رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل العشرون 20 بقلم ولاء رفعت علي


 رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل العشرون 



يزداد الشعور بالندم بزيادة حجم الخطأ الذي تم ارتكابه أو بسبب سوء النتائج المترتبة على ذلك الفعل أو القول، مما يؤدي إلى شعور بعدم الرضا وتأنيب الضمير، فالتراجع عن الإثم لا يكفي لمحوه، وإنّما الندم وحده هو الذي يُطهر القلوب ويهيىء النفوس للتوبة النصوح.

في داخل مكان يشبه المرآب يعم الظلام الدامس وصوت قطرات ماء تتساقط داخل الدلو، تسبب التوتر واضطراب لدى هذا المُقيد بحبل قوي يلتف حول جذعه و ركبتيه و قدميه وحبل أخر يجعله ملتصقاً بعمود خرساني، يأن من فرط الألم الذي يشعر به في أنحاء وجهه المصاب بالكدمات المبرحة أثر اللكمات القوية التي سددها له الرجال ريثما يأتي كبيرهم، فقد وصل للتو وعزم على الإنتقام من هذا الذي تجرأ وسولت له نفسه أن يُهدد زوجته وطلب منها ما جعل الأخر يريد أن يفصل رأسه عن جسده أو يمحو له لقب رجلاً. 

يردد بصوت يخرج من بين شفتيه التي اختفت معالمها من الدماء المتساقطة من فتحات أنفه: 
"ميه، أنا عايز ميه، هاموت"

انتفض بذعر حينما صدح صوت مصعب الذي ولج للتو ورأي مظهر هذا المجرم: 
"هو أنت لسه شوفت حاجة"  

أشار إلي أحد رجاله نحو الدلو، فذهب وحمل الدلو ليعطيه إياه، فقام مصعب بكل قوته دفع المياه علي زيكو الذي شهق وكأنه يغرق داخل دوامة، أردف الأخر بصوت جهوري: 
"عامل نفسك واحدة وتدخل للستات والبنات عشان تهكر موبايلاتهم وتمسك عليهم اسكرينات وصور؟!، أنا بقي هخليك لا منك راجل و لا منك ست" 

اقترب منه وبكل قوته وعزمه ركله أسفل الحزام، شعر الأخر بأن روحه تكاد تغادر جسده من فرط الألم، ألتفت مصعب إلي أحد رجاله وأمره: 
"روح هات لي الواد اللي كان معاه" 

أجاب الأخر: 
"أمرك يا باشا" 

و بعد أقل من دقيقة دخل رجلان يقيدان سائق التوكتوك الذي يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يفلت من قبضتهما، يصيح بتوسل: 
"وربنا ما عملت حاجة، أبوس إيديكم سيبوني"

قاما بتقيد يديه معاً خلف ظهره ثم ألقيا به علي الأرض أمام مصعب الذي رمقه بنظرة قاتلة جعلته ألتفت مرغماً نحو زيكو ورأي حالتة المُزرية فأرتجف وبلل سرواله في الحال من الخوف أن يلقي نفس مصير الأخر، صاح ببكاء: 
"والله العظيم ما عملت حاجة يا باشا، أنا كنت سايق التوكتوك بس ومكنتش أعرف إنه هيخطفها، كل اللي قاله لي إنه هيقابل واحدة من إياهم وهياخدها معاه علي شقة واحد صاحبه، وربنا ده اللي حصل و أكتر من كدة ما أعرفش حاجة" 

لم يعد لدي زيكو و لو القليل من القوة أن يتلفظ بحرفٍ واحد، فقد أصبح مثل الخرقة البالية. 
ظل مصعب ينظر في صمت إلي السائق والخبرة التي يملكها من علم الفراسة أدرك صدق هذا الشاب، دنا منه وقبض علي تلابيب قميصه فسأله: 
"و فين الشقة دي؟" 

نظر أولاً زيكو ثم عاد ببصره إلي مصعب ليخبره دون تردد خوفاً من ما يمكن أن يحدث له: 
"هو أتفق معايا أوصله في دار السلام في شارع... تاني بيت من أول حارة متفرعة منه" 

أمر مصعب رجاله: 
"فكوه و خلوه يمشي من هنا" 

ثم نظر إلي الشاب ورمقه بتهديد قائلاً: 
"تمشي من هنا أخرس و أعمي، عشان لو جبتك هنا تاني هاتحصل صاحبك" 

أومأ له الشاب بتأكيد: 
"تمام يا باشا" 
أخذ الرجال هذا الشاب و غادروا المكان، بينما مصعب تذكر أمر هاتف زيكو الذي أخذه منه حين قبض عليه و جعل رجاله يأتوا به إلي هنا، أخرج الهاتف وحاول فتحه فوجده ببصمة أصبع الأخر، اقترب منه و أمسك بيده اليمني المقيدة، أمسك بإصبعه السبابة وتمكن من فتح الهاتف، أخذ يتصفح الرسائل و ملفات الصور فوجد أن زوجته ضحية من ضمن مئات الضحايا الذي نهب منهم الكثير من الأموال تحت سطوة التهديد والابتزاز. 

"كل عشر دقايق ترموا عليه جردل مايه وتشغلوا المروحة العمود وتسلطوها عليه لحد ما أرجع له" 
ظل يصرخ بأنين خافت وإحدى الرجال يحمل مروحة كبيرة وقام بوضعها أمامه مباشرة فقام بتشغيلها وهوائها البارد مع الرطوبة المحيطة به جعلته يشعر وكأن ثلوج تخترق خلايا جلده وتنخر عظامه فتسبب له رجفة قوية ومستمرة، تركه مصعب وذهب مع رجاله إلي العنوان الذي علمه من السائق. 

و بعد أن وصل قام بمداهمة المنزل فوجد شاب آخر والذي ألتقط صور لزيكو وملك  عندما قامت بمقابلته. 
انتفض الشاب من أمام الحاسوب وتراجع إلي الوراء بخوف، أدرك إنهم في الحال من طرف ملك، رفع يديه في استسلام وأخبرهم: 
"هقولكم علي كل حاجة" 

أخذ يسرد إلي مصعب ما يفعله صاحبه وكيف يحتال و يبتز ضحاياه من الفتيات والسيدات، و كان دائماً يحذره من ما يرتكبه لكن الأخر لم يستمع و لا يكترث بل تمادي في جرائمه.  
علم مصعب أيضاً منه أن هذا الحاسوب عليه كل ما يُدين زيكو من أفعال شنيعة قام بها، فقام بفك وحدة التشغيل المركزية وأخذ منها وحدة التخزين(Hard disk)، أخذ الشاب وغادر المكان ثم تواصل مع الضحايا فأجاب بعضهم وخشي البعض الأخر من الفضيحة. 

و في داخل قسم الشرطة يجلس مصعب أمام مكتب الضابط الذي علي معرفة شخصية لديه، سرد للضابط كل ما حدث لكنه قبل مجيئه إلي قسم الشرطة قام بمسح صور زوجته الخاصة لاسيما تلك الصورة التي ترتدي فيها ثياب البحر العارية، لكنه ترك صور المحادثات كما هي. 

