رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل العشرون
- طرب آخر الأسبوع بابا جامع العيلة كلها هنا عشان يعرفهم بيكي وتتعرفي بيهم ، بمجرد ما الجمع ينفض ونبقى لوحدنا أنا حابب نكمل جوازنا قولتي ايه ؟؟
نظرت إليه عدة لحظات والحلم الذي رأته فيه يأخذ ابنهم الصغير ويبتعد يتكرر أمام عينيها ، كانت تود الرفض خوفا من أن يتحقق حلمها ولكنها لم تجد سببا قويا للرفض ، أحمر وجهها خجلا تومأ برأسها له موافقة ليبتسم يقبل قمة رأسها ، وضع رأسها على كتفه من جديد لتسمعه يهمس بما جعل عينيها تتسع فزعا :
- ايه رأيك في اسم يونس أنا حابب لو جبنا ولد نسميه يونس ، أما بقى لو كانت بنوتة فنسميها فجر قولتي ايه ، عارف إنهم أسامي قديمة بس حقيقي مميزة
تكرر اسم الولد في عقلها عدة مرات ومشهد حلمها وهو يحمل الصغير ويبتعد ، انتفض قلبها يدق بعنف والخوف والفزع يحتلانه .. بالكاد رسمت ابتسامة مرتعشة على شفتيها حين أبعدت رأسها عن كتفه تومأ له موافقة ، ليقف يجذبها عن الأرض يغمغم :
- قومي نصلي الفجر وننام شوية ، طرب صحيح
التفت لها يتنفس بعمق يهمس بنبرة مترفقة :
- ما تجيش الشغل تاني يا طرب بابا اتضايق من الحركة دي جداا ، ولو حد من العملا دخل كان هيبقا شكلنا وحش فعلا ، وبعدين أنتِ لسه تعبانة ومحتاجة تستريحي ماشي يا حبيبتي
ابتلعت لعابها تومأ له موافقة لتمسك بذراعه أدمعت عينيها تهمس تترجاه :
- طب عشان خاطري ، عشان خاطري يا رعد ... اعمل أنت حاجتك بنفسك سواء شاي ولا قهوة ولا غيره ، من ساعة حادثة الخادمة دي وأنا مرعوبة تتكرر تاني ، رعد أنا ما اقدرش أعيش من غيرك
وكم طرب قلبه لكلمات طرب ابتسم يومأ لها موافقا يغمغم ضاحكا :
- عشان كدة عاوزة تشتغلي معايا في الشركة هتعملي لي شاي وقهوة بس ، حاضر يا ستي
مش هشرب أي حاجة من أيد حد ، وأي حد هيجي يقولي تعالا اوديك لماما مش هروح معاه
وضحك حين عبست متضايقة منه تلكمه على صدره بعنف ليتأوه متألما :
- يا نهار أبيض چون سينا ، آه يا ضلوعي يا مفترية
ضحكت بخفة مدت يدها تربت على صدره برفق تهمس ساخرة :
- كويس كدة
اشاح بوجهه بعيدا يمنع ابتسامته بصعوبة يردف متضايقا :
- لاء طبعا مش هيخفوا كدة ، بوسيهم
توسعت حدقتيها غيظا لتلكمه في بطنه بعنف تأوه متألما يغمغم حانقا :
- أنتِ يا بنت الحلال كنتي بتتدربس بوكس قبل ما نتجوز ، روحي يا طرب اتوضي بدل ما امثلك مشهد من فيلم ، يا ادي النيلة دا ما اعرفش افلام عربي ، روحي اتوضي روحي
ضحكت عابثة تلوح له وداعا لتهرع إلى المرحاض تغلق الباب في حين وقف هو مكانه يبتسم ينتمى أن تمر الأيام سريعا ليصر لليوم المنشود !!
_____________
أما هناك انتهى يوسف من صلاة الفجر وتوجه إلى غرفة ملاك المجاور له يدق الباب بلا توقف إلى أن سمع صوتها الناعس يغمغم من الداخل بضيق :
- في ايه يا طرب بتخبطي كدة ليه خشي
فتح جزء صغير من الباب يدخل منه وجهه ينظر بعيدا يتحاشى أن تقع عينيه عليها يغمغم بنبرة حادة :
- أنتِ لسه نايمة صحصحي الإمتحان كمان كام يوم أروح اصحي مريم ارجع الاقيكي صاحية
رفعت يدها تمسح على وجهها متأففة لتلمح عينيه ذراعها العاري ليبتعد عن الغرفة سريعا يستغفر يبتلع لعابه متوترا ، توجه إلى غرفة شقيقته رفع يده قبل أن يدق الباب سمع صوتها تتحدث بصوت خفيض ، قرب رأسه يلتصق بالباب ليصل لأذنه صوت همس خفيض للغاية شقيقته تحادث شخص ما ، شخص يعرفه جيدا
( أنا مش مصدقة موضوع الكورة دا ، مراد إنت بتكذب ، أنا السبب مش كدة اتخانقت مع خالي بسببي ، خالي عاصم عمره ما جه خدك من الدرس ، يعني بردوا مش عاوز تقولي الحقيقة ، ماشي يا مراد براحتك ، قوم طيب صلي وذاكر ، الإمتحان كمان كام يوم ، يا مراد بتكسف مش هقول ، لا خلاص ما تزعلش ، حاضر يا حبيبي)
عند ذلك الحد بلغ به الغضب مبلغه ليفتح الباب بعنف شهقت مريم مذعورة وقبل أن تغلق الخط كام يوسف يجذب الهاتف من يدها نظر لشاشة الهاتف ليتأكد أنه رقم مراد وقد كان فعلا ، وضع الهاتف على أذنه يهسهس يتوعده :
- ما هو أصلك عيل وسخ وما شوفتش رباية ولما اشوفك يا مراد الكلب
وأغلق الخط في وجهه ينظر لشقيقته ، وجهه يكاد يشتعل من الغضب أنفاسه تتلاحق بشكل عنيف ، وقبل أن تنطق بحرف كان صوت صفعته دوى في الغرفة ، شهقت من الألم تتسع حدقتيها ليقبض على ذراعيها يجذبها لتقف أمامه يهسهس يتوعدها :
- ما هو أصلك قليلة الأدب زيك زيه ، ايه اللي يخليكِ تتكلمي معاه من ورانا ، يا ترى بتتكلموا من امتى والكلام وصل لحد فين يا حبيبي
انهمرت الدموع من عينيها بعنف ليصرخ هو بعلو صوته :
- ما تنطقي
مع صوته الغاضب دخل جاسر إلى الغرفة ، فزع حين رأى ابنته تبكي ويوسف يقف أمامها على وشك ضربها ، دخل سريعا إلى الغرفة يجذب يوسف يبعده عنها يحتضن مريم التي انتفضت بين ذراعيه ، اتقدت عيني جاسر غضبا حين رأى وجه ابنته وعلامات أصابع اليد على وجهها نظر ليوسف يصرخ فيه :
- أنت اتجننت بتمد أيدك على أختك ، دا أنا اقطعلك أيدك قبل ما تعمل كدة، أنت إزاي أصلا تفكر تضربها ، انطق رفعت أيدك على أختك ليييه
صوت جاسر وهو يصرخ بتلك الطريقة جذب كل من في المنزل ، حين دخلت رؤى إلى الغرفة ترك جاسر مريم بين أحضانه وتحرك إلى ولده يقبض على تلابيب ثيابه بعنف يصرخ فيه:
- انطق مديت أيدك على أختك ليه ، ما تزودش اللي هعمله فيك
ابتلع يوسف لعابه يحاول إيجاد حجة يقولها ، أسهل ما يقول هو الحقيقة ولكن نظرة الرعب التي كانت في عيني مريم تتوسله ألا يخبر أبيهم جعلته يتراجع ، زفر أنفاسه يغمغم حانقا :
- عشان قليلة الأدب وعايزة تعمل مصيبة هي وصاحبتها ، الهانم سمعتها بتتفق مع صاحبتها أنهم يهربوا الموبايلات في هدومهم ولما يتزنقوا في سؤال يدخلوا الإمتحان يغشوا ، وبتقاوح معايا وبتقولي مش غلط وإن صحابها كتير هيعملوا كدة
توسعت حدقتي جاسر ذهولا مما يقول يوسف التفت صوب ابنته يسألها :
- الكلام اللي بيقوله يوسف دا حقيقي ؟
اخفضت رأسها أرضا تشكر يوسف في نفسها أنه لم يقل الحقيقة ، أومأت موافقة لتشهق رؤى حزينة تنظر لها تعاتبها في حين صدح صوت جاسر يحادثها غاضبا :
- ليه يا مريم هانم السنة كلها طلعان عيني معاكوا ، السنة كلها وأنا بقولكوا مش مهم المجموع المهم تعملوا اللي عليكوا وأنا هقف جنبكوا ، أنتِ إزاي أصلا تفكري بالشكل المقرف دا ، خوفك من الإمتحان مش دافع أبدا ، أنتِ ما فكرتيش لو الموبايل دا اتقفش معاكِ شكلك هيبقى عامل إزاي قدام نفسك قبل كل زمايلك والمدرسين ، الهبل دا أنا مش عايز اسمعه تاني ويكون في علمك أنا هسحب الموبايل بتاعك أول يوم امتحانات ومش هتاخديه غير بعد ما تخلصي
والتفت إلى يوسف يشهر سبابته أمام وجهه يحذره بنبرة حادة غاضبة :
- قسما بربي يا يوسف لو أيدك اترفعت على أختك تاني لهكسرهالك ، أنت مش ولي أمرها أنا لسه مامتش ، لما تغلط أنا اللي احاسبها ، اعتذر لأختك
شد يوسف على قبضة يده غاضبا زفر أنفاسه بعنف نظر صوب مريم يردف على مضض :
- أنا آسف
وتحرك يغادر الغرفة سريعا عائدا إلى غرفته يغلق بابها عليه ، في حين وقف جاسر في مكانه يفكر على الرغم من أن العذر الذي قدمه يوسف مقنع ولكنه ليس سببا أبدا ليضرب شقيقته ، يوسف يُخفي شيئا ...وقبل المزيد من التفكير سمعوا صوت جرس الباب نزل لأسفل سريعا ، ينظر لساعة يده الخامسة فجرا من سيأتي الآن ، فتح الباب ليجد چوري ابنته تقف أمامه تبدو شاحبة وجهها هزيل عينيها منتفخة ، وحسين يقف خلفها يحمل حقيبتها ، ابتسم يغمغم :
- ازيك يا عمي شنطة چوري أهي ، ما تقلقش إحنا بس خلصنا شغلنا وسلمنا الموقع وقولنا مالهاش لازمة نفضل وچوري كمان جالها دور حمى جامد لسه فايقة منه فقولنا الأفضل نرجع
نظر جاسر لابنته التي تقف صامتة وكأن على رأسها الطير ، رفع يده يتحسس حرارتها لتتسع حدقتيه حسين لا يكذب ، رأسها يشتعل هدر قلقا :
- انتوا إزاي تسافروا وانتي تعبانة كدة ، فين علاجك ، ردي عليا
انتفض جسد چوري مرة واحدة لتسقط بين أحضان والدها فاقدة للوعي ، توسعت حدقتي حسين فزعا لم يصدق أن كذبته باتت حقيقة في لحظة ، حمل جاسر ابنته ودخل يضعها على أريكة كبيرة في صالة المنزل نظر لحسين يصرخ فيه :
- العلاج بتاعها فين ، وازاي ما تبلغونيش أنها تعبت ، وازاي تبقى حرارتها نار كدة وتجيبها وتيجي
غمغم حسين سريعا لا يفهم كيف ارتفعت درجة حرارتها اصلا :
- كانت كويسة والله يا عمي وخفت من كام يوم وهي اللي أصرت تيجي والعلاج سيبناه هناك ، إحنا لازم نشوف دكتور ولا نوديها مستشفى
صرخ جاسر بعلو صوته :
- رعد ، انزل يا رعد
لحظات ونزل رعد سريعا تفاجئ هو الآخر من المشهد وقبل أن يسأل صاح فيه جاسر غاضبا :
- شيل أختك حطها في أوضتها وأنا هشوفلها أي حاجة تخفض الحرارة على ما حسين يجيب دكتور وقول لرؤى ولا لمراتك حد يعملها كمادات بسرعة
اومأ رعد سريعا توجه يحمل شقيقته يصعد بها إلى أعلى لتقابله طرب ورؤى التي سقط قلبها ما أن رأت ابنتها غائبة عن الوعي ، هرعت إليها تغمغم فزعة :
- چوري مالك يا بنتي ، مالها أختك يا رعد ، يا نهار أبيض دا جبينها قايد نار
هرعت رؤى وطرب تساعدها تضع قطع قماش مبللة بالماء البارد على جبين چوري ويديها عند المرفقين وقدميها وچوري تهذي من الحمى تبكي تارة وتعتذر من أبيها وأمها تارة أخرى
دخل جاسر إلى الغرفة يحقن ذراعها بنصل مادة ما يغمغم قلقا :
- إن شاء الله الحرارة تنزل ما توقفيش كمادات لحد ما الدكتور يجي وأنا هروح اشوف حسين عمل ايه ، تعالا معايا يا رعد
وهرع يخرج من الغرفة بصحبة رعد إلى أسفل وجدا حسين يقف في منتصف الصالة هرع إليهم يغمغم قلقا :
- أنا طلبت دكتور وهو جاي دلوقتي ، المهم هي حرارتها نزلت ولا لاء
حرك جاسر رأسه للجانبين بعنف يتحرك بغير هدى الوقت يمر عليه ثقيل للغاية ، إلى أن أخيرا دُق الباب ، هرع إليه أولهم يغمغم متلهفا ما أن رأى الطبيب :
- أنا آسف أننا جبناك دلوقتي اولا ، ثانيا بسرعة البنت حرارتها نار
وأمسك بكف يده قبل أن يجيب الأخير يصطحبه إلى غرفة ابنته وقف خارجا قلقا ، رؤي وطرب بالداخل مع ابنته والطبيب ، مرت دقائق طويلة إلى أن خرج الطبيب من الغرفة هرع جاسر إليه يسأله قلقا :
- طمني
بدأ الطبيب يُخط عدة أدوية على سطح الورقة في يده نظر لجاسر ابتسم يغمغم:
- ما تقلقش خير بإذن الله ، هي الحمى شديدة شوية ممكن تكون بسبب تغير جو من مكان لمكان ، أو بسبب مؤثر قوي زي الخوف مثلا ، لأن اللوزتين مش ملتهبين وما فيش أي عرض من أعراض التسمم أنها تكون أكلت حاجة بايظة ، على العموم نمشي على الدوا دا وأنا مواعيده وخير بإذن الله
أخذ جاسر الورقة من الطبيب يصطحبه لأسفل يعطيه حساب الكشف قبل أن يغادر يشكره على المساعدة ، التفت صوب حسين يضيق حدقتيه يرميه بنظرة حادة قبل أن يسأله منفعلا :
- حسين من غير كدب ايه اللي حصل في السفرية دي ، مرجع چوري بالمنظر دا
ابتلع حسين لعابه مرتبكا يشعر بنظرات جاسر تخترقه بعنف حمحم يردف متوترا :
- أنت بتبصلي كدة ليه يا عمي تفتكر أنا هأذي چوري يعني ، حضرتك عارف وواثق أن دا مستحيل يحصل ، هي أغلب الوقت كانت تعبانة اصلا بسبب الجو ، فعشان كدة قولتها لازم نرجع خوفت للوضع يتدهور أكتر
اومأ جاسر برأسه موافقا ، قلقا من التوتر الظاهر في صوت حسين ، تحرك لأعلى حيث غرفة ابنته جلس جوار رأسها يتحسس حرارتها التي انخفضت عن ذي قبل ، مسح على شعرها برفق ليرى جسدها يرتجف والدموع تنزل من خلف جفنيها المغلقين وصوتها يهمس بحرقة:
- أنا آسفة والله آسفة
قطب جبينه والقلق يتفاقم ، چوري حدث لها أو فعلت كارثة هي السبب فيما هي فيه الآن !!
