رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل الثالث و العشرون 23 بقلم ولاء رفعت علي

رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل الثالث و العشرون  بقلم ولاء رفعت علي 


أهتدي فؤادي بعشقك الذي يأسرني أينما أذهب، قد أظلم بصري ولم أكن سوي في عتمة مظلمة؛ فقلبك سراجي الذي ينير دربي وبدونه لا عودة لي، يا مَنْ أحتليتِ كياني و وجداني ضُمني بين ذراعيك حتي أشعر بالدفء من جديد فأنت شمس ربيعي والدماء التي تتدفق في شرياني.  

تتشابك الأنامل في قبضة واحدة، وذراعه الأخري تحاوط كتفيها، فالوضع أشبه بالعناق، يأمن وجودها جواره وكأنها ستذهب أو ربما لم يصدق بعد مرور تلك الأيام العصيبة سيحظي أخيراً بالعودة إليها، كم هو مشتاق وقلبه يخفق بالحنين، ينظر لها كل فينة والفينة، يبتسم إليها كالفتي الذي يفقه معني الحب من جديد. 
تسمع دقات قلبه فرفعت وجهها ونظرت إليه تسأله: 
"دقات قلبك سريعة أوي كدة ليه؟" 

حدق صوب رماديتيها وأجاب بلهفة عاشق: 
"هتعرفي بعدين" 

لم تفترق الابتسامة عن شفتيها، فهي الآن تنعم بوجودها وعودتها إلي عرشها مرة أخري، ملكة علي عرش قلب الملك والذي علمها ما هو العشق علي يديه. 
عاد بالنظر إلي الطريق بينما هي تقرب أنفها من ثيابه وصدره، تغمض عينيها وتستنشق رائحته بقوة، مدت يدها الأخري وطوقت جذعه فنظر إليها بطرف عينيه وأخبرها بنبرة صوته الأجش العذب: 
"عرفتي بقي إن ملكيش مكان غير هنا"
وأشار إليها نحو صدره، كانت قد فتحت عينيها فأجابت: 
"و هو نفس مكانك عندي، و لا خلاص؟"  

عقد ما بين حاجبيه فسألها: 
"تقصدي إيه بخلاص؟" 

رمقته بابتسامة لعوب وقالت: 
"ده أنت بتفهمها وهي طايرة، إيه اللي حصلك يا كينج؟" 

ترك يدها وأمسك بطرف ذقنها قائلاً: 
"و من غير ما تتكلمي، من بصة واحدة في عيونك بفهم أنتِ عايزة تقولي إيه، و عموماً أنا ليا عندك طلب صغير، ياريت نأجل أي عتاب أو لوم بعدين، وأوعدك هنتكلم و نحكي ونبوح بكل اللي في قلوبنا، بس كل حاجة في وقتها، اتفقنا؟" 

هزت رأسها بالموافقة، فكان رده طبع إختطاف قُبلة سريعة وغمز إليها بعينه. 
※※※
وهناك في مكان ليس بقريب، أمام منزل كبير توقفت السيارة وسرعان قام الحارس بالضغط علي الزر فانفتحت البوابة بآلية، بدأت السيارة بالتحرك عبر البوابة وسارت في ممر علي جانبيه حديقة من الحشائش الصغيرة الخضراء والورود، تكاد تميز ألوانها من إضاءة المصابيح المنتشرة في الإرجاء. 

توقف أمام المنزل مباشرة وكان في إنتظاره كبير الحراسة خاصته، يفتح باب السيارة بترحاب قائلاً: 
"أهلاً وسهلاً يا مصعب بيه" 

أجاب الأخر بابتسامة: 
"تسلم يا مجدى" 

مد يده إليها قبل أن يترجل من السيارة وقال لها: 
"اتفضلي يا ملاكي" 

حدقت إليه باستفهام فسألته: 
"إحنا فين و لاجايين هنا ليه؟" 

أجاب ومازالت الابتسامة تُزين ثغره: 
"إحنا قدام فيلتنا الجديدة، كنت هعملها لك مفاجأة في عيد جوازنا، بس لاقيت إن دي أحسن مناسبة أقدم لك فيها هديتي ليكي" 

ترجلت من السيارة تمسك بيده، تنظر إلي هذا المنزل الذي يشبه قصر الملوك في تصميمه الهندسي والإضاءة المتنوعة تسحر البصر، رددت بسؤال: 
"هديتك ليا؟" 

جوابه ليست كلمات بل كان فعلاً نابع من القلب؛ قام بحملها علي ذراعيه وولج بها نحو الداخل، تعلقت بذراعيها حول عنقه وأسندت رأسها علي كتفه، أنفاسها الدافئة تضرب بشرة رقبته، لا تعلم لما داهمها الشعور بالبكاء؟!، ربما تذكرت ما حدث وكيف كانت حمقاء، كما تذكرت الليالي السابقة وهي تتوق له شوقاً في ظل غيابه المتعمد، ذلك كان عقاباً كافياً لها جعلها ستفكر آلاف المرات قبل أن تقدم علي أمر مثل الذي حدث معها من قبل، فهذا كان بمثابة درساً قاسياً تعلمته عن جدارة. 

وقف في منتصف البهو وأنزلها منتظراً تعليقها، تأملت المكان من حولها بإعجاب وإنبهار، فكان الأثاث كما تحب هي، الآرائك والمقاعد علي الطراز الحديث والمعاصر، كذلك الطلاء الأبيض الذي تفضله، كل ركن و جدار وفراش وكأنها من قامت باختياره: 
"واو، إيه ده يا مصعب؟!، زوقك في الديكور وكل حاجة روعة" 

اقترب واحتضنها من الخلف، فكانت كالعصفور بين ذراعيه، فقال لها: 
"ده زوقك أنتِ يا حبيبتي، أنتِ عرفاني بحب الغوامق، وحبيت برضو الأبيض عشان شبهك" 

استدارت بين يديه وأصبح وجهها أمامه مع فارق الطول الذي بينهما، أمسكت بتلابيب سُترته: 
"مصعب أنا كل ما تمر بينا السنين بحبك أكتر، أنت أحن راجل في الدنيا و ده مخليني أحتقر نفسي إزاي أنا عملـ... 

