رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل التاسع والعشرون
بناء على رغبة القراء هنحط في بداية كل فصل كل عيلة بولادها عشان الناس اللي لسه بتتلغبط
جاسر ورؤي أبطال الأجزاء اللي فاتت عندهم 6 أولاد رعد وجوري أول تؤام
يوسف ومريم تاني تؤام
سليم وياسين آخر تؤام
----------------
نرمين أخت جاسر اللي جاسر كان بينتقم من صبري وبنته شاهندا عشانها
نرمين وياسر جوزها عندهم 2
( جاسر الكبير 29 سنة دكتور نفسي
اريج في 2 كلية طب )
ياسر كان ليه بنت من مراته اللي ماتت قبل ما يتجوز نرمين اسمها سما جوزها اسمه مصطفى
______________
عاصم أخو رؤي خال العيال اللي كان بيحب تهاني واتجوز حلم في الجزء التاني عنده ولدين
حسين الكبير مهندس ، مراد الصغير في ثانوية عامة ساقط سنة
_____________
رؤى كان ليها جيران أخ وأخت ساكنين سوا اللي هما عمرو وايمان
ايمان اتجوزت علي صاحب جاسر وعندها شريف الكبير ظابط شرطة ، وليان الصغيرة المدلوقة على الجاموسة جواد
_________
أما عمرو فاتجوز روان بنت صاحب الشركة اللي كان شغال فيها وخلف ولد وبنت
جواد جاموسة متنقلة مهندس ديكور
ومرام دلوعة ماما 22 سنة في كلية إعلام ومخطوبة لشريف ابن عمتها
_______
فاضل طرب وملاك ، ومليكة وتوحة وكل الناس دي هنعرف اصلهم وفصلهم فيما بعد
لما تتلغبط اطلع بص هنا وكمل الفصل عادي
نبدأ الفصل❤
___________
الساعة الرابعة والنصف عصرا حين عادت من جامعتها ، دست المفتاح الخاص بها في قفل الباب ، دخلت تلقي حقيبتها على أحد المقاعد تحركت صوب غرفتها ليستوقفها صوت بكاء زينب توسعت حدقتاها ذعرا تهرع إلى غرفتها ظنا أن مكروها أصابها ، فتحت باب الغرفة لترى زينب تجلس على سطح الفراش تطوي ساقيها أمامها تبكي ، اقتربت منها سريعا تسألها قلقة :
- مالك يا زينب بتعيطي ليه يا حبيبتي ، حد ضايقك ، ما تنطقي يا زينب ما ترعبنيش عليكِ يا بنتي
رفعت زينب وجهها تنظر إلى مليكة عدة لحظات قبل أن تشهق عاليا ترتمي بين أحضانها تتمتم من بين شهقتها :
- كلمني بأسلوب وحش أوي وطردني يا مليكة وأنا والله ما عملتوش حاجة
قطبت مليكة جبينها غاضبة لا تعلم من فعل ذلك ولكنه بكل تأكيد شخص يستحق بتر رقبته
أبعدت زينب عنها تمسح دموعها مرة بعد أخرى أسألها محتدة :
- بطلي عياط يا زينب مين اللي عمل كدة وأنتِ ازاي تسمحيله يعمل كدة
احتاجت زينب بضع دقائق حتى هدأت قليلا تنفست بعمق قبل أن تقص عليها ما حدث صباح اليوم مع شريف ، انعقد حاجبي مليكة غضبا كيف تسمح له بأن يتجاوز حده ، كيف لم تصفعه ذلك الوغد الوقح زفرت أنفاسها بعنف تحادثها محتدة :
- وأنتِ إزاي ما تهزقيهوش ولا تلطشيه قلم يعلم على خلقته ، إزاي سيبتيه يكلمك بالأسلوب دا يا زينب ، أنتِ مش شغالة عنده وحتى لو شغالة عنده مش من حقه يكلمك بالطريقة دي ولا يطردك ، وأنتِ بعبطك عيطتي ومشيتي ، عارفة لو أنا كنت كسرتله رجله التانية
رفعت زينب يديها تمسح دموعها ابتلعت غصتها تهمس بنبرة مختنقة :
- أنا اتصدمت من رد فعله وأنا ما عملتوش حاجة من صدمتي عيطت وطلعت اجري ، بس بصراحة مامته اعتذرولي كتير أوي ، وفضلوا يقولولي ان حالته النفسية وحشة جداا من ساعة ما حصله الحادثة
ابتسمت مليكة ساخرة تكتف ذراعيها أمامها تتهكم منه :
- يا كاميلا حالته النفسية وحشة ، نديله رقم جاسر يعالجه ما يقرفناش الواحد فيه اللي مكفيه خلقة مش ناقصة هرمونات هي
ضحكت زينب بخفة على ردود أفعال مليكة التي دوما ما تكن عجيبة ، في حين ابتسمت مليكة صدمتها على ذراعها الأيمن تحادثها :
- انشفي كدة يا بنتي ، هتعيطي مع كل كلمة هيجيلك جفاف ، المرة الجاية تمسكي الكرسي تفتحي دماغه بيه ، يلا أنا هقوم اعملنا الغدا
قامت من مكانها لتعود الجلوس من جديد حمحمت تحاول ألا تبدو متوترة :
- صحيح هما أريچ ودكتور جاسر ما ظهورش من امبارح ، أصلي ما شوفتش العربية بتاعته تحت
حركت زينب رأسها للجانبين تبتسم لها عابثة لتزفر مليكة أنفاسها بعنف تردف حانقة :
- ما تبصليش كدة يا زفتة دول جيرانا وأنا بسأل عادي
ضحكت زينب تحرك رأسها بالإيجاب تمتم من بين ضحكاتها :
- ايوة جيرانا طبعا ، أنتِ هتقوليلي ... جيرانا حلوين أوي و Sweet talker وطول بعرض ، عرفاهم جيرانا دول
ضيقت مليكة حدقتيها غيظا لتتحرك لخارج الغرفة ، ارتسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة شاردة حين مر طيف جاسر أمام عينيها !
____________
توقفت سيارة رعد إمام باب منزلهم نزل هو ووالده ، توجها للداخل لتهرع كاملا إليهم كادت أن تسألهم مذعورة كيف لم يفوزا بالمناقصة ولكنها أن فعلت ، جاسر سيشك بها فكيف ستعلم ولا أحد من أهل البيت يعلم إلى الآن
اقتربت منهم تسأل بابتسامة مرتعشة :
- أخبار المناقصة ايه ؟
لاحت على شفتي جاسر ابتسامة صغيرة يردف بهدوء :
- خيرها في غيرها يا مدام كاملا مش من نصيبي
نظر رعد لأبيه متضايقا كان بإمكانهم الحصول على المناقصة ولكنه رفض ، نظر إلى كاملا يسألها :
- هي طرب فين يا طنط
ابتسمت كاملا له تشير صوب المطبخ تردف :
- من ساعة ما صحيت وهي في المطبخ ، مش عارفة بتعمل ايه ووالدتك غلبت معاها تخرج والبنات هيعملوا مكانها وهي رافضة
قطب جبينه للحظات قبل أن يستأذن منهم تحرك صوب المطبخ ، نظر جاسر إلى كاملا يحادثها بابتسامة صغيرة :
- مدام كاملا ، أنا محتاج حضرتك في المكتب خمس دقايق
اضطربت حدقتي كاملا قلقا تومأ برأسها تحركت خلف جاسر إلى غرفة مكتبه قبل أن يصفع جاسر الباب عليهم من الداخل !
في المطبخ ، تحرك رعد بخفة يقترب من طرب رآها تزين عدة كعكات صغيرة وقف خلفها يطوي ذراعيه يشاهدها وهي تغلفهم جيدا ابتسم يقترب ألتقط إحداها يزيل عنها الغلاف لتشهق طرب نظرت خلفها سريعا لتراه يقف راقبت عينيها عن كثب رد فعله وهو يتناول كعكتها الصغيرة ، همهم رعد ما أن انتهى يعطيها ابتسامة كبيرة يردف يشجعها :
- دي أحلى حاجة أنا كلتها في حياتي ، أنا متأكد أن الموظفين هيتخانقوا عليهم
شقت شفتيها ابتسامة كبيرة تصفق بيها سعيدة قبل أن تنطق بحرف سمعوا صوت جاسر وهو يصيح بعلو صوته :
- إنتِ عايشة في بيتي وسط أهلي في حمايتي ويكون جزاتي الخيانة يا كاملا هانم
توسعت حدقتي طرب ورعد معها في ذهول ، قبل أن يتدافعا للخارج ... هرعت طرب تقف جوار كاملا تنظر تسأله متوترة :
- هو في اي ، ايه اللي بيحصل ، خيانة ايه يا ماما
تحرك رعد صوب أبيه يسأله مدهوشا :
- خيانة ايه يا بابا ، أنا مش فاهم حاجة
اقترب جاسر بخطواته من كاملا يفتح ذراعيه على اتساعهما يغمغم ساخرا :
- كاملا هانم حماتك بتخون القهوة بوضع السكر
ومن ثم ضحك عاليا رفع يده يربت على كتف رعد يردف ضاحكا :
- ايه يا جماعة في ايه متنحين كدة ليه ، دا أنا كنت بهزر مع مدام كاملا
ابتسمت كاملا في هدوء في حين اضطربت نظرات طرب قلقًا ، تلك الكلمات لا يمكن أن يُقصد بها الدعابة أو المزاح ما الذي حدث بين والدته وجاسر مهران حتى يقول ذلك ومن ثم يضحك يدعي المزاح ، قاطع ما يحدث أجمع صوت أحد ما يصفر نظروا جميعا للسلم ليجدوا مراد ينزل السلم يمسك بيد مريم التي تحاول إفلات يدها من يده تنظر لهم مرتبكة ، أما هو فيغني بصوت خشن مزعج :
- نازلة السلالم يا ما شاء الله عليها ست العرايس والعريس في ايديها
احتدت عيني جاسر غضبا ليمد يده سريعا إلى طوق سرواله كان ينزعه في لحظة يتحرك صوب مراد يغمغم يتوعده :
- عريس دا أنا هخليك العروسة بعد اللي هعمله فيك ، سيب أيد البت يلا
نظر مراد إلى مريم أمسك بكف يدها يتوسلها سريعا :
- خلي بالك من العيال يا بهانة ، قوليلهم ابوكوا استشهد في سبيل الحب
وهرع يركض هنا وهناك وجاسر خلفه يتوعده بشنقه بالطوق في يده تتعالى ضحكات الجميع عدا طرب !
