رواية ميراث العشق والدموع الفصل العشرون 20 بقلم رضوى جاويش


رواية ميراث العشق والدموع الفصل العشرون بقلم رضوى جاويش 

-اسمك الرباعى .. وسنك !!؟.. سأل وكيل النيابة فى جدية 

اجاب زكريا فى حروف مترددة مرتجفة .. فهو عندما يتعرض لضغط ما ترتجف حروفه ويتلعثم :- زكريا غسان صادج الهوارى .. سنى ٣٢سنة.. 

-تعرف ايه عن اللى حصل ساعة الحادثة ..!!؟.. 

-واد عمى عاصم .. طلع بالكارتة چرى وجالى خليك عشان ارچع الحاچة فضيلة امه من عند نسايبهم.. لكن انا چريت ورا الكارتة .. ونزلت اداريت لما بدأت تهدى وفچأة وجفت الكارتة وسمعت ضرب نار ..ورد عاصم بسلاحه بس اللى ضربه عرف يطوله .. فصابه وهرب .. وانا جريت عليه ..واتصلت بنسايبه عشان يلحجوه.. هو ده اللى حُصل يا باشا

سأل وكيل النيابة فى اهتمام :- انت اتعرفت على شخصية القاتل ..!!؟.. يعنى عرفت هو مين ..!؟.. 

اومأ زكريا بالإيجاب مما دفع وكيل النيابة لسؤاله فى لهفة :- هو مين .!؟ 

تلعثم زكريا بشكل واضح وهو يجيب بتردد:- سليم أخوى ..

-أخوك !!؟.. سأل وكيل النيابة فى تعجب مستطردا .. وليه يعمل كده فى بن عمه .. !!؟.. 

-دى حكاية طويلة يا بيه .. لو عندك وجت اجولهالك.. !!؟..

جلس وكيل النيابة فى إنصات وهو يدعو زكريا .. ليقص عليه القصة منذ البداية .. دون ان يغفل اى تفاصيل .. مهما كانت بسيطة .. 

      ******************

ما كل تلك الأحلام الذى راودته فى نعاسه.. احلام وخيالات كلها تنصب عليها .. فهى تحتله كليا .. تحتله حد غزو احلامه .. فلا تكون الا متمركزة حول محياها .. 

رفرف بأهدابه وهو يشعر بثقل عجيب يجثم على قدميه و دفء عجيب يشمل كفه الأيسر .. 

فتح عينيه الان على اتساعهما وهو يراها منكمشة على نفسها تمد كفها تضعها فى احضان كفه الأيسر .. ورأسها تلقيها على قدميه.. وشعرها المبعثر فى فوضى تغطى بعض خصلاته ملامح وجهها ...

رفع كفه عن كفها فى حذّر ولانت قسمات وجهه وهو يمد يده يحمل تلك الخصلات بعيدا عن محياها.. لتنكشف ملامح وجهها الصبوح .. شعرت هى بلمساته فأستيقظت دون ان تفتح عينيها تمتع روحها بلمساته الحانية بديلا عن جفائه المشروع معها فى الأيام الماضية ..

اذن ما رَآه فى احلامه .. كان حقيقة .. كان الالم يعتصره 

يتأوه ... ويتأوه .. احضرت هى الطبيب بعد ان استيقظت فى فزع عندما ادركت مسامعها تأوهاته..أعطاه الطبيب مسكنا قويا .. وجلست هى تحت أقدامه .. ليستيقظ فيجدها على هذه الحالة الرائعة .. ليتطلع لملامحها الناعسة بحبور هامسا فى نفسه .. يا له من صباح رائع ..!!.. فتحت فجأة عينيها.. لتتوقف كفه فى منتصف طريقها مبتعدة عن خصلاتها التى كانت تمسدها ويصطدم بنظراتها المفعمة بالبسمة وهى تقول :-صباح الخير.. 

استفاق من صدمته سريعا ليحول نظراته عنها مضطربا وهو يقول فى صوت أبح:- صباح النور.. ليستطرد ...واضح انى تعبتك امبارح .. !!؟.. 

نهضت فى تثاقل وابتسامتها وشعرها الغجرى يثير جنونه .. ولا تعب ولا حاجة .. المهم انك بخير الحمد لله

واستطردت .. اكيد انت جعان .. 

كان يتضور جوعا بالفعل لكنه قال :- مش جوووى ..