وضع سبابته علي شفتيها ليجعلها تصمت: 
"بس، لو بجد بتحبيني أوعي تعيطي، يعني ينفع كدة لسه شايلك من عند العربية لحد هنا، و لسه كنت هقولك إن الفيلا دي أنا سجلتها في الشهر العقاري بإسمك وأنتِ في الأخر عايزة تعيطي؟!، ده أنا اللي هاعيط لو ما قولتليش حالاً كلمة حلوة"

نجح في انتشالها من حالة الحزن التي رآها في عينيها للتو وجعلها تضحك الآن، أطبقت شفتيها وتبتسم إليه ثم قالت بحب وحنان يفيض من زرقاويتيها: 
"كل كلمات الشكر و كل كلمة قالوها العشاق لبعض، أعتبرني بقولها لك، وفوقيها دعوة من كل قلبي، ربنا يبارك لي فيك ومايحرمنيش منك يا حبيبي" 

أمسكت بإحدى يديه وطبعت قُبلة في كفه ثم وضعت خدها علي راحته، تنعم بملمس يده لوجنتها، دنا منها وأنفاسه تعلو رويداً رويداً قائلاً: 
"بس أنا مش عايز كلام، أنا عايز فعل" 

أمسك بطرف ذقنها وظل يحدق بعينيه صوب خاصتها بنظرات تخبرها بشوقه وعشقه إليها، تفوه بأنفاس اختلطت بأنفاسها: 
"وحشاني أوي يا ملك قلبي" 

ألتهم مواطن كلماتها التي أسرها بين خاصته في قُبلة تلاها عناق قوي، كما لم يكتف بالعناق وحسم بل حملها دون أن يتوقف عن تقبيلها، سار بتؤدة حتي وصل إلي الدرج، يصعد بها كل درجة إلي الأعلي، حاولت خلع حجابها وألقت به علي الدرج، جذبت مشبك الشعر من خصلاتها فانسدلت علي ظهرها. 

عندما وصل إلي الطابق الثاني، نزلت من بين يديه وابتعدت بصعوبة لتلتقط أنفاسها، نظرت إليه وأجابت بشوق ورغبة يشوبها بعض من الدلال: 
"ده أنت اللي واحشني أوي أوي يا صاصا" 

قامت بخلع سترته عنه وألقتها ثم جذبته من ربطة عنقه وهي تخطو إلي الخلف فاصطدمت بالباب الذي كان مفتوحاً، دفعها الأخر بجسده نحو الداخل قائلاً: 
"مش أكتر مني يا عيون صاصا" 
※※※
توقف السائق لدي المرفأ، فانتبهت من النظر عبر زجاج النافذة، تحولت ملامحها إلي الوجوم والضيق الأقرب إلي الغضب، فهذا يذكرها بيوم زفافه فوق اليخت الذي تمقته بشدة. 

"أنت ليه جايبني هنا؟" 
أمسك بيدها ليطمئنها مجيباً: 
"أنا بيعت اليخت" 

ظلت تحدق إليه في تلك الحالة بصمت ثم سألته بتهكم: 
"أومال جايبني تفكرني بيوم فرحك علي منار؟!" 

رفع يدها نحو شفتيه وقام بتقبيلها ثم أجاب بهدوء و وداعة: 
"أوعدك هخليكي تنسي أي لحظة حزن أو أي جرح أنا السبب فيه" 

ترجل من السيارة وتبعته، أمسك يدها وسار بضع خطوات حتي توقف أمام يختٍ كبير مزود بأحدث التقنيات ويوجد به حمام سباحة علي السطح العلوي، نظرت إليه باستفهام فأخبرها وهو يخرج بِضع أوراق من الجيب الداخلي لسترة حُلته، يمد يده إليها قائلاً: 
"لسه شاريه إمبارح وسجلته بإسمك" 

حدقت في عينيه لثوان فسألته: 
"أنا كل اللي عايزاه قصى اللي بيحبني بجد، هتقسي عليه تاني؟" 

تنهد وأجاب: 
"قصى مش بيحبك، ده بيعشقك وروحه فيكي، و قسوتي كانت علي قد عشقي ليكي، وبعدين مش قولنا ممكن نأجل أي كلام؟" 

ابتسمت بمكر وبخبث سألته: 
"وإحنا ورانا إيه يعني عشان نأجل الكلام؟" 

أجاب وهو يخلع سترته ويثنيها علي ساعده: 
"ورانا حاجات كتير أوي ما بتتقالش" 

نظر إليها مضيقاً عينيه وبجدية زائفة يخفي خلفها مكرً ودهاء: 
"بتتعمل" 
فاجئها بحملها علي ذراعيه فصرخت بفزع بعد أن تعلقت بذراعيها حول عنقه، فعقب بخبث: 
"كويس إن حيطان الأوضة عازلة للصوت" 
وغمز لها بعينه ثم صعد الدرج المعدني وولج إلي داخل اليخت. 
※※※
وصل إلي داخل الغرفة ذات الطراز والديكورات الحديثة، إضاءات متنوعة اللون تضيف للغرفة جمالاً ساحراً. 

أخذت تحدق وتتأمل المكان من حولها ثم ألتفت إليه وأخبرته: 
"طول عمرك زوقك يجنن" 

نظر بزهو وفخر قائلاً: 
"من يومي" 

لكزته في كتفه وعقبت بمزاح: 
"مغرور" 

أخبرها بنظرة خطفت فؤادها وجعلتها أسيرة مملكته: 
"ما أنا لازم أبقي مغرور عشان أنتِ مراتي" 

جذبها من يدها فارتطمت بصدره وعانقها بقوة،   هبط بأنفه نحو عنقها أخذ يستنشق عطرها ويهمس بشوق: 
"وحشاني أوي" 

أجابت بأنفاس حارة مثل حرارة جسده التي شعرت بها وهي بين ذراعيه: 
"أوعي تبعد عني تاني"

وقبل أن يجيب قاطعه إتصالاً هاتفياً، لم يبتعد عنها فقالت له: 
"شوف مين بيتصل لتكون دادة زينات" 