نظر الضابط إلي زيكو الذي مازال يرتجف ويستند إلي الحائط، وجهه لا يوجد به معالم واضحة من الكدمات والدماء النازفة. 
عاد بالنظر إلي مصعب وقال له: 
"مكنش فيه داعي إنك تضربه و إحنا كنا هانتصرف معاه"  

حاول مصعب تمالك أعصابه و ألا يغضب، فقال له: 
"حقي وحق مراتي حاجة و حق القانون حاجة تانية، يعني كويس إن سلمته لك و هو لسه فيه الروح" 

لم يجد الأخر رداً وهذا بعد أن علم بكل شئ و استمع إلي شهادة صاحب زيكو و إلي أقوال الضحايا، فأي رجل لن يتحمل أن تتعرض زوجته كما حدث مع ملك التي كانت أقل ضحية ضرراً، فهناك ضحايا وصل هذا المحتال به الأمر أن يستدرجهن إلى وكره ليعتدي عليهن عنوة وتصوير كل منهن في أوضاع مخلة ويبدأ في تهديده لهن، الصور والفيديوهات مقابل مبالغ مالية وألا الفضيحة. 

أقر الضابط بحبس المتهم حتي الانتهاء من التحقيق و فرز محتويات هاتفه ووحدة التخزين الخاصة بحاسوبه و من ثم ترحيله إلي النيابة العامة. 

بمجرد أن خرج مصعب من المخفر قام بالاتصال على قصى و أخبره بكل ما حدث كما أخبره أن ترك زوجته وابنتيه مع أشقائه في القصر، فإنه قد فضل الابتعاد في الوقت الحالي ريثما يهدأ من روعه حتي لا يقدم علي فعل أو قول مع زوجته يندم عليه لاحقاً. 
༺༻
ولج من باب الشقة إلي الداخل للتو فالوضع يبدو هادئاً فتوقع صغاره نائمون لكن ضوء شاشة التلفاز ألفت انتباهه، ذهب ليري من الذي يجلس أمامه فوجدها هي من تتمدد فوق الأريكة ويتوسد ذراعها سيف أصغر ابنائه، تناول جهاز التحكم واطفأ التلفاز، حمل الصغير بروية وذهب به إلى داخل غرفة أشقائه فوضعه في مهده ذو الجوانب المرتفعة ثم عاد إليها. 

وقف يتأملها وهي نائمة، كم هي جميلة بل ازدادت جمالاً ربما السبب لانها تبتعد عنه منذ أيام فجعله الاشتياق يراها من منظور آخر، و ربما إنه يكتشف جمالها الداخلي و الخارجي معاً الآن بعد أن أنقشعت الغيوم من علي بصره فأصبح يراها بقلبه وعقله معاً، كم كان مخطئاً في حقها حينما اهملها وركض خلف السراب حتي باغته الواقع بالحقيقة ووجد إنه أكبر أحمق ولا يستحق أن يكون حبيب دنياه، وما أدركه من غدر دنياه، ستجعله يعض أصابعه ندماً علي كل قطرة من دموعها و كل وجع كان يسببه لها دون أن يكترث لها. 

جلس علي طرف الطاولة المقابلة للآريكة، مد يده ليلمس خصلات شعرها الغجري، دنا منها وقام باستنشاقه ثم تركه ينسدل علي خدها فأزاحه ليتمكن من ملامسة هذا الخد ذو الملمس الناعم تشوبه حُمرة مرمرية تجعله دافئاً، تقلبت فجأة فتراجع واعتدل جالساً، ظن إنها استيقظت لكن كان مجرد تغير وضعية نومها، ابتسم بمكر عندما رأي بجوارها مكاناً شاغراً يتسع له، خلع سترته وألقاها جانباً ثم قام بفك ربطة العنق فألقاها أيضاً علي السترة، و بدون أن يصدر صوتاً تمدد جوارها ولم يكتفِ بهذا بل وقام بمعانقتها، وضع ذراعه أسفل ذراعها لتصبح بين ذراعيه. 

أصبحت أنفاسه تخالط أنفاسها، و كان علي وشك أن يُقبلها، فتحت عينيها فجأة فوجدته يحتضنها ويلتصق بها، اتسعت عيناها بالغضب وبكل قوة دفعته من جوارها فوقع علي الأرض واصطدمت رأسه بالطاولة فتأوه بألم، نهضت وارتسمت على ملامحها الغضب غير مبالية لما فعلته به للتو. 
"المرة الجاية أعملها وهرميك من الشباك مش من علي الكنبة" 

قالتها والتفت علي الفور قبل أن يري في عينيها قلقها عليه، فهي لا تريد أن تظهر له إنها مازالت تحبه وتخاف عليه من أي سوء وهذا لأنه ما فعله في حقها كان السوء في حد ذاته. 
همت بالذهاب إلي الغرفة فنهض وأمسك يدها وجعلها تلتفت إليه ثم سألها: 
"طيب ليه الغباء ده؟!، ما كان ممكن تقولي لي قوم من جمبي" 

وضعت علي فؤادها صخرة لتتمكن من ردها الجافي هذا حيث قالت: 
"لأن مش طايقاك و لا طايقة أشوفك، وإحمد ربنا إن رجعت لك" 

برغم شعوره بالذنب حيالها لكن نظراتها القوية وكلماتها الحادة قامت بخدش كرامته مما جعل الوحش الخامد الذي داخله يستيقظ من سباته العميق فكشر عن أنيابه قابضاً علي ذراعها الأخر، يهزها بعنف ويخبرها من بين أسنانه بتهديد: 
"هو أنا عشان بسكت لك هتسوقي فيها؟!، أنا لو عايز أخد حقي منك هاخده وغصب عنك" 

حاولت جذب ذراعيها من قبضتيه المنغرزة بجلدها، صارخة في وجهه بتحديٍ: 
"ده كان زمان، أيام لما كنت ضعيفة وأنت بتستقوي عليا، لكن دلوقت كل حاجة أتغيرت، جرب تعمل حاجة و لا تقرب مني غصب هخليك تندم علي اللحظة اللي قربت مني فيها" 

عض علي شفته من الغيظ، أصبح وجهه شديد الحمرة من الغضب، نظراته أشد شراسة، تفوه بوعيد عزم علي تنفيذه في الحال: 
"أنا بقي عايز أشوف هتخليني أندم إزاي؟!" 

لم يمهلها لحظة فحملها علي كتفه وأسرع من خطاه إلي غرفة النوم وأغلق الباب بقدمه، كانت تقاوم بتحريك ساقيها وتضرب ظهره بيديها: 
"نزلني، أنا مش طيقاك، نزلني" 

تكرر كلماتها ولا جدوي من ذلك، ألقاها فوق الفراش فتدحرجت بجسدها قبل أن يمسك بها أو ينقض عليها كالليث الجامح، أردفت بصياح وهي تنهض وتبتعد عن مرماه: 
"أنت أتجننت؟!، بقولك مش طيقاك يعني خلي عندك كرامة وما تقربش من واحدة مش طايقة لا تشوفك و لا طايقة حتي نَفّسك" 

قالتها وخشيت أن يفعل بها شيئاً، ركضت نحو الباب فلم تنجح في الوصول إليه حيث أوقفها بجذبها من خصلات شعرها مما سبب لها ألم لا يحتمل، فالتفت له و لا تعلم كيف فعلت هذا، ركلته بقوة بين ساقيه، صاح متأوهاً، تاركاً شعرها رغماً عنه ووجهه محتقن بالدماء، استغلت تلك الفرصة وركضت نحو الباب ثم قامت بفتحه وقبل أن تهرب من أمامه أخبرته بتشفي وتهكم: 
"مش قولت لك لو قربت مني هخليك تندم، أبقي خلي دماغك تنفعك يا، يا سبعي" 