لتهتف هى فى جزل :- استنى ..هعمل لك كباية شاى بالحليب .. ومعاها فايش جابته الحجة امبارح... لحد ما يجى فطار المستشفى اللى ملوش لازمة ده ..

لم يستطع ان يدارى ضحكاته فابتسم هاتفاً فى سخرية :- شايف انك بجيتى بتحبى اكل الصعيد اها .. الله يرحم يوم ما جبنالك الداكتور بسببه يوم الصباحية .. 

انفجرت ضاحكة مما جلب له المزيد من السعادة وهى تقول :- انا متعبتش من الأكل .. انا تعبت من الكمية اللى انت اكلتهالى ...كل اما اقولك شبعت .. تزغرلى وتقولى كولى.. وانا بصراحة كنت عايزة اتقى شرك .. والليلة تعدى على خير .. واستمرت ضحكاتها على عكسه تماما .. فقد انقلبت ضحكاته لوجوم مما استرعى انتباهها لتستدير لمواجهته.. فيسألها فى صدق :- هو انا كنت جاسى جووى كِده ..!؟؟..

صدمها سؤاله الذى لم تتوقع ابدا ان يخطر بباله ويطرحه على مسامعها فى يوم ما .. حتى انها احتارت بما تجيب .. 

لكنها اجابت :- عايز الصراحة .. كنت بكرهك ساعتها .. 

سأل بلهفة :- طب ودلوجت ..!!؟.. 

انفجرت ضاحكة وهى تقول :-دلوجت تفتح بقك وتاكل دى .. ووضعت قطعة من المخبوزات الصعيدية المسماه بالفايش فى فمه .. فعقد ما بين حاجبيه فى غيظ .. و ضحكاتها تعلو لمرأى محياه العابس

      *****************

دخل كل من نبيل وندى والدكتور ناجى لحجرة المشفى لتوديع عاصم .. قبل سفرهم للقاهرة بعد ان اطمأنوا عليه

-الحمد لله انك قمت بالسلامة .. هتف الدكتور ناجى .. وهو يربت على كف عاصم فى حنو غير معهود من جانبه تجاهه .. 

ابتسم عاصم فى حبور :- تسلم يا داكتور .. ربنا يخليك 

وتوجه بحديثه لنبيل قائلا بإمتنان :- بتشكرك يا داكتور نبيل .. لولاك مكنتش عارف هبجى فين دلوجت !؟

ابتسم نبيل ابتسامته الهادئة المعتادة معدلا نظارته الطبية على عينيه وهو يقول :- شكر ايه بس .. احنا اهل و مفيش بينا الكلام ده .. وبعدين انا معملتش حاجة .. زهرة اللى قامت بالواجب كله تقريبا .. ومكنتش عايزة حد غيرها يتبرع لك بالدم .. 

انفجر الجميع ضاحكين ليردف مبتسما بدوره :- انا خدت مكانها بالعافية لما الدكاترة خافوا عليها .. 

لم يكن عاصم على علم بذلك .. اذن هى من أعطت له من دمها .. وهبت

له حياة جديدة .. اصبح دمها يجرى بأوردته وشرايينه... اما كفاها انها تحتل روحه وتغزو مخيلته ليل نهار حتى يتدفق دمها بين كل نبضة من نبضات قلبه معلنا انه لها .. وانها مليكة ذلك الخافق بلا منازع .. كان ينظر اليها الان .. وكأن ما من احد فى الكون بخلافهما.. حتى ان الدكتور ناجى ابتسم بحبور وهو يهتف مخرجا عاصم من شروده فى محياها :- طب احنا جينا نسلم عليكم قبل ما نسافر .. وترجعوا بيتكم بالسلامة

قال كلمته الاخيرة وهو يغمر بطرف عينه لإبنته زهرة التى كسى الخجل وجنتيها بلون احمر قان وعلا وجهها ابتسامة محببة وهى تقبل ابيها مودعة وتشكر نبيل فى امتنان حقيقى .. وتحتضن اختها ندى التى تمنت لو انها قضت معها فترة أطول قبل ان تتداعى الأحداث بهذا الشكل .. 

رحل الجميع فى سعادة .. وكلمات ابيها على باب الغرفة والتى ألقاها على مسامعها وهى تودعه ترن بعقلها 

وتستقر بقلبها .. 

