رواية القلب أخضر الجزء الثانى الفصل السادس و العشرون بقلم رباب عبد الصمد
كان طارق صامتا يتمزق من كلام اخيه فهو حقا اصبح مدنسا للاعراض بصحبته لتلك العاهرات وحقا انه لم يعرف بان اتهامه لليلى لم يكن الا تدنيس لعرض نفسه فقد اعماه الشيطان ولم يعد يفرق بين الحلال والحرام
ولكنه فى ذات الوقت تعجب من ثقة ايوب فى ليلى ولم تخفى عليه تعبيرات وجه اخيه العاشق
بينما لم يكف ايوب عن توبيخ فقال : هل رأيت نفسك الان وانت سعيدا بقلوب الحبيبات حولك ؟ هل سعدت وقد تركت أقدامك اثرا لبيوتهن ام لأن عيونك الجذابة تركت اثرا فى خيالهن ام لأن لسانك المعسول ترك اثرا فى قلوبهن بينما بينما كان عليك أن تجمع كل تلك الآثار لمن عشقتك فى صمت وتكلفة على حساب نفسها لاجل اسعاده ولكن ولكنى لى العكس تركت فيها بلسانك أقبح الآثار التى أن تذكرتها ماتت قهرا إذ انك تركت كل شىء وتمسكت باهم شىء لتحقره وهو عرضها
وصل تانيب الضمير بطارق لمداه فصرخ قائلا : كفاك يا ابى الصغير فانك تلومنى ولم تذق عشقها كما تذوقته . تلومنى ولم تذق طعم الندم مثلما تذوقته . تلومنى وانا لم تعش فى حيرتى كما عيشتها انا . فقد اصبحت فى يوموليلة زوج لزوجة اجبرت عليها ولم يكن لى اى حرية فى اى اختيار بل والادهى تزوجت بعاشقة لى فى صمت فاى عذاب هذا فانا لم احبها ولكنى اردت ان احبها لاجلها ولا انكر انى قد انجذبت الى الجديد فيها وبعد فترة وجدتنى اشعر بالتبلد ولكنى لا اعرف سببه فاصبحت اتعذب بين اريدها ولا اريدها
اخذ يكمل كلامه وهو يصرخ وكانما كلمات اخيه اخيرا فجرت ما بداخله لينطق معبرا عما يمزقه داخليا
كنت اتمنى ان تفهمنى لانى كنت اود ان ابتعد عن ذاك الطريق المدنس بالخطايا كنت اود ان اشعر بان هناك من تعرف ان مدنس ولكنها تتحملنى لاجل ان تبعدنى ولكنها لم تعرف ولم اجروء انا ان اصارحها كنت اود ان اجد شريكة لعمرى وليس مجرد انثى تشاركنى الفراش وكل منا يجاهد لانى يكسب ود الاخر وفى النهاية وجدتنى انا الاضعف واننى بالفعل انجذب اليها ولكن الوقت قد فات فتمنعت هى فتكبرت انا فحدث ما حدث فابتعدت وابتعدت هى فشعرت انى فى حاجة الى حنانها ولكن ليس لحبها
تفاجا ايوب من كلامه فاخيه محاط داخل شرنقة من الحيرة لا يعرف حتى الان ان كان احبها ام لا وما الذى يحتاجه منها قلبها ام حنانها وامانها فهذا غير ذاك فحبها قد ياتى ومعه الامان والحنان ولكن الامان والحنان قد يوجدان فى اى انثى دون الحب او حتى دون الزواج بل قد يوجدوا فى مجرد صديقة ودودة
فصاح فى اخيه وقال : انت مشتت ولا تعرف ماذا تريده منها وتشتتك هذا ابعدها عنك
بكى طارق كما الطفل وقال : هل ان صارحتك بالحقيقة كاملة ستصدقنى ؟
اقترب ايوب من اخيه فقد شعر انه طفل يحتاج لمن يحتضنه فتمزق لحاله ومد كفه ووضعها على كتفه وهزه لعله يفيق لحاله وقال بجدية تحمل حنان اخ واب وصديق : احكى يا طارق فانا صديقك وابيك واخيك وسندك . احكى يا اخى ولا تخف من شىء بل اخرج ما فى صدرك
