رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الثامن والعشرون
بناء على رغبة القراء هنحط في بداية كل فصل كل عيلة بولادها عشان الناس اللي لسه بتتلغبط
جاسر ورؤي أبطال الأجزاء اللي فاتت عندهم 6 أولاد رعد وجوري أول تؤام
يوسف ومريم تاني تؤام
سليم وياسين آخر تؤام
----------------
نرمين أخت جاسر اللي جاسر كان بينتقم من صبري وبنته شاهندا عشانها
نرمين وياسر جوزها عندهم 2
( جاسر الكبير 29 سنة دكتور نفسي
اريج في 2 كلية طب )
ياسر كان ليه بنت من مراته اللي ماتت قبل ما يتجوز نرمين اسمها سما جوزها اسمه مصطفى
______________
عاصم أخو رؤي خال العيال اللي كان بيحب تهاني واتجوز حلم في الجزء التاني عنده ولدين
حسين الكبير مهندس ، مراد الصغير في ثانوية عامة ساقط سنة
_____________
رؤى كان ليها جيران أخ وأخت ساكنين سوا اللي هما عمرو وايمان
ايمان اتجوزت علي صاحب جاسر وعندها شريف الكبير ظابط شرطة ، وليان الصغيرة المدلوقة على الجاموسة جواد
_________
أما عمرو فاتجوز روان بنت صاحب الشركة اللي كان شغال فيها وخلف ولد وبنت
جواد جاموسة متنقلة مهندس ديكور
ومرام دلوعة ماما 22 سنة في كلية إعلام ومخطوبة لشريف ابن عمتها
_______
فاضل طرب وملاك ، ومليكة وتوحة وكل الناس دي هنعرف اصلهم وفصلهم فيما بعد
لما تتلغبط اطلع بص هنا وكمل الفصل عادي
نبدأ الفصل❤
___________
الثامنة مساءً حين تحركت مليكة من منزلها بعد إتصال جاء إليها من عيادة قاسم ، أخبرتها الممرضة أنها سيكون في انتظارها ، قاسم عاد أخيرا .. ترددت كثيرا قبل أن تذهب ورغبة ملحة تخبرها ألا تذهب ألا تفتح تلك الجراح من جديد ، ففتح الجرح مؤلم كألم حدوثه وربما يزيد .. توقفت سيارة الأجرة أمام عيادة قاسم نزلت من السيارة تتحرك لأعلى إلى أن وصلت إلى العيادة ابتسمت المساعدة لها تشير لها إلى الغرفة المقابلة :
- اتفضلي يا آنسة مليكة دكتور قاسم مستنيكي
كويس أنك ما اتأخريش
ابتسمت مليكة تشكرها تحركت ناحية باب الغرفة وضعت يدها على المقبض وزفرت أنفاسها بقوة تحاول أن تهدأ ، فتحت الباب تدخل إلى الغرفة أول ما قابلها كانت ابتسامة قاسم الهادئة ، ابتسمت له اقتربت تجلس على المقعد جوار مكتبه تردف :
- حمد لله على السلامة ، أخبار المدام ايه يارب تكون بخير
اومأ قاسم برأسه بالإيجاب يرد مبتسما :
- الحمد لله عدت على خير ، أنا بعتذر طبعا على سفري المفاجئ ، بس أنتي عرفتي اللي حصل ، ها قوليلي جاهزة نبدأ
انتظرت بضع لحظات قبل أن تحرك رأسها بالإيجاب تستعد لخوض معركة مؤلمة للغاية ، زفرت أنفاسها بقوة تهمس :
- لحد ما سكن عمار الشقة اللي قصادي ، عمار الشاب المرح المبتسم دايما ، طباخ شاطر ورسام هايل ، ميكس غريب ما كنتش متخيلة أنه موجود أبدا ، أول مرة اتعرفت عليه خبط عليا فجاءة يسألني هي الكيكة بتقعد قد ايه في الفرن
Flash back
كانت تجلس أرضا داخل شقتها تحتضن ركبتيها لصدرها تنهمر دموعها في صمت حين سمعت صوت دقات على باب منزلها انتفضت سريعا تمسح دموعها وقفت عن مكانها متوجهة صوب الباب ، فتحت جزء صغير ليقابل وجه شاب تقريبا في العشرينات مثلها يقف أمامها يبدو متوترا للغاية انفرجت قسماته ما أن رآها يغمغم سريعا متلهفا :
- معلش يا آنسة بزعجك بليل الكيكة بتقعد قد ايه في الفرن
جعدت جبينها متعجبة ما يقول قبل أن تحرك رأسها للجانبين تهمس مرتبكة :
- لاء ما اعرفش
زفر أنفاسه قبل أن يهرول إلى شقته التفت يشكرها :
- طب أنا هروح افتح عليها وخلاص يارب بس ما تهبطتش ، معلش يا آنسة أنا آسف على الإزعاج
ودخل إلى شقته مرة أخرى وهي تقف مكانها لا تفهم ما الذي حدث توا ، دخلت إلى شقتها من جديد ارتمت على أقرب مقعد قابلها تغمض عينيها متعبة مرت عدة دقائق قبل أن تسمع دقات على الباب من جديد زفرت أنفاسها حانقة ، توجهت صوب الباب تفتحه لتراه يقف أمامها يمد يده له بصحن يعلوه قطعة كعكة كبيرة على شفتيه ابتسامة كبيرة يغمغم متحمسا :
- ما هبطتش وما اتحرقتش ، دوقيها
ما باله ذلك الشاب أهو مختل ؟! ابتسمت متوترة تحاول أن تعتذر منه :
- معلش أنا ....
قاطعها قبل أن تكمل يغمغم سريعا يترجاها :
- لاء أرجوكِ أنا أول مرة أعمل كيكة ، دوقيها قوليلي بس حلوة ولا وحشة أنا بقبل النقد عادي
بدا كطفل صغير وهو يترجاها لأجل أن تتذوق كعكته ابتسمت تأخذ الشوكة اقتطعت جزء من الكعكة تتذوقها وهو يقف يراقبها متلهفا ، ولا تنكر أن الكعكة كانت حقا لذيذة المذاق .. ابتسمت تومأ برأسها تغمغم :
- حلوة جداا بجد تسلم إيدك
ارتسمت على شفتيه ابتسامة كبيرة تنفرج قسمات وجهه فرحا ترك الصحن بين يديها يغمغم فرحا :
- بجد ، أنا مبسوط أوي .. دا عشانك أنا كنت جايبة ليكِ اصلا تصبحي على خير
ولم يعطها فرصة للرد دخل إلى منزله يغلق الباب وهي تقف مكانها للمرة الثانية مذهولة مما فعل جارها الغريب
في صباح اليوم التالي في طريقها للجامعة ، حين وقفت أمام المصعد سمعت صوت باب الشقة المقابلة لها يُفتح وخرج هو ، ابتسم ما أن رآها رفع يده يعبث في شعره يغمغم مبتهجا :
- صباح الخير ، أنا بعتذر حقيقي عن الإزعاج اللي عملته امبارح بس أنا الحماس بياخدني ، وبعدين أنا أول مرة أعمل كيكة ، أنا بعرف أعمل كل الأكل الحادق تقريبا إنما كانت تجربة اولى في الحلو يعني ، صحيح أنا اسمي عمار في آخر سنة في فنون جميلة ، وأنتِ
ابتسمت له حين جاء المصعد تنحى جانبا لتدخل هي أولا ، التفت له تتمتم :
- مليكة في سنة تالتة زراعة ، ما حصلش حاجة للاعتذار ، حقيقي الكيكة كانت حلوة جداا شكرا
رأته يبتسم سعيدا يومأ لها ، حين خرجا من المصعد توجه هو لسيارته وتوجهت هي لتوقف سيارة أجرة ، تحرك صوبها يعرض عليها إيصالها بنبرة مرحة :
- تعالي اوصلك ويا ستي اعتبري نفسك طالبة أوبر اركبي ورا وابقي راضي السواق بعشرين جنية
ضحكت بخفة على ما يقول حاولت أن تعتذر ولكنه لم يقبل تماما تحرك أمامها يفتح لها الباب الخلفي للسيارة ، دخلت إلى السيارة تشكره في حين جلس هو خلف المقود ، يفتح مكيف السيارة يغلق النوافذ التفت لها برأسه يغمغم ضاحكا :
- خدي بالك دي رحلة مكيفة يعني هاخد 23 جنية ونص
ضحكت عاليا تومأ برأسها موافقة ، قبل أن تحمحم مرتبكة حين لاحظت نظراته الشاردة لها وهي تضحك ، حمحم يدير محرك السيارة
قبل أن يأتي بكلمة يقولها دق هاتفها ، فتحت حقيبتها لتبصر رقم والدتها ابتسمت تفتح الخط تغمغم سعيدة:
- وحشاني أوي يا ماما ، عاملة ايه يا حبيبتي ، يا ماما لحقت اوحشك دي السنة لسه في أولها
حاضر يا حبيبتي هحاول اخلع يومين كدة واجيلك ، وبصراحة بقى أنا وحشاني الملوخية اللي بالأرانب دي جداا ، ماشي يا حبيبتي لما أروح هكلمك
اغلقت الخط تضع الهاتف في حقيبتها من جديد حين رفعت وجهها إليه رأته ينظر إليها عينيه سارحة في قسمات وجهها ، توترت من نظراته قبل أن يبتسم هو يردف :
- ربنا يخاليهالك
ابتسمت مليكة تشكره ، وصلت لجامعتها التفتت له قبل أن تفتح باب السيارة تشكره ؛
- متشكرة أوي يا عمار ، عن إذنك
وترجلت من السيارة تلوح له بالوداع قبل أن تتقدم للداخل .. حين انتهت من محاضراتها وعادت للبيت وقبل حتى أن تبدل ثيابها وجدت باب منزلها يدق فتحت الباب لتلمح طيف عمار وهو يدخل إلى شقته يغلق بابها ووجدت أمامها أرضا صينية مغطاه بمفرش صغير ، نزلت على ركبتيها تزيح المفرش لتتسع حدقتاها حين أبصرت الطعام الموضوع أمامها طبق من الأرز وطبق آخر به قطع من لحم الأرنب مقطعة ، وطبق ثالث به ( ملوخية ) وبضع ارغفة من الخبز ... حملت صينية الطعام عن الأرض تضعها على الطاولة ومن ثم توجهت إلى منزل عمار ، مع أول دقة فتح الباب .. وقفت أمامه تكتف ذراعيها تسأله متعجبة :
- ملوخية بالارانب ؟!
ابتسم متوترا رفع يده يضعها على رقبته من الخلف يغمغم مرتبكا :
- بصي بصراحة أنا اصلا بحبها ولما سمعتك بتقولي لمامتك افتكرتها وقولت اعمل منها ، وقولت طالما يعني كان نفسك فيها ، يعني تدوقي عمايل ايديا ، أكيد مش هتبقى حلوة زي بتاعت مامتك يعني أنا على قدي ، بالهنا والشفا
ابتسمت مرتبكة تشكره عادت أدراجها إلى شقتها تغلق بابها ، تشعر بالألم ينغز قلبها عمار شاب لطيف ولكنها لن تعيد أخطاء الماضي من جديد ، جلست على المقعد المجاور للطاولة تلتقط الملعقة تملئها بالحساء ارتشفت منه القليل لتتوسع حدقتاها طعمه لذيذ يشبه كثيرا ما تعده والدتها ، وضعت الملعقة من يدها تخفي وجهها بين كفيها لا لن يحدث ذلك عمار يجب أن يبتعد عن حياتها قبل أن يخطوا داخلها حتى وحين قررت ذلك حدث العكس تماما تراه صباحا يوصلها للجامعة ومساءً يضع الطعام أمام منزلها ومرات كثيرة كانت تخرج من الجامعة لتراه أمامها ينتظرها ، عمار اقتحم حياتها دون مجهود يذكر تغلغل فيها وكأنه جزء منها يتضافر مع النسيج ، معه بدأ تعيش من جديد ، توقفت عن البكاء خلف الباب المغلق لأنه لم يكن يتركها وحيدة حين تغلق بابها عليها كان يدق هاتقها برقمها في نفس اللحظة والحديث بينهما لم يكن ينقطع إلا حين تسقط نائمة فجاءة وحين تصمت يعلم أنها نامت فيغلق الخط ، في أحد الأيام كانت تجلس جواره على كورنيش النيل تمسك بين يديها زجاجة مشروب غازي صغيرة وهو يجلس جوارها يزم شفتيه متضايقا كطفل صغير :
- يعني يا مليكة لازم تسافري أوي يعني ، خليها بعد الإمتحانات
ابتسمت قبل أن تحرك رأسها تلتفت له ، لمعت عينيها ما أن رأته فقط عمار قدم لها في ظرف أشهر معدودة سعادة الدنيا أجمع تنهد تومأ برأسها :
- عمار على فكرة أنا كان المفروض أسافر من شهر ونص وأنت كل ما اجي اسافر تأخرني وبعدين هما يومين تلاتة مش هتأخر ممكن ما تزعلش بقى
ارتسمت ابتسامة حزينة على شفتيه يحرك رأسه يهمس حزينا :
- هتوحشيني أوي ، ما تتأخريش ماشي لو ينفع تسلمي من على الباب وترجعي
ضحك بملئ فاهها ، عمار وحسه الفكاهي الرائع ، هو أول ما جذبها له من الأساس
في صباح اليوم التالي أصر على إيصالها إلى محطة القطر وظل واقفا إلى أن جلست في مقعدها لوحت له من عند إحدى النوافذ ليهرع يقف أمامها ينظر إليها قبل أن يتنهد بعمق يحادثها ملتاعا :
- خلي بالك من نفسك وما تتأخريش يا مليكة عشان خاطري ولو اي حد ضايقك بكلمة ، امسحي بيه الأرض بهدليه وأنا هاجي ألم الدنيا وراكي ، خلي بالك من نفسك ماشي
قالها متلهفا والقطار يطلق صافرته قبل أن يبدأ في الانطلاق تحرك جواره يحاول أن يكن قريبا منها بقدر الإمكان إلى انتهى الرصيف وغادر القطار ، أغمضت عينيها تستند إلى ظهر مقعدها تبتسم ابتسامة حالمة سعيدة الحياة قررت شاكرة إعطائها فرصة ثانية ، فرصة سعيدة للغاية مرحة وذكية ، فرصة ماهرة في الطبخ فرصة تجسدت في شاب اسمه عمار
بعد عدة ساعات توقف القطار أخيرا ونزلت منه تتوجه إلى بيتها ، تلك الرجفة التي كانت تصيبها حين تعود لمكان الحادث قلت كثيرا عما كانت ، دخلت إلى بيتها تصيح سعيدة :
- يا أهل الدار مليكة هنا
سمعت صوت صرخة والدتها السعيدة تأتي من المطبخ هرعت خارجه تحتضنها بقوة تغمغم سعيدة :
- أخيرا رجعتي شهر ونص بتقولي بكرة بكرة وحشتيني أوي أوي يا حبيبتي
ابتسمت تعانق والدتها سعيدة تغمض عينيها ما أن فعلت رأت صورة عمار أمامها وهو يقف حزينا يخبرها ألا تتأخر ، ابتعدت عن أحضان والدتها تسألها متلهفة :
- اومال بابا فين دا وحشني أوي
نظر شاهندا إلى ابنتها تبتسم عيناها قبل شفتاها تشعر بأن بها شيء مختلف مشرق سعيد :
- بابا في أرض البرتقال الشرقية أنتِ عرفاها ، بيورد المحصول للمصنع بتاع العصير ، اطلعي أنتي ارتاحي على ما يرجع
حركت رأسها للجانبين ستعد مفاجأة وتذهب لزيارة أبيها في حقل البرتقال ، استأذنت من والدتها وخرجت ويا ليتها لم تفعل في طريقها للمزرعة وقبل أن تصل ، تناهى إلى أسماعها أصوات سيدتين يتهامسان يتحدثنان عنها بالقرب منها :
- مش دي مليكة بنت الحج فتحي صاحب تلتين أراضي البلد
- ايوة ما دي اللي اغتصبها الواد عادل اللي أبوه كان شغال مزارع عند أبوها ،والناس بتقول أنت لا اغتصبها ولا حاجة وأنها كانت ماشية معاه في الحرام ولما أبوها عرف ضربه علقة موت وقال أنه اغتصبها
- شوف البت وبحاجتها اومال مالها ماشية تقول يا أرض اتهدي ما عليكي قدي كدة ليه ، أنا سمعت أن ابوها سفرها تتعلم في مصر ، عشان تجبله الفضايح هناك زي ما جبتهاله هنا
- على رأيك مين دا اللي يقبل يتجوز واحدة زي دي
خناجر حادة تنغرس في جسدها مع كل حرف سام يخرج من فم كل واحدة منهن ، جعلوا سيرتها علكة يلكونها دون وجه حق ، بالكاد منعت نفسها من البكاء توقفت تنظر إليهن لتتحرك صوبهن وقفت تنظر لكل واحدة منهن وكلمات عمار تتردد في أذنها ( ولو اي حد ضايقك بكلمة ، امسحي بيه الأرض بهدليه وأنا هاجي ألم الدنيا وراكي ) لم تسمح لدموعها بالانهمار أمامهن أبدا وقفت ثابتة تناظرهم بأعين حادة قبل أن تحادثهم مشمئزة :
- انتوا ازاي كدة بجد ، ايه القرف اللي انتوا فيه دا ، سهل أوي تنشهوا في شرفي بكلامكوا القذر دا ، انتوا حيوانات حتى الحيوانات مش هيوصلوا لقرفكوا وقذارتكوا ، وبما إني بقى بنت فتحي بيه اللي بيملك تلتين أراضي البلد وكلمته مسموعة في المحافظة ، فأنا هخليه يرميكوا برة البلد خالص
وتحركت تغادر وهي تسمع خلفها توسلات السيدتين ألا تفعل يحاولون اللحاق بها يعتذرن منها وهي لم تقبل ، لم تتوقف جل ما فعلته أنها التفتت لهن ترميهن بنظرة حادة ومن ثم أكملت طريقها وكلماتهن السامة عادت بها لنقطة الصفر من جديد وفكرة واحدة تمحورت في عقلها هي لا تستحق عمار ، عمار يستحق من هي أفضل منها ، يجب أن تبتعد عنه ... وصلت لمزرعة أبيها ليبتسم سعيدا ما أن رآها هرولت صوبه تلقي بنفسها بين أحضانه تبكي لينتفض مفزوعا يسألها قلقا :
- مالك يا مليكة ، بتعيطي ليه يا حبيبتي ، حاجة حصلت حد ضايقك ، قوليلي طيب هو مين وأنا هندمه على اللحظة اللي نطق فيها ، مالك يا بنتي ما توجعيش قلبي عليكي
عند تلك النقطة توسعت حدقاتها ذعرا كيف سقط القناع الذي أقسمت ألا يسقط أمام والديها أبدا ، رفعت وجهها لأبيها تمسح دموعها ترسم ابتسامة كبيرة على شفتيها تبدل نبرة صوتها لأخرى عابثة :
- دخلت عليك يا قلبي ، أنت وحشتني أوي يا فتوحتي ووحشتني المقالب اللي بعملها فيك
زفر فتحي أنفاسه بعد أن كاد يتوقف قلبه ذعرا على حالها ، الصغيرة المدللة ومقالبها مد يده يمسك بأذنها يضغط عليها بخفة يغمغم حانقا :
- مش هتبطلي مقالب بقى بشعر المكرونة الاسبجيتي اللي انتي عملاه دا
ضحكت مليكة عاليا تعانق والدها ترفع يدها سريعا تمسح دموعها قبل أن يخرجها من بين أحضانه ، يمسك بكف يدها يحادثها مبتسما :
- يلا نروح ، أنتِ وحشاني أوي عايز نقعد نتكلم مع بعض كتتتيير قبل ما ترجعي تسافري تاني
ابتسمت تومأ برأسها قضت في منزل أبيها يومين لا ثالث لهما في صباح اليوم الثالث كان يوصلها أبيها إلى محطة القطار تشعر بنظرات الناس حولها مؤلمة توخزها بعنف تمسكت بذراع أبيها تشعر بالخوف ، عمار كان محق يا ليتها لم تأتِ لهنا
جلست على المقعد في القطار تغمض عينيها تحاول بشتى الطرق إلهاء عقلها كي لا تبكي ، فتحت عينيها فجاءة حين سمعت قريب منها يتحدث من على رصيف القطر
- مش دي البت مليكة بنت الحج فتحي
- هي يا عم ربنا يستر على وليانا اللي الواد عادل اغتصبها
- ما يمكن عمل كدة عشان ابوها يرضى يجوزهاله ، أكمنه يعني مزارع وأبوها صاحب الأرض
- أهو غار في داهية والناس بتقول ابوها اللي قتله
- أنا سمعت صحيح أن كان في عريس متقدم لها بيقولوا كان موظف كبير في مصر ، ولما عرف اللي حصل لها راح لابوها وقاله أنا ما اتجوزش واحدة ، حد لمسها قبلي
يكفي ، يكفي ... ما بال هؤلاء الناس ألا يشعرون ، رأف القدر بها حين تحرك القطار واختفت أصواتهم خلف صوت صافرته العالية
وعادت مهشمة إلى مئات القطع ، طوال طريق العودة حافظت بمعجزة على قناع وجهها الهادئ والداخل يتمزق إلى ألف قطعة وقطعة
لا تعرف حتى كيف وصلت إلى المنزل ، ما أن وقف المصعد في الطابق القابع به شقتها وجدت عمار يقف أمامها ارتسمت على شفتيه ابتسامة كبيرة سعيدة ما أن رآها :
- مليكة أخيرا رجعتي ، أنا عارف أنهم يومين بس..