______________
في تمام الثامنة صباحا في منزل جاسر راضي
استيقظ جاسر ليجد الغرفة حوله كومة من القطع المهشمة تأفف حانقا ، ليهب سريعا يحضر المكنسة ينظف أرض الغرفة جيدا يعيد الأثاث لمكانه ، يرتب ملابسه كل قطعة في مكانها ، فتح النافذة قبل أن يأخذ ثيابه يتوجه إلى المرحاض اغتسل وبدل ثيابه ووضع الثياب المتسخة في مغسلة الغسيل ، وتحرك صوب غرفة أريچ ، فتح الباب ليراها لا تزال تغط في النوم ، دخل إلى غرفتها يفتح الشباك على مصراعيه يتحرك إلى فراشها جلس جوارها يزيح بكفيه الدموع التي تُغرق خديها يهمس برفق :
- عارف أنك صاحية وبتمثلي ، قومي يلا خدي دش وغيري هدومك ، عشان هننزل وما تقوليش فين
فتحت عينيها قليلا تنظر له اهتزت حدقتيها خوفا تهمس له :
- خليني هنا يا جاسر أنا خايفة يظهر تاني ، أنت المفروض تكون عارف أنا خايفة قد ايه
تنهد بعمق يمسك ذراعيها بخفة يجذبها لتجلس أمامه يرفع إصبعيه السبابة والوسطى في وجهها يغمغم:
- الخوف ليه طريق ، طريق الخوف نفسه ودا طريق طويل زي من هنا لصلاح سالم كدة الساعة 2 الضهر تفضل محبوس فيه وكل حركة حواليك بترعبك أكتر ، الخوف بيتلذذ أنه بيخوفك منه ، يا تقف قدام خوفك وتواجه ... تعرفي أنا كجاسر كنت بترعب من القطط عشان كدة كنت دايما معارض وجود قطة في البيت ما أنا ينفعش اقولكوا أنا بخاف منهم ، عارفة عملت ايه ، جبت قطة صغيرة بتاعت واحد صاحبي كنت هنا في الشقة دي ، ودخلت أوضة وقفلت على نفسي أنا وهي أول كام دقيقة وأنا واقف قدامها كنت حاسس أن أنا واقف قدام وحش مع أنها كانت حاجة صغيرة كدة في الأرض عمالة تتنطنط من هنا لهنا ، وكل ما تقرب ناحيتي أبعد لآخر الأوضة ، وفين وفين على ما قدرت أقرب منها وأمسح على ضهرها وهي تتمسح فيا ، ساعتها حسيت أن أنا أكبر مغفل في الدنيا وقعدت أحاول افتكر أنا كنت خايف ليه ، ايه سبب رعبي دا مش لاقي ، الفرق هنا يا أريچ أنا كجاسر كنت واثق في نفسي وفي قوتي ، إنما أنتِ محتاجين نبني الثقة دي الأول وبعدين نواجه خوفنا ، قدامك عشر ثواني تكوني في الحمام و20 دقيقة تكوني خلصتي حما ، و10 دقايق لبس
نص ساعة بالظبط وراجعلك وابقى الاقيكِ في السرير يا أريچ
وخرج من الغرفة ، لتزيح الغطاء عنها تتحرك بخطى بطيئة صوب المرحاض ، تخلصت من ثيابها تنظر في مرآة المرحاض الكبيرة على تلك العلامات التي طُبعت على جسدها تتذكر جيدا كلماته السامة التي قالها وهو يضربها
( الالم مهم يا أريچ ، من غير الألم مش هيبقى في خوف ، ومن غير الخوف الكل هيغلط ، زي ما أنتِ غلطتي كدة ، أنتِ مذنبة يا أريچ ، خونتي أختك وأهلك ، اتعودي يا روچا تعالجي الندم بالألم ، أنا عودتها هي كمان على كدة ، وكنت هعودك خطوة خطوة زيها ، بس أنتِ اللس سبقتي الأحداث ووصلتينا لهنا ، وجاسر زمانه جاي )
انهمرت الدموع من عينيها تضع يدها على فمها لتمنع شهقاتها ، في اللحظة التالية سمعت صوت دقات على باب المرحاض وصوت جاسر يأتي من الخارج :
- أريچ يلا وبطلي عياط ، ومن البديهي أنك هتعيطي اول ما تشوفي العلامات عشان ما تسأليش أنا عرفت إزاي
جلس في صالة المنزل يطلب رقم ما ، انتظر بضع لحظات يردف محتدا ما أن سمع الطرف الآخر:
- إحنا هنهزر يا زفت موبايلك مقفول ليه ، عرفت مين صاحب الشقة ، ما أنا عارف أنه اسمه زفت عمار ناصر ولا نصار .. انا عايزك تقلبلي الدنيا وتجبلي أصل الواد دا ، أنت بتقول لقيت اللاب بتاعه خليه معاك واحد صاحبي هيعرف يفتحه وأنا هاخده منك كمان ساعتين
وأغلق معه الخط يرتب ما سيفعل ، سيذهب إلى صالح يأخذ منه الحاسوب ويتركه يكمل بحثه ثم إلى سامر ليفتح له ذلك الحاسوب ويخرج ما عليه من معلومات ، وأخيرا إلى مصطفى ليهشم وجهه ، ولكن البداية هنا مع أريچ نظر إلى باب الغرفة حين خرجت للصالة ليبتسم لها يغمغم :
- كان نفسي نفطر والله ، بس في الأغلب لو كلنا هنرجع بعد اللي هتعمليه ، يلا بينا
أمسك بكف يدها يجذبها معه يشعر بخطواتها ثقيلة يجذبها بصعوبة معه للخارج ما أن صارت جواره في المصعد بدأت ترتجف تحرك عينيها هنا وهناك ، ما أن نزلا لأسفل أمسكت ذراعه خوفا من القادم ، تحرك بها نحو السيارة ، تحركت سريعا لتجلس على المقعد جوار السائق ، ليمسك جاسر بيدها يفتح باب السائق يحادثها بابتسامة واسعة:
- لا يا روح قلبي أنتِ اللي هتسوقي ، اركبي يلا
توسعت حدقتيها ذهولا ، ما تعرفه عن قيادة السيارة لا شيء بالمعنى الحرفي وجاسر يقف أمامه يصر ، جلست خلف المقود كل ذرة بها ترتجف ليجلس جاسر جوارها يعقد لها حزام الأمان نظر لها يغمغم :
- دوري العربية ، دوسي على الزرار دا
ابتلعت لعابها تفعل ما يقول لتنتفض حين سمعت صوت محرك السيارة تتمسك بالمقود ليغمغم جاسر ضاحكا :
- أنتِ قافشة في الدريسكون ليه كدة هو حرامي ، امسكيه عادي ، انزلي برجلك على البنزين براحة ، يا بنتي دي الفرامل التانية يا حبيبتي
ابتلعت أريچ لعابها بصعوبة تلمس بأطراف حذائها دعاسة البنزين ليضحك جاسر يغمغم:
- العربية نفسها مش فاهمة أنتِ بتعملي ايه يا أريچ ، دوسي جامد شوية
وفي لحظة توترت داست على الدعاسة بعنف لتصرخ حين تحركت السيارة فجاءة تترك المقود ، تصرخ فزعة لتسمع صوت جاسر يغمغم ضاحكا:
- امسكي الدركسيون يا أريچ قبل ما نتقلب
قبضت على المقود بعنف تحركه يمينا ويسارا بغير هدى تصرخ والسيارة تلتف حول نفسها وجاسر يجلس جوارها هادئا يغمغم :
- اهدي يا أريچ وبطلي صريخ إحنا مش راكبين قطر الموت يا حبيبتي ، دوسي فرامل اللي قولتلك عليها في الأول لاء
ضغطت أريچ على المكابح بعنف لتتوقف السيارة فجاءة في منتصف الشارع بالعرض نظر جاسر إليها يردف ضاحكا :
- عرفتي أنا ليه بقى ما رضتش نفطر
نظرت إليه بأعين جاحظة مدهوشة تصيح متعجبة :
- أنت بتضحك علي ايه ، إحنا كان ممكن نموت أنا ما بعرفش أسوق وأنت عارف
ابتسم جاسر يدير محرك السيارة من جديد ضغط على دعاسة البنزين يمسك بيد أريچ تحت كفيه يدير المقود إلى الطريق الرئيسي تتحرك السيارة بهدوء نظر لها يردف مبتسما:
- لازم تغلطي عشان تتعلمي الصح ، أنا مش بس حاطط ثقتي فيكِ أنا حاطط حياتي بين أيديكِ وواثق فيكِ ، أنا هشيل رجلي من على البنزين وتحطي رجلك
ابتلعت لعابها تومأ له مرتبكة ليبتعد وتضع قدمها هي تحركها بهدوء قدر المستطاع ، قلبها يكاد يقفز من الرعب ، السيارة تتحرك وهي المتحكم الوحيد هنا وجاسر يجلس جوارها يبدو هادئا إلى حد الاستفزاز ، أشار جاسر لمحل قريب منهم يغمغم:
- اقفي قدام المحل دا ، شيلي رجلك من على البنزين براحة وما تدوسيش على الفرامل مرة واحدة ربنا ستر وما اتقلبناش من شوية يا احمد يا سقا
ضحكت أريچ متوترة تفعل ما يقول جاسر ، لتقف بالسيارة بهدوء جعل ابتسامة كبيرة ترتسم على ثغرها نظرت لجاسر تغمغم سعيدة:
- وقفت ، وقفت يا جاسر ... أنا مشيت الشارع كله ووقفتها صح
ولحظة من الصمت جعلت ابتسامتها تختفي وتفكر ، جاسر وثق بها وهي لم تخذله لأول مرة تشعر بالمسؤولية وأن بينها حياة شقيقها ، ابتسم جاسر لينزل من السيارة يتلو الشهادتين في نفسه يحمد الله أن الأمر ، كاد قلبه أن يقف ذعرا قبل عدة دقائق فقط وهو يحاول جاهدا أن يبدو هادئا ، تحرك يفتح الباب المجاور لها يشير للمتجر أمامه يغمغم مبتسما:
- تعالي اجبلك قطة ، أنا منعتك سنين أنك تجبيبها عشان أنا كنت خايف ونرجسي وما ينفعش أقول أنا خايف ، فأنا مديونلك بقطة يا ستي ، يلا بينا
_______________
التاسعة والنصف صباحا في مكتب جواد ، دخلت ليان للمكتب على شفتيها ابتسامة كبيرة لا تصدق أنها فقط أيام وستتقابل مع جواد خارجا ، أخبرها أنه سيلتقيها في أحد المجمعات التجارية الكبيرة ولكن المشكلة أن ذلك المجمع بعيد ولكن لا يهم المهم أنها ستراه ، صحيح أن هنام غصة سيئة تعتصر قلبها لا سبب لها ولكن لا يهم ، دخلت إلى مكتبها لترى شهاب بمفرده كعادته ، شهاب هو أول الموظفين حضورا ، ابتسمت تلقي التحية ليعطيها ابتسامة صغيرة ويركز في الأوراق أمامه بدا متوترا ، وجهه منقبض يحرك القلم في يده متوترا قبل أن يلقيه على سطح المكتب يخفي وجهه بين كفيه يزفر أنفاسه حانقا هب واقفا يغمغم قلقا :
- لا أنا هروحلها ويولع الشغل إن شاء الله اترفد
تحرك عدة خطوات ليتوقف مكانها وعقله يفكر أن الراتب الذي يتلقاه هنا من الصعب أن يحصل على مثله وهو لا واسطة لديه ، تنهد قلقا ليعود لمكانه من جديد مرغما ، شعرت ليان بالشفقة على حاله لتلتفت إليه تسأله قلقة :
- أنت كويس ؟ مالك يا شهاب
ظل صامتا لفترة طويلة حتى شعرت بالحرج لأنه لم يرد ولكنه فجاءة أزاح كفيه من على وجهه يتمتم قلقا :
- حنان أنا خايف عليها أوي ، كانت حامل والدكتورة من أول الحمل قالتلها تستريح ، وهي ما بتسمعش الكلام شايلة على دماغها مسؤولية بيتها ، ومسؤوليتي أنا وسارة ، امبارح بليل جالها نزيف ومحجوزة في المستشفى من ساعتها ومش عارف حصلها ايه ، وجوزها ما بيردش على الموبايل ، بس هي كانت في التاسع أن شاء الله تكون ولدت ، يارب تكون ولدت ، أنا هتجنن عليها .. وباشهندس جواد بحاول أكلمه ما بيردش
