رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الثاني و العشرون
جاسر ورؤي أبطال الأجزاء اللي فاتت عندهم 6 أولاد رعد وجوري أول تؤام
يوسف ومريم تاني تؤام
سليم وياسين آخر تؤام
----------------
نرمين أخت جاسر اللي جاسر كان بينتقم من صبري وبنته شاهندا عشانها
نرمين وياسر جوزها عندهم 2
( جاسر الكبير 29 سنة دكتور نفسي
اريج في 2 كلية طب )
ياسر كان ليه بنت من مراته اللي ماتت قبل ما يتجوز نرمين اسمها سما جوزها اسمه مصطفى
______________
عاصم أخو رؤي خال العيال اللي كان بيحب تهاني واتجوز حلم في الجزء التاني عنده ولدين
حسين الكبير مهندس ، مراد الصغير في ثانوية عامة ساقط سنة
_____________
رؤى كان ليها جيران أخ وأخت ساكنين سوا اللي هما عمرو وايمان
ايمان اتجوزت علي صاحب جاسر وعندها شريف الكبير ظابط شرطة ، وليان الصغيرة المدلوقة على الجاموسة جواد
_________
أما عمرو فاتجوز روان بنت صاحب الشركة اللي كان شغال فيها وخلف ولد وبنت
جواد جاموسة متنقلة مهندس ديكور
ومرام دلوعة ماما 22 سنة في كلية إعلام ومخطوبة لشريف ابن عمتها
________
فاضل طرب وملاك ، ومليكة وتوحة وكل الناس دي هنعرف اصلهم وفصلهم فيما بعد
لما تتلغبط اطلع بص هنا وكمل الفصل عادي
نبدأ الفصل ❤
__________
وقف في مكتب المأذون الشرع ينظر للجالس أمامه يرميه بنظرات حادة تكاد تحرقه ، في حين يرتجف الأخير خوفا ليس منه بقدر خوفه من ذلك المقطع الذي بحوزته عنه ، انتهى المأذون من إجراءات طلاقه لشقيقته سما ، لينظر جاسر إلى مصطفى يغمغم بهدوء:
- وطلق هدى كمان
قطب مصطفى جبينه يغمغم محتدا :
- وأنت مالك ومال هدى أختك وطلقتها خلاص ، مش مطلق هدى
ابتسم جاسر يكتف ذراعيه أمامه يحادثه بابتسامة لطيفة للغاية :
- طلق هدى يا مصطفى ، أنت سمعتك أهم منها ولا ايه
فهم ما يقصد ليصفر وجهه يفكر مع نفسه ، هدى حلوى لذيذة صغيرة لم يعرف لها طعما بعد ، ولكن المقطع الذي لدى جاسر سينسف سمعته تماما أن ظهر ، سمعته أهم هدى تعوض بطبق حلوى آخر ، اومأ برأسه موافقا ينظر للمأذون ليقرر طلاقها غيابيًا كما فعل مع سما ، حين خرجا من مكتب المأذون يمسك جاسر بورقتي الطلاق وضعهم في جيب سترته ليخرج ورقة أخرى من جيب سترته الآخر يقبض على ذراع مصطفى قبل أن يغادر يغمغم مبتسما:
- رايح فين يا حبيبي ، امضي يا بابا دا تنازل عن الشقة بكل اللي فيها ، وعن حضانة الأولاد ومش من عايزين نشوف خلقتك تاني ، ولاد اختي إحنا كفالين بيهم ، امضي بقى بدل ما اخليك تتنقب عشان تعرف تمشي في الشارع
نظر له مصطفى ساخطا يشعر بالغيظ والغضب الشديد منه يتوعده بأن ما فعله لن يمر أبدا ، خط توقيعه على الورقة مرغما ليتركه جاسر يغادر يسخر منه :
- مع السلامة يا دوكش ابقى خلينا نشوفك بقى
ضحك ساخرا قبل أن يتحرك يركب سيارته يتوجه إلى عنوان ما ، عند تقاطع إحدى الإشارات وجد عبدالرحمن يقف ينتظره وقف عنده ليفتح عبدالرحمن باب السيارة يجلس جواره يسأله متلهفا :
- ها طلقها ؟
أخرج جاسر الورقة من جيب سترته يعطيها لعبدالرحمن لينتزعها الأخير منه تتحرك عينيه على الكلام بعنف قبل أن يعانق الورقة يغمغم ممتنا :
- الحمد لله يارب ، الحمد لله ... أنا بجد مش عارف أشكرك ازاي يا دكتور جاسر ، أنت نجدة ربنا بعتهالي ، أنا كنت فاكر أن خلاص أن الحل الوحيد في حياتي هو الانتحار
التفت جاسر برأسه إليه يردف بنبرة هادئة :
- عارف الانتحار عامل زي ايه يا عبدالرحمن ، زي اللحظة اللي بتكون متعصب فيها أوي وأنت ماسك موبايلك مثلا فتقرر أنك ترزعه في الحيطة في اللحظة اللي أيدك بتسيب فيها الموبايل عشان يخبط في الحيطة بتندم أشد الندم ، وأكيد أن الموضوع ما كنش بضخامته يستاهل إني أخسر حاجة عزيزة عليا زي دي ، إلا لو أنت نجيب سويرس طبعا ، اهي دي نفس اللحظة اللي بترمي فيها نفسك أو بتقطع شريان ايدك ، في اللحظة اللي الدم بينفجر فيها بتكتشف أن الموضوع بضخامته ما كنش مستاهل حياتك !
شردت عيني عبدالرحمن وكلمات جاسر يتردد صداها داخل عقله جيدا قبل أن يسحبه منها صوته وهو يسأله :
- عامل ايه في شغلك ؟
انتبه عبدالرحمن له يردف مبتسما:
- الحمد لله المرتب كويس وهما ناس محترمين جداا وادوني سكن كمان بيتخصم جزء من مرتبي منه لحد ما اسدد تمنه ، فنقلت اقعد فيه عشان افرشه وتبقى هدى قاعدة هناك وما حدش يتكلم لحد ما العدة تخلص واتجوزها ، ولو مش مقتنع اني ليها عدة أنا هسأل شيخ تاني
ابتسم جاسر له يومأ برأسه بالإيجاب ، ليردف عبدالرحمن من جديد :
- اللي عملته عشاني دا هيفضل جميل في رقبتي ليوم الدين ، أنا تحت أمرك في أي وقت ولو احتجت مني أي مساعدة اقدر عليها
ابتسم جاسر له من جديد يتمتم :
- ربنا يوفقك يا عُبد ، يلا عشان ما تتأخرش على
شغلك أنا عارف أنك واخد إذن
ابتسم عبدالرحمن يودعه ينزل من السيارة ، ليكمل جاسر طريقه إلى منزل والديه ، أوقف السيارة بالأسفل ، نزل منها يصعد لشقتهم بالأعلى ، فتح الباب بالمفتاح الخاص به ليجد ثلاثتهم في غرفة المعيشة ابتسم يلقي التحية :
- صباح الخير عليكوا ، كويس أن كلكوا هنا عندي ليكِ خبر حلو
أخرج ورقة طلاق سما وورقة التنازل من جيب سترته يردف :
- أنا خليت الحيوان اللي اسمه مصطفى دا طلق سما ، ومش بس كدة أتنازل لها عن الشقة وعن حضانة الولاد كيان وتميم
هبت سما واقفة تنظر له بأعين جاحظة مذهولة ، اقتربت منه سريعا تنزع الأوراق من يده فتحت إحدها تنظر إليها عدة لحظات قبل أن تمتلىء عينيها بالدموع ، ظنها جاسر دموع القرح ألا أنها رفعت وجهها إليه تصرخ فيه بحرقة :
- أنت إزاي تعمل حاجة زي دي من غير ما تقولي ، أنت إزاي تخليه يطلقني المفروض تخليه يطلق مراته التانية مش يطلقني أنا
هنا شعر جاسر بالدهشة وهو نادرا ما يراوده ذلك الشعور ء خطى صوبها خطوة واحدة يسألها مدهوشا :
- أنتِ اتجننتي يا سما، إحنا مش آخر مرة قعدنا اتكلمنا مع بعض قولتيلي أنك مش طيقاه ، يا بنتي دا اتجوز وجاب مراته التانية شقتك ، دا خاين ، خان العشرة اللي بينا كلنا دا بني وسخ ما يتزعلش عليه اصلا
حركت سما رأسها للجانبين تصرخ فيه بشراسة وهي تبكي:
- ما اسمحلكش تتكلم عنه بالشكل دا ، مصطفى من سنين وهو بيحبني هي أمه الحرباية اللي قعدت تزن عليه أنا عارفة ، دي غلطة واحدة قصاد حاجات كتير أوي حلوة عملها عشاني ، كان المفروض تخليه يطلقها هي مش يطلقني أنا
ضحك جاسر عاليا قبل أن يضرب كفا فوق الآخر يردف مذهولا :
- لاء دي مش استكهولم لاء ، دي متلازمة أنيل .. ما تقول حاجة يا دكتور ياسر
اقترب ياسر من ابنته يمسح على رأسها برفق يحادثها مترفقا :
- سما يا حبيبتي دا ما صانش العيش والملح اللي ما بينكوا ، ما عملش حساب أن بينكوا أولاد ، دا حتى ما استحاش على دمه لو زي ما بتقولي لو والدته هي اللي زنت عليه دا جابها بيتك ودخل بيها أوضة نومك ، حبيبتي هو بس وقع المفاجأة هو اللي تعبك
نظرت سما لكلاهما محتدة قبل أن تحرك رأسها للجانبين بعنف تصرخ فيهما :
- انتوا جايين تعملوا عليا دكاترة نفسيين دلوقتي ، أنا بكرهك يا جاسر من زمان وأنت بتكره مصطفى وما بتحبوش ودلوقتي جالتلك الفرصة أنك تخلص منه خالص ، أنا مش مسمحاك يا جاسر
التفتت تنظر خلفها إلى نرمين التي تقف تراقب ما يحدث صامتة لتصرخ سما فيها :
- ما تتكلمي قولي حاجة ، قوليله أن اللي عمله دا غلط ، قوليله أنه كدة دمر حياتي ، ولا عشان هو ابنك وأنا لاء
غضب ياسر لما قالت ليقترب منها يحادثها محتدا :
- ايه الهبل اللي أنتِ بتقوليه دا ، سما ....