ركضت في التو إلي غرفة صغارها وأوصدت الباب من الداخل، تسمع دقات قلبها التي تخفق بشدة، لن تتمني يوماً أن تصل الأمور بينهما إلي هذا الحد، لكنه هو من أوصلها بينهما، لذا لا يلوم سوي نفسه. 
༺༻
في الصباح الباكر يقف خلف زجاج نافذة شرفة غرفة المكتب خاصته، يحتسي القهوة ويتأمل أزهار اللاڤندر التي يعشقها ويستمتع برائحتها، لكن في تلك اللحظة يشعر بالذنب نحوها بالأحري نحو زوجته التي تشبه تلك الأزهار في عطرها الزكي، فمنذ أن عاد من الخارج بالأمس مكث في مكانه ولم يتناول حتي وجبة الغداء وكذلك العشاء، ربما يتجنب النظر إلي صباه، فكلما تذكر ما حدث في الشركة بينه وبين زوجته الأخرى يشعر بضيق وغضب من نفسه ومن صبا التي جعلته يفعل ذلك من البداية، لم يدرك خطأه بعد أو ربما لا يريد الاعتراف به وهو أن مسألة زواجه كان قراراً أحمق، أراد أن يألمها كما تألم حينما اكتشف ما تفعله من ورائه بينما زواجه من أخري كان أشد قسوة، هو يدرك هذا جيداً لكن الذي لم يكن في حساباته ما يأتي بعد جملة ماذا بعد؟!، و ها هي النتائج يحصدها بخسائر، أفسد حياة فتاة لا ذنب لها في مكيدته لزوجته وكذلك كان على وشك أن يخسر زوجته أُم ابنائه إذا انساق خلف غريزته التي تحركت بالأمس، فقد دق ناقوس الخطر والإشارة الحمراء تومض و تطفأ، تخبره بالتوقف حتي لا يخسر زوجته التي يعشقها و كذلك لا يتحمل ذنب الفتاة التي جعلها تحمل لقب متزوجة واليوم سوف يمنحها لقب مُطلقة. 

و في أخر رشفة لديه رأي صبا وابنه يمسك بيدها، يتجهان نحو المنضدة والخادمة تسير خلفهما تحمل صينية الطعام والشاي والحليب، أخذ يراقبهم و رأي صغيره يجذب المقعد لتجلس والدته، وقبل أن تجلس دنت منه وقامت بتقبيله من وجنته ثم جلست فتبعها بالجلوس لكن على المقعد المجاور لها، بدأت تتناول الشطائر فأعطت صغيرها شطيرة وتناولت هي واحدة أخرى، كانت تبتسم لكن ليست البسمة التي تدل على السعادة بل يشوبها مسحة من الحزن الدفين في دواخلها، إلي هذا الحد هو من أوصلها إلي تلك الحالة؟!، زفرة من أعماقه أطلقها وأطلق معها آلاف اللعنات علي نفسه. 

انتشله من هذه الحالة طرق خافت علي الباب، و عندما التقي سمعه هذا الطرق قال: 
"ادخل" 

أتاه الصوت من الخارج: 
"مش عارفة أفتح، الباب جامد وأنا إيدي صغنونة، أفتحه أنت قوي" 

مَنْ غيرها ترغمه علي الابتسام في لحظات حزنه وتفكيره، ترك القدح علي المكتب وذهب ليفتح الباب لها، دخلت وعقدت ساعديها أمام صدرها، تقلب شفتيها لأسفل، فسألها باهتمام: 
"زوزو حبيبتي مالها زعلانة ليه؟" 

تنظر إليه بامتعاض وتعقد ما بين حاجبيها: 
"أنت من إمبارح قاعد هنا لوحدك و مش عايز تخرج تاكل و لا تلعب معايا، و لا حتي جيت تنام جمبي، للدرجدي نسيتني يا قصى؟!" 

كتم ضحكاته حتي لا يثير غضبها، برغم صغر سنها لكنه يشعر أحياناً إنها فتاة ناضجة وتدرك تعابير وجهه حينما يتحدث معها، كم هي تتميز بالفطنة والذكاء مثل والدتها تماماً. 
جلس كالقرفصاء ليصبح في مستوي قامتها ويخبرها: 
"أنا يا حبيبتي كان عندي شغل كتير، و كان لازم أخلصه، أنا حتي منمتش من إمبارح" 

نظرت إليه بشفقة واحتضنته: 
"حبيبي يا بابي، تعالي أطلع معايا فوق وأخدك في حضني وأنيمك نينه هوو، هاغنيلك أغنية يلا يا قيصو نام وهاجيب لك شرنوبي وحمام" 

لم يتمالك نفسه فضحك رغماً عنه، حاوط وجهها الدائري بيديه، يحدق إليها بحنان وحب غادق: 
"أنتِ الوحيدة اللي بتقدر تخرجني من اللي أنا فيه، ربنا يبارك لي فيكي أنتِ وأخوكِ" 

أمسكت بيده وأخبرته: 
"يلا بقي تعالي أفطر معانا، مامي عاملة لنا سندوتشات اللي إحنا بنحبها وخدت لوكا في الجاردن، تعالي قبل ما يخلصوا السندوتشات، مامي بقت مفجوعة و بتاكل كتير أوي من وقت ما جت نان جلابة المصايب هنا" 

تلاشت ابتسامته التي كانت تزين ثغرها فتبدلت إلي الوجوم، فصغيرته أيضاً لاحظت حالة والدتها، وضع يده علي رأسها قائلاً لها بعتاب: 
"زوزو حبيبتي، عيب تقولي كدة علي مامي، و علي منار، أنتِ بنت شطورة وبتسمعي الكلام وما ينفعش تتكلمي بالأسلوب ده علي حد أكبر منك صح و لا لاء؟" 

نظرت إلي أسفل بخجل وقالت بصوت خافت: 
"صح" 

أمسك وقال لها: 
"يلا بينا نروح نفطر مع مامي ومالك، و أوعدك أول ما هارجع النهاردة هاجي أنام في حضنك و تنيمني نينة هوو اتفقنا؟" 

هزت رأسها بالموافقة وبسعادة أجابت: 
"اتفقنا يا حبيبي" 

و في الأعلى داخل الغرفة تتحدث في هاتفها ويبدو علي ملامحها الحزن: 
"أنا خلاص راجعة يا ماما النهاردة" 

سألتها والدتها بقلق: 
"مالك يا منار فيه إيه يا حبيبتي؟" 

كانت تنظر من خلف النافذة المطلة علي الحديقة، تري صبا وابنها وزوجها يمسك بيد ابنته متجهاً نحوهما، فهم حقاً عائلة مثالية كم تمنت أن تعيش هذه الأجواء من الإستقرار، زوج يحبها و تحبه بينهما مودة ورحمة وثمرة حبهما ذرية صالحة تفتخر بكونها والدتهم. 

"منار؟، يا منار؟" 
تكرر نداء والدتها فأجابت عندما انتبهت: 
"نعم يا ماما، مفيش حاجة أنا بس مُرهقة شوية منمتش من إمبارح" 

"طيب خدي بالك من نفسك يا بنتي وأول ما تركبي طمنيني عليكي" 

ذرفت من عينها دمعة انسدلت كحبة اللؤلؤ على خدها فقامت بمسحها: 
"حاضر يا ماما، أنا مضطرة أقفل معاكي عشان هغير هدومي، مع السلامة" 

أنهت المكالمة ومازالت تتأمل عائلة قصى، ثم نظرت إلي الجهة الأخري على حقيبة ثيابها التي اعدتها منذ الأمس و هذا بعد أن حسمت قرارها وأخبرته به... 