لم تدعه يكمل لم تعطيه الفرصة ليفعل اندفعت تركض إلى شقتها فتحت الباب سريعا ، حاول اللحاق بها ولكنها كانت أسرع ، دخلت وأغلقت الباب في وجهه انهارت أرضا جوار باب شقتها المغلق تغمض عينيها تنهمر دموعها بحرقة تسمع صوته يقف خارجا يبدو قلقا يتوسلها لتفتح الباب ليراها :
- مالك يا مليكة ، مليكة في ايه ردي عليا ، حصل حاجة ضايقتك طيب ، ما أنا قولتلك ما تروحيش يا مليكة ، مليكة افتحي وطمنيني عليكي
ولم تفعل بل بكت بحرقة إلى أن خارت قواها وسقطت نائمة خلف الباب المغلق ، في الأيام التالية تجنبت رؤياه بكل شكل حين يدق بابها تنظر من الفتحة الصغيرة في الباب فتراه واقفا يحمل في أغلب الأوقات الحلوى والطعام والورود يتوسلها لرؤياها وهي تتظاهر بعدم وجودها في البيت لا يتوقف عن الاتصال بها وهي لا تجيب قلبها يتمزق فتاتا وهي تحاول إقصاءه بعيدا عن حياتها بعدما صار شريانا ينبض فيها ، كانت تخرج إلى محاضراتها باكرا جداا حتى لا تراه مصادفة وأن فعلت تركض من أمامه وكأنها رأت وحشا ، في ذلك اليوم حين خرجت من المصعد في الطابق السفلي رأته يقف أمامها مباشرة يعقد ذراعيه يبدو غاضبا وله الحق خرجت من المصعد ليبادر هو يصيح غاضبا قبل أن تقول اي شيء :
- ممكن أفهم في اي ، هو أنا عملت حاجة ضايقتك ، من ساعة ما رجعتي وأنتِ بتتجنبيني تماما ، مالك يا مليكة ايه اللي حصل
ابتعدت للخلف سريعا ترفع كفيها أمامها تهمس تتوسله بحرقة :
- عمار أرجوك خليك في حالك بعيد عني وأنا هخليني في حالي ، مش هينفع تفضل في حياتي أرجوك أنا آسفة مش هقدر صدقني أنا مش هنفع
وتحركت تهرول من أمامه بخطى سريعة تخرج من العمارة تنهمر دموعها بحرقة لأول مرة يسقط القناع أمام نظراته الحزينة المعاتبة. ..حين عادت ليلا في نفس ارتمت على الأريكة تحتضن قدميها بكت حتى غفت ونسيت الموقد ، استيقظت على رائحة دخان وحريق قامت مفزوعة لتجد النيران تشتعل في المطبخ صرخت مذعورة على صوت صرخاتها دُق بابها هرعت تفتح الباب ليدخل عمار سريعا في يده مطفئة حريق صغيرة أغلق المقود والغاز يفتح مطفئة الحريق صوبها إلى لهيب النار ليخمد بعد عدة دقائق التفت لها رماها بنظرة عتاب طويلة قبل أن يهمس بنبرة جافة :
- جت سليمة ما تقلقيش ، شكلك نمتي ونسيتي البوتاجاز والع ، خلي بالك من نفسك
ظل ينظر إليها وهي تتحاشى النظر إليه تنظر أرضا تقبض كف يدها كي لا تبكي رأته يتحرك صوب باب المنزل المفتوح ليغادر فما كان منها إلا أن همست باسمه بضعف، التفت لها ليرى حدقتيها المضطربة نظراتها الحزينة يعرف أنها الآن على وشك البكاء ولكنها تكابر ، فتحت فمها تهمس تشكره :
- متشكرة يا عمار ، شكرا على مساعدتك
شعر بالغضب الشديد تشكره وكأنه رجل غريب لا تعرفه جاء لمساعدته لما لا تعطيه النقود أيضا ؟! اقترب يقف أمامها ابتسم يغمغم ساخرا :
- شكرا يا عمار ؟! بجد ... شكرا يا عمار وكأن عمار دا واحد غريب ما تعرفهوش ، عمار اللي قررتي فجاءة ترميه برة حياتك من غير ما يعرف حتى هو عمل ايه
وصمت قبل أن تتبدل قسماته حزنا وتهتز نبرته ألما :
- مليكة أنا مش وحش صدقيني وعمري ما فكرت ولا هفكر آذيكِ ، ليه بتبعدي عني أنا ماليش في الدنيا غيرك ، مليكة أنا بحبك ، بحبك أوي كمان وأنتي عارفة دا ، ليه بتبعديني يا مليكة ، أنا ما اقدرش أعيش من غيرك ، أنتِ فاكرة أن أنا بتسلى بيكِ ، طب أنا هروح اطلب أيدك من والدك دلوقتي حالا
توسعت حدقتاها تحرك رأسها للجانبين سريعا تصيح فيه :
- لا يا عمار اوعى تعمل كدة ، أنت فاهم اوعى تعمل كدة ، أنا مش موافقة
توسعت عينيه ذهولا ترفضه ، لا تحبه بعد كل ذلك ترفضه عقد جبينه غاضبا من رفضها ليتحرك صوب أقرب قابله جلس عليه يطوي ساقيه يغمغم بنبرة قاطعة حادة :
- مش هخرج غير لما توافقي ، لأن مهما كان سبب رفضك هو أكيد حاجة في الماضي وأنا الماضي كله ما يفرقش معايا ، أنا بحب مليكة ومش هسيبها أبدا
هو لا يفهم ، حين يعلم سيكرهها سيظنها تخدعه حركت رأسها للجانبين تنهمر الدموع من حدقتيها تصرخ في وجهه عله يبتعد ويخرج من حياتها تماما :
- عمار أنا مغتصبة
ولكن ما حدث أن تعابير وجهه لم تتغير تماما جل ما فعله أنه رفع كتفيه لأعلى يردف ببساطة :
- اديكِ قولتيها مغتصبة يعني مش بمزاجك ، وعليه أنتِ مش شخصية سيئة عشان تعاقبي نفسك ، المجرم هو اللي لازم يتعاقب ، وأنتِ مش مجرمة ، ولو فاكرة أن دا السبب اللي ممكن يبعدني عنك تبقي غبية
حركت رأسها للجانبين تنهمر الدموع من عينيها تحتضن نفسها تغرز أظافرها في ذراعيها تصرخ فيه :
- أنت مش فاهم حاجة أنا لو ما كنتش وثقت فيه ، لو ما كنتش حبيته ما كنش دا حصل ، أنا السبب أنا المذنبة ، إحساس الذنب بينهش فيا زي السكاكين بيموتني في كل لحظة ، أنا بتعذب كل لحظة
قام من مكانه متجها إليها وقف أمامها ليمسك بكف يدها يخرج بها من شقتها يتحرك صوب شقته وقف أمام باب شقته لتنزع يدها منه تصرخ فيه :
- أنت اتجننت واخدني شقتك ، أبعد عني
التفت لها وابتسم في هدوء تام يحادثها :
- ما تخافيش ، أنا آخر في الدنيا تخافي منه ، خصوصا أنتِ
لم تفهم ما يقول ، فتح باب شقته ودخل يُضي إنارة الشقة افسح المجال لها لتدخل وفعلت وقف أمامها يبتسم ابتسامة كبيرة يغمغم في هدوء :
- ساعات كانوا بيقولوه يا عادل وساعات تانية يا يحى ، قطف زهرة الياسمين غصب عنها .. بس صدقيني اللي شافه أسوء بكتير من الموت ، اللي شافه خلاه يتمنى الموت
توسعت حدقتاها هلعا تعود أدراجها للخلف تنظر له مذعورة لا تفهم بالكامل ما يقصد ولكنها تشعر بالخوف ، وهو يبتسم لها في هدوء :
- راجعلك تاني
تحرك للداخل واختفى وقفت في منتصف صالة منزله متوترة خائفة ، ألم تتعلم سابقا مما حدث ولكن عمار مختلف ، عمار يحبها يفعل كل ما تحلم به فقط لإسعادها ، اجفلت حين أغلق الباب واقترب منها يرسم ابتسامة لطيفة على ثغره أقترب حتى بات أمامها يهمس دون مقدمات :
- أنا عارف اللي حصلك من الواد اللي اسمه يحى ، ومش كدة وبس دا أنا اللي جبتلك حقك منه ، ما تفكريش كتير يا مليكة ، أنا مستعد أعمل أي حاجة في الدنيا عشان تكوني مبسوطة ، بس إنتِ بردوا مش مبسوطة عشان احساسك بالندم لسه بينخر فيكِ ويعذبك ليل ونهار ، عارفة ايه هي الحاجة الوحيدة اللي بتقضي على الندم
وصمت لتتسع عينيها ذهولا كيف عرف؟ ، وماذا فعل ؟ وعن ماذا يتحدث
أقترب برأسه منها يهمس جوار أذنها :
- الألم يا مليكة ، الألم هو الشعور الوحيد اللي أقوى من الندم والحزن ، الألم شعور خاص
وأمسك بكف يدها يعطيها مشرط جراحة جعلها تمسك به في قبضتها اليمنى ليحرك يدها على ذراعها محدثا جرح صغير بسيط وفجاءة دون سابق إنذار غرز المشرط أعمق لتصرخ من شدة الألم ، وصوته السام يتردد :
- ما فيش أي شعور بيضاهي الألم يا مليكة ، الألم شعور أناني قوي بيجي لوحده بيقتل أي شعور تاني جنبه
كانت تلك معرفتها الأولى بالألم ، في اللحظة التي صرخت فيها من شدة الألم تلاشت جميع الأحاسيس السيئة الأخرى ، عمار كان محقا إذا الألم شعور أناني ، أناني للغاية ولكنه يُخرس جميع الأصوات الأخرى حين ابعد المشرط عن يدها ، رأته يحضر معقم وقطن وشاش نظف جرحها جيدا يلفه بالشاش ، رفع وجهه إليها وهي تلهث عينيها دامعة .. مد يده يمسح دموعها برفق يهمس حزينا :
- ما كنتش عاوز أعرفك على الطريق دا ، بس افتكر أنه هيساعدك ، الستات أم لسان طويل زعلوا زهرة الياسمين أنا قطعت لسانهم
Back
اجفلت على صوت قاسم يغمغم مستنكرا :
- ثواني بس يعني كدة عمار هو اللي قتل عادل ، وقطع ألسنة الستات اللي ضايقتك زي ما قال ، دا كدة مجرم ولازم يتسجن ... وبعدين أنتِ المرة اللي فاتت قولتيلي أنك ما تعرفيش مين اللي قتل عادل ؟!
اومأت برأسها بالإيجاب رفعت يدها تمسح الدموع عن وجهها تهمس بنبرة ثقيلة :
- ايوة ، عشان أنا مش مصدقة ان عمار يعمل كدة ، عمار مريض نفسي بس مش قتال قتلة
أنا لما سافرت البلد أسأل عن الإتنين ستات دول عرفت أنهم عزلوا من البلد وما عرفتش اوصلهم ، هو ممكن كفاية لحد النهاردة عشان أنا فعلا تعبت أوي
اومأت قاسم برأسه في هدوء يخط على سطح الورقة أسماء عدة أدوية قبل أن يرفع رأسه يسألها :
- عندي سؤال يا مليكة وعايز عليه إجابة مباشرة وصريحة حتى لو هتشوفيها أغبى إجابة في الكون ، ليه بعد اللي سمعتيه من عمار واللي عمله دا لما غرز المشرط في أيدك ما بعدتيش
ارتسمت إبتسامة ساخرة على شفتيها تغمغم بشكل بسيط للغاية :
- عشان كنت بحبه ، وعشان هو ما حسسنيش إني ناقصة أبدا ، وعشان الألم فعلا طلع شعور كويس جداا
حرك قاسم رأسه بالإيجاب دون أن يزد بحرف واحد ، أعطاها الورقة يوجه لها ابتسامة صغيرة يحادثها بهدوء :
- الألم شعور سيء أوي يا مليكة ، المخ ما بيحبوش ، عشان كدة لما الجسم بيحس بالألم المخ بيتشوش وبيعلن حالة الطوارئ عشان يفهم سبب الألم دا ايه ويحاول يعالجه ، لكن لما تعوديه على الألم زي بالظبط ما تخلي شخص يدمن المخدرات ، بعد كدة مش هيقدر يعيش من غيرها وقيسي على كدة الألم الشعور اللي المخ كان بينفر منه بقى متعود عليه وشايفه مسكن وأنتِ عارفة مع الوقت المسكن الضعيف ما بيعملش مفعول وبيحتاج يبقى أقوى وكل فترة لازم المسكن يبقى أقوى وصدقيني النهاية هتبقى أبشع مما تخيلي يا مليكة ، مخك هيكون اتعود على كل أنواع الألم وعايز حاجة قوية مختلفة عنيفة وساعتها ما اقدرش اوصفلك بشاعة اللي هيجبرك تعمليه عشان تحسي بنشوة الألم تاني ، البداية عندك يا مليكة لازم أنتِ اللي تقاومي
شردت عينيها فيما قال لا تنكر أن كلامه أجمع صحيح اومأت برأسها مرتبكة قامت تشكره تحركت لخارج العيادة عينيها شاردة مضطربة وتفكيرها يذهب إلى نقطة واحدة عمار !!