وقاطعته نرمين قبل أن يكمل حين اقتربت من سما وقفت أمامها تحرك مقلتيها على صفحة وجهها تعاتبها :
- استنى يا ياسر ، هو ابني وأنتِ لاء بجد ، أنتِ مصدقة نفسك ... دا أنا من أول لحظة شوفتك فيها من قبل حتى ما اتجوز أبوكي وأنا بعاملك على أنك بنتي ، عمري ما فرقت بينكوا في أي حاجة ، أنتِ بنتي اللي كبرت على أيدي ، عوض ربنا ربنا ليا بعد كل اللي شوفته ، دلوقتي جاية تقوليلي عشان هو ابنك وأنا لاء ؟!
التفتت تنظر إلى جاسر لتحادثه بنبرة حادة :
- أنت مين قالك تتصرف من دماغك ، مين قالك تخليه يطلقها ، مين قالك تخرب بيت أختك
لو كنت عاوز تساعدها كنت خليته يطلق البت التانية اللي اتجوزها مش تخليه يطلق أختك
توسعت حدقتي جاسر مدهوشا لينتفض من مكانه يغمغم مذهولا :
- ايه العبث اللي أنا بسمعه دا ، أنتِ بتقولي ايه يا ماما ، دا بني آدم زبالة وخاين بتحب في ايه ، صدقني مصطفى دا مش كويس عمل بلاوي كتير ، أنتِ عارفة أريچ قاعدة عندي ليه عشان حاول يتحرش بيها لما خدتيها وروحتي لسما وخافت لو قالتلك ما تصدقهاش ، دا لا يؤتمن اصلا انتوا مستوعبين بتقولوا ايه
انفجر ياسر غاضبا يسب مصطفى يتوعده ما أن يراه :
- ورحمة أبويا ما هسيبه الكلب حاول يتحرش ببنتي ، الموضوع دا اتقفل خلاص الكلب دا أنا لو شوفته هقتله
اتهمرت الدموع من عيني سما لتقترب من أخيها وقفت أمامه تصرخ في وجهه :
- ارتحت يا جاسر ، أنا واثقة أنك كذاب وأن مصطفى ما عملش حاجة لأريچ وأنت بتقول أي كلام عشان تطلعه زيك ، هتلاقيك أنت اللي بتعمل كدة مع المرضى ما أنت بيجيلك بنات صغيرين كتير
شخصت عيني جاسر عقله توقف عن إستيعاب تلك الكلمات السامة التي خرجت من فم شقيقته ، ليجد والده يقترب منهم قبض على ذراعها يهزها بعنف يصرخ فيها :
- لاء أنتِ كدة اتجننتي رسمي ، أنتِ ازاي تتهمي أخوكِ تهمة زي دي ، لولا أنك بنتي الكبيرة ومقدر حالتك النفسية أنا كنت لطشتك بالقلم ، ادخلي أوضتك يلا
رمت سما جاسر بنظرة حانقة كارهة قبل أن تغادر إلى غرفتها غاضبة تصفع الباب عليها بعنف ، وقف ثلاثتهم في صمت كل منهم ينظر للآخر وصوت بكاء سما يعلو من الداخل ، ضرب
ياسر كفا فوق آخر يغمغم :
- لله الأمر من قبل ومن بعد البت دي جرالها ايه ، معلش يا جاسر حقك عليا يا ابني ، هي أكيد مش قصدها
أشار جاسر لنفسه عينيه جاحظة يتمتم مدهوشا :
- أنا بتحرش بالبنات اللي بتجيلي العيادة ، دا أنا ما بتحركش من على مكتبي ، البنت بتبقى قاعدة في آخر الأوضة وأنا عند المكتب ، إزاي أختي تقول عني كدة ، دا أنا خلصتها من الكلب دا
ظل يهذي مصدوما مما سمع من شقيقته قبل أن ينظر لوالدته الصامتة التي لم تُبدي أي رد فعل على ما قالت سما ، اقترب منها يغمغم ساخرا :
- أنتِ ساكتة ليه يا ماما ، ولا أنا خربت بيت أختي بقى من حقها تقول اللي هي عيزاها ، تعرفي أنا مش متفاجىء من رد فعلك ، أصل بعد اللي عملتيه في أريچ بعد ما محيتي شخصيتها وخليتي ثقتها في نفسها معدومة ، خليتها تخاف تتكلم والحيوان دا حاول يإذيها ، بنيتي حواليها ألف سور وسجنتيها جواهم ، كنتي خايفة من ايه يا ماما ؟ خايفة من ايه
رفعت نرمين عينيها تنظر إلى وجه ولدها من نبرة صوته المتهكمة وهو ينطق كلماته الأخيرة فهمت ما يرمي إليه وأصفر على وجهها على ذلك أما هو فضحك عاليا يكمل ساخرا :
- أنتِ عارفة ايه اللي يضحكك أن البيت فيه اتنين من أشهر الدكاترة النفسيين وكل اللي فيه مرضى نفسيين ، كويس إني لحقت أريچ قبل ما تدمريها ، هو دا اللي كنتي بتعلميه لسما طول السنين اللي فاتت
- جاسر ما تتعداش حدودك كفاية
غمغم بها ياسر محتدا ، ليلتفت جاسر إليه يردف ساخرا :
- هو كفاية فعلا عن إذنكوا !
تحرك جاسر ليغادر ، أمسك بمقبض الباب ليسمع صوت والدته يأتي من خلفه تحادثه بحرقة :
- شخصت وحكمت وطلعتنا مرضى يا دكتور ، ما قدرتش حالة أختك النفسية ليه يا سيادة الدكتور النفسي ، أم وعندها طفلين بيسألوا عن والدهم ليل ونهار ، زوجة بعد عشرة سنين ما شافتش منه فيهم حاجة وحشة زي ما دايما بتقول ، أنت جيت في لحظة قطعت آخر وصل بينهم من غير حتى ما تمهد ... امشي يا جاسر وعيش الحياة بدماغك ، وعالج أريچ من أم مريضة زيي مش دا اللي أنت قصدك عليه بردوا
لم ينتظر جاسر ليسمع أكثر فتح باب الشقة وغادر نزل يركض إلى سيارته أخذها ورحل يقود بعنف يديه تشتد على المقود بقوة ، كلمات والدته تتردد في عقله ومذكراتها القديمة يتذكرها وكأنه قراء ما فيها توا ، والدته عانت الكثير لا ينكر ولكن خوفها من أن تتكرر ترى تلك المعاناة من جديد مع ابنتها جعلها تحطم أريچ دون أن تدري ، بعد صراع طويل وصل إلى وجهته أوقف السيارة عند النادي الرياضي القريب من البيت دخل يبحث عن أريچ ليراها تقف أمام المدربة تعلمها إحدى الحركات الدفاعية ابتسمت ما أن رأته تلوح له سعيدة ليراها تقترب منه ، ارتمت بين أحضانه تعانقه كطفلة صغيرة تصيح متحمسة سعيدة :
- جاسر تعالا أوريك الحركات اللي أنا اتعلمتها ، شكرا يا جاسر أنك سمعت كلامي وجبتني هنا
ابتسم يمسح على رأسها ، أمسكت بيده تجذبه إلى أحد المقاعد ليجلس هناك ، تحركت هي إلى ساحة التدريب ... سمع صوت حمحمة خافتة نظر جواره ليجد مليكة رفع حاجبيه لتحمحم مليكة تهمس محرجة :
- والله أريچ اللي اتصلت بيا وقالتلي تعالي
افتكرت في مشكلة وجيت اشوفها ، لقيتها بتوريني الحركات الجديدة اللي هي اتعلمتها ، أريچ بتتحسن بسرعة واضح أنك فعلا دكتور شاطر ، أنا قصدي وكويس يعني أنك سمعت كلامها واشتركت ليها في النادي دا
رسم ابتسامة مقتضبة على شفتيه يهمس يشكرها قبل أن يوجه أنظاره إلى أريچ التي تبدو سعيدة منذ أيام وهي تتابع تدريبها في ذلك النادي الرياضي ، وهو يعلمها قيادة السيارة ، والكثير من أساسيات الثقة بالنفس
وأريچ الصغيرة تتجاوب بشكل كبير ، فتحت فمه يتحدث إلى مليكة شاردا بينما يوجه أنظاره لأريچ :
- تفتكري أنا فعلا دمرت حياتها ، أنا عملت كدة عشان مصلحتها ، أنا عارف إن من زمان بينا حاجز ، وهي دايما شايفة أنهم بيحبوني أكتر منها بس دا مش حقيقي
تنهد متعبا يخفي وجهه بين كفيه ليشعر بأصابع يدها على كتفه وصوتها يغمغم يواسيه :
- أنت دكتور شاطر يا جاسر ، وأخ ممتاز ياريتني كان عندي أخ زيك ، ما كنش حصلي كل دا ، أنا ما اعرفش أنت بتتكلم عن مين طالما نيتك خير وعملت كدة عشان مصلحتها تبقى ما اذيتهاش ، المفروض تبقى عارف كدة مش أنا اللي هقولك يا دكتور
ابتسم يسخر من نفسه رفع وجهه عن كفيه ليرى أريچ تنظر إليه قلقة ، رفع يده يطمأنها أنه بخير ... ليسمع مليكة تكمل :
- شايف أريچ مجرد ما شكلك بان عليه التعب خافت عليك إزاي ، عشان بتحبك وأنت قدمتلها كتير أوي
التفت إليها وابتسم متعبا يومأ برأسه موافقا ، قبل أن يهمس يفاجئها بما قال :
- ليه مش عاوزة تفتحيلي قلبك يا مليكة ، صدقيني أنا أقدر اساعدك ، أقدر أعمل حاجات كتير أوي ، مليكة اللي بتعمليه في نفسك دا نهايته هتكون كارثية
أصفر وجه مليكة لتهب واقفة تغمغم مرتبكة :
- أنا لازم امشي عن إذنك
تحركت خطوة واحدة تود الهروب منه لتسمعه
يغمغم :
- وتفتكري الهروب هو الحل ، واجهي مشكلتك يا مليكة ، مهما تهربي منها أو منه هتوصلك
شحب وجه مليكة أثر ما سمعت ، حين لفت وجهها تنظر اليها ، رآها في عينيها تقف بعيدا خائفة ترتجف ، فتاة أخرى عكس التي تقف أمامه ، ظل تنظر إليه بضع لحظات قبل أن تتركه وترحل ... ظل يراقبها بعينيه وهي ترحل إلى أن سمع صوت أريچ تغمغم حزينة :
- ايه دا هي مليكة مشيت ليه ؟ أنا وهي كنا هنخرج سوا
لف جاسر رأسه إليها وابتسم :
- تعالي هنخرج أنا وأنتِ ، هقابل واحد صاحبي أخد منه حاجة في كافية قريب ونروح أي مكان أنتِ عايزاه