«في ليلة أمس بعدما عادت من الخارج برفقته، ظلت داخل الغرفة تتجول ذهاباً وإياباً، تريد أن تخبره عن رغبتها في الإنفصال لأن الوضع لم يتحمل الإنتظار، فاللعبة كانت ستنقلب إلي حقيقة و لا تريد التعلق بخيوط ضعيفة يغلبها الوهن، لذا تركت غرفتها وفي طريقها إلي الدرج تقابلت مع صبا التي كانت ستدخل إلي غرفتها فوقفت حينما رأتها و وضعت يدها علي جانب خصرها، تحدق إليها بازدراء جعل منار لم تمررها كالسابق فاقتربت وأخبرتها: 
"على فكرة أنا مش زي ما أنتِ شايفاني خالص، و كنت رافضة الموضوع من الأول لكن قصى هو اللي صمم وقالي إنها مجرد لعبة وجواز على ورق، أنا ما أنكرش إني أعجبت بيه بس كأخ كصديق و كأب لأولاده، كزوج ليكي لما شوفت في عينيه هو بيحبك قد إيه" 

ابتسمت صبا بتهكم وردت بسخرية لاذعة: 
"خلصتي كلامك؟!" 

وقفت أمامها مباشرة فاردفت بحدية: 
"واضح جداً فاكراني طيبة وغلبانة ومغلوبة علي أمري يا حرام، دي واحدة جوزها أتجوز عليها السكرتيرة عشان يغيظها ويعلمها الأدب، أحب اقولك دي مش أنا، و أبقي خلي مديرك يحكي لك قصة جوازنا ويقرالك الوشم اللي علي صدره، أنا الهوا اللي بيتنفسه، يعني اللي داخل ما بينا خسران" 

حدقت الأخري إليها بحزن وامتعاض فسألتها: 
"هو ليه حاسة من كلامك و نظراتك باتهام إني خطفته منك؟" 

رمقتها صبا بتحديٍ قائلة: 
"ولا أنتِ و لا مليون واحدة زيك تقدر تعملها، بس أنا واحدة ست وأفهم الست اللي قدامي كويس أوي، أنتِ عينك منه، مجرتيش وراه بس ما صدقتي عرض عليكي الموضوع كلعبة، و أنتِ من جواكي بتتمني اللعبة تبقي بجد، أومال إيه اللي خلاكي تقبلي الوضع ده؟"

و كأن لسان الأخرى قد انعقد ولم تستطع التلفظ بكلمة واحدة، فأردفت صبا وتلوح بيديها: 
 "تتجوزي واحد متجوز وهيطلقك مجرد ما اللي بينه و بيني ينتهي ونرجع لبعض، وقتها وجودك مش هيبقي ليه أي لازمة وفي الأخر لقبك هايكون مطلقة، أنهي عقل و منطق واحدة تتقبل علي نفسها حاجة زي كدة إلا إذا ليها هدف، والهدف ده في أحلامك، فياريت تنزلي علي أرض الواقع قبل ما تخسري كل حاجة، أولهم أهلك اللي ما يعرفوش عن جوازك أي حاجة"

اتسعت عينيها بصدمة كيف ومتي علمت بهذا الأمر!، ارتسمت علي ثغر صبا ابتسامة انتصار فأخبرتها: 
"أوعي تكوني فاكراني نايمة في العسل، أنا كل حاجة بتوصلي و بعرفها وأنا في مكاني، وبإشارة مني ممكن أدمرك بمكالمة صغيرة لجدك وأعمامك اللي في سوهاج" 

ازدردت ريقها بصعوبة وضربات قلبها تسبق عقرب الثواني، كما أدركت من قبل إنها أمام سيدة لن يُستهان بها فهي زوجة قصى البحيري، أو كما يُلقبونه في عالم رجال الأعمال بالملك. 

استطاعت بشق الأنفس أن تتحدث بدفاع وعبراتها أسيرة عيناها: 
"أنا أصلاً قبل ما تقولي أي حاجة قررت أبعد و كنت نازلة أقوله يطلقني، و ده مش عشان خايفة منك و لا من كل اللي قولتيه، أنا هاعمل كدة عشان نفسي، نفسي اللي غلطت في حقها جامد لأنها ما تستاهلش مني كدة، وأوعدك مش هاتشوفي وشي تاني، بس نصيحة مني ليكي قصى بيعشقك ياريت تحافظي علي عشقه ليكي، هو محتاج منك التقدير وأظن أنك أكتر واحدة فاهمة طباع جوزك" 

عقدت الأخري ساعديها أمام صدرها ثم ابتسمت لها بازدراء ونفور فعقبت علي كلماتها بتهكم: 
"خلي نصايحك لنفسك، و أديكي قولتيها أنا أكتر واحدة فاهمة طباع جوزي، أطلعي أنتِ منها بس" 

ألقت نظرة عليها من أسفل إلي أعلي ثم تركتها وهبطت علي الدرج متجهة إلي غرفة المكتب، فكان يتمدد على ظهره أعلي الأريكة المخملية، ينفث دخان سيجاره الذي عبئ الغرفة بالرائحة، طرقت الباب وأتاها صوته من الداخل، يسمح لها بالدخول، فتحت الباب ودخلت فقابلتها سُحب كثيفة من الدخان، أخذت تلوح بيدها لتبعد الدخان الذي سبب لها حالة من السعال، نهض فجلس وقام بإطفاء سيجاره داخل المنفضة الكريستالية، أمسك بجهاز التحكم الخاص بجهاز التبريد وضغط علي زر الخاصية المسئولة عن تنقية الهواء. 

"تعالي أتفضلي" 
أغلقت الباب خلفها وتقدمت لتجلس علي مسافة ليست ببعيدة حتي تستطيع أن تتحدث بأريحية، فقالت له: 
"أنا هاطلب منك طلب وياريت تلبيه زي ما طاوعتك في موضوع جوازنا" 

أنصت إليها بتمعن فتركته يسألها قبل أن تجيب، فباغتها كالعادة بفطنة: 
"عايزاني أطلقك" 

حدقت نحوه بتعجب فنهض و ولي إليها ظهره مُردفاً: 
"أنا عارف ومتأكد من كل اللي بيدور في دماغك من وقت ما كنا في الشركة" 

نهضت وظلت في مكانها مُعقبة: 
"إحنا وصلنا لنقطة ما ينفعش نكمل بعدها، هاتبقي بتظلمني وبتظلم نفسك وقبلها هاتكون بتظلم مراتك" 

أغمض عينيه، يريد محو ما حدث من ذاكرته إلي الأبد ثم قال: 
"ياريت من غير ما نخوض في تفاصيل، أنا لسه علي وعدي، وفي نيتي الموضوع ده يخلص في أقرب وقت" 

استدار ووقف أمامها دون أن يصوب نظره إلي وجهها مباشرة فاردف: 
"و زي ما وعدتك برضو مش هاسيبك، لأن بعد ما هنطلق هاروح أقابل مامتك وأخوكي" 

لا تعلم هل توافق أم ترفض، فسألته حائرة: 
"هتقولهم إيه بالظبط؟" 

"أنا عارف مهما بررت لهم مش هيسامحوا بالساهل وصعب يتقبلوا الموضوع، كل اللي أقدر أقوله لك مش عايزك تقلقي خالص"

كانت تحك يديها معاً من التوتر قبل أن تخبره: 
"طلب أخير وأتمني تقبله، ياريت موضوع الطلاق ده يبقي بكرة" 

هز رأسه لها بالموافقة ثم نظر إليها قائلاً: 
"تمام يا منار، بكرة الصبح هاخدك ونطلع علي المأذون وبعدها علي بيتكم عشان أقابل أهلك" 

تنفست الصعداء وكأن حملاً ثقيلاً تزحزح عن كاهليها، لم يتبق سوي مواجهة والدتها وشقيقها وتدعو ربها أن والدها لم يكن قد سبقهم ليخبرهم بشأن زواجها. 