شعرت ليان بالشفقة على حاله ، قامت من مكانها لخارج المكتب تحادث جواد الذي سرعان ما أجاب لتغمغم مرتبكة :
- جواد أرجوك توافق ، عارف باشمهندس شهاب أخته تعبانة جداا وفي المستشفى وحالتها حرجة وهو عايز يروح يشوفها وبيكلمك من بدري ما بتردش عليه
سمعت جواد يغمغم ضاحكا:
- حبيبي أنا ما بردش علي أي حد ، عشان خاطرك أنتِ بس خليه ياخد باقي اليوم أجازة وأنتِ كمان روحي أنا مش جاي المكتب النهاردة خديه أجازة ، باي يا روحي
ابتسمت سعيدة تشكره ، أغلقت الهاتف معه لتعود للمكتب نظرت لشهاب حمحمت تردف :
- أنا استأذنت من جواد وهو وافق أنك تاخد النهاردة أجازة عشان أختك
هب شهاب واقفا يبتسم لها ممتنا يشكرها ليتحرك يهرول للخارج ، جذبت هي الأخرى حقيبتها خرجت من المكتب لترى شهاب يقف هناك يحاول أن يوقف سيارة أجرة يبدو متوترا خائفا ، تحرك صوبه وقفت بالقرب منه تغمغم تطمأنه :
- هتبقى كويسة بإذن الله ما تقلقش ، أنا ما عنديش شغل ممكن اجي معاك ؟
ابتسم لها متوترا يومأ برأسه سريعا وأخيرا توقفت سيارة أجرة جلس جوار السائق وجلست هي على الأريكة الخلفية يخبر السائق بعنوان المستشفى عينيها تراقبه طوال الطريق ، كيف يبدو قلقا خائفا ... لتتذكر شريف شقيقها هو الآخر يخاف عليها كثيرا مثله ، شعرت في تلك اللحظة أنها تود الذهاب إلى شريف والاعتذار له ، بعد مدة وقفت السيارة أمام المستشفى، حاسب السائق متوترا يسرع خطاه للداخل وهي تجاوره ، سأل في الاستقبال عن رقم غرفة شقيقته يتحرك إليها مسرعا يكاد يركض حين وصل للطابق وجد سارة شقيقته الصغرى تتحرك في الممر تحمل علب العصير ، ركض إليها يسألها مذعورا :
- سارة طمنيني على حنان
نظرت إليه الفتاة حزينة لتحرك رأسها للجانبين مما جعل وجه شهاب يصفر خوفا ، قلبه يكاد يتوقف قبل أن تردف سارة بنزق:
- أختك ماتت في قلبي ما رضيتش تسمي البنت بنتها على اسمي وسميتها چرمين اسم صايص زيها لا هي محصلة جيهان ولا محصلة نرمين
احتدت عيني شهاب غضبا يصيح فيها :
- اصبري لما نروح أما علقتك في المروحة
وتحرك مسرعا إلى داخل غرفة حنان رآها تجلس على الفراش تحمل طفلة رضيعة بين ذراعيها وزوجها ينام على أريكة جوار الفراش هرع إليها لتضع الطفلة جوارها على الفراش برفق تعانقه لتنهمر دموعه بعنف كطفل صغير يهمس بحرقة:
- رعبتيني عليكِ يا حنان ، الحمد لله يارب أنك بخير ، أنا كنت هتجنن من الخوف عليكِ
أبعدته عنها برفق تمسح على رأسه ، ابتسمت مرهقة تطمأنه:
- أنا بخير يا حبيبي ما تقلقش ، خد شيل يا خالو ، عائشة على اسم ماما الله يرحمها
ابتهج شهاب يحمل الصغيرة بين يديه برفق يقبل جبينها ، قبل أن يقطب جبينه نظر لشقيقته يردف متعجبا :
- بس سارة قالتلي أنك سمتيها چرمين
ضحكت حنان بخفة تردف ساخرة:
- دي هطلة ، دي مش راضية تتكلم معايا عشان ما سمتهاش سارة
في اللحظة التالية فتحت سارة الباب تمسك بيد ليان تصيح بعلو صوتها:
- يا شهااااااب ، نسيت المزة دي برة ، وأنا حكتلها عن كل حاجة وأنك بتشخر وأنت نايم وصوتك بيسمع العمارة كلها وبتنام بعرض السرير ، وعندك حسنة على كتفك الشمال شبه زلومة الفيل ، وأنك وأنت صغير كانوا مسمينك شهاب بامية عشان كنت عاشق للبامية
توسعت عيني شهاب ذهولا في حين ضحكت حنان عاليا وضعت ليان يدها على فمها تمنع نفسها من الضحك
_________________
في الحي الشعبي قرابة الثالثة عصرا حيث تمكث فاطمة ، نزلت فاطمة على سلم البيت مجبرة لأن السيدة صفاء صاحت فيها حانقة :
- بت أنتِ هتفضلي حابسالي نفسك في البيت كدة ، خايفة من ايه هو أنتي عملتي حاجة غلط ، انزلي يا بت الشارع هاتلنا شوية لب وإزازة بيبسي ولو حد كلمك حطي صباعك في عينيه
وها هي تتحرك مرغمة صاغرة رغما عنه أنفها نزلت إلى أسفل مرت على ورشة محمود تلاقت عينيه بعنييه للحظة قبل أن يشيح بوجهه بعيدا عنها ، تحركت إلى السوق تمشي بغير هدى عينيها شاردة تفكر فيما مضى وما سيحدث إلى أن اصطدمت في إمرأة أمامها رفعت وجهها لها تعتذر:
- أنا آسفة ما خدتش بالي
ولكن رد فعل السيدة أصابها بالذعر علات بصوتها فجاءة :
- هو أنتِ يا هانم ياللي سيبينك ماشية على حل شعر من راجل للتاني ، وأخرة المتمة قاعدة مع شقة واحدة مع جاركوا وواخدين أمه كوبري ، اخس على التربية ال*****
وبدأت الناس تجتمع وبدأت الهمهمات تعلو ونظرت الاشمئزاز تحاوطها من كل مكان ، وهي تقف ترتجف تبكي فقك تحرك رأسها تنفي ما يقال دون رجا ، شق ما يحدث قدوم صفاء التي اقتربت من تلك السيدة تجذب شعرها يين يديها تكيل لها بخفها ، تجذب شعرها بعنف تصرخ فيها:
- لا عاش ولا كان واحدة زيك تجيي سيرة ابني ومرات ابني على لسانها القذر دا
❤️❤️
وقفت صفاء في منتصف الشارع تمسك بشعر تلك السيدة داخل قبضتها ، تحركها في يدها بعنف تصيح بعلو صوتها :
- الكل من زمان عارف الحج سلطان إمام الجامع الراجل اللي كان خيره على الكبير والصغير والكل يشهد بأخلاقه ، وعارفين أخلاق محمود إبنه ، قبل ما يسافر وبعد ما رجع لا عمره قال في حق حد ، ولا رفع عينه في واحدة ماشية ، وفي الاخر تيجي واحدة زيك ما حدش عارفها أصل من فصل تعيب في ابني وفاطمة ست البنات اللي الكل كان بيحسد أبوها وأمها على أخلاقها هي وأخواتها ، محمود ابني قاري فتحة فاطمة مع عاصم أخوها ، محمود ابني عمره ما رجله عتبت باب شقة فاطمة رغم أني قاعدة معاها إلا لما أخوها جه عشان يتفق معاه ، ويوم ما واحدة زيك تخوض في سمعة ابني ومراته احطها تحت رجلي
وانهالت تضربها بالخف ، قبل أن تدفعها بعيدا
ترتدي خفها أمسكت بيد فاطمة تلكزها بذراعها خفية تهمس له محتدة :
- اوعي تعيطي يا بت أنتِ فاهمة ، امشي رافعة راسك كدة ، دا أنا كويس اني نزلت وراكِ يا مسطولة كنتِ نازلة من غير الفلوس ، تعالي يلا
تحركت فاطمة جوارها لا تعرف حتى كيف أمسكت دموعها عن النزول ربما بسبب كلمات السيدة صفاء التي دافعت عنها في كل حرف هي ومحمود ولكن الكارثة أن السيدة صفاء أعلنت خطبتها على ولدها دون حتى أن تدري ، كيف يمكن أن يحدث ذلك ... تحركت جوارها شاردة إلى أن وصلوا أمام المنزل هناك كان يقف محمود ، اقترب من والدته يهمس يعاتبها :
- ايه يا أمي اللي قولتيه دا ، بتدبسيها فيا ، افرضي هي مش عيزاني ، اللي قولتيه دا ما يصحش أبدا
ونظر إليها يعتذر منها :
- أنا آسفة حقيقي يا فاطمة على اللي ولدتي قالته ، اعتبريه كأنه ما اتقالش تماما
هنا تدخلت صفاء تهمس محتدة :
- وما اتقالش ليه ياض ، هي فاطمة هتلاقي عريس أحسن منك ولا أنت هتلاقي في جمالها ولا في أخلاقها ، اوعى ياض من خلقتي قال ما اتقالش قال
وجذبت فاطمة تصعد معها لأعلى ما أن أغلقت صفاء الباب نظرت فاطمة إليها تهمس محتدة :
- ايه اللي حضرتك قولتيه دا ، أنا عمري ما هتجوز محمود ، أنا عمري ما هتجوز تاني أصلا بعد نور ، أنا لسه بحبه عمر حبه ما هيختفي من قلبي ، ترضيها على ابنك يتجوز واحدة لسه بتحب جوزها اللي مات
وتركتها ودخلت إلى غرفتها توصد الباب عليها تبحث عن هاتفها إلى أن وجدته لتبحث عن رقم عاصم تتصل به سريعا :
- عاصم لو سمحت أنا عوزاك تجيلي ، ماشي خلص اللي وراك وأنا مستنياك
وأغلقت الخط تلقي الهاتف أمامها تحركها ساقيها بسرعة متوترة لا تعرف كيف تفعل بها السيدة صفاء ذلك ، دقت صفاء الباب لتمسح فاطمة دموعها سريعا حين دخلت الأخيرة جلست أمامها على الفراش تربت على يدها برفق تحادثها بنبرة حانية:
- فاطمة أنتِ زعلانة مني ، أنا ما كنش قصدي يا حبيبتي ازعلك ، ويمكن عشان عشان أنا أم وعارفة محمود بيحبك قد ايه فحسيت أنها فرصة
قطبت فاطمة جبينها مستنكرة جملة صفاء لتضحك الأخيرة تومأ برأسها تردف حزينة :
- محمود بيحبك أوي ، اومال هو سافر واتغرب ليه كان عاوز يكون نفسه ويرجع يتجوزك ، وفي يوم كان بيكلم عاصم بالصدفة وبيسأل عنكوا ، عاصم ما يعرفش أنه بيحبك قاله أنك اتجوزتي ، ما تعرفيش محمود انهار إزاي فضل يبكي زي الطفل ويقولي أنا بحبها أنا كنت عاوز اجبلها كل حاجة ، يارتني سمعت كلامك وخطبتها قبل ما اسافر ، فضل كتير على الحال دا ، ورفض يتجوز خالص وجمع مبلغ كبير من شغله ليل ونهار بس منه لله ابن الحرم واحد زميله قاله
هنفتح مشروع سوا وكان مشروع شؤوم ، المشروع فشل ومحمود خسر كل اللي حوشه وما كنش قدامنا غير أننا نرجع تاني ، هتصدقيني لو قولتلك أني ما شوفتش محمود سعيد غير من ساعة ما أنتِ رجعتي ، أنا ما بقولكيش كدة عشان تشفقي عليه ، أنا ابني سيد الرجالة وألف واحدة تتمناه ، وأنتِ من حقك تفضلي مخلصة لجوزك وبتحبيه وما حدش هيلومك بردوا لو فتحتي قلبك تاني ، محمود على الرغم أنه بيحبك أوي إلا أنه مستحيل يتجوزك وأنتِ مش راضية ، وحقك عليا يا بنتي ، هعملك كوباية شاي معايا
وقامت صفاء تخرج من الغرفة تاركة فاطمة بمفردها حائرة تفكر ، أيعقل أن محمود يحبها لتلك الدرجة ولكنها لا تزال تحب نور ، وضعت يديها على رأسها تشعر بالحيرة تؤرجحها بعنف!!