" يوم ما روحت لأهل امك عشان أتقدم لها مرة واتنين وتلاتة وانا عارف انى هترفض .. مكنش استقلال بكرامتى .. كان حب وتقدير ليها لأخر لحظة .. وهو ده اللى عمله جوزك .. جه لحد عندى .. عشان يرد لك كرامتك اللى هو جرحها بعملته .. عايز يصلح غلطه من غير ما يفقدك.. عارف ان ده اللى ممكن يرجعك ليه 

حسسيه انك مقدرة اللى عمله وساعتها .. عمره ما هيقدر على بعدك .. وهاتفضل كرامتك متصانة معاه دايما"....

       **************

صرخت الحاجة رتيبة فى ابنتها سمية بغضب بعد ان داهمت الشرطة دارهم يبحثون عن سليم .. او اى شئ يتعلق بالحادثة :- جلت لكم انت واخوكى بلاها السكة دى .. مسمعتوش كلامى .. اهااا ..لا انتِ طولتى واد عمك اللى وجفتى حالك عليه .. ولا اخوكى طال بتهم ولا الورث اللى كان طمعان فيه .. واخرتها... ينجلب الدار تفتيش على اخوكى بعد عملته السودا .. خلاص يا سمية بجيتى اخت جتال جتلة رسمى والحَكومة بدورعليه.. 

اخوكى راح .. وانت كمان ..هتجعدى چارى ومفيش حد فى النچع كله .. هايرضى يناسبنا .. ويطلب يدك .. صرخت سمية :- بكفياكى ياما .. وهو انى كنت اعرف انها ممكن توصل لكِده .. وان سليم يفكر يجتل عاصم ..

صرخت الام من جديد :- عجله شت بعد ما عاصم جابله الأخرس دِه .. يجوله دِه اخوك وهيجاسمك فى الجرشين اللى فاتهملولك ابوك بعد ما الله يرحمه كان ضيع ماله كله على الحريم .. وفى الاخر اهااا يطّلع لنا واحد .. يجول انا ولده .. وتضيع سمعتنا وتضيع فرصتك فى چوازة زينة تعدل حظك المايل ويبجى لنا بيها راچل .. يوجف للخلج فى غيبة سليم .

ضربت سمية على رأسها بكفها فى لوعة :- يعنى خلاص .. مش هشوف اخوى سليم تانى .. وهفضل كده زى البيت الوجف .. ثم هتفت متذكرة ..بس لاه .. ما عدلى واد محروس الهوارى كان طالبنى من اخوى .. ومردناش عليه ..

هتفت الأم فى حسرة :- دى اخرتها يا بتى.. عدلى واد نچاة.. اللى النچع كلاته يعرف انه واد أمه ومابينطجش الا بشورتها .. دى اخرتها يا سمية !؟

بكت سمية فى حرقة :- طب هعمل ايه طيب .. !!؟.. يا مرك يا سمية .. كان مخبيلك الهم دِه كله فين ..!؟؟.. 

تركتها امها وتحركت ببطء بإتجاه الدرج تعتليه فى صمت وهى تتمتم فى حسرة .. يا ميلة بختك فى عيالك يا رتيبة .. يا عمرك اللى ضاع هدر .. يا رتيبة .. 

      *****************

وضعت حجابها على رأسها وفتحت باب غرفة المشفى للطارق والذى كان احدى الممرضات التى تتناوب على احضار الطعام او قياس الضغط وإعطاء بعض المسكنات..

أدخلتها زهرة مرحبة .. لتقترب الممرضة من عاصم تقيس حرارته وضغطه هاتفة فى مرح موجهة حديثها لزهرة :- انتِ بجى زهرة !؟ أومأت زهرة برأسها ايجابا وهى على يقين من كلماتها التالية والتى سمعتها مسبقا من الطبيب المناوب لتكمل الممرضة وهى توجه حديثها لعاصم وهى تضع بين شفتيه مقياس درجة الحرارة والذى بدأ يغلى عندما استطردت :- بصراحة عندك حج تخترف بيها ومتناديش غيرها طول ما انت فى البنچ

عند هذه النقطة احتقنت ملامح عاصم وقذف بمقياس الحرارة من فمه وهو يدفع نفسه دفعا حتى يصل لأقصى درجات ضبط النفس ولا يخنق تلك الممرضة بيده السليمة على ما تتفوه به من حقائق يود لو ينكرها .. 