"شكراً"  

أجاب: 
"أنا اللي المفروض أشكرك"

انتابتها حالة من الحزن جعلتها تريد أن تبكي وبشدة، و قبل أن يفلت الأمر من يدها ويحدث ذلك قالت إليه باقتضاب: 
"تصبح علي خير" 

ابتسم وأجاب: 
"و أنتِ من أهله"» 

عودة إلي الوقت الحالي... 

كان يجلس مع أسرته لكن يتصفح هاتفه لمتابعة الأخبار أو ربما يتهرب من النظر إلي زوجته التي داهمها شعور غريب وهي تنظر له، يخبرها حدسها أن هناك أمر ما يجعله يتجنب لقاء عينيه بخاصتها، فهذه الحالة تغلب عليه عندما يكون يشعر بالندم. 

قاطع تلك اللحظة صغيرهما الذي قال: 
"بابي عايزين نروح الساحل أو الجونة، عمو آدم و خالتو خديجة ويوسف راحوا و لسه راجعين إمبارح"

أغلق والده شاشة الهاتف وتركه جانباً ليجيب علي صغيره قائلاً: 
"حاضر يا حبيبي، بإذن الله أول أجازة هنسافر المكان اللي نفسكم تروحوا ليه" 

صاحت ابنته: 
"أنا يا بابي عايزة أسافر وأروح عند الناس اللي عينتينهم عاملة كدة" 
و قامت بشد جوانبي عينيها ليصبحا ضيقين، ابتسم والدها وسألها: 
"قصدك عايزة تسافري الصين" 

أجاب مالك بدلاً منها: 
"لاء يا بابي، هي قصدها علي كوريا" 

عقد ما بين حاجبيها وتظاهر بالاهتمام فسألها: 
"اشمعنا كوريا يا زوزو؟" 

أجابت: 
"عشان أشوف فريق الـ ABC" 

انفجر شقيقها في الضحك ثم قال ساخراً: 
"اسمهم الـ BTS يا جاهلة" 

رمقته بغضب وسرعان تحولت ملامحها إلي الحزن الزائف وارتمت علي فخذي والدها، نظر إليه والده بتحذير: 
"أول وأخر مرة أشوفك بتشتم أختك أو تزعلها" 

أومأ له الصغير فأردف الأخر له بأمر: 
"اعتذر لها" 

نهض من مقعده واقترب منها فربت عليها قائلاً: 
"sorry  زوزو" 

كانت صبا تتابع كل ما يحدث في صمت وترتشف الشاي، لاحظ قصى ذلك لذا طلب من صغاره: 
"لو خلصتوا أكل روحوا يلا ألعبوا" 

رفعت ابنته رأسها من علي فخذيه وكأن عينيها لم تذرف دمعة واحدة قائلة بسعادة: 
"أوك يا بابي" 

ركضت برفقة شقيقها وذهبا ليلعبا، و لدي قصى نظر إلي صبا التي تتظاهر بالثبات والقوة، سألها: 
"هانفضل كدة لحد امتى؟" 

تركت القدح علي المنضدة وعادت في وضعيتها السابقة فأجابت: 
"السؤال ده تقوله لنفسك، أنت اللي حكمت ونفذت الحكم" 

وبرغم قوتها تلك والتي يعلم ما تخفيه ورائها، يرى في عينيها ألف صرخة تخبره أن يكف عن ما يفعله بها، لكن هو يريد سماع كلمة واحدة منها ويرى هذا بصدق في عينيها قبل أن يخبرها إنه سينهي هذه المسرحية الهزلية. 

أطلق زفرة لعله يطيل صبره ولو قليلاً: 
"أنا اللي عملته كان رد فعل علي اللي أنتِ عملتيه" 

ابتسمت بتهكم وعقبت ساخرة: 
"يعني أي واحدة تعمل حاجة من ورا جوزها أو ما بتسمعش كلامه، ده يدي له الحق يروح يتجوز عليها؟!"  

أخرج سيجاره من جيب سترته الداخلي وأشعلها، نفث الدخان بقوة وكأنه ينفث غضبه، فقال لها: 
"لسه برضو تفكيرك متوقف علي النقطة دي و ما فكرتيش أنا عملت كدة ليه؟" 

أجابت و تحدق إليه بامتعاض: 
"مهما كان تبريرك إيه، أنت عملت حاجة كسرتني، هاتفضل ذكري محفورة جوايا، للدرجدي هونت عليك؟!" 

اندفع قائلاً: 
"أنتِ السبب، ضمنتي حبي ليكي وقولتي لنفسك مهما غلطت أهو كدة كدة هيسامحني في الأخر، ونسيتي إن جوزك موته وسمه الكذب وعدم الطاعة، وضيفي عليهم خيانة الأمانة" 

صاحت بدفاع: 
"بس أنا ما أجرمتش لما أخدت مانع للحمل وقولت لك أسبابي اللي مش عايز تتقابلها ومستهزأ بيها" 

أشار إليها بتحذير: 
"أولاً صوتك مايعلاش وأنا بكلمك ثانياً بقي اللي عملتيه عندي يعتبر جريمة، أديتك الأمان والثقة و روحتي عملتي اللي أنتِ عايزاه، المسألة مش حكاية إن عايز عيال تاني الموضوع ليه أبعاد تانية، أنا لو أتهاونت معاكي بعد اللي حصل هاتكرري الموضوع مرة تانية وتالتة مع إختلاف الحدث وكلهم تحت بند العصيان، و لو فضلتي علي وضعك ده ممكن في لحظة تخسري كل حاجة ومصيري أفكرك في يوم من الأيام"

صمت وألتقط أنفاسه ليردف:
"لأول مرة بعترف، أنا تعبت منك، أرهقتيني بجد، كل ما أتكلم معاكي عشان أحس منك ولو ذرة ندم ألاقي العكس، هقولك علي حاجة أيوة أنا غلطت لما أتجوزت و كان ممكن أقلب الموضوع جد وأسيبك تخبطي راسك في الحيط، لكن حبي وعشقي ليكي أنتِ، ويكون في علمك لو حسيت في يوم من الأيام إنك هتيجي علي كرامتي أنا ممكن أدوس علي قلبي ولا أقبل بوضع زي ده" 

لم تدرك حتي الآن ما بين سطور حديثه إليها، بل أخذت علي عاتقها كل ما تفوه به فعقبت و نبرتها أوشكت علي البكاء: 
"ياه، مكنتش أعرف إن أنا وحشة أوي كدة، طيب ما إحنا فيها و لا أتعبك و لا تتعبني وكل واحد فينا يروح لحال، و لا أقولك أنا هاسيب لك القصر وهاروح أقعد عند بابي" 

تبدلت ملامحه من الحزن إلي الجدية والصرامة فأخبرها: 
"خلص الكلام، أنا اللي هاسيب لك القصر، بس ياريت الفترة دي تفكري كويس وأوعدك هاعمل كل اللي يريحك" 
قالها وغادر فتركها داخل براثن ظلمة أفكارها، لم تستطع منع دموعها أكثر من ذلك فركضت نحو الداخل، وهناك من كانت تراقبهما من بعيد وذهبت خلفها. 