___________
الرابعة عصرا أمام أحد مراكز الدروس الخصوصية ، بدأ الطلاب في الخروج من المركز ليدفع يوسف الكتب في يده إلى وليد يبحث عن مراد يبدو غاضبا ، هنا وهناك إلى أن وجده أخيرا لينهال عليه باللكمات أمام الجميع أسقطه أرضا يجثم فوقه يقبض على تلابيب ثيابه يصرخ فيه :
- ما هو أصلك وسخ ، أنا مش حذرتك قولتلك لو طلعت بتعمل كدة يا مراد أنا اللي هقفلك فيها ، بتضحك عليا بتستغفلني يا كلب
هرع وليد سريعا وبعض زملائهم بإبعاد يوسف عن مراد وإسناد الأخير ليقف على قدميه ، خرج المدرس ينظر لكلاهما ليصيح فيهما غاضبا :
- انتوا الإتنين تعالوا ، رقم ولي أمر البيه والبيه اللي امتحانتهم كمان كام ساعة وبيطحنوا بعض
نظر يوسف لمريم التي تقف بعيدا تبكي وملاك التي ترمقه بنظرات مدهوشة لا تفهم لما يفعل ذلك ليغمغم خفية لوليد الواقف جواره :
- قول لملاك ومريم يروحوا ما يفضلوش واقفين كدة
اومأ وليد برأسه بالإيجاب ليخرج يوسف هاتفه يطلب رقم والده انتظر بضع لحظات إلى أن أجاب ليحمحم مرتبكا :
- بابا المدرس عاوز حضرتك
ومد يده بالهاتف للمدرس الواقف أمامه ليضع الهاتف على أذنه يغمغم بنبرة جادة :
- مساء الخير حضرتك والد الطالب يوسف
قطب جاسر جبينه متعجبا ليغمغم في هدوء :
- ايوة أنا جاسر مهران ، خير في ايه
نظر المدرس ليوسف قبل أن يغمغم متضايقا :
- ابن حضرتك وأنا آسف في الكلمة ناقص تربية ، بعد الدرس اتهجم على زميله ونزل فيه ضرب قدام كل زمايله ولولا أن زمايله بعدوه عنه كان بهدله
هب جاسر واقفا يكور قبضته بعنف يشد عليها غاضبا قبل أن يهمس متوعدا :
- أنا جاي حالا أشوف البيه هبب ايه
وأغلق الخط ليطلب المدرس رقم عاصم والد مراد الذي بدور قال نفس كلمات جاسر
بعد نصف ساعة تقريبا تقابلت سيارة عاصم مع سيارة جاسر أمام المركز ، اقترب جاسر من عاصم يغمغم متضايقا :
- أنت بردوا المدرس اتصل بيك وقالك ان مراد ضرب حد
حرك عاصم رأسه للجانبين يغمغم مستفهما :
- لاء ، قالي أن مراد أضرب من واحد من زمايله وأن ولي أمره جاي ، هو في اي أنا مش فاهم حاجة
ولكن جاسر فهم ، يوسف ضرب مراد ولكن ما السبب الذي دفع ولده لضرب ابن خاله بتلك الطريقة العنيفة التي أخبره بها المدرس ، تحرك بصحبة عاصم للداخل وقف يوسف ما أن رأى والده ليقترب جاسر من الراجل الجالس أمامه يصافحه :
- جاسر مهران ، حضرتك مستر سامح ؟
وقف الرجل يصافحه يومأ برأسه بالإيجاب يردف :
- ايوة يا افندم أنا طلب حضرتك تيجي عشان نشوف حل في اللي عمله يوسف وازاي يضرب زميله بالشكل دا ، مع أن يوسف هادي وشاطر جداا
وأشار إلى مراد الذي بدوره أشاح بوجهه بعيدا ، هنا رسم عاصم ابتسامة صغيرة على ثغره يغمغم :
- واضح أن حضرتك مش عارف مراد يبقى ابن خال يوسف وأنا ابقى خاله ، وفي الأغلب الإتنين دول كانوا بيهزروا ، هما دايما هزارهم مع بعض غبي كدة زي الديوك ، إحنا متعودين منهم على كدة ، بس دا ما ينفعش يحصل في السنتر وأكيد مش هيتكرر تاني ، يلا يا بيه أنت وهو عشان تلحقوا تذاكروا
وابتسم يصافح المدرس يمرء الموقف الحادث ، تحرك يوسف إلى سيارة والده يجلس جواره ليفعل مراد المثل ، وقف جاسر يتحدث مع مراد بضع لحظات قبل أن يتوجه كل منهما إلى سيارته ، ما أن دلف جاسر إلى سيارته ودون حتى أن ينظر لولده نطق بجملة واحدة:
- ضربت مراد ليه يا يوسف وما تدورش على كدبة عشان ما تزودش عقابك
ابتسم يوسف ابتسامة صغيرة يحرك وجهه صوب النافذة يهمس :
- يبقى في الحالة دي أنا ملتزم الصمت وما عنديش أسباب ملموسة
ضرب جاسر على المقود غاضبا ليقبض على فك يوسف يحرك وجهه إليه يصيح فيه محتدا :
- أنت كمان بتستظرف ، انطق عملت كدة ليه يا يوسف
- كنا بنهزر وقلبت جد وهو استفزني وقال عليا سايكو وهو عارف إن الكلمة دي بتضايقني جداا
حاول يوسف الدفاع عن نفسه بثبات عل والده يقتنع ، ولكن جاسر هزه في يده بعنف يصرخ بعلو صوته:
- دا مش مبرر يا بيه ، مش مبرر أنك تعمل كدة في ابن خالك ، عقابًا ليك يا يوسف فاكر السفرية اللي وعدتك هتروحها مع صحابك بعد ثانوية عامة اتلغت عشان أنا مش مخلف بلطجي ، دا أنت دمرت وشه
ابتلع يوسف لعابه يكبح غضبه كان سينجو بنفسه لو أخبر والده لما فعل ذلك ولكنها مريم شقيقته الذي يأكله قلبه ألما لأنها ترفض الحديث معه بسبب ما فعله ولها كل الحق هو أبدا لن يلومها
أما على الجانب الآخر تحركت سيارة عاصم في صمت طويل إلى أن قرر عاصم كسر ذلك الصمت وسؤال مراد :
- يوسف ضربك ليه ؟ عرف أنك بتكلم أخته من ورانا ؟
ابتلع مراد لعابه مرتبكا يومأ برأسه بالإيجاب يبعد رأسه صوب النافذة ليبتسم عاصم ساخرا يتهكم منه:
- يبقى عنده حق وما اقدرش ألومه حط نفسك مكانه ، لو مريم دي كانت أختك أنت وعرفت أن يوسف بيكلمها من وراك كنت هتعملهم اتنين لمون
لم يرد مراد على ما قال والده ليردف عاصم محتدا :
- هتفضل ساكت كدة ، أنت من جواك عارف أنه عنده حق وأنت ندل حتى لو بتحبها ، في ألف طريقة صح ، من أنك تحطها في موقف زي دا ، تخيل يوسف لو قال لجاسر هيبقى شكلها ايه قدام أبوها ، أنت لو راجل فعلا ما كنتش عملت كل القرف اللي أنت عمال تعكه دا ، كنت نجحت السنة اللي فاتت ودخلت كلية محترمة وساعتها كنت هاخدك من أيدك ونروح لأبوها نطلب ايدها وطالما بتحبوا بعض جاسر عمره ما كان هيرفض ، دا لو أنت عندك عقل وبتفكر إنما أنت عيل ، كنت فاكر إني مخلف راجل بس للأسف
كلمات والده قاسية شعر بها تجلده ظل صامتا إلى أن وصلت السيارة إلى منزلهم ، ونزل مراد يستند إلى عكازه لم ينطق بحرف واحد فقط توجه لأعلى قاصدا غرفته ليرى باب غرفة حسين مفتوح منه جزء صغير ، تحرك إليها فتح الباب ليبصر حسين جالسا على الفراش يبكي قطب جبينه يغلق الباب لينتبه حسين يمسح دموعه سريعا ليغمغم مراد قلقا :
- شوفتك ، مالك يا حسين بتعيط ليه ، حصل حاجة بينك وبين چوري اتخانقتوا ولا ايه ، حتى لو اتخانقتوا تقوم معيط
حرك حسين رأسه للجانبين رفع عينيه لشقيقه ليدرك مراد من عينيه الحمراء أنه كان يبكي لفترة طويلة اقترب منه يجلس جواره على الفراش يسأله قلقا:
- في اي يا حسين مالك ، قلقتني
أخفض حسين رأسه لا يجد ما يقوله لشقيقه ، خرجت شهقة بكاء ضعيفة من ثغره يهمس بعدها بحرقة :
- أنا عملت كارثة ، عملت كارثة يا مراد بس والله ما كنت في وعيي ولا حتى هي ، كانت لعبة مريضة من شوية مرضى
وقص على شقيقه ما حدث لتتسع عيني مراد فزعا ، كان يظن أنه بما فعل أحدث كارثة ، ولكنها جوار كارثة حسين شظية لا تُرى ، ابتلع لعابه يحاول أن يقول شيئا ليقاطعه حسين يهمس بحرقة :
- أنا مش صعبان عليا غير چوري ، دي من خوفها من عمي جاسر أول ما شافته وقعت من طولها وحرارتها عليت من الرعب ، أنا بحب چوري بحبها أوي وكان حلمي إني اتجوزها ، بس كنت عاوز اتجوزها وهي بتحبني وهي سعيدة مش وهي مغصوبة عشان اللي حصل
رفع مراد يدع يربط على كتف شقيقه يهمس يواسيه :
- يا حسين اللي حصل دا مالكوش ذنب فيه ولو في وعيكوا أكيد عمركوا ما كنتوا هتفركوا تعملوا كدة ، أنا عارف إن چوري صعبانة عليك ، بس خلاص اللي حصل حصل ليه ما فكرتش طيب تروحوا چوري تكشف يمكن ما حصلش حاجة
نظر حسين لشقيقه محتدا يهمس غاضبا :
- أنت هتعوم على عومها ، لاء طبعا دي إهانة ليها وأنا ما ارضاش أبدا بدا
وابتسم ساخرا يردف متهكما :
- وبعدين الوضع اللي إحنا صحينا فيه ما يقولش تماما أن ما حصلش حاجة
وصمت يكمل بنبرة تحترق ألما :
- أنا مش حارق قلبي غيرها ، عيطت وانهارت أيام حالتها النفسية وحشة أوي ، يا ريت في ايدي أعمل حاجة عشان تهدا
صمت دقيقة كاملة يفكر قبل أن تتسع حدقتيه يهمس سريعا :
- أنا عندي حل أنا هروح أقول لعمك جاسر إن أنا اللي اعتديت عليها وأنها مالهاش ذنب وأنها خافت تقولك والذنب كله ذنبي أنا
رفع مراد حاجبيه ينظر لشقيقه ساخرا قبل أن يصفق له ببطئ يردف يتهكم منه:
- فكرة عظيمة فعلا ، وطبعا أنت فاكر أن عمك جاسر هيحط أيده على كتفك ويقولك بصوت هادي كدة ولا يهمك يا ابني المهم أنك اعترفت بغلطك أنا موافق أنكوا تتجوزوا ، دا هيعذبك عذاب الكفار ، ما هو أكيد ما كنوش بيقولوا عنه الشيطان من فراغ يعني ، بطل هطل يا حسين ، ولما چوري تفوق كدة وتبقى أحسن روح اتقدملها ومشوا الموضوع طبيعي جداا ، أهم حاجة بس لا أبوها ولا الحج يعرفوا ، عشان رد فعلهم مش هيبقى مختلف ، عمك جاسر هيقتلها وأبوك هيقتلك وبعد الجواز تقدر تفتحوا صفحة جديدة تعترفلها بحبك ، اعمل اي حاجة وخليها تحبك ، إلا أنك تروح تقول لأبوها الفكرة العبقرية دي
زفر حسين أنفاسه ضائعا حائرا والألم يأكل قلبه بضراوة كلما تذكر مشهدها وهي تسقط أرضا فاقدة للوعي !