ما إن خرجت من العمارة السكنية التي بها العيادة شهقت مذهولة حين رأته يقف أمامها كيف يخرج من أفكارها فجاءة ليتجسد أمامها هكذا ببساطة .. عادت ادراجها للخلف خائفة منه تحادثه بنبرة حادة ترتعش :
- أنت لو قربت مني أنا هصرخ وألم عليك الناس ، أنت عايز مني ايه تاني مش كفاية اللي أنت عملته فيا
رفع يده أمامه يحادثها بنبرة هادئة حزينة :
- مليكة أرجوك ما تخافيش مني ، أنا بس عاوز اتكلم معاك كلمتين ... تعالي نقعد في أي كفاية
مليكة صدقيني اللي أنا عملته دا كان غصب عني ، أنتِ عارفة أنا بحبك قد ايه
ابتسمت قبل أن تنطلق ضحكاتها الساخرة رفعت حاجبيها اندهاشا تسخر منه :
- بتحبني ؟!! لا بجد ... بعد اللي عملته جاي تقولي غصب عني وبحبك ، أنا عمري ما هنسى الفزع والألم اللي عيشته بسببك يا عمار
أنا بقيت مريضة نفسيا بسببك ، كل ما بغمض عينيا بفتكر القرف اللي عملته فيا ، بلا سبب قررت تبقى مجنون وسا...دي ومقرف ، اخرج من حياتي يا عمار لو شوفتك تاني هقتلك
وتحركت تغادر تُسرع خطاها بعيدا عنه وهو يتحرك خلفها يحاول أن يكن بعيدا بالقدر الكافي ، إلى أن توقفت هي فجاءة حين دق هاتفها فتحت الخط تضع الهاتف على اذنها تغمغم متلهفة :
- أنتي فين يا أريچ بكلمك من امبارح مختفية خالص أنتي كويسة يا حبيبتي
وصمتت لبضع لحظات قبل أن يسمعها تهمس بنبرة مذعورة :
- جاسر في المستشفى !! ، في مستشفى ايه يا أريچ ... طب أنا جاية
وتحركت سريعا توقف سيارة أجرة تخبره بعنوان المستشفى ووقف هو يقبض كف يده غاضبا جاسر إذا ، نبرة الذعر في صوتها حين علمت أنه في المستشفى تقتله ، باتت تحب جاسر وتكرهه هو ، جاسر يود أخذها منه .. لن يفعل حتى لو لجأ لقتله !
______________
في المستشفى
تأفف جاسر حانقا ينظر لولده مغتاظا لا يكفي أنه كان يهذي باسم تلك الفتاة ويقول إنه يحبها والآن يصر على الخروج من المستشفى رغم أنف الجميع ، اقترب منه يصيح فيه غاضبا :
- يوسف أنا مش ناقص ، ما فيش خروج من المستشفى
حرك يوسف رأسه للجانبين يرفض رفض أبيه يغمغم بصوت واهن :
- هخرج يا بابا أنا ما بحبش المستشفيات وأنت عارف ، فبعد إذنك أنا عاوز أروح البيت وأنا بستأذن حضرتك أهو
نظر جاسر حوله يبحث عن رعد عله يقنع شقيقه ذو الرأس الصلب أن يبقى فلم يجده ، فُتح الباب ودخل رعد يوجه حديثه ليوسف :
- أنا سألت الدكتور قال تقدر تخرج بس ما تعملش اي مجهود خالص ، وتاخد ادويتك بالساعة ، خلاص يا بابا طالما هو عايز يخرج
نظر جاسر إلى زوجته ليصيح حانقا :
- أنتِ مخلفاهم يجلطوني مش كدة ، اتفضل يا بيه ساعد أخوك يغير هدومه ، وانتوا اتفضلوا برة على ما يتنيل يغير هدومه ، ياكش اليوم دا يخلص بقى
تحركوا جميعا للخارج يحاولون كتم ضحاكاتهم قدر المستطاع ودخل رعد ليساعد يوسف في تبديل ثيابه في حين يقف جاسر بالخارج يضع كفه أسفل ذقنه ينظر صوب ملاك الذي تختبئ تقريبا خلف شقيقتها ، وجهها أحمر قاني من الإحراج والخجل مما قال ولده الأحمق ترى ما طبيعة العلاقة بينهما حتى يهذي ولده باسمها ، حمحمت چوري تقطع ذلك الصمت تحادث والدها :
- بابا أنا حاسة اني دايخة هروح اجيب عصير من الكاقتريا ، حد عاوز حاجة معايا ؟
نظر جاسر لها قلقا قبل أن يحرك رأسه للجانبين
يحادثها مترفقا :
- لا يا حبيبتي ، روحي هاتي اللي أنتي عوزاه واستنيني في العربية
اومأت چوري برأسها ، تحركت تنزل للمقهى في الطابق الأرضي تسير شاردة ، تشعر وكأنها لعبة في لچة الحياة ترتطم من هنا لهناك ، هناك من يمسك بخيطوها يحركها إلى حيث يريد ، حسين اختفى منذ أسبوعين لم يختفي بالمعنى الحرفي ، فقط سافر وكله عاصم بالسفر إلى أحد المنتجعات لأن هناك مشكلة ما في المبنى تحت الإنشاء لم يتصل بها وربما فعل وهي لم تجيب ، لا تتذكر أنها نظرت لهاتفها منذ مدة طويلة للغاية ، لم تعد تهتم برؤية ما يحدث حولها ، باتت تشعر بأنها تسير في نفق وحيدة الأصوات حولها تزعجها لا تؤنسها ، وصلت للمقهى لتطلب عصيرا وففت أمام المقهى الصغير تنتظر أن تحضر لها الفتاة العصير ، رفعت رأسها توسعت عيناها حين سمعت صوته بالقرب منها:
- ممكن واحد قهوة مظبوط
التفت لتراه يقف جوارها ابتسم ما أن نظرت إليه تحركت عينيها على قسمات وجهه يبدو متعبا منهكا أن صدق القول قسمات وجهه مرهقة للغاية يبدو أنه لم ينم منذ مدة طويلة
ذقنه نمت كثيرا عما كانت عليه ، توترت حين سمعته يهمس بنبرة تبرق اشتياقا :
- وحشتيني اوي يا چوري ، أخبار يوسف إيه صحيح ، بابا لما كلمني قولت أجي اطمن عليه أنا لسه حتى ما روحتش
ابتلعت لعابها متوترة تومأ برأسها بخفة تهمس :
- بقى كويس ، بيجهز اهو عشان يخرج ، مصمم يخرج ما يقعدش في المستشفى
اومأ برأسه ليقترب يأخذ كوب القهوة وكوب العصير يمد يده لها بالعصير ، رفع كوب القهوة إلى فمه يرتشف نصفه تقريبا في جرعة واحدة انزله ليرفع يده الأخرى يمسد جبينه يحادثها متعبا :
- مصدع أوي بقالي كام ما بنامش مسحول في الحوارات اللي حصلت في المشروع بتاع العالمين ، تعالي نقعد
جلست أمامه على أقرب طاولة منهم لتراه يرفع كف يده إلى وجهه يمسح وجهه يحاول أن يستيقظ قدر المستطاع شعرت بالشفقة على حاله لتحادثه :
- حسين قوم روح شكلك تعبان أوي وعايز تنام
حرك رأسه للجانبين يعطيها ابتسامة مرهقة يغمغم :
- أنا كويس ما تقلقيش ، وبعدين أنتِ وحشاني أوي ، عاملة ايه لسه شايف الألم والحزن في عينيكِ يا چوري ، چوري أنا عارف أنك ما بتحبنيش وأن اللي حصل دا اجبرك عشان توافقي بيا ، بس ممكن تديني فرصة مش هتخسري حاجة فرصة واحدة لو مش عايزة خلاص ، على العموم أنا هسيبك تفكري ومش هرخم عليكِ ... بس ممكن عشان خاطر باباكِ حتى ، ارمي الحزن دا يا چوري وارجعي چوري الجميلة الضحوكة الواثقة من نفسها
ارتسمت إبتسامة باهتة على شفتيها تلمع عينيها الحزينة حركت رأسها توافق ما يقول ، قبل أن تتنهد بعمق تدير دفة الحديث :
- صحيح ايه اللي حصل في العالمين مشكلة إيه اللي بعتك ليها خالي عاصم
فتح هاتفه يريها صور الأساسات المدمرة في عدة مناطق وهي تقترب برأسها من الهاتف تتابع ما يقول إلى أن تحركت يده إلى صورة توسعت عيناها حين رأتها ، أبعد حسين الصورة سريعا يريها صورة أخرى لتقبض هي على هاتفه بشراسة تعيد ظهور تلك الصورة شهقت بقوة حين رأت من فيها جيدا ، ها هو حسين يقف وجواره عدة فتيات يرتدين ملابس السباحة رفعت وجهها إليه تصرخ فيه غاضبة :
- والله ؟! مين دول يا باشمهندس إنت رايح العالمين تشوف المشكلة بتاعت الأساسات ولا تتصور مع اللي لابسين مايوهات
توسعت حدقتيه ذهولا من شراستها المفاجئة ألم تكن حزينة منطفئة قبل بضعات دقائق ، شعر في لحظة أنه الزوج الخائن الذي تم ضبطته بالجرم المشهود حمحم يغمغم سريعا متوترا :
- اهدي بس وصلي على النبي ، أنتِ فاهمة غلط هقولك أنا كنت واقف أنا وواحد صاحبي شوفته هناك بنتصور حتى بصي الصورة اللي بعدها على طول هتلاقيني أنا وهو ، البنات دول كانوا معاه والله شبطوا يتصوروا معايا حاولت اعتذر كذا مرة صاحبي السخيف زقني وراح مصورنا ، حتى هتلاقيني واقف بعيد عنهم بصي في الصورة حتى
لم تهدأ نظرت للصورة لتراه يقف بعيدا والثورة التي بعدها كان يقف بجوار صديقه ، ضيقت حدقتيها تحادثه محتدة تتهكم مما يقال :
- شبطوا يتصوروا ليه ، هو أنت ممثل معروف وأنا ما اعرفكش ، ولا ما عندهمش مهندسين في بلدهم ، دي مياعة وقلة أدب ، أنا رايحة لبابا
تحركت تغادر غاضبة تاخذ كوب العصير قبل أن تغادر خرجت من المستشفى لتتسع حدقتيها حين لم تجد السيارات والدها تركها وذهب ؟!
سمعت صوته في اللحظة التالية يأتي من خلفها :
- على فكرة أنا قبل ما اشوفك كلمت عمي جاسر وقولتله اني هوصلك
التفت له ترميه بنظرة حادة لتتحرك إلى سيارته فتحت الباب المجاور لمقعد السائق جلست هناك تغلق الباب بعنف ليتذمر مما فعلت :
- براحة على الباب طيب ، العربية لسه جاية من سفر طويل
قلبت عينيها تتهكم منه :
- جاية من العالمين كانت بتتصور مع المايوهات عشان كدة تعبانة خالص ، أخلص روحني
اخفى ضحكاته بمعجزة يجلس جوارها ما أن تحركت سيارتهم وقفت سيارة الأجرة التي بها مليكة نظرت لساعة يدها العاشرة والنصف ليلا الوقت تأخر كثيرا على وجودها هنا ، ماذا سيظن بها أن رآها هنا الآن ؟! لا ستذهب وتأتي صباحا ذلك هو الحل الأمثل على جميع الجهات
التفتت لتغادر لتسمع صوته من خلفها يغمغم مدهوشا :
- مليكة أنتِ بتعملي ايه هنا ؟
التفتت له وقبل أن تفعل سبت نفسها بكل الشتائم التي تعرف لأنها جاءت هنا الآن ، ارتسمت ابتسامة متوترة على شفتيها تنظر إليه لتراه يقف أمامها يرتدي ( تيشرت ) بنصف كم
جرح ذراعه يلتف بضماد ذراعه معلق في حامل حتى لا يحركه ، حمحمت تهمس متوترة :
- أريچ كلمتني وقالتلي أنها في المستشفى فقولت اجي اشوفها ، وبعدين لقيت الوقت اتأخر فقولت أكيد نامت ، ألف سلامة عليك
تكذب تبدو كاذبة للغاية وهو يعرف ولكنه لم يعلق على ذلك هو فقط ابتسم يومأ برأسه يردف مبتسما :
- أريچ روحت مع والدي ووالدتي ، أنا كنت بتطمن على سما ومروح بنت حلال والله ، الواد عبدالرحمن جابلي العربية بس زي ما انتي شايفة مش هعرف أسوق بتعرفي تسوقي؟
اومأت برأسها بالإيجاب ليمد يده السليمة في جيب سرواله يخرج لها مفاتيح السيارة يحادثها مازحا :
- بس خلي بالك بالله عليكِ ، دا أنا دافع فيها دم قلبي
ضحكت بخفة تومأ برأسها موافقة ، جلست على مقعد السائق وجلس هو جوارها يعود برأسه للخلف يغمض عينيه قبل أن ترتسم على شفتيه ابتسامة صغيرة حين سمعها تسأل :
- هي مين سما دي صحيح ؟
كان على أتم ثقة أنها ستفعل ، فضول الأنثى سيجعلها تفعل ، فتح عينيه ينظر إليها يتمتم بهدوء :
- أختي الكبيرة ، الحيوان جوزها جابلها صدمة عصبية ، بس إن شاء الله هتبقى كويسة
يتمنى سما نائمة تحت المهدئات التي كتبها ، وأريچ انهارت في البكاء بين أحضانه لساعات إلى أن هدأت ووافقت أن ترحل مع والديهم
وهو رفض الرحيل إلى أن يطمأن على سما
وجهت انظارها للطريق تحاول تحاشي النظر إليه ، انتفضت حين سمعته يسألها :
- دكتور قاسم رجع صحيح ، روحتيله؟
اومأت برأسها بالإيجاب تهمس متوترة :
- ايوة أنا كنت لسه عنده ، بيسلم عليك
ابتسم يومأ برأسه يغمض عينيه متعبا ، زفر أنفاسه بعنف يهمس منهكا :
- آخر 48 ساعة عدوا ، كانوا حقيقي مُهلكين للواحد ، أنا عاوز انااام ... يمكن اصحى مالقيش ولا مشكلة في حياتي
اغمض عينيه بضع لحظات قبل أن يفتحهم سريعا اعتدل في جلسته يوجه حديثه متحمسا فجاءة :
- صحيح يا مليكة أنتِ قولتيلي أن باباكِ صاحب مصنع العصير اللي أنا بحبه ، طب أنا عايز أكلمه عشان أشكره ، حقيقي العصير بتاعهم ممتاز ، أنا قربت اخده حقن من كتر ما أنا مدمن عليه
ضحكت بخفة تومأ برأسها قبل أن تلتقط هاتفها بعثت له رقم أبيها تغمغم ضاحكة :
- اهو يا سيدي رقم بابا ، هيفرح أوي لما يعرف أنه عجبك ، بابا بيفرح أوي لما بيعرف أن العصير بتاع المصنع بيعجب الناس
ابتسم لها يفتح هاتفه بيده السليمة يسجل رقم أبيها وكانت الرسالة التي بعثها له
( مساء الخير أستاذ فتحي أنا دكتور جاسر راضي دكتور نفسي ، أنا عاوز اتكلم مع حضرتك ضروري بخصوص مليكة بنت حضرتك ، اتمنى أن مليكة ما تعرفش إني كلمتك )
ارسل له الرسالة ليغلق هاتفه يضعه في جيبه سرواله ينظر لها يبتسم في هدوء
____________
الثانية عشر منتصف الليل حين استقر يوسف في فراشه في غرفته والجميع يقف أمامه حتى چوري التي أوصلها حسين وغادر .. مسحت رؤى على رأس يوسف برفق تنهد تحادثه متعبة :
- وجعت قلبي أوي يا يوسف ، حمد لله على سلامتك يا حبيبي ، يلا نسيبه يرتاح
رحلوا واحدًا تلو الآخر ، اقترب جاسر منه اقترب منه يهمس يحادثه متضايقا :
- لما تفوق وتشد حيلك كدة ، هنتكلم في جملة ملاك أنا بحبك ، اللي كنت بتخترف بيها طول ما إنت نايم دي
شخصت عيني يوسف ذهولا الآن فقط فهمت لما هرعت ملاك لغرفتها ما أن وصلوا ، الفتاة بالطبع تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها بعد أن قال ما قال ، خرج جاسر من غرفته ليجد كاملا تخرج من غرفتها هي الاخرى اقتربت منه تهمس حزينة :
- حمد لله على سلامة يوسف ، هو عامل ايه دلوقتي
- كويس يا حبيبتي ، ادخلي ارتاحي شكلك تعبان أوي
قالتها رؤى بنبرة حادة التفتت كاملا خلفها لترى رؤى تقف أمامها ترميها بنظرة حادة غاضبة ، حمحمت مرتبكة تستأذن منهم تعود لغرفتها ، في حين اقترب جاسر من زوجته يغمغم متعبا :
- عايز انام يا رؤى ، نبقى نتخانق الصبح بالله عليكِ
أما في غرفة رعد وطرب جلس رعد على حافة فراشه يحرك رأسه اليسرى بسرعة يشعر بالحيرة والغضب ، اقتربت طرب منه جلست أمامه تهمس ناعسة :
- تعالا نام يا رعد إحنا بقالنا 48 ساعة صاحيين يا حبيبي
وقف عن مكانه يتحرك في أنحاء الغرفة هنا وهناك يشعر بالشيء ونقيده في آن واحد تحركت طرب تقف أمامه تسأله قلقة :
- مالك يا رعد شكلك متضايق اوي حصل ايه ؟
أمسك بذراعيها ينظر لوجهها يغمغم منفعلا :
- هو أنا طيب يا طرب ، لاء هو الصح هو أنا أهبل ، طب هي الطيبة بقت صفة وحشة دلوقتي
قطبت جبينها متعجبة مما يقول قبل أن تحرك رأسها للجانبين تحادثه مترفقة :
- لا يا رعد الطيبة عمرها ما تبقى صفة وحشة وبعدين ، دي من أحسن الحاجات فيك أنك طيب ، ايه اللي حصل يا رعد فهمني
قص عليها سريعا ما حدث في المخزن وما قاله له والده لتتنهد طرب بقوة تهمس مترفقة :
- رعد أنت عندك حق ، وباباك شايف أنه عنده حق لا أنت غلط ولا هو غلط ، بس كل واحد بيحل الأمور بطريقته ، باباك شايف إن أخوك اتضرب واتبهدل عشان حاجة من حقه ما يعملهاش وزي ما يوسف اتضرب هما كمان يتضربوا ،وأنت بتقول كمان أنه
ما ضربش حد فيهم بنفسه عشان ما يموتوش ولا يسببله إصابات خطيرة ، فدا حقه ، وأنت شايف إن هما عيال والموضوع ما يتحلش كدة فدا بردوا حقك ، انتوا الإتنين صح ، ما تفكرش كتير في اللي حصل تعالا ننام أحسن وصدقني أحلى حاجة في رعد أنه هو طيب والطيب عمره ما كان أهبل !
