رواية لا تخافي عزيزتي الفصل العشرون بقلم مريم الشهاوى
إنه يوم عيد الأم الذي لا يكون عيدًا عند أغلب الناس !
استيقظت يسرى على مفاجأة هدايا أبنائها وهي سعيدة حتى زوجها لم ينساها وأتى لها بهدية قيمة يحتفلون بكونها بينهم فكل يوم هي معهم يصبح عيدًا.
نزل يزن إلى عمله وفي نصف النهار قرر بأن يمر على أسيل ليأخذها إلى أخته ويوصلهم إلى متجر الملابس ليشترون ملابسهم الخاصة بحفل الخطبة.
__________________________________
مازن: "مبروك الجبس ياعم."
نظر له أخيه آدم بامتعاض:
"ماما خلي مازن يبطل تريقة !"
تحدثت كريمة والدة مازن :
"بس يا مازن... أخوك متجبس وأنت شغال تضحك !"
-أصل عيد الأم النهاردة فابنك حب المرة دي الهدية متكونش عادية فجابنا المستشفى... بردو مش هتقول مين كسرك كده؟
هرب من أنظار أخيه مردفًا بقوله :
"خناقة بسيطة والدنيا اتلمت... بلاش... بلاش انت تدخل عشان بتعمل مشاكل."
-عشان باخدلك حقك يبقى بعمل مشاكل؟!... أنت عبيط يلا؟.. يعني عربيتك تتكسر وتجيلي متجبس وتقولي خناقة !.. دول بلطجية ولازم أربيهم.
صرخ آدم به:
"لا لا.... أنا كويس وراضي ومسامح."
دخل عليهم والدهم "عامر" وحين نظر مازن إليه أدار وجهه بضيق يخشى رؤيته.
تحدث عامر بلا مبالاة:
"إيه خلص الجبس؟ حمد لله على سلامتك يا كتكوت."
ابتسم آدم له بسماجة وتحركوا جميعًا إلى المنزل وحين وصلوا وجدوا فتاة أشبه بفتيات الليل التي تعمل بالملهى الليلي (مكان للرقص واللهو "والرزيلة") جالسة منتظرة أحدٍ ما !
كريمة تأملتها باستغراب:
"مين دي؟؟ وإزاي تدخل البيت كده منغير ما يكون أصحابه موجودين فيه !"
نهضت الفتاة وهي تمشي بدلع وتبرز أنوثتها أكثر بتلك الملابس الضيقة التي تقصد بها إغراء الرجال قائلة:
"جاية لحبيبي ونن عيني... عموري حبيبي عامل إيه وحشتني."
صُدمت كريمة وبلعت ريقها محاولة ضبط أنفاسها وغضب مازن بشدة فأمسك الفتاة من يديها بقوة وأخرجها من المنزل وهو يهتف بصراخ:
"الأشكال دي مبتدخلش بيتنا... عشان النجاسة."
نظر لوالده الذي صرخ به:
"متتغاباش كده !... إيه الغشومية دي !... البسكوتة مبتتمسكش كده."
نظر للفتاة وابتسم بطريقة مقززة:
"معلش.. ابني غشيم شوية."
نظرت الفتاة لمازن باعجاب:
"وماله... عشان ابنك بس هستحمله عشانك بس يبيبي."
صرخ مازن بقوة:
"القرف ده اعمله برا... مش قدامنا... ده لو عاوز تفضل نضيف في نظرنا حبة كمان."
أغلق الباب بوجههم وسند على الباب بكسرة وهو حزين على حال عائلته فنظر لأخيه وأمسكه من ذراعه وعانقه بشدة فبكى آدم وهو يقول:
"ذنب ماما إيه؟ "
-مذنبهاش حاجة يا حبيبي هو ده النصيب.. ومحدش يقدر ياخد قرار الطلاق ده غيرها... كل اللي علينا إننا نواسيها على الابتلاء ده وندعي لأبونا بالهداية... المهم روح انكشها عبال ما أحضر المفاجأة اللي عاملينها لها... يلا."
ابتسم آدم بحماس وذهب إلى غرفة والدته الذي أطرق بابها قبل أن يدخل
-ماما... أنتِ كويسة؟
سمع صوت ضحك من الداخل:
"أه يا حبيبي تعالَ... الفيلم ده لازم نتفرج عليه أنا وأنت... أكرم حسني مسخرة فيه بجد مش قادرة أوقف ضحك."
ابتسم لها والحزن ملأ قلبه أكثر... والدتهم لا تريهم حزنها أبدا حتى وهم واثقين بأنها حزينة لِما حدث للتو ولكنها تظهر لهم عكس ما بداخلها كم تحمل بقلبها الكثير من الأوجاع لابقائنا سويين ليست لدينا أمراض أو عقد نفسية.
جلس معها يشاهدان الفيلم وهم يضحكون وكل دقيقة ينظر آدم لوالدته ويسمع ضحكتها.. كم هي أشبه بالبكاء هل تنسى فعلا تلك الأمور أم تحاول نسيانها وتتلاشاها من حياتها عن قصد ؟
وبعد قليل خلق بينهم شجار آدم قاصدًا إياه
-يا ماما إيه الغلط في اللي بقوله؟ بقولك هاتي فلوس عشان أجيبلك هدية عيد الأم !