_________
مر الأسبوع سريعا الآن نحن في نهايته صباحا تحديدا في منزل عمرو
هناك في غرفة جواد ، يجلس هناك أرضا جوار شرفته يتطلع للخارج الصباح بات مثل المساء لا فارق بينهما ، بعد أن اختفى النور وماتت نور ، لا يعرف حتى إن كان حيا أم أنه فقط يحتضر ببطئ ، الطعام يدخل إلى فمه فلا يشعر به بما يحدث ، لا يسمع سوى صوت شقيقته وهي تتوسله أن يأكل ليظل حيا ، وكأن فعلا لازال حيا ، تحركت عينيه الشاردة التائهة إلى مرام شقيقته وهي تقرب من فمه كوب الماء تهمس تترجاه :
- عشان خاطري يا جواد اشرب بوق واحد حتى
كدة هتموت يا حبيبي
تحركت عينيه على وجهها للحظات شعر أنه لا يعرفها ، لا يعرف حتى من هو ... الألم الذي يشعر به الآن يشطر عقله إلى اجزاء صغيرة مفتتة ، ارتسمت إبتسامة واهنة على شفتيه يهمس بنبرة شاردة تائهة :
- غريبة أوي الدنيا في لحظة تديك كل حاجة ، وفي لحظة تاخد كل حاجة ، كانت خدت كل حاجة وسبتهالي ... أنا وحش يا مرام أنا عارف إني وحش ، وحش اوووي ... بس هي مالهاش ذنب ، هي غلبانة والله ، أنتِ عارفة أن عيد ميلادها بكرة هتم العشرين وهي في قبرها ، طب أنا ليه ما اتعاقبش أنا مش هي ... كنت موت أنا وعاشت هي ، أنا قولتلها كلام وحش أوي يا مرام ، كنت فاكرها بتخوني ، تفتكري هي مسمحاني عليه ، يا مرام دي كانت اتكلمت كنت سمعت صوتها بعد عذاب دلوقتي مش هسمعه تاني خالص ، راحت آخر نقطة نور في حياتي وسابتني في الضلمة ، اقولك على سر أنا بخاف من الضلمة أوي من زمان بحس إني هتخنق وروحي هتطلع لو كنت في الضلمة ،
لم يسيطر على سيل الدموع الذي ينهمر من عينيه ولا هي أيضا جذبته تعانقه برفق وهو تمسك بها كالطفل الصغير ظل يبكي كثيرا ، وهي تحاول أن تهدئه كما لو كان طفلا ، إلى أن استجاب وهدأ قليلا فقط ابعدته عنها ببطئ تبتسم في وجهه مدت يدها تمسح الدموع عن وجهه تهمس مترفقة :
- جواد ، دا عمرها وجودها أو مع غيرك كانت بردوا هتموت في الوقت دا ... يمكن وجودها معاك والتعب اللي أنت فيه دلوقتي يكون درس صعب ليك ، وفرصة تغير طريقك ...جواد أنا وأنت عارفين إنت عملت مصايب وبلاوي لا تعد ، أنا عارفة ان قلبك محروق ، وما اقدرش اقولك ما تزعلش بس بالطريقة دي أنت هتتجنن يا حبيبي بعد الشر طبعا ، أنا جنبك ومش هسيبك لحد ما تقوم تاني ، ونبدأ أنا وأنت من أول وجديد ... تعرف أن أنا واحشني شريف أوي ، تعرف أن أنا بحس بقلبي بيتحرق ألف مرة لما بفتكر الكلام اللي كنت بقوله ليه ، سيبته في أهم وقت هو كان محتاج أيد بس تطبطب عليه ، شريف عمره ما طلب مني غير حبي ليه ، وأنا قصاد دا طلبت كتير كنت شخص أناني ما بيشوفش غير نفسه ، أنا خسرت شريف زي ما إنت خسرت نور ، أنا مش متخيلة اللحظة اللي هشوف فيها شريف لواحدة غيري ، جوازي من شداد مصلحة بينه وبين عمرو باشا ، أنا واثقة أنه هيطلقني في اقرب وقت ، أنا وأنت منبوذين من الدنيا كلها يا جواد بسبب الأنانية والجحود اللي كان عندي وعندك
ومن ثم ضمت قدميها إليها تحتضنهم نزلت قطرات دموعها تهمس متألمة :
- أنا بردوا ما عنديش صحاب يا جواد ، أنا عيشت حياة وهمية فيك بين اللايكات واللايفات ، والصور ... ولما جيت دورت في الحقيقة لقيت أن الإنسان الوحيد اللي كان بيحبني بجد أنا طردته برة حياتي
نظر جواد لشقيقته حزينا على حالها كما حاله ، هو أكثر من يعرف شريف ، شريف لن يسامح ولن يعود أبدا ... مد ذراعه يلفها حول كتفي مرام يجذبها ليحط رأسها على صدره يعانقه يحاول أن يواسيها بنبرة تقطر ألما وأعين تفيض بالدموع :
- ما تعيطيش يا مرام ، أنا جنبك وأنتي جنبي
أنا وأنتي هنتغير وهنبقى أحسن ، وهنبقى أصحاب ، على فكرة عايز اقولك انك لولا وجودك جنبي الأيام اللي فاتت أنا كنت موت من الحزن والألم ، ما تعيطيش كل حاجة هتتغير وهتبقى كويسة ، أنا مش هخلي شداد دا ياخدك تاني ... مش هخلي أي حد يبعدك تاني أبدا ، عشان خاطري بطلي عياط ، طب بطلي عياط وأنا هاكل
رفعت مرام رأسها تنظر لوجه شقيقها الذي يصرخ بالألم والدموع تغرقه رفعت يدها تمسح دموعها بقوة ترسم ابتسامة شاحبة على شفتيها تحادثه :
مش بعيط اهو بس كل ، ما تعيطتش أنت كمان عشان خاطري
ارتسمت إبتسامة باهتة على شفتيه بصعوبة قبل أن يرفع كفيه يمسح دموعه هو الآخر للحظة فقط قبل أن يرتمي بين أحضانه يتمسك بها يصرخ من الألم يتوسلها باكيا :
- ما تسبنيش يا مرام ، ما تبعديش عني ... أنا ماليش في الدنيا غيرك
_____________
في شركة عمرو
يجلس خلف مكتبه يخفي وجهه بين كفيه يشعر بالألم الشديد ينخر قلبه ، ارتسمت إبتسامة ساخرة على شفتيه كلما حاول إصلاح علاقته بولديه فشل أكثر بشكل مروع ، ولكن ما يثلج قلبه قليلا الذي يحترق على ما يحدث ، هو تغير مرام ... الفتاة عادت وكأنها أخرى لا يعرفها لا تفارق جواد تهون عليه افضل من الجميع ، جواد لا يسمح لا له ولا لوالدته بالاقتراب منه حتى لمواساته أو التخفيف عنه يحملهم ذنب قتلها ولما قد يقتل زوجة ولده ، هو كان يخطط لإبعادها ولكن وهي حية ، زفر أنفاسه بعنف حين دق الباب ودخل مساعدته :
- مستر عمرو ، آنسة ليان بنت أخت حضرتك مستنية برة
أشار لها بالخروج ودخلت ليان تبدو متوترة ولا يلومها ، قضى ساعة كاملة يحاول إقناع ايمان بأن تقنع ليان بأن تأتي له ، أشار إلى المقعد المجاور لمكتبه ابتسم يحادثها :
- اقعدي يا حبيبتي ، أنا عايز اتكلم معاكي ، مامتك قالتلي أنك ما كنتيش راضية تيجي وعندك حق أنك تتبري مننا كلنا
جلست ليان تحرك ساقها اليسرى بعنف متوترة لم تكن تود المجئ ولكن والدتها ظلت تلح بلا توقف إلى أن أتت مرغمة ، نظرت صوب خالها لتراه حزينا عينيه حمراء وجهه مجهد متعب ، رسم إبتسامة صغيرة على شفتيه يحادثها مترفقا :
- أنا شوفت التصميمات بتاعتك اللي عملتيها لما كنتي شغالة مع جواد وحقيقي عجبتني أوي ، أنا من قريب فتحت قسم في الشركة مسؤول عن هندسة الديكور ، بعيد عن مكتب جواد تماما مستحيل هتشوفي خلقته ، وعايزك تشتغلي معايا هنا في الشركة تبع القسم دا، جربي يوم واتنين ما عجبكيش ما تكمليش ما حدش هيغصبك على حاجة يا ليان قولتي ايه يا حبيبتي
أرادت أن ترفض وبشدة بالطبع سترى جواد بشكل أو بآخر وهي لا ترغب في رؤية وجهه لآخر أيام حياتها ، قاطع أفكارها جملة عمرو حين قال :
- على فكرة يا ليان ، نور تعيش إنتِ .. اماندا قتلتها وجواد ما بقتش عارف هو عايش ولا تايه في دنيا تانية ... يعني مستحيل هتشوفيه ولو حصل وشوفتيه هيصعب عليكِ صدقيني
دق قلبها بقوة مما سمعت ، نور الصغيرة ماتت !! وجواد يحتضر ألما ، تذكرت دعوتها التي دعت عليه بها في مكتبه ، أيعقل أنها استجابت وهو الآن يتذوق أضعاف الألم ، رفعت وجهها إلى خالها تومأ برأسها موافقة ، ليرفع عمرو سماعة هاتف مكتبه يطلب من مساعدته :
- ابعتيلي باشمهندس شهاب على مكتبي حالا
شهاب !! أيعقل أنه هو ، أم أنه فقط تشابه في الأسماء لا أكثر ... لحظات ودُق الباب ودخل ، رفعت وجهها لتتأكد من فرضيتها فتوسعت حدقتاها حين رأت شهاب نفسه ، أعطاها إبتسامة صغيرة قبل أن يوجه حديثه لعمرو :
- خير يا عمرو بيه ؟ حضرتك طلبتي
ابتسم عمرو يشير إلى شهاب يعرف ليان به :
- ليان دا باشمهندس شهاب المسؤول عن قسم مهندسي الديكور ، شهاب ليان هتشتغل معانا من النهاردة هي شاطرة ومش محتاجة تدريب ، تقدر تديها الشغل مباشرة
نظر شهاب صوب ليان يعطيها ابتسامة هادئة يومأ برأسه قبل أن يحادثها :
- آه طبعا أكيد ، اتفضلي معايا يا آنسة ليان أعرفك على مكتبك
ارتكبت لم تكن تتوقع أبدا أن ترى شهاب هنا ، حركت رأسها وقامت تشد يديها على حقيبتها تتحرك مجاورة له في طرقات الشركة ، قبل أن يقف فجاءة التفت برأسه إليها نظر إليها مطولا ومن ثم ابتسم يحادثها :
- أنا مبسوط أنك كويسة دلوقتي ، ومبسوط أكتر أننا هنشتغل مع بعض ، اتفضلي معايا أعرفك مكتبك فين
ابتسمت متوترة تومأ برأسها تحركت جواره بضع خطوات قبل أن تقف فجاءة تسأله:
- إنت ليه سيبت الشغل مع جواد
رفع كتفيه لأعلى ابتسم يردف ببساطة :
- عشان ربنا يرزقني بشغل أحسن منه هنا ، ربنا بيسبب الأسباب يا ليان ، يلا عشان عندنا شغل ، خدي بالك أنا مدير رخم بس مش أوي يعني
وضحك في نهاية كلامه لتعطيه ابتسامة صغيرة تومأ برأسها تسير جواره يكاد قلبه يطير فرحا ، سيريها في الأيام القادمة أنه النقيض من ذلك المتعجرف المغرور صاحب ريش الطاووس
____________
الحياة تصبح أكثر سهولة حين تصبح مالكًا لمستشفى كبيرة بها العديد من التخصصات في ذلك الطابق ستجد أغلب عائلة مهران تقف خارجا عدا طرب وملاك في داخل تلك الغرفة المقابلة لهم ، جاسر مع الطبيب المعالج الذي سيجري الجراحة لها بعد قليل ، كاملا تجلس أمام غرفة ابنتها تدعو لها ترتجف خوفا ، رعد يجلس جوارها يحاول التهوين عنها ، مريم خافت من أن يحدث الأسوء فلم تأتِ تتابعهم بالهاتف كل لحظة هي ورؤى ، أما هو فيقف أمام الغرفة يستند إلى عكاز يتحرك ذهابا وإيابا ، اليوم سيجرون لها الجراحة حاول الجميع إثناءه عن الحضور ولكنه أصر لم يكن ليتركها اليوم تحديدا ، وقف خارج الغرفة التي تستعد فيها قبل إجراء الجراحة ، أراد رؤياها وهو ليس بالمتردد الخجول ، دق الباب فتحت له طرب ابتسم لها يردف :
- لو سمحتي أنا عاوز اشوف ملاك قبل ما تدخل عمليات
التفتت برأسها تنظر لملاك قبل أن تعاود النظر ليوسف ، لا تفهم ما أبعاد العلاقة بينهما لم تسأل شقيقتها طوال الأسبوع الماضي لم ترغب في أن توترها قبل الجراحة ، تنهدت تومأ برأسها .. أفسحت له ليدخل ، توترت ملاك حين رأته في حين التفت هو لطرب يطلب منها :
- معلش يا طرب اخرجي خمس دقايق
الوقح !! لم تكن تعرف أن يوسف بتلك الوقاحة توسعت حدقتي طرب أثر وقاحة الشاب الجالس أمامها تأففت تتحرك لخارج الغرفة ستخبر رعد عن شقيقه الوقح ، أما هو فجذب أقرب مقعد يجلس فوقه يشعر بالتعب الشديد يجتاح كل ذرة فيه ، رسم إبتسامة صغيرة على شفتيه يحرك عينيه على قسمات وجهها يستطيع أن يرى كم هي خائفة مرتعبة من الخطوة القادمة ، مد يده يمسك بكف يدها يشعر به يرتجف بعنف ابتسم يحاول أن يمازحها :
- عارفة لو جاسر باشا مهران دخل دلوقتي وشافني وأنا ماسك ايدك ، هينقلوني أوضة العمليات اللي جنبك
حاولت أن تضحك على مزحته ولكنها كانت خائفة حد الارتعاد ، ارتسمت إبتسامة مرتعشة على شفتيها ... تنهد هو بعمق يحادثها مترفقا يشجعها :
- مرعوبة أنا عارف وحقك ، بس بصي للمستقبل بعد ما تخرجي من أوضة العمليات وتقفي على رجليكِ ونعمل حفلة خطوبتنا ، ونخرج و نروح كل مكان نتفسح ونجري ، وحتى بعد الشر لو العملية ما نجحتش مع إن الدكتور طمنا وقال إن نجاح العملية مضمونة أن شاء الله ، بردوا هنعمل حفلة خطوبتنا وبردوا هنخرج ونتفسح ونجري ، أنا بحب ملاك بكل حالاتها وهستناها ترجعلي بالسلامة ، ماشي يا ملاك !