_______________
في صباح اليوم التالي باكرا عند مرام
استيقظت باكرا قامت تجلس جوار النافذة كما اعتادت تنظر للفراغ شاردة تشعر بالقلق على جواد ، دُق باب غرفتها ودخل شداد ها هو زوجها المصون الذي لم تره منذ أن جاءت سوى عدة مرات ، دخل إلى الغرفة يجلس على أقرب مقعد منها يوجه حديثه إليها :
- مالك يا مصراوية ساكتة ، على طول مع حالك ،مش دي المصراوية اللي شوفتها جبل سابج ، حُصل ايه مخليكِ سارحة أكدة على طول
ارتسمت إبتسامة باهتة على شفتيها توجه انظارها لذلك الطير الصغير الذي يحلق أمامها بخفة ، خرجت من بين شفتيها تنهيدة طويلة قبل أن تتمتم ساخرة :
- بتعافى من الإدمان فتلاقي عندي اكتئاب ، مش انتوا جايبني هنا عشان كدة بردوا ،
تعرف يا شداد أنا ما بطقيكش لا أنت ولا الست اللي تحت دي ، بس أختك طيبة ، طيبة أوي بجد ، لدرجة خلتني أشك أنها من عيلتكوا اصلا
وحركت رأسها تنظر إليه لتراه يبتسم ساخرا يومأ برأسه يسألها مباشرة :
- عندي سؤال يا مصراوية ، أنتِ مش طيجاني إني عارف ، بس عايز أعرف ... ايه الحلو في اللي كنتِ بتعمليه يعني ليه كنتِ هتموتي اوي أكدة على موبايلك والحاجات الغريبة اللي هتعمليها عليه
ضحكت تسخر منه قبل أن تكتف ذراعيها أمامها تردف :
- على فكرة يا شداد أنت بتعرف تتكلم زيي عادي ، بس بتحب تستعبط ... على العموم أنت ما تعرفش يعني تكون شخص محبوب من ناس كتير من غير ما يعرفوك ، يمدحوا فيك يحبوك يسألوا دايما عنك
- وهما كانوا بيمدحوا فيكِ ويحبوك ِ أنتِ ولا بيمدحوا في الصورة اللي أنتِ رسماها قدامهم ، الصورة المثالية ال perfect اللي أنتِ لابساها قناعها ، أصل ما فيش بني آدم ما بيغلطش ما فيش بني آدم ما عندوش عيوب ، إحنا مش انبيا ولا ملايكة ، يبقى هما كدة ما كنوش بيمدحوا فيكِ ولا بيحبوكِ أنتِ ، هما بيمدحوا في الصورة
غمغم بها بهدوء وبنفس لهجتها لتفهم كل حرف قاله جيدا ، وهي وافقت ما تقول حركت رأسها بالإيجاب ، محق ولا يمكن أن تنكر ذلك ، محق
نظرت إليه من جديد حين أردف :
- بس اللي أنا شايفه ومن كلام قطرة الندى عنك أنك بقيتي شخصية تانية ، مش لازم تبقى مثالية يا مرام ما حدش مثالي يا مرام ، لازم تتقبلي عيوبك قبل مميزاتك ، عن إذنك
وتركها وغادر وكل ذلك الآن لا يهم تشعر بقلق غير مبرر على جواد لا تعرف لمها تحاول الوصول إليه بلا فائدة أين هو جواد ؟
هناك في مكتبه يجلس أرضا يستند بظهره إلى ظهر مكتبه الفاخر ، المكتب فارغ تماما منذ تلك الليلة وهو هنا يشعر بالألم وحيدا ، يرفض الرد على اتصالات الجميع ، هاتفه لا يتوقف عن الدق برقم والدته وهو ينظر إليه يبتسم ساخرا
إلى أن بدأ هاتف مكتبه يدق هو الآخر انتهت مدة المكالمة واجاب المجيب الآلى ليسمع صوت والدته تصرخ مذعورة بعلو صوتها
جواااد الحقني يا جواااد اماندا قتلت نور !!!
شخصت عينيه ذعرا انتفض من مكانه ركض للخارج يترنح في خطاه يحرك رأسه للجانبين يصرخ عقله أن والدته تكذب وتقول ذلك حتى تجبره على العودة فقط ، تفادى عدة حوادت ولا يعرف كيف فعل ... ركض لأعلى ليجد والده يقبض على عنق تلك الحية يصرخ فيها بعلو صوته ونوره قد انطفئ ها هي نور ملقاة أمامه طنعتها الحية بالسكين ، عينيها جاحظة الدماء تغرقها والدته تجلس جوارها تصرخ وأصوات صافرات الشركة والإسعاف تصدح حوله اقترب منها ترتعش قدماه سقط جوارها أرضا يرفع جسدها بين أحضانه يهمس باسمها مذعورا :
- نور ما تمشيش يا حبيبتي ، خلاص أنا مصدقك والله مصدقك ومسامحك ، بصيلي بقى ، حقك عليا يا نور ، حقك عليا يا حبيبتي
والله ما همشي واسيبك تاني ، أنا كنت زعلان منك أوي ، بس خلاص ، خلاص والله أنا مسامحك بصيلي بقى لسه زعلانة ، والله مش هقولك حاجة تزعلك تاني ، يلا بقى يا نور
ولم تفعل لم تستجيب جسدها البارد الساكن بين أحضانه يخبره أنها رحلت للأبد احتضنها يصرخ باسمها بعلو صوته !!
- نور ما تمشيش يا حبيبتي ، خلاص أنا مصدقك والله مصدقك ومسامحك ، بصيلي بقى ، حقك عليا يا نور ، حقك عليا يا حبيبتي
والله ما همشي واسيبك تاني ، أنا كنت زعلان منك أوي ، بس خلاص ، خلاص والله أنا مسامحك بصيلي بقى لسه زعلانة ، والله مش هقولك حاجة تزعلك تاني ، يلا بقى يا نور
ولم تفعل لم تستجيب جسدها البارد الساكن بين أحضانه يخبره أنها رحلت للأبد احتضنها يصرخ باسمها بعلو صوته ، صرخات جعلت دموع عمرو تنزل حزنا على حاله ، وحين اقترب ليضمه رآه يسدل عينيه وفقد الوعي صرخ عمرو مذعورا يركض صوب ولده ينظر لأماندا التي يجرها الضابط يصرخ يتوعدها :
- قسما بربي لهدفعك التمن غالي أوي
الوضع أمامه كان لا يوصف من بشاعته ، جواد ملقى أمامه فاقدا لوعيه ملطخ بدماء زوجته التي فارقت الحياة روان تضم ولدها لأحضانه تصرخ فيه مذعورة أن يفعل شيء لينقذه ، دخل رجال الإسعاف إلى الغرفة يأخذونه من بين يدي روان ، يأخذ جثمان نور إلى سيارة الاسعاف هرعت روان خلفهم ، أما هو فأوقفه صوت رنين هاتف جواد الملقى أرضا وما أدهشه انه رأى اسم مرام على سطح الشاشة ، مد يده يلتقط الهاتف فتح الخط ليسمع مرام تحادث جواد قلقة :
- أنت فين يا جواد قلقتني عليك ، بتصل عليك بقالي كتير ، عامل ايه دلوقتي ؟ ، أنت كويس اتصالحت أنت و نور ولا لسه ؟ جواد رد عليا ما تقلقنيش
ذلك صوت ابنته ، أبعد الهاتف عن أذنه يتأكد من أن من تتحدث بتلك اللهفة والقلق هي ابنته ، مرام قلقة على شقيقها لا يصدق أنه يسمع تلك الكلمات من ابنته ؟! ، فتح شفتيه يحادثها بنبرة حزينة :
- جواد محتاجلك أوي يا مرام ، نور ماتت
سمع شهقتها الفزعة لتصيح مذعورة :
- أنا هجيله حالا
وأغلقت الخط ليلحق هو بهم بسيارته
أما مرام فانهمرت الدموع من مقلتيها ما أن سمعت ما قاله والدها لتركض لخارج غرفتها هنا وهناك تبحث عن شداد ، لا تملك رقمه يجب أن تعود ، حين نزلت لأسفل رأت والده تجلس في مكانها المعتاد لتهرع إليها أسألها مذعورة :
- شداد فين ، أرجوك ردي دي مسألة حياة أو موت
رمتها والدته بنظرة قاتمة قبل أن تشيح بوجهها بعيدا عنها تتمتم ساخرة :
- لو حياتك في كلمتي يبجي موتي أحسن يا بنت عمرو
أرادت مرام أن تنقض تقبض على عنقها حتى تزهق أنفاسها بين يديها ولكن جواد أهم الآن ، تحركت تركض لخارج البيت لتتنفس الصعداء حين رأته يقف في الحديقة ركضت صوبه إلى أن باتت أمامه لتحادثه متلهفة :
- شداد أرجوك أنا لازم أرجع القاهرة دلوقتي حالا ، جواد تعبان أوي نور مراته ماتت جواد كان بيحبها أوي ، أرجوك
اومأ برأسه موافقا لم يكن ليرفض يردف :
- اطلعي غيري خلجاتك على ما اجيب العربية
ابتسمت متوترة تشكره صعدت لأعلى تركض تبدل ثيابها ، دموعها تنهمر حزنا على حال شقيقها وعلى تلك الصغيرة التي كانت من ضمن من أذوها ، كيف قبض الموت بمخالبها عليها ، هل يعقل أن جواد هو من قتلها ؟! فريضة مستحيلة جواد لن يفعلها أبدا ، بدلت ثيابها سريعا ونزلت تركض لأسفل رأت شداد ينتظرها في سيارته تلك المرة هو من سيتولى القيادة لا السائق ، جلست على المقعد المجاور لها لتسمعه يحادثها بنبرة مترفقة :
- ما تقلقيش بإذن الله خير هيبقى كويس
ومن ثم أدار محرك السيارة وانطلق دون كلمة أخرى
______________
في شقة ياسر راضي
في غرفة أريچ التي لم تطأها قدميها منذ عدة أشهر تقريبا ، فتحت عينيها لتجد نفسها بيت أحضان والدتها التي لا تزال نائمة ، انتصفت جالسة على فراشها تنظر حولها تتذكر قبل أشهر كانت فتاة أخرى خائفة مرتعدة قليلة الكلام انطوائية ولكن بفضل جاسر تغير كل شيئ باتت النقيض تماما لما كانت ، تنهدت بحرقة تضم قدميها تحتضنهم ، سما كرهتها ذلك المخنث أخبرها بما كان بينهم ولكنه بالطبع لم يخبرها أنه كان يتلاعب بعقل فتاة صغيرة ساذجة ، تنهدت تزفر أنفاسها حزينة ... سما سبتها بالأمس نعتتها بالعاهرة لفظ نابي سيء لا تعرف كيف خرج من بين شفتي شقيقتها ، ولكن عذرها الوحيد أنها لا تعلم الحقيقة ، وأنها كانت في صدمة كما شخصها جاسر ... اجفلت على حركة والدتها جوارها ابتسمت نرمين في وجه أريچ بخفة جلست جوارها مدت يدها تمسح على شعر صغيرتها تحادثها مترفقة :
- حبيبتي ، أنا عارفة أنك زعلانة ويمكن مني قبل سما ... بس أنتي شوفتي حالة سما امبارح كانت عاملة إزاي ما كنتش في وعيها وأكيد الكلب دا قالها حاجات ما حصلتش
حركت أريچ رأسها بالإيجاب عينيها شاردة مضطربة ، التفتت برأسها إلى والدتها تردف بهدوء :
- أنا عاوزة اروحلها ، عايزة اتكلم معاها ، أنا لازم أقولها الحقيقة
وانتفضت من الفراش إلى المرحاض المقابل لها ، في حين تنهدت نرمين قلقة خرجت تبحث عن جاسر أو ياسر إلى أن وجدت ياسر يجلس في صالة المنزل يبدو حزينا كَدِرًا ، ياسر يشعر بالقهر منذ أن علم أن سما تزوجت من مصطفى دون علمه ، أن ابنته كانت تقابل زوجها في الفنادق الرخيصة كفتيات الليل ، الأمر حطمه
منذ البارحة وهو لم يذق للنوم طعما تقريبا
اقتربت نرمين منه جلست جواره لترفع يدها تربت على كتفه تحاول أن تخفف عنه :
- ياسر ، ممكن تهدا ، منظرك دا بيقول أنك ما نمتش من إمبارح ، أنت عارف سما كانت بتحب مصطفى وبينهم عشرة طويلة وأولاد ... أكيد ما كنتش تعرف أنه هيطلع وسخ كدة
حرك ياسر رأسه للجانبين يرفض ما تقول زوجته يصيح منفعلا تنهمر دموعه قهرا :
- هي مش عيلة صغيرة يا نرمين ، عشان ترجعله من ورايا ، عشان ما تصدقناش لما قولنا أنه كان زفت بيتحرش بأختها ، كانت على الأقل صانت كرامتها ونفسها وما راحتش معاه فنادق رخيصة ، فرقت ايه هي عن الراقصات واللي شغالين في القرف دا ، أنا مقهور يا نرمين تخيلي الظابط بيديني موبايله يقولي الفيديوهات دي مصورها لبنتك وكان ناوي ينشرها ، وأنا واقف متكتف عايز اطلع روحه في أيدي وايدي مش طيلاه
رفع ياسر كفيه إلى وجهه يبكي بحرقة لتسارع نرمين تجذبه إلى أحضانها تمسك بها يبكي ، وأريچ تقف هناك تنظر إلى أبيها وهو في تلك الحالة ، آه لو عملت ما فعلت هي الأخرى وذلك العقد الذي وقعته مع عمار وما فعله بها لكان توقف قلبه مما فعلت ابنتيه ، تحركت صوبهم
ليبتعد ياسر عن زوجته يمسح دموعه بعنف ، نزلت أريچ على ركبتيها تجلس أمام أبيها تحادثه برفق :
- بابا ، سما ما كنش قصدها صدقني ، عشان خاطري ما تزعلش منها ، تعالا نروحلها عشان خاطري يا بابا ما تقولش لاء
نظرت ياسر إلى ابنته الصغرى حدقتيه تملئهم الدموع حرك رأسه بالإيجاب يجذبها إلى أحضانه يعانقها لتبتسم حزينة تربت على ظهره ، وقفت تجذب يده معها ... نزلت وهي ووالدها وبقيت نرمين مع الصغيرين ... ضحكت أريچ بخفة تأخذ مفاتيح سيارة أبيها تحادثها متفاخرة :
- أنا بقيت بعرف أسوق ، جاسر علمني وبقيت بسوق أحسن منه
ومن ثم زمت شفتيها تغمغم حانقة :
- بس مش راضي يخليني أسوق عربيته ، يقولي أنا دافع فيها دم قلبي ، دي أغلى عندي منك
ضحك ياسر حزينا يشكر جاسر في نفسه على إعادة أزهار نبتة شقيقته الذابلة ، أعطاها مفتاح سيارته لتبتسم أريچ سعيدة جلست خلف المقود ، تقود السيارة إلى المستشفى .... ما إن وقفت أمام المستشفى مرت رجفة قوية بجسدها ، قبل عدة أشهر كانت تأتي لهنا لترى عمار ذلك الفتى الضاحك المرح ، تشعر بالذعر من فكرة أنها قد تراه بالداخل ، ولكن جاسر أخبرها أنه اختفى ويا ليتها تراه تعلمت جيدا كيف تدافع عن نفسها ستلقنه درسا تثأر به لنفسها عما فعل بها ، انتفضت حين وضعت ياسر يده على كتفها يسألها قلقا:
- مالك يا أريچ وشك أصفر وشكلك خايف ليه كدة
نظرت لأبيها ترسم ابتسامة ترتجف على شفتيها حركت رأسها للجانبين تلتقط أنفاسها :
- أبدا أنا كويسة ، يلا ننزل
وافق ياسر ونزلا من السيارة .. توجها صوب غرفة سما مباشرة ، وقفت أريچ أمام غرفة سما زفرت أنفاسها بعنف تفتح بابها ظلت برأسها أولا بحذر لترى شقيقتها تجلس هناك على مقعد جوار الشرفة ترفع قدميها تضمهم لها تنهمر دموعها بعنف ، نظرت أريچ لأبيها تطلب منه بصوت خفيض هامس أن يتركها تدخل بمفردها أولا ، دخلت إلى غرفة شقيقتها تتحرك صوبها دقات قلبها تتقافز بعنف ، تتوقع أسوء رد فعل يمكن أن تقدم عليه شقيقتها ،وقفت بعيدا عنها قليلا تهمس باسمها :
- سما
حركت سما رأسها إليها لترتسم ابتسامة ساخرة متألمة على شفتيها قبل أن تحرك رأسها بعيدا تنظر للخارج مجددا ، تنفست أريچ بقوة تحاول أن تهدأ اقتربت منها أكثر إلى أن باتت أمامها نظرت أرضا لا تقوى على رفع رأسها لتنظر إلى شقيقتها ، إلى أن سمعت صوت سما تهمس تسألها بحرقة :
- ليه؟ ليه يا أريچ ؟ ليه أنتِ ؟ دا أنا كنت بعتبرك بنتي زي كيان ؟ ليه الغدر يبقى منك إنت ِ ؟ دا أنا كنت بحكيلك كنت بشكيلك أنتِ مش لماما ، ليه تعملي فيا كدة
انهمرت الدموع من عيني أريچ في لحظة اقتربت من شقيقتها تهمس تتوسلها بحرقة :
- أرجوكِ يا سما اسمعيني ، أنا هقولك كل حاجة وبعدها اعملي اللي أنتي عاوزاة إن شاء الله حتى تتبري مني ولا تضربيني
أغمضت سما عينيها تبكي ، مقدار الألم الذي تشعر به بشع لا يُحتمل ، لا تشعر بذرة ألم جسدي ولكن ألم قلبها المهشم إلى فتات يحرق كل ذرة بها ... جلست أريچ على المقعد المقابل لسما تخبرها بكل شيء منذ لحظة البداية وكيف استغل وخدع ذلك الخبيث فتاة صغيرة ساذجة لا تعلم من الحياة شيئا ، بالطبع لم تذكر عمار وما حدث لها بسببه ، انهت كلامها تقترب بجسدها تمسك بكفي شقيقتها تهمس بحرقة :
- اقسملك يا سما دا اللي حصل ، أنا عمري ما اقدر اغدر بيكِ أنا بحبك أوي ، هو استغلني
ربنا يسامحها ماما على اللي وصلتني ليه ، صدقيني كان بيبزتني وعايز يعتدي عليا لولا جاسر انقذني منه
جاسر ! ... جاسر أيضا انقذها منه عدة مرات أول مرة حين جاء لشقتها ليلا واخذها منه حين جلب ذلك المخنث زوجته الثانية إلى شقتها ، والمرة الثانية حين أجبره على أن يطلقها ويتنازل عن حضانة الأطفال والشقة لها ، والمرة الثالثة انقذها في الفندق حين كاد يأخذها ليرميها في غياب قضية زنا ، جاسر دوما ما ينقذها وهي دوما ما تسبه !!! ، كم كانت حمقاء تسير خلف سراب الحب ... لا يزال صدى كلماته يدق في أذنيها وهو يخبرها أنه يقوم بخيانتها منذ بداية زواجهم وهي كانت عمياء لا ترى ، ومن ثم أوهم شقيقتها الصغيرة بأنه يحبها وحاول ابتزازها والاعتداء عليها ، وتزوج عليها ، وسجل فيديوهات لها وهي معه مع زوجها ، وآخرهم أراد أن يلفق لها قضية زنا وينشر تلك المقاطع ، كيف يكون ذلك الرجل هو مصطفى الذي أحبت وتزوجت وأنجبت منه ؟! كانت تعيش كل تلك الأعوام في سراب وهم غير موجود من الأساس ؟!