_______________
انتهى إمتحان اللغة العربية وخرج الطلاب للاستراحة قليلا قبل امتحان التربية الدينية ، وقف الطلاب منهم من يتناول طعامه ومنهم من يذاكر ، ومنهم من يتحدث ، مريم وملاك يجلسان متجاورين مريم على مقاعد الحديقة وملاك على مقعدها المتحرك ، ويوسف يقف قريبا منهما ... ينظر هنا وهناك يبحث بعينيه عن مراد ليراه يجلس بعيدا عكازه يستند جواره ، نظر كل منهما للآخر غاضبا قبل أن يأتي وليد إلى يوسف يحادثه متوترا :
- بقولك ايه هو صحيح يحيى وحيد طلب منك أن تغششه ورفضت ؟ وكنت هتقول للمراقب عليه
قطب يوسف جبينه يوجه حديثه لمراد يغمغم :
- ايوة ، دا عيل بجح ... عايزني اغششه بالعافية روحت مهزقه قبل اللجنة ، وجه ساعة الإمتحان يعمل عبيط وعايزني اغششه قولتله لو ما سكتش هقول للمراقب
بدا وليد متوترا للغاية وهو يحادث يوسف :
- ليه يا يوسف ما أنت عارف إن زفته ، أبوه راجل أعمال كبير وعنده أكبر شلة هنا في المدرسة والكل بيقوله حاضر ونعم وطيب ، سمعت أن هو مستحلفلك عشان اللي أنت عملته
ابتسم يوسف ساخرا يردف باستخفاف :
- وأنا أبويا راجل أعمال صغير يعني ، يا ابني دا جاسر مهران دا إلى الآن مسمينه الشيطان ، وأنت فاكرني هخاف من تهديده الأهبل دا ، خليه يروح يلعب بعيد
- لا يا يوسف مش هلعب بعيد أنا هلعب في عداد عمرك
غمغم بها ذلك الفتى المدعو يحى التفت يوسف ليجده يقف خلفه شاب في مثل عمره وطوله ، اقترب يحيى من يوسف يبتسم ساخرا قبل أن يميل برأسه يتوعده :
- أنا هديك فرصة يا چو اشتري صحوبيتي ولو أنها غالية أوي ، معاك لآخر الإمتحانات يا نبقى حبايب وتغششني وخصوصا أن أبوك السبب وهو اللي مبلغ الإدارة التعليمية أن المدرسة هنا بيحصل فيها تجاوزات وغش كتير وبعتولنا لجنة من مدرسة حكومة تقرف ، أنت كل المطلوب تغششني ونبقى حبايب قولت ايه
ابتسم يوسف باتساع ليقترب برأسه من يحيى يهمس بلطف :
- عارف طنط أم يحيى
قطب يحيى جبينه لا يفهم ما يقصد ولكنه تأفف حانقا :
- مالها ماما
- سلمي لي عليها ، يلا يا وليد
قالها ساخرا ينظر للاخير بنظرة متهكمة قبل أن يجذب يد وليد ويرحلا ، لتحتد عيني يحيى بتوعده بالكثير
_____________
لم تشعر أبدا بالذعر قدر ما تشعر الآن ، تنظر إلى والدها لا تصدق أنه يطلب من هؤلاء السيدات أن يقيدنها ، نظرت إليه مذعورة تفيض عينيها بالدموع حين اقتربت إحدى السيدات منها تنظر إليها بشر تمسك في يدها حبل غليظ ، نظرت إليه للمرة الأخيرة تستنجد به ، نظرتها طعنت قلبه في مقتل ، كيف تشعر ابنته بالذعر بسببه صرخ في تلك السيدة بعلو صوته :
- استني عندك ما تقربيش منها
وقفت مكانها لا تفهم ما يحدث ليشير لهم جاسر بالخروج يصرخ غاضبا :
- اطلعوا برة ، اقفوا برة
انسحب الجميع في لحظات للخارج ؛ لتهرول چوري ترتمي بين ذراعيه تبكي ... أبعدها عنه بعنف يتراجع للخلف يحادثها غاضبا :
- ما تلمسنيش ، أنا كنت هخليهم يضربوكي تعرفي دا ، بس ما هونتيش عليا ، ما هونتيش يا چوري ... ما قدرتش اشوفك خايفة وأنا واقف ، ما قدرتش اشوفك خايفة بسببي وأنتِ أغلى حاجة عندي ، ليه تعملي كدددة .... أنا قصرت معاكِ في ايه ، قوليلي أن أنا اللي قصرت قوليلي أن أنا السبب
حركت رأسها للجانبين بعنف تنهمر الدموع على وجهها بحرقة ليقترب منها يقبض على ذراعيها يصرخ فيها :
- طالما لاء عملتي كدة ليه ، كنتي قوليلي أنك بتحبيه وأنا اجوزه ليكِ وافرح بيكِ عروسة زي ما بحلم دايما واسلمك لعريسك ، إنما دلوقتي لما يتجوزك ، هيتجوز عشان نصلح اللي حصل ... أنتِ دمرتي فرحة حلمت بيها سنين
اقترب حسين منهم سريعا يصرخ فيه ذلك الرجل لا يود سماعهم بأي شكل كان وچوري على شفا الانهيار :
- اسمعنا بقاااا وبعدين ابقى اعدمنا لو عايز ، الموضوع مش زي ما أنت فاكر ، أنا وهي ضحايا ، إحنا كنا بنتعشى في الفندق أنا وهي وزين دا مهندس تالت معانا
وقص عليه ما حدث بالكامل بكل تفاصيله ، وضربه للسائح ومدير الفندث حتى كاد يقتلهم ، وتواصله مع عدي صاحب الفندق أنهى كلامه :
- والله العظيم دا اللي حصل ، وتقدر تسأل عُدي صاحب الفندق ... أنا مش خاين ولا أنا ولا هي هنرتكب ذنب بشع زي دا ، إحنا ضحايا لعبة زبالة ، چوري من ساعتها هتموت من القهر ما بطلتش عياط ، كانت مرعوبة نرجع القاهرة مش خوفا منك قد ما هي كانت مرعوبة ترفع وشها وتبص لعينيك بس ، اقسملك بالله اللي بقولوا ليك هو الحقيقة
وسكت ومع سكوته حل الصمت على الجميع ، وظل جاسر واقفا مكانه لم يبدي رد فعل واحد على ما قال ، ظل صامتا تماما يقبض كف يده يعتصره ، يعيد ما قاله حسين في رأسه مرارا وتكرارا ... يشعر بالمكان يلتف من حوله ابنته تجلس أرضا تبكي بعد أن خذلتها قدميها ولم تستطع الصمود أكثر وحسين يقف هناك ينظر إليه يتوسله أن يصدقهم :
- أنا عارف أنك ممكن ما تكونش مصدقني مع إن والله دا اللي حصل ، لو عايز تعاقب حد اعتبرني اغتصبتها بس والله هي مالهاش ذنب ،
كفاية الخوف والقهر والعياط اللي هي عايشة فيه بقالها أيام طويلة
لم تذنب ، ضحية ، ابنته لم تذنب بل كانت ضحية لعبة دنيئة مقززة اقسم إن يدفن ذلك الرجل صاحب اللعبة حيا ، تحرك ناحيتها لينزل على ركبتيه حيث كانت جالسة تبكي ، خرجت شهقة بكاء عالية من بين شفتيها تهمس بحرقة:
- والله مظلومة والله ، أنا ما اقدرش أعمل كدة ، أنا آسفة ، أنا آسفة أوي كان لازم اسمع كلامك وما اسافرش ، ما كنتش أعرف أن دا هيحصل
انهمرت الدموع من عينيه يحرك رأسه بالإيجاب مع كل كلمة تقولها وكأنه يصدق عليها
قبل أن يشدها إلى أحضانه يطوقها بذراعيه ، لتصرخ هي من الألم الذي اعتمر روحها لأيام ،
ظل بين ذراعيه لفترة طويلة إلى أن هدأت قليلا فقط ، أبعدها عنه بخفة يصيح باسم أحد رجاله لتتسمك به خائفة ليمسح على رأسها برفق ولين:
- ما تخافيش ما حدش يقدر يأذيكِ ، أنا ما سمحتش لحد يأذيكِ وأنا فاكر أن أنتي اللي غلطانة ، أكيد مش هخلي حد يأذيكي بعد ما عرفت أنك مظلومة وضحية
رفع يديه يمسح دموعها برفق ، قام من مكانه يجذب يدها بخفة يبسط يده على جبينه ليشعر بالقلق حرارتها مرتفعة ... أخذها وتحرك إلى مرحاض جانبي يفتح صنبور المياه يمسح على وجهها برفق بالماء البارد تنهد يهمس قلقا :
- حرارتك عليت تاني ، حقك عليا يا بنتي ... بس ياريتك سمعتي كلامي يا چوري وما سافرتيش .... عرفتي إني كنت بقول كدة عشان مصلحتك وأن الدنيا مش بمبي زي ما أنتي فاكرة ، وأنا اللي قاصص جناح الفراشة
المهم دلوقتي المأذون برة ، لازم يكون في عقد رسمي ولازم تكشفي لتكون حامل ، وهيبقى ساعتها لازم نعجل بالفرح ... ما تخافيش أنا هنا وكل حاجة هتبقى كويسة ... اغسلي وشك كويس واعدلي حجابك وحصليني
التفت وتركها ليغادر ليسمعها تهمس تنادي عليه التفت لها ليرى دموعها خطت وجهها من جديد تسأله خائفة من الإجابة :
- هو أنا وقعت من نظرك وبقيت بتكرهني مش كدة ؟
اعتصر شفتيه لترسم ابتسامة كبيرة اقترب منها يكوب وجهها بين كفيه يهمس يحادثها :
- أنا عمري ما أكرهك يا چوري ، ما فيش أب بيكره ولاده ، وأنتي عارفة غلاوتك عندي ..فترة وهتعدي يا چوري وهترجع كل حاجة زي ما كانت ، وبعدين دا أنتي چورية آل مهران نسخة واحدة ما فيش منها اتنين ، يلا عشان المأذون أنتي كدة كويسة
أمسك بكف يدها يشعر به بارد كالثلج يرتجف داخل كف يده على الرغم من أن حرارتها مرتفعة ، أشار لها لمقعد قريب فجلست كل ذرة بها تنتفض وجلس هو وحسين صاحب الفك المتورم على الأريكة في المنتصف بينهم المأذون وقبل عدة القران سمعوا صوت دقات على البوابة تحرك أحد الرجال ليفتح بإشارة من جاسر ليسمعوا صوت رجل يتحدث ساخرا :