ارتجف نابضها مع كل كلمة يقولها ، لم تكن تظن أبدا أن يوسف سيحبها ولتلك الدرجة لأول مرة منذ مدة طويلة تشعر بالسعادة ، لا تشعر بالخوف على الرغم من أنها على وشك خوض جراحة دقيقة ولكن الحماس غذاه تلك الصورة الحالمة التي رسمها أمام عينيها الآن ، ابتسمت تحرك رأسها موافقة في اللحظة التالية دخلت ممرضة تسألها مبتسمة :
- جاهزة يا ملاك ؟
قبضت على يد يوسف تنفست بعنف لتشعر بأصابعه تشد على يدها بخفة تنهدت بقوة تومأ برأسها بالإيجاب لتقترب الممرضة منها تساعدها لتجلس على مقعدها تدفعها للخارج يوسف يسير خلفها ، ما أن خرجوا من الغرفة هرعت كاملا وطرب يعانقنها ، نزلت طرب على ركبتيها أمامها تمسك كفيها تنهمر الدموع من عينيها :
- هتبقي كويسة يا حبيبتي صدقيني هتبقي كويسة
أما أن كاملا فاحتضنها بقوة تقبل رأسها مسحت على وجنتها :
- هنستناكِ هنا يا حبيبتي ما تخافيش إحنا جنبك
اومأت لهما قبل أن تدفع الممرضة مقعدها من جديد لتلتفت برأسها تنظر إلى يوسف الذي ابتسم يلوح لها يحرك شفتيه بلا صوت بكلمة فهمتها فابتسمت خجلة ، ما أن تجاوزت الممرضة بها باب غرفة الجراحة بدأت تشعر بالذعر من جديد حاولت أن تتنفس بهدوء ، إلى أن رأته يقترب نزل على ركبتيه أمامها يبتسم يردف مترفقا :
- هو مش أنا قولتلك إنتِ زي يوسف ومريم تفتكري أنا كنت هسيب حد فيهم هنا ، ما تخافيش أنا مش هعملك العملية وشغل الأفلام اللي كلت دماغ أختك دي ، أنا هفضل جنبك لحد ما تاخدي البنج ، ما تخافيش كلنا هنا حواليكِ
ابتسمت ملاك تشعر بالاطمئنان قليلا فقط ، رفعها عن مقعدها يضعها على الفراش وقناع وُضع على وجهها وهي تمسك بكف يد جاسر بضع دقائق قبل أن يزال كانت لا تزال واعية لتسمع صوت جاسر يقول :
- تيجي نعد لحد 10 يلا
اومأت برأسها تحرك شفتيها تقوم بالعد بعده حتى وصلت للرقم ثمانية ، فأغلقت عينيها تماما وذهبت في سبات عميق !!
___________
عودة لشركة عمرو ... جلست ليان على مقعد مكتبها تشعر برغبة ملحة في الرحيل ، لا تنفك تفكر في كل لحظة خُدعت فيها ، تشعر بالألم لا يزال يجتاح كيانها ، كلماته السامة لم تتوقف لحظة عن صفع روحها ، حاولت ألا تبكي لن تفعل هو الآن يتجرع مرارة ما اقترفت يداه وهي يجب أن تبدأ من جديد ، رفعت وجهها تنظر أمامها لتبصر شهاب يقترب منها يمسك بين يديه مجموعة من الأوراق ... اقترب يجذب مقعد يجلس مقابلا لها ابتسم يفتح ملف الأوراق يبدأ في التحدث :
- دا مشروع سكني فيه شقق وجريدة وعيادة دكتور سنان ... أنا عايزك تمسكي ديكورات العيادة ، ودي طلبات العميل وعايز اشوف خيالك وإبداعك اللي واثق أنه هيبقى مبهر
تحركت عينيها على الاوراق أمامها قبل أن ترفع وجهها له أعطته ابتسامة صغيرة تومأ برأسها تنهدت تعتذر :
- شهاب أنا آسفة بجد لو كلمتك بأسلوب سخيف قبل كدة ، كنت عبيطة ومضحوك عليها
ابتسم شهاب يومأ برأسه يردف ضاحكا :
- ياااه أنتِ لسه فاكرة ، دا أنا نسيت اصلا على العموم أنا مش زعلان ... أنا
وقفز من مكانه مرتعبا فجاءة حين نكزه شخص ما من خلف ظهره يردف ضاحكا :
- اركب الهوا
انتفض شهاب ينظر خلفه سريعا ليجد شقيقته الصغرى سارة تقف خلفه تضحك عاليا ، ليعض شفتيه مغتاظا ، قبض على تلابيب ثيابها يجذبها نحوهه يهسهس حانقا :
- أنتِ ايه اللي جابك هنا يا بصارة ، صبرا لما نروح أما نيمتك في الجزامة
عبست سارة تزم شفتيها تكتف ذراعيها أمامها تتمتم ساخرة :
- أنا الغلطانة إني جيت اطمن عليك ، حنان قالتلي أنك نسيت العلاج وجيت ادهولك ، ايه دا ليان
نزعت نفسها من يد شهاب لفت حول مكتبها اقتربت منها لتعانقها ليان تبتسم سعيدة ، ابتعدت سارة عن ليان تغمغم سريعا :
- على فكرة حنان زعلانة منك جداا عشان ما جيتيش سبوع عائشة
ومن ثم نزعت الهاتف من جيب حقيبتها في لحظة تطلب رقم شقيقتها تغمغم سريعا ما أن أجابت :
- ايوة يا حنان أنا وصلت ، آه شهاب بامية قدامي اهو زي القرد ، بعد ما فضحنا امبارح في العمارة كلها لما قعد يصرخ زي العيال والدكتور بيديله الحقنة
انتفض شهاب يكمم فم شقيقته ، ينظر صوب ليان يتمنى ألا تكن ما سمعت ما قالت تلك الثرثارة ، ولكن كف يدها التي تضعه على فمها حتى تكتم ضحكاتها يقول أنها استمعت جيدا لما قالت ... اغمض عينيه يكاد يبكي مما تفعل تلك الحمقاء ، نزعت سارة يد شهاب من فوق فمها تلتقط أنفاسها تحادث حنان :
- أنا أهو يا حنان بس شهاب بامية كان كاتم نفسي ومش عايزني اتكلم ، آه صحيح ليان أهي خدي كلميها
ومن ثم وضعت الهاتف على أذن ليان فجاءة ، حمحمت ليان قبل أن تنطق بحرف انفجرت حنان في وجهها :
- كدة يا ليان لاء أنا زعلانة منك ، والله زعلانة
دا أنا مأكدة عليكِ ، طيب بصي بقى أنا عارفة أن الشغل بيخلص بعد نص ساعة ، تيجي مع سارة وشهاب دا أنا عاملة جوزين أرانب وعليهم شوية ملوخية عسل
حاولت ليان أن تعتذر بلباقة ، لتنفجر حنان غاضبة من جديد :
- قسما بالله يا ليان لو ما جيتي تتغدي لا هتبقي صاحبتي ولا أعرفك
كادت ليان أن تخبرها أنهم ليسوا أصدقاء من الأساس ولكنها شعرت بالاحراج من فعل ذلك ، وقبل أن تحاول الرفض من جديد جذبت سارة الهاتف من على اذنها تحادث شقيقتها :
- ما تقلقيش يا حنون هقفشلك فيها زي قنديل البحر مش هتخلص مني ، سيبي المهمة دي لسارة بوند سيدة المهمات الصعبة المستحيلة التي لا يستطيع غيرها حلها ، ألو حنان أكيد رصيدك فصل ما قفلتيش السكة في وشي
حمحمت محرجة تنظر لهما ، لترى شهاب يكتف ذراعيه أمامه ينظر لها حانقا انحنى برأسه إليها يهمس يتوعدها :
- دا أنا هخلي حنان تطرقعلك بالشبشب لما نروح يا شبر ونص ، أنتِ عشان خدتي الإجازة هتفضلي تفركي زي فرقع لوز
رفعت سارة رأسها بإباء اقتربت من ليان تمسك بكف يدها تغمغم :
- معايا اوامر عليا إني افضل قافشة فيكِ لحد السفرة ، يا ريتي تتحركي معايا بهدوء ومن غير شوشرة عشان سمعة المكان ولو عاوزة نجيبي البطاقة أو اااه يا غبي
صاحت متألمة حين نزل شهاب بكفه على رقبتها من الخلف ، ضحكت ليان على ما يحدث أمامها ، علاقة سارة بشهاب هي أكثر شيء مضحك حد الانهيار رأته في حياتها ، نظرت لشهاب تحاول الاعتذار :
- النهاردة ما ينفعش أنا آسفة أنا ما قولتش لوالدتي وما اعتقدش أنها هتوافق
جزء منه يود أن يمسك بكف يدها الآخر يجذبها معه للبيت ، والجزء الآخر يحاول أن يبدو أكثر رزانة وهدوءً ، ابتسم يردف بهدوء :
- حنان أنا هراضيها ما تقلقيش ، بس ممكن تكلمي والدتك تسأليها لو رفضت ، حنان هتعذرك
تنهدت تومأ برأسها التقطت هاتفها تطلب رقم والدتها تتمنى رفضها :
- ماما أنا معزومة على الغدا عند واحدة ...
قاطعتها إيمان قبل أن تردف بحرف :
- إن شاء الله تكوني معزومة على كوباية ماية ، اخرجي وفكي وارمي اللي حصل ورا ضهرك ، روحي يا ليان بس ما تتأخريش
والدتها وافقت ببساطة نظرت صوب شهاب من جانب عينيها تبتسم متوترة قبل أن تومأ برأسها تنهي المحادثة مع والدتها :
- حاضر يا ماما مش هتأخر ، مع السلامة
أغلقت الخط نظرت لشهاب تبتسم متوترة تومأ برأسها ، ليرفرف قلبه فرحا يصرخ من شدة سعادته داخل قفصه الصدري ، وعلى شفتيه ارتسمت إبتسامة صغيرة لا تصف مقدار ذرة من سعادته
بعد مرور نصف ساعة كان ثلاثتهم يخرجون من الشركة ، أوقف شهاب سيارة أجرة يفتح الباب الخلفي لتجلس سارة جوار ليان وجلس هو بالإمام ، وعمرو بالأعلى يشاهد ما يحدث من خلال نافذة مكتبه ولا يفهم ما يحدث !
في سيارة الأجرة
شعرت ليان بالتوتر الشديد حاولت أن تندمج مع سارة الجالسة جوارها لا تتوقف عن المزاح ، أما هو فكان يختلس النظرات إليها بين حين وآخر يبتسم تارة ويحاول ألا يفعل الأخرى !
______________
في منزل ياسر راضي
في غرفة جاسر يجلس على مقعد المكتب في غرفته أمامه حاسوبه المحمول يبحث عن معلومات أكثر عن عمار ونصار وصلة القرابة بينهما أي منهما هو الكاذب ، إلى أن وصل إلى معلومة هامة ستمكنه من رؤية نصار ، نصار أصبح شريك عُدي المهدي في شركات المهدي وعليه سيقام حفلة ضخمة نهاية الأسبوع القادم وبالطبع سيحضر كل رجال الأعمال الحفل ، ومن أقرب رجل أعمل يعرفه ؟!