فتحت عينيها تشعر بالألم الشديد يحرق روحها ارجعت رأسها للخلف ترتسم ابتسامة ألم كبيرة على شفتيها ، ابتسامة تقطعها دموعها وهي تصيح من الألم :
- يا الله ، قد ايه كنت مغفلة وعامية ... دا قالي أنه كان بيخوني من اول سنة جواز ، واتجوز عليا وعرفت أنه كان بيتحرش بيكي وما صدقتش ورجعلته ، رجعتله عادي كدة ببساطة ولا كأنه عمل حاجة أنا إزاي عملت في نفسي كدة ، إزاي صدقت الشيطان وحبيته ووثقت فيه أكتر من أهلي ، دا أنا كذبت جاسر واتهمته أن هو اللي بيتحرش بالبنات اللي بتجيله العيادة عشان ما اصدقش اللي قاله عنه وكان حقيقة ، جاسر كان عنده حق ... جاسر هو اللي انقذني من قرفه وأنا اللي رجعتله برجليا ، ولولا وجوده امبارح كان زماني مرمية دلوقتي في الحبس متهمة بقضية زنا ، كان عاوز يلبسني قضية زنا يا أريچ ، إزاي دا مصطفى إللي أنا حبيته أكيد مش هو ، أكيد في حاجة غلط
انهمرت الدموع من عيني أريچ حزنا على حال شقيقتها لتهرع إليه وقفت أمامها تجذبها إلى أحضانها تمسكت سما به وانفجرت في البكاء وكأن دموعها تأبى أن تجف ، مسحت أريچ على رأسها تواسيها :
- عشان هو حيوان ، وربنا هيحاسبه مش ذنبك أنك حبيته يا سما ، الذنب عليه هو ومن زمان ، صدقيني ربنا خلصك منه ، أنا عارفة أنها صعبة عليكِ وصعبة أوي كمان بس أنا هبقى جنبك مش هسيبك وجاسر مش هيسيبك وبابا وماما إحنا كلنا هنبقى جنبك ... بس عشان خاطري ما تنهاريش هو ما يستاهلش يا سما ، بصي لبكرة ولمستقبل كيان وتميم
تمسكت سما بأحضان شقيقتها تبكي وشريط طويل يعاد مرارا وتكرارا أمام عينيها ، تتمنى فقط أن يكن ما يحدث ليس إلا كابوسا مزعجا
وستصحو منه لتجد أن كل ذلك لم يحدث أبدا
تمنت أريچ في تلك اللحظة أن يكن جاسر هنا معهم ، ويبدو أن أمنيتها تحققت سريعا حين فُتح الباب ودخل جاسر إلى الغرفة ابتسم حين رأى أريچ تعانق سما ... كان قلقا للغاية من أن تنهار العلاقة بينهم سيجد شكرا أن ذلك لم يحدث وقف في منتصف الغرفة ، وضع يده السليمة على خاصرته يغمغم متضايقا :
- والله ابغي اتحضن أنا كمان
رفعت سما رأسها تنظر لشقيقها نظراتها مشتتة تصرخ ألما ، اقترب يضع كفه على كتف أريچ اقترب برأسه منها يهمس لها بشيء ما ؛ لتحرك رأسها بالإيجاب سريعا تنسحب من الغرفة ، ليجذب جاسر المقعد أقرب إلى شقيقته جلس أمامها لتتمسك بكف يده تتوسله باكية :
- قولي أنه كابوس يا جاسر قولي أن اللي حصل دا ما حصلش ، أنا مش قادرة أصدق ولا استوعب مخي هينفجر ، أنا كل ثانية بغمض عيني وأقول أكيد كابوس ، أكيد دا ما حصلش
بس لما بفتح عينيا ما بيطلعش كابوس ، إزاي يا جاسر هو مش كابوس ، إزاي يعمل فيا كدة.
هو شاف مني ايه وحش عشان يعمل كدة ، أنا عمري ما أذيته ... أنا عملت إيه وحش طيب عشان يحصل فيا كدة أنا هتجنن يا جاسر ، والله هتجنن
على الرغم من أنه رأى الأسوء من حالتها بكثير ألا أنها شقيقته ، عينيها المضطربة التي تتحرك بلا توقف شفتيها التي ترتجف بقوة ، دموعها المراقة ، يديها التي تقبض على كفه وكأنها تتمسك بطوق النجاة الأخير ، العقل رافض ما يحدث على الرغم من أنه يصدق حدوثه ... ظل ينظر لوجهها لمدة بسيطة قبل أن يرفع يده دون سابق إنذار وقرص ذراعها بعنف كبير لدرجة جعلها تصرخ من الألم نظرت للعلامة الحمراء التي خلفها على ذراعها مذهولة لا تفهم لما فعل ذلك جاسر ولما يفعله الآن وهي في أشد حالاتها ألما ، هل جُن هو الآخر ؟! لتسمعه يغمغم ببساطة :
- ما توقعيش إني أعمل كدة ، عشان أنا شخص قريب منك أوي أنا أخوكِ إزاي آذيكِ ... لو واحدة صاحبتك هي اللي قرصتك مش هيبقى نفس الوجع ، مش عشان أنا ايدي ناشفة عشان العقل ما توقعش مني دا ، ما توقعش الأذى من القريب العزيز الغالي ، اللى عمرك ما اذتيه ودي قرصة صغيرة ما بالك بقى بالغدر والخيانة
دكتور قاسم ربنا يمسيه بالخير كان دايما يقولي على قد الغلاوة يكون الوجع ، وهو كانت غلاوته في قلبك كبيرة عشان كدة كنتي رافضة تشوفي الحقيقة وركزي أوي في كلمة كانت ، وجعك آه ، اتأذيتِ جدااا ، عقلك مش مصدق لاء هو مصدق بس بيحاول ينكر اللي حصل لسه محتفظ بصورة قديمة بيحاول يحميها على قد ما يقدر ، فبيهز صورة الواقع كلها
أنا مش جاي أمارس مهاراتي في الطب عليكِ ، أنتِ قوية يا سما مش ضعيفة مجروحة والجرح بينزف ، مع الوقت هيلم ... وهتفضل علامة ليه وهتفضل توجع كل ما تفتكريها ، أنا مش ساحر جاي أقولك اعملي كذا وكذا وهتنسي اللي فات ، خلي عقلك يكسر الصورة اللي مخبيها دي واتوجعي واصرخي وابكي ، ادي وجعك وقته ، بس وأنتِ بتديله وقته ما تشليش صورة كيان وتميم من قدام عينيكِ ، وافتكري كويس أن دول الحاضر والمستقبل اللي لازم تعيشي عشانه
وضع يده في جيب سرواله واخرج شريط اقراص وبيده السليمة فتح واحدة داخل كف يدها تحرك يجلب لها كوب من الماء ، عاد إليها ليراها شاردة لا تزال تبكي وهو لم يتوقع توقفها عن البكاء الآن على أي حال ، لا يزال الطريق طويلا ... أعطاها كوب الماء لتأخذ الكبسولة ترتشف القليل من الماء في تلك الأثناء دقت أريچ الباب ومن ثم فتحته دخلت تجذب يد والدها معها ، تنظر لجاسر تغمزه بطرف عينيها خفية ، اشاح ياسر برأسه يوجه حديثه لجاسر :
- أختك قالتلي أن في مشكلة في اي ؟
تحرك جاسر صوب أبيه وقف أمامه أخفض صوته يهمس بنبرة راجية :
- بابا عشان خاطري ، هي غلطت ... بس أنت شايف حالتها عاملة إزاي
حرك ياسر رأسه للجانبين يرفض ما يقول ولده ، تحركت عينيه ينظر لوجهها الباكي ليغمض عينيه فجاءة حين مر أمامه لقطة من أحد المقاطع التي ظهرت فيها ، ترك يد أريچ يوجه حديثه :
- أنت المسؤول عن الحالة دي يا جاسر ، تكتبلها خروج أو لاء دي مش بتاعتي ، أنا بخلي مسؤوليتي منها تماما ... عن اذنكوا
وتحرك يغادر الغرفة مسرعا لينظر جاسر إلى أريچ يحرك رأسه يائسا ، والده حزين لدرجة كبيرة
_____________
محمود بالأسفل ، جملة قالتها حلم لها قبل أن تهرع إلى المطبخ لتعد لهم المشروبات ... تحركت هي لخارج غرفتها تنزل درجات السلم رأت محمود يجلس بالأسفل أمامه عاصم يتحدثان ... شعرت حين رأته أنها حقا اشتاقت إليه ؟! ابتلعت لعابها مرتبكة تقترب منهم تلقي التحية ليقف عاصم من مكانه يوجه حديثه لمحمود :
- خمس دقايق وراجعلكوا عندي مكالمة شغل سريعة ، اقعدي يا طمطم
ابتسمت لشقيقها تومأ برأسها جلست مكانه بات محمود أمامها ، هو وهي والصمت ثالثهم ، ظل صامتا لعدة لحظات يشبك كفيه يقبضهم بعنف
ينظر لهما قبل أن يرفع رأسه إليها زفرة قوية خرجت من بين شفتيه قبل أن يحادثها حزينا :
- أنا بجد آسف ، أنا اترددت كتير إني أجي ... شعوري بالذنب وإني قصرت عشان كدة الكلب دا خطفك ويا عالم لو ما كنتيش هربتي منه كان عمل ايه تاني مموتني ، حاسس إني مش راجل ما عرفتش احميكي .. فاطمة أنا بجد كنت عاوز ابدأ معاكِ حياة جديدة ..بس أنا ما عرفتش احميكي ، مين عارف ما يمكن بعد الجواز يخطفك تاني
قاطعته قبل أن يكمل لوم نفسه أكثر من ذلك :
- أنت مالكش ذنب يا محمود ، أنت مش حارس شخصي ليا هتفضل ملازمني الاربعة عشرين ساعة ، هو اللي بني آدم مريض ومهووس من أيام ما كنت مرات أخوه ، أنا ما بقولش كدة عشان تقولي أنت عاوز نكمل أو لاء
سكتت والتقطتت أنفاسها بقوة تهمس بنبرة ثقيلة :
- الأيام اللي فاتت كنت بفكر في حياتي ، في آخر كام سنة ، لقيت نفسي عايشة على هامش الصورة بتفرج على اللي بيحصل .. ماليش دور في حياة اي حد من أخواتي ما بساعدهمش بالعكس دا عبىء زايد عليهم ، حتى في حياتي
أنا بعمل ايه ، بسبب مشاكل للي حواليا وبس
ما تشيلش الذنب بسببي يا محمود ، أنا عايزة أعمل حاجة في حياتي بس مش عارفة أعمل ايه ؟
- اتجوزيني !
همس بها بنبرة شغوف ، توسعت حدقتيها قليلا
ارتكبت حين قالها ، جزء يوافق والآخر يرفض وبشدة ... جزء يريد خوض الحياة من جديد والآخر لا يزال متعلقا بمن تحت الثرى ، في تلك اللحظة تذكرت شيئا هاما ، أن محمود ذلك الرجل الجالس أمامها يحبها للغاية لدرجة جعلت يزهد الزواج كل تلك الأعوام وأنها كأنثى اشتاقت للحب ، للشعور بالأمان هي تشعر بالأمان في بيت عاصم ولكن أمانه هو مختلف ، وهي كفاطمة سئمت من تشتتها الذي بجلب المصائب سئمت من حياة تعيش على حافتها
جميع أطراف المعادلة في صالح محمود ، تنهدت بقوة قبل أن تومأ برأسها تشعر بالارتباك وهي تهمس تحادثه :
- أنا موافقة ، بس ممكن لما نتجوز ما نقعدش في البيت اللي في الحارة مش بستعر والله ولا حاجة ، أنا بس...
قاطعها قبل أن تكمل ظهرت الفرحة جلية على قسمات وجهه يحادثها :
- مش محتاجة تبرري يا فاطمة ، أنا كدة كدة شاري شقة تانية في منطقة كويسة يعني مش راقية أوي بس كويسة ، بس زي ما أنتي عارفة والدتي مالهاش غيري وهي ست كبيرة ، فمعلش هتقعد معانا بعد الجواز ، مع أني واثق أنها هترفض بس هحاول اقنعها
لم تكن لترفض هي تحب السيدة صفاء كوالدتها اومأت برأسها موافقة ، لتسمعه يردف من جديد :
- أنا عرفت من عاصم أن يوسف ابن أختك عامل حادثة وكان في المستشفى ، فأنا من رأيي نستنى اسبوعين ولا حاجة عشان اختك ما متزعلش اننا هنعمل الفرح وابنها تعبان
فرح !!! هل يود محمود عمل زفاف لهما ، زفاف ثاني وترتدي الأبيض لرجل آخر غير محمود ، رفعت وجهها إليه تهمس متوترة :
- فرح !! ، لاء بلاش فرح ، أنا مش عاوزة فرح
بدا متضايقا مما قالت كثيرا ليحرك رأسه للجانبين يرفض ما تقول :
- بس أنا عاوز يا فاطمة ، وأنتِ من حقك فرح وبعدين إحنا ما بنعملش حاجة غلط عشان ما نفرحش
- ايوة بس أنا أرملة !!
همست بها بنبرة خفيضة متوترة ليتضايق أكثر يحادثها ببعض الحدة :
- أرملة ، مطلقة ، آنسة .. من حقك فرح وأنا هعمل فرح يا فاطمة ... ودا بند غير قابل للرفض أنا آسف
جاء عاصم في تلك الأثناء ؛ ليقف محمود اقترب منه يصافحه يردف بابتسامة بسيطة :
- طب أنا هستأذن وهكلم حضرتك عشان باقي التفاصيل وعشان تيجوا أنت وفاطمة ومدام رؤى تشوفوا الشقة ، عن إذنك
صافح محمود عاصم وتحرك وغادر ليقطب عاصم جبينه ينظر صوب فاطمة يسألها :
- في اي ، انتوا شديتوا مع بعض ولا ايه ؟!
زفرت أنفاسها مرتبكة تحرك رأسها للجانبين تهمس متوترة :
- محمود عايز يعمل فرح يا عاصم ، أنا عارفة من حقه يعمل فرح ، بس أنا مش متخيلة إني هلبس الفستان الأبيض تاني لحد غير نور !!
اقترب عاصم من شقيقته أمسك بذراعيها يحرك رأسه رافضا ما تقول :
- لا يا فاطمة اللي بتقوليه دا ما ينفعش ، طالما هتتجوزي محمود يبقى لازم نور يخرج برا حياتك نهائيا ، ما تفكريش فيه حتى ، يا أما نفضها سيرة مع محمود ... إنما ما تكونيش متجوزة واحد وعقلك وتفكيرك مع واحد تاني ، حتى لو التاني دا كان جوزك ، أنا هسيبك كام يوم تفكري ، يا تكملي مع محمود من أول وجديد ، يا هكلمه واقوله أن كل شيء قسمة ونصيب !!