________________
أما هناك في المستشفى عند شهاب وليان
جلست ليان أمام جنان شقيقة شهاب على الفراش تحمل الصغيرة بين يديها تنظر لها وهي تغط في النوم تمسك بأصبعها داخل كفها الصغير ، رفعت وجهها حين سمعت حنان تحادثها بود :
- أنتِ جميلة أوي يا ليان ما شاء الله عليكِ ، ليه حق شهاب يح ... أنا قصدي ليه حق يحكي عنك وعن الشغل دايما بيحكي عنكوا
ابتسمت ليان برقة تشكرها ، ،لتردف حنان ضاحكة :
- اوعي تصدقي الكلام الأهبل اللي قالته سارة دا ، هي دايما بتحب تناكف شهاب ، تقولي مولود فوق رأسها ... مع أنه اللي مربيها من وهي عجلة صغيرة كدة
ضحكت ليان على تشبيهات تلك العائلة الغريبة ، لتضحك حنان معها قبل أن تصمت تردف بابتسامة حنونة :
- بس صدقيني بتحبه أوي وهو كمان روحه فيها ، شهاب طيب وحنين ، وشايل همنا من زمان من ساعة ما والدي ووالدتي توفوا ، عارفة لما كان بيجبلي الجهاز قبل ما اتجوز كان يقولي اختاري اللي أنتِ عوزاه يا حنان أنا عامل حسابي والله ما في حاجة كان نفسي فيها إلا وجابها ، واهو بيحوش معايا فلوس عشان جهازها يا خوفي بس ليرفض الجواز لحد ما يجوز المفعوصة سارة
ابتسمت ليان معجبة بشخصية شهاب كثيرا ، شريف لا يختلف عنه أبدا شريف أكتر حدة فقط ، قاطع ما يحدث دقات على الباب وصوت شهاب يستأذن ومن ثم دخل يمسك بسارة من تلابيب ثيابها من الخلف نظر لحنان يغمغم حانقا:
- حنان خلي البت دي هنا بدل ما ادفنها في الجنينة ، ماشية في المستشفى تغني بعلو صوتها طبيب جراح قلوب الناس أداويها ، فاكرة نفسها چورچ وسوف
لم تستطع ليان سوى أن تضحك عاليا ذلك الثنائي مختل بكل ما تعنيه الكلمة ، اشاحت بوجهها للاتجاه الآخر تحاول أن تمسك زمام ضحكاتها ، لترتسم ابتسامة صغيرة على شفتي شهاب لم ترها ليان ورأتها شقيقته جيدا ودعت في نفسها أن يُرزق شقيقها بالسعادة التي يبغي ، دُق الباب مرة أخرى ودخل سامح زوج حنان يغمغم مبتسما:
- يلا يا حبيبتي الدكتورة قالت أنك بقيتي زي الفل وتقدري تخرجي
نظرت حنان لليان تغمغم مبتسمة:
- معلش يا حبيبتي هتعبك خليكِ بس شايلة عائشة على ما أغير هدومي
اومأت ليان برأسها سريعا رأت شهاب ينسحب من الغرفة ومعه سامح وتقدمت سارة تساعد شقيقتها على تبديل ثيابها ومن ثم بدأت تضب ثيابها في حقيبة صغيرة حملتها على كتفها تمسك بيدها تسندها بينما ليان تقف تراقب ذلك التناغم بين الاختين سارة تتصرف بجد وكأنها والدة حنان ، تحركوا جميعا للخارج لتلتفت حنان إلى ليان تحادثها مبتسمة :
- أنتِ هتيجي معانا وما تقوليش لاء ، أنا حبيتك زي البت سارة والله ، وكمان تيجي في السبوع هخلي شهاب يقولك امتى بالظبط
حاولت ليان أن تعتذر ولكن حنان لم توافق ، أخذ شهاب الصغيرة من بين يديها يحملها يتوجهون جميعا لخارج المستشفى ، لتسمع صوت مميز تعرفه جيدا ينادي باسمها :
- ليان
التفتت خلفها ليشق ثغرها ابتسامة كبيرة حالمة ها هو جواد هنا ، اقترب منها يقطب جبينه يسألها متعجبا :
- أنتِ بتعملي ايه هنا ؟ ومين دول ، آه شهاب
ابتلعت ليان لعابها مرتبكة خشية من أن يكن غضب منها لأنها هنا مع شهاب وأسرته وتعرف أنه لا يحب شهاب ويريدها أن تبتعد عنه لأنه يغار عليها ! ، أمسك جواد بكف يدها يتحرك بها صوب شهاب يهنئه بابتسامة صفراء :
- مبروك ما جالكوا يا شهاب ، عقبالك ... يلا يا ليان عشان اتأخرتي أوي
وجذب يدها لتومأ برأسها سريعا تلوح لحنان تودعها تسرع في خطاها تحاول أن تواكب خطوات جواد السريعة ، التفت شهاب لشقيقته يتمتم ساخرا :
- مش قولتلك ما فيش فايدة دي غرقانة فيه
ضيقت حنان عينيها غيظا تهمس حانقة :
- دا الخبث والشر بيشعوا من عينيه هي عامية دي ولا ايه ، على العموم هي الخسرانة يا شهاب ، صدقني مش هتلاقي أحسن منك أبدا
ابتسم شهاب ساخرا يومأ برأسه ، لا يهم لم يعد يهتم حقا !
______________
في منزل جاسر مهران قرابة السادسة مساء حين بدأت تفتح عينيها تبصر الدنيا من جديد ، تأوهت متألمة تشعر برأسها على شفا الإنفجار ، استندت بكفيها إلى الفراش ترفع جسدها قليلا عنه ، ها هي عادت لغرفتها في منزل والدها وياليتها لم ترحل ، شعرت بالألم الشديد ينخر كل خلية بها والدموع تحرق عينيها ، عليها أن تتماسك أكثر لا تريد أن يزيد الشك داخل والدها وأن فعل فعلى الأرجح لن يستغرق الأمر أربعة وعشرون ساعة وسيعلم كل شيء ، ارتمت برأسها إلى سطح الوسادة خلفها تغمض عينيها متعبة خائفة منهكة ، سمعت صوت الباب يُفتح ببطء ظنتها والدتها ففتحت عينيها قليلا تنظر إليها ؛ لتبصر فتاة لا تعرفها تدخل إلى الغرفة تحمل بين يديها عدة علب للدواء قطبت جبينها تهمس تسألها متعبة:
- أنتِ مين ؟
حمحمت طرب مرتبكة لا تعرف أتخبرها بالخبر هكذا مرة واحدة دون مقدمات :
- أنا طرب ، مرات رعد أخوكِ
توسعت حدقتي چوري الذابلة تهمس مدهوشة :
- مرات رعد إزاي يعني هو رعد اتجوز امتى ؟ ويعرفك منين ؟ أنا مش فاهمة
- دا موضوع طويل يا چوري يطول شرحه
غمغمت بها رؤى وهي تدخل لباب الغرفة تحمل بين صينية طعام على سطحها صحن يحتوي على الحساء الساخن تتصاعد منه الأبخرة ، اقتربت من ابنتها تضع يدها على جبينها لتهمس بارتياح :
- الحمد لله بقيتي أحسن ، دا أنتِ نشفتي دمنا كلنا ، اشربي يلا .. أنا هسيب طرب معاكِ وهروح أكلم جاسر اطمنه
وتركتها وخرجت من الغرفة لتجلس طرب مرتبكة تفرك يديها تشعر بالتوتر ، التفت ناحية چوري حين همست تعتذر منها:
- أنا آسفة لو كنت ضايقتك أنا بس استغربت ، أنا عارفة أن رعد ما يعرفش بنات خالص ، وإني الاقيه فجاءة متجوز دي مفاجأة بصراحة
أنا ورعد تؤام لو مش عارفة
ابتسمت طرب تردف سعيدة:
- لاء أنا عارفة هو حكالي عنك كتير أوي وقالي أنك قريبة منه جداا ، وأنه غالية عنده أوي
ابتست چوري تتفرس النظر إليها ، رعد أختار فتاة جميلة تبدو مشرقة ومرحة وودودة ولكنها لا تفهم متي وكيف تزوجها بتلك السرعة ، اجفلت كلتاهما على صوت غاضب يأتي من الأسفل لترتشع چوري خوفا حين أدركت أنه صوت والدها وظنت أنه علم بما حدث ؛ لتقبض على يد طرب تهمس تتوسلها خائفة :
- ما تسبينش بالله عليكِ ، ما تمشيش
نظرت طرب لها قلقة لتقترب منها سريعا جلست جوارها تحتضنها لتنفجر چوري في البكاء تهذي مذعورة :
- أنا ما كنش قصدي والله ، دا غصب عني
لم تفهم طرب بما تهذي ولكن خوفها الشديد يذكرها بنفسها فهي تعش ذلك الرعب ولكن داخلها ، الرعب من معرفة الحقيقة التي تحاول أن تتغاضى عنها وتمضي قدما
في الأسفل دخل جاسر يسحب يوسف من ذراعه يصيح فيه محتدا :
- على أوضتك ما تعتبش براها لحد الإمتحان ، الأكل هيجيلك أوضتك
تأفف يوسف محتدا ولم يرد فقط تحرك لأعلى مر في طريقه على غرفة مريم ورآها تقف خارجها لتشيح بوجهها بعيدا عنه ما أن رأته ليكمل طريقه إلى غرفته يصفع بابها بعنف ، صعد جاسر لأعلى حيث غرفة ابنته فتح الباب قلقا لتنتفض چوري من بين أحضان طرب تمسح دموعها تنظر لوالدها خائفة ، اقترب جاسر منها سريعا جلس أمامها يجذبها لأحضانه يمسح على رأسها بحنو يهمس مترفقا :
- اتخضيتي ولا ايه ، دت الحيوان يوسف عامل مشاكل ،اهدي يا حبيبتي ما تعيطيش ، اهدي عشان ما تتعبيش تاني دا أنا ما صدقت رؤى قالت بقيتي كويسة
وقفت طرب بعيدا تراقب تشعر بنغزة قوية تضرب قلبها وهي تنظر لجاسر وهو يحتضن ابنته يخبرها أنه هنا وأنها لا يجب أن تخف وأنها يجب أن تشعر بالأمان ، أدمعت عينيها تشعر بالحرمان لتلك المشاعر .. خرجت سريعا من الغرفة تغلق الباب خلفها بهدوء ، أبعد جاسر ابنته عن أحضانه قليلا يسألها قلقا :
- مالك يا حبيبتي وقعتي فجاءة ، وطالما تعبتي هناك ما اتصلتيش بيا ليه ، هو عند وخلاص يت چوري ، الحمد لله أن حسين كان معاكِ ، مالك يا چوري عينيكِ خايفة تبصلي ليه ..