ألتقط هاتفه سريعا يطلب رقم خاله يحادثه ما إن أجاب :
- مساء الخير يا جاسر باشا مش هعطلك محتاج من حضرتك خدمة ، هو أنت معزوم في حفلة عُدي آخر الأسبوع
ابتسم منتصرا حين أخبره جاسر أنه كذلك ليردف سريعا :
- طب أنا عاوز أروح مع حضرتك آه موضوع مهم جداا ، هعرف حضرتك عليه ... ينفع أجيب معايا حد ؟ ، شكرا يا خالي متشكر أوي
أغلق الخط يلقي الهاتف أمامه ، ها هو على وشك مقابلة نصار وجها لوجه ليعرف منه الحقيقة والآن جاء الدور على مليكة ، سيأخذها معها ليوتر عمار إن كان متواجدا في الحفل والاحمق إذا توتر سيُخطئ وهو يريده أن يخطئ ، التقط هاتفه من جديد يطلب رقمها انتظر بضع لحظات :
- آنسة مليكة بعتذر على الإزعاج ، أنا عارف أنك أكيد هتشوفيها وقاحة وقلة أدب مني ، بس أنا معزوم على حفلة لطيفة جداا آخر الأسبوع الجاي وكنت يعني بسأل لو ينفع تيجي معايا
صمتت لدقيقة كاملة مما جعله يشك في موافقتها قبل أن يسمعها تردف :
- ما عنديش مانع ، بس ممكن تبلغني بقبلها بيوم أو في نفس اليوم بدري عشان الحق اجهز
ابتسم في هدوء ها هي الحقيقة على وشك أن تظهر أمامه
في خارج غرفته ترى أريچ وهي تجذب يد سما معها تشدها صوب غرفة أبيها تهمس تشجعها :
- يا سما ما تخافيش والله ، أنتِ لو قولتيله أنا آسفة هيصالحك على طول ، بابا طيب وبعدين بيحبك أكتر مننا كلنا ، اتشجعي كدة
وقفت بها أمام غرفة أبيهم تدق باب غرفته لتسمع صوته يأذن بالدخول ، فتحت الباب تدفع سما للداخل تغلق عليهم الباب ، وقفت سما خلف الباب المغلق متوترة كل ذرة بها ترتجف ، ألقت نظرة خاطفة صوب أبيها لتراه يجلس هناك جوار الشرفة يحمل طفلتها الصغيرة على قدمها يطعمها ، ابتسمت مرتبكة تحرك قدماها إليه وقفت أمامه تخفض رأسها أرضا تشد على ثيابها بكفيها لتسمع صوته يحادثها بنبرة جافة :
- نعم ، خير
ارتجفت من نبرة صوته ، انحنت تجلس أرضا على ركبتيها تضع رأسها على ساقه الأخرى تنهمر الدموع عن عينيها تتابعت شهقاتها تهمس بحرقة :
- سامحني يا بابا حقك عليا ، أنا آسفة ... أنا غبية ما صدقتش ومشيت ورا قلبي وأنا مغمضة عينيا ومدية الأمان للحيوان دا ، كان لازم أصدق جاسر ، جاسر ما كنش بيكذب ، دا أخويا مستحيل يضرني ، بس حبي ليه خلاني حتى شكيت في أهلي .. أنا بكره نفسي أوي على كل لحظة حبيته فيها ، على اللحظة اللي كلمتني وقالي نرجع من وراكوا وأنا وافقت
سامحني يا بابا بالله عليك ، أنا آسفة
اغمض ياسر عينيه والألم ينخر قلبه كلما سمع صوت بكائها يتذكر كل لحظة مرت بهما معا منذ وفاة هدى زوجته الأولى ، مرورا برؤيتها بفستان زفافها الأبيض وكم كان سعيدا يومها ونهاية بما فعلت ، انزل ابنتها الصغيرة برفق لينحني إليها أمسك بذراعيها لتقف عن الأرض ، وقبل أن ترفع رأسها عن الأرض لتنظر إليه كان يعانقها تمسكت به تغرق رأسها بين أحضانه تشعر به يبكي كما حالها ، ومن ثم سمعت صوته يهمس متألما : - حرقتي قلب أبوكي يا سما ، الدنيا اتهدت قدام عينيا وأنا قدامي فيديوهات مصورها الوسخ دا ليكِ ، أنا عارف أنك وقتها مراته ، بس ليه من ورانا ، ليه اسمعه وهو بيضحك ويتريق ويقولي بنتك كانت زيها زي اي واحدة بتتباع بس الفرق إني اشتريتها بقسيمة ما فيهاش حتى مؤخر عشان هي رخيصة ، لولا ما العساكر والظابط شالوني من فوقيه أنا كنت طلعت روحه في ايدي
ارتجفت سما وبكت أكثر ، ونسى ياسر في تلك اللحظات أنه طبيب نفسي وما كان يجب أن يقول ذلك ، ابنته ضحية وهو يعلم ، قبل قمة رأسها يسمح على شعرها برفق يهمس مترفقا بها :
- خلاص يا بنتي اهدي أهو غار في ستين داهية ، وبعدين أنتِ شجاعة وقاومتيه لما كان يلفقلك القضية ابن سيئات على رأي جاسر أخوكِ ، خلاص يا سما بطلي عياط يا حبيبتي أنا مش زعلان منك خلاص أنا مسامحك
ابتعدت سما عن أحضان أبيها قليلا ليرفع الأخير كف يده يمسح دموعها ، يقبل قمة رأسها ابتسم يقرص ذقنها بخفة يردف :
- اللي فات صفحة واتقطعت والدفتر اتحرق ، إحنا هنجيب دفتر جديد على نضافة ونبدأ من أول السطر ، أول سطر فيه أنك هتطلعي على رماد اللي فاتت لقدام عشان خاطر حتى تميم وكيان ، ويكون في علمك أنا هسيبك أسبوع ولا حاجة في فترة نقاهة وبعد كدة هشغلك المساعدة بتاعتي في المستشفى بمرتب 134
جنية
ضحكت سما بخفة لا زال قلبها يحتضر ولكنها حاولت أن تضحك في وجه أبيها تومأ برأسها موافقة ، مال ياسر برأسه قليلا ينظر للباب خلف سما ، تحديدا لأريچ التي تختلس النظرات منذ البداية ابتسم يردف :
- ادخلي يا أريچ ، تعالي يا حبيبتي
فتحت أريچ الباب تخطو خطاها إليهم وقفت بالقرب منهم ، ابتسم ياسر جذبها إليه لتصبح مقابلة لسما يوجه حديثه إليهما :
- اللي فات يتنسي تماما ، ومن دلوقتي هنبدأ مش هقول صفحة جديدة ممكن تبقى مرحلة جديدة حياة جديدة ، اعتقد أن كل واحدة فيكوا عرفت كتير عن نفسها وحياتها وقوتها وضعفها وعليه أنا هعمل زي القرش وارميكوا في بحر الدنيا واسيبكوا تشقوا الطريق ، بس اعرفوا أن وقت ما واحدة فيكوا تحس أن تايهة أو مش عارفة تعمل ايه ، تلف وراها هتلاقيني أنا أو جاسر اخوكوا واقفين في ضهرها ماشي !
- معلش سؤال بس ، أنت ليه محسسني أن أنت مش ضنايا ، يعني الحب والحنية لريا ، وأنا خد الحالات المستعصية اللي ما فيش منها أمل اللي ممكن واحد فيهم يفتح دماغك وأنت بتعالجه
غمغم بها جاسر متضايقا وهو يقف أمام باب غرفة أبيه يعقد ذراعيه أمامه ليشعر بشيء ما يلتف حول قدميه ، نظر لأسفل رأى قطة أريچ تمسح فرائها بقدميه تلتف حوله ليصيح فيها ممتعضا :
- يا بنتي كفاية تحرش بقى ارحميني ، أول قصة حب بين قطة وبني آدم ... اومال ضربتي شيتوس ليه ، ما الراجل كان غرضه شريف يا منحرفة
انحنى جاسر يحمل القطة بين يديه يتحرك إليهم يغمغم مشاكسا :
- أنا حاسس أننا في نهاية المسلسل والتتر هينزل خلاص اهو ، وقولوا للي أكل الحرام يخاف بكرة اللي كله يصرفه تقريبا ! اومال فين ماما عشان المسلسل يخلص ، المخرج عمال يزعق ورا الكواليس هنا اهو
ضحك ياسر يصدم جاسر على رأسه بخفة تحرك إليه وقف أمامه تنهد يردف :
- من بكرة ترجع شغلك في المستشفى وأنا آسف قدام اخواتك عشان اللي حصل
ابتسم جاسر يردف مازحا :
- والله ابغي احضنك بس بنت الهرمة المتحرشة دي منعاني ، أنا كدة كدة ظبطت أمور العيادة وراجع من بعد بكرة عشان بكرة مسافر عندي مشوار مهم
اومأت ياسر له رفع يده يربت على كتفه ، أخذ ياسر ابنتيه والطفلة الصغيرة ابنة سما يوجه حديثه لجاسر :
- يلا يا ابني عشان نتغدا
اومأ برأسه يتحرك خلفهم يفكر شاردا عليه غدا السفر إلى والد مليكة ، يتمنى أن يكن يملك أي معلومة ولو عابرة عن عمار !
_______
في شركة عاصم ... في غرفة مكتبه سترى عاصم يجلس أمام حسين يخبره :
- أنا جالي دعوة من عُدي المهدي عشان أحضر حفلة شراكة شركته مع رجل أعمال اسمه نصار ، كان عاوز يشاركنا وأنا ما استريحتش وزين طلعي لي ثغرات كتير في العقد كلها لصالحه ، فرفضت ، حضور الحفلة دي شكليا عشان بس يبقى اسمنا حضرنا ، الدعوة اللي معايا مفتوحة فهتيجي معايا دا أساسي وقول لچوري وخدها معاك ، اهو تغير جو وتقربوا أكتر من بعض ، وجاسر كدة كدة هيحضر فمش هيرفض
اومأ حسين برأسه ، بعد عدة دقائق خرج من مكتب أبيه توجه إلى مكتب چوري جذب مقعد يجلس أمامها يغمغم بلا مقدمات :
- في حفلة كبيرة عاملاها شركة منافسة آخر الأسبوع ومن غير مقدمات أنا نويت أخدك معايا قولي لاء بقى
نظرت چوري إليه ترفع حاجبيها تبتسم ساخرة تردف ببساطة :
- لاء
ضحك حسين عاليا قبل أن يرفع كتفيه لأعلى يكمل :
- طيب أنا هكلم صاحبي اللي قابلته في العالمين أصل أنا عرفت أنه رجع مصر ومعاه سارة وايمليا البنتين اللي
توهجت عيني چوري غضبا نظرت حولها للأسف المكتب مزدحم ، ابتسمت تبشر أسنانها تهسهس تتوعده :
- طب ابقى اعملها يا حسين وأنا اوريك چوري مهران هتعمل ايه ، وعلى فكرة أنا جاية معاك الحفلة وابقى اشوفك فيها بتبص لاي حاجة مؤنثة وشوف ساعتها أنا هعمل ايه
بين ضحكات حسين وغضب چوري ، وصل لما حدث إلي زين الذي بجلس على مكتب بالقرب منهم ، أصفر وجهه قلقا تلك الحفلة لن تمر مرور الكرام ، ربما عليه أن يقبل دعوة عمار ويذهب للحفل ليكن جوارهم إن حدث شيئا
______________
خرجت من غرفة العمليات منذ ساعتين بعد جراحة طويلة دقيقة للغاية ولكن الخبر المُفرح أنها تمت على خير ، ها هو الطبيب يقف يفحصها نظر اليهم يردف مبتسما :
- دقايق وهتصحى ، هتفضل معانا بس كام يوم
عشان نتطمن وتقدر تخرج وهيكون معاها الدكتورة المسؤولة عن جلسات العلاج الطبيعي
واستأذن منهم اقتربت طرب سريعا تجلس جوار شقيقتها تمسح على رأسها بخفة ، إلى أن بدأت تفتح عينيها شيئا فشيء نظرت إليهم عدة لحظات تحاول أن تعي ما يحدث ، إلى أن وقعت عينيها على يوسف لتتذكر ما حدث قبل دخولها غرفة الجراحة ، تمت الجراحة إذا ستسطيع الحركة من جديد أليس كذلك ؟!
مدت يدها إلى الغطاء الخفيف فوقها كمشته بأصابعها تشده لترى قدميها ، نظرت لأصابع قدميها تحركهم ، حركة خفيفة ضعيفة ولكنها كانت أفضل ما شعرت منذ سنوات قدميها تتحرك ، قدميها اخيرا تتحرك !
نظرت إلى يوسف تفيض عينيها بالدموع لتراه يبتسم ، يحرك يده وكأنه يلبسها خاتم خطبتهم لتضحك تومأ برأسها سعيدة
____________
في شقة مليكة
دخلت زينب إلى غرفتها لتراها تضب ثيابها في حقيبة صغيرة قطبت جبينها تسألها متعجبة :
- ايه دا بتلمي شنطتك ليه يا مليكة ، هتسافري
التفتت مليكة إلى صديقتها تردف مبتسمة :
- ايوة ، أنا كنت ناوية اسافر آخر الأسبوع ، بس جاسر عازمني على حفلة فقولت اسافر بكرة
ابتسمت زينب سعيدة لأجل صديقتها قبل أن تلكزها في كتفها تشاكسها :
- ايوة يا ملوكة دي باينلها الصنارة غمزت بقى
ارتسمت إبتسامة كبيرة على شفتي مليكة قبل أن تتنهد بقوة جلست على طرف فراشها تغمغم شاردة :
- تفتكري ، أنا ما انكرش إني معجبة بيه ، بس هو فعلا معجب بيا ؟!
