رواية القلب أخضر الجزء الثانى الفصل الثامن و العشرون بقلم رباب عبد الصمد
كانت فريدة قد اتت على اثر صوت اخيها العالى وما ان وجدته هكذا مصوب فتحة بندقية والد ليلى فى صدره الا وشهقت بصرخة ضعيفة فقد خافت ان يتهور الحاج نعمان
ساد الصمت لبرهه فمد ايوب يده وسحب البندقيه وفتح خزانتها والقى ما بها من رصاص حى على الارض وقال : عليك ان تعبا قلبك بالحنان قبل ان تعبا بندقيتك بالرصاص
جلس الحاج نعمان بوهن على اقرب كرسى وقد اغرورقت عيونه بالدموع وقال : اعرف ان ابنتى طاهرة ولكنى اردت ان اخمد نار تلك الاشاعة حتى ولو بقتلها قبل ان تنتشر فى البلدة فتشتعل نار الثار من جديد فكنت افكر فى ان اضحى بابنتى بدلا من ان اضحى بقرية كاملة
اقترب علي بهدوء وقال بنبرات تحمل الرجاء : اهدا يا والدى فلن تشيع الشائعة ولن تشتعل نار الثار فها هى عائلة الحاج صالح فى دارنا وكبيرها بين يديك يؤكد لك ان مايدور فى عقلم مجرد اوهام
الحاج نعمان بكسرة اب موجوع فى عرضه : ليتك تشعر بالخناجر التى تمزق نياط قلبى وانا اسمع على ابتى هكذا والادهى انها هربت واختفت
ايوب وقد عاد لهدوءه : ابنتك بكل خير يا رجل وستعود قريبا ومعها براءتها وان كانت من الاساس ليست فى حاجة لاثباتها ولكنها خلقت عنيدة مثلك
تعجب الحاج نعمان من ثقة ايوب ولكنه كتم وشعر ان
الخيط الذى سيوصله لابنته يبدا من عنده
كل هذا وليلى ترقد فى سريرها شاردة الذهن تداعب شعر ريحانة التى بدورها تلعب بدميتها الصغيرة جوارها
كانت تتذكر وكلها اشتياق إليه يحرق صدرها وتذكرت لحظة الفراق وقارنتها بلحظة اول لقاء فتعجبت لاقدارها ودمعت عيناها وهى تتذكر عينيه التى كادت تبكى وهو يودعها
قالوا حبيبك خلف البحر منفاه
قلت الحبيب هنا فى الصدر سكناه
عيناى تبصره فى دار غربته
كذاك تبصرنى فى البعد عيناه
يوم الوداع بكى جمرا على كتفى
وقد تمكن من كفى كفاه
نادر الدمع والانفاس ساخنة
ورشة العشق تغشانى وتغشاه
ذكراه تسكن فى روحى وفى كبدى
ولن تغيب اذا ما غاب ذكراه
علي وهو ينظر لايوب نظرة ذات معنى فهمها ايوب
بسرعة : كم افرحنى عودة زوجتى الى بيتها يا ايوب ولكن ليست من شيمتى ان اخذها لتنام بين احضانى وانعم بدفاها ووالدتها تتجرع المرض وانا الان الذى اطلب منك ان تاخذها معك حتى تطيب والدتك
تعجبت فريدة وكادت ان تنطق بانها لا تود الرجوع لبيت ابيها ثم ان والدتها فى احسن حال ولكنها صمتت اذا انها تعجبت من رد اخيها الذى قال بكل ود وترحاب : هذا كرم زائد منك يا على وانا نفسى كنت اود ان اطلب هذا ولكنك سبقتنى بكرمك
كانت فريدة تشتعل غيظا فهى لا تفهم شىء ولا تود الرجوع ولكن ان تكلم اخاها لا يجوز لها ان ترد كلامه
علي بابتسامة عذبة ليطمئن زوجته قال : اذهبى لغرفتك جهزى حقيبة ابنتك وخذيها معكى
استاذن الحاج نعمان الذى شعر ان هناك فى الامر شىء وقال مودعا لايوب : لبيت بيتك يا ابن العزيز والغالى واستاذنك فقد ضعف جسدى وارهقنى
رد ايوب التحية بوقار فتركهم وما ان اصبح ايوب وعلي بمفردهم حتى شعر علي بلهفته فى السؤال عليها فاقترب منه وقال : هى فى احسن حال
ايوب بلهفه عاشق : هل رايتها ؟ وكيف عرفت مكانها ؟ وكيف حالها بالله عليك طمنى
ابتسم ايوب وقال : لا يهم كيف عرفت مكانها الان والاهم انها اكثر منك اشتياقا لك وقد عرفت منها كل شىء حدث
خفق قلب ايوب وقال : صدقنى يا على ما كنت اعرف انها كانت زوجى لاخى اقسم لك
ابتسم علي وقال : لا عليك من القسم فانا علمت كل شىء
ايوب بلهفة : كيف حالها
علي : اشتاقت لقطرات دمك التى تحيها والان هى قد فقد الحياة
ايوب بالم : انا كلى لها فهيا بنا