أخرج الهاتف من جيبه وبالفعل وجد المتصل زينات فأدرك سبب الإتصال من قبل أن يعلم فقال: 
"ربنا يستر" 

وهمّ بالذهاب إلي الخارج قائلاً: 
"خليكي هنا وأنا هاطلع فوق أرد عشان الشبكة هنا ضعيفة"

أومأت بطاعة وقالت:
"ok" 
تركها فأخذت تتجول في الغرفة وتستكشف كل ما بها، إنتبهت إلي خزانة الثياب، قامت بفتحها فوجدت ثياب معلقة خاصة به ومتعلقات، يبدو إنه أعد كل شىء للمكوث هنا أكثر من يوم، قامت بدفع الضلفة علي المزلاج فظهرت لها ثياب أخري خاصة بها لكن هناك شيئاً غريب، أشرأبت بعنقها لتتمعن النظر وتتأكد من ما تراه جيداً، فالأول زي لخادمة والثاني زي مثل ما ترتديه النساء داخل الملاهي الليلية في البلاد الغربية، وزي ثالث ملحق به أنشوطة علي شكل أذن قطة، ورابع ثوب مرقط كجلد الفهد، وأخيراً زي خامس والذي يبدو قد وقع عليه الإختيار من نظرتها إليه بأعين تلمع بسعادة ومكر في آن واحد، ألتقطته وأخذت تحدق نحوه والابتسامة تحتل ثغرها. 
※※※

و في الأعلي يمسك بالدرابزون المعدني علي الحافة ويده الأخري يمسك الهاتف، يتحدث بوجه ممتعض: 
"معلش يا دادة، روحي لها وقولي لها بابي عايز يكلمك" 

أجابت الأخري: 
"والله يا بني زي ما قولت لك، أول ما جابها آدم بيه، دخلت وطلعت علي أوضتها وقفلت القفل من جوة مش عايزة تفتح، حتي مالك عمال يتحايل عليها عشان يدخل يقعد معاها ومايسبهاش لوحدها برضو مش عايزة تفتح" 

"ممكن تطلعي لها وتقفي قدام الأوضة وتشغلي الـ speaker" 

تنهدت وقالت: 
"حاضر" 

ذهبت زينات وفعلت ما طلبه منها: 
"أنا شغلت الـ speaker " 

وصل صوتها إلي الداخل، فكانت الصغيرة تقف خلف الباب عاقدة ساعديها أمام صدرها وتبكي في صمت، انتبهت إلي صوت والدها الذي قال: 
"زوزو حبيبتي، أنا بحبك ومش عايزك تزعلي، أنا أول ما هارجع من الشغل هاخدك وهافسحك في المكان اللي تشاوري عليه" 

أخذت تمسح دموعها وأنقلبت ملامحها فجأةً، وجنتيها تكاد تنفجر من الغيظ والغضب، فتحت الباب بُغتةً وصاحت: 
"بطل كدب بقي عليا، أنت مش في الشغل، أنت جيت الـ party وأخدت مامي وروحت تتفسحوا، أنا سمعت عمو آدم وطنط ديجا بيقولوا كدة، وأنا زعلانة منك يا قصى مش هكلمك تاني" 

منع نفسه من الضحك علي ردة فعلها وكأنها إمرأة ناضجة فقال لها: 
"أنا مع مامي عشان كانت زعلانة وأنا بصالحها وهنيجي بعد يومين و زي ما قولت لك هاخدك أفسحك وهانروح الملاهي" 

ظن إن كلماته ستكون شفيعة له لديها، لا يعلم بمجرد إنه يؤكد علي وجود والدتها معه فهذا كفيل بإثارة حنقها وغيرتها عليه، فصاحت بغضب: 
"و أنا مش هاروح معاك في حتة، وخلي صبا تنفعك، روح صالحها وأنا مخصماك وأنسي زوزو بقي" 

و سرعان عادت إلي الداخل وصفقت الباب في وجه زينات، فقال قصى: 
"معلش يا دادة، هي متضايقة عشان كانت مستنياني في الحفلة وأنا أخدت صبا ومشينا علي طول" 

أجابت الأخري: 
"و لا يهمك يا قصي يابني، دي طفلة صغيرة وبتحبك أوي ربنا يبارك لكم فيها هي وأخوها"

ردد قصى:
"يارب، خدي بالك منها هي ومالك و لو في أي حاجة أتصلي بيا علي طول، إحنا مش هنطول بإذن الله يومين وراجعين علي طول" 

"ربنا يهدي سركم وتيجوا بالسلامة و علي خير" 

"إن شاء الله، سلام" 
أنهي مكالمته وتذكر صغيرته و حديثها فأخذ يضحك وهبط الدرج متجهاً إلي أسفل ليعود إلي صبا فؤاده. 

وصل أمام الغرفة، فوجد الباب مغلقاً، وبمجرد أن أدار المقبض و فتح الباب تفاجئ بإضاءة خافته تصدر من الشموع المتناثرة في أرجاء الغرفة يُصاحبها إضاءة مصابيح زينة علي جانبي السرير، و رائحة عطرة تصدر من تلك الشموع لكن هناك رائحة أقوي منها قد ضربت حاسة الشم لديه، جعلته يبحث عن صاحبة رائحة زهور اللافندر، و هنا أتسعت عيناه و لمع بريقها علي ضوء الشموع عندما رآها تجلس علي حافة الفراش تضع ساق فوق الأخري

هذا الزي التي ترتديه، القبعة الخاصة برجال الشرطة و ينسدل من أسفله خصلات شعرها التي قامت بتغير لونه مؤخراً فأصبح أشقر. 

رفع زاوية فمه جانباً بابتسامة و عيناه تهبط بالنظر إلي ذلك القميص الأسود بنصف أكمام، و يعلو كلا كتفيها شريطتان تحمل نجوم، تركت أول ثلاثة أزرار مفتوحة لتظهر قباب مفاتنها المكتنزة إلي أعلي بسبب تلك الصدرية السوداء الضيقة، و ليس ذلك فقط فأكملت تلك الهيئة المثيرة تنورة سوداء قصيرة، تكاد تصل إلي منتصف فخذها البض و أسفلها ترتدي جورباً أسود شفاف  يتصل بما ترتديه أسفل التنورة بشرائط رفيعة، كما ترتدي حذاء ذو كعب مرتفع. 