بدا طارق يمسح وجهه بيده ويمرر اصابعه بين خصلات شعره عله يجمع من شتات نفسه وقال : فى بداية عملى معك منذ خمس سنوات احببت سكرتيرتك حبا جما وكان حبى لها خالى من اى شهوات وهى الوحيدة التى احسست معها بهذا الشعورولكن مستواها المادى كان لا يرتقى لمستوانا ابدا ولكنها كانت عفيفة جدا
صمت قليلا ثم استطرد قائلا : صارحتها بحبى فوجدتها تبادلنى نفس الشعور وكانت هى وحيدة امها المريضة واباها متوفى وفى يوم مرضت والدتها فتخلفت عن الشركة فذهبت لها لاطمئن عليها فوجدت حياتها فقيرة جدا من يومها بدات اساعدها ماديا بطريق غير مباشر لانها ماكانت لترضى ان اساعدها بالمال مباشرة
توتطدت علاقتى بها وبامها واصبحت اوصلها بعد انتهاء العمل لبيتها يوميا حتى جاء اليوم الموعود وسلبت براءتها دون وعى منى فقد اذابنى شوقى لها
صدم ايوب وهو يستمع الى اعترافات اخيه وكاد يثور ولكنه ضغط على نفسه لاجل ان يبدوا هادئا حتى يكمل ما بداه
طارق وهو ناظرا ارضا فهو لا يقوى على رفع بصره امام اخيه : يومها بكت من صدمتها وطلبت منى ان اصلح غلطتى واتزوجها
صمت برهة ثم قال : صدقنى يا ابى انا كنت اتمنى الزواج منها ولكنى شعرت ان قدمتها اليكم سترفضونها لقلة مستواها وكنت اخاف ان يشعر ابى صالح او انت فى خذلانكم فى تربيتى واختيارى فتهربت منها ومن يومها هى الاخرى بعدت عن طريقى لانها صدمت فى فشعرت انها عشقت نذلا
من يومها انقطعت علاقتى بها وبعد فترة وجدت انى اشتاق لها يوما بعد يوم ولم يزيدنى البعد عنها الا اشتياقا لها فقررت ان اعود اليها واتزوجها ولو عرفيا ولكنى لم اجدها فعرفت ان والدتها قد توفت وقد تراكمت عليها هى الديون فاضطرت لترك منزلها ومن سنة ارسلت الى رسالة قالت لى فيها انى كنت سبب عذابها وشقاؤها وان والدتها توفت بعدما صارحتها بعملتى ومن يومها وانا جاهدت نفسى بنسيانها باغراق نفسى فى الشهوات فاصبحت انا طاووس للنساء بينما انا ارى نفسى انى ذئبا للنساء
لم يصدق ايوب ما سمعه من اخيه ومع ذلك ظل على نفس بروده
اكمل قائلا : يوم ان اجبرت على الزواج من ليلى شعرت ان هذا انتقام الله ان اتزوج مجبرا دون حب ولكن عندما تزوجتها وجدت فيها سهيلة فهى تشبهها تماما ونفس برائتها وانها كانت مستعدة ان تفعل لى ما اريده وهذا ما شعرت به حقا مع ليلى فاحببت فيها صورة سهيلة وتمنيت ان تنسينى بقلبها الحنون العذاب الذى اعيشه
فاصبحت اتعذب عذاب فوق عذاب فلم اعلم ان كنت عشقتها ام انى اعشقث فيها سهيلة
لم اعلم انى اخطات فى حقها ام انها هى من جاءت فى الوقت الخاطىء
احيانا اخرى كنت اشعر انها متبلدة ومتكلفة الشعور معى فتاكدت انها هى نفسها عشقت فى شىء لما فى خيالها لم تجده فى الحقيقة معى