انجزت الممرضة مهمتها لتستوقفها زهرة واضعة بكفها عدة اوراق مالية لتهتف فى فرحة :- يجوملك بالسلامة وتفرحوا بأولادكم .. 

نظرت اليه زهرة وهى تؤمن سرا وعيونه تنأى عنها .. وما ان خرجت الممرضة حتى اقتربت منه تشاكسه هاتفة :- كنت بتهلوس بيا ..صحيح!؟

نظر اليها متصنعا الحنق :- وانا ايه عرفنى ..هى اللى بتجول ..وبعدين دى خترفة بنچ .. يعنى اى كلام .. 

ابتسمت وهى تتطلع الى اعماق عينيه هامسة :- خترفة البنج ..بتبقى اكبر حقيقة عايز يداريها البنى ادم حتى عن نفسه .. 

سحب نظراته بصعوبة بعيدا عن عينيها وهتف ليغير مجرى الحديث كعادته :- أنا چعان .. 

انفجرت زهرة ضاحكة وهى تعلم تماما انه ليس بجائع وان هذه هى حجته التى فطنت اليها والتى يستخدمها دوماً ليغير وضعاً ليس على هواه والتى استخدمها سابقا ليغير موضع نومها من غرفة اخته سهام الى غرفتهما .. 

هتفت من بين ضحكاتها :- حااضر .. اى أوامر تانية جنابك..!!؟؟ .. ليحرك هو راْسه رافضا غير راغب فى متابعة الحديث الذى يعرى حقيقة مشاعره أمامها ..

        ***************

لماذا يتجاهلها ..!؟؟. منذ عادوا جميعا من النجع وهو ينأى عنها .. حتى انه لا يناقشها فى محاضراته كما كان يفعل فى السابق قبل ان يكتشف انها ابنه عمه.. كانت تتوقع تقارب اكثر .. لا تباعد بهذا الشكل السافر..

خرجت من الجامعة .. شياطين الدنيا تتبعها فى غضب تضغط على السيارة بأقصى سرعة تملكها رغبة فى تفريغ 

طاقة الغضب التى تختزنها لإهماله إياها ..

لكن .. يبدو ان السيارة لم تحتمل هذا الضغط الرهيب عليها لتزمجرغاضبة هى الاخرى .. وتتوقف وقد أعلنت العصيان .. صرخت ندى فى غيظ عندما أدارت مفتاح التسغيل عدة مرات وفى كل مرة تعاند السيارة اكثر ولا تريد التحرك خرجت ندى من السيارة تركلها بقدمها فى غيظ .. ليهتف صوت بغيض من خلفها :- ليه كده!؟؟.. مش حرام عليكى ...

لتنتبه لصاحب الصوت لتجده شاب وصديقه.. يقتربان منها وعيونهما تحمل بريق غير مطمئن.. يتطلعان اليها بنظرات جائعة .. 

حاولت ادعاء الشجاعة .. لتهتف ناهرة كلاهما فى صوت حاولت تغليفه بالقوة قدر استطاعتها ..لكن .. ذلك لم يثنيهما عن الاقتراب منها فى جزل .. 

و .. فجأة تجد جسد ما يقطع الطريق بينها وبينهما فى صلابة .. هاتفاً فى صوت قوى :- أى خدمة ..!؟؟..

اتسعت عيناها عندما تأكدت ان هذا الستار الحامى الذى فرض نفسه

بينها وبين هؤلاء الحمقى .. ما هو الا نبيل ..أستاذها وبن عمها العزيز..

ضحك احد الشابان ساخراً:- اه فى خدمة .. بس مش منك يا خفيف .. من الم..

لم يدعه نبيل يكمل لفظته السوقية حتى كان يخلع نظارته الطبية يلقى بها بين كفيها .. ويدفع قبضته المضمومة فى وجه ذاك الحقير.. الذى تأوه منكباً على نفسه صارخاً.. ولحسن الحظ يتركه صديقه ويفر من امام نبيل مرتعباً.. ليجذبها نبيل خلفه قبل ان يستفيق الأحمق من كبوته مندفعين لسيارته التى انطلق بها فى سرعة جعلت اطارات السيارة تصرخ .

مرت دقائق ولم يتفوه بكلمة .. فتشجعت هامسة :- شكرًا يا ...نبيل ..

كانت المرة الاولى التى تنطق فيها اسمه مجرداً وبمثل تلك الرقة .. مما استرعى انتباهه ليلقى اليها نظرة سريعة متعجبة جعلتها تتورد خجلا.. ليعود بنظراته للطريق..