ومن ثم اكملت الحديث داخلها فحتى زينب لا تعلم :
- ولما يعرف الحقيقة ، ولما يعرف اللي حصلي زمان ، هيفضل معجب بيا لو كان دلوقتي معجب بيا !!
في صباح اليوم التالي تحركت سيارة جاسر على الطريق الزراعي الطويل يوجه أنظاره للطريق أمامه ، شيء بداخله لديه فضول قاتل ليعرف ما حدث ، وشيء آخر يصرخ فيه أن لا شأن له وأن يعد أدراجه ولا يكمل تلك الرحلة ، فضوله سيوصله للهاوية يومًا أكمل رحلته الطويلة يفكر في كل ما مضى يضحك ساخرا على أفكار انتقامه السخيفة التي كان يكنها إليها والآن يرغب فقط في أن ... ، صدقا هو لا يعرف فيما يرغب ، لأول مرة يشعر بتلك الحيرة بين عقله وقلبه وشعور غريب يود إقحام نفسه بينهم ، زفر أنفاسه بعنف يوقف السيارة جانبا نزل منها يتحرك بضع خطوات ليرى عدة رجال يتحركون أمامه اقترب منهم سريعا يسأل :
- صباح الخير يا رجالة ، معلش بيت الحج فتحي فين ؟
نظر الرجال لبعضهم البعض قبل أن يبادر أحدهم قائلا :
- امشي على طول على ايدك اليمين أول فتحة هتلاقي بيت كبير قدامك ، بس الحج فتحي دلوقتي مش هتلاقيه في بيته يا أستاذ هتلاقيه في الأرض من هناك كدة امشي طوالي
ابتسم يشكرهم ، تحرك ليغادر ليسمع أصوات الرجال يتهامسون فيما بينهم :
- تفتكر بيسأل على بيت الحج فتحي ليه ؟
- مش فتحي دا أبو البت مليكة اللي كانت ماشية على حل شعرها مع عادل ابن المزارع اللي عندهم في الأرض قبل ما يتقتل
- يا عم مالناش دعوة ربنا يستر على حريمنا
أكمل خطاه لا يفهم ما يحدث وما تلك الكلمات التي يلكها الرجال كالعلكة في أفواهم ، أكمل طريقه إلى أن وصل لحقل كبير ، ما أن وصل اشتم رائحة البرتقال المحببة لقلبه ، تحرك يسأل عامل وآخر عن مكان فتحي ، إلى أن أشار له أحد العمال صوبه ، نظر هناك ليرى رجل يقف أمامه لم يرى وجهه شعره أشيب ، مديد القامة ، تحرك إليه وقف بالقرب منه يتحدث :
- حضرتك الحج فتحي والد مليكة ؟!
التفت فتحي له في لحظة ليرى كيف توسعت حدقتي الرجل ذعرا ما أن ذكر اسم ابنته فقط ، اقترب منه سريعا يغمغم مذعورا :
- ايوة أنا ، بنتي كويسة حصلها حاجة ، وبعدين أنت مين وتعرف بنتي منين
نفى فرضية أن مليكة تتعرض لعنف أسري فالرجل أمامه كاد يموت خوفا عليها من كلمة واحدة ، ابتسم جاسر يومأ برأسه يحادثه :
- ما تقلقش يا حج فتحي بنتك بخير وزي الفل ، أنا اللي عاوز حضرتك في كلمتين ، ممكن نقعد
نظر فتحي له مرتابا عدة لحظات قبل أن يوافق رفع يده يربت على كتف جاسر يدعوه لداخل غرفة جانبية ، دخل جاسر وجلس على مقعد أمام فتحي الذي ظل يتفحصه بنظراته لعدة لحظات وكأنه رآه قبلا ، ابتسم فتحي ابتسامة صغيرة يحادثه :
- إنت فيك شبه من واحد أنا كنت أعرفه زمان ، ربنا يمسيه بالخير ، ما اتعرفتش بيك
ابتسم جاسر يومأ برأسه يردف بهدوء:
- أنا اسمي جاسر ياسر راضي دكتور نفسي
قطب فتحي جبينه قبل أن يهب واقفا نظر لجاسر غاضبا قبل أن يصدح بصوته :
- ابن دكتور ياسر اللي كان بيعالج نرمين هانم أخت جاسر باشا اللي أنا كنت شغال عنده زمان وطبعا والدتك سمتك على اسم خالك ، اللي ما تعرفوش يا دكتور إن أنا زمان كانت شغلانتي عند خالتي إني أجيب قرار أي حد عايز يعرف عنه معلومة ، وفي ناس كتير افتكرها من مجرد الاسم ، أنت عاوز ايه من بنتي يا دكتور
وقف جاسر عن مكانه ينظر للرجل الواقف أمامه عدة لحظات في هدوء قبل أن يرفع كتفيه يتمتم ببساطة :
- حضرتك متعصب ليه ، أنا مش جاي وعندي نية أذى ، وبعدين لسه حضرتك كنت بتقول عن خالي دلوقتي ربنا يمسيه بالخير يعني علاقتكوا مش وحشة ، ممكن حضرتك تهدا وتسمعني
تأفف فتحي حانقا قبل أن يعاود الجلوس أمام جاسر ينظر له بحذر ، في حين ابتسم جاسر يردف يمازحه :
- حضرتك قلقان مني بجد ليه أنا مش عارف ، تفتكر أنا لو عندي نية شر هاجي أعرفك بنفسي ، دا أنا جاي اشكرك والله أنا مدمن لعصير البرتقال اللي بيتعمل في المصنع بتاعك ، حاجة كدة فوق العظمة
ابتسم فتحي برضا وزهو ،إذا مليكة كانت محقة والدها يحب من يمتدحه ولكن الجميع كذلك الأمر لا يقتصر هو ايضا يحب أن يُمتدح
تنهد بعمق يحاول أن يحادث الرجل الجالس أمامه بعقلانية حتى لا يسئ فهمه :
- بص يا حج فتحي ، ربنا وحده يعلم أن مش في نيتي أي أذى ناحية مليكة وعلى فكرة أنا عارف الحكاية القديمة ، بس إذا كانت مدام شاهندا مالهاش ذنب في اللي عمله أبوها ، مليكة هيكون ليها ذنب ، دي ما كنتش موجودة في الدنيا لسه أصلا
ومن ثم صمت لعدة لحظات يراقب تعابير وجه فتحي على ما قال وحين لم يراه غاضبا تشجع يكمل :
- أنا اتعرفت على مليكة بالصدفة من كام شهر ، صدقيتها زينب كانت بتعاني من مشكلة كبيرة ومليكة الوحيدة تقريبا اللي كانت واقفة جنبها
ابتسم فتحي متفاخرا بابنته يحرك رأسه يردف بنبرة حزينة :
- مليكة جدعة وعمرها ما تسيب حد محتاجلها ، مليكة دي حتة من قلبي بنتي الوحيدة ، وردتي اللي هفضل فخور بيها طول العمر
ابتسم جاسر معجبا بشخصية الرجل الجالس أمامه ، قبل أن يردف بحذر شديد :
- زي ما قولت لحضرتك أنا دكتور نفسي ، وفي الفترة اللي آنسة زينب كانت بتيجيلي فيها العيادة مع آنسة مليكة لاحظت
ومن ثم صمت قبل أن ينظر لوالد مليكة من جديد قام وحمل المقعد يقترب منه جلس أمامه صامتا بضع لحظات قبل أن يبدأ في الحديث :
- أنا اقدر اتكلم مع حضرتك بصراحة مش كدة ؟ بس قبل كدة عايز من حضرتك وعد أن مليكة ما تعرفش أي حرف من الكلام اللي هنقوله دا
شعر فتحي بالقلق الشديد على ابنته ليحرك رأسه بالإيجاب يهمس متلهفا خائفا :
- أكيد طبعا تقدر تتكلم بصراحة واقسملك أن مليكة مش هتعرف حاجة بس في اي يا ابني قلقتني على بنتي
تنهد جاسر بقوة يردف بنبرة أكثر حذرا :
- بص يا عم فتحي في الفترة اللي كانت زينب بتتعالج فيها عندي لاحظت على مليكة علامات غريبة من خبرتي اللي مش قليلة أبدا في المجال دا مليكة اتعرضت لاعتداء أو تحرش والموضوع ما اتعالجش نفسيا وعليه انفجر في شكل تاني ، وعلى دراع مليكة شوفت علامات جروح ، الجروح دي بيعملها مرضى الاكتئاب الحاد عشان يشتتوا بيها العقل عن الشعور القاتل بالذنب ، وللأسف نتيجة الموضوع دا في الأغلب بتبقى بشعة لأن المريض ممكن في مرة يقطع شريان أو وريد وما بتلحقش وممكن الجروح دي تتلوث وتأدي لبتر ، أنا عايز اساعد مليكة وتقدر حضرتك تسأل عليا ، أنا بلا مبالغة دكتور شاطر جداا في مجالي
توسعت حدقتي فتحي ذعرا ، ولكن كيف ابنته تجاوزت ما حدث منذ سنوات أيعقل أنها كانت تخدع الجميع كل تلك الفترة ، شعر بالنيران تندلع في قلبه يحرك رأسه للجانبين يغمغم مذعورا رافضا :
- لالالاء الكلام اللي بتقوله دا مش حقيقي ، مليكة تجاوزت اللي حصل ، مليكة سافرت ودخلت الكلية ونجحت ، مليكة بتضحك وتهزر
اللي أنت بتقوله دا مش حقيقي
على الرغم من أنه شعر بالحزن وأشفق على حال الرجل ولكن تلك ليست الحقيقة ، مليكة تعاني في صمت خلف الأبواب المغلقة أو داخل صندوق صغير تغلقه عليها بعيدا عن أعين الجميع ، تنهد يحرك رأسه للجانبين يردف :
- من معرفتي البسيطة بمليكة ، مليكة ما بتبحش تظهر ضعفها ووجعها قدام الناس ، فما بالك بيكوا ، هتحس بالذنب لو شافتكوا زعلانين ولا مقهورين على حالها
تحجرت مقلتي فتحي ألما ، أيعقل ذلك ولما لا .. مليكة باتت فجاءة بخير بعد أن كادت تموت ألما بعد ما حدث لها تغير حالها بين يوم وليلة ، تجمعت الدموع في حدقتيه يهمس بنبرة مختنقة :
- أنا بردوا كنت مستغرب إزاي حالها اتبدل كدة فجاءة ، بس قولت الحمد لله بقت كويسة بعد اللي ابن الكلب دا عمله فيها
اغمض حدقتيه يشد كف يده بعنف يهمس بحرقة :
- من كذا سنة مليكة اتعرضت لحادثة اغتصا..ب من واحد حيوان ، بس أنا عارف إن بنتي ما تغلطش وأنها اتغدر بيها ، بس هي بعد الحادثة دي حالتها النفسية كانت بشعة ، جبتلها دكتورة نفسية من بلد جنبنا سمعت عنها أنها شاطرة ، بس طلعت مريضة مش دكتورة ... دمرت حالتها أكتر وشيلتها ذنب اللي حصل ، بنت الكلب كنت هطلع روحها في ايدي لما عرفت أنها عملت كدة ، وما سكتش غير لما اتشطبت من النقابة خالص ، في الوقت دا كنت هموت أنا وأمها من القهر على حالها ، شاهندا ما كنتش بتبطل عياط ... وأنا رغم أني كنت بحاول ابقى متماسك إلا أن أوقات دموعي كانت بتغلبني وأنا شايف حالتها دي
وفجاءة من غير مقدمات حالة مليكة اتغيرت بقت بتضحك وتهزر ورجعت زي ما كانت ، قولت الحمد لله يارب ربنا استجاب لدعايا ، ما كنتش أعرف أنها بتخبي حزنها عننا
الآن اتضحت الصورة كاملة ، مليكة المسكينة تعرضت لحادث مؤسف وما زاد الطين بلة كما يقال تلك الطبيبة المريضة التي تسببت في تدهور حالتها أكثر وما رأت مليكة من حزن على وجه والديها قررت على أثر وضع قناع واهي على وجهها حتى لا ترى الحزن في أعينهم على حالها ، تلك الفتاة حقا هي أعجب ما رأت عينه ... ولكن لا تزال حلقة مهمة مفقودة ما علاقة مليكة بعمار وهل يعرف والدها بأمر تلك العلاقة ، حمحم يحاول أن يضع اسم عمار في جملة ليرى رد فعله على ما قال :
- الدكتورة دي بتفكرني بواحد أعرفه اسمه عمار شخص مريض نفسي بيأذي الناس مش بيعالجهم