______________
اما في منزل جاسر مهران تحديدا في الغرفة الخاصة بكاملا والدة ملاك وطرب ، تراها تقف هناك تتطلع لصورتها في سطح المرآة تنظر لانعكاس صورتها شاردة تسكب عينيها الدموع ، اخطأت واخطي في حقها ، وباعها الزوج وخانها الخبيث ... لا تزال تتذكر تلك اللحظة جيدا ، اللحظة التي دخلت فيها تهاني حياتهم ، كسيدة شابة جميلة مسكينة تمسك في كف يدها طفل صغير في عمر الخمس سنوات ، تتوسلهم لأجل العمل حتى تستطيع أن تنفق على صغيرها اليتيم وهي شعرت بالشفقة على حالها ووافقت وجعلتها تعمل في بيتها كانت وقتها لا تزال تحمل في طرب في شهورها الأخيرة ، وتهاني لم تكن تفارقها كانت كظلها كانت خادمة مخلصة بحق ، من يرى معاملتها يظنها ملاك ومن يقترب يعلم أنها الشيطان المتنكر ، انهمرت الدموع من حدقتيها تضع يدها على فمها كي لا تصرخ ... دق هاتفها برقم عُدي لتكفف دموعها ، أخذت الهاتف تتحرك إلى المرحاض الملحق بغرفتها ، اغلقت بابه من الداخل و فتحت الخط تضع الهاتف على اذنها تهمس :
- ايوة يا عُدي عامل ايه يا حبيبي واحشني
سمعت صوت ضحكات عُدي العالية ليغمغم بنبرة شغوفة بعد لحظات :
- وأنتِ كمان يا كاملا جميلة الجميلات ، أخبار طرب وملاك ايه ... جاسر مهران ما فيش حاجة غريبة بتحصل في بيته
شدت يدها على الهاتف بعنف تهمس :
- كويسين ، كويسين أوي يا عُدي ، لاء جاسر ابنه تعبان وكان بين الحيا والموت ... ما اعتقدش أنه بيفكر في أي صفقات الفترة دي ، يعني الصفقة هتبقى من نصيبك
بدا سعيدا للغاية وهو يشكرها يوصيها أن تهتم بنفسها ، أغلقت معه الخط تخرج من المرحاض تتنفس بعمق ، ما تفعله لا يجب أن يعلم به أي من كان إلى أن يحين لحظة الحساب
في غرفة جاسر استيقظ قبل بضعة دقائق وظل مكانه في الفراش ينظر لسقف الحجرة ، يفكر في الكثير ... طرب رعد ملاك يوسف چوري ومريم ، رؤى وتلك
الكاملا التي اقتحمت حياتهم دون سابق إنذار
والحلقة المفقودة ، هو يعلم الكثير أكثر مما يتصوروا أنه يعرف ... الصفقة الأخيرة كيف نسيها عليه أن يبعث رعد بورق المناقصة ليقدموا عرضهم للشركة ، اجفل على يد رؤى تمسح على خصلات شعره برفق نظر لها وابتسم لتفعل المثل ، انتصفت جالسة جواره تحادثه :
- أنا حاسة بقلقك طول الليل يا جاسر ، ما اعتقدش أنك نمت ساعتين على بعض ... أنا عارفة أنك دايما قلقان على الكل ، بس سيبها لربنا يا جاسر ... اللي كاتبه ربنا هيكون إنت ما تقدرش تقف في وش القدر ، وبعدين أنا عارفة أنك متضايق من ساعة ما سمعت يوسف وهو بيخترف باسم ملاك ، بس البنات عايشين معانا بقالهم شهور ما شوفناش منهم حاجة وحشة ، بالعكس بقى دي طرب مهنية رعد آخر هنا
وبعدين لو هو بيحبها خلاص نخطبهاله لحد ما يخلص كلية ويتجوزها ، وبعدين لو تشوف شكلها في المستشفى كانت منهارة إزاي هتعرف أنها كمان بتحبه
يحبها وتحبه !! ما بال الجيل الجديد ، كيف يعرف ما هو الحب وهو لا يزال فرخ صغير خرج من قشرة بيضته قبل سنوات معدودة
زفر أنفاسه بعنف يومأ برأسه يتمتم :
- هشوف يا رؤى ، معلش صحي ملاك وخليها تلبس عشان هاخدها ونروح المستشفى ، وصحي رعد عشان هبعته يقدم ورق المناقصة
اومأت رؤي برأسها تحركت من الفراش خطوتين والتفتت له من جديد تعقد ذراعيها أمامها ، نظر لها متعجبا من الغضب الظاهر عاى قسمات وجهها في حين اردفت هي غاضبة :
- صحيح افتكرت ، عارف يا جاسر اشوفك واقف قدام الولية الصفرا اللي عمالة تسبل وهي بتتكلم دي ، هتشوف نكد ما بعده نكد
اللهم بلغت
توسعت حدقتيه قلقا من تهديدها حين تركته وخرجت ليتمتم قلقا :
- معقولة هتعبيني في أكياس سودا ؟! ، لاء رؤى طيبة ما تعملش كدة ... يبقى هتعملني صينية بطاطس .... هارابيض لا تقولي ما فيش كيكة بالشوكولاتة تاني وأنام طول الليل ز زي عبدالحليم حاضن الوسادة الخالية ، لاء دي صينية البطاطس أرحم
قامت من فراشها اغتسل وبدل ثيابه وتحرك لغرفة يوسف مباشرة ، رآه ينتصف جالسا على سطح فراشه خلفه وسادة مريحة ... النافذة مفتوحة كوب من العصير في يده ، رؤى كانت هنا توا ، أعطاه يوسف ابتسامة شاحبة يهمس بنبرة ضعيفة :
- صباح الخير يا بابا
اقترب جاسر منه جذب المقعد يجلس أمامه يسأله قلقا :
- فطرت ولا لسه ؟
ارتسمت إبتسامة ضعيفة على شفتيه حاول إلا يضحك ، لأن الضحك يؤلم رأسه يهمس متعبا :
- ودا سؤال بردوا ، دا اتزغطت مش فطرت ... وخدت العلاج ودي تالت كوباية عصير تقريبا
ابتسم جاسر يومأ برأسه ظل لبضع لحظات صامتا ، قبل أن يزفر نفسا عميقا يوجه حديثه لولده :
- بص يا يوسف لا أنا بتاع لف ودوران ولا أنت بردوا ، اوعى تكون فاكر اللي حصلك هيقللك من نظري بالعكس دا أنا فخور بيك ، عشان ما خوفتش من تهديد عيل واتمسكت بحقك ، وأنا خدتلك حقك أنا وأخوك ، مش دا الموضوع اللي أنا عاوزك فيه ، طول ما إنت في البينج وقبل ما تفوق وأنت عمال تخترف باسم ملاك ، واخرتها فضلت تقول ملاك أنا بحبك وقولتها كتير ، فمن غير لف ودوران يا يوسف ايه اللي بينك وبينها
أصفر وجهه يوسف أثر ما سمع من أبيه ، كان يهذي باسم ملاك ، المسكينة كيف كان حالها بينهم وهو يهذي باسمها ويردد أنه يحبها ، تنهد بعمق يهمس بصوت ضعيف متعب :
- حضرتك عندك حق أنا مش بتاع لف ولا دوران ، أنا بحب ملاك ومتعلق بيها ، ويوم ما مراد طلب ايد مريم قدام الكل ، لولا إني اتريقت عليه كنت طلبت ايدها هي كمان ، أنا حتى مش عارف هي بتحبني ولا لاء ... أنا حاولت أبعد نفسي عنها كتير بس ما عرفتش
بابا عارف إني غلط وأنت أكيد بتقول دا لسه عيل صغير ، بس أنت وافقت على حب مراد ، صدقني أنا بحبها ... أنا ما يفرقش معايا كون أنها على كرسي بعجل خالص ... أنا مستعد اشيلها لباقي عمري
ارتفع حاجبي جاسر اندهاشا مما يقول يوسف منذ متى وهو شاعري لتلك الدرجة ، مد يده يربت على كف يده يحادثه بهدوء :
- يوسف ... بنات الناس مش لعبة وأنت ممكن ما تكونش بتحبها ويكون مجرد إعجاب ، حب مراهقة ومع الوقت هتزهدها ، فكر كويس يا يوسف في كم الوجع اللي هتسببه ليها لو عملت كدة ... على العموم لما تقوم بالسلامة هنتكلم تاني ، هسيبك ترتاح
خرج من غرفة يوسف ليرى طرب تخرج من غرفة ملاك شقيقتها هرعت إليه ما أن رأته تسأله متوترة :
- بابا هو أنت صحيح هتاخد ملاك المستشفى عشان العملية
اومأ برأسه بالايجاب لتتمسك بكف يده تتوسله :
-طب أنا عاوزة اجي معاكوا ، عشان خاطري ملاك هتخاف وماما مش هتقدر تروح و...
قاطعها قبل أن تكمل سيل توسلاتها يغمغم متضايقا :
- طرب أنتِ بترغي كتير بجد ، ربنا يكون في عونه رعد ، روحي البسي يلا
ابتسمت تشكره تركض إلى غرفتها سريعا ، نزل جاسر لأسفل رأى رعد يجلس وأمامه أوراق العرض الخاص بشركتهم يراجعه ، اقترب جاسر يجلس جواره يسأله :
- الورق تمام
اومأ رعد برأسه بالإيجاب قبل أن يلتفت برأسه إليه يردف :
- العرض اللي هتقدمه شركتنا ممتاز ، بس في مشكلة بسيطة ... الكلام المنتشر في السوق أن عرض شركات المهدي فوق الممتاز ، لأن في شريك جديد شارك عُدي في الشركة ... لسه ما عنديش معلومات كاملة عنه .... بس قريب هجعملك عنه كل المعلومات ... إحنا عايزين طفرة تخلي العرض بتاعنا الأفضل بين الكل
شردت عيني جاسر ، عُدي لديه شريك جديد أمر مثير للاهتمام ، زفر حانقا يبحث مع رعد عن تلك الطفرة التي يتحدث عنها ، قبل أن يسمعا معا صوت يتحدث من خلفهما :
- دايما جلال كان بيقول أن أحسن عرض هو اللي بيبقى بأقل تكاليف وأحسن جودة
التفت رعد ومعه جاسر صوت الصوت ليجدا كاملا تقف خلفهما تنظر إلى أوراق العرض الخاص بهما قبل أن تشير إلى بند تتمتم :
- ممكن تغير الحديد دا ل ******* كان دايما جلال بيستخدمه جودة عالية بسعر أقل من النوع دا
نظر رعد لأبيه يحرك رأسه بالإيجاب موافقا ما تقول :
- فكرة هايلة جداا
وافق جاسر رآها فعلا فكرة جيدة للغاية ، ضيق عينيه ينظر إلى كاملا حذرا ، هل تحاول مساعدته حقا ؟! ... قام من مكانه وقف أمامها يرسم ابتسامة صغيرة على شفتيه يردف :
- ملاحظة ذكية ، متشكر يا مدام كاملا
ارتسمت إبتسامة واسعة على شفتيها تومأ برأسها تردف بحماس :
- عارف جلال كان بيعمل ايه كمان ، كان بيطلع إشاعة في السوق قبل أي صفقة مهمة أنه مش هيشارك في الصفقة دي ، وقبل ما الوقت يخلص بدقايق يكون مقدم عرضه فالمنافسين يطمنوا وهوب يروح لادغ لدغته
همهم جاسر ينظر إليها عن كثب ، إلى ما تسعى تلك السيدة تحديدا ، ربما هي لا تسعى لشيء سيء وهو فقط من يسيء بها الظن ، نزلت طرب ومعها مريم يساعدان ملاك إلى أسفل .. تركت كاملا طرب وتوجهت صوب ملاك جثت على ركبيتها أمامها تمسك بكفي يدها تشجعها :
- مش عيزاك ِ تخافي ، طرب هتبقى معاكِ ، عايزكِ ترجعي تمشي على رجليلكِ تاني يا ملاك لسه الحياة قدامك طويلة ماشي يا حبيبتي
اومأت ملاك مرتبكة ، تشعر بالذعر لا الخوف تحاول ألا تظهر ذلك ... قام رعد توجه إلى مكتب أبيه يُعدل البند قبل أن يلحق بهم إلى السيارة ، جلس خلف المقود والده جواره وملاك وطرب بالخلف ، نظر إلى ملاك يطمأنها :
- ما تخافيش يا ملوكة
أمسكت طرب بكفي يدها تشعر بهما باردان كالثلح يدها ترتجف بعنف ، لتضمها إليها تحاول أن تهدئها إلى أن وصلا للمستشفى
بعد العديد من الفحوصات والاشعة وقفت طرب جوار رعد في الممر خارجا تمسك بكف يد رعد تستند برأسها إلى ذراعها تزفر انفاسها قلقة بين حين وآخر ليميل رعد برأسه صوبها يهمس يطمأنها :
- قلقانة ليه يا طرب ، هي مش هتعمل العملية النهاردة ، دي إشاعة وتحاليل بس اهدي يا حبيبتي
اومأت برأسها تبتلع لعابها متوترة ، خرج الطبيب بصحبة جاسر إليهم لتهرع طرب إليهم تسأل قلقة :
- طمني يا دكتور
ابتسم الطبيب في هدوء يردف :
- زي ما قولت لجاسر باشا الأشعة والتحاليل بتاعتها كويسة جداا ، ونقدر نعمل العملية آخر الأسبوع دا ، وبعد كدة نبدأ العلاج الطبيعي
نظر الطبيب لجاسر يكمل كلامه :
- أنا هجهز اللازم زي ما حضرتك طلبت ، عن اذنكوا
تنفست طرب الصعداء تشق ابتسامة كبيرة شفتيها هرولت إلى الغرفة التي بها شقيقتها تعانقها بقوة تحادثها سعيدة :
- آخر الأسبوع يا ملاك ، خلاص الكابوس دا هينزاح آخر الأسبوع وهترجعي تمشي تاني
ابتسمت ملاك متوترة امسكت بيدي شقيقتها تهمس متوترة :
- أنا خايفة أوي يا طرب من العملية ، وخايفة لما اعملها تفشل وخايفة....
- لا لالا دا الرغي وراثة في العيلة بقى
تمتم بها جاسر متذمرا يقاطع سيل الإحباط الذي يندفع من بين شفتي ملاك ، دخل إلى الغرفة يشير لطرب لتقوم :
- قومي يا رغاية عشان اقعد ، اديكِ عديتي البت ، بعد ما كناش بنسمع صوتها
ضحكت طرب بخفة تتحرك من مكانها جلس جاسر مكانها يحادث ملاك مترفقا :
- ايه يا ست ملاك كمية النكد اللي أنا سمعتها دي ، المسلسلات التركي اللي بتتفرجي عليها دي جابتلك تروما والله صدقيني ، هخلي الواد جاسر يعالجك بس مش دلوقتي ، أنا عاوزك تكوني مبسوطة لأن بالكتير شهر مع العلاج الطبيعي وهتجري وتخرجي وتعملي كل اللي نفسك فيه ، بصي لقدام وبطلي نكد ، وما تبقيش رغاية زي أختك
ضحكت ملاك تومأ برأسها سريعا ، حمل رعد ملاك يضعها في السيارة ووضعت رؤى مقعدها في صندوق السيارة ، حين تحركت بهم نظر جاسر لرعد يغمغم :
- صحيح أنا كنت بفكر الفترة اللي فاتت ، ولو أنت موافق فأنا موافق أن طرب تشتغل معانا في الشركة بس ما ترغيش
توسعت عيني طرب فرحا تصفق بيديها سعيدة :
- ربنا يكرمك يارب ويخليك للغلابة ، أنت موافق يا رعد صح مش كدة
نظرت لزوجها لترى الابتسامة اختفت من فوق شفتيه ، نظر لها من خلال مرآة السيارة الامامية ، نظراته بها قدر كبير من الضيق .. قسمات وجهه استحالت إلى عدم الرضا على ما يسمع زفر أنفاسه يتمتم :
- لما نروح نبقى نتكلم في الموضوع دا يا طرب
ودون الحاجة لمزيد من الذكاء رعد يرفض ما قيل توا
__________
في شركة عاصم ، يجلس زين على مكتبه يبدو متوترا قلقا ، عمار مختفي منذ عدة أيام ذهب إلى شقته فلم يجده ، حارس العقار أخبره أنه لم يظهر منذ أيام ، وهاتفه مغلق هو اعتاد من عمار على الاختفاء ومن ثم الظهور فجاءة ولكنه حقا يشعر بالقلق عليه ، عمار يدخل إلى الوحل أكثر كل يوم .... اجفل على يد چوري تتحرك أمام وجهه رفع عينيه إليها ليراها تبتسم له تسأله :
- مالك يا زين ، شكلك قلقان ... من ساعة ما جيت تقريبا وأنت شكلك عامل كدة ، صحيح رجلك عاملة ايه
ابتلع لعابه متوترا يحاول أن يرسم ابتسامة صغيرة على شفتيه حرك رأسه يهمس :
- الحمد لله أحسن ، قربت افك الجبس خلاص
أنا مش متوتر ولا حاجة ، واحد صاحبي بس مختفي بقاله كام يوم وأنا قلقان عليه، أن شاء الله هيبقى كويس
ابتسمت له تحرك رأسها بالإيجاب تردف تمازحه :
- روق يا هندسة ، هتلاقيه مشغول ولا حاجة
ضحك زين بخفة يومأ برأسه ، قاطعهم صوت حمحمة خشنة غاضبة نظرت إلى حسين الذي يقف بالقرب منهم عند باب الغرفة يشتعل غضبا حرفيا تستطيع أن ترى البخار يتصاعد من رأسه كبحت ضحكاتها بصعوبة في حين حمحم زين مرتبكا ، اقترب حسين من چوري وقف أمام مكتبها يحادثها من بين أسنانه :
- باشمهندسة چوري عايزك برة لو سمحتي خمس دقايق
حركت رأسها في هدوء .. قامت تتحرك خلفه وصلا إلى مكتبه ليجذب يدها في حركة خاطفة يوصد الباب عليهما بالمفتاح من الداخل ، توسعت حدقتاها تنظر له مرتابة حين رأته يقترب منها وقف أمامها يعقد ذراعيه أمامه يهمس غاضبا :
- ممكن أعرف كنت بتضحكي معاه ليه ؟ ، چوري ما تعمليش من بنها أنتِ عارفة أن أنا بغير وفكك بقى من حوار إحنا أصحاب ، أنتِ مراتي يعني ما تضحكيش لراجل غريب أنا مش رافع القرون أنا
كتفت ذراعيها أمامها رسمت ابتسامة متهكمة على شفتيها تسخر منها :
- يا سلام ، يعني أنت حلال تتصور مع المايوهات وجاي تزعق فيا عشان اتكلمت مع زين
ارتسمت ابتسامة عابثة شريرة على شفتيه يخطو خطاه إليها ، توجست نظراتها قلقا من خطواته التي تقترب منها لتعود للخلف تلقائيا ، هو للأمام وهي للخلف إلى أن ارتطم ظهرها بالحائط خلفها توجست تغمغم مرتبكة :
- حسين إحنا مش في مسلسل تركي هنا ، أنت مقرب كدة ... حسين أنا مش المساعدة بتاعتك وأنت مش المدير ، حسين ابعد هصوت وألم عليك الشركة ، هقول لبابا أنك بتتحرش بيا
يا متحرش يا بتاع المايوهات
توسعت ابتسامته ليحط بيده على خصرها لتشهق بعنف تحاول دفع يده بعنف تسبه :
- يا منحرف يا قليل الأدب يا اللي مش شايف رباية ، هقول لخالي
كادت أن تصرخ حين لم تفعل ، توسعت عينيها ذهولا حين قبلها المنحرف ستخبر الجميع بما فعل ، ستلقنه درسا لن ينساه ... قدميها تتداعى وهو يسلب أنفاسها تمسكت بذراعيه ، تنظر له مشوشة مضطربة ابتعد عنها ببطئ شديد يتنفس عبيرها قبل أن يتأوه متألما حين ركلته بركبتها في معدته بعنف ، دفعته بعيدا عنها تنظر له حانقة :
- أحسن عشان أنت قليل الأدب ، وهقولك لبابا
ولخالي عاصم عشان يربوك ، وهقولهم على المايوهات اللي كنت متصور معاهم ، أنت بتعض شفافيك كدة أنت بتتحول ولا ايه
هرعت نحو الباب حين رأته ينظر لها غاضبا يهم بالاقتراب منها لتفتح الباب تهرع للخارج ، حاول أن يتحرك خطوة لينحني يبسط يده على معدته يتمتم متألما :
- بتلعب كارتية دي ولا ايه ، طحنت الطحال ، بس هي متضايقة من الصورة أوي كدة ، معقول بتغير ؟!