ويلتزم الصمت مرة اخرى حتى وصلا أمام بيتها.. ليوقف السيارة ويستدير قليلا اليها أمراً :- هاتى مفاتيح عربيتك هوديها للميكانيكى.. ولحد ما تتصلح هخدك الكلية و أرجعك بنفسى ..

انقلب امتنانها لحنق فى لحظات فهى لم تعتد على النبرات الأمرة فى التحدث اليها :- شكرًا .. انا اعرف اهتم بنفسى كويس .. مش محتاجة ..

قاطعها ساخراً على غير عادته :- عارف ..مش محتاجة سواق ..بس للأسف مش بمزاجك.. بقيتى مسؤولة منى ..اعمل ايه ..!!؟؟.. انا مجبور اكتر منك .. 

هتفت فى حنق:- للدرجة دى وجودى معاك عبء على حضرتك .. !!؟.. على العموم انا مرضهاش .. ولو حكمت هقعد ومش هروح الجامعة .. ولا انك تبقى مجبور على حاجة متحبهاش..

واندفعت من السيارة تجرى بإتجاه باب البيت وكأن الشياطين تتعقبها .. لكن هو وللعجب ظل يتبعها بنظراته 

حتى اختفت .. وارتسمت على شفتيه ابتسامة .. 

        ****************

اطلق سعيد الخفيرعدة أعيرة نارية عندما دلفت سيارة عاصم التى كان يقودها زكريا .. لداخل السراىّ ..

لتقف امام الباب الداخلى لها .. لتترجل منها زهرة اولا يتبعها عاصم وذراعه اليمنى مرفوعة لحامل يتعلق بعنقه .. استند على ذراع زهرة التى قدمتها له فتقبلها بسعادة وهو يصعد السلالم المؤدية لداخل السراىّ .. التى ما ان خط بداخلها حتى علت الزغاريد احتفالا برجوعه سالما .. 

هتف فى سعادة :- وااه .. ايه كل دِه يا حاچة ..!؟.. 

كان يستفسر عن ما يحدث بالخارج من تجهيزات لإحتفال و ذبائح تذبح 

هتفت بسعادة وهى تربت على كتفه بحنو:- حلاوة رچوعك بالسلامة .. اُمال ايه !!؟.. خلى الغلابة ياكلوا .. والنَّاس تدعيلك .. 

-بس ده تعب عليكى يا حاچة .. هتف عاصم معاتبا 

هتفت بدورها :- وااه .. انت فاكرنى انا اللى عملت دِه كلاته .!؟.. والله دِه زكريا هو اللى عمل كل حاچة .. انا كان يجولى نعمل كذا يا حاچة.. أجوله وماله ..

ضحك عاصم بأريحية وهو يربت على كتف زكريا الذى كان يشعر بالحرج :- وااه يا زكريا .. وخليت الحاچة فضيلة بچلالة جدرها تسمع كلامك .. تاريك مش هين يا واد عمى ..

ابتسم زكريا فى حبور ولم يعقب .. لتهتف الحاجة فضيلة فى سعادة :- يا اللاه على فوج انت ومرتك أرتاحوا .. لحد ما الناس اللى چاية تبارك بسلامتك تهل .. هنادوك تستجبلهم .

تحرك بإتجاه الدرج ولا زالت كفه تستند على كفها لم يتركها ولكن قبل ان تخط قدمه على اولى الدرجات سمع صوت يناديه فى ترجى :- عاصم بيه .. يا عاصم بيه 

كانت فتاة ملتحفة الوجه جاء سعيد وراءها جريا ليمنعها من دخول السراىّ لكنها كانت الأسرع .. هم سعيد بإخراجها لكن إلحاحها فى النداء جعل عاصم يأمره بتركها .. ليعود مستندا على زهرة .. يجلس بأقرب مقعد مشيرا اليها ان تتقدم هاتفاً فيها :- انتِ مين يا بت !!؟.. وعايزة ايه ..!؟.. 

رفعت الفتاة الشال الذى كان يلثمها عن وجهها ليهتف عاصم :- مش انتِ البت اللى كانت بتشتغل هنا واختفت فچأة بعد حادثة حسام التهامى .. !!؟.. اااه .. انت اللى سرجتى سلاحى .. مش كِده .. انطجى .. مين اللى وزك تعمليها !؟ 

هتفت الفتاة فى ذعر :- ما انا چاية عشان اتكلم .. بس غيتنى الاول يا عاصم بيه .