-غور يلا من وشي مش عايزة منك حاجة... الحق عليا إني خلفتكم أصلا أنا ربنا ياخدني.
-لا يا ماما متقوليش كده حرام عليكِ أمال مين اللي هيعملنا محشي بكرة؟
رمت الوسادة بوجهه فخرج آدم من الغرفة وهو يضحك وذهب إلى غرفته وهو يمشي بصعوبة بسبب ذلك الجبس وجلب هديته لوالدته ودخل غرفتها مرة أخرى وهو مبتسم وممسك بيده علبة.
-حزري فزري جايبلك إيه يا ست الحبايب ؟
أصدرت عينيها بريق لامع وفتحت العلبة بحماس لترى ما فيها وبمجرد النظر إليها توقفت أنفاسها ببطء وهي تعاود النظر إليه بملل:
"كوبايات برضو؟ "
-لا ومش أي كوبايات... دي مببتكسرش.. الراجل حلفلي ووقف عليها برجليه ومتكسرتش... حتى شوفي...
أخذ واحدة من العلبة ورماها أرضًا وهو واثقًا من حديثه مئة بالمئة... فتفاجأ بها تنكسر وتنتشر بالغرفة قطع زجاج صغيرة !
بلع آدم ريقه بخوف وهو ينظر إليها وجسده يرتعش وفزع من صراخها قائلة:
"امشييي من وشاااااي."
خرج آدم مرة أخرى من الغرفة ولكن خائفًا من صوتها العالي فتقابل مع أخيه وهو يهتف :
"اتأخرت كده ليه حرام عليك دي كانت هتاكلني."
ضحك مازن وهو يخرج هاتفه ويشغل الموسيقى والاغاني بها فخرجت كريمة من الغرفة غاضبة وتفاجأت بتلك الأغاني وهو يغني مع الأغنية بصوته العالي:
"ست الحبايب يا حبيبة ممم يا أغلى من روحي ودمييي يا حنينة وكلك طييبة يارب يخليكي يا أمييي."
ابتسمت بسرعة وهي تقف وأمسك مازن يديها وظل يرقص معها فأتى آدم ليرقص معها هو الآخر ولكنها ابعدته :
"امشي يلا... كمل يا حبيب أمك يا كبير يا عاقل."
ضحك مازن وأخرج لسانة ليغيظ به آدم الذي صرخ بغيرة:
"إيه ده !!.. أنا كمان عاوز أرقص معاكِ... أنا مش ابنك أنا كمان ولا إيه ؟؟"
-غور يلا... ميت مرة قايلالك إنك مش ابنها ولا هي أمك وأنت اللي مش راضي تصدق... يااارب يخليكييي يا أمييي يااااارب يخلييكيي يااا ....
أغلق آدم الأغنية ونظر إليهم بغضب
-يا واد يا فصيل افتح الاغنية أمك بتحبها.
-لا مش فاتح... يا ماما أنا جايبلك الهدية معاه وبعرف أغني زيه ودي كانت لعبة منه أنا مش جايبلك كوبايات هو اللي قالي أجيبهالك ولبسني أنا في حيط عشان تحبيه أكتر مني !
ضحكت كريمة واقتربت منه تمسك خداه بأناملها بلطف:
"يا واد بنناغشك أنا وأخوك أنا عارفة إنكم مشتركين في هدية كل سنة... بس بحب أغيظك أنا وهو."
خرجت معهم ونزل للأسفل ورأت ما كانت تتمناه تلك الفترة
-ها قوليلي إيه رأيك؟
نظرت اليهم بدموع تملأ عينيها وعانقتهم ببكاء شديد :
"ربنا عوضني بيكم... ربنا ما يحرمني منكم يا أسودي أنتو الاتنين... بالرغم من إني كنت محتارة هتجيبولي إيه وإحنا مش عندنا حاجة ناقصة وأنا مش محتاجة حاجة بس عرفتوا أنا نفسي في إيه دايما كنت بقولكم...
قاطعها آدم:
"كل ما تخرجي للجنينة تقوليلنا نفسي في ورد كتير يملاها."
أردف مازن معه:
"وأقفاص عصافير كتييير أهو يا ستي سامعة الصوصوة مش ده اللي عاوزاه وكمان تحت بلكونة أوضتك كل يوم انزلي اسقي الورود وأكلي عصافيرك. "
ذهبت مثل الطفلة الصغيرة تقف بنصف الزهور وتشم رائحتهم الجميلة وتلعب مع العصافير وتخرج ضحكتها التي تريح قلوب أبنائها عن كل شيء بالحياة فكله يهون لأجل تلك الضحكات.