_______________
وصلت سيارة شداد أمام المشفى الذي أخبرهم عمرو عنها بعد رحلة طويلة بالسيارة نزلت مرام من السيارة تركض لداخل المستشفى تبحث عن غرفة أخيها رأت أبيها يقف خارجا يبكي وصوت صراخ جواد يندفع من داخل الغرفة المقابلة له ... فتحت الباب لتجد جواد يبكي ينزع تلك المحاليل عن يديه حين حاولت روان الاقتراب منه لتعانقه دفعها بعيدا ، يصرخ باسم نور ... ركضت إليه تحتضنه ليتمسك بها ينهار تماما تمزق صرخاتها قلوبهم جميعا :
- نور يا مرام ، نور ماتت ... الدكتور بيقول ما لحقهوش ، ضاعت من بين إيديا والمرة دي مش هترجع ، نور راحت يا مرام ...
ابعدها عنه يمسك بكفيها نظرت لوجهه تبكي حزنا على حالها ليتشبث هو بيدها كالطفل الصغير يتوسلها :
- أنا آسف ، أنا عارف إني وحش واناني ...أنا أسوء إنسان على الأرض بس هتغير رجعهالي يا مرام وأنا هتغير والله هتغير ، رجعيهالي يا مرام مش هقدر أعيش من غيرها ، أنا مش مسامحها والله قوليلها متزعلش مني ، خليها ترجع يا مرام ، قوليلها ترجع والنبي
ظلت تحرك رأسها بالإيجاب أمام حالته المزرية جذبته تعانقه وهو يصرخ بين يديها من الألم كالطفل الصغير
اقتربت روان من ولدها تحاول أن تعانقه ، ابتعد عن مرام ينظر لوالدته يتوسلها هي الأخرى ، يهذي من شدة ألمه :
- بصي خلاص أنا مش زعلان منك ، أنا هبقى كويس ، عارفة هروح اعتذر للكل لشهاب وليان وكلهم ، هبقى كويس والله ... بس رجعهالي يا ماما أنا مش هقدر أعيش من غيرها ، ارحموني مش هقدر أعيش من غيرها ، يااارب سامحني يااارب هتوب هتغير هبقى إنسان بس ما تحرمنيش منها
صراخ جواد لم يتوقف ، حين حاول الطبيب الاقتراب منه ليحقنه بالمهدئ ضربه بعنف يبعده عنه يصرخ فيه :
- أبعد عني ، أنا مش عايز حد فيكوا ، أنا عايز مراتي
هرع عمرو إلى الغرفة ومن خلفه شداد ، ألقى شداد الجلباب من فوق كتفيه تحرك صوب جواد يكبل ذراعيه خلف ظهره ليصرخ جواد فيه :
- ابعد عني ،ابعدوا كلكوا عني ... أنا هروح لمراتي ابعدوا
أخيرا استطاع الطبيب حقنه بالمهدئ ليرتخي جسده يسقط على فراشه ، أعاد الطبيب توصيل المحاليل لجسده ، نظر شداد لعمرو رفع يده يربت على كتفه :
- بنتك أخوها محتاجها يا عمرو ، أنا لازم ارجع البلد ، لو احتجتني اتصل بيا ... عن إذنكوا
رحل شداد جلست مرام على طرف فراش جواد تمسح على رأسه تنهمر دموعها ، لم تكن تتخيل أن ترى جواد العابث النرجسي ينهار كورقة شجر في فصل الخريف تفتت بفعل ريح عاتية ، وقف عمرو بعيدا ينظر لجواد يبكي على حاله ... خطته في إعادة تربية جواد ، كانت تتضمن أبعاد نور عنه يمنعها من رؤياها إلى أن يعتدل ولكن جاءت الحية اماندا وقتلتها أبعدتها تماما ، خرج من غرفته يرتمى على المقعد خارجا ، اقترب أحد الأطباء منه ليهب عمرو واقفا يسأله متلهفا :
- ها طمني
حرك الطبيب رأسه للجانبين يحادثه :
- للأسف حالتها ، فرصة نجاتها ضعيفة جداا ، بس إحنا بنعمل اللي علينا ، القلب وقف بس رجع تاني نبض ، أنا عايزك تكون مقدر أن ممكن في لحظة القلب يقف وما يشتغلش تاني ، هي حرفيا متعلقة بشعرة بين الحياة والموت !
_____________
قرابة المغرب في منزل جاسر مهران في صالة البيت الكبيرة الجميع هنا عدا چوري وعلى الطاولة أمامهم قطع الكعك واكواب العصير ...
جاسر يلاعبة الصغيرين سليم وياسين ، رعد وطرب يختلسان النظرات إلى بعضهما البعض هو يشعر بالضيق منها وهي كذلك ، مريم تجلس جوار ملاك يتحدثان بحماس عما سيفعلانه حين تنجح عملية ملاك ، رؤى تجلس جوار زوجها تطعم الصغيرين ، أما كاملا فتراقب المشهد أمامها جاسر يذكرها بجلال ، نفس القوة والحنان على أطفاله ، ابتلعت لعابها مرتبكة حين رمتها رؤى بنظرة حادة حين اطالت النظر إلى زوجها لتبتعد بعينيها سريعا
دُق الباب أول مرة ، قام رعد ليفتح ليدخل مراد نظر للجمع امامه ليرتسم على شفتيه ابتسامة كبيرة حين وقعت عينيه على مريم اقترب يحتضن العمود المجاور لجاسر تنهد بعمق يهمس بنبرة حالمة :
- واحشني يا عمي ، هو أنا ما وحشتكش ولا ايه ، دا أنت وحشتني خالص ، دا أنا بحبك خالص ... بموت فيك أوي ... امتى بقى نتجوز يا عمي
قام جاسر في لحظة يقبض على تلابيب ثيايه من الخلف جذبه إليه يهزه في كفه يده يحادثه ساخرا :
- واخدني كوبري يا حبيب عمك ... امتى نتجوز ، دلوقتي حالا ... هخلي الحزام يزغرط على جتتك
انتفض مراد مذعورا يختبئ خلف رؤي يصيح مذعورا :
- أنا مستسلم قسما بالله ، أنا جاي للواد يوسف ، عمتي يا حبيبتي ، ما تتحركيش دا أنا اللي هجبلك أحفاد ما تضحيش بيا
صفعته رؤى على كف يده تغمغم تنهره :
- اتلم يا ابن عاصم ، جاسر هينفخك والله ، اطلع جري على اوضة يوسف وأنا هجبلك اكلك فوق كلوا سوا
في لحظة اخترق مراد سرعة الضوء حين ركض لأعلى يلوذ بنفسه لينفجروا جميعا في الضحك
دق الباب من جديد تحرك رعد يفتحه لتدخل چوري ابتسمت له لتتحرك للداخل ، جلست جوار والدها ترتمي بين أحضانه ليرفع يده يمسح على رأسها يهمس يسألها قلقا :
- مالك متضايقة ، هو الواد حسين ضايقك
زمت شفتيها غيظا تومأ برأسها إيجابا ليزفر أنفاسه غاضبا يتوعدهم :
- ماشي يا ولاد عاصم ، دا أنا هجيبكوا انتوا وابوكوا واقفل باب الفيلا وهعملهم مذبحة القلعة جوا
قاطع ما يحدث رنين هاتف جاسر نظر لشاشته ليرفع حاجبيه نظر إلى كاملا وطرب قبل أن يفتح الخط يتحدث بصوت مسموع للجميع :
- أهلا وسهلا عُدي بيه المهدي ، مبروك على المناقصة
وضحك بخفة يكمل كلامه :
- لاء أنا مش ناوي أقدم المرة دي ، بس أنا سامع أنك مقدم عرض فوق الممتاز ، مبروك مقدمًا يا سيدي
ومن ثم صمت لبضع لحظات يستمع فيهم إلى الطرف الآخر قبل ان يهمهم يردف :
- حفلة ! ، ما عنديش مانع ... بإذن الله أهو بالمرة على رأيك نتعرف على شريك شركات المهدي الجديد ، ماشي يا عدي
وأغلق معه الخط ينظر صوب رعد الذي قطب جبينه متعجبا من الموقف برمته :
- ايوة يعني إحنا هناخد العملية دي ولا هنسيبها لعدي ، حضرتك أكيد عارف إن آخر يوم في تقديم العروض بكرة الساعة 3
ابتسم جاسر في هدوء رفع يديه يعقدهم خلف رأسه يتمتم في هدوء عينيه تنظر صوب كاملا :
- بكرة قبل 3 هنقدم الورق
عقد رعد جيبنه لا يفهم منذ متى ووالده يتصرف بتكفير آخر ، هل اقتنع لتلك الدرجة لما قالت كاملا والدة طرب ، تنهد يومأ برأسه التفت جواره ليجد طرب تنظر إليه حانقة هو يعلم أنها غاضبة لأنه لم يوافق على عملها ، قام يمط ذراعيه تثائب يغمغم ناعسا :
- أنا هطلع بقى ، تصحبوا على خير ، يلا يا طرب
اشاحت بوجهها بعيدا كادت أن ترفض الصعود معه ولكنها وجدتها فرصة مناسبة لإقناعه بعملها ، قامت من مكانها تتحرك نحوهه أمسك بكف يدها ، كاد أن يتحرك حين سمع والدته تسأله فجاءة :
- صحيح يا رعد ما فيش حاجة كدة جاية في السكة تفرحنا كلنا
أصفر وجه طرب أثر كلمات رؤى ارتعش كف يدها وشعر رعد برجفة يدها في كفه نظر إليها ليراها شاحبة تبتلع لعابها متوترة للغاية ، الأمر الذي أثار ريبته ، نظر إلى والدته يحادثها :
- لسه بدري يا ماما ، بس قريب إن شاء الله
يلا تصبحوا على خير
وتحرك لأعلى بصحبة طرب ، أما هناك في غرفة يوسف جلس مراد أمام يوسف يربع ساقيه يأكل الكعك ضحك يوسف متعبا يسخر منه :
- إنت يا جاي تغيظني يلا ، ولا جاي تتعشى ومروح
نظر مراد إلى يوسف فمه ملئ بالكعك بلع ما في فمه يغمغم متذمرا :
- أنا غلطان إني قولت اجي اطمن عليك ، وقولت اجي اشوف مريم بردوت بصراحة بقالي كتير ما شوفتهاش
ضيق يوسف عينيه مغتاظا ليمسك بتحفة صغيرة تجاور فراشه ألقاها عليه يهمس حانقا :
- قول كدة واخدني كوبري عشان تشوف اختي ، يا عرة الصحاب ... اطلع برة يلا قبل ما اقوم افتح دماغك
ضحك مراد عاليا يرتمي بجسده على الوسادة جوار يوسف يربع ذراعيه خلف رأسه تنهد يهمس حالما يخطط للمستقبل :
- امتى بقى النتيجة تطلع وكل واحد يدخل كلية الهندسة مش حبا فيها والله ، بس عشان اشتغل في شركة ابويا ولا ابوك اللي هيدفع أكتر هشتغل عنده ، واخطب البت اختك رسمي ونفرش شقتنا سوا ، يا راجل دا أنا عينيا بتطلع قلوب من دلوقتي
كاد يوسف أن يلتقط الوسادة خلف رأسه يهنق بها أنفاس ذلك الوقح الأحمق على ما يقول حين التفت مراد إليه يغمغم سريعا:
- صحيح يا فضيحة طول ما إنت في البنج عمال تقول ملاك ملاك وشوية ملاك أنا بحبك ، البت وشها كان شبه اللمونة وبتقول يا أرض انشقي وابلعيني ، أكيد عمي جاسر سألك ما هو مش هيعيدها
تنهد يوسف يومأ برأسه نظر صوب مراد يهمس حائرا :
- قولتله على كل حاجة ما عدا إني كنت بكلمها قبل على الفيس قبل كدة ، هو قالي لما تشد حيلك نبقى نتكلم ، بس أنا مش هقبل اي رفض من ناحيته ، بعدين بابا تقبل طرب اختها بينا وبقى بيعامها أحسن مننا كمان ، أكيد مش هيرفض ملاك ولا ايه
اومأ مراد برأسه قبل أن ينظر صوب يوسف يسأله :
- اومال فين وليد صحيح ما شوفتوش
- والده تعبان ما عرفش يسيبه وأنت اطلع برة بقى عشان عاوز أنام
غمغم بها يوسف قبل أن يتثائب ناعسا ليضحك مراد يمط ذراعيه في الهواء يغمغم ناعسا :
- آه والله الواحد موخم أوي ، قول لعمتي تصحيني بكرة على الفطار وتعملي بيض بالبسطرمة وشاي بلبن
لكزه يوسف في ذراعه يهمس حانقا :
- يا بخت من زار وغار ، ما تروح تبات في بيتكوا يا زفت
ولم يسمع منه ردا سوى أن مراد جذب الغطاء يختفي أسفله يهمس ناعسا :
- اقفل الاباجورة يا يوسف عشان ما بعرفش أنام في النور ، وما تخليش حد يصحيني قبل الضهر
في غرفة رعد وطرب
دخلت طرب إلى المرحاض ارتدت فستان رقيق من اللون الأسود وضعت بعض المستحضرات تزين وجهها تضع الكثير من العطر ، نظرت لصورتها في المرآة لتبتسم متوترة التقطتت أنفاسها بعمق خرجت لتراه يجلس على مقعد خلف المكتب الصغير يطالع عدة أوراق أمامه يرتدي نظارة شفافة ، لم تكن تعرف قبلا أن رعد يرتدي نظارة !! ، اقتربت منه تقف خلفه مدت يديها تدلك كتفيه بخفة تهمس بنبرة ناعمة :
- رعدودي مش كفاية شغل بقى يا حبيبي ، الصبح بتشتغل ولما رجعنا من المستشفى ودلوقتي كمان ، أنت ما تعبتش
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي رعد ، يحرك رأسه للجانبين بخفة يردف بهدوء :
- لاء يا طرب ما تعبتش ، ولاء ما فيش شغل
قطبت جبينها غاضبة من رفضه الغير مبرر ، تنفست بعمق حاولت أن تهدأ قدر المستطاع حتى لا يتشاجرا ... التفت تجلس على سطح المكتب أمامه تعقد ذراعيها أمامها تهمس متذمرة :
- ليه يا حبيبي دا أنا هبقى معاك في الشركة هو أنا هشتغل في مكان غريب وهروح معاك وارجع معاك ، كدة يا رعدودي مش عايزني دايما معاك ، وأنا دايما عايزة اشوفك
نزع النظارة من فوق عينيه رفع وجهه إليها يبدو غير راضيا تماما عما تقول ، أمسك بكف يدها يُنزلها جذبها نحوهه لتجلس على قدمه فابتسمت ظنت أن ما فعلت أثر به وهو الآن على وشك أن يعطيها الموافقة ، فظلت تسبل عينيها في وجهه بلا توقف لتسمعه يردف ساخرا :
- عينيكِ هتعلق يا حبيبتي ، بطلي الهطل اللي بتعمليه دا ...
ومن ثم صمت لعدة لحظات قبل أن يحادثهل بنبرة هادئة :
- طرب أنا مش موافق على شغلك ، ودي حاجة أنا مش هتراجع فيها ، أنا عارف إن من حقك تشتغلِ .. بس أنا مش حابب أنك تحتكي بالموظفين والشركة عندنا كبيرة والموظفين كتير والعملا أكتر ، ومن غير أي إساءة ليكِ
أنا مش عاوز حد يضايقك بكلمة يعني يكون شافك وأنتِ ....