ما زال يقف مكانه يتأملها من أعلي رأسها إلي أخمص قدميها مُستنداً بجانبه علي الحائط، لم يتفوه بكلمة، بينما هي نهضت و سارت إليه بدلال حتي أصبحت أمامه تشعر بأنفاسه، أفترقت شفتيها المطلية باللون الأحمر القاتم كاللون دماء قلبها الذي يخفق بقوة عند رؤيته،كم أحرقها البعد شوقاً:
"أنت بقي واحشني أوي أوي أوي" 
كانت تتفوه بدلال في تكرار الكلمة الأخيرة، اقتربت منه وأمسكت يده ويدها الأخري وضعتها علي صدره مُردفة: 
"أنا بعترف، من غيرك مقدرش أعيش" 

كان يتأمل ملامحها وكأنه يخبرها بشوقه العاتي إليها، تفوه بأنفاسه الحارة من فرط الإشتياق: 
"مهما يحصل ما بينا هاتفضلي عندي صبا القلب والروح" 

وضع يده علي يدها التي علي صدره وأزاحها علي موضع الوشم أعلي صدره، داهمها شعور بأن يا ليت ما كانت بدأت بالخطأ من البداية، فهي المرأة الوحيدة التي تملك مفاتيح قلبه، هي التي تولج إلي ثغراته وببراعة تستطع السيطرة عليها، فلما العناد والكذب؟! 
نظرت إلي أسفل وقالت بأسف: 
"أنا غبية أوي وعنادي ده كان هيخليني أخسرك، والأفكار اللي كانت مسيطرة علي دماغي إن أنت هتمل مني وهاتروح تبص برة، وممكن كان جوازك ده هيبقي حقيقي، كنت زي المغيبة" 

أطلق تنهيدة و أثر الصمت يتأمل هيئتها التي أهلكت قواه و هي تقف أمامه نادمة، وكأنه يراها لأول مرة في لحظة ضعف فهذا الأمر جعله علي حافة الإنهيار، إنه كان كالحصن الشاهق الذي بدأ يتصدع بعدما أشعلت النيران من حوله، و ما كانت تلك النيران سوي جمالها الذي يزداد توهجاً، تلك الحمقاء ماذا كانت تظن؟!، فهو كلما ينظر إليها يراها في كل مرة أكثر جمالاً وإثارة. 

ظهرت إبتسامة ماكرة علي ثغره: 
-و أنا كمان آسف علي ردة فعلي اللي كانت أغبي قرار أخدته في حياتي وعلي وعدي ليكي عمري ما هكررها مهما حصل، عمري ما هوجعك تاني. 

أراد أن يشاكسها قليلاً ويري البسمة علي شفتيها، أردف قائلاً: 
"وبالمناسبة أنا خلاص شيلت من دماغي فكرة أنك تحملي و كفاية علينا مالك و زينب" 

رفعت وجهها مبتسمة إليه وتنفست الصعداء، فاستطرد بدهاء ومزاح جعل الدماء لديها قد جفت تماماً: 
"أنا ممكن أرُد منار وهخلف منها دستة، و هي بصراحة كان نفسها في كدة، أصلها بتحبني أوي. 

أطبقت الأخري شفتيها و هزت رأسها بهدوء أثار قلقه، و خلال لحظات كانت قبضتيها تمسك بتلابيب قميصه تجذبه نحو الفراش ثم دفعته أعلاه، صعدت فوقه و لم تمهله فرصة أن يستوعب ما تفعل، صاح يسألها: 
"بتعملي إيه يا مجنونة؟"

أخذت من خلف التنورة أصفاد حديدية كانت تخبأها وقامت بتقيد يديه بها قائلة بحزم وإصرار:  
"قالها الزعيم حكمة زمان ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، و أنت بتاعي أنا، ملكي أنا يا قصي يا عزازي سابقاً وبحيري حالياً، و أبقي وريني هتشوف إزاي هترد ست باربي دي إزاي؟!، و لا تخليها تخلف لك فريق الكورة اللي أنت عايزه!" 

لم يملك نفسه أكثر من ذلك، أخذ يضحك من فعلتها المجنونة، هبطت بجذعها فأصبحت كأنها ملتصقه به، تردف بحنق وغضب: 
"فاكرني بهزر!، أنا بتكلم جد علي فكرة، أنت هاتفضل محبوس هنا" 

ظل يضحك وأجاب: 
"و أنا بهزر علي فكرة" 

قبضت علي تلابيب قميصه مرة أخري وصاحت من بين أسنانها بحنق: 
- قصي، بطل ضحك و إستفزاز أحسن لك. 

توقف عن الضحك فجأة ورفع إحدي حاجبيه يسألها بجدية زائفة: 
"أحسن لي اللي هو إزاي يعني؟" 

"اللي هو زي ما سمعت بودانك كده، هافضل حبساك هنا" 

لمعت عيناه ببريق وابتسامة ثعلب ماكر، أستغل وضع جسدها الممدد فوقه، رفع يديه المكبلين معاً وحاوطها بذراعيه ثم دفعها بجسده وأنقلب حيث تبدل الوضع فهو بالأعلي وهي بالأسفل:
"و أنا قولت لك بهزر، وريني بقي هاتعملي إيه" 

أخذت تتحرك بصعوبة بسبب ثقل جسده، تصيح بحنق: 
"قوم يا قصي هتفطسني" 

رد ومازال مبتسماً لإغاظتها: 
"مش هايكون أكتر منك يا روح قلب قصي" 

أتسعت عيناها وصاحت: 
"قصدك يعني أنا تخينة؟!" 

