رواية القلب أخضر الجزء الثانى الفصل السابع و العشرون بقلم رباب عبد الصمد
عاد ايوب الى القرية وعقله لم يخلو لحظة من التفكير فى ليلته وكيف حالها
غابوا وزادوا فى الغياب سنينا
غابوا ليزداد الحنين حنينا
غابوا وما علموا بان غيابهم
سلب السعادة واستحال انينا
هذى عيونى قد بكت لفراقهم
دمعا مذيبا للجفون سخينا
عاد الى القرية وبعقله مواضيع لا حصر لها وكل موضوع يحتاج الى وقت لاصلاحه من بين اصلاح موضوع طارق وسهيلة وبين موضوع طارق وليلى وبين موضوع ليلى وعائلتها وبين موضوعه هو نفسه مع ليلى او موضوع اخيه معتزمع زوجته التى تريد قبضة من حديد ليتم ترويضها وبين موضوع اخته فريدة التى حرمت من زوجها وابنها بسبب حماقة اخيها
اصبح عقله مرهق للغاية يفكر فى كل شىء فى ان واحد
وصل الى بيته اولا حتى يرى ابيه فيدله على مكان ليلى
ما ان راته والدته الا وهللت ورحبت به واختلت فرحتها بالدموع فها هو جاء ولدها اخيرا
قبل راسها فى حنان وهو يقول : لما البكاء الان يا امى
والدته : لا ابكى على شىء الا عليك يا ولدى فقد جات لتحمل الهموم بدلا من ان ترتاح
ابتسم لها وقبل راسها مرة اخرى وقال مطمئنا اياها : لا عليكى يا امى فلا تدرين كم سعادتى وانا احمل عنكم همومكم
خرجت اليه صفاء ورحبت به وهى قلقة منه فهى تعلم ان زوجها نفسه يهابه وقد يشد عليها فى المعاملة اكثر من هذا لاجل ان يرضى اخاه او اباه كما يناديه
بينما ردعليها ايوب الترحاب بسلام بارد فعقله الان ليس فيه مكان لان يهتم بصفاء فهناك من الاعباء ما يحمله تفوق تصرفات صفاء
سال اول ما سال على اخته فريدة فاجابته امه بحزن انها فى حجرتها لا تغادرها ولا تغادر البكاء ايضا
تركها وصعد الى اخته ببطء وقلبه يتمزق لاجلها فها هى مهجة قلبه تعيس اسيرة جدران حجرتها لا تفارقها دموعها
ياغائبين بكى الزمان لبعدكم فهل لنا بعد الغياب لقاء
اشتقنا لكم يا ليتنا لم نفترق فالبعد فيه مذلة وشقاء
لا تقطعوا سبل المودة بيننا فان القلب يفرح باللقاء
طرق الباب ودخل بهدوء ورسم على وجهه ابتسامة عذبة تحمل حنان العالم كله وقال : لم اعتاد ان اتى البيت دون ان تستقبلنى تلك الصغيرة مهجة قلبى بالركض للفوز بحضنى
انتبهت فريدة لصوته فشهقت فقد كانت نائمة فى سريرها فى وضع الجنين وموليه ظهرها للباب وما ان راته واقفا يسد عليها الباب بطلته الحانية الا وقفزت نحوه وارتمت فى حضنه كما الطفلة وبكت بنحيب وصوت عالى وتشبثت فى صدره كما الطفل الذى يتشبث فى ابيه ان وجد ما يخيفه
ضمها اكثرلحضنه وربت على ظهرها وابتسم ليشعرها بحنانه ثم مال على اذنها يناغشها وقال : اعلم يا مهجة قلبى ان تلك الدموع لاول مرة تنزل فى صدرى ولكنها لا تخصنى بل تخص ذاك الرجل الذى شغل قلبك واصبح يملاه حتى انه لم يترك لى مكان فيه
تشبثت اكثر وبكت اكثر فضمها اكثر ثم ابعدها وقال والابتسامة لازالت تملا وجهه : ان علم مقدار اشتياقك له لبات تحت اقدامك ولكنى اعلم ايضا تمام العلم انه يتجرع نار الفراق اكثر منك ولكن الرجال لا يبكون
فريدة : لقد اشتقت اليه يا ابى
ايوب : وهو ايضا اكثر منكى اشتياقا لكى
فريدة بلهفة : هل هاتفك؟