- اومال جاسر مهران فين ، صاحب موكب العربيات اللي برة اللي قافل علينا الطريق مش عارفين نعدي ، قوله عيلة السويسي يا عم
تحرك جاسر من مكانه يخرج إلى البوابة ليجد صديقه يقف أمامه غمغم ساخرا ما أن رآه :
- ايه يا عم جاسر عرفنا أنك غني جداا وعندك عربيات ومخازن ، قول لرجالتك تبعد العربيات شوية مش عارفين نعدي ، مالك يا جاسر أنت عامل كدة ليه ؟
شعر بأنه ينهار يحتاج إلى أحد ما يستند على كتفه ، اقترب من صديقه يعانقه يغمض عينيه متعبا ولم ينطق بحرف واحترم الأخير صمته الطويل ، إلى أن ابتعد عنه يهمس بنبرة خاوية :
- تعالا اشهد على كتب كتاب بنتي مين معاك تاني؟
قطب خالد جبينه ابنة جاسر ستتزوج في مخزن في منتصف الصحراء ، رفع كتفيه يغمغم يائسا :
- عارف مش هستغرب أنا جوزت بنتي في القسم ، ولاد الكلب دول مش هيرتاحوا غير لما يجلطونا والله
وعلا بصوته يستدعي من في السيارة :
- حسام تعالا عاوزك وهات بطاقتك معاك ، تعالا يا أخرة صبري !
-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير ، مبروك يا جماعة
نطق بها المأذون وحل الصمت بعدها تماما ، ليحمحم الأخير مرتبكا من الموقف وقف جاسر يصافحه يغمغم بهدوء :
- شرفتنا ، الحرس هيوصلوك لحد المكتب ما تقلقش ، وأنا هعدي على حضرتك بعد كام يوم عشان القسيمة
وضع يده في جيب سترته يخرج ظرف به نقود يعطيه للرجل ليصافحه الأخير ويغادر مع أحد رجال جاسر ، وحلق الصمت يلف جناحيه حول الجالسين من جديد كل في عالمه الخاص ، رفعت چوري وجهها تنظر صوب حسين الذي ينظر أرضا يبدو شاردا مثلها تعلم أنه يحبها ربما هي لا تبادله نفس المشاعر ولكنه الآن يبدو حزينا ، حائرا شاردا مثلها تماما ... رفع وجهها لها لتتقابل عينيها به ، نظر لها نادما يعتذر عما هم فيه ، لتقابله بنظرة واهنة ضعيفة للغاية
تحرك جاسر يبتعد عنهم يقف بعيدا ليلحق خالد به ، في حين جلس حسام في منتصف الأريكة يبتسم يحاول أن يقول شيئا ليجعلهما يبتسمان حتى ، حمحم يغمغم مبتسما:
- ألف مبروك يا جماعة عقبال البكاري ، أنا دكتور نسا وعامل تخفيض جامد على الولادة بدون ألم
زفر يائسا حين ظلا على وضعهما الصامت الحزين ، لينظر صوب والده الذي يقف هناك بصحبة صديقه يبدو غاضبا للغاية مما يسمع
هناك ؛ تنهد خالد بعنف رفع يده يمسح وجهه بكف يده قبل أن يربط على كتف صديقه يحاول أن يواسيه :
- جاسر ، بنتك وابن خالها مالهمش ذنب وكويس جداا أنك سمعت منهم قبل ما كنت تسيب الناس دي تضربهم ساعتها ما كنتش هتسامح نفسك أبدا ، دلوقتي أول حاجة تعملها تدور على موضوع الفندق لأنها لو لعبة من واحد أجنبي ما كنش الفيديو اتبعتلك ، لاء الموضوع أكبر والهدف من أنهم يبعتوا الفيديو دا ليك أنهم يخلوك تأذي بنتك وابن عاصم ، وتقوم عداوة بينكوا ، المهم دلوقتي في موضوع بنتك حسام دكتور نسا شاطر ، مولد ستات العيلة كلها حرك جاسر رأسه صوب خالد يومأ برأسه تنهد بعمق يهمس بنبرة متخاذلة :
- أنا صعبان عليا چوري أوي صعبان عليا قهرتها من اللي حصل ، وأنها يوم ما حبت تحقق حاجة نفسها فيها ولاد الكلب دول عملوا كدة ، أنا فعلا هدور ورا حادثة الفندق أول حاجة ورحمة أبويا وأمي لأدفن اللي كان السبب بالحيا ، بس سامحني معلش حسام ابنك شاطر أكيد ، بس أنا أفضل تبقى دكتورة مش دكتور
عشان تتعرف تتكلم معاها من غير كسوف ، أكيد حسام يعرف
اومأ خالد برأسه موافقا ليرفع يده يشد على كتف صديقه يغمغم يعده :
- أنا موجود في أي وقت ، أنت عارف إحنا أخوات ، أنت زيك زي حمزة وفي اي وقت تحتاجني هتلاقيني موجود
ابتسم جاسر يومأ برأسه يردف :
- عارف يا خالد من غير ما تقول ، بس سيبني أنا ليهم ، وصدقني لو احتجتلك هكلمك على طول
حمحم حسام للمرة الألف تقريبا قبل أن يبتسم يقول متحمسا:
- عارف يا أستاذ حسين ، أنا مرة جاتلي واحدة العيادة كانت مقتنعة أن بنتها حامل في بنت من شكل مناخيرها آه والله وكانت مقتنعة أن أنا دكتور فاشل اللي هو أنا إزاي مش عارف نوع الجنين من مناخير بنتها ، وتقولي إحنا مؤدبين ما يظهروش في السونار ، اللي هو وحياة أمك وسبع سنين طب انقعهم في ماية مخلل بقى
ضحك حسين بخفة في حين تبسم ثغر چوري ، لاحظ حسام شحوب وجه العروس ليقترب منها يستأذن من حسين :
- تسمحلي معلش ؟
قطب حسين جبينه قلقا ينظر لچوري قبل أن يحرك رأسه موافقا قام حسام من مكانه يخرج من المخزن عاد بعد لحظات وفي يده حقيبته وضعها جانبا ليسحب مقعد يجلس أمام چوري يخرج كشاف صغير من حقيبته يوجهه لحدقتيها ، ضوء الكشاف لم يكن بالعالي ولكنها أغمضت عينيها ففتحها هو بيده ينظر لحدقتيها
الذابلة ، ما أن أخرج سماعته من الحقيبة تحرك خالد إليه يضعه يده على كتفه يحرك رأسه للجانبين يهمس له :
- أنت بتكشف من غير ما تستأذن أبوها يا حمار
أشار حسام إلى حسين يدافع عن نفسه:
- أنا استأدنت جوزها وبعدين هي شكلها تعبان جدا
هنا تقدم جاسر منهم يوجه حديثه لحسام :
- معلش يا دكتور بس أنا بنتي بتتكسف
قطب حسام جبينه متعجبا قبل أن يرفع كتفيه لأعلى يردف ضاحكا:
- ما كنتش هاخد منكوا حق الكشف على فكرة انتوا الخسرانين
ضحك جاسر بخفة يربط على كتف حسام يعتذر منه ليقم هو يضب حقيبته حين اقترب أبيه منه يهمس يسأله :
- حسام أكيد تعرف دكاترة نسا شطار
دا على أساس أن أنا أنف وأذن
علق ساخرا ، ليضحك خالد يضرب كفا فوق آخر جذبه من قميصه يهمس له :
- يا حمار أنا قصدي دكاترة ستات يعني ، اخلص هات نمرة واحدة منهم
وقف حسام يكتف ذراعيه أمامه يحرك رأسه بعدم رضى مما يحدث يحادث أبيه بصوت خفيض :
- بابا أنا العيادة عندي بيبقى فيها يوميا فوق الخمسين حالة وكلهم ستات على فكرة ، ففكرة أن صاحب حضرتك مش عاوز دكتور راجل هو اللي يكشف على بنته دي غريبة ، لأن أنا حالف قسم ، على العموم انتوا أحرار أنا بس كنت حابب أساعد لأني شايف الجو متوتر إزاي
وأخرج هاتفه من جيب سترته يبحث عن أحد الأرقام إلى أن وجده ليبعثه لهاتف أبيه الذي بدوره بعثه لهاتف جاسر مباشرة في حين أردف حسام :
- دكتورة زهرة تلميذتي دكتورة شاطرة وأمنية قوليلها بس أنكوا جايين من طرفي ، أنا هستناك برة يا بابا
أمسك حقيبته يتحرك للخارج يبدو منزعجا ، فتحرك خالد صوبهم حمحم يردف مبتسما :
- مبروك يا ولاد ، مبروك يا جاسر ... طب أنا هستأذن ولو احتجتني أنت عارف طبعا
وصافحه يغادر ، خرج إلى سيارته ليجد حسام يجلس خلف المقود يدق بأصابعه عليه ينتظره فتح باب السيارة المجاور له جلس ليلتفت حسام بوجهه ينظر إليه يتمتم ممتعضا :
- قبل ما تسأل آه اتضايقت ، عشان أنا كان في نيتي أساعد البنت فعلا شكلها تعبان ، وهو حسسني اني بتحرش بيها ، إذا كان جوزها نفسه ما اعترضش عشان شايفها هي تعبانة إزاي ، يا جدع دا انتوا بتسحلوني في كل تحصصات الدنيا وتيجوا في التخصص بتاعي اصلا وتفقدوا الذاكرة ، عايزين دكتور نسا كويس ، أعلق الشهادة على صدري يعني
ضحك خالد ساخرا يضرب كفا فوق آخر قبل أن تختفي ضحكاته فجاءة رفع يده يصفع بها رقبة حسام من الخلف يغمغم حانقا :
- يا جدع ؟! في ولد محترم يقول أبوه يا جدع يا حيوان ، ما تقولي يا اسطا يا أحسن
مسح حسام وجهه بكف يده قبل أن يصرخ بعلو يخبره أن تلك النقطة هي فقط من استمع إليها مما قال ، ابتسم حسام يردف ساخرا :
- بابا صحيح فكرني كدا مين اللي كسب إمبارح في فورة الكوتشينة
احتدت عيني خالد غضبا ليرفع يده يصفع حسام على رقبة حسام من جديد يحادثه حانقا :
- عشان ما بتعرفش تفنط الورق عدل يا حيوان ، اصبر عليا النهاردة أما علمت عليك يا جزمة ، اطلع يلا على المخزن نشوف البيه المرمي هناك ، ونروح نكمل الفورة
ضحك حسام متناسيا ما حدث ليومأ برأسه يتحرك بالسيارة صوب مخزنهم فأحد الأوغاد لديه معه حساب عسير !