و في تلك الأثناء كانت منار تهبط علي الدرج وتسحب حقيبتها خلفها وفي يدها الأخرى حقيبة صغيرة، رأت صبا تصعد وتتجنب النظر إليها فيبدو إنها تبكي و لا تريدها أن تراها في تلك الحالة. 

خرجت من القصر فوجدته في انتظارها لدي باب السيارة، تركت حقيبتها للسائق ليحملها ويضعها خلف السيارة، فقالت لقصي قبل أن تدخل: 
"دقيقة واحدة" 

"براحتك" 
تركته واتجهت نحو صغيريه، كانا يمرحان في أرجاء الحديقة، توقفت بالقرب منهما فقامت بالنداء عليهما: 
"مالك؟، زينب؟" 
انتبها إليها فقالت الصغيرة إلي شقيقها: 
"تعالي يا لوكا نشوف البت نان دي عايزة إيه؟"

توقف مالك مكانه ونظر إلي منار بامتعاض ولم يلبي النداء، لكن شقيقته ذهبت إليها و بمشاكسة سألتها: 
"نعم يا نان؟" 

أخرجت من الحقيبة التي تحملها علبة تحتوي علي دمية عروس وبداخلها أيضاً قطع كثيرة من الشكولاتة الفاخرة، قدمتها إليها: 
"أنا عارفة أنتِ بتحبي الشوكليت أوي"  

أخذتها منها وتنظر بسعادة: 
"الله دي العروسة اللي قولت لبابي عليها يجيبها لي في عيد ميلادي ومعاها الشوكليت اللي بحبها، عرفتي منين؟" 

أجابت الأخرى مبتسمة: 
"عرفت من العصفورة، فقولت أكون أول واحدة أجيب لك هدية عيد ميلادك، لأن مش هاكون موجودة" 

حدقت إليها الصغير بقلق تسألها: 
"رايحة فين يا نان؟" 

دنت منها وأخبرتها: 
"أنا راجعة عند ماما وأخويا عشان وحشوني أوي" 

"يعني مش هتيجي تاني؟" 
سألتها بحزن رأته منار في عينيها ، هزت رأسها بنعم  وبابتسامة تخفي خلفها حزن مرير، تركت الصغيرة ما بيدها وعانقتها ببراءة، فهي طفلة لا تدرك سبب وجودها أو سبب مغادرتها من المنزل، أخبرتها: 
"هتوحشيني أوي يا نان" 

"و أنتِ كمان يا روحي" 
كانت تنظر إلي مالك حتي ابتعدت شقيقته عنها فنهضت وأمسكت بالحقيبة وتقدمت منه، مدت يدها بالحقيبة إليه وقالت: 
"أنا عارفة إنك بتحب البلاسيتيشن، دي سيديهات لأحدث إصدارت الـ games  اللي أنت بتحبها" 

تردد أن يأخذها ونظر نحو والده الذي يقف علي مسافة فأومأ له أن يأخذها منها، أمسكها وقال لها: 
"thank you" 

دنت منه وقامت بتقبيله فوق رأسه، وقبل أن تبكي أسرعت نحو السيارة وولجت إلي الداخل، أغلق قصى الباب و ألتفت إلي الجهة الأخري ليدخل فأغلق السائق الباب خلفه ثم ذهب وجلس في مقعد القيادة وبعد ذلك انطلقت السيارة. 
༺༻
ألقت بنفسها علي الفراش وأخذت تبكي بإنهيار، لحقت بها مُربيتها تنظر نحو بحزن، جلست بجوارها تربت عليها وتسألها بتعجب: 
"أنا نفسي أفهم بتعيطي ليه؟!" 

اعتدلت ونظرت إليها لتخبرها من بين بكائها: 
"أنتِ شايفة إيه يا داده ما يخلنيش اعيط؟!، الباشا عايز بعد ما يتجوز عليا ويعزمني علي فرحه ويخلي منظري مسخرة قدام الموظفين بتوعه في الأخر أنا اللي أتاسف له و كمان يشوف الندم في عينيا عشان يكون راضي عني، و دلوقتي ساب القصر فاكر إن في بعده هرتاح، يرضي مين ده قولي لي؟" 

أمسكت يدها وربتت عليها قائلة: 
"اهدى بس عشان أعرف أتكلم معاكي، و لا أستني لحد ما تخلصي عياط خالص؟"

بدأت تهدأ رويداً رويداً حتي كفت عن البكاء وقالت: 
"أتفضلي أتكلمي، بس بالله عليكي ما تقعديش تأنبي فيا لأن أنا ما بقتش مستحملة" 

تنهدت زينات ثم سألتها: 
"هسألك كام سؤال وياريت تجاوبي عليه بصراحة، ربنا يعلم أنتِ زي بنتي وأكتر، و كل كلمة هقولها لك غرضي منها مصلحتك وراحتك، أول سؤال أنتِ بتحبي جوزك ولا لاء؟" 

أومأت لها وأجابت: 
"لو مكنتش بحبه مكنتش سامحته علي اللي عمله فيا زمان، مكنتش استحملت اللي عمله فيا دلوقت وأصريت علي الطلاق" 

سألتها مرة أخري بذكاء: 
"و إيه اللي منعك إنك تطلقي منه، خوف و لا حاجة تانية؟" 

نظرت نحو الفراغ وقالت: 
"مش خوف طبعاً، اللي مانعني هو إني بحبه وماأقدرش أبعد عنه، قصى بالنسبة لي الهوا والماية، وأنا بالنسبة له كدة، بس الظاهر علاقتنا بقت زي الإدمان، عارفة إن المخدر ده علي قد ما بيريحك علي قد ما بيضرك بس مش قادرة تبطليه" 

عقبت الأخري: 
"تشبيهك ده لوحده أكبر غلط، عارفة ليه؟، أنتم زوج و زوجة يعني اللي بينكم أقوي من الحب، بينكم عيشرة ومودة، الراجل عمره ما قصر معاكي في حاجة طلباتك مجابة، لو طال يجيب لك نجمة من السما مش هايتردد، المقابل منك تحترميه و تشيليه جوة عينيكي، تطيعي أوامره طالما مفيهاش ضرر ليكي ولا معصية لربنا، عايز حاجة و أنتِ رفضاها لأنك مش مستعدة ليها حاولي معاه مرة واتنين قولي له نأجلها مش معقولة كان هيغصبك" 

اقتربت منها ووضعت يدها علي كتفها وتنظر صوب عينيها فاردفت: 
"جوزك أتغير عن زمان وأنتِ أدري بيه، حبك غيره وهو أتغير عشانك وعشان نفسه و عشان ولاده، أختار الطريق الصح وكان ممكن يخسر حياته و لا ناسية اللي حصل له في عملية سينا؟" 

عقبت صبا والحزن يغزو ملامحها: 
"عمري ما نسيت أي حاجة، بس مش عشان غلطة يقوم يردهالي بعقاب أقسي منها" 

"و هو حس بغلطه وندم عليه حتي بالأمارة واخد منار ورايحين عند المأذون يطلقوا وبعدها هيوديها عند أهلها" 

نظرت بتعجب ودهشة، ظنت أن منار عندما أخبرتها بذلك في الأمس كانت تكذب لا أكثر
"و إيه اللي خلاكي واثقة ومتأكدة من كدة، مش يمكن واخدها ومسافر عشان يتمم جوازه؟!" 

