![]() |
رواية جمر الجليد ج 2 وأنصهر الجليد الفصل الثاني عشر بقلم شروق مصطفي
"عارف... أنا حلمت بيك."
صمتت قليلاً، تلتقط أنفاسها، فربّت عاصم على وجنتيها برفق، يمنعها من التحدث:
"ارتاحي طيب، ما تجهديش نفسك، بلاش تتكلمي، أهم حاجة عندي راحتك."
تطلعت إليه بنظرات عاشقة، شدّت على كفّه تقبّله بحنان، وابتسامتها الرقيقة لم تفارقها، ثم همست:
"إنت راحتي، عارف."
صمتت لحظات، وكأنها تسترجع تفاصيل الحلم، ثم تابعت بصوت خافت:
"حلمت إني كنت في مكان ضلمة وبارد جدًا، وكنت عريانة وبردانة أوي أوي، وفجأة لاقيتك جاي لي وبتضحك لي، وشايل بيبي صغير. بس قبل أي حاجة، غطّيتني الأول وحضنتني أوي، والبيبي الصغير كان وسطنا، وفجأة النور ظهر، وملأ المكان كله، والدفء رجعلي."
توقفت للحظة، ثم نظرت في عينيه مباشرة، وعادت تهمس بحنين:
"وقلت لي إن دي بنتنا، أنا وإنت، وكانت جميلة أوي، بتضحك لينا... ومشيت معاكم."
ابتسم عاصم، بينما الدموع تملأ عينيه، متذكرًا ما حدث... تلك اللحظات العصيبة التي توقف فيها قلبها للحظات، اللحظات التي عاش فيها أسوأ كوابيسه. لم يُرِد أن يخبرها بما شعر به حينها، أو كيف تحوّل عالمه كله إلى ظلام دامس حين ظنّ أنه قد فقدها. فقط اقترب منها أكثر، أحكم إمساك كفّها الصغير، يرسل لها الأمان من خلال لمسته، وربّت بالأخرى على وجنتها بحنو، وهو ينظر إلى عمق عينيها المرهقة:
"المهم إنك رجعتي ليا... لحضني اللي كان مشتاق يضمّك."
خجلت من نظراته، حاولت الهروب من تأثيرها، فغيّرت الموضوع قائلة بتردد:
"ا... ا... هي همسة فين؟"
شعر بخجلها، فلم يُرِد التمادي، أجابها برقة:
"همسة كويسة الحمد لله، وهتبقى خالتو قريب... يا أحلى خالتو انتي."
غمز لها بابتسامة دافئة، وأضاف ممازحًا:
"وعقبال ما تبقي ماما كمان قريب."
اتسعت عيناها بسعادة، وتحدثت بلهفة:
"بجد؟ همسة حامل! الله، خبر جميل أوي يا حبيبتي! طيب هي فين دلوقتي؟"
ردّ عاصم:
"تعبت شوية ووليد معاها و..."
لم يُكمل جملته حتى سمعا طرق الباب، ودخلت همسة إلى الغرفة.
بمجرد أن رأتها، هرعت همسة نحوها، وارتمت بين أحضانها قائلة بقلق:
"حبيبتي، ألف سلامة عليكي! عاملة إيه دلوقتي؟"
ابتسمت سيلا رغم الإرهاق البادي عليها، وأجابت بصوت خافت:
"الحمد لله، أحسن من الأول... ومبروك يا حبيبتي، تقومي لنا بالسلامة يا رب، إنتي والبيبي."
احتضنتها همسة بقوة، وردّت عليها بسعادة:
"الله يبارك فيكي يا قلبي، وعقبالكم انتو كمان."
عند نطق همسة لكلماتها الأخيرة، التقت نظرات سيلا بعاصم، فوجدته يبتسم لها، ولم يحِد بنظراته عنها لحظة. شعرت بخجل شديد، فأدارت وجهها بعيدًا، بينما تابعت حديثها مع همسة محاولة الهروب من تأثيره:
"أمال فين وليد؟ عايزة أبارك له."