هبط بشفتيه أسفل أذنها وقال بنبرة لفحت بشرتها: 
"خالص بالعكس، أنا شايفك *molto bello" 

ثم قام بتقبيل عنقها وهمس مرة أخري:  "Eccitante*" 

لثم أسفل وجنتها وأردف بنبرة مثيرة:  "Attraente*"

نطقه لتلك كلمات الإطراء باللغة الإيطالية بصوته الرجولي الأجش جعلها تغمض عينيها غير مكترثة لثقل جسده، لاسيما عندما ذهب بشفتيه إلي خاصتها مستحوذاً عليها و كأنه يلتقم ثمرة توت بري حمراء يغمرها عسل أبيض. 

أبتعد بوجهه ليري ملامحها التائهة في عالمه: 
"صبا؟" 

همهمت ثم أجابت: 
"نعم؟" 

"ممكن تفكي لي الكلابشات؟" 
فتحت عينيها وحدقت في أشجار الزيتون خاصته، رأت الشوق ينضح من نظراته و الرغبة تتأجج من أنفاسه العالية التي تضرب بشرتها، قالت بدلال و غمزة من إحدي عينيها: 
"ممكن طبعاً" 

تقلب وهي بين يديه مرة أخري فسمح لها بالإنسحاب من بين ذراعيه، أخذت المفتاح من فوق الكمود وأقتربت منه، فسألها ونظرات عيناه تلتهمها: 
"بس مقولتليش إيه الطقم الجامد ده، ظابط و كلابشات، مكنتش أعرف إن الهدوم دي هتبقي عليكي حلوة أوي كدة، وأنتِ اللي محلياها" 

حدقت إليه بإبتسامة قائلة بزهو وفخر: 
"عشان بس تعرف قيمة مراتك، و أنا الوحيدة اللي ملكت قلبك، يعني لا منار و لا غيرها تقدر تحرك منك شعرة، ولا أنت إيه رأيك يا جوزي يا حبيبي؟" 

كان يجلس علي حافة الفراش وهي تقف أمامه، فحاوط خصرها بين يديه وأخبرها: 
"لا هي و لا ألف غيرها تقدر تملي عيني زيك" 

عقدت ساعديها أمام صدرها ورفعت إحدي حاجبيها: 
"هاصدقك عشان أنت وعدتني مش هاتكررها تاني" 

لا يعلم لما يريد إثارة حنقها، فغضبها في تلك اللحظة يشعره بالإثارة فعقب علي حديثها: 
 "أنا وعدتك، بس ده ما يمنعش أن الشرع محللي مثني و تلاتة و أربعة وما ملكت إيماني، ولا يرضيكي أعمل زي كريستيانو اللي ماشي مع چورچينا في الحرام؟، و أنا راجل بصراحة بحب الحلال" 

أثارت كلماته حنقها فاستشاطت غيظاً، أرادت الثأر لكبريائها فقالت: 
"عادي يا حبيبي، و أنا كمان الشرع محللي أتطلق منك و بعد تلات شهور عدة أبقي حرم أحمد أبو هشيمة، وهو بصراحة ما هيصدق، زي ما كسب منك الصفقة بتاعت الواحات هيكسب كمان طليقتك اللي هو أنا" 

كانت تضحك و ليتها ما تفوهت بذلك الحديث الأحمق إنه مباح لها المزاح معه في أي أمر ما عدا أمر الغيرة، يبدو قد نست من هو قصى البحيري، أو كما يحب أن يناديه الجميع قصى العزازي. 

أجفلها باختطاف الأصفاد من يديها وأمسك برسغيها فقام بتقيدهما خلف ظهرها، سألته بتوجس: 
"قصى بتعمل إيه؟، أنا كنت بهزر و الله" 

حملها وجعلها تتمدد علي بطنها فوق فخذيه، يخبرها: 
"و أنا كمان كنت بهزر، بس أنا أهزر في حاجة زي كده لكن أنتِ لاء، قولت لي صح هتطلقي وهاتبقي حرم مين ياحبيبتي؟!، الظاهر وحشك عقاب زمان بس مش مشكلة هافكرك بيه" 

صاحت بتوسل وهي تتحرك بدفع جسدها للتخلص من قبضة ذراعه علي ساقيها: 
"أوعي يكون اللي في بالي، خلاص يا قصى بالله عليك، أنا حرمت خلاص أول و آخر مرة" 

ابتسم دون أن تري وجهه فرأسها تدلي و لا تري سوي الأرضية الخشبية: 
"و أنا ظالم ومفتري و برضو مش هاسيبك غير لما تحرمي و تبطلي جنانك ده، و بطلي تتحركي" 

باغتها بصفعة علي أسفل ظهرها فأطلقت صرخة: 
"إيدك بتلسع يا شرير" 

"أنتِ لسه شوفتي حاجة!، قال أبو هشيمة قال، فاكرة نفسك ياسمين صبري و لا كنتِ هاتغريه بالتايجر؟!، ده أنتِ ليلتك سودة" 
و هبط علي موضع العضلة الخلفية أسفل ظهرها وقام بعضها مرة تلو الأخري، بينما في كل عضة تصرخ و توبخه، حتي شعر من نبرة صوتها إنها بدأت تبكي، توقف عن ما يفعل وفك قيودها، نهضت فابتعدت عنه، كادت تغادر الغرفة فأمسك يدها و حدق إليها بنظرة شوق ولهفة غرار ما حدث بينهما من مشاكسة فكاهية بالنسبة إليه علي نقيض ما تشعر به من مزاح مبالغ وعنيف كالعادة: 
"وحشاني أوي" 

كانت هي أيضاً مثله بل و أكثر شوقاً، استطاع بنجاح أن يجعلها تنسي ما حدث للتو، فنظرات عينيه إليها تشتعل بالرغبة والعشق، في لحظة خلعت حذائها حتي لا يعوقها ثم قفزت إلي صدره وعانقته بكل قوتها، تلف ذراعيها حول عنقه وساقيها حول خصره، تخبره من خلال عينيها بلهفة ونظرات عاشقة يغمرها التيم و الهيام في أعماق بحار عاشقها: 
"أنا ملكك وأنت ملكي أنا و بس"