________________________
________
بعد أن فرحت بهدايا أولادها مثل كل سنة وحين علمت بأنها فتحت عينيها وتكلمت مع الممرضيين لم تسطيع البقاء في منزلها فقد اشتاقت لصوتها ذهبت للمستشفى دون أن تقول لأحد عدا علي الذي كان يعلم بكل شيء ، دخلت لغرفة قمر وحين رأتها صدمت من رؤيتها تبكي وتقول
"أنا فين يا دعاء؟ فين بنتي؟ فين عيلتي؟ اخواتي فين؟ جوزي فين؟ إحنا في سنة كام دلوقتي؟ "
ركضت دعاء نحوها وعانقتها بشدة :
"أنتِ زي الفل يا حبيبتي هو بس دخلتي في غيبوبة فترة... كله هيتظبط.. ارتاحي أنتِ بس."
-أسيل بنتي فين يا دعاء عايزة أشوفها... بقى عندها كام سنة دلوقتي؟... مرت كام سنة يا دعاء في الغيبوبة قوليلي؟؟
-12 سنة... وكل العيلة فاكرينك ميتة يا قمر حتى بنتك بقت خرسا بسبب صدمتها أما عرفت إنك موتي في حادثة العاصفة.
___________________________________
وصلت معه أمام المستشفى التي تعمل بها زينة فنظر لها يزن بابتسامة:
"يلا وصلنا... خلينا شوية مستنين زينة قالت هتخلص بدري النهاردة."
هزت رأسها بهدوء ونظرت من النافذه تتأمل السحب في صمت وهو يتأملها هي من مرآة باب السيارة حتى سمع رنين هاتفه وكانت زينة
-وصلتوا؟
-أنتِ فين يلا انزلي.
-ما تجيب أسيل وتطلع.
-ليه؟
-النهاردة عيد الأم وحاسة إنها لو شافت الست دي اللي بقولك عليها إنها شبهها قلبها هيشفى شوية لإن اليوم ده أكيد صعب عليها فلما تشوف شخص يفكرها بمامتها هتكون مبسوطة ولا أنت إيه رأيك؟
-مش عارف والله بس فكرة حلوة.
-أيوة وممكن تبقى دي مرحلة برضو في علاجها إنها تشوف الست دي والله يابني نفس عينيها ونفس لون شعرها نسخة منها كربونة خليها بس تطلع وهي هتفتكر مامتها وهتفرح أوووي.
ابتسم يزن ونظر لأسيل التي مازالت تتأمل السحب :
"خلاص ماشي سلام."
-أسيل
التفتت إليه فحدثها بحنو:
"أنتِ كويسة؟؟"
هزت رأسها بإيجاب عكس ماكانت تشعر به لأن هذا اليوم مثل اللعنة بالنسبة لها.
مر سنين وهذا اليوم يزداد بقلبها قبحًا فلم تعد هناك أم لتحتفل بعيدها مثل البقية.
-إيه رأيك لو تشوفي النهاردة شخص بقالك كتير مشوفتهوش وشبهه هيفكرك بذكريات حلوة معاه؟
لم تفهم ماذا يقصد فضمت حاجبيها بعدم استيعاب فقال ليوضح:
"زينة طالبة إننا نطلعلها فوق إيه رأيك؟"
هزت رأسها بإيجاب وهبطا من السيارة يتوجها إلى المستشفى
دخلت معه وركبا هم الاثنان المصعد وهي دقات قلبها تتسارع لا تعلم لماذا هي خائفة فرأي يزن يداها ترتعش بأمسك بها وهو يضمها بأصابعه وينظر إليها:
"خايفة من إيه أنا معاكِ."
بلعت ريقها وهي تصل للدور الذي به والدتها "قمر"
كم كثر الفراق بينهم فأردف يزن تجاه الغرفة التي بها قمر مثل ما وصفت إليه أخته
أمسك يد أسيل وابتسم إليها وهي تنظر لباب الغرفة لا تفهم فنظرت إليه باستفهام حدثها:
"يمكن ربنا بيحبك عشان خلق حد بيشبهها أوي كده.. وياعالم يمكن يرجعلك صوتك أول ما تشوفيها... صحيح مش هي بس يكفِ إنها بتشبهها."
مد يده ليفتح باب الغرفة ولكنه فُتح قبل أن يمد يده إلى مقبض الباب وما رأته أسيل جعلها تندهش وعيناها تتسع وضربات قلبها تحدث ضجيجًا بداخلها مما رأته !!!
_________________
-أيوة خانك إزاي؟.. عمر مش من طبعه الخيانة !
-يا علي عمر أحقر شخص مممن تتعامل معاه ده كفاية اللي عمله معاك ومعايا.
-طب احكيلي عمل إيه؟
-خاني مع اللي اسمها يارا دي.
-خانك معاها إزاي؟... أنتِ عارفة إنهم صحاب.
-عارفة ده كويس وكنت متقبلة علاقتهم وكمان كنت بحب يارا ولأنها كانت دايما تصلح بيننا... لحد ...
-لحد إيه انطقي؟؟
-لحد ما الحقيرة لقيتها بعتاله رسالة وأنا معاه في الكافيه وهو كان في الحمام بس أنا شوفت الرسالة كانت عمر أنا حامل وماما عرفت هنعمل إيه ، شايف القرف ؟؟
اتسعت عيناه بدهشه وبدأ بربط الخيوط ببعضها !
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وأشهد أن عيسى عبد الله ورسوله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه وأن الجنة حق والنار حق