أما في داخل مخزن جاسر ، تنفست الأخير بعمق يتحرك صوب ابنته جذبها عن المقعد يبتسم في وجهها مترفقا نظر لحسين يحادثه :
- روح يا حسين أو روح الشركة أفضل ، وبلغ عاصم أن چوري تعبانة وروحت
اومأ برأسه موافقا تحركت عينيه صوبها ينظر إليها تبتسم عينيه قبل شفتيه رغم كل ما حدث إلا أنه في تلك اللحظة يشعر بسعادة لذيذة تدغدغ كيانه حين يهمس داخل نفسه أنها أصبحت زوجته ، لولا فقط الحال التي هي فيه لكان عانقها يلتف بها سعيدا ولكن شعوره بأنها مرغمة ينغص تلك السعادة ألما ، تنهد بعمق قبل أن يتحرك للخارج يستقل سيارته يرحل ،
ليمسك جاسر بكفي ابنته بين يديه ، نظرت لوجهه ليهمس يواسيها :
- وبعدين يا چوري مش هينفع تفضلي في الحال دا ، طالما ما غلطتيش يبقى ما تشليش الذنب بالشكل دا ، أوعى تفتكري أن أنا في يوم هكرهك أو هتنزلي من نظري ، عايز اقولك انك لو كنتي غلطتي بقصد أنا بردوا ما كنتش هكرهك أنا صحيح كنت هعلقك وانفخك بس بردوا مش هكرهك أبدا ، أنتِ حتة من قلبي يا چوري ، وحالك دا يتعب قلبي أوي ، عشان خاطري يا حبيبتي انسي وعيشي خلاص ، وبعدين كلنا عارفين الواد حسين بيحبك قد ايه
وأنا واثق أنه هيتشقلب كدة عشان يسعدك ، اضحكي بقى مش هنمشي من هنا إلا لما تضحكي
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيه تدمع عينيها تنظر لوالدها ممتنة ما يقول ، مسحت دموعها تومأ برأسها بالإيجاب ليبتسم جاسر يلق ذراعه حول كتفيها يتحركان للخارج ، جلست جواره في السيارة ليمد يده إلى جيب سترته يخرج شريط الاقراص الأقراص الخاصة بها وزجاجة مياه ، أعطاها الأقراص وفتح زجاجة المياه لتأخذ الدواء ترتشف القليل ، ليربط جاسر على رأسها يغمغم مترفقا :
- نامي على ما نوصل
________________
في ذلك المقهى الفاخر البعيد الذي اعتاد جاسر على ارتياده ، يجلس هناك على إحدى الطاولات تجلس أريچ جواره رفع يده يطلب النادل ، حين جاء الأخير طلب كوب القهوة المعتاد ، نظر لأريچ ليرى ابتسامة الأخيرة تتوتر تتنفس بعمق تحاول أن تُشجع نفسها قبل أن تنظر للنادل تغمغم بنبرة متوترة :
- عصير لمون بالنعناع
لم يخفى على جاسر نبرة التوتر الواضحة للغاية في صوتها ولكنه ابتسم ، أريچ تحارب خوفها بشجاعة ، حين نظرت إليه توسعت ابتسامته يومأ برأسه كأنه أخبرها أنها أحسنت صنعا ، ليراها تبتسم سعيدة .... مضت عدة دقائق قبل أن يرفع جاسر يده يشير لأحد ما ، نظرت أريچ لمنةيشير لترى شابا ربما يكبرها بعامين أو ثلاثة يقترب منهم يحمل حقيبة حاسوب محمول ، اقترب منهم يجذب المقعد المقابل لجاسر يغمغم مبتسما :
- ما اتأخرتش عليك دا الطريق
ومن ثم نظر إليها يرحب بها :
- آنسة أريچ مش كدة ، أنا سامر صاحب جاسر
اومأت له متوترة تتمسك بذراع جاسر خفية ، لينظر الأخير لها يطمأنها ، مد سامر له الحاسوب يخفض صوته قليلا يهمس له :
- أنا فتحتلك كل الملفات اللي عليه ، وشيلت الباسورد ودورت زي ما قولتلي ما لقتش عليه چيميل خالص ، على العموم من غير نقاش أنا معاك في أي خطوة بعد كدة
سحب جاسر الحاسوب من أمام سامر يضعه جواره يغمغم ساخرا :
- يا ابني هو أنا مخلفك وناسيك لازق في حياتي زي قنديل البحر ليه كدة
ضحك سامر بخفة قبل أن يجذب كوب القهوة من أمام ارتشف منه رشفة كبيرة لتتسع حدقتيه يبتلع ما رشفه بصعوبة يغمغم نافرا :
- لا إله إلا الله أنت بتعمل في نفسك كدة ليه ، ايه اللي أنا شربته دا ، دا العذاب الأليم
ومد يده سريعا يأخذ كوب العصير أمام أريچ يشرب ما فيه دفعة واحدة تنفس بعمق ينظر إليها يغمغم ممتنا :
- روحي إلهي تنستري دنيا وآخرة ، أخوكِ بيشرب المر حرفيا ، هطلبلك غيره والله
رفع يده يطلب النادل حين جاء الأخير نظر إليه سامر يغمغم :
- أربعة لمون نعناع لو سمحت
لكزه جاسر في ذراعه يغمغم ممتعضا :
- إحنا تلاتة بس يا اهطل
أشار سامر لنفسه يهمس منفعلا :
- يا عم أنا هشرب اتنين ، دا أنا محتاج تسعة عشان انسى المرارة دي
رحل النادل ليدق هاتف جاسر برقم مساعدته في العيادة استأذن منهم يتحرك لجانب بعيد يتحدث في الهاتف
شعرت أريچ بالارتباك الشديد حين تركها جاسر قبضت على كفي يدها تحاول عدم النظر للجالس أمامها الذي بدأ بالدق على سطح الطاولة بأطراف أصابعه يدندن لحن أغنية قديم ، إلى أن صمت فجاءة وسمعته يسألها :
- هو أنتِ في كلية ايه يا أريچ ؟
توترت كثيرا من طريقة سؤاله الاريحية وكأنه يعرفها منذ سنوات فيسأل هكذا بكل بساطة، حمحمت تهمس مرتبكة:
- في سنة تالتة كلية طب
لم ترِ الدهشة التي ارتسمت على قسمات وجهه
ابتسم يغمغم مدهوشا :
- واو شكلك فنون جميلة خالص ، أنا في صيدلية المفروض كنت اتخرج السنة دي بس مش هعرف يعني ، فهأجل للسنة الجاية
جاء صوت جاسر من خلفه يغمغم حانقا :
- برضوا مصمم تضيع السنة كلها ، أنا بنصح مين إذا كان أستاذة أريچ بردوا ناوية تعمل نفس الكلام ، هي تضيع سنة وأنت تضيع سنة برافو عليكوا ،ما انتوا لاقيين سنين العمر في أكياس شيبسي مش كدة
ضحك سامر في حين وقفت أريچ اقتربت منه تهمس متوترة :
- جاسر أنا عاوزة امشي
اومأ لها ليجذب جهاز الحاسوب يحمل حقيبته على كتفه يصافح سامر لف ذراعه حول كتفي أريچ التي بدت متوترة للغاية من وقوف سامر بالقرب منهم لذلك الحد :
- طب يا سامر هكلمك تاني بعدين ، وسلمي لي على والدك ، يلا يا روچا
وأمسك بكف يدها لتتحرك جواره لخارج المطعم لم يندهش سامر من حالتها بعد ما مرت به ، هو فقط شعر بالشفقة والحزن على حالها