رفعت زاوية فمها بتهكم وأجابت: 
"برضو مفيش فايدة من دماغك اللي زي الصخرة دي، ده الصخرة ممكن تلين و دماغك لاء، هقولك عرفت إزاي، لما هو رجع من برة دخل المكتب وفضل قافل علي نفسه، ولا خرج يتغدي و لا يتعشي وكمان منار، وبالليل قبل ما أنام لاقيتها نازلة علي السلم و دخلت له، بيني وبينك وربنا يسامحني قعدت أسمع كلامهم من ورا الباب وعرفت إنها طلبت منه الطلاق وعايزة ترجع لأهلها لأن اللي عمله ده غلط في حقك وحقها" 

عقبت الأخرى بسأم: 
"يعني طلاقها منه ده هايفرق في إيه، هاتفضل ذكري سودة ما بينا مش هنساها له" 

"و بعدين يا صبا؟، هاتفضلي شايلة منه وهو هيشيل منك ده كده حياتكم هاتبقي كلها سواد في سواد، ذنب عيالكم إيه في مشاكلكم دي كلها؟" 

نهضت وأجابت بحنق: 
"ذنبهم إنه أبوهم" 

نهضت الأخري وعقبت بحدة: 
"وأنتِ أمهم، يعني في إيدك ترجعي بيتك زي الأول وأحسن ما كان، الراجل زي العيل الصغير هتعاندي قصاده هيعند معاكي، هتاخديه بالهداوة وبالحنية هتلاقيه تحت طوعك و ما بين إيديكي، اسمعي مني أومال بيوت زمان إزاي كانت عمرانة وقليل لما كنا بنسمع عن  طلق أو أنفصل، لأن كان فيه احترام متبادل وأصول بنمشي بيها وتعاليم ديننا اللي لما بعدنا عنه بقت حياتنا زي الغابة القوي بياكل الضعيف" 

جلست علي أقرب مقعد بعدما شعرت بالتعب وأردفت: 
"بصي يا صبا خلاصة الكلام، جوزك ليه طباعه وأنتِ عارفة عيوبه منها ومميزاته، أنا أخدت بالي إنه كان بيكلمك لما كنتم في الجنينة وطبعاً شديتوا مع بعض" 

أخبرتها و بدأت عبراتها تتجمع من جديد داخل عينيها: 
"أيوة، و قالي في نهاية الكلام إنه هايسيب القصر عشان يريحني منه، و وعدني هايعمل اللي يريحني" 

"يعني رمي لك الكورة في ملعبك، وأنا بقولك رجعي جوزك لحضنك، وأبدأوا من جديد و ما تسيبهوش لشيطانهُ اللي هايقعد يوسوس له بالباطل لحد ما يخرب بيتكم، وفي الأول والأخر براحتك اللي أنتِ شيفاه أعمليه، قرارك في النهاية بتاعك" 
كانت شاردة في نقطة وهمية وكأنها في عالم آخر، تشعر بالعجز، في حيرة من أمرها، قلبها وعقلها في صراع، كل منهما له رأي علي نقيض الأخر، جالت ببصرها في أنحاء الغرفة حتى وقعت عيناها علي الإطار المحيط بصورة تجمعها مع زوجها وابنهما وابنتهما، جميعهم تزين أفواههم ابتسامة نابعة من القلب عنوانها الحب والدفء. 
༺༻
استيقظ فوجد نفسه يجلس فوق الكرسي داخل الشرفة، فهذا بسبب ما حدث بالأمس لأنها تركته وحيد فراشه وذهبت تنام بجوار صغيرها، أخذ يطرق الباب ويرجوها بأن تتراجع عن معاقبته بهجر مضجعه، لكنها أثرت الصمت ولم تجب عليه، فذهب وجلس بداخل الشرفة فباغته النوم دون أن يدري، شعر بآلام في أنحاء جسده والسبب النوم في وضعية الجلوس. 
نهض وأخذ يثني ويفرد ذراعيه، يحرك جذعه يميناً ويساراً ثم ذهب إلي المرحاض ليغتسل ويتوضأ ثم يؤدي فرضه. 

وفي الغرفة المجاورة كانت ترتدي وشاحها أمام المرآة استعداداً للنزول إلي أسفل وتناول وجبة الفطار، كان يجلس صغيرها علي مضجعه ويمسك بالهاتف، قالت له: 
"يلا يوسف، سيب اللي في إيدك ويلا عشان هانفطر" 

لم يرفع بصره عن شاشة الهاتف وأجاب: 
"ثواني يا مامي، هخلص الـ game  دي please و هنزل معاكي" 

"خلص وحصلني، و لو اتأخرت هايبقي مفيش فون و لا لعب النهاردة خالص" 
قالتها فأومأ لها، انتبهت إلي تنبيه رسالة واردة علي البريد الإلكتروني، قامت بفتحها وقرأت ما تحتويه فكان من الكلية، تخبرها الإدارة أن من بعد غد بدأ المحاضرات و جدول المواعيد باسماء المواد المقررة. 

ابتسمت فأخيراً سوف تستطع أن تكمل تعليمها بعد تأجيل هذا القرار في السنوات الماضية، ربما هذا سيشغلها ولو قليلاً عن التفكير في أمر الإنجاب مرة أخري. 
وضعت هاتفها في جيب ثوبها وخرجت من الغرفة، في ذات اللحظة كان هو أيضاً يغادر غرفتهما، وقف كليهما ينظر إلي الأخر، يحدق إليها بعتاب وهي ترمقه بغضب، كادت تذهب فأعترض طريقها وقال: 
"تعالي نتكلم مع بعض ولو خمس دقايق" 

أطلقت زفرة وسألته بتهكم: 
"أخترعت كذبة أو حجة جديدة تبرر بيها ردك و كلامك مع السنيورة؟!" 

كانت إحدى الخادمات تمر بجوارهما، فصمت وأمسك بيد زوجته وجذبها داخل الغرفة ثم أغلق الباب: 
"نتكلم في أوضتنا أحسن" 

جذبت يدها من يده وسألته بحنق: 
"لأمتي هاتفضل ما تعترفش بغلطك وديماً بتبرر لنفسك لدرجة أنك بتخليني أصدقك؟!" 

رد بدفاع: 
"و أنا فعلاً زي ما أنتِ شوفتي ومش بكذب عليكي، ردودي كانت مقتضبة معاها حتي لما رديت علي مكالمتها، كانت هي اللي عمالة تتكلم وأنا مجرد مستمع مش أكتر" 

رفعت حاجبيها بدهشة، فصاحت بتهكم: 
"يا سلام؟، وأنا اللي طلعت ظلماك تصدق أتأثرت والدمعة هتفر من عيني، أخص عليا" 

رمقها بتحذير قائلاً: 
"خديجة بطلي استهزاء وسخرية من كلامي" 

"أنت اللي بطل إستعباط، واحدة أنت عارف عايزة إيه منك و مش عارفة تدخلك إزاي، وهي زي الشيطان بتفتح لك مدخل تدخلك منه وتشدك واحدة واحدة لحد ما تقع زي الأهبل وأنا ساعتها هقولك مع السلامة لأن مش هقبل الخيانة ولا هسامحك مهما كانت أعذارك" 
أثارت كلماتها غضبه فصاح يسألها: 
"يعني إيه اللي يرضيكي دلوقتي؟" 

عقدت ساعديها أمام صدرها وأجابت: 
"اللي يرضي ربنا قبل ما يرضيني أنك تقطع أي تواصل أو منفذ للست دي نهائي، تعملها بلوك من علي الفون والواتس ومن كل تطبيقات السوشيال اللي متبعاك عليها، وافترضنا شافتك في يوم صدفة أعتبرها هوا قدامك، أظن كلامي واضح وسهل التنفيذ و لا أنت إيه رأيك؟" 