أختتمت كلماتها بإلتهام شفتيه في قبلة تشتعل كالنيران من فرط ما يشعران به، بادلها هذا الجنون أيضاً الذي أنتهي بحرب ملحمية، تحددت أركانها تو لقائهما، فالزمان غير محدد و المكان ذلك الفراش الوثير، جميع الأسلحة متاحة حيث يثبت كل طرف مدي عشقه للأخر. 
※※※
خرجت من المرحاض للتو، ترتدى ثوب الحمام القطني وعلي رأسها منشفة قطنية، رأته مازال يتمدد علي الفراش والغطاء يدثر نصف جسده وجذعه عارياً. 
"أنت لسه نايم مكانك؟!، قوم استحمي عقبال ما أسرح شعري وأغير وبعدها هاروح أعمل حاجة ناكولها عشان أنا جعانة أوي"

كان ينظر إليها في هدوء ساكن فأدركت إنه في لحظة تفكير وهناك ما يدور في رأسه، فسألته:
"مالك سرحان في إيه؟" 

أشار بيده لتقترب: 
"تعالي يا ملك عايز أتكلم معاكي شوية" 

اقتربت فوقفت بجوار السرير، تزحزح قليلاً حتي منتصف الفراش ليترك لها مكاناً شاغراً: 
"أقعدي جمبي" 

فعلت كما أمرها، جلست بجواره، فتقلب علي جانبه، نظرت إليه بتردد وتوتر تسأله: 
"هو أنت لسه زعلان مني؟" 

أجاب وعيناه تفيض بالصدق والحب: 
"لو كنت لسه زعلان منك مكنش زماني جيت و لا أنتِ قاعدة جمبي دلوقت" 

نهض بجذعه ليجلس بجوارها، حاوط كتفيها بذراعه وبيده الأخري يمسك يدها مردفاً: 
"أنا عايزك تعرفي مفيش حد بيحبك و لا بيخاف عليكي قدي، أنا حضنك وأمانك، و لو في يوم حسيتي بخطر أو خوفتي بسبب أو من غير سبب تجري عليا وتقولي لي وأنا هاتصرف" 

نظرت إليه بجانب وجهها بندم قائلة: 
"أنا آسفة" 
طأطأت رأسها إلي الأسفل، فقام برفع وجهها لتنظر نحوه وجهاً إلي وجه: 
"أنا مش عايز إعتذار و قولت لك خلاص، أنا محيت اللي حصل، أنا بتكلم علي اللي جاي، اتفقنا يا ملك؟" 

هزت رأسها بالأيجاب وأجابت: 
"اتفقنا، بس أنا طالبة منك حاجة وياريت تفهمني" 

أومأ لها بعينه: 
"أنا أكتر واحد بيفهمك، أتفضلي قولي وأنا سامعك" 

ابتلعت لعابها وقالت: 
"عايزاك تكون واثق فيا، يعني بلاش تحسسني إن أنا طفلة محتاجة للي يوجهها طول الوقت، الإحساس ده بيخنقني، أنا عارفة ده من خوفك عليا عشان طيبة و ساذجة وبنخدع في الناس بسهولة، ده عشان أنت ما ادتنيش أخوض تجربة الاحتكاك بالناس، لما طلبت منك أنزل أشتغل مش علشان أثبت ذاتي وأعمل كيان ليا زي ما كنت بقول، أنا كنت عايزة أنزل لأرض الواقع وأتعلم من الدنيا بدل ما أنا معزولة في البيت أخري النادي ومدرسة البنات، أخري في التعامل مع الناس أخواتي اللي بشوفهم كل فين وفين" 

أطلق زفرة من أعماقه وعقب علي حديثها: 
"طيب ليه مفكرتيش سبب رفضي لشغلك خصوصاً لما جيتي تشتغلي في الشركة هو إن أنا بغير عليكي، خصوصاً من بعد الراجل اللي كان فاكرك سكرتيرة وآنسة جاي يطلب إيدك مني، ده يا سبحان الله اللي صبرني عليه وما خنقتهوش أو رميته من الشباك" 

ابتسمت رغماً عنها، فأردف: 
"بتضحكي؟!، ما هو أنا مش ناقص حرقة دم لما كل يوم و التاني يجي واحد يطلب إيدك مني، و لا أنتِ هاتفرحي لما أبقي قاتل وتيجي تزوريني في سجن أبو زعبل؟!" 

قامت بتقبيل خده وقالت: 
"بعد الشر عليك، لاء طبعاً ما يرضنيش، خلاص أنا شيلت أصلاً فكرة الشغل من دماغي" 

"وأنا بقولك ما تشيلهاش و فيه حل أحسن و يرضي الطرفين" 

نظرت إليه بعدم فهم فأردف: 
"ترجعي وتكوني المساعدة بتاعتي، ومكتبك يبقي جوة المكتب عندي، و بكدة مفيش حد يتجرأ حتي يبُص لك" 

احتلت البسمة شفتيها فأجابت: 
"لو كدة أنا موافقة طبعاً" 

عقد ما بين حاجبيه بجدية وقال: 
"المصيبة إن أنا كدة مش هاعرف أركز في الشغل خالص" 

سألته بدلال ومكر: 
"ليه بتقول كدة يا حبيبي؟" 

نظر إليها قليلاً فأجاب: 
"تفتكري يعني لما تكوني قدامي هاعرف أشتغل؟!" 

أرادت أن تشاكسه وتظهر له عدم فهمها لما يقصده من حديثه فسألته ببلاهة زائفة: 
"و لا خايف أطفش لك العملاء الستات اللي بيجوا لك؟" 

"علي طول ظلماني، ده أخر واحدة دخلت مكتبي كانت منار ونقلتها من المكتب والشركة كلها مخصوص عشان خاطرك، خوفت علي زعلك و في الأخر تقولي لي العملاء الستات!" 

لكزته في صدره وقالت بمزاح: 
"ما خلاص بقي يا صاصا كنت بهزر معاك" 

رفع إحدى حاجبيه وأخبرها بتمثيل: 
"لاء زعلت، و لازم تصالحيني" 

"خلاص ما تزعلش بقي يا حبيب قلبي" 
وقامت بطبع قبلة علي خده، مازال يرسم علي وجهه التجهم الزائف فأخبرها بدهاء: 
"هو أنتِ بتصالحي ابن أخوكي الصغير؟!" 