فى تلك اللحظة اتت فريدة ومعها ابنتها وحقيبتها ولكنها لم تنظر لعلي واقتربت من اخيها وركنت جامنبة ونظرت ارضا وهى تمسح دموعها مما جعل ايوب يطلق ضحكة عالية من اعذب ضحكاته وقال : اه من لوعه الغرام ايتها الشقية وضربها بخفة على راسها ثم نظر لعلى الذى كان واقفا امامهم مبيتسما على حالها واستاذن وقال : سانتظركم فى الخارج ثم نظر لاخته بنصف عين وقال مشاكسا لها . لا تتاخران على كثيرا واعلموا ان الاب يغار على ابنته حتى من زوجها وانا لا اضمن نفسى ان غبتما على ماذا سافعل ثم مد يده واخذ منها ابنتها وقال مناغشا . اريدها ان تلهينى عن غيابكما حتى لا اتهور واعود بسرعه
ضحك علي وخرج ايوب وظلت فريدة تنقل ببصرها بين اخيها وزوجها ولا تفهم شيئا
ما ان خرج ايوب الا واقترب على من فريده بهدوء ضمها الى صدره وقبل جبينها فبكت هى بشهقة وتشبثت فى صدره فكنها اخيرا وجدت ضالتها
شد عليا واسند براسه على راسها واخذ يتنهد الما لهذا الفراق فقال لها هامسا : الان فقط ردت الى روحى
تشبثت فيه اكثر وبكت اكثر فضمها اكثر حتى كاد يعتصرها من كثرة شوقه
كلما اشتقت اليك عاتبت نفسى
فانا من صنعت هذا الفراق
فلا احيانى كاس من الذكرى
ولا احيتنى لحظات الاشتياق
رفعت راسه ونظرت فى وجهه فتقابلت عيونهم التى كانت من السنتهم فى التعبير عن اشتياق لقلوبهم فاقترب منها وقبلها قبلة اشتياق حتى نسوا ان هناك من ينتظرهم فى الخارج
علي بهمس فى اذنها : لقد تاخرنا على فهدك الثائر واخشى ان يثور علي انا
فريدة : صحي ما معنى كلمكم هذا فامى فى احسن حال
خرج بها علي وهو يحيطها من كتفيها : نحن ذاهبين الى ليلى
فريدة بشهقة مخلوطة بفرحة : احقا ما تقول سنذهب لليلى
كاد على ان يجيبها الا ان ايوب هو من رد عليها وقال بجدية : نعم يافريدة نحن ذاهبون اليها ولاول مرة اترجاكى واطلب منك ان تنتبهى لها ولصحتها
فريدة بتعجب من حال اخيها ومن طريقته العاشقة : وكيف عرفت طريقها وكيف عرفتها من الاساسفانت لم تراها من قبل
علي : هيا الان وساشرح لكى كل شىء
وقف الثلاثة امام منزلها وكلهم شوق لرؤيتها ولكن اكثرهم لهيبا كان ايوب
ما ان فتح علي الباب الا وركضت ريحانه نحو ايوب فحضنها وحملها يقبلها وقال : كيف حال ريحانتى ؟
تعجبت فريدة لهذا الود بينهم ولمعت عينيها وهى ترى لهفة شقيقها فى الاطمئنان على ليلى حتى انه اخذ يجول بنظره بسرعة فى كل انحاء المكان فقد شرح لها علي كل شىء
ربت على على كتفه وقال : انها فى غرفتها ترقد فى سريرها فقد حرمت على نفسها حتى دمى وحالتها ساءت
نظر له ايوب نظرة اشتياق لرؤياها محمله بحزن والم على حالتها ولكنه لم يتفوه بحرف فابتسم على وقال سادخل اخبرها
بينما فريدة اقتربت من اخيها فلاول مرة تراها بهذا الضعف فشعرت بجسده ينتفض من اللهفة فقالت ووجها مرسوم بابتسامة حانية : ونعم اختيارك يا ابى
ابتسم لها ولم يرد فعقله شارد فى جهه اخرى
خرج علي واشار لهم بالدخول فدخلت لها فريدة راكضة فوجدتها تحاول القيام من مكانها ولكنها كانت شاحبة هذيلة فاقتربت منها ومنعتها القيام واحتضنتا بعضهما البعض بشوق وما ان وقعت عينيها على ذاك الثائر الواقف خلف فريدة فلمعت عينيها بالدموع حتى انها ظلت محتضنه فريدة ولكن عينيها محتضنه عينيه فى لهفة
كانت عين علي تراقب اخته وبداخله فرحة لاجلها فها هو الان يرى الفرحة فى عينيها تلمع من جديد
ابتعدت فريده عنها ثم قامت واقتربت من علي وغمزت له ليتركوهم للحظات
ما ان خرجوا حتى اقترب منها ايوب ويكاد يرتعد لهفة وشوقا وكذلك حزنا والما على حالتها وقال بصوت هادىء عذب : كيف حالك
ابتلعت ريقها من التوتر من اثر لهفته عليه وقالت : فى احسن حال