أطلق زفرة وأجاب: 
"حاضر هاعمل كل اللي قولتي عليه، بس ياريت بلاش موضوع تفتيش الفون، ياريت يكون فيه ثقة ما بينا" 

"الثقة موجودة يا آدم، بس أحياناً أفعال بنستهاون بيها ممكن تدمر الثقة دي، و الثقة يا حبيبي زي الروح لو راحت ما بترجعش، عمرك شوفت ميت بيصحي تاني؟" 

هز رأسه بنفي واقترب منها محاوطاً وجهها بكفيه، يبتسم لها: 
"حبيبتي ربنا ما يحرمني منك و لا من عقلك، و عايزك تطمني عمري ما هشوف و لا أحب حد غيرك" 

"يبقي تعمل اللي قولت لك عليه حالاً، بلوك من كل حاجة" 
أخبرته بأمر حاسم، فابتسم وقال: 
"ده أنتِ جبارة" 

حدقت إليه بكبرياء وثقة قائلة: 
"أنا واحدة بتحب جوزها وبيتها وبتحافظ عليهم واللي يحاول يقرب منهم ممكن أكله بسناني، لكن لو جوزي هو اللي قرب بمزاجه يبقي فيها وضع وكلام تاني خالص" 
تظاهر بالخوف الزائف مازحاً: 
"بس بقي عشان أنتِ بتخوفيني منك، وعموماً سمعاً وطاعة يا مولاتي، هاعمل اللي قولتي عليه و دلوقت" 
أخرج هاتفه أمامها وأخذ يحظر جميع حسابات روڤان من جميع التطبيقات وأولهم رقم هاتفها
"كدة كله تمام" 

ابتسمت وقالت: 
"و كدة أنا بحبك" 
واقتربت منه وطبعت قبلة علي خده، لم يمهلها أن تبتعد فجذبها بين ذراعيه قائلاً: 
"أنتِ بتبوسي ابن أخوكي و لا إيه!، مليش دعوة عايزها french kiss" 
ألتقط شفتيها في قبلة بدت ناعمة ثم أصبحت قوية، يلتهم شفاها بنهم ويشد من عناقه لها حتي ابتعدت لتلتقط أنفاسها وقالت: 
"يلا بقي عشان ننزل نفطر" 

أخبرها بنظرة مليئة بالاشتياق والرغبة معاً: 
"ما تخلينا في أوضتنا و أنا هخليهم يطلعوا لنا الفطار لحد هنا" 

أجابت بدلال وتدفعه في صدره بيديها ليفسح لها مجالاً للذهاب: 
"ما ينفعش، أختك ملك زمانها صحيت هي والبنات وزمانهم مستنينا علي السفرة" 

عقد ما بين حاجبيه وسألها: 
"هي جت إمتي و إزاي ماشوفتهاش إمبارح لما رجعنا من السفر؟" 

"أنا عرفت لما قومت أصلي الفجر خرجت قابلت داده سميرة وهي اللي قالت لي إن مصعب جابها إمبارح وكانت تعبانة وهو كان عنده شغل ومسافر" 

عقب آدم والقلق يساور قلبه: 
"غريبة، مصعب عمره ما خلي ملك تبات هنا من وقت ما أتجوزا، الموضوع شكله فيه إن" 

وضعت يدها علي كتفه وقالت: 
"أبقي أتكلم معاها بس لو لاقيتها مش عايزة تتكلم بلاش تضغط عليها، و إن شاء الله يكون الموضوع مش أكتر من إنهم بيغيروا جو" 
༺༻
"إن أبغض الحلال عند الله الطلاق، ياريت تراجعوا نفسكم قبل ما تاخدوا القرار ده" 
ألتفت إليه قصى و بنظرة جادة يخبره: 
"أنا مكلم حضرتك قبل ما نيجي، ياريت تخلص الإجراءات عشان معندناش وقت" 

تنهد المأذون وقال علي مضض: 
"ماشي يا قصى بيه، أتفضل أرمي عليها اليمين" 

رفعت وجهها حينما سمعت ما قاله المأذون، كانت تجلس وتشبك يديها معاً بتوتر، نظرت إلى قصى الذي يستعد لإلقاء هذه الكلمة التي تمقت أن تسمعها أي إمرأة، ولكي تتخلص من تلك اللحظة العصيبة أومأت له ليتفوه بها سريعاً، فقال: 
"أنتِ طالق" 

وبعد قليل... 
داخل السيارة المتجهة إلي منزل عائلتها، أمسك بظرفاً أبيض ومد يده به إليها: 
"أتفضلي، دي أوراق وفيزا باسمك، فتحت لك حساب في البنك" 

نظرت إلي الظرف تارة ثم إليه تارة أخرى وقالت: 
"أنا مش عايزة حاجة، الحمدلله عندي حساب في البنك" 

أدرك سبب رفضها ربما لإنها عزيزة النفس، لذا قال لها: 
"أنا قبل ما أتفق معاكي علي موضوع جوازنا كنت وعدتك بكدة، ولا متضايقة اعتبريها مكافأة علي شغلك في الشركة، أنتِ شاطرة جداً وتستحقي مكافأة علي مجهودك" 

ترددت بأن تخبره بقرارها التي أتخذته صباحاً، لكن لم تجد مفراً من البوح فاخبرته: 
"أنا طلبي الأخير إنك تقبل استقالتي اللي هقدمها بكرة لحضرتك في الشركة، و من غير ما تسأل ليه السبب، لأن محتفظة بيه لنفسي، ده بعد إذنك طبعاً" 

تنهد ثم قال لها: 
"موافق طالما طلبك فيه راحتك بس بشرط تاخدي الظرف، المبلغ اللي في الحساب ممكن تفتحي بيه مشروع خاص بيكي وأنا طبعاً هاقف جمبك، أنتِ عندي زي ملك وكارين بالظبط" 

هزت رأسها بالموافقة وبطيف ابتسامة ردت بامتنان: 
"شكراً" 

وصلت السيارة أمام البناء الذي تقطن به عائلتها، نزلت و نزل خلفها، بينما قام السائق بسحب الحقيبة وحملها ثم وضعها في المصعد، عاد إلي الخارج ودخل إلي السيارة فأمسك هاتفه ليكتب رسالة محتواها
"خرجوا من عند المأذون و دلوقتي طالع معاها عند أهلها" ضغط علي سهم الإرسال وكان المرسل إليه مسجل باسم«مدام صبا» 

وبالعودة إلي قصى ومنار، خرج كليهما من المصعد في الطابق الموجود به منزلها، تسحب الحقيبة خلفها وتوقفت أمام باب الشقة وهو يقف خلفها بمسافة قليلة، تشعر ببرودة في أطراف يدها فهي مقبلة علي مواجهة قوية و ما يجعلها تطمئن لو قليلاً إنه سوف يساندها ويكون عوناً لها في مواجهة عائلتها بعد أن تخبرهم بأمر زواجها وطلاقها السريع. 

ضغطت علي زر الجرس، سمعت صوت والدتها، فُتح الباب فابتسمت لها بترحاب واحتضنتها: 
"حمدالله علي السلامة يا حبيبتي" 

تناولت من يدها مقبض الحقيبة وأردفت: 
"ادخلي يلا... 

توقفت منار لتخبرها: 
"استني يا ماما"

والتفت إلي قصى فتقدم واقترب قائلاً: 
"السلام عليكم، إزي حضرتك؟" 

نظرت إلي ابنتها باستفهام فقالت الأخرى: 
"أعرفك ياماما بمستر قصى البحيري" 

تعليقات



×