راقب جاسر جيدا انفعالات وجه فتحي على اسم عمار ولم يُبدي الرجل أي رد فعل يعني ذلك أن فتحي لا يعرف عمار من الأساس فلم يتوتر حتى حين سمع اسمه ، قام من مكانه وقف أمام فتحي ابتسم يصافحه :
- أنا اتشرفت بمقابلة حضرتك واوعدك أن هساعدك آنسة مليكة بكل طاقتي
ابتسم فتحي وقام من مكانه يضع يده في يد جاسر :
- ربنا يخليك يا ابني ، تعالا هوصلك
تحرك جاسر بجوار فتحي يسيران في الطريق المعاكس إلى أن وصلا لسيارة جاسر ، ما أن اقترب جاسر من سيارته توسعت حدقتاه ذهولا حين رأى الخراب الذي حل بسيارته ، جميع إطارات السيارة أرضا وخدش طويل يشوه جانب السيارة الأيسر وصدمة تسبب في كسر المصباح الأمامي توسعت حدقتيه يصرخ مذعورا :
- ايه دا مين عمل كدة في العربية
نظر إلى فتحي مصعوقا ليضرب الأخير كفا فوق آخر يردف :
- لا حول ولا قوة إلا بالله منهم لله المؤذيين
العربية تصليحها عندي يا ابني
- يا حج فتحي الحوار مش تصليح ، أنا كدة هروح إزاي
انفعل جاسر غاضبا رفع يده يشد على خصل شعره بغيظ ، رفع فتحي يده يربت على كتفه يهمس مترفقا :
- تعالا يا ابني معايا أنت ضيفي لحد ما عربيتك تتصلح
نظر جاسر إلى سيارته حزينا ، تلك السيارة تقطن في داخل أغلى قطعة في قلبه ليس من السهل أن يراها هكذا شبه محطمة ، تنهد بعمق يومأ برأسه موافقا ليطلب فتحي أحد رجاله الذي جاء في غضون دقائق ومعه سيارة أخرى يجر سيارته المسكينة إلى ورشة للتصليح ، أما فتحى فأخذ جاسر إلى بيته ، ما أن وطئت قدميه داخل البيت وقبل حتى أن ينظر للمكان حوله ليقيمه بنظراته سمع صوتها وهي تصرخ :
- يا ماما الأكل خلص ولا لسه أنا واقعة من الجوع حرام عليكوا اكلوووووني
ومن ثم سمع صوتها وهي تنزل تهرول خطاها لأسفل على سلم البيت الكبير وقفت في منتصف السلم مصعوقة تنظر صوبه تغمض عينيها تتمتم مدهوشة مع نفسها :
- هو أنا بحلم وأنا صاحية ولا إيه
فتحت عينيها لتراه لا يزال يقف أمامها يبتسم حرك رأسه لأعلى وأسفل وكأنه يخبرها أنه هنا حقا وذلك ليس حلما ، صرخت مليكة مدهوشة قبل أن تهرع لأعلى من جديد
___________
قام من فراشه لا يتذكر أنه نام وربما فعل ، تحرك بخطى خاوية من الحياة تماما صوب المرحاض وقف أسفل المرش بثيابه المياه تنهمر على جسده وهو يقف كما لو أنه تمثال نقش من حجر عينيه جامدة نظراته سارحة في الفراغ البعيد اغتسل وبدل ثيابه وخرج من المنزل القى مفتاح سيارته أرضا يتحرك على قدميه إلى حيث لا مكان ، عقله واعي ولكنه من شدة الألم يشعر به مغيب وكأنه مخمور يرى صورتها في وجه كل فتاة تقابله ، بعد طريق طويل وصل لشركة أبيه ، دخل إلى الشركة ، الموظفين حوله يتهامسون عن مدى سوء حاله الظاهر على وجهه ، وقف أمام مساعدة مكتب أبيه يهمس متعبا :
- أنا عايز أقابل عمرو بيه
نظرت له الفتاة مشفقة لعدة لحظات لا تفهم ما حل به ، دقت الباب ودخلت وقفت أمام عمرو تردف :
- مستر عمرو ، باشمهندس جواد ابن حضرتك مستني حضرتك برة
تعجب عمرو من وجود جواد هب واقفا عن مقعده يغمغم متلهفا قلقا :
- وسيباه واقف دخليه بسرعة
تحركت الفتاة للخارج لحظات ودخل جواد يتحرك ببطء وكأنه يجر ساقيه وقف أمام أبيه يطالعه بنظراته الفارغة لعدة لحظات قبل أن تخرج من بين شفتيه شهقة عنيفة ينظر لأبيه ضائعا في متاهة الألم ، شده عمرو إليه بقوة يعانقه ليبكي جواد بحرقة يتشبث بقميص أبيه الألم لا يتوقف عن صفعه ، أمسك عمرو بولده حين شعر به سيتهاوى أرضا رفع يده يربت على رأسه يهدهده كما لو عاد طفلا من جديد ليسمع صوته يشهق من الألم :
- أنا هموت من الوجع يا بابا ، مش قادر استحمل النار أكتر من كدة ... حاولت بس ما قدرتش ، أنا كنت هتغير والله عشانها ... كنت هاجي أصالحها ، دا أنا ما صدقت سمعت صوتها
شعر عمرو بالألم ينهش قلبه على ولده ، لم يكن قريبا من جواد لذلك الحد ، علاقتهم كانت رسمية على الهامش ، تحرك عمرو بولده يجلسه جواره على أريكة جانبية ، قبل أن يقل شيئا دق هاتفه حين نظر للهاتف توسعت حدقتيه ، مرام هي من تتصل !! وكأن ولديه صفحا عنه اليوم معا ... فتح الخط وقبل أن يلفظ حرفا سمعها تصيح مفزوعة :
- أنا لو عليا ما اكلمش والله ، بس جواد مختفي وعربيته هنا أنا خايفة يكون عمل في نفسه حاجة ، أرجوك دور عليه
على الرغم من أن بداية أحرف ابنته ضايقته وبشدة ولكنه شعر بسعادة غامرة لتلك النبرة المتلهفة في
صوتها ، تنهد بعمق ينظر صوب جواد قبل أن يوجه حديثه لمرام :
- جواد قدامي أهو يا مرام ما تقلقيش يا حبيبتي
و لحظة صمت بين كلاهما تلاها مباشرة اغلقت مرام الخط دون مقدمات ، نظر عمرو لجواد الجالس جواره يرفع يده ليسمح دموعه مرارا وتكرارا ، في تلك اللحظة تذكر أمرا في غاية الأهمية حين غضب قبل فترة طويلة وقرر معاقبتهم كما لو كانوا أطفال لسوء تصرفاتهم المبالغ فيها ، نسي أن يراضي الأطفال فالطفل الصغير سهل الارضاء يسمع ما يُقال بقطعة حلوى وهو بدلا من أن يعيد ترميم علاقته بولديه هدم ما بقى منها ، كم هو أحمق غبي لا يعرف حتى الأسس الصغيرة في تربية أولاده
أجفل على صوت جواد يحادثه بنبرة شاحبة :
- أنا عاوز اشتغل ، عايز اغرق في الشغل يمكن ابطل تفكير ، بس مش قادر أروح المكتب
شغلني أي حاجة مش فارقة المهم ما افكرش ولا افتكر
الألم خنق عمرو وقف عن مكانه يجذب جواد يشير إلى مقعده يغمغم سريعا :
- اقعد هنا ، كل دا ليك أنت وأختك وأنا مستعد اكتبلك تنازل دلوقتي حالا عن الشركة لو عايز
حرك رأسه للجانبين يهمس بنبرة ثقيلة للغاية :
- أنا مش عايز حاجة لا عربية ولا شركة ولا مكتب ولا فلوس ، أنا عاوز شغل أي شغل يكون كتير عايز أروح مهدود من التعب وأنام من غير ما أفكر
لم يكن عمرو ليجازف في تلك اللحظة ويضع جواد في القسم حيث سيرى ليان وشهاب الذي يبدو مهتما للغاية بها ، حرك رأسه بالإيجاب يمسك بكف ولده :
- تعالا معايا
تحرك جواد خلف أبيه في طرقات الشركة الجميع ينظر مذهولا لجواد المتغطرس صاحب الريش وهو يتحرك خلف أبيه يمسك بيده ليشفقوا على الألم الظاهر على وجهه ، دخل عمرو إلى القسم الخاص بالمحاسبين في الشركة وقف جواره جواد صمت الموظفين ينظرون إليه ليتحدث عمرو :
-باشمهندس جواد متدرب جديد معانا ، أنا عارف أننا في فترة الجرد الثانوية والشغل كتير بس أنا واثق أنه هيتعلم بسرعة
نظر عمرو إلى جواد يحاول أن يقول شيئا عله ينتزعه من بوتقة الحزن ولو للحظة :
- ما قولتناش بقى يا باشمهندس عاوز كام مرتب
- أنا مش عاوز حاجة ، شكرا يا بابا
همس بها بنبرة ثقيلة شاحبة قبل أن يدخل إلى المكتب يموه بين الجالسين فيه
جواد هنا رأته والده كان محقا حتى حجارة الأرض ستشفق عليه من منظره الرث ولكن هي لم تفعل ، ألتلك الدرجة كان يحبها حتى ينهار وتحترق غطرسته ، أتخذ حبها الكبير له معبر ليصل إليها ويكن عقابه بعد أن حصل عليها هو موتها ليتجرع مرارة الألم أشواطا
________
رسالة سخيفة اتتها صباحا من الصفحة الرسمية للجامعة تخبرها بأن تذهب وتقدم في صورة رسمية سبب تغيبها عن الامتحانات ، من حسن الحظ أن جاسر كان يتوقع ذلك ولديها شهادات طبية مختومة بأنها كانت مريضة وأجرت جراحة خطيرة ، خرجت من مكتب الشؤون بعد أن قدمت أوراقها لتتفاجئ أن سامر يقف أمامها يحمل ظرف تقريبا كالذي كانت تحمله ، أما هو فابتسم حين رآها يغمغم مبتهجا :
- ايه دا أنتِ بتعملي ايه هنا ؟ أنا قصدي أنا جاي اقدم إعتذار وأنتِ بردوا ؟
قطبت جبينها متعجبة من الموقف قبل أن تومأ برأسها تسأله متعجبة :
- ايوة بس أنت في صيدلة أنت مالك ومال الشؤون بتاعتنا
رفع كتفيه لأعلى وكأنه يخبرها أنه حقا لا يعلم يردف ببساطة :
- أنا مالي يا ستي هما قالولي اجيب الورق هنا واقولهم اني في صيدلة أنتي هتعرفي أكتر من مدام عفاف بتاعت الشؤون
ضحكت بخفة تحرك رأسها للجانبين افسحت له ليدخل ، تحركت لتغادر لتسمع صوته يصيح من خلفها :
- استني يا آنسة أريچ ما تمشيش ، جاسر كان قالي اقولك حاجة مهمة
توقفت والتفتت ماذا قال له جاسر ؟! أما هو فدخل خلف باب المكتب المغلق لعدة قبل أن يخرج ابتسم سعيدا حين رآها تقف هناك ، هرول خطاه إليه يقفز ذلك الحاجز الصغير بدلا من أن يتجازوه ببساطة ، وقبل أن ينطق بحرف سألته:
- جاسر قالك تقولي ايه ؟
رفع أحد ذراعي حقيبة ظهره يمسكه داخل كفه ، ابتسم متوتر يهمس بنبرة خفيضة يبدو مرتبكا للغاية :
- بصراحة جاسر ما قاليش اقواك حاجة ، أنا اللي كنت عاوز اتكلم معاكِ ، أريچ أنا عارف إن فترة تعارفنا قصيرة ، بس أنا حقيقي حاسس إني مشدود ليكِ أوي على طول بفكر فيكِ ، فعندك مانع لو جيت اتقدمت !! ، نعمل حتى فترة خطوبة نتعرف على بعض ، أصل أنا ماليش في جو الارتباط دا بصراحة ... ولو ما ارتحتيش كأن لم يكن وننفصل ، أنا مش بضغط عليكِ صدقيني أنا كنت هكلم جاسر ، بس قولت اخد رأيك أنتِ الأول عشان ما احطكيش في موقف محرج مع جاسر ، قولتي ايه
كم من الكلمات والمشاعر المبعثرة غمرها بها في لحظات تُعد ، مشاعرها تبعثرت تركض هنا وهناك ، جزء خائف وجزء خجول وجزء تذكر عمار وارتعد من أن يكن مثله ، وجزء آخر يشعر بالسعادة رغم كل ذلك !! اضطربت وهي تقف أمامه تتمتم متلعثمة خجلة :