وصمت ولم يكمل في حين طرفت عينيها الدموع ، غص صوتها تهمس بحرقة :
- وأنا برقص ، ما تكمل سكت ليه ؟! ... بس تعرف أنت عندك حق ، أنا اللي عيشت أوي بينكوا لدرجة اني نسيت الماضي ، والناس ما بتنساهوش ... أنا آسفة إنت عندك حق
ابتعدت عنه تهرول إلى الفراش ارتمت عليه تشعر بألم لم تشعر به قبلا ، هو محق لم يكذب
سيعرفها الكثيرون والكثيرون ، طرب الراقصة الأولى التي كان يمتلئ الملهى يوميا بمئات ولا مبالغة في كلمة الآلف فقط ليروها ، شعرت بخطواته تقترب منها جلس خلفها مد يده يمسح على خصلات شعرها القصير برفق سمعت صوته يعتذر منها :
- طرب أنا آسف ، أنا بجد آسف حقك عليا والله ما كنش قصدي ازعلك ، لو أنتِ فاكرة اني بفكر في نفسي أو شكلي قسما بالله أبدا ، كل إللى أنا خايف منه ، أن حد يضايقك ولو بكلمة ولا يتعرضلك بحرف واحد ، واوعي تفتكري أنك قليلة في نظري أبدا ، أنا بخاف عليكِ يا طرب بخاف عليكِ أوي ، أنتِ أول وآخر حب في حياتي ، أنتِ دخلتي حياتي في عز ما كانت مضلمة عايش وسط أهلي وحيد ، ويكون ونيسي الوحيد بنت مجنونة حاولت ترمي نفسها في الماية ولما انقذتها لقيتها بتقولي ما سيبتش المحفظة برة ليه عشان تجيب أكل ، وأكلتني لأول مرة في حياتي كبدة من على عربية في الشارع
خرجت ضحكة صغيرة من بين شفتيها تجاور دموعها لفت جسدها تنظر إليه ليمد كفه يمسح الدموع عن وجهها ، شدها يرفعها قليلا عن الفراش يحتضنها ، تمسكت بقميصه تغمض عينيها تنساب دموعها ، لحظات وابعدها عنه يهمس سريعا :
- اقولك أنا عندي ليكِ شغل حلو ، مش أنتِ شاطرة في الحلويات زي ما بتقولي دايما ، وما دوقتش من الكلام دا طبق رز بلبن حتى ... أنتِ اعملي الحلويات وغلفيها وسعريها وأنا هاخدها احطها في الكافتريا بتاعت الشركة واللي حابب يشترك والمكسب كله ليكِ مش هاخد منك نسبة يا ستي قولتي إيه ، بطلي عياط بقى عشان خاطري
رفعت يديها تمسح دموعها بعنف تومأ برأسها تهمس حائرة :
- مش عارفة هفكر
ابتسم يومأ برأسه ابتعد عنها يحرك عظام رقبته المتيبسة يهمس عابثا :
- طب ايه بالنسبة للمساچ اللي كان من شوية رقبتي بتنهار ، ما فيش تاني
كتفت ذراعيها أمامها تعطيه ابتسامة صفراء تردف متهكمة :
- لاء ما فيش ، واطفي النور بقى عشان عاوزة أنام وروح أنت كمل شغلك ، يارب تحلم بالورق بيخنقك
____________
الغير مفهوم حقا أن الساعة لا تزال العاشرة ليلا
وقد خلد معظم أهل آل مهران للنوم
أما في منزل ياسر راضي فتح ياسر باب منزله يدخل أولا ومن بعده دخل كل من جاسر وسما وأريچ في النهاية ، هبت نرمين واقفة حين رأت سما لتدمع عينيها تنظر إليها تعاتبها بعينيها فقط على ما فعلت ، أما سما فنظرت إلى والدتها وادمعت عينيها ندمًا عما قالت في حقها عدة مرات ... تحركت نرمين صوب سما وقفت أمامها كل منهما تنظر للأخرى عدة لحظات قبل أن تجذبها نرمين إلى أحضانها تعانقها بقوة اخترقت الدموع وجهها يصاحبها شهقاتها تهمس تعاتبها :
- أنا زعلانة منك أوي ، أوي يا سما
تأفف جاسر ينظر للمشهد الدرامي أمامه بملل نظر جواره ليرى أريچ تبكي وهي تشاهد إعتذار سما لوالدتها وكيف تحتضن كل منهما الأخرى تطلب منها السماح ، طرق بأصابعه أمام وجهها يتمتم ساخرا :
- تعشقوا النكد زي عينيكوا ، كان هيحصل ايه لو دخلنا سلمنا على بعض وتجازونا اللي حصل وخلصت ، أنا عارف إن ضد مبادئ علم النفس ، بس انتوا فعلا Drama queens أوي
ضحكت أريچ بخفة رفعت يديها تمسح دموعها ، نظرت لوالدتها وهي تعانق شقيقتها ، تبتسم سعيدة وعقلها يُفكر قلق يتمنى أن يحصلوا على السعادة بعد كل ما حدث ... قاطع جاسر ما يحدث يغمغم متذمرا :
- يا جماعة عشوني وبعدين ابقوا عيطوا ، أنا على لحم بطني من امبارح ، أريچ خدي سما أوضتها ساعديها تغير وتفوق كدة وأنا هطلب عشا مفتخر يلا مش خسارة فيكوا
ابتسمت أريچ تومأ برأسها تحركت صوب شقيقتها تبتسم متوترة ... لتمد سما يدها تستند على كتفها لتبتسم تشجعها ، تحركتا معا للداخلل تتذكر كلمات جاسر التي قالها في المستشفى ( أريچ أنا عايزك جنب سما ال 24 ساعة في الاربعة وعشرين ساعة جايين ، عايزك دايما شاغلة مخها مش عايزها تقعد مع نفسها لحظة تفكر ، لو دخلت الحمام وطولت خبطي ورخمي وخليها تخرج ، أنا عايز المخ يركن اللي حصل دا بعيد أوي ومش هيعمل كدة غير لما تفضلي مشتتاه على طول ، اريچ ما تناميش غير لما تتأكدي أنها راحت في النوم مش بتمثل أنها نايمة )
فتحت أريچ باب غرفتها هي اسندتها لتجلس على الفراش ابتسمت تغمغم متوترة :
- ماما حطت هدومك هنا ، وبعدين أنا عوزاكِ تباتي معايا في الأوضة ينفع ؟
ارتسمت ابتسامة شاحبة شاردة على شفتي سما تومأ برأسها ؛ لتتحرك أريچ سريعا صوب دولاب الثياب تخرج ملابس لشقيقتها ، اقتربت منها جلست جوارها تضع الثياب بعيدا ، جذبتها تعانقها تنساب دموعها في صمت ، مسحت دموعها سريعا تبعد سما عنها ابتسمت تحادثها متلهفة :
- صحيح مش أنا جبت قطة اسمها بسكوتة وجاسر مسميها المتحرشة ، أصله كل يوم يصحى يلاقيها نايمة على وشه ... وحشتني أوي هتحبيها أوي صغننة كدة بس قردة
حاولت سما إن تضحك قبل أن تومأ برأسها قامت تلتقط ثيابها توجهت صوب المرحاض دخلت تغلق الباب عليها تضع ثيابها جانبا توجهت صوب المرش تفتحه وقف أسفله تغمض عينيها تنهمر دموعها مع المياه تتذكر مشاهد من حياتها السابقة السعيدة مع مصطفى تمتزج بكلماته السامة التي قالها لها في الفندق ، قضت سنوات بين أحضان شيطان وهي لم تكن تعرف ... فتحت مقلتيها تنظر لانعكاس صورتها في المرآة ، هناك ترى ما تبقى منها شظايا مبعثرة تحتاج لإعادة تجميع لتكون هيكل متماسك ولكنه مشوه !!
في الخارج دُق الباب تحرك حاسر ليفتح ظنه عامل توصيل الطعام ليتفاجئ حين رأى سامر يقف أمامه يحمل صندوق به قطة أريچ الصغيرة كاد أن يصرخ فيه حين رأى الجرح في ذراع جاسر ، ليهدر قلقا :
- ايه دا في ايه ، جاسر أنت كويس ، ايه اللي حصل لدراعك وازاي ما تقوليش
ابتسم جاسر يفسح الطريق لسامر ليدخل الأخير وضع صندوق القطة جانبا يجلس على المقعد المجاور له يحادثه :
- ما ترد عليا يا عم ، حصلك ايه وازاي ما تقوليش هو احنا مش أصحاب
ابتسم جاسر يحرك رأسه للجانبين يردف بخفة :
- يا عم الموضوع مش مستاهل ، دي حادثة بسيطة ... المهم أنت عرفت منين أن هنا
نظر سامر إلى صندوق القطة قبل أن يعاود النظر لجاسر يردف :
- روحت الشقة اللي هناك ما لقتش حد ، روحت العيادة .. السكرتيرة ادتني العنوان دا ، كنت جايبلكوا القردة دي ، دي فظيعة عمالة تضرب في شيتوس ومش بتبطل تنونو واصحى من النوم بتخنق هموت الاقيها نايمة على وشي
حمل جاسر صندوق القطة بيده السليمة ينظر إليها يغمغم حانقا :
- فضحانا في كل حتة كدا ، ماشي يا متحرشة
صوت مواء القطة جذب أريچ من الداخل ، ابتهجت ابتسامتها تصفق سعيدة حين رأت جاسر يحمل صندوق قطتها هرولت إليها تأخذ الصندوق منه :
- بسكوتة وحشتيني ، كنت لسه بحكي لسما عنك ، تعالي احطلك أكل
نظرت أريچ إلى سامر تبتسم قبل أن تشكره :
- شكرا أوي يا سامر أنك خدت بالك منها
ابتسم سامر يشعر بالاحراج حين ابتسمت وشكرته يومأ برأسه متوترا ، لم يشعر بذلك القدر من التوتر قبل الآن ، حمحم ينظر يعتذر منه :
- طب أنا همشي وهكلمك بكرة ، عن إذنكوا
اومأ جاسر برأسه يبتسم ليلاحظ شيء ربما لم يلاحظه قبلا تلك النظرات التي يختلسها سامر صوب أريچ ؛ ليرى أريچ هي الأخرى تنظر له خلسة ، ما الذي يجري هنا دون علمه ؟!
_________
في صباح اليوم التالي ، في منزل علي وإيمان
خرجت إيمان من غرفتها قاصدة غرفة ابنتها فتحت بابها لتلاحظها ليان رفعت يدها تسمح دموعها سريعا ، اقتربت إيمان تجلس جوار ابنتها رفعت يدها تمسح على خصلات شعرها برفق :
- ما يستاهلكيش والله يا ليان ، ما يستاهلش اللي أنتِ عملاه في نفسك دا ،أنتِ يا حبيبتي ألف واحد يتمناكِ ، صدقيني يا ليان أنتي وجواد ما تنفعوش لبعض بأي شكل ، أنا صعبان عليا حالك أوي من ساعة ما خلصتي امتحانات وأنتي ما بتخرجيش من أوضتك ، أقولك روحي مع ابوكي الشركة ، اخرجي مع أصحابك
اقعدي مع شريف ، أنا عارفة أنك دايما معاه وبتحاولي تهوني عنه ، عشان خاطري أنا يا ليان انسيه واعتبريها صفحة واتقفلت وما تعمليش في نفسك كدة والله ما يستاهل ، مش ابن أخويا بس عمرو نفسه عارف إن ابنه أناني وما بيحبش غير نفسه
ابتسمت ليان في سخرية هي أكثر من تعرف ذلك ، جواد جلمود لا قلب له تتمنى له العذاب الذي رماها فيه نظرت إلى والدتها تهمس بحرقة :
- أنا بكرهه من كل قلبي أنا زعلانة على نفسي عشان كنت غبية ومغيبة وسيبته يلعب بيا وبمشاعري ، لدرجة أنه خلاني في وقت قلبت على أخويا بني آدم مريض مش طبيعي ، كل اللي أنا بتمناه دلوقتي ، أن ربنا يحرق قلبه ويدوقه من نفس الوجع وأضعاف
تنهدت إيمان بحرقة هل تخبر ابنتها أن دعوتها استجابت وأن جواد يعاني الأمرين بعد موت نور ، رفعت يدها تمسح على شعر ابنتها تهمس مترفقة :
- قومي شوفي شريف وشجعيه زي ما بتعملي دايما الدكتور زمانه جاي وهيبدأ معاه أول جلسة وأنا حاسة أنه متوتر أوي
قامت ليان تسمح الدموع عن وجهها شريف أهم بكثير من ذكرياتها مع ذلك الوغد ... قامت إلى المرحاض تمسح آثار الدموع عن وجهها تحركت إلى غرفة شقيقها فتحت الباب ترسم ابتسامة كبيرة على شفتيها تحركت إليه تغمغم عابثة :
- شيفو حبيبي ، قاعد قلقان ولا كأنه عنده امتحان
اقتربت تجلس مجاورة له تقرص خده برفق ليحرك رأسه ينظر إليها ، يعرف أن جرحها لا يزال ينزف كما جرحه هو ، وأنها تضع الكثير من الضمادات فوقه لتأتي إليه الآن تتصنع تلك الضحكات ، تنهد بعمق يضم رأسها لصدره يقبل قمة رأسها لتشعر بالهدوء وتلك الأصوات التي تصرخ في رأسها توقفت مؤقتا ، سمعت صوته يهمس ممتنا :
- ربنا يخليكي ليا يا ليان
ابتعدت عنه ترسم ابتسامة صغيرة على شفتيها لتشعر بملامح وجهه تتوتر من جديد فبادرت تسأله قلقة :
- مالك يا شريف شكلك قلقان كدة ، الدكتور قال مع العلاج هترجع زي الأول
ابتلع شريف لعابه مرتبكا يهمس لها :
- الدكتور دا جايب معاه بنت تساعده ، وبعدين أنا خايف أن الجلسات دي تكون مؤلمة مش حابب يعني واحدة غريبة تشوفني وأنا ضعيف وبتوجع حاسسها إهانة بصراحة ، ما يجي لوحده هو هيعمل ايه يعني ، بصي أنا بفكر احرجها عشان ما تجيش تاني ... بس بردوا البنت مالهاش ذنب عشان احرجها
حاولت ليان أن تقنعه أن ما يفكر به مخض أوهام لا أساس لها من الصحة بعد قليل جاء الطبيب ومعه تلك الفتاة ، شعر شريف بالتوتر الشديد حين رآها مد ليان يدها تمسك بكف يده تشد عليه برفق ، اقترب الطبيب من ساق شريف المصابة أول حركة كانت حقا مؤلمة غير متوقعة جعلت شريف يصرخ بعلو صوته من الألم التقط أنفاسه ينظر إليها ليرى نظرة شفقة في عيني تلك الفتاة ، نظرة أهانته من وجهه نظره ، نظر للطبيب يغمغم حانقا :
- لو سمحت خرجها برة ، أنا مش حالة بتشرح عليها للانسة ... اطلعي برة لو سمحتي
شعرت زينب بالإهانة لتفر للخارج ، نظرت ليان له غاضبة لتهرع خلف زينب تنادي عليها :
- يا آنسة ، يا آنسة زينب استني !
______________
في نفس اليوم قرابة الرابعة عصرا في مكتب عُدي في شركة المهدي يجلس عُدي على أحر من الجمر وأمامه يجلس نصار ينتظران نتيجة المناقصة لمن ستذهب ؟ ، عُدي لا يثق تمام الثقة بكاملا ، جاسر مهران لن ينسحب بتلك البساطة ، ابتسم نصار يغمغم ساخرا:
- هي المدام بتولد ، أصلك رايح جاي بقالك نص ساعة ، اقعد يا عُدي ولو الموضوع رسي علينا هتلاقي الموبايل بيرن
ودق بالفعل هاتف عُدي ، توسعت حدقتي الأخير ينظر للرقم أمامه يفتح الخط يغمغم متلهفا :
- ايوة ايوة طمني ، أنت بتتكلم بجد ؟! ... طب وشركات مهران ، ما قدمتش أصلا ؟! ، الله يبارك فيك ، طبعا حلاوتك محفوظة ، سلام
أغلق عُدي الخط يصيح بعلو صوته فرحا :
- كسبنا المناقصة ، جاسر ما قدمش خدنا المناقصة وشك حلو يا نصار باشا
لم يسعد نصار كما فعل عُدي بل قطب جبنيه يفكر مرتابا ، نصر عُدي كان أسهل من المتوقع جاسر لا ينسحب من المعركة بتلك البساطة ، إلى ماذا يخطط تحديدا هو حقا لا يعلم ؟!
أما عُدي فترك المكتب واتجه صوب الخارج يمسك هاتفه يطلب رقم كاملا يحادثها سعيدا :
- كلامك كله كان صح يا كاملا ، أنا آسف يا روحي إني شكيت فيكِ ، جاسر فعلا ما قدمش في المناقصة وأنا اللي خدتها !!
________
هناك في سيارة جاسر تراه يجلس مجاورا لرعد الذي يكاد ينفجر من الغيظ مما حدث يضع سماعة بلوتوث في أذنه يستمع إلى أغنية جميلة للغاية ، أغنية لا توجد على هاتفه وإنما على هاتف والدة زوجة ولده البكر أغنية قصيرة من عدة جمل كلماتها تقول
( كلامك كله كان صح يا كاملا ، أنا آسف يا روحي إني شكيت فيكِ ، جاسر فعلا ما قدمش في المناقصة وأنا اللي خدتها )
نظر صوب رعد حين سمعه يصيح مغتاظا :
- سبب عايز سبب واحد يخليك تمعني من اني اقدم الورق بعد التعب اللي تعبت فيه دا كله ، أنت مش قايلي قبل 3 تروح تقدم الورق ، اروح اقدم الورق الاقيه فاضي وتقولي أنك خدت الورق ومش ناوي تقدم
رفع جاسر كتفيه لأعلى يغمغم ببساطة :
- مش نصيبنا يا رعد ، خيرها في غيرها ، صحيح قولي مراتك حامل ولا لسه
قطب رعد جبينه مستنكرا ما بال الجميع يسأل عن حمل زوجته وكأنه خبر عالمي حرك رأسه للجانبين لا يفهم ما يحدث ليبتسم جاسر يربت على كتفه :
- طب شد حيلك ، أنا عايز حفيد قريب وقريب جداا كمان
رفع رعد حاجبيه مدهوشا قبل أن يردف مستنكرا :
- مش دي اللي ما كنتش عاوزني المسها اصلا ، عشان اطلقها
ضحك جاسر بخفة يحرك رأسه للجانبين يردف ضاحكا :
- دا أنت قلبك أسود أوي ، زي أبوك ما بتنساش ، وبعدين يا سيدي ادينا عاشرنا البت وعرفنا أنها طيبة وأمها ست محترمة أوي !!