ارتعبت تبلع لعابها مذعورة تشعر بقواها تتداعى لترتمي بين أحضانه تنفجر في البكاء تهمس من بين شهقاتها المتتابعة :
- أنا آسفة يا بابا ، آسفة إني ما سمعتش كلامك ، سامحني أرجوك أنا آسفة
ساور جاسر الشك ليمسك ذراعيها يبعدها عنه للخلف يحادثها ببعض الحدة :
- في اي يا چوري أنتِ مخبية ايه ، عياطك وخوفك وتعبك بيقول أنك مخبية كتير ، انطقي يا چوري في اي
ارتجفت حدقتيها ذعرا تنظر لأعين أبيها الحادة وقبل أن تنطق بحرف سمعت صوت والدتها تصرخ من أسفل مذعورة :
- جاسر الحقني يا جاسر ، رعد يا جاسر ، ابني ابني !!
___________
في أحد المجمعات التجارية الجديدة جلس جاسر أمام شقيقته ينظر إليها وهي تنظر لقائمة المشروبات منذ نصف ساعة تقريبا قبل أن تغلقها تهمس مرتبكة :
- أنا مش عاوزة حاجة ، أنت ليه مش بتختارلي زيك وخلاص
عقد جاسر ذراعيه أمام صدره يغمغم متضايقا :
- أنا بشرب قهوة سادة يا أريچ ،وبعدين ما تطلبي في أي
لتقول ما جعله مصدوما كليا :
- أنت أكيد عارف الأحسن ليا ، اطلبه زي ماما وخلاص يا جاسر
شعر بالغيظ الشديد بينما هو يصول ويجول يمارس هويته وعمله المفضل في حل عقد الناس ، كانت تنمو داخل جدران منزله عقدة لم يرها أو تغاضى عن رؤيتها لأنه لم يكن يفكر سوى في نفسه ، نظر لشقيقته يفتح قائمة المشروبات يضعها أمامها يغمغم متضايقا :
- وأنتِ ما تختاريش لنفسك ليه ، ما تعرفيش بتحبي المانجا ولا الفراولة يا أريچ ، عايزة عصير ساقع ولا نسكافية سخن ، اختاري
مدت يدها سريعا تشير إلى أحد المشروبات لتجد أنها أشارت إلى فنجان قهوة قاتم دون سكر ، أشار جاسر للنادل يطلب قهوته والطلب التي وضعت يدها عليه ، لتضطرب حدقتيها تهمس مرتبكة :
- بس أنا ما بحبهاش يا جاسر
- يبقى ارفعي أيدك ونادي الويتر واختاري طلب تاني
نطق بها بهدوء تام يوجه حديثه للهاتف في يدن يراقب تخبطها خلسة ينتظرها أن ترفع يدها وتبدل الطلب ولكنها لم تفعل ، وجاء النادل ووضع الطلبات أمامهم اعتدل في جلسته يلتقط كوب القهوة يرتشف منه يغمغم مبتسما:
- ما تشربي قهوتك ، دي نوع ممتاز هي صحيح غامقة والغامقة بتبقى مرة زيادة بس دا اختيارك ولازم تتحملي نتيجته طالما ما كنش عندك الشجاعة أنك تغيريه
رفعت الكوب إلى فمها رشفة صغيرة جعلت جسدها يرتعش من مرارة ما تذوقت ، طعمه كان أسوء مما ظنت انها ستستطيع التحمل لتسمع جاسر يردف في تلك اللحظة:
- عارفة ليه الستات بتخاف من الطلاق يا أريچ عشان بتخاف تغير اختيارها الغلط ، وبتفتكر أنها تقدر تستحمل كوباية القهوة المرة مع أن أول بوء هي عرفت أنها مش هتقدر تكمل الفنجان ، بس مش هتغيره هتخاف و هتفضل تشرب غصب نفس الفنجان المر عشان ما رفعتش ايدها وغيرت الطلب لما ما عرفتش تشربه
نظرت أريچ له مرتبكة ليدق هاتف جاسر وضعه على أذنه لترى ابتسامة كبيرة تشق شفتيه :
- بجد بالسرعة دي اصطدته ، طب أنا جايلك حالا
نظر لها يشير لكوب القهوة يردف :
- كملي الفنجان عشان نمشي
حاولت أن تنثيه عما يقول ولكنه رفض وبشدة واضطرت أن تتحمل مرارة ذلك الكوب إلى أن أنهته لتراه يبتسم يغمغم سعيدا :
- شوفتي بقى لما عرفتي أن اختيارك غلط ، عمرك ما هتكرريه تاني إلا لو كنتِ عبيطة
ابتسمت مرتبكة تحركت جواره ،جلست في السيارة تلاعب قطتها الصغيرة إلى أن وصلوا لمكان مهجور يبدو مخيفا ، أخذ جاسر منها القطة يضعها في صندوقها على الأريكة الخلفية ، قبل أن يخرج من السيارة يفتح الباب المجاور لها يخرجها من السيارة لتقبض على ذراعه تهمس خائفة :
- جاسر إحنا رايحين فين أنا خايفة
ابتسم يربط على ذراعها برفق ، لتتحرك معه مرغمة إلى إحدى العمائر في الطابق الأرضي فتح الباب يُضئ الإنارة ليشير للملقى أمامهم أرضا يغمغم بابتسامة واسعة :
- ايه رأيك في المفاجأة دي
توسعت حدقتي أريچ حين رأت مصطفى ملقى أمامها أرضا لتقبض على ذراع جاسر تختفي خلفه ، فما كان منه إلا أنه أمسك ذراعها يوقفها أمامه يمسك بذراعيها يغمغم مبتسما:
- ايه يا روچا خايفة من ايه ، من دا بذمتك حد يخاف من دا ، دا تعبان دخلناه حياتنا من غير ما نعرف اديناله سما ، جميلة العائلة بس هو عشان وسخ وعينه فارغة وكلب ما بيصونش العيش والملح ضحك عليكِ وابتزك وأكيد اتحرش بيكِ وكان بيحاول يجبرك تعملي معاه علاقة في الحرام وغضب عنك ، وختاما راح اتجوز على سما
شهقت أريچ بعنف عند نهاية كلامه ، ليمسك جاسر بيدها يجذبها لمقعد بعيد جلست هناك ليقف في المنتصف بينها وبين مصطفى يكمل ساخرا :
- أنا مش صعبان عليا غير البنت المسكينة اللي اتدبست فيه ، يتيمة وغلبانة وأمه اشترتها ليه ؟ عشان أمه بتكره سما وعايزة تكيدها بأي شكل ، شغل عقارب
اقترب جاسرمن مصطفى ينزل على ركبتيه أمامه قبض على خصلات شعره يرفع رأسه عن الأرض يهمس ساخرا :
- أنا سمعت صحيح أن العروسة لسه فيرچن يا دوكش ، اومال عاملي فيها الحج متولي ليه ، قولي بقى يا حبيبي تحب تتعاقب على اللي أنت عملته دا إزاي
اضطربت حدقتي مصطفى ذعرا يهمس بصوت خفيض مهتز :
- أنا ما عملتش حاجة غلط ، دا حقي وشرع ربنا
احتدت عيني جاسر غضبا ليقبض على عنق مصطفى بعنف يصرخ فيه :
- وحقك وشرع ربنا أنت تضحك على عيلة صغيرة وتبتبزها وتتحرش بيها وعايز تغتصبها ، ما خوفتش من ربنا وأنت بتقول شرع ربنا ، ما خوفتش على بنتك لما تكبر دي الدنيا دوارة
نفضه بعيدا عنه ليسعل مصطفى بعنف يحاول إلتقاط أنفاسه المسلوبة ، قبض جاسر على تلابيب ثياب مصطفى يرفعه عن الأرض يجذبه معه ليلقيه أمام أريچ التي صرخت مذعورة تضم قدميها لها وكأن ما أمامها وحش مفترس ، طلب منها جاسر أن تقف ففعلت بجسد يرتعش رفع جاسر مصطفى جعله يقف أمامها لتتمسك أريچ بذراع جاسر الذي نظر إليها يغمغم في هدوء :
- اضربيه بالقلم ، كل افتكري لحظة خوف عيشك منها سواء منه أو مننا وحاسبيه عليها ، لو ما عملتيش كدة أنا هسيبه يمشي
توسعت حدقتي أريچ ذعرا وتعالت أنفاسه تكاد تمزق رئتيها من الخوف ، أغمضت عينيها خائفة تبكي ، تحرك رأسها للجانبين ترفض فعل خوفا ولكن حين أغمضت عينيها مر أمامها مشهد يده وهو يضعها على فخذها يتحسس جسدها بشكل فج مقزز وصوته يهمس :
- ما تطلعيش صوت عشان ما حدش يسمعنا
فتحت عينيها تنظر له كارهة غاضبة ربما الخوف المستوطن داخلها ، رفع يدها تهبط بها على وجهها لم تكن سوى صفعة خفيفة ترتعش خوفا ، لتسمع جاسر يردف ساخرا :
- معقول يا روچا انشفي كدة شوية ، الضرب يبقي كدة
وصوت صفعة عنيف دوى في المكان جعلت وجه مصطفى يلتف من قوتها ، ليزم جاسر شفتيه يغمغم متضايقا :
- شوفتيني خلتيني استخدم العنف إزاي وأنا مبحبوش ، سوري يا مصطفى
اقترب برأسه من أريچ يخفض صوته حد الوسوسة يهمس بنبرة خبيثة :
- دا قال عليكِ مقرفة معقولة أنتِ مقرفة ، يعني بذمتك ما فيش ولا مرة حط أيده عليكِ ولا حاول يبوسك غصب عنك ، ما كنش مهددك ومعيشك في رعب وندم وخوف
كلمات جاسر كانت كنثرات البنزين فوق شعلة صغيرة تأججها لتزداد شيئا فشيء ، لم تشعر أريچ بنفسها وهي ترفع يديها تهبط بها على وجه مصطفى بعنف تصرخ بحرقة ، دموعها تنهمر أنهارا :
- أنت حيوان ، مش طبيعي ، مريض ، أنا عملتلك ايه عشان تعمل فيا كل دا ، أنا كنت عيلة صغيرة مش فاهمة ، عيشتني في رعب وخوف من أهلي وندم خلتني الجأ لمجنون عذبني ، عشان أبطل أحس بالندم ، منك لله حسبي الله ونعم الوكيل فيك ، أنت دمرتني
وانهارت أرضا تبكي تخفي وجهها بين كفيها ، دفع جاسر مصطفى بعيدا ليمسك بذراعيها برفق جعلها تقف عن الأرض يعطيها مفتاح السيارة يهمس مترفقا :
- اقعدي استنيني في العربية ، برافو عليكِ أنا حقيقي فخور بيكِ عشان ما سيبتيش نفسك لخوفك وخدتي حقك منه ولسه الكلب التاني هجبهولك
وربط على رأسها برفق ، رفعت وجهها إليه تنظر لحدقتيه وما يشبه ابتسامة ضعيفة للغاية ارتسمت في مقلتيها ، تحركت للسيارة فتحت بابها تغلقها عليها تبكي ، أما جاسر فدخل إلى مصطفى من جديد جذب المقعد التي كانت تجلس عليه أريچ يضعه أمام مصطفى جلس يضع ساقا فوق أخرى يغمغم ساخرا:
- بص يا دوكش ، أنا ضد الضرب حتى هتلاقي اللي جابك هنا ما ضربكش ، هي بس أريچ وكان لازم تحس أنها خدت حقها منك وبصراحة دا ما شفاش غليلي أنا ، أريچ بردوا ايديها صغيرة مش هتوجعك يعني ، اختار معايا بقى ادفنك بالحيا ، لاء بلاش أنا ما بحبش العنف ، أنا ممكن أديك دلوقتي المصل دا
وأخرج من جيب سترته زجاجة صغيرة بها مصل شفاف نظر لمصطفى يردف مبتسما :
- دا يا سيدي هيخليك تهلوس شوية حلوين ، آخر تجارب اتعملت عليه الدكاترة كلهم اجمعوا أنه محذور لأنه بيرفع حرارة الجسم جداا وبما أن اللي بياخده بيبقى مش واعي للي بيعمله فهو بيقلع هدومه خالص ، فإيه رأيك تاخده واسيبك تجري في الشارع ، هتبقى ترند هايل بعد ساعتين على السوشيال ميديا ، أنت عارف كل فترة لازم يطلع ترند عشان الناس تتابعه
شحب وجه مصطفى ذعرا يحرك رأسه للجانبين يهمس يتوسله :