- عن إذنك ، انا أنا هروح الكافتريا
تحركت عدة خطوات تهرب منه لتشهق فجاءة حين سمعت صوته يغمغم من جوارها عابثا :
- جربتي أنتي المكرونة اللي بتتعمل في كافتريا سياسة واقتصاد ، حاجة كدة عالمية ... فأنا بعزم نفسي على حسابك على مكرونة ، قولي لاء وأنا اسميكِ أريچ البخيلة حتى تندثر النجوم وتفنى العوالم
وضعت يدها على فمها تحاول ألا تضحك خاصة حين تقدمها يشير لها للأمام وكأنه رئيس جماعة الكشافة هذا الفتى فعلا عجيب
لم تكن أريچ فقط هي من في الجامعة فإن ذهبت لتلك الجامعة الخاصة القريبة منهم في كلية الإعلام تحديدا ستجد مرام داخل مدرج كبير لماذا ؟ سؤال يحتاج لإجابة
يبدو أن الجامعات تُرسل الرسائل إلى طلابها منذ فترة قبل أسبوعين رسالة وصلت لمرام بأن موعد إعادة امتحان إحدى المواد التي رسبت فيها سيكون بعد اسبوعين وهي تجاهلت الرسالة ، واليوم صباحا وصلتها الرسالة من جديد وللجو الخانق المسطير على منزلهم خاصة أن جواد ليس هناك ، قررت الذهاب لن تكتب شيئا فهي لا تعرف شيئا ولكنها ستحاول
جلست في مكانها المدرج جولها به عشر أشخاص على أقصى تقدير ، انتظرت بدأ الامتحان ، لحظات ودخل شاب طويل القامة ملامح وجهه جذابة بقدر لا يستهان به ، لن تلاحظ قسمات وجهه بقدر ما لاحظت ان حركة ساقه اليسرى ثقيلة بعض الشيء ، وكأنه كان يحاوط ساقه بجبيرة وكسرها قبل وقت قليل
وقف الشاب أمامهم يمسك في يده أوراق الامتحان يحادثهم :
- صباح الخير أو مساء الخير إحنا عدينا بعد الضهر بشويتين ، أنا باشمهندس زين مراقب اللجنة هنا ، زي ما بيقولوا كل واحد ليه هواية خاصة أنا هوايتي أن أنا أراقب على الامتحانات عشان كدة ما تحاولش تغش عشان مش هتعرف
وتحرك يعطي لكل منهم ورقته ، قلبت مرام عينيها تسخر منه بصوت خفيض :
- أنا باشمهندس زين نينينيي ، طبعا لازم يحط كلمة باشمهندس قبل اسمه ، لو قال أنا اسمي زين عادي يتحرق وبعدين ايه هوايتي إني أراقب على الامتحانات ايه الهواية السيكوباتية دي ، دا اكيد معقد ... كان بيحب المثلث ل م ن الشرير، مش أ ب ج الطيب
نظرت لورقة الامتحان أمامها تبحث عن سؤال واحد تعرفه لتجيب عليه والإجابة كانت لا شيء لم تعرف وهو يراقب يراقب كالصقر لن تستطيع أن تغش وعليه ستنسحب دون نقاش
اخذت ورقتها الفارغة وتحركت صوبه تعطيه الورقة تحركت لتخرج لتسمع صوته يتحدث :
- أنتِ يا آنسة رايحة فين دا ما عداش عشر دقايق وبعدين ما فيش خروج قبل نص الوقت ، وفوق دا ودا الورقة فاضية وحضرتك جاية تمتنحى ملحق يعني ، ارجعي لو سمحتي اقعدي مكانك وحاولي تحلي
تأففت حانقة عادت إليه تنتزع الورقة من يده تعود لمكانها ترميه بنظرة حادة كلما وقعت عينيه التي يحركها كمصباح الفنارة عليها ، عادت تنظر للاسئلة لتقرر أن تجيب بشكل عشوائي بحت عل أحد أو بضع من إجابتها تكن صحيحة لما لا ؟!
انكبت على الورقة تكتب ما لا تعرف من الأساس تحاول الوصول لأقرب إجابة من السؤال إلى أن اجفلت على صوته يقول :
- نص الوقت عدى اللي حابب يسلم
توسعت عيناها تنظر لساعة يدها ، نظرت لورقة الإجابة لتبتسم متفاخرة بكم المعلومات الغير صحيحة والتي تظنها هي صحيحة التي كتبت وملئت بها ورقة الإجابة ، قامت من مقعدها من جديد تعطيه الورقة ، نظر زين للورقة من جديد قبل أن يرتسم على شفتيه ابتسامة صغيرة :
- طب ما أنتي حليتي اهو ، على العموم ربنا يوفقك اتفضلي
وضعت النظارة فوق عينيها تخرج من المدرج توجهت توجهت إلى مقهى صغير داخل الجامعة وطلبت عصير وجلست شاردة تفكر في القادم ، تود أن تعمل ، أن تفعل شيئا جادًا ... فكرة الاستعانة بأبيها لن تفعلها بعد ما ألقاها بعيدا وكأنه ينفيها من حياتهم
مضى الوقت وهي تجلس مكانها إلى أن سمعت صوت رجل يأتي من جوارها:
- أنتِ البنت اللي اسمها مرام اللي كانت بلوجر تقريبا
تلك الكلمات باتت تضايقها بعد أن كانت تُسعدها ، نظرت للقائل لترى أحد الشباب الذي كان يجلس في لجنة الامتحان ، ابتسمت له تومأ برأسها ليخرج هو هاتفه يردف سريعا :
- ممكن صورة ؟
تذكرت شريف في تلك اللحظة كان يغضب كثيرا إن حدث موقف مشابه ، تنهدت تومأ برأسها وقفت بعيدا عن الشاب ليقترب الأخير منها يلصق جسده بها انتفضت تبتعد عنه تردف متوترة :
- لو سمحت احترم نفسك واتفضل ما فيش صور
شعر الشاب بالغضب الشديد منها ليعلو بصوته يسخر منها :
- إنتِ بتتنكي كدة ليه ، فوقي يا ماما إحنا اللي عملناكِ وعملنا غيرك كتير ، عشان نتسلى .. بي حقيقي الفيديو اللي اتشال دا من كل حتة كان طلقة أنتِ ترقصي وأنا اتسلى
توسعت حدقتيها ذهولا تشهق بعنف قبل أن ترفع يده تصفعه على وجهه بعنف تصرخ فيه :
- اخرس يا قليل الأدب ، أنت مش طبيعي امشي من هنا قبل ما اجيبلك أمن الجامعة
عاد الشاب يضحك من جديد ينظر لها بإزدراء يسخر منها :
- نادي يا حلوة وأنا هقولهم أنك كنتي بتعرضي عليا اني اصورك عريانة في الحمام وشوفي هيصدقوا مين ، أنا ولا الأستاذ اللي كانت بترقص على كل المنصات
- هيصدقوني أنا وهتتفصل صدقني
التفت الشاب خلفه ليرى زين يقف خلفه رفع هاتفه أمام وجه الشاب يسمعه جملته الأخيرة من جديد ، أشار زين لأحد أفراد الجامعة يغمغم :
- خدوا الأستاذ لمكتب العميد ، تعالي يا آنسة ما تخافيش أنا معاكِ
__________
في منزل جاسر مهران قرابة الرابعة عصرا سترى جاسر يجلس وجواره عاصم وأمامهم محمود يتحدث :
- يا عم عاصم فاطمة رافضة أننا نعمل فرح خالص وأنا عاوز أعمل فرح ، أنا اجلت الكلام في الموضوع دا لما يوسف عمل الحادثة ، بس بما أنه بقا كويس فأنا مش شايف إن في داعي للتأخير ، الشقة جاهزة وهي شافتها وعجبتها
وفاطمة وافقت الحمد لله ، خلافنا هنا على نقطة الفرح
أردف جاسر يحل عقدة تلك المشكلة :
-بسيطة نعمل فرح وما نعملش فرح بمعنى نعمله هنا في الفيلا ويبقى عائلي ، أفراح كتير بتحصل كدة وكدا نبقى راضينا جميع الأطراف
أيد عاصم ما قال جاسر :
- فكرة كويسة جداا خصوصا أن كتب الكتاب بكرة ومش هنلحق ندور على قاعة ولا نعزم حد فنعمله في حفلة هنا والعريس ياخد عروسته ويتوكلوا على الله يروحوا شقتهم
اختسلت طرب النظرات من خلف الباب الشبه مغلق تستمع إلى ما يقولون بالداخل قبل أم تشهق مذعورة حين امسكها رعد من تلابيب ثيابها من الخلف يهمس مغتاظا :
- بتعملي ايه يا هانم
التفتت له وجهها شحب من المفاجأة قبل أن تتنفس الصعداء تهمس حانقة :
- هكون بعمل ايه يعني ، مامتك وخالتك هما اللي قالولي اروح اسمع بيقولوا ايه ، وهيقرروا ايه ، اوعى سيبني أروح اقولهم
ضرب كفا فوق آخر يبتسم ساخرا في حين تحركت طرب سريعا صوب والدته التي تقف بعيدا تختلس النظرات هي الأخرى ، دخل إلى الغرفة يرحب بهم جلس جوار أبيه من الاتجاه الآخر لاحظ أن أبيه يشرد بين حين وآخر ، اقترب منه يهمس يسأله قلقا :
- بابا أنت كويس ؟
نظر جاسر لرعد يشعر بالحزن على حاله مما سيعلم ولكنه يجب أن يعلم ، وهو من يقرر ماذا سيفعل ابتسم يربت على ساقه يردف :
- لا يا حبيبي ما فيش ، صحيح الحفلة بتاعت عُدي جاسر ابن عمتك جاي ومعاه ضيف ... وأنا عايزك تيجي وتجيب طرب معاك مش هينفع تفضل محبوسة في قمقم كدة ، روح فرحها يلا وخدها واشتري ليها فستان جديد وطقم دهب ولا الماظ أنت ما جبتلهاش شبكة على فكرة
تعجب رعد من اهتمام والده المفاجئ ولكنه وافق ، قام ليغادر ليلحق جاسر به وقفا بعيدا عن عاصم ومحمود نظر جاسر لولده عدة لحظات قبل أن يهمس يسأله :
- أنت بتعرف تضرب رصاص مش كدة من ساعة ما كنت في الجيش !
قطب رعد جبينه يومأ برأسه بالإيجاب ليبتسم جاسر يربت على كتفه :
- مش هتوصل إن شاء الله لضرب الرصاص أنا عامل حسابي كويس
ومن جديد لم يفهم رعد ما قال ابيه وحين حاول أن يسأله ، دق هاتف والده فابتعد عنه يجيب وخرج هو من الغرفة يفكر شاردا فيما سمع ، يشعر بأن هناك مصيبة قريبة بعد أيام السكون هذه ، صعد لغرفته جلس على الفراش يفكر يحاول أن يربط كلمات والدته ليصل لخيطا ولكن لا شيء زفر أنفاسه يزيح الوسادة المجاورة له بعنف لم يلاحظ علبة الحلي التي تعلوها، فسقطت العلبة أرضا تأفف نزل ليجمع ما سقط منها لتشخص حدقتيه حين رأى شريط أقراص بينهم لم يرد أن يعتقد نفس الاعتقاد السائد فقلب الشريط ينظر لاسمه ، استل هاتفه يكتب اسمه على أحد مواقع البحث وكانت النتيجة التي ظنها ، اقراص لمنع الحمل ، بعد كل ما فعله لأجلها تجاهلت وجوده من الأساس وقررت من نفسها ألا تنجب ، ولحظها السيء وفي خضم غضبه دخلت إلى الغرفة ، توسعت عيناها حين رأت محتويات علبة الحلي أرضا والشريط في يده ، ومن ثم سمعت صوته يضحك قبل أن يسخر منها :
- أنا ما كنتش أعرف أنك متأثرة أوي كدة بالأفلام والمسلسلات وقررتي تعيشي واحد منهم وتاخدي حبوب منع الحمل من ورا جوزك ، وبعدين هوب الزوج يلاقي الحبوب فيغضب ويثور ويقرر يطلق مراته وبعدين يكتشف أنها حامل فيرجعلها بعد ما تولد ويسموا كريم وتوتا توتا خلصت الحدوتة ، أنا عندي سؤال مالوش تاني ليه ؟!