ايوب : لا ولكنى اشعر بقلب الرجل العاشق
فريدة بتعجب : ماذا؟
ايوب تنبه لما تفوه به فهو حقا كان يشعر بعلي لانه مثله يتجرع الشوق لليلى فتنحنح ليلهيها عما تفوه به ثم قال : ادخلى اغتسلى وارتدى ابهى ما عندك فانتى اليوم عروسة من جديد
لم تفهم معنى كلامها فظلت محدقة فى وجهه ولم تجروء على سؤاله فقال لها : يا مهجة قلبى تعجلى فساذهب بكى الى بيت زوجك فانا لا يرضينى حالكما ثم ان تصرفى هذا بمثابة اعتراف لهما باننا لا نشك فى طهارة ابنتهم
رقصت فريدة من الفرحة واخذت تقبل اخاها فى كل انش فى وجهه ثم ركضت بسرعة للحمام لتغتسل
بينما هو غادرها لينتظرها فى الاسفل واذا به يجد اخيه معتز وابيه قد عادوا لتوهممن المزرعة
هلل اخيه معتز بعودته وسلم عليه واول سؤال ساله اياه : هل قامت صفاء بخدمتك وتقديم ما تحتاج اليه ام انها قصرت ؟
ربت على كتفه وقال : الزوجة تخدم زوجها ايها الصغير وان تكرمت فتخدم ام زوجها وابيه واما غير هؤلاء فلا والا فقدنا شيمة رجولتنا ونحن نرهقها بما لا يعنيها
صمت معتز خجلا من اخيه ولم يرد
ايوب : ارى الحب فى عينيك فاشعرها به ولا تجعل للجفاء بابا يقتل حبكما
تركه وتحرك نحو ابيه الذى كان بدوره يعرف ماذا يريد منه ان يعرفه ولهذا ما ان اقترب منه الا وقال له ابيه بكل هدوء : انا ايضا ارى فى عينيكلهفة العاشق
ايوب بلهفة وبصوت هامس : هل حافظت على ضى عينى وروحى التى كانت بين يديك
ابيه : اطمان يا بنى هى لا ينقصها الا حنانك
ثم صمت لبرهه واكمل : ودمك ايضا فهى تحتاج الى نقل دم وبشدة ولكنها حرمت على نفسها اى دم الا دمك
اخذ ايوب نفس عميق يدل على خفقان قلبه وعشقه ولهفته لسماع حتى صوتها او نظرة من عينيها وقال : هل هى يخير ام ساءت حالتها ؟
الحاج صالح : هذا عنوانها اذهب اليها واطمئن بنفسك
ايوب : لا استطيع الذهاب اليها وحدى بل ستاتى معى
ابتسم ابيه على نخوة ولده وقال : بالطبع يا بنى ساتى معك
قبل ان يتفوة بكلمة اخرى وجد اخته فريدة تقف امامه وهى فى كامل اناقتها وقد عادت الاشراقة من جديد على محياها وجرت الدماء من جديد فى عروقها
الحاج صالح متعجبا : الى اين يا فريدة
كادت ان ترد الا ان ايوب كان الاسرع فقال : لقد طالت زيارتها لنا وساوصلها الى بيتها
الحاج صالح وهوفاغرا فاه وبدات تظهر العصبية عليه وقال : كيف تقول هذا يابنى هل فقدت صوابك
ايوب بكل هدوء : واين عدم الصواب هنا
الحاج صالح : لقد اتى بها هنا بنفسه وتركها وحرمها من ابنتها وتريد انت ان تعيدها اليه هكذا بكل سهوله
ايوب بنظرة ثاقبة لابيه : ولماذا ناخذ نحن موقف ابننا بكل سهوله فهل احاسب على على رد فعله قبل ان احاسب ابنى على فعله
تلعثم الحاج صالح فهو يعلم ان ابنه على حق ولكنه فى ذات الوقت يريد ان يصون كرامة ابنته
ايوب : لقد فعل على الصواب عندما اتى بها الى هنا كما فعل ايضا الصواب عندما ترك اخته وعرضه الاخر بين ايدينا فهل يفعل هو ذاك وانت تفعل هذا فاين شيمتنا نحن فهو المجروح
صمت الحاج صالح بينما اغرورقت عينا فريدة فقد خشت ان يصم ابيها على رايه ولكنها شعرت بانفراجة وهى تسمع ابيها يقول لاخيها : افعل ما شئت انت تزن الامور خيرا منى
.....