- أبوس رجلك وايدك يا جاسر لاء ، هعمل كل اللي أنت عاوزه ، هطلق مراتي التانية هتنازل لسما عن كل حاجة ، هبعد ومش هتشوفوا وشي تاني ، بس ما تعملش كدة ابوس رجلك
تأفف جاسر حانقا يغمغم متضايقا :
- طب قولي أعمل ايه ، نص الأفكار اللي في دماغي دموية والنص التانية سايكوبايتة ، وأنا مش عاوز استخدم العنف أنا ما بحبش العنف
بس لو ما لقتش حل غيره هضطر استخدمه ، وهيبقى مجبر أخاك لا بطل
انهمرت الدموع من عيني مصطفى ذعرا يهمس يتوسله :
-سيبني وأنا هتنازلك عن كل حاجة الشقة والعربية والفلوس اللي في البنك كل حاجة بس ارحمني
ضحك جاسر ساخرا يشير إليه يردف متهكما :
- أنت هتعملي لي فيها مليونير يا شحات ، أومال لو ما كنش دكتور ياسر هو اللي جايبلك عقد العمل عشان تحسن دخلك ، جاي دلوقتي عامل فيها صاحب أملاك ، الشقة كدة كدة من حق الزوجة عشان هي حاضنة والمؤخر والنفقة ومصاريف كل دا هتدفعه مش بمزاج أهلك هو ، أنا عندي حل حلو
وأخرج زجاجة بها نصل آخر من جيب سترته حاول مصطفى أن يقاومه وهو يقترب منه يحقن ذلك النصل في وريده قبل أن يبتعد عنه ليصرخ مصطفى مذعورا :
- أنت ادتني ايه أبعد عني
ابتعد جاسر عنه يرمي المحقن في سلة المهملات يغمغم مبتسما:
- دا مصل (..........) عقار هلوسة ممتاز هيخليك تشوف عالم سمسم نفسه ، عارف إيه أحلى حاجة في المصل دا أنه بيجسدلك خوفك حي قدام عينيك ، في كاميرا هنا في الأوضة هنبسط أوي آخر اليوم وأنا بتفرج عليك وأنت مرعوب وخايف زي ما رعبتها وانبسطت وأنت بتتفرج عليها ودي لسه البداية صدقني ، باي يا دوكش
لوح له ببطى ليتحرك إلى الخارج يغلق عليه الباب عليه ، يُجري مكالمة
في السيارة نظرت لأريچ لكفي يدها ، استطاعت أن تضرب مصطفى ، استطاعت أن تسترد جزء من حقها ، مما فعل بها من بوتقة الرعب التي ألقاها بها تنصهر خوفا وندما كل يوم وليلة ، عليه أن يدفع الثمن الوغد لم يكفيه ما فعل ليتزوج على شقيقتها ، ذلك الشيطان ماذا يريد بعد لما يفعل كل ذلك ، ضمت قبضتيها تنظر لانعكاسها في مرآة السيارة ، ماذا سيحدث لو باتت أكثر قوة واستطاعت أن تواجه بمفردها ، لما يجب أن تظل سجينة دور الضحية كورقة خريف هشة أن مر الظل من جوارها تتهشم خوفا ، رأت جاسر يخرج من المكان يقابل رجل ما ، سمعته يحادث الرجل :
- تحطله أكل وماية بس أنا مش عايزه يموت على الأقل دلوقتي
وأكمل طريقه متجها إليها فتح الباب المجاور لها يجلس خلف المقود لتبادر تقول ما أن دخل بنبرة مهتزة خائفة :
- جاسر أنا عاوزة اتعلم كارتية أو مصارعة أي حاجة أعرف أدافع بيها عن نفسي
لم يعترض تماما رآها خطوة ممتازة لزيادة ثقتها بنفسها وسعد أكثر أنها هي من اقترحتها ، اومأ برأسه موافقا يردف :
- أكيد طبعا اللي أنتِ عوزاه ، في الشارع اللي ورايا تقريبا في نادي كارتية نتأكد وإحنا مروحين دلوقتي
ابتسمت متوترة تشجع نفسها على أن تمضي قدما ، قبل أن تهمس بصوت خفيض مرتكب :
- جاسر أنا مش هقدر أدخل الامتحان السنة دي ممكن تقدملي إعتذار
اومأ برأسه موافقا من جديد يغادران ، في الطريق جاءه إتصال من مساعدته في العيادة تخبره أن هناك حالة عاجلة تحتاجه ، أوصل أريچ إلى منزله يعطيها المفتاح يغمغم متعجلا :
- أريچ خدي قطتك واطلعي واعملي أكل وكُلي
هشوف في اي وهاجي بسرعة
نزلت من السيارة خائفة مرتبكة تحركت سريعا لأعلى خائفة قلبها يدق بعنف لم تشعر بالأمان إلا حين باتت داخل شقة جاسر وأغلقت على نفسها الباب تلهث بعنف من الخوف
في الطريق طلب جاسر رقم مليكة الذي بحوزته انتظر عدة لحظات إلى أن سمع صوتها تغمغم بنبرة ناعسة يبدو أنها كانت نائمة :
- ايوة مين
حمحم مرتبكا يحاول أن يبدو جديا :
- مساء الخير يا آنسة مليكة أنا دكتور جاسر جارك ، معلش لو موجودة في البيت ممكن تدخلي لأريچ لأني اضطريت أسيبها وأخرج
سمع عدة أصوات مبعثرة مرتبكة يبدو أنها تفاجأت للغاية من مكالمته قبل أن تردف مرتبكة :
- ايوة أكيد طبعا ما فيش مشكلة
ارتسمت ابتسامة صغيرة على ثغره يشكرها ، أغلق معها الخط يكمل طريقه للعيادة القريبة من شقته ما أن وصل لهناك ، اقتربت منه مساعدته تعتذر منه :
- أنا آسفة ، أنا عارفة أن حضرتك واخد أجازة بس مدام رقية هنا وحالتها النفسية وحشة جداا واتحايلت عليا كتير عشان اكلمك تيجي
اومأ متفهما ليتحرك للداخل ،وقفت رقية ما أن رأته تطالعه بنظرة حالمة مشتاقة قبل أن تغمغم متلهفة :
- دكتور جاسر أنا آسفة بجد ، بس أنا فعلا محتجالك
ابتسم يقترب يجلس على المقعد القريب منها يشير لها بيده اليمني لتجلس لتتسع حدقتيها حين لمع تحت إضاءة الغرفة خاتم زواج من الفضة يضعه في إصبعه ، جلست أمامه مرتبكة عينيها لا تنزاح عن الخاتم ، تشعر برغبة بشعة في البكاء قبل أن تسمع صوته يغمغم بنبرته الهادئة :
- خير يا آنسة رقية ، مالك أنتِ كويسة ... أنا عارف أنك أحسن دلوقتي ورجعتي الكلية والدنيا ماشية تمام ، خير حصل ايه
ظلت صامتة عدة لحظات قبل أن تنهمر الدموع من حدقتيها فجاءة ويتداعى ذلك الثبات بدأت تشير لنفسها وتتحدث بحرقة :
- جاسر أنا بحبك ، أنا عارفة أنك هتشوف كلامي مجرد كلام من مريضة اتعلقت بالدكتور بتاعها بس أنا بجد بحبك ، ما ببطلش تفكير فيك ليل ونهار ، أنت الإنسان الوحيد اللي حستتني إني بني آدمة وعندي مشاعر واحترمت أنوثتي ، أنت ما تعرفش هو عمل فيا ايه ذلني وهاني قد ايه في حاجات ما قدرتش احكيهالك ما ينفعش تعرفها ، كان مريض بشع ... إنما أنت العكس أنت بتحترمني وبتسمعني وبتخاف على مشاعري وبتحاول تساعدني ودايما بتسأل عني ، صدقني خطيبتك دي ما تستاهلكش أنا اللي بحبك ، بحبك أوي
وعم الصمت ولم يعد يُسمع سوى شهقاتها الضعيفة ونظرات عينيها الحزينة التي يملئها الأمل بأن تستميل قلبه ، ليبتسم ... علت شفتيه ابتسامة خفيفة يردف بهدوء :
- في مثل بيقولك تعرف فلان آه أعرفه ، عاشرته ، لاء يبقى ما تعرفوش ... آنسة رقية أنا دكتور دي مهمتي أنتِ جاية تدفعيلي فلوس عشان اسمع واهتم ... دا شغلي ، أما بقى حتة الإحترام فدي مش عايزة دكتور أنتِ الشخص اللي قدامك لو مش بيعاملك بإحترام ، ابعدي عنه ما تسحميش لحد أبدا أنه يعاملك بشكل فظ أو يقلل من احترام لنفسك أن كان دكتور الجامعة ولا زميل ولا حتى جوز ولا خطيب
احترامك لنفسك خط أحمر ممنوع الاقتراب أو التصوير
ومن ثم صمت لبضع لحظات قبل أن يردف بنبرة حادة قليلا :
- رقية أنتِ التجربة اللي مريتي بيها كانت صعبة والحمد لله ربنا قدرنا وتجاوزيتها ، مشاعرك عاملة زي مشاعر الطفل الصغير اللي اتعلقت بأول حد طبطب عليه ، دي مش مشاعر
حقيقية يا رقية ، لو سمعتي كلامك وأنتِ بتقوليه هتلاقيه كله مقارنات بيني وبينه ، أنتِ بتدوري على شخص يكون عكس طباع جوزك اللي مات ، بس إنتِ ما تعرفيش طباعي في الحقيقة يا رقية ، مش يمكن أنا شخص سيء ، ما هو ما فيش حد وحش بيمشي يقول أنا وحش كل واحد بيحاول يبين أجمل ما فيه
رقية أنتِ بنوتة جميلة ومشاعرك مرهفة ونوياكِ طيبة ، محتاجة حد ياخد الكنز دا بس يكون يستاهله ، وأنا هفضل أخ ليكِ ودكتور في اي وقت تحتاجيني فيه ، صدقيني يا رقية كمان سنة هتضحكي على الموقف دا وتقوليلي فاكر لما قولتلك كذا كذا
وقام وتوجه إلى مكتبه خط نوع دواء واحد على سطح الورقة يعطيها لها يكمل مبتسما :
- دي مهدئات لطيفة هتساعدك على المذاكرة
ارتجفت يدها تأخذ منه الورقة لم تستطع النظر لعينيه تشعر بالخزي والاحراج خرجت سريعا من الغرفة ليتنهد متعبا يخلع الخاتم من يده يضعه في جيب سرواله ، مراد كان محقا حين أخبره أن معظم الفتيات التي يعالجهن يقعن في حبه
خرج من غرفة الكشف وقبل أن يتجه إلى باب العيادة وجد رجل يهرول لداخل العيادة يلتقط أنفاسه بصعوبة يغمغم متلهفا :
- الحقني يا دكتور ابني ، ابني بيروح مني .. الناس بيقولوا ممسوس وعليه جنية بس أنا مش مصدقهم ابني عيان ، أنا سمعت عنك كتير وشوفت اسمك على التليفزيون وفي الشارع ، وعارف ان كشفك بالشيء الفلاني بس أنا واقع في عرضك يا ابني ساعدني
_____________
في منزل جاسر مهران تمدد رعد على الفراش يلتف حول ساقه اليسرى بداية من أصابعه حتى منتصف ساقه أسفل ركبته جبيرة من جبس ، ويلتف رباط حول جرح رأسه الجميع عنده في الغرفة ، دخل جاسر إلى الغرفة يبدو غاضبا للغاية هرعت رؤى إليه تسأله عما قال له الطبيب لينظر لولده محتدا يغمغم متضايقا :
- ما تقلقيش الدكتور طمني ، قالي أن جرح راسه اتخيط تجميلي ومش هيبان ، وإصابه رجله مش خطيرة دا شرخ مش كسر ، هما كانوا قلقانين من إصابة راسه بس الحمد لله قدر ولطف ، البيه بقى أنا مش قايل ألف مرة ما حدش فيكوا بتكلم في الزفت وهو سايق
اندفعت رؤى سريعا تدافع عنه :
- لا يا جاسر هو مش غلطان أنا اللي اتصلت بيه ما كنتش أعرف أن دا هيحصل ، يا رتني ما كلمته ، أنا السبب
وانفجرت تبكي بحرقة ليربط جاسر على رأسها برفق يغمغم يهدئها :
- خلاص يا رؤى اهدي ، ما هو زي التور قدامك أهو ما حصلوش حاجة ، اهدي بدل ما انزل تلطيش في ولاد الكلب دول كلهم
نظر يوسف إلى رعد مدهوشا ليصيحا معا :
- وإحنا مالنا !