جلست أريچ جوار جاسر في سيارته تمسك بكرة صغيرة تضعط عليها بعنف تحاول أن تهدأ تتنفس بعمق ، حديث سامر العفوي وطريقته الضاحكة ذكرها بعمار ، هي انجذبت لعمار لأجل حديثه العفوي وطريقته الضاحكة دائما ، سامر نسخة من أخرى من عمار ربما ! ، ضغطت على الكرة في يديها بعنف لن تسمح لنفسها بأن تكن فريسة صائغة من جديد ، راقب جاسر جيدا ما يظهر على وجهها من إنفعالات دون أن يتدخل تركها تفرغ تلك الشحنة السيئة التي اعتمرت داخلها بمفردها ، وصلت السيارة للمنزل ما أن وصلا أمام باب الشقة وقبل أن يفتحه جاسر فُتح باب الشقة المقابلة لهم وظهرت مليكة حمحمت تردف :
- دكتور جاسر ، والدة حضرتك هنا مستنياكوا من بدري ، مدام نرمين دكتور جاسر وصل
توسعت حدقتي أريچ لتمسك المفتاح من يد جاسر فتحت الباب سريعا تهرع إلى غرفتها تغلق بابها عليها ، تنهد جاسر بعنف يمسح وجهه بكف يده ، رد فعل أريچ متوقع والمتوقع منها فعل الكثير ... خرجت والدته تبتسم في وجه مليكة تصافحها ليبتسم ساخرا ، ربما لو علمت أن تلك الفتاة التي تشكرها بحرارة هي حفيدة صبري ما فعلت ذلك أبدا ، تحركت نرمين إليه ليفسح لها المجال لتدخل ، دخلت هي ليغلق الباب دون أن يعاود النظر صوب مليكة مما جعل حدقتيها تتسع ذهولا ، أغلقت الباب غاضبة تحركت صوب صالة منزلهم رأت زينب تجلس هناك لتقترب منها تصيح حانقة :
- شوفتي الحيوان بقى إحنا مقعدين أمه عندنا بقالها ساعتين وعصير وشاي وكيكة وفي الآخر يقفل الباب في وشي ، دا مش دكتور نفسي دا دكتور بهايم
وضعت زينب يدها على فمها تخفي ضحكاتها حتى لا تغضب مليكة أكثر ، حمحمت تحاول الدفاع عنه :
- هتلاقيه ما خدش باله يا مليكة ، وبعدين دكتور جاسر شاطر ما تنكريش دا ، أنا لولاه كان زماني انتحرت ربنا بعته ليا نجدة ، أنتِ عارفة أنا المفروض ابقى حزينة أن بابا وماما اتطلقوا بس لاء أنا سعيدة جداا ، بابا عرف يحتويني ويطمني ، وفركش جوازتي بابن أخوها وضرب الحيوان اللي كان بيتحرش بيا علقة موت ، كل دا بفضل ربنا ومساعدة جاسر ليا ، أنا عايشة حياتي وعارفة أفرح وأعبر عن سعادتي وغضبي ورفضي ، مش خايفة ومرعوبة من كل حاجة
زينب محقة لا يمكن أن تنكر ، شتان ما بين الفتاة التي رأتها حين جاءت لهنا أول مرة والفتاة الجالسة أمامها الآن ، شردت عينيها في كلمات جاسر بأن تصارحه ربما يستطيع مساعدتها ولكنها لا تستطيع ، تكن إليه مشاعر إعجاب ولا تريده أن يراها كمريضة ، لا تريد أن ينكشف السر أمامه ، لا تريده أن يشعر بالاشمئزاز منها !!
أما أمامهم في شقة جاسر
جلست نرمين في صالة المنزل على إحدى الارائك وجاسر أمامها ، سألته ما إن دخلت دون مقدمات :
- اومال أريچ فين ؟
اضجع إلى ظهر مقعده يكتف ذراعيه أمامه يعطيها ابتسامة صفراء:
- في أوضتها ، خير ما اعتقدش لحقت أوحشك وأنا كنت لسه عندكوا من كام ساعة
وقفت نرمين من مكانها تحادثه محتدة :
- جاسر أنا مش جيالك أصلا ، أنا جاية اشوف أريچ
وقف أمامها احتدت مقلتيها يهمس بنبرة قاسية :
- ولو قولتلك أن أريچ مش عاوزة تشوفك ؟
شخصت عيني نرمين ، أصفر وجهها أثر ما قال قبل أن تحتد نبرتها تصرخ فيه :
- أنت بتقول ايه ، أريچ إنتِ فين ، أريچ
فُتح باب غرفة أريچ وخرجت ، اقتربت نرمين منها تود عناقها لتدفعها الأخيرة تتراجع للخلف تنظر إليها محتدة نافرة ، لتتمتم نرمين مذهولة :
- أريچ أنتِ بتبعدي عني ، أريچ إزاي ما تقوليليش إن مصطفى كان بيتحرش بيكِ ، وإزاي اصلا تفتكري أن أنا مش هصدقك ، أنا أمك ... أكتر واحدة تخاف عليكِ
حركت أريچ رأسها للجانبين بعنف وكأنها ترفض ما تقول ، جسدها ينتفض بعنف دموعها بدأت بالهطول دون سابق إنذار رفعت يدها تشير إليها تصرخ من أعماق روحٍ تهشمت :
- لاء ، أنتِ السبب في كل اللي أنا فيه ، أنتِ السبب ، أنا بسببك بخاف أعمل اي ، بخاف أشتري حاجة ما تعجبكيش فتقوليلي ايه أريچ القرف دا ما تشتريش أنتِ أنا هشتريلك ، وبعدين أنتِ إزاي اصلا تخرجي وأنا مش معاكِ
آخر مرة يا أريچ ما تتكررش ، من وأنا صغيرة وأنتِ لفة حوليا سور بتبعديني عن كل صحابي زيي زي أي طفلة عايزة أصحاب ، أنا كبرت وما عنديش صاحبة واحدة في حياتي ، والمصيبة الأكبر لما كبرت شوية منعتيني حتى اني أروح المدرسة ولا الدروس لوحدي ، لازم تكوني معايا وتستنيني لما أخلص ، ولو شوفتيني بكلم أي بنت زميلتي تزعلي كنتي بتبزي مشاعري عشان أفضل أقول حاضر ، أنا بسبب بقيت بخاف أعمل اي حاجة ، عندي مشاعر كتير انتي سجناها وللأسف بتروح الأشخاص الغلط ، بقيت شخص اهبل ساذج سهل يتضحك عليه ، أنتِ دمرتيني تحت بند أنك بتحافظي عليا ، بتحافظي عليا من ايه من الدنيا ، من اني أعيش
واقتربت بخطواتها منها لتصرخ فيها بحرقة :
- أنتِ كنتي بتعملي كدة ليه، ردي عليا ، ليه عاوزاني دايما عايشة في سجن ، ليه بتحبي سما أكتر وجاسر أكتر مني ، ليه هما مسموح ليهم كل حاجة وأنا ممنوع عني أي حاجة ، ابعدي عني أنا مش عاوزة اشوفك تاني
وهرعت إلى غرفتها تصفع الباب عليها توصده بالمفتاح من المفتاح من الداخل ، تاركة نرمين متجمدة مكانها عينيها متسعتين حتى آخرهما ، وجهها شاحب عينيها ترتد بعنف ، نظرت صوب جاسر مدهوشة لسانها يعجز عن النطق بحرفٍ واحد ، وجاسر يقف صامتا يراقب والدته دون أن ينطق بحرف ، تلك المواجهة ما كان يخشى
انفجار أريچ كان أشبه بقنبلة سيُسحب فتيلها في اي لحظة ، تحرك صوب والدته يود قول شيئا حين سمعها تهمس بنبرة ترتعش :
- أنا كنت خايفة عليها ، كنت خايفة أوي عليها ، ما كنتش عاوزها تتأذي ، ما كنتش عاوزة حد يضحك عليها ، أنا غلطت أوي كدة إني كنت خايفة عليها !