ارتجفت تنقل أنظارها بين الأقراص ونظراته الغريبة التي لم تعهدها منه قبلا ابتلعت لعابها تهمس مرتعشة :
- أنا بس ، أنا بس كنت خايفة .. خايفة من إني ابقى أم دلوقتي فقولت نأجل الموضوع شوية
- نااا وأنتي حاطة نون أنتي قصدك تأجلي الموضوع شوية منك لنفسك
صاح بها ساخرا قبل أن يلقي شريط الأقراص أرضا ، يدهسه بحذائه في طريقه إليها فشعرت بالخوف وتلك كانت المرة الأولى التي تخشى فيها من رعد وقف أمامها يردف ساخرا :
- أنا بقا عايز ابقى أب ... عايز يونس وفجر وغيرهم ... عارفة لو كنتي قولتيلي انك مش مستعدة للخلفة وعايزة تأجلي عمري ما كنت هرفض ، دلوقتي بما إنك قررتي ونفذتي ، فأنا من حقي أقرر وانفذ
طريقة رعد الغربية كلماته السامة نظراته الحادة جعلت جسدها يرتجف تعود بخطاها للخلف ، فيما يفكر رعد تحديدا ؟! ، تجمعت الدموع في عينيها تهمس تعتذر له :
- رعد أنا آسفة ، أنا بجد آسفة .. أنا بس كنت
خايفة
حرك رأسه للجانبين يبسط كف يده على وجنتها لتنتفض داخل كفه في حين همس هو بنبرة سوداء لم تعهدها قبلا :
- أنا بكره الخيانة أوي يا طرب ، وأنتِ خنتي ثقتي فيكِ ، خدعتيني وأنا اللي كنت خايف على مشاعرك ومش عايز اقولك تعالي نكشف عشان بس ما تزعليش ، طلعت مغفل ، مغفل أوي يا طرب .... قدام الناس برة الأوضة دي هنتعامل عادي أول ما يتقفل علينا باب تختفي من قدام عينيا ، عشان أنتِ متخيلة أنا شيطان نفسي عايزني أعمل فيكِ ايه دلوقتي
بكت بعنف فتحت فمها لتعتذر ، تقول شيئا ولكنه لم يعطيها فرصة حتى وتركها وغادر يصفع الباب خلفه لتتهاوى أرضا تبكي ، ها هو أول قارب مال قليلا صوب القاع لم يغرق بعد فلجة البحر لازالت لم تعلو إلى الآن قريبا ستفعل
___________
قرابة الخامسة عصرا في قصر نصار البعيد يقف نصار أمام لوحة كبيرة علق عليها عدة صور يتوسطها صورة رجل مُسن يجاورها صورة جاسر مهران يعقد ذراعيه خلف ظهره يفكر فيما سيحدث ، جاسر يخطط لشيء تركه الصفقة بتلك البساطة ، ذلك السكون الذي يلفه هذه الأيام من مراقبته لجاسر منذ أعوام طوااال جاسر لا يسكن لذلك الحد إلا ليُفجر بركانا بعد ذلك ، هو على أتم ثقة أن جاسر لم يصل إليه ... الحل الأرجح الآن هو أن طرب أخبرت جاسر عن عُدي وتهاني وتلك الحفلة التي أصر بالأمس أن ينظمها هو ، في منزل جلال المهدي سيقيمها ليغتال الحمقى
تحركت عيني نصار على صورة تهاني ، تلك العاهرة لم يعد بحاجة إليها على كل حال ، بالعكس إن وضع جاسر يده عليه ستخبره بأمره ، وهو يود أن يذلل العقبات بينهم حتى يصبح مقرب ، مقرب للغاية شريك لا أقرب صديق لا أقرب ، ربما شقيق وجزء من عائلة مهران حتى يتسنى له قتلهم على حدى
أجفل على صوت خطوات خلفه بالتأكيد عمار ابتسم يردف ساخرا :
- بقولك يا عمار ، هي لو تهاني ماتت هتزعل مني
- لو خلتني أنا اللي اقتلها هعملك تمثال
قالها عمار ببساطة لتتعالى ضحكات نصار ، التفت ينظر إليه وضع يده على كتف عمار قبل أن يغمغم :
- جاسر مهران مش هيعدي الحفلة دي على خير ، عشان كدة أنا عاوزك جوا الحفلة بس ما حدش يشوفك ، ولما تاخد مني إشارة تضرب تهاني بالرصاص ، اوعى قلبك يحن
ارتسمت إبتسامة ساخرة على شفتي عمار يتهكم من جملته الأخيرة :
- أنا قلبي يحن على كلب في الشارع وما يحنش عليها ، الست دي كان لازم تموت من زمان ، من زماان أوي كمان ، ما تقلقش هخلصك منها
ابتسم نصار متفاخرا يربت على كتف عمار ، التفت الأخير ليغادر حين سمع صوت نصار يحادثه بنبرة حادة :
- عمار ، أنا عارف أنك روحت شوفت البت اللي اسمها مليكة مرتين مش مرة واحدة ، المرة التالتة صدقني رد فعلي مش هيعجبك ، أنا لسه عامل خاطر ليك ، ما تزعلنيش منك ، آه أنا مش عايز أي تدخل من ناحيتنا في الحفلة خالص
أنا مجرد شريك جاي أحضر حفلة ، لو الحرب قامت جوا الحفلة تحمي جاسر مهران
شخصت عيني عمار ذهولا قبل أن يلتفت لأبيه يغمغم مذهولا :
- احمي مين ؟! جاسر مهران ما نقتله ونخلص منه
ضحك نصار قبل أن يضجع إلى مقعده يحرك رأسه للجانبين يتشدق ساخرا :
- ومين قالك إني عايز اموته ، بالعكس أنا هخليه هو يموت نفسه ، أنا عايز اشوفه مذلول بيتحسر على حياته وفلوسه وشركاته. اللي هي اصلا المفروض تبقى حياتي وفلوسي وشركاتي وهو سرقني وبعلاقاته رماني في مصحة للأمراض العقلية عشان ياخد كل حاجة كان فاكر إني ميت ، أنا هخليه يتمنى الموت
___________
حل المساء وما زالت سيارته العزيزة المسكينة لم تأتِ بعد ، يود العودة ، يود أكثر الاطمئنان على سيارته ... يسب نفسه على أنه ترك سيارته بعيدا عنه ، خرج فتحي من داخل البيت ينظر لذلك الشاب الذي يكاد يسقط صريعا خوفا على سيارته !! ، تنهد يغمغم للمرة الالف تقريبا :
- يا ابني تعبت قلبي ادخل يا دكتور ولما العربية تخلص هيكلموني تستلمها ما تقلقش عليها ، ادخل يا ابني اتعشى دا أنت مش راضي تاكل لقمة من ساعة ما جيت
تنهد جاسر حانقا قام من مكانه لا ينكر أنه يشعر بالجوع الشديد تحرك خلف فتحي إلى الداخل رأى طاولة طعام كبيرة عليها ما لذ وطاب ابتلع لعابه ومعدته تسبه لأنه لم يطعمها اي شيء منذ الصباح بحث بعينيه عن مليكة فلم يرها رأي سيدة جميلة تشبه مليكة لحد كبير ، ابتسم لها قبل أن يربت فتحي على ظهره يحثه على الجلوس :
- اقعد يا ابني كُل ، الأكل مافيهوش كسوف
ابتسم يشكر فتحي ، جلس جواره على طاولة الطعام أمامه جلست شاهندا ، ومن جديد سمع خطواتها على السلم ولكنها كانت أكثر هدوءً مما سمعه صباحا وجه أنظاره للسلم ليبتسم حين رآها اقتربت تجلس جوار والدتها بعد أن ألقت عليهم التحية بصوت خفيض متوتر
لم يستطع فتحي سوى أن ينظر لابنته حزينا ، طوال تلك السنوات وهي تعاني بمفردها وتضحك في وجوههم ، دق هاتف فتحي برقم العامل ليجيب سريعا :
- ايوة يا طه طمني على عربية الدكتور
استمع لبضع لحظات قبل أن يقطب جبينه تنهد يردف :
- ماشي يا طه ، مع السلامة
أغلق الخط لينظر جاسر له متلهفا ليحرك فتحي رأسه للجانبين يردف :
- معلش يا ابني العربية لسه ما خلصتش هتخلص بكرة بإذن الله ، أنت اتعشى واطلع اوضة الضيوف سواد الليل وهتكون العربية خلصت بإذن الله
اعترض جاسر على تلك الفكرة بشدة :
- لالالا يا حج أنا مش جاي اتقل عليكوا ، أنا هاخد اي عربية راجعة وابقى اجي
- ولية يا ابني المشورة دي هو أنت هتاكل من البيت حتة ، البيت كبير وفي أوض كتير ما شاء الله
ومن ثم ربت على كف يده يردف :
- البيت بيتك يا ابني ما فيش داعي للكسوف ، أقولك ما تقلش في الأكل عشان هولع حطب واشوي درة
ارتسمت إبتسامة كبيرة على شفتي مليكة يبدو أن تحب الذرة كثيرا على ما يبدو ، نظر فتحي إلى ابنته يغمغم :
- ايه يا كوكي ساكتة ليه ، دكتور جاسر قالي انكوا جيران حتى وانك وقفتي جنب أخته كتير في فترة مرضها ، قومي يلا هاتي الدرة من المطبخ
قامت مليكة تتوجه إلى المطبخ ، في حين وقف جاسر يغمغم :
- أنا الحمد لله شبعت
قام فتحي يجاوره :
- طب تعالا معايا اديك جلبية من عندي تبات فيها للصبح ، ما تقلقش هتلاقي مقاسك ، عندي لسه جلابيب وأنا لسه شابك قدك كدة
صعدا لأعلى لتقم شاهندا سريعا تلحق بابنتها أمسكت بذراعها لتنظر مليكة إليها ، توترت أمام نظرات والدتها قبل أن تهمس متعجبة :
- في اي يا ماما بتبصيلي كدة ليه
ابتسمت شاهندا تكتف ذراعيها أمامها تهمس بنبرة خبيثة :
- في اي يا ماما ولا في اي يا مليكة ، دا أنتي من ساعة ما شوفتيه الصبح وطلعتي تجري على الأوضة وانتي بتكملي نفسك ، ولما نزلتي تاني وشوفتيه عينيكِ لمعت جداا ، وطول ما إحنا قاعدين عمالة تبصيله من تحت لتحت ، وفرحتي أوي مش عشان الدرة لاء عشان هو هيبات هنا ، أنت بتحبيه يا مليكة ودا باين أوي على وشك على فكرة ، احكيلي بقى كل حاجة من طقطق لسلام عليكم وسيبك من الدرة دلوقتي
في الأعلى ، في غرفة الضيوف التي سيمكث بها جاسر ، فتح نافذة الغرفة ليبصر منزل ضخم بعيد عنهم ،يبدو في عتمة الليل مرعبا ، نظر صوب البيت قبل أن يسأل فتحي :
- بيت مين دا يا عم فتحي ، شكله متطرف عن البلد
اقترب فتحي ينظر للبيت البعيد قبل أن يردف :
- بيقولوا قصر واحد اسمه حازم سليمان كان شاريه من سنين وقفله . في فترة من مدة طويلة جه واحد قريبة قعد فيه ومعاه عيل ، بس ما كانوش بيخرجوا ما حدش كان بيشوفهم ، أنا افتكر أنهم سابوه من سنين ، يلا غير هدومك هستناك تحت
وتركه ونزل ، ووقف جاسر يفكر فيما قاله له ويربطه ، رجل وطفل صغير .... مليكة تملك عدة مقاطع فيديو وهي صغيرة إلى أن باتت شابة يعني ذلك أن عمار كان يراقبها منذ سنوات ، إذا عمار هو الطفل الذي جاء بصحبة الرجل ، ولكن من حازم سليمان هذا ؟! اسم آخر لا يعرف صاحبه
فتح هاتفه يكتب اسمه على أحد مواقع البحث واكتشف أن الرجل كان من أشهر رجال الأعمال منذ سنوات طوال ، ولديه عدة شركات والمفاجأة الكبرى أنه حين توفى ، كتب أملاكه بالكامل لجاسر مهران ، لخاله ؟!!! ومن ضمن المعلومات التي قرأها عنه ، أن حازم كان لديه وليد وحيد ومات قبله حتى ، لا يفهم شيئا
ما علاقة خاله بكل هذا ، المكان الوحيد الذي سيحصل منه على إجابات هو الحفل !
__________
جهاز ضربات القلب يعلو ونبضاته تتزايد بشكل ملحوظ ، وصافرة الإنذار دُقت تبلغهم أن الفتاة الصغيرة القاطنة في تلك الغرفة عادت للحياة من جديد !!