ولكن معاندتها لى فى الاونة الاخيرة اشعلت فى كبريائى فاصبحت بين راغب ومنتقم فكان ما كان
رمى ايوب جسده الذى اصبح واهنا من هول ما سمعه فها هو اخيه وقع فى طريق لا يعلم له اخر وظل صامتا وحاول جاهدا الا يثور فهنا لن تنفعه ثورته بل قد تاتى بعكس ما يريد فاخيه عنيد مغرور ولا تنفع الثورة على المغرور خاصة فى حالته تلك
اخذ يفكر بصمت فالتوبيخ على المكسور لا يفيد بل التشجيع على لملمته دون جروح هو الافيد
وقد خالجه فى ذات الحين شعور مختلط فلم يعرف ان كان يفرح لان عقده حب اخيه لليلى لم يعد لها وجود وان الطريق اليها اصبح ميسرا ام يحزن لما الا اليه اخيه وابنه
بينما جلس طارق هو الاخر صامتا منتظرا اى كلمة من اخيه حتى ولو كان توبيخا منه فشعوره الان بالخجل لخذلان اخيه فيه اكبر من اى شىء فايوب بالنسبة له شىء كبير ولم يكن يتخيل ابدا ان يقف هكذا امامه
طال صمت ايوب فقد اخذ يعيد ترتيب اوراقه فهو الان يشعر انه المخطىء الاول والاخير لانه حاوط اخوته بحنانه طيلة عمرهم ولكن بسبب بعده الطويل عندهم لشهور بسبب رحلاته جعلته غير مراقبا لتصرفاتهم فها هى تصرفاتهم تتطور يوما عن يوم لنضجهم ولكنه لم يكن معهم ليساندهم او ينهرهم
وهنا للمرة الثانية يعاتب ايوب نفسه على اعمال غيره مرة على اعتياد الربابنة على التواكل عليه ومرة على تصرفات اخوته واولهم طارق وهذا لانه دوما ما اعتاد ان يحيط من حوله بنايته حتى انه اصبح يحمل عن الجميع اعباءهم كلا على حسب عمله حتى انه كان ينسى نفسه فى وسط زحام الاهتمام بالاخرين
وفى الحقيقة فالفهد قد حمل نفسه اكثر من اللازم فشعوره نحوهم كاب جعله يؤنب نفسه عن اى تصرف يبدر منهم حتى انه نسى انه من الاساس اخيهم وليس بابيهم ولا يجوز ان يؤنب نفسه هكذا فهو مثلهم انسان وهم لابد ان يتحملوا نتيجة اخطاءهم ونتيجة ذكاءهم ايضا
اخيرا ايوب بدا يتكلم وبدا طارق يتنفس الصعداء فها اخيه اخير عاد يسمع صوته من جديد
ايوب بكل هدوء : لقد ظلمت نفسك وحرمتها نعمة الحب وظلمت معك من احبوك نتيجة كبرياؤك وغرورك فانت رجل عنيد متكبر وتعشق كل متعالية عنيدة تعاندك فى الشعور تعشق كل من تحتفظ بكرامتها حتى وان كلفتها ان تبتعد عنك ولهذا انت عشقت سهيلة لانها كانت بعيدة المنال وعشقتها اكثر عندما وجدتها لم تستسلم وتتذلل لك نتيجة فعلتك بل اكتفت بمجرد ارسال رسالة وابتعدت عن حياتك وعاشت حياتها فهى لم تبقى عليك فعشقتها
وان كنت تنازلت عن غرورك لعلمت ان اباك ما كان يرفض مثلها لفقرها مادامت تحتفظ باخلاق وقيم ولكن غرورك انت الذى جعلك تهرب متحججا بوالدك وعائلتك
وكم كانت حياتك ستستقر ان كنت ارتبطت بها
اما عن ليلى فقد ظلمتها هى الاخرى لانك وجدت فيها فى بداية الامر الشىء الجديد الذى قد لامسته من قبل فى سهيلة وهى انها عفيفة لم تعترف لك بحبها رغم انك عرفت انها كانت تحبك منذ الازل فى صمت ولكن ما ان شعرت انها تحاول ارضاؤك نفرتها