حرك رأسه للجانبين ليقترب منها أكثر يهمس مترفقا :
- لاء ، بس خوف عن خوف يفرق ... من حقك تخافي وتحذريها من الغلط وأنها تاخد بالها ، وفي نفس الوقت تديها المساحة أنها تغلط وتتعلم ، ما فيش حاجة في الدنيا اسمها مش هتتأذي إحنا مش في الجنة ، فاكرة مسرحية سك على بناتك ، فؤاد المهندس لخص معاملة الأهل مع بناتهم في جملة واحدة ، لازم نسك على بناتنا بس نديهم المفتاح ، نعرفهم الصح من الغلط ونديهم الأمان عشان من حق كل إنسان أنه يغلط مرة واتنين وتلاتة عشان يتعلم من غلطه ويعرف الصح ، اومال ليه في جنة ونار ... ما هو لو ما حدش هيغلط خلاص الكل على الجنة
وأنا آسف في اللي هقوله بس أنتِ طمستي ثقة أريچ في نفسها تماما ، كبتي جواها كل المشاعر الصداقة والثقة والحرية والحب ، خليتها ورقة بيضا كل واحد يخبط فيها هيلونها بلونه وهي لا حول ليها ولا قوة ، مش عارفة تميز بين الأبيض والأسود والرمادي
حركت رأسها بالإيجاب تتساقط دموعها بعنف فعلت كل ذلك خوفا عليها ، من أن تقع فريسة مثلها لوغد دنئ مثل صبري ، جاسر عرى الحقيقة التي سترتها لسنوات تحت عناق خوفها ، والآن أريچ فقط من تعاني بسببها ، سمعت كثيرا عن مدى براعة ولدها في مجاله والآن ترى ذلك فببعض كلمات فقط ، أخرج كل ما أخفت ، حمحم مرتبكا يحاول أن يقول شيئا إيجابيا :
- بس أريچ بتتقدم بسرعة صدقيني ، بتتعلم السواقة وبتتعلم كارتية في نادي قريب من هنا ، وخليتها تجيب القطة اللي أنا كنت مانع أنها تيجي ، وبقى ليها صديقة مليكة جارتنا اللي قدامنا اللي كنتي عندها ، ما تقلقيش عليها
ترنحت نرمين في وقفتها تشعر بالدوار ليهرع جاسر إليها يسندها قبل أن تقع يغمغم قلقا :
- مالك يا ماما ، تعالي اقعدي ، تعالي
أسندها إلى أقرب مقعد جلست هناك ليجلب كوب من الماء أعطاها إليها لترتشف القليل ، جلس أمامها على ركبتيه أرضا يهمس قلقا :
- مالك حاسة بايه ، تعالي اوديكِ مستشفى
حركت رأسها ترفض ما يقول ، رفعت يديها تمسح دموعها تربط على كف يدها تهمس بصوت شاحب :
- لاء مالوش لازمة ، أنت عندك حق أنا غلطت أوي في حقها ، بس أنا كنت خايفة عليها ... الدنيا فيها ناس مؤذية أوي يا جاسر ، أنا ما كنتش أعرف أن خوفي هيوصلها للدرجة دي
اقتربت بجسدها من جاسر تمسك يديه تهمس تتوسله :
- جاسر بلاش عشان خاطري أنا ، عشان خاطرها هي خليك جنبها وخليها تعمل كل اللي منعتها عنه ، وعشان خاطري خليها تسامحني ، أنا غلطت غصب عني
ابتسم رفع يده يربط على يد والدته يطمأنها :
- ما تقلقيش شهرين وهرجعهالك فان ديزل ، كلنا بنغلط المهم ما نكررش الغلط ، ولا نبدله بغلط تاني ، ولا ايه
فهمت إلى ما يرمي لتبتسم تسخر من حالها ، باتت مثيرة للشفقة بشكل مبالغ فيه جاسر يتحدث عن سما لتسمعه يردف :
- ماما أنا عارف أنك بتحبي سما ، وأنك أبدا مش عيزاها تحس بأي فرق في المعاملة ، بس مش لدرجة أنك تعاونيها في الغلط ، سما ما ينفعش ترجع لمصطفى دا كان بيتحرش بأريچ ، اقولك الكبيرة بقى هددها أنه هيغتصبها لو ما وافقتش تعمل معاه علاقة من وراكوا ، وقالها ما حدش هيصدقك ، شوفتي بقى هو وسخ قد ايه
شهقت نرمين مذعورة تضع يديها على فمها ، ابنتها عانت الأمرين من ذلك الوغد وهي كانت تراه الحمل الوديع ، قبضت يديها تهمس غاضبة :
- الحيوان قسما بالله لو شوفته لأطلع روحه في أيدي
_____________
في شركة عاصم تحديدا في غرفة الاجتماعات بعد اجتماع دام ثلاث ساعات وقف نصار ومعه عمار بعد أن زيف اسمه فأصبح عمر ، اقترب نصار من عاصم يصافحه يغمغم بنبرة لبقة :
- كدة عمر إبني شرح لحضرتك كل نشاط الشركة والمشروع اللي حابب نكون شركا فيه وهستنى رأيك يا عاصم بيه
ابتسم عاصم يصافحه ، في حين اقترب عمار من شقيقه يهمس له خفية ساخرا :
- زوز حبيب أخوك ، تقنع عاصم أنه يوافق على الصفقة ، بس تعرف أنت شبهه يمكن أكتر مني ، أنا مش شبهه خالص ، شبه الحرباية أمك ، اوعى يا حبيبي الدم يحن دلوقتي ، الصفقة دي لو ما تمتش مش هعرف احميك من نصار
نظر زين إلى شقيقه لعدة لحظات يعاتبه على ما يفعل قبل أن يشيح بوجهه بعيدا عنه ، رحل نصار ومعه عمار إلى الخارج في طريقهم ارتطم عمار في حسين لينظر إليه يغمغم حانقا :
- مش تفتح يا أعمى
وقف حسين مكانه أعصابه على وشك الإنفجار خاصة بعدما حدث اليوم ليقبض على تلابيب ثياب عمار يحادثه :
- هو مين دا اللي أعمى يا حيوان ، أنا مش ناقص قرف غور من وشي
احتدت عيني عمار غضبا خاصة حين دفعه حسين بعيدا عنه ليمد يده في جيب سترته يود أن يخرج سلاحه ليقبض نصار على يده يهمس ساخرا :
- هتقتل أخوك ، اهدا يا عمار .. هخليك تقتله بس مش دلوقتي يلا بينا
أعاد عمار سلاحه غاضبا ينظر لحسين الواقف بعيدا محتدا ، ذلك إذا هو شقيقه ... أحمق يستحق القتل مثله مثل البقية
دخل حسين إلى الشركة يتوجه إلى غرفة الاجتماعات ليسمع صوت زين يحادث والده :
- يا عاصم باشا ، الصفقة دي مش مضمونة ، وبعدين الشركة كانت خسرانة وفجاءة نجحت من الهوا ما يمكن واخدين المقاولات والهندسة ستار لعمل غير شريف ، أنا مش مطمن
دخل حسين إلى الغرفة لينظر عاصم له ممتعضا يردف ساخرا :
- اهلا بالبيه اللي ييمشي بمزاجه ويرجع بمزاجه ، وايه الجرح دا كنت بتتخانق ولا ايه ، حالك مش عاجبني ، كل يوم والتاني أنيل من الأول فيك اي يا حسين
نظر حسين لوالده متعبا قبل أن يطلب من زين إن ينتظرهم بالخارج ، اومأ زين تحرك ليخرج ينظر لحسين نادما قبل أن يجذب الباب يغلقه ، التفت عاصم لولده يغمغم :
- غلبان الواد دا شكله ، مالك بقى يا بيه
______________
وقفت السيارة في حديقة المنزل لينزل منها يوسف ومن ثم مريم تساعد ملاك ، قبل أن يدخلا للمنزل هرعت رؤى ومعها طرب للخارج يسألونهم ما يزيد عن مئة سؤال في دقيقة؛ ليصيح يوسف يوقفهم :
- بسسسس صلوا على النبي ، ادونا فرصة نتكلم ، الحمد لله الإمتحان كان كويس ، وكل واحد فينا حل كويس ونقفل باب الإمتحان دا ونركز في اللي جاي ، الغدا يا ماما بالله عليكِ جعانين أوي
استأذنت ملاك منهم لتظل في الحديقة إلى أن ينتهي الغداء في حين تحركوا جميعا للداخل عدا يوسف الذي عاد أدراجه للحديقة ، اقترب منها يجلس على مقعد مقابل لها يسألها قلقا :
- مالك يا ملاك ؟ أنتِ ما حلتيش كويس ولا ايه ، بقالك كام يوم بتتهربي مني ليه ؟
حركت ملاك رأسه صوبه ترميه بنظرة حادة تهمس له حانقة دون مقدمات :
- وأنت حللت الحاجة لنفسك وحرمتها على أختك وضربتها ليه ، من قبل ما تعرف إني أخت مرات أخوك وأنا وأنت كنا بنتكلم بالساعات كل ليلة ، ولما عرفت أن أختك بتكلم ابن خالك هزقتها وضربتها ، وضربت مراد ... يعني هو الكلام حلال ليك وحرام ليها الحلال بيبقى للكل وكذلك الحرام ، تعرف يا يوسف أنا مش عايزة أعرفك تاني خالص ، كل اللي بينا خلص خلاص عن إذنك
وتحركت بمقعدها المتحرك تاركة إياه ينظر في أثرها غاضبا يقبض كف يده ، أما بالداخل فصعدت مريم إلى غرفتها تخبرهم بأنها ليست جائعة لتنظر رؤى إلى طرب :
- طرب معلش يا حبيبتي خلي بس البنات اللي المطبخ يحطوا الاكل على ما أشوف مريم
اومأت لها تبتسم ؛ لتتحرك رؤى إلى أعلى حيث غرفة ابنتها مريم دقت الباب قبل أن تدخل رأتها تجلس على برأسها حزينة تمسك نظارتها في يدها تمسح دموعها ، اقتربت رؤى تجلس أمامها على الفراش تبتسم ، مدت يدها تمسك بذقن مريم ترفع وجهها إليها تهمس :
- كنتي بتعيطي ما تخبيش دموعك
انسابت الدموع من عيني مريم لتقترب رؤى منها تضمها لأحضانها تمسح على رأسها برفق تهمس مترفقة :
- مالك يا حبيبتي ، ما حلتيش كويس في الإمتحان مش مهم فداكِ ، تعوضي في اللي جاي
حركت رأسها للجانبين لتبعدها رؤى هنا تنظر لها تبتسم :
- عشان مراد ؟
توسعت عيني مريم ذهولا ، لتمد رؤى يدها تمسح الدموع عن وجه ابنتها تردف ضاحكة :
- باينة أوي على فكرة ، هو أنتِ فكراني عبيطة عشان أصدق أنه بيجي عندنا كل يوم الصبح عشان بيحب الاومليت اللي أنا بعمله ، حصل ايه وأنا اوعدك أن ما فيش اي حد في الدنيا هيعرف ، تحبي احلفلك لو عاوزة