أخذت تضحك علي ملامح وجهه وهو يتظاهر بالحزن وبأسلوب ضاحك

"خلاص خلاص ما تزعليش يا بطتي أنا هاصلحك" 
قامت بطبع قُبلة علي شفتيه وقبل أن تبتعد أمسك رسغيها بقبضتيه و قال لها: 
"أنا هاعرفك الصلح بيبقي إزاي، و بعدين مين ده اللي بطتك؟!" 

لم تستطع أن تكف عن الضحك فأجابت: 
"أنت بطتي" 

"لاء يا قلب مصعب، أنتِ البطة و أنا الأسد اللي هياكل البطة" 
زمجر كالليث وأطرحها بجواره فصاحت من بين ضحكاتها: 
"بس بقي مش قادرة أخد shower تاني" 

حدق إليها بإصرار عاشق: 
"مش مشكلة عيدي تاني، أهم حاجة تعرفي إزاي تصالحي جوزك حبيبك" 
أنهي كلماته بتعاليمه لها قواعد العشق عملياً، فهي ملاكه وهو مالك قلبها. 
※※※
و بالعودة إلي يخت الملك... بعد إنتهاء الحرب التي قضت علي قوي طرفيها، يتمدد علي ظهره بأريحية مغمض العينين، بينما هي تستند برأسها علي صدره العاري و خصلاتها مبعثرة، يحتضنها بذراعه والأخر يثنيه خلف رأسه. 

"قصيو أنت نمت؟" 
سألته بصوت خافت فأجاب عليها: 
"لاء صاحي" 

تلمس شعيرات ذقنه بأطراف أناملها وأخبرته مرة أخرى: 
"أنا عندي سؤال وياريت عايزة إجابة واضحة وصريحة عشان أقتل أي شكوك جوايا وياريت ما تفهمنيش غلط" 

أجاب و مازال يغمض عينيه: 
"و أنا من أمتي مش صريح معاكي أو كذبت عليكي؟" 

ابتلعت لعابها قبل أن تسأله: 
"هو أنت حبيت منار، أو حسيت من ناحيتها بإعجاب؟" 

أجاب ومازال علي وضعه: 
"فيه فرق كبير بين السؤالين، عموماً هجاوبك وياريت تفهميني صح" 

باغتتها غصة علقت في حلقها و قلبها يخفق بقوة فأردف لينتشلها من هذا التوتر والخوف: 
"أيوة يا صبا، أنا أعجبت بيها، تحديداً بشخصيتها، عاجبني إنها عاشت في ظروف قاسية وبرغم كدة ما خضعتش وأتحدت الظروف دي وبقت ناجحة، هي تبان إنها فريسة سهلة لأي صياد لكن هي عكس كدة خالص، شخصية قوية وناجحة و ما بتقفش قدام أي عاقبات، واثقة من نفسها" 

"أنا من رأيي رُدها وطلقني أنا مادام هي عجباك أوي كدة" 
عقبت بغضب وكادت تنهض من جواره فمنعها بذراعه الذي يحاوطها به و نظر إليها قائلاً: 
"استني عندك، مش أنتِ اللي سألتي و طلبتي الصراحة، ليه بقي شغل القمص بتاع العيال ده؟" 

حدقت إليه بحزن واستياء: 
"عمال تعدد لي في مزايا الهانم اللي كانت ضرتي وعايز مني أكون عاملة إزاي؟!" 

أطلق زفرة ثم قال: 
"أنا كان كلامي واضح، قولت لك معجب بشخصيتها مش بمنار نفسها" 

حاوط جذعه بذراعه الأخري، و دفن وجهه بين عنقها و كتفها ثم طبع قبلة رقيقة: 
"أقسم بالله ما حبيت و لاهاحب غيرك، أنتِ الست الوحيدة اللي ملكتني و لا مش واثقة فيا؟" 

أجابت ولم تبادله العناق: 
"كله بإيدك" 

رفع رأسه لينظر إليها ويسألها: 
"قصدك إيه؟" 

نظرت إليه وأجابت: 
"قصدي زي ما أنت بتغير عليا قيراط أنا بغير عليك ٢٤ قيراط" 

ارتفع بجذعه قليلاً ليحتضنها ويجعل رأسها تتوسد صدره: 
"أنا وعدتك ومش محتاج أعيد وعدي ليكي تاني" 

أجابت: 
"ماشي يا قصى، بس في حاجة تانية كانت مضيقاني زي... 

صمتت قبل أن تكمل فسألها: 
" كملي وقفتي ليه؟"

"ما أنت هتضحك عليا زي قبل كده لو قولت لك" 

ابتسم رغماً عنه و حدق إليها من طرف عينيه: 
"أوعي تقولي أنك بتغيري من بنتك عليا!" 

حدقت إليه بإمتعاض و قالت: 
"شوفت بقي ده اللي كنت عاملة حسابه، أنت فهمت غلط، هي كل الحكاية إنك بقيت مش مهتم بيا من وقت ما خلفت زينب، يعني علي طول تنيمها في حضنك، و في يوم أجازتك بتبقي مخصصه ليها، حتي يوم ما بنخرج كلنا بتبقي الأماكن علي مزاجها هي كأنها هي اللي مراتك مش أنا" 

كان يكبت ضحكاته، فهو يعلم تفكيرها في ذلك الأمر فقال لها: 
"هي مش مراتي بس بنتي و ما بحبش أحرمها من أي حاجة نفسها فيها" 

زمتت شفتيها بشكل يثير الضحك وقالت له بحسم: 
"أنا بنتك قبل منها" 

داعب وجنتها بأنامله و كأنه يتعامل مع طفلة صغيرة: 
"أنتِ بنتي ومراتي وحبيبتي وكل حاجة ليا" 

أخذ ينظر إلي عينيها للحظات ولا يعلم لما أراد أن يخرج لها من بئر أسراره ما طواه الزمن، فاستطرد حديثه: 
"تعرفي يا صبا، أنا حياتي من قبلك كانت زي العتمة، تخيلي طفل كان عنده عشر سنين أتربي علي إيد تاجر سلاح وعيشت في وسط غابة مليانة مافيا السلاح والمخدرات ولازم يا إما أكون قوي يا إما أكون ضعيف، واللي بيختار القوة بيمحي من قاموسه المشاعر عشان ما يبقاش ليه نقطة ضعف يوقعوه أعدائه منها، أنا شوفت بعينيا حاجات لو حكيتها لك هتقولي لي أنت بتألف، بس عايز أقولك إحنا عايشين في عالم أسوأ وأشر ما فيه البشر إلا من رحم ربي، شياطين الأنس غلبت شياطين الجن في الشر، تخيلي واحد زيي أتربي واحتك بالعالم دي، كنتي عايزاني أبقي إيه؟!" 