للاسف لقد ظلمت كلتاهما فعشت حياة بائسة فلا انت عشت الحياة مع سهيلة رغم وجود الحب ولا انت عشت الحب مع ليلى رغم وجود الحياة
ساد الصمت بينهم مرة اخرى ثم قال ايوب : السؤال الان هل تحب ليلى وتريدها ام لا
طارق لم يرد فهو يريدها ولا يريدها
ايوب علم ما بداخله فعاد وسال : هل سترد لها كرامتها وتعترف بابنك ؟
طارق : لا اعلم لها طريق ولا اعلم ان كانت اجهضت نفسها ام لا
ايوب عرف انه يناوره فهو لا يريد ان يتفوه باجابة صريحه لانه لا يعرف ان كان سيجد ليلى ام لا فساد الصمت لبرهة مرة اخرى ثم قال ايوب : فى اى حالة من الحالات وانا اعرف انك لن تحدد رغبتك الا اذا واجهتها فهذا شىء وسهيلة شىء اخر
تعجب طارق وقال : وما شان سهيلة الان
ايوب بنظرة حادة : ايها الذئب البشرى من الان لا اود ان اراك الا وفى يدك تلك المسكينة التى غررت بها فما ذنبها انها وثقت بك وما ذنب فقرها الذى لا يد لها فيه لتتركها ملوثة العرض . تاكد ان ما تفعله الان سيرد لك غدا فاحسن صنع ما تقدمه اليوم ان اردت ان ترى الخير غدا
طارق : ولكن ليلى لازالت زوجتى وبالتاكيد هى سترفض ان ابحث عن انثى اخرى
ايوب بغيره : ليلى ليست بزوجتك فعليك ان تفرق بين من هى زوجتك ومن هى فى عدتك فالاولى يجوز اجبارها شرعا على المعاشرة اما الثانية فلا فهى وان كانت فى عدتك ولكنها عدة جعلها الله حفظا للانساب فى حالة الحامل او للين والرجوع مرة ثانية فى حالة التى تعتد ثلاثة قروء وعشرة ولهذا جعلها الله فى بيتك
ثم ان هذا كله شىء وموضوع سهيلة شىء اخر فحتى وان كانت ليلى زوجة وفى بيتك لن اسمح لك ان تترك تلك المسكينة ففى كلتا الحالتين ستصلح ما افسدته
طارق بفرحة داخلية : وهل ان وجدتها ستوافق انت عليها
ايوب بضيق منه : لا محل هنا للموافقة لاننا لسنا امام اختيار فان كنت املك البديل لملكت الاختيار
طارق : ولكنى اعرفها جيدا قد ترضى ان تظل هكذا طيلة عمرها ولكن لن ترضى ان ترى منكم نظرة ذل لها
ايوب : لن ترى هذا منا على اى وجه وعموما لا تخبرها انى علمت بحقيقة امرها ولا داعى من الاساس ان تخبر احد من اخوتك
طارق : وماذا ساقول لليلى ؟ فانا لا احب ان اظهر امامها كذئب
ايوب بسخرية : ماذا ؟ لا تود ان تظهر امامها كذئب وهل تعتقد بعد ما فعلته بها انها تراك ملاك ؟ الم تشعر حتى الان بحماقة ما فعلته ؟ لقد اشعلت الثورة بين العائلتين من جديد
طارق : وماذا سافعل ؟ ساردها لعصمتى
غار ايوب على ليلته مرة اخرى وتماسك وقال : انهى موضوع سهيلة اولا ثم نفكر فى امر ليلى ولن يكون هذا قبل ان تضع جنينها
تعجب طارق من ثقة ايوب للمرة الثانية من انهم سيجدون ليلى وانها محتفظة بجنينها وللمرة الثانية ايضا بدا يشعر ان فى الامر شىء ولكنه لم يجروء على السؤال