ابتعد جاسر عن رؤى يقترب منها يغمغم حانقا :
- انتوا ، دا انتوا عايزين الولعة بجاز ... البيه المنحنح اللي هتلاقيه سرح وهو سايق ، والتاني اللي عاملي فيها بلطجي وبيضرب ابن خاله وقال ايه بنهزر
توسعت حدقتي رؤى مذهولة لتقترب.من مراد تغمغم تعاتبه بحدة :
- ليه يا يوسف حرام عليك ، دا الواد ماشي بالعافية ، وبعدين مراد طيب وغلبان هو صحيح بيهزر كتير بس طيب ، أنت بتستقوى عليه يا يوسف دي تربيتي ليك
تأفف يوسف حانقا داخل نفسه يرمي مريم بنظرة غاضبة قبل أن يعاود النظر لوالدته يغمغم سريعا:
- يا ماما كنا بنهزر يا ماما وبعدين مراد سخيف في هزاره وضايقني فضربته ، وبعدين أنا مش عاوز أعرفه تاني أصلا خلاص ، اهو المفتري هيبعد عنه خالص حلو كدة
هنا تدخل رعد يغمغم مدهوشا :
- خاصمت مراد لا طبعا مستحيل دا انتوا اللي يشوفوكوا يقول تؤام ما بتفرقوش بعض ، دا أنت قعدت فترة مقاطع وليد بس عمرك ما قاطعت مراد يوم ، حصل ايه
نظر جاسر لابنه يضيق حدقتيه لما صحيح تخاصم ولده مع أعز صديق لديه ؟! المزاح الثقيل ليس سببا إطلاقا للقطيعة بين الصديقين ، نظر جاسر صوب مريم يسألها فجاءة :
- مريم ايه اللي حصل بين اخوكي ومراد أنتِ بتبقي موجودة معاهم على طول
أصفر وجه مريم ، شعرت بقلبها على وشك أن ينفجر من الرعب ليبتسم يوسف ساخرا ، بالكاد استطاعت أن تتحدث :
- مش عارفة يا بابا أنا كنت مع ملاك بتسأل المدرس على كام حاجة مش عرفاها
تحرك يوسف ربط على كتف شقيقه يغمغم مبتسما:
- حمد لله على سلامتك يا رعد ، أنا هروح اوضتي أكمل مذاكرة ، عن إذنكوا
وتحرك يخرج من الغرفة لتغمغم رؤى سريعا :
- أنا هروح اشوف الأكل خلص ولا لسه ، مش هتيجوا تسيبوه يرتاح شوية
تحرك جاسر ومعه مريم وملاك إلى خارج الغرفة وبقيت چوري جالسة جواره صامتة فقط تضع رأسها على كتفه تغمض عينيها متعبة ، تحركت لتقوم ليمسك رعد بيدها يسألها قلقا:
- مالك يا چوري ، أنا عارف أنك تعبانة بس في حاجة غلط ، ليه الخوف والحزن اللي ساكنين عينيكِ دول
وكم أرادت أن تلقي بنفسها بين أحضانه تخبره بما حدث ولكنها لم تستطع ، أعطته ما يشبه ابتسامة متعبة تجذب يدها من كفه تهمس متعبة :
-لما أنت تبقى أحسن وأنا كمان ابقى أحسن هنتكلم ، هسيبك ترتاح
وخرجت تغلق الباب خلفها ليتبقى هو وطرب ، أين طرب صحيح تقف في أحد جوانب الغرفة تنظر له خائفة وعقلها يخبرها أن ذلك الشخص هو من حاول قتله ، ما أن رجل الجميع التفت برأسه يبحث عنها ليراها تقف هناك عينيها تملئها الدموع دعاها لتقترب منه ، فتحركت قدميها تجرهم جرا إليه جلست على طرف الفراش أمامه لحظة واحدة في صمت قبل أن تشهق في البكاء فجاءة ترتمي بين ذراعيه احتضنها لتتمسك به كأنها تحاول التأكد من أنه أمامها لم يصيبه مكروه ، لم يرحل من حياتها كم رحل أبيها خرجت الأحرف من بين شفتيها بصعوبة :
- ما تبعدش عني يا رعد ، أرجوك ما تبعدش عني ، ما تسبنيش أنا آسفة ، أرجوك ما تبعدش عني
حاول جاهدا أن يجعلها تهدأ ولكنها لم تتوقف عن البكاء إلى أن دقت رؤى الباب لتبتعد عنه سريعا تسمح دموعها ، توجهت تفتح الباب لوالدته تحمل عنها صينية الطعام ، ربطت رؤى على رأسها برفق حين رأت عينيها المنتفخة تهمس :
- هو بخير يا بنتي الحمد لله ، ربنا ما يحرمكوا من بعض ، خليه ياكل الواد دا مقرف في أكله من وهو عيل صغير
ضحكت طرب بخفة تومأ برأسه ليزم رعد شفتيه غاضبا كالطفل الصغير لتضحك رؤى عليه تقرص وجنته بخفة تغمغم :
- كُل كويس يا حبيبي ، واعمل حسابك أبوك قالي أقولك أن ما فيش مرواح للشغل لحد كا رجلك تخف
تنفست طرب الصعداء تشعر وكأن حمل جبل زيح من فوق عاتقها وجود رعد في البيت سيجعله تحت عينيها وهذا ما تريده ، خرجت رؤى من الغرفة لتضع طرب الصينية أمام رعد
تغمغم :
- تحب أكلك؟
ابتسم يحرك رأسه للجانبين يغمغم:
- لا ما تتعبيش نفسك أنا تمام
ضحكت ما أن أنهى كلامه تغمغم من بين ضحكاتها :
- أنت فعلا ما بتتفرجش على أفلام عربي ، أنت ما بتشوفش المشهد دا في كل فيلم البطل لما بيتعب بيقعد يستعبط عشان البطلة تأكله بإيديها ، وراسي وجعاني وايدي وجعاني ، وأكليني في بوقي
قطب رعد جبينه يغمغم مستنكرا :
- ايه التلزيق دا ، طب الحمد لله إني ما بتفرجش ، دا هي مرارة واحدة ، أنا بتفرج على هاري بوتر بحبه
ابتسمت سعيدة تغمغم سريعا :
- وأنا كمان بحبه أوي وبحب بروفسيور سنايب أكتر واحد ، دا أنا عيطت عياط لما مات ، بس عارف أنا كان نفسي هاري يتجوز صاحبتهم التالتة اللي بنسى اسمها دايما ، البت الدحيحة دي
ضحك رعد يأكل معلقة طعام لتزم شفتيها حانقة تقتطع قطعة دجاج تقربها من فمه ليرفع حاجبيه متعجبا ليحمر وجهها خجلا تهمس مرتبكة:
- كلها بقى وما تبقاش رخم ، أنا عايزة أكلك حتى لو أنت شايفه تلزيق
ابتسم يفتح فمه لتضع الطعام في فمه ، حملت الصينية وضعتها على ساقيها تربع ساقيها أمامه تغمغم سعيدة:
- عارف رغم اللي حصل بس أنا مبسوطة أوي أنك هتقعد معايا ، أنا بحس بالوحدة أوي من غيرك
تنهد بعمق ينظر لعينيها يبتسم سعيدا ، مد يده نحوها يبسط كفها على أحد وجنتيها لتغمض عينيها تمسح وجنتها في كفه تهمس خائفة :
- أنا كنت هموت من الخوف لما افتكرت أن في حاجة وحشة حصلتلك ، رعد أرجوك ما تبعدش عني أبدا ، أنا ماليش غيرك في الدنيا
تضاربت دقات قلبه ليحمل صينية الطعام يضعها على الأرض يقترب منها يهمس بنبرة شغوفة محمومة :
- بلا آخر الأسبوع بلا آخر الشهر بقى
مال بجسده قليلا صوبها ليشعر بدوار عنيف والرؤية تتشوش أمامه تراجع للخلف سريعا لتسنده تحاول إلا تضحك تغمغم بنبرة مكتومة :
- الدكتور قال جرح راسك هيسببلك دوخة كام يوم اقعد عدل بقى عشان تاكل
ضيق حدقتيه ينظر لها مغتاظا لتنفجر في الضحك تدس الطعام في فمه
_____________
في الأسفل رن هاتف جاسر برقم عاصم شقيق رؤى ليفتح الخط يغمغم :
- ايوة يا عاصم خير
وصمت بضع لحظات قبل أن يغمغم محتدا :
- أنت بتقول ايه ، وازاي دا حصل وامتى ، لاء المرة دي مش هسمي عليه ، المرة اللي فاتت سيبته عشان عضم التربة بس ، طيب أنا هطلع على الشركة ساعة زمن عشان في ملف مهم عايز امضيه وهحصلك على هناك
وأغلق معه الخط لا يفهم ما سر المصائب تتجمع فوق رأسه يشعر بأن جميع أفراد أسرته يغرقون في الوحل ويخفون عنه ذلك ، اقتربت رؤى منه تسأله متعجبة :
- في اي يا جاسر ؟
التفت لها وابتسم يلف ذراعه حول كتفيها يردف :
- ما فيش يا حبيبي ، صحيح عاصم وأنا هنروح لفاطمة تحبي تيجي معانا ، وكلمي حلم تروح مع عاصم
ابتسمت سعيدة تومأ برأسها سريعا تطلب منه انتظاره إلى أن تبدل ثيابها وفعلت ، جاءه إتصال من مساعده في المكتب يخبره :
- جاسر باشا فيCD جه لحضرتك في الشحن السريع تحب أفرغ اللي فيه وابعته لحضرتك
انتباه فجاءة شعور سيء ليغمغم :
- لا مالوش داعي أنا جاي كدة كدة
وأغلق الخط انتظر بضع دقائق أخرى إلى أن أطلت عليه رؤى ليعلو ثغره ابتسامة كبيرة تنهد بعمق ما أن رآها يغمغم بنبرة حالمة :
- قل للمليحة في الخمار الأسود ، ماذا فعلتي بناسك متعبد
استطاع أن يرى ابتسامتها الجميلة خلف نقابها شبك يده في يدها يتحركان إلى السيارة جلس جوارها ليميل برأسه يهمس عابثا :
- وكأن سنين العمر ما عدتش ، فاكرة الكيكة بالشوكولاتة
ضحكت بخفة تصدمه على كتفه ظل يشاكسها إلى أن وصلا إلى الشركة التفت لها يغمغم سريعا :
- قبل ما تسألي في كام ملف عايز امضا ، خمس دقايق هتستنيني في الكافتريا مش هتأخر
اومات موافقة تتنهد حانقة :
- اما نشوف يا استاذ جاسر دا أنت لما بتشوف الشغل بتنسى نفسك
وضحك يمسك بيدها يتحركان للداخل لتنتظره في مقهى الشركة ليست المرة الأولى على أي حال فهي تكره مكتبه المغلق
أما هو فصعد إلى مكتبه سريعا عليه أن ينتهي في اسرع وقت دخل إلى مكتب جلس على مقعده الوثير يوقع الملفات امامه وضعهم جانبا لتقع عينيه على القرص ، قرص مدمج وصل لمكتبه في ظرف مغلق لا يعرف من أرسله وما تلك الأساليب القديمة المضحكة هم ليسوا في فيلم قديم ، لم يهتم وتركه أمامه ينظر إليه لعدة لحظات ليبتسم ساخرا يردد :
_هيكون فيه ايه يعني ؟! فضيحة الموسم
التقطه يضعه في جهاز حاسب محمول لا شيء من البيانات تحسبا إن كان به ڤيرس أو شيء من هذا القبيل
لم يجد فيه سوى مقطع فيديو فتحه ليرى ممر غرف طويل فارغ استمرت الصورة لعدة لحظات قبل أن يقف المصعد وتخرج چوري تتخبط في خطاها تضحك عاليا ترتمي بجسدها على حسين الذي يتحرك بخطى متخبطة هو الآخر يحرك يده أمام وجهه يفتح ازرار قميصه الأولى يبدو أنه يشعر بالحر الشديد يضحك هو الآخر انتفض واقفا ينظر لما يحدث امامه مصعوقا خاصة حين دخلا معا نفس الغرفة ولم يتوقف المشهد عن ذلك الحد ولكن يبدو أن هناك كاميرا اخرى في الغرفة وها هو يرى امامه حسين وهو يحمل ابنته يلقيها على الفراش وكأنها عروس وهي تضحك عاليا بينما يقوم هو بتمزيق ما تبقى من ازرار قميصه !!
وتوقف المقطع عند ذلك الحد ولم يكن يحتاج للكثير من الذكاء ليعرف ما حدث ويفهم سبب تغير ابنته ويقسم على قتلهما معا !!