توقف فاطلق تنهيدة ثم أردف: 
"أنتِ بقي الشمس اللي جت نورت العتمة، غيرتي لي حياتي للأحسن، قدرتي ترجعيني لقصى الإنسان، خلتيني أبعد عن طريق الشر رغم إن أنا عارف هافتح علي نفسي أبواب جهنم بس الحمدلله حبك شجعني ومقويني أتحدي الصعب وأقف قدامه، أنا عنيد بس في الحق، ما أنكرش إن غلطت لما روحت أتجوزت و اللي عملته وقتها معاكي، و أقسم لك بالله كنت بتوجع قبلك ألف مرة عشان ما بستحملش عليكي حاجة، أنا قاسي وبعترف بكدة و للأسف العيب الوحيد اللي مش قادر و لا عارف أغيره، عشان كدة أرجوكي بلاش تخرجي قسوتي خصوصاً معاكي" 

"حاضر يا قصى، بس ياريت قصاد كدة قبل ما تدي أوامراك ياريت تناقشني وتشوف رأيي، جايز المناسب ليك مش مناسب ليا، جايز مش مستعدة أنفذ الأمر ده غير لما أكون مهيئة نفسياً وجسدياً ليه، وأظن ده من حقي مش رفاهية ولا دلع"

أدرك مغزي تعقيبها علي حديثه فقال لها:
"و أنا مش هجبرك علي حاجة أنتِ مش عايزاها، وأنا اللي بقولها لك هاسيب لك قرار الحمل زي ما أنتِ عايزة، الوقت اللي شايفاه مناسب ليكي" 

لم تصدق ما تسمعه أذنيها، ها هو يُعطي لها مطلق الحرية في حق الإختيار لشىء يرغب فيه بقوة، لذلك ستخبره عن قرارها التي أتخذته بعد ترتيب أفكارها: 
"و أنا موافقة و مقولتش لاء، بس بعد سنة، وفي خلال السنة دي حبة أعمل حاجة كان نفسي فيها من زمان بس الحمل والخلفة كانوا مخليني مأجلة الموضوع ده" 

فهمَ ما ترمي إليه ويبدو علي وجهها التوتر قبل أن تخبره بالأمر الذي تريده فسألها: 
"عايزة تشتغلي؟" 

"أنا مش عايزة اشتغل، أنا عايزة أعمل project يكون خاص بيا، واسمه يكون براند في السوق المحلي والدولي و في العالم كله" 

هز رأسه بإعجاب فهي أخيراً أتخذت قراراً إيجابياً، قال لها: 
"و أنا موافق، رتبي أمورك وشوفي المشروع اللي أنتِ حابة تعمليه وأعملي دراسة جدوي، و أنا عليا التنفيذ واللي هتشاوري عليه هايكون موجود عندك، حتي الدعاية والتسويق هادعمك فيهم وبقوة سواء هنا في مصر أو برة" 

كانت ردة فعله كفيلة بأن تجعلها تشعر بالسعادة، كم هو حنون في صفاء مشاعره معها، تتمني أن يدوم هذا الهدوء والإستقرار بينهما و لا يعكر صفوه أي شىء، نهضت وجلست باعتدال دون أن تنتبه للدثار الذي أستقر إلي خصرها فحدقت إليه بنظرة حانية يشوبها حب نابع من فؤاد عاشقة: 
"ربنا ما يحرمني منك يا روح قلبي" 

كانت نظراته تتراوح ما بين عينيها تارة و تارة أخري إلي ما بين ذراعيها و لم يكن علي وجهه سوي تعبير واحد وهي إبتسامة تخبئ خلفها قنبلة من الضحك، لذا أرتسم الجدية ليخبرها:
"الكلام ده مش محتاج دعوة وبس" 

فسألته وتترقب إجابته: 
"نفسك فيه إيه يا حبيبي وعيوني ليك؟" 

أجاب بخبث قائلاً: 
"نفسي تديني حبة حنان، أنا أمي ماتت و أنتِ مكانها دلوقت، اعتبريني إبنك الصغير أو بيبي " 

أعتلت الدهشة ملامحها و غرت فاهها بعدم فهم ثم عقبت ساخرة بمزاح: 
"بيبي؟!، ما أحط لك التتينا أحسن" 

و هنا لم يستطع إخفاء نظراته الماكرة الغير مهذبة نحوها، نظرت نحو ما ينظر إليه، هبطت بنظرها إلي أسفل عنقها فوجدت الغطاء يدثرها إلي خصرها و بقية جذعها إلي كتفيها عارياً، شهقت وجزت علي شفتها السفلي، صاحت حين أمسك الأخر بالدثار وألقاه عليهما، فلا يظهر منهم قيد أنملة، صاحت بالنداء عليه بدلال: 
"قصى؟"

أجاب بتيه و وله: 
"عيونه، خليكي مؤدبة و إسمعي الكلام، سيبيني أنسي الذكريات و أعوض اللي فات" 

ضحكت وقالت:
"و أنت اللي يعرفك يبقي مؤدب من أنهي إتجاه؟" 

أشار بعينيه نحو شفتيها وأجاب: 
"من الإتجاه ده" 

و قبل أن تتفوه بحرفٍ ألتقط شفتيها في قبلة مغلفة بعشق الملك لملكته التي تجلس علي عرش قلبه المحفور به حروف إسمها داخله قبل أن تصبح وشماً علي صدره. 
ـــــــــــ
*molto bello: تعني جميلة جدا
*Eccitante: تعني مثيرة
*Attraente: تعني جذابة

تعليقات



×