ايوب : ما الذى اوصلكى لتلك الحالة هل هذا ما اوصيتك به الم اقل انتبهى لصحتك لما اوجعتينى عليكى الم اقل لكى حافظى على روحى التى تركتها امانة بين ايديكى فما الذى جعلك تهمليها اهانت عليكى ام وجدتى من اهو اعظم منى بالاهتمام
تمزقت لاجل اشتياقة وانقبض قلبها فرحة فمجرد كلمة اهتمام منه سرت بداخلها كما الدم الذى يجرى فى العروق فتوردت وجنتاها وانتعش الدم بعروقها وازدادت نبضات قلبها ونطقت خلاياها باسمة فصار وكانما رد الروح لها
قالت له بصوت ضعيف : لما قطعت رحلتك وانا اعلم اهمية وجودك مع طاقمك الم تخف ان يحدث شىء للرحلة فيضيع معها تاريخك
نظر لها يتامل وجهها فقد كان فى قمة اشتياقه لها وساد صمت بينهم مما جعلها تتوتر وتهرب من عينيه وتنظر ارضا
مد يده تحت ذقنها فرفع وجهها لتتلاقى عيونهم مرة اخرى وقال : اى رحلة تلك التى تتحدثين عنها لقد انتهت منذ ان تركتيها فلم يعد هناك رحلة ثم كيف يطيب لى البعد وانتى فى حاجة الي
صمت لبرهة ومد كفه بكل هدوء وحضن كفها فارتعدت وشعر بها فربت عليها بكفه الاخرى لتهدا ثم قال جاء دورى فى السؤال : هل طاب لكى منام وانتى بعيدة عنى
ليلى بسرعة : لقد جفانى النوم لانى قد حرمت من دفء انفاسك
دعنى اسالك حبيبى هل يليق الفراق بنا
هل نستطيع البعد بعد ما ذقنا حلاوة حبنا
فكيف تمر الليالى ان لم تتلاقى عيوننا
وكيف تنام الجفون ان لم تتعانق بالليل اكتافنا
وكيف يكون الصباح لولم ارى بسمتك تروى عشقنا
دعنا نوقن ان الفراق غير مسموحله ان يزور دروبنا
دعنا نشد ايادينا قويا ونكون اقوى من ضعف ابتعادنا
لم تستطيع النطق بحرف واحد وهى تراه قد اقترب اكثر منها وضمها حتى قبل جبينها لم تعترض فقد كانت هى اكثر اشتياقا منه ودوما ما تشعر ان كلماتها تبعث فيها روحا جديدة
ايوب باتسامة وغمزة عين : ساتصل بالطبيب حالا لتاخذى جرعتك من دمى
وقبل ان يقوم من مكانه قالت بسرعة : ارايت ما فعله بى صاحب النجمة الداكنة
جلس جوارها مرة اخرى وهو متعجب من الكلمة وضيق عينيه وقال ماذا تقصدين بالنجمة الداكنه ؟
قالت : صاحب النجمة الداكنة الذى ظهر فى سمائى ليعكرها كما قالت لنا العرافة
اخذ نفس عميق وتنهده بحراة فقد تذكر الموقف وكلام العرافة وعرف من هو صاحب النجمة الداكنة ثم ربت على يديها وقال : لا تقلقى فقد وجد بداية شعاع امل لنجاة موقفنا
ليلى : اى شعاع امل ينجينى من عرضى الذى لوثه اخيك
دمعت عيناها وقالت : الان علمت لما اشفقت على ولم توافق ان اعود لبيت عائلتى
مد يده ومسح دموعها وقال : ارجوكى لا تمزقينى واسمعينى جيدا ان اكبر اثبات لكرامتك هو تمسكى انا بكى ولم اكن اعرف كيف سيكون ذلك حتى وجدت الحل قد ارسله الله بين يدى
تنبهت له وسالته : كيف هذا
قال : ساشرح لكى فى حينها ثم قام من جوارها ونادى على على وفريدة ثم استدعى الطبيب وما هى الا ساعة من الزمن كانت ليلى مستلقية على سريرها ودم ايوب يجرى فى اوردتها ولكن الجميع كانوا صامتين فقد غمهم الطبيب بان حالتها تزداد سوءا ومن المحتمل الا يكتمل حملها على خير فالجنين غير مكتمل كافيا بالنسبة لعدد شهور الحمل وان اكتمل فالراجح انه لن يعيش طويل
باتت ليلى ليلتها والدموع لم تفارق وجهها وكان ايوب اشد المتاثرين لحالها
تبتسم وفى عينيها دمعة كانها البدر فى سماه
لو نظر البدر الى عينها لبكى خجلا منها وتاه
ولو شم الورد عطرها غار فسبحان ما خلق الاله
يارب ادم فى الحياة فرحها وادم ضحكها على الفاه
فريدة بهمس لعلى : انا مشفقة جدا على ليلى فاصعب شىء على الام ان تشعر ان طفلها لن يعيش فهى تجاهد لاجل تكذيب ذلك
على : انا على العكس فانا فى اشد فرحتى فقد يكون هذا خيرا لها حتى لا يربطها باخيكى شىء ويكون الطريق بينها وبين الفهد ممهد
فريدة : عندك الف حق الله يدبرها للخير