشيت علي طول... فضلت في بيتي مبخرجش ولا بروح الشركة لحد ما لاقيت ياسين كلمني وطلب يقابلني ولما روحتله المطعم ساومني إن أجبله ملف مشروع ماسكه حازم تبع الشركة غير إنه هددني كمان لو مابعدتش عنه وعن مراته هيفضحني بالفيديو الي حضرتك شغلته من شوية ... أتصدمت مكنتش أعرف إن حازم حاطط كاميرات في أوضة نومه ومعني أن وصل الفيديو لياسين دي حركة مقصودة من حازم..كأنه عايز يقولي مش أنا الي يتضحك عليا وتلعبي عليه ويصدقك.

أعتدل المحقق في جلسته وسألها بنبرة جدية:

- و المقابلة دي كانت طبعا يوم ما حصلت الجريمة؟ .

أومأت وأجابت:

- اه ... ياسين سابني ومشي... مش عارفه أيه الي خلاني أخدت المج الي كان بيشرب فيه يمكن عشان ريحة البرفيم بتاعته فيه... خبيته في شنطتي ومشيت علي طول... ركبت تاكسي و أنا في الطريق جه في دماغي مليون سناريو وحوار ولا واحد منها توقعت إن دي هتبقي النهاية.

صمتت للمرة الثالثة وهنا أجهشت بالبكاء... فأمسك المحقق بمحرمة ورقية و هو يعطيها لها قال:

- إهدي يا مدام رانا وكملي أنا سامعك.

_ أخذت تجفف عبراتها و أنفها محتقنة من البكاء... أخذت تتنفس رويداً حتي هدأت قليلاً وأكملت حديثها وكأنها تري ماحدث أمام عينيها مرة أخري...


_ ولجت إلي الداخل بعدما فتح لها الباب و هو في حالة مزرية من الثمالة.. و قال بسخرية:

- .شكلي وحشتك من ساعة المرة الي فاتت.

تقدمت نحوه وقالت باللهجة شديدة الغضب:

_ هنتظر أي من واحد زيك وقح وزبالة وبتاع نسوان وخمرة .

قهقه بصوت مرتفع بطريقة إستفزازية... وهو يلتقط سيجارة من العلبة ويشعلها بالقداحة خاصته ليسحب منها نفساً عميقاً ثم زفره في الهواء وقال:

- ده مين دي الي بتتكلم!!.. رانا خطافة الرجالة ولا مدام رانا الي كانت في سريري من كام يوم!!.

أسلوب حديثه وتعابير وجهه كانت كفيلة بإثارة أغوارها مثل رياح عاتية مرت علي جمار خامدة لتصبح جمرات آتية من قاع جهنم ... تقدمت نحوه رافعة كفها لأعلي علي أهبة الإستعداد بأن تهوي علي وجهه بصفعة قوية... لكن هيهات فقبضته كانت أسرع من كفها الذي علي وشك أن ينسحق في يده... صاح بنبرة مرعبة أفزعتها:

- أقسم بالله لو طرف صباعك بس كان لمس وشي كنت دفنتك مكانك... فوءي يا حلوة وأعرفي أنتي بتتعملي مع مين... أنا حازم عزالدين والي زيك بالنسبة لي حتة حشرة يوم ماتفكر تيجي ناحيتي أفعصها برجلي .. وأديكي جربتي.

كان يتحدث ويقبض علي ساعديها ثم ترك إحداهما وربت علي وجنتها وهو يقول بنبرة تهكمية:

- بس أي رأيك في الفيديو.. كنت جامد صح؟.

جذبت ساعدها من قبضته ثم بصقت في وجهه وقالت:

- أنت مريض نفسي وروح كان ليها حق متثقش فيك لأنك و...... و حيوان وملكش أمان... ربنا رحمها منك ومن العيشه معاك.

تعلم جيداً ذِكر إسمها يضرم في صدره نيران متصاعدة من قلب بركان مُنفجر... وبالفعل ما أن أنتهت من كلماتها لم يمهلها بالإبتعاد... أخذ يلقنها صفعة تلو الأخري بل و قبض علي نحرها وألقي بها علي الأريكة بعنف وهي تشهق بصعوبة وتشعر بالإختناق.

_ أنا هوريكي الحيوان الو..... دلوقتي... هريحيك زي ما أرتاحت... الي زيك لازم تموت... لازم تموت.

كان يتفوه بحقد وغِل وهو يجز علي فكه ويزيد من قبضته علي عنقها ... شعرت بإنقطاع الهواء عن رئتيها و وجهها شديد الإحمرار... ظلت تقاومه بكل ما لديها من قوة واهنة لكن لم تستطع إزاحة يديه عن عنقها ولو بقدر إنش واحد ... وقبل أن تستسلم للموت الوشيك لمحت سكين صغير بالقرب من يدها أعلي المنضدة... مدت زراعها حتي تمكنت من إلتقاطها وقامت بغرزها في صدره بقوة لتستقر في موضع قلبه بل بالفعل أخترقت قلبه، أصدر صوت خوار وكانت أنفاسه الأخيرة وهو يسقط من فوقها علي الأرض.

أرتعبت مما أقترفته يدها وأخذت تصرخ بجنون:

- يالهوي.. يالهوي..ده مات.. أنا قتلته.

أنحنت نحوه وتلمست عنقه لدي العرق النابض فأيقنت إنه قد لفظ أنفاسه ... نهضت وهي تتلفت باحثة عن حقيبتها أخرجت منها محرمة و قامت بمسح أي آثار لبصماتها وقبل أن تغلق الحقيبة لمحت الكأس الزجاجية .. لاحت في ذهنها فكرة... أخذت الكأس بالمحرمة متجنبة ملامسته وتركته فوق المنضدة فظهرت علي شفاها شبه إبتسامة قائلة:

- معلش يا ياسين أنت الي بدأت.

(عودة للزمن الحالي )

تنهد الضابط وأعتدل في جلسته موجهاً حديثه إلي كاتب التحقيق:

- أكتب عندك... وبعد الإستماع إلي إعترافات المفصلة للمتهمة رانا رؤوف الحلواني بعد مواجهتها بالأدلة، قد قررنا نحن سامر عبدالرحمن الجندي بإحالة المتهمة إلي سراي النيابة العامة والإفراج عن ياسين عزيز حكيم البحيري إذا لم يكن مطالب في قضايا أخري .

 الفصل الثاني والثلاثون من هنا

تعليقات



×