-من مين ..!؟.. هتف عاصم .. 

اجابت فى سرعة :- سليم واد عمك 

عقد عاصم ما بين حاجبيه هاتفاً :- وايه دخل سليم بيكِ.!؟

اخرجت الفتاة ورقة مطوية من بين طيات ملابسها وأعطتها لعاصم ...و الذى انفجر ضاحكاً عندما طالع فحواها :- والله كنه التاريخ بيعيد نفسه صوح ... بجى انتِ مرت سليم وعرفى كمان .. 

شهق الجمع الذى كان محيطاً بالفتاة أومأت الفتاة برأسها قبل ان تكمل مستطردة في اضطراب :- هو اللى جالى لو جبت له سلاحك هايكتب عليا رسمى .. ولما عِملت اللى جالى عليه وهربت مُطرح ما هو جالى استناه .. حسّيت منيه بالغدر ودلوجت خايفة يرچع لى يجتلنى بعد ما عرف انى .. 

وصمتت الفتاة قبل ان تقول بصوت مرتجف :- بإنى حبلى منيه .. 

هتف عاصم ساخرا :- واااه ..حبلى كمان .. كملت ..

هتفت الفتاة فى تضرع :- غيتنى يا عاصم بيه .. محدش هايجدريحمينى منيه غيرك ..  

هنا تحدث زكريا فى تردد:- بعد إذنك يا عاصم يا واد عمى .. اسمحلها تعيش مع امى فى البيت اللى انت وهبتهولنا ..اهى تاخد بحس امى وانى مش موچود..

تعجب عاصم :- يعنى ايه مش موچود ..!؟.. ليه هتروح فين .. !؟.. 

-انا نويت .. والنية لله .. اچرب حظى بعيد عن النچع..

ومش هرچع الا لما احس ان بجالى جيمة ومركز .. بعيد عن الهوارية واسمهم .. 

-ياعنى هتفوتنا يا زكريا .. !! .. هتف عاصم بضيق

قال زكريا بحرج :- معلش يا واد عمى .. انا مهرتاحش الا كِده .. بس وصيتك أمى .. دى ملهاش غيركم دلوجت..

أومأ عاصم برأسه دون ان يجيب بحرف واحد واتجه بحديثه لكسبانة التى كانت عيناها تتطلع اليه فى ترقب :- خلاص .. هتروحى تعيشى مع الحاچة بخيتة تخدى بحسها .. وانا الورجة دى هوديها للمحامى نثبتوا صحتها ونخليها عنديه فى الحفظ والصون .. 

-و ماله يا عاصم بيه .. هتفت كسبانة بثقة .. والحاچة بخيتة فى عنايا .. ثم نظرت الى زكريا فى امتنان هامسة :- تسلم يا سى زكريا  

اجاب زكريا بجفاف :- انا عملت كِده عشان واد اخوى اللى شيلاه ميجيش الدنيا ميعرفلوش اب.. ولا يعرف له اصل .. وميدجش المرار الطافح اللى انى دجته..

ثم أشاح بوجهه عنها ليحدث عاصم مستئذنا:- انا هرجع لأوضتى اللى فى الجنينة يا عاصم .. لحد ما ارتب امورى و اروح ..

سأل عاصم :- مفيش صرفة تانية غير السفر دِه ..!؟.. ما تخليك معانا يا زكريا .. ايه لزمته .. !!؟..

أكد زكريا :- معلش .. انا هرتاح كِده يا واد عمى .. 

ثم خرجت كسبانة ليذهب بها زكريا لداره لتصبح ونيس أمه حتى يعود من رحلته .. التى لا يعرف من أين يبدأها.. ومتى تكون نهايتها ..و متى يعود للنجع من جديد..!؟..

نهض عاصم .. واستند على زهرة من جديد.. والتى لم تتفوه بحرف واحد طوال الجلسة الماضية .. كانت تنظر اليه وهو يدير الأمور بحنكة ومهارة .. تتطلع اليه بعين جديدة .. عين عاشقة .. عين ترى فيه كل ماهو رائع..

وتسأل نفسها .. كيف لم ترى فيه كل هذه الخصال من قبل ..!!؟..

وصلا لغرفتهما.. ففتحت الباب لتدخل ليتبعها هو يخطو بإتجاه الفراش ليجلس على أطرافه فى هدوء حذّر ..