وصل ايوب وبصحبته فريد التى كانت تسير معه وكانها تطير عند بيت على ونادى عليه
خرجت امه وهى تحمل حفيدتها ليلى التى تبكى وما ان راته هو وفريدة الا وتهللت اساريرها واقبلت نحو فريدة التى كانت اسرع منها وارتمت فى صدرها تقبلها وتقبل ابنها بلهفة
خرج على وما ان راى فريدة مع والدته الا وتهللت اساريره هو الاخر فقد كان مولعا شوقا اليها ولكنه على الرغم من ذلك تظاهر بالهدوء ورحب بفريدة بكل هدوء ثم مد يده وصافح ايوب
ابتسم ايوب وقال مناغشا لعلى : ايها الجبار ما كنت اعلم انك قد سلبت اختى عقلها قبل قلبها
ابتسم على ابتسامة هادئة ثم اشار له بيده ليدخل
دخل الجميع وعلى يتاجج نارا من الشوق وود لو ان يضم فريدة لصدره ولكن كرامة اخته وعرضها وقفت حائلا بينهما
واكتفى بان يختلس النظرات عليها وهى تتحرك امامه
دخل على حجرة الزائين وتبعه ايب بينما صعدت فريدة بصحبة ابنها لغرفة نومها فى الاعلى
ايوب : يا علي اعرف انك تعشق اختى واعرف انك رجل حد النهاية وامثالك الان نادرين
كاد علي ان يتكلم الا ان ايوب اسكته باشارة من يده وقال : ايها المجروح لا داعى للالم فقد طاب جرحك واعلم انى اول المؤكدين على طهرة اختك واعلم ان بارجاعك اختى لبيتى لا يعنى انك تثار لكرامة اختك التى هى من كرامتنا جميعا
ولا تنسى انها تحمل اسمنا قبل اسمكم فهى صارت منا وليست منكم وان كان صدر من اخى ما يؤلمكم فانا اول المعتذرين وجئت لك باختى بنفسى لاؤكد كلامى
كان علي ينصت له وكاد ان ينفجر غيظا من فعلة اخيه ولكن وقار وادب ايوب منعاه
ايوب اقترب منه ووضع يده على كتفيهوشد عليه ليشد من عزيمته ويرفع من شانه وقال : ارفع راسك ايها الرجل وانا اول المساندين لك وان طلبت الان الثار لعرضك منى فلن امانع ولكن ما امانعه ان تفكر مجرد التفكير لاثبات براءه اختك فبرائتها مثبوته بالفعل
كاد ان يتكلم علي للمرة الثانية الا ان قطع كلامهم دخول ابيه الحاج نعمان عندما شاهد نور الغرفة وما ان راى ايوب الا وتجهمت ملامح وجهه وطأطأ راسه خجلا وقال : ايها الثائر اعلم انك جئت لتثور لاجل شرفكم ولكنى اعدك ان اثار انا لكم وهذه بندقيتى لا تفارقنى ولن ادم لكم اى اعتذار الا وفى يدى دم عرضى المنتهك
لم يستطع علي السكوت اكثر من هذا وقال : ارفع راسك يا ابى ولا تطأطاها فانت اعلى الناس وان وجب طاطأة راسنا فانا فداك ولكنك ستبقى ابيا ولكن اختى اشرف مخلوق على وجه الارض ولكنك تكابر وها هو اخ من انتهك عرض اختى ودنسها جاء بنفسه يقدم لنا الاعتذار بل جاء باخته لدارنا وقد ازداد شرف بنا بل اختى هى من زادتهم شرفا
واعلم انه ما كان ياتى باخته الا ان كان واثقا فى اختى وعرضنا وما كنت تركت اختى الاخرى عندهم الا لانى ايضا متاكد من براءتها
الحاج نعمان بحزن : هذا كلامنا يا بنى ولكن اين هى لتثبت عكس ما ثار
علي : ستظهر عما قريبا ولكن ستظهر ومعها دليل عفتها وكن واثقا من هذا
ظل ايوب صامتا منصتا للحديث الارتجالى بين الاب وابنه ولكنه كان يغلى غيظا من ذلك المكابر
الحاج نعمان : وانا ساظل ابحث حتى اطهر عرضى بدمها فكون اختفاءها اكبر دليل على خطيئتها فاصبحت لا اقوى ان انظر فى عين اى رجل فكانما الجميع علم بما فعلت ولا اصبحت اطيق الليالى فكانما تذكرنى بفعلتها
الحاج نعمان كان يكابر ويرائى حتى يظهر انه رجل وقد ينتقكم لعرضه حتى وان كانت ابنته بريئة وكانه يتعمد ان يصدق فيها ما قيل ليظهر احقيته فى لقب الرجولة
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان لنا هجانا
فدنيانا التصنع والترائى
ونحن نخادع من يرانا
وليس الذئب هو من باكل لحم الذئب
ولكن ياكل بعضنا بعضا عيانا
هنا ثار ايوب فليلى عشقه الوحيد تهان وتطعن فى شرفها وهو السبب لانه اختار ان تظل هكذا مختفيه فصاح ثائرا : ايها الرجل كفاك تكبرا وعنادك الم يكفيك ان كل الرجال حولك تؤكد براءة ابنتك الا انت ؟ ايها الرجل سبحان من صبرنى عليك من اول كلامك فكيف لك ان تتجرا وتقول لن اتركها الا وفى يدى دمها ولم تقل لن اتركها حتى اسير بها مفتخرا ببراءتها لما قدمت خطيئتها على برائتها ولما القتل قبل الضم ولما قدمت الثورة قبل العقل
اكمل كلامه بثورة وقد نسى تماما ان من يحادثة فى عمر والده ولكنه فى ثورته لا يرى امامه : لما قدمت الفضيحة قبل الستر ولما قدمت صدق اخى قبل كذبه لما لم تسمع الا صوت نفسك وكذبت كل الاصوات من حولك
ايها الرجل انتبه لحالك وكفاك غرور وان كنت تريد الثار حقا فخذ ثأرك منى فالمدنس لعرضك ابنى وانا امامك ثم امسك بندقيته بكل عصبية وصوب فتحتها نحو صدره وقال له اثار منى هيا