حركت رأسها للجانبين تمسح ما تبقى من دموعها اخفضت رأسها أرضا تهمس مرتبكة:
- بس مش هتزعلي مني ؟
- لا يا حبيبتي مش هزعل ، دا أنتي مريومتي حبيبتي ، ازعل منك بردوا
اردفت بها رؤى بحنو تسرح خصلات شعر ابنتها بيديها برفق قبل أن ترفع مريم رأسها قليلا ابتلعت لعابها تقص عليها ما حدث منذ أن ذهبت مع مراد إلى أحد المقاهي نهاية بما فعله يوسف ، كانت تراقب خائفة تعابير وجه والدتها وهي تقص عليها ما حدث ، ورؤى عملت جيدا على ألا تغير ابتسامتها إلى أن انتهت لتحادثها رؤى بنبرة حازمة :
- بصيلي يا مريم
رفعت وجهها تنظر إلى والدتها مرتبكة تضم كفيها ، ظهر على وجه رؤى عدم الرضا بما سمعت كتفت ذراعيها تحادثها بنبرة حازمة :
- مريم أنتِ غلطتي ، مش عشان حبيتي مراد
عشان ما قولتليش بعد ما خرجتوا أول مرة ، وطاوعتيه واتكلموا سرقة زي الحرامية في انصاص الليالي ، وحطيتي نفسك في موضع شبهه مرة قدام رعد ومرة قدام يوسف ، وغلطك الأكبر منه ، انك شايفة نفسك وحشة
قومي معايا
قامت تجذب يد ابنتها اوقفتها أمام مرآتها تضع النظارة على عينيها وقف خلفها تهمس مترفقة :
- ممكن تقوليلي أنتِ وحشة ليه يا مريم ؟ مناخيرك بتلت فتحات مثلا ، عشان النضارة طب دي مخلياكِ مميزة وبعدين شكلها فيكِ جميل أوي ، مريم أنتِ جميلة وأنا قولتلك الكلام دا 100 مرة ، ربنا ما خلقش حد وحش
أنا مش فاهمة ايه النضارة اللي عملالك أزمة دي ، طب والله جميلة فيكِ ، ومن غير النضارة
مريم حلوة بشكلها وروحها وقلبها ، مريم جميلة ، مريم بس لو تبطل تقارن نفسها بالممثلات والموديل ، وتعرف أنها حلوة هترتاح
نظرت مريم لوالدتها مدهوشة لتضحك الأخيرة تردف :
- بشوفك وأنتِ بتبصي عليهم يا فالحة ، مريم يا حبيبتي مش عايزة اي أحد في الدنيا يقلل من جمالك وثقتك حتى أنتِ ما تحاربيش نفسك يا مريم
ابتسمت مريم تؤنب نفسها ليتها أخبرت والدتها منذ البداية اقتربت منها تحتضنها بقوة لتبتسم رؤى تمسح على رأسها برفق تردف حانقة :
- بس لما أشوفه ابن عاصم أما طافحته البيض اللي جاي عامله كوبري ، وبعدين هخليه يجبب أبوه ويجي يتقدموا بعد ما تخلصوا امتحانات ، بقى الحمار سقط نفسه عشان تبقوا مع بعض في نفس السنة ، عاصم لو عرف هيبيعوا أعضاء في السوق السودا على رأي أبوكِ
أبعدت مريم عنها تربت على وجنتها تردف مبتسمة :
- يلا عشان نتغدا ، أما أروح أشوف ابوكي فين ، بقاله ساعة بيقولي جاي في الطريق أنا وچوري
______________
في منزل عمرو وروان تحديدا في غرفة مرام
جلست على سطح فراشها تتابع بسعادة اعداد المتابعين وهي تزداد بشكل سريع تشعر بالسعادة تملئ كيانها من كونها باتت معروفة بذلك الشكل ، في خضم ما يحدث وقعت عينيها على خاتم خطبتها من شريف في إصبع يدها ... لتطرق في رأسها فكرة ستجعلها حديث الكثيرين الآن ، فتحت صفحتها الخاصة على أحد مواقع التواصل لتحدث حالتها بعدة جمل ( single ، الحمد لله على كل حال) ، ما أن نشرتها توالت التعليقات ما بين الدهشة والمواساة لتبتسم سعيدة التفاعل ضرب كالبرق في لحظات معدودة ، مرت لحظتين لتجد رسالة من أحد الصفحات الكبيرة
( مساء الأخير يا آنسة مرام إحنا شوفنا الحالة اللي حضرتك منزلاها وحقيقي زعلنا جداا ، أنا بس بستأذن حضرتك لو اقدر أنزلها عندنا )
وافقت ، وبعد دقيقة وجدت صورة هي وشريف من مئات الصور التي كانت ترفعهم على مواقع التواصل دون رضاه جوارها صورة الحالة التي نشرتها منذ دقائق فوقهم عبارة حزينة
( الحياة بقت مرعبة بجد ، انتوا لسه بحد بتأمنوا بالحب )
وفي لحظات انتشرت الصور كالنار في الهشيم وتوالت التعليقات تواسيها
أما في غرفة جواد المجاورة لها كان يجلس يفتح حاسوبه المحمول أمامه ، يشاهد صور نور التي كان يلتقطها لها خفية حين يذهب لمنزل اماندا لم يتبقِ سوى ساعات معدودة وستصبح بين ذراعيه زوجة له وحبيبة ، أمسك هاتفه يطلب رقم ليان يحادثه بنبرة لطيفة رغما عنه :
- ايوة يا حبيبتي عاملة ايه وحشتيني ، بكرة أنا هجيلك في مول ***** ، وزي ما قولتلك خدي البنت اللي اسمها نور معاكِ كأنكوا رايحين تجيبوا حاجات ، ماشي يا حبيبتي مستني بكرة بفارغ الصبر ، سلام يا روحي
أغلق الخط يتأفف حانقا :
- فاضل بكرة وأخلص من تلزيقك خالص ،دا أنا مستحملك بالعافية
______________
في صباح اليوم التالي قرابة السادسة صباحا استيقظت من نومها الذي بات شبه مستحيلا مع كثرة الأحلام المتداخلة ، والتفكير ليل نهار
تحركت من فراشها إلى الخارج أخذت طبق طعام كبير من الطعام الذي تتركه السيدة صفاء لتطعم الدجاج وضعت الحجاب فوق رأسها وصعدت لسطح المنزل ، إلى عشة الدجاج الصغيرة بدأت تنثر حبوب الطعام عليهم تراقبهم وهم يأكلون تنظر لأفراخ الدجاج الصفراء الصغيرة وهي تأكل تبتسم شاردة ، سمعت صوت حمحمة لتنظر خلفها سريعا رأته هناك يجلس عند بعيدا لذلك لم تره ، قام من مكانه اقترب منها يقف على بعد خطوات منها حمحم يهمس مبتسما :
- صباح الخير
ارتبكت تعد عدة خطوات للخلف تهمس متوترة :
- صباح النور ، أنا آسفة ما كنتش أعرف أنك هنا ، عن إذنك
وقف أمامها سريعا قبل أن ترحل يهمس متعجلا :
- استني يا فاطمة أنا عاوز اتكلم معاكِ ، دقيقتين بالظبط
ابتلعت لعابها مرتبكة تومأ برأسها ، ليتنفس هو بعمق يحاول أن يرتب ما سيقول فلم يجد أصدق من أن يخبرها بما يكن لها قلبه منذ سنوات :
- من سنين طويلة من قبل ما أسافر يا فاطمة وأنا قلبي بيحب بنت الجيران ، اتعلق بيها وحلمت بحياتي الجاية معاها وفضل الحلم دا جوايا محافظ عليه ، بيكبر يوم بعد يوم ، سافرت عشان أنتي عارفة فرص الشغل والمرتبات هنا عاملة إزاي ، كنت شاب طموح بقى وقولت هبقى مليونير وارجع اتجوزها واحققلها كل اللي نفسها فيه ، بس للأسف دا ما حصلش لا بقيت مليونير ولا عرفت احقق الحلم ، فاطمة أنا بحبك ومش مكسوف أقول كدة ، أنا هبقى مكسوف بجد لو وافقتي تتجوزيني غصب عنك ، مش معني إني بحبك أنك لازم تحبيني يا فاطمة ، وما تخليش لا عاصم ولا جاسر يأثروا على رأيك أنا مش هبقى مبسوط أبدا وأنتِ عايشة معايا تحت سقف واحد غصب عنك ، دا بس اللي كنت عاوز اقولو ليكِ ... عن إذنك
وتحرك من أمامها ينزل درجات السلم لأسفل ووقفت هي متجمدة مكانها يديها باردة كالثلج وقلبها يُشْعِل نيران الحرب
________________
في منزل جاسر مهران قرابة الساعة استيقظت رؤى موعد دواء چوري ، نزلت للمطبخ تعد لها الحساء لتأكل القليل قبل الدواء ، چوري العنيدة جاسر أخبرها بالأمس أنها أصرت على الذهاب إلى موقع البناء ووقفت تحت الشمس فاشتعلت حرارتها من جديد ، منذ الأمس وهي نائمة عليها أن تطمأن عليها ، حملت صينية الحساء بين يديها تصعد بها لأعلى، قابلت جاسر في منتصف الطريق لتحادثه :
- أنا قلقانة أوي على چوري يا جاسر ، كانت اتحسنت وبقت كويسة ، وامبارح طول الليل تخرف ، بس الحمد لله حرارتها ما عليتش تاني ، أنا هدخل اصحيها تاكل عشان تاخد العلاج ، ومش هخليها تروح الشغل وأنت ترفض معايا
اومأ جاسر لها فتحت باب غرفة چوري ، تنظر لوجهها الشاحب حزينة اقتربت منها تضع الصينية على الطاولة جوارهم توقظها برفق :
- چوري قومي يا حبيبتي عشان تاخدي العلاج ، قومي يلا
فتحت عينيها شيئا فشئ تشعر بصداع بشع يطرق رأسها اسندتها رؤى لتقف من الفراش شبه تترنح توجهت إلى المرحاض تغسل وجهها وهي شبه واعية لما تفعل ، عادت لفراشها من جديد لتضع والدتها صينية الطعام على قدميها ، اقتطعت قطعة صغيرة من الدجاجة أمامها تقربها من فم چوري :
- كلي يا حبيبتي عشان تاخدي العلاج
رائحة الدجاج ضربت أنفها ، تشعر بها مقززة للغاية ... دفعت يد والدتها تضع يدها على فمها تشعر برغبة ملحة في التقيء :
- ابعديها مش طايقة ريحتها
قطبت رؤى جبينها متعجبة مما فعلت لتضع القطعة وتقتطع قطعة أخرى تقربها منها :
- مالها يا حبيبتي ، أنتِ بتحبي الفراخ ،وبعدين أنا اللي عملهالك نضيفة والله ، كلي بس
ضربت الرائحة انفها من جديد لم تعد تستطع التحمل مالت بجسدها إلى الأرض تتقيء بعنف ورؤى تصرخ مذعورة عليها ، وجاسر متجمد مكانه وجهه شاحب يدعو ألا يكن ما يفكر فيه صحيحا