شعرت به .. فأقتربت تقول فى لهجة مرحة وهى تحرك كفها على جانب وجهه الذى نبتت لحيته:- لازم تحلق .. عشان مينفعش تقابل الناس كِده .. 

فجأة امسك بكفها التى كانت تمررها على خده بشدة ألمتها .. نظرت له بتعجب فوجه نظراته اليها هامسا 

بشكل خطر :- بكفياكى يا بت الناس .. عملتى اللى عليكى وزيادة كمان والمفروض كنت تسافرى مع ابوكى امبارح .. الف شكر .. تجدرى تچهزى حاچتك وهوصلك لهناك معززة مكرمة ذى ما طلبتى .. 

ترك كفها ونهض مبتعدا عنها يدير لها ظهره لا يريد ان تتقابل نظراتهما حتى لا يضعف فيتمهلها كى لا ترحل .. او تعلنها هى.. بانها بالفعل راغبة فى الرحيل فتقتل أملا يراوده ..انها يمكن ان تبقى.. 

هتفت هى بصوت مرح لا يعكس مطلقا حالة الحزن التى من المفترض ان تعتريها بعد كلماته مما استرعى انتباهه وتعجبه فى نفس ذات الوقت :- بقى دى بزمتك عمايل راجل صعيدى لِسَّه طالب أيد واحدة من ابوها .. وهى حتى لِسَّه مدتلوش الرد ..!!؟.. 

انتفض مواجها لها وهو يقول فى ترقب :- يعنى ايه طالب يدها من ابوها .!؟ ..و رد ايه اللى بتجولى

 عليه !!؟.... ما ردّك وصلنى .. وانت جولتى انك عايزة تسافرى معاه ..

اقتربت منه فى حذّر .. حتى وقفت مواجهة له ترفع رأسها تتطلع اليه فى عشق تحاول مداراته :- عاصم .. انا لما كلمتك .. مكنش لِسَّه بابا قالى على اللى عملته .. مكنش لِسَّه قالى .. ان فى واحد ممكن يروح يطلب ايد مراته من ابوها .. عشان يردلها كرامتها ويرضيها .. عشان يحسسها انها غالية .. وانها لما هتفضل معاه .. هاتفضل عشان هى عايزه تفضل معاه .. عشان هى عايزاه.. مش عشان هى مغصوبة .. 

كان يقف كتمثال شمعى لا يصدق ما يسمع .. ينبض ذلك الوريد بجانب صدغه بتوتر ينبئ عن صراع داخلى رهيب تدور رحاه بداخله.. عيناه تجول بمحياها يحاول ان يستشف الحقيقة فيما تقول .. يحاول ان يثبر أغوار نفسها .. 

واخيرا همس متسائلا :- يعنى انتِ لما كلمتينى جبل الحادثة مكنش لِسَّه الداكتور ناچى كلمك ..!؟.. 

حركت رأسها تجيبه بنعم .. وابتسامة رائعة ترتسم على شفتيها..

سأل بترقب و عيناه تضيق :- طب وكان ايه ردّك .. لما الداكتور ناچى جالك .. !!؟.. 

قالت مشاكسة :- قلت له .. انا هبلغك ردى بنفسى ..

قال متلهفا :- اللى هو ..!؟.. 

انفجرت ضاحكة وهى تشاكسه من جديد:- اللى هاتسمعه بعد ما تحلق .. وتنزل للناس تضايفها.. وتيجى..

هتف فى حنق :- تولع الناس .. على الضيافة .. على الكل كليلة .. انا عايز ردّك دلوجت .. قالها هامسا وهو يجذبها اليه من ذراعها لتصطدم بصدره غير عابىء بجرحه الذى لم يشعر بألمه الذى لا يوازى آلالام روحه التى تترقب فى جنون.. 

فهمست هى ونظراتها تتعلق بعينيه بعشق:- تفتكر يا عاصم ممكن يكون ايه ردى ..!!؟.. وايه اللى ممكن يخلينى أغير رأيي وأوافق ..!؟.. ايه يا عاصم ..!!؟.. 

كانت تريد ان تدفعه دفعا ليعترف بحبها .. كانت تريد ان تسمعها منه .. هى تعلم ان هو يريدها .. يريد بقاءها .. لكنها لم تسمع منه انه يريدها لأنه يعشقها .. يريد بقاءها لانه لا يقوى على بعادها.. وان لا قبل له على فراقها.. 

انها تموت شوقا لها.. لتلك الكلمة من بين شفتيه ..

تريده لدرجة الجنون .. لكنها تريد ان تطرب لسماعها 

لتتيقن انها امرأة حياته .. و انها حقا ملكت قلبه ..

هى تعلم علم اليقين .. انه ليس سهلا على رجل مثله لم يكن يؤمن بالحب والعشق ان ينطق كلمات الهوى على شفتيه.. وانها على يقين ايضا بانه يوم ان ينطقها فهو بحق يعنيها .. وكل حرف فيها .. سيكون خارجا من اعماق روحه .. 

لما لا يقولها .. قلها أرجوك .. اهتف بها لأجلى .. حتى اطمئن أننى بقلبك للأبد ... 

دفع بذراعها التى كان لايزل ممسكا بها بعيدا عنه .. وهو يظن انها تتلاعب به .. تدنيه ثم تشقيه... تمنيه بالجنة حتى يكون على أعتابها .. فاذا بها جحيم مستعر .. لن يكون لعبة بين يديها .. حتى ولو كانت روحه معلقة بها ..  

نظراته لها كانت قاتلة وهو يقول بنبرة جليدية :- حضرى حاچتك .. لحد ما ارچعلك من تحت .. 

واندفع للحمام يحضر نفسه للإحتفال الذى يقام لأجله بالأسفل .. وهو يشتعل غضبا وألما.. وحسرة .. وشوقا ..

       **************

وقفت امام المرآة عيونها مغرورقة بدموع تهدد بالانهيار 

تنظر الى ملابسها .. وشعرها .. وجسدها .. تشعر انها تفتقد شئ ما .. شئ يجعلها فى نظر نفسها راضية قبل ان تكون فى نظر الجميع .. 

لقد أنقذها نبيل اليوم من مصيبة محققة لا تعلم ما كان يمكن ان يحدث لولا وجوده بقربها .. فتحت خزينة ملابسها تتطلع لكل تلك الملابس الرائعة غالية الثمن التى تقتنيها.. وفجأة وجدت نفسها تجذبها جميعا فى غضب لتلقى بها على ارض الغرفة وبدأت دموعها فى الانحدار..

واخيرا تشهق بألم ملقية بجسدها على فراشها وتذكرت كلمات سمعتهم من زهرة عندما كانت تحاول إقناعها بوجة نظرها فى ملابسها المتحررة .. "الحرية فى التخلى لا فى التعرى."

لم تفهم معناها لحظتها .. ولا أرادت ان تفهم.. لكنها الان فى تلك اللحظة وعت معناها تماما ... ووصل لروحها 

حريتك فى ان تتخلى عن كل ما يستعبدك وهى كانت تستعبدها الأزياء والملابس الراقية وأحدث خطوطها معتقدة ان الرقى فيما تفعل.. 

لا تعرف ما الذى جعل ذاك الخاطر يقفز فجأة لخاطرها .!؟

ربما نظرات هؤلاء الحمقى الذين لم يروا فيها الا جسداً .. ام الادهى .. نظراته هو .. التى على قدر تشبعها بالأحترام لعقلها .. على قدر انصرافها عنها لتحررها بهذا الشكل .!؟

انه دوما يؤكد على انها انسانة حرة فى اختياراتها .. ولم تتغير وجهة نظره هذه بعد معرفته بقرابتهما .. بل حتى بعد ان حدث ما حدث اليوم .. لم يلق باللوم عليها ولا على ملابسها فيما جرى.. بل انه لم ينطق بكلمة جرحتها  

لكنها صرخت هاتفة فى نفسها .. بل فعل .. الم يقول ان رفقته لها عبء عليه .. لم يحدثها احد ابدا بمثل هذه اللهجة التى جرحتها حقا ً.. 

على ايه حال .. هى لن تذهب الى اى مكان معه .. وستعتكف فى المنزل بضعة أيام حتى الإنتهاء من إصلاح السيارة .. فبضع أيام بالمنزل ربما تعيد لها هدوء نفسها وصفاء بالها الذى غادرها .. على الاقل ستكون بعيدة عنه وعن تأثيره فى قرارتها .. بتلك النظرات الهادئة التى تقتلها اكثر من مئات الكلمات ..

     الفصل الواحد والعشرون من هنا

      

تعليقات



×