ردّت همسة وهي تجلس بجوارها:
"واقف بره، بيتكلم في التليفون مع عامر، وجاي يطمن عليكي."
أدارت سيلا رأسها، وكأنها تبحث عن شيء ما، لاحظ عاصم توترها، فاقترب منها وسألها بلطف:
"بتدوري على إيه؟ قوليلي."
نظرت إليه، ثم أنزلت يديها تتحسس رأسها التي أصبحت ملساء، وأجابت بخجل:
"عاوزة ألبس حاجة... فين الكاب؟ ممكن تشوفوه قبل ما وليد يدخل و..."
صمتت وهي تخفض عينيها، بينما نهض عاصم من مكانه، واقترب منها أكثر، وقبّل رأسها بحنان شديد، قبل أن يهمس:
"حاضر، حبيبتي."
بحث لها عن كاب الشعر، وعثر عليه، ثم ألبسها إياه بنفسه، فابتسمت له بإمتنان، وهي تميل برأسها قليلًا لتشكره بصمت.
أخذ خطوة للخلف، ثم قال وهو يتجه نحو الباب:
"أنا هطلع وأسيبكم، وأشوف وليد بره."
خرج عاصم، واتجه إلى وليد، الذي كان لا يزال مشغولًا بمكالمته الهاتفية. سار مبتعدًا قليلًا عنه، مشيرًا له بملاحقته خلفه، حتى وصلا إلى مكتب الطبيب، لمعرفة ما هي المرحلة التالية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ افتراقهم، أصبح طعم الكون بلا ألوان.
كان بداخله اشتياق، أمل، ولهفة لرؤيتها، لكنه ابتسم بألم مزَّق قلبه عندما نظر إلى تلك الدبلة التي تُزين يده، متذكّرًا آخر لقاء بينهما. كما تذكر تلك المكالمة التي أجراها قبل سفره، ليخبر أخاها أنه لم يتركها نهائيًا، بل فقط منحها بعض الوقت والمساحة الكافية للتفكير بشأنهما، مؤكدًا أنه سيعود لمعرفة قرارها النهائي.
فاق من شروده على صوت المضيفة تطلب منه ربط حزام الأمان استعدادًا لإقلاع الطائرة. استجاب لها وأغلق الحزام، ثم...
...
"والله وأنتِ وحشتيني أوي! بجد! تيجوا بالسلامة يا رب."
"ماشي، حاضر، هسلِّمك عليها. في أمان الله. مع السلامة."
أغلقت الهاتف والابتسامة تملأ وجهها، لتتفاجأ بوالدتها تسألها:
- بتكلمي مين، والفرحة على وشّك كده؟
أجابت مي بسعادة:
- دي همسة! الحمد لله، سيلا عملت العملية ونجحت، والورم اتشال!
سعدت نبيلة بسماع الخبر، وحمدت الله على سلامتها:
- ألف حمد وشكر ليك يا رب! غلبانة البنت دي، عانت طول عمرها، والله دايمًا في كل صلاة بدعيلها. الحمد لله، يا رب!
وافقتها مي:
- آه والله يا ماما، كتير اتحملت! بس الحمد لله عدَّت على خير، وعاصم كمان وقف جنبها. مش عارفة من غيره كانت وصلت لإيه بجد!
ابتسمت نبيلة بحنان:
- ربك بيعوض يا بنتي، وربنا عوضها بالسند والظهر. هما جايين إمتى؟ أنا سمعتك بتقولي "تيجوا بالسلامة".
- همسة ووليد بس اللي هينزلوا.
نظرت والدتها بدهشة، فأوضحت مي:
- همسة طلعت حامل، وعشان سيلا لسه هتكمل الكيماوي، فمش هينفع تقعد عشان ما يتأثرش البيبي وكده.
هزّت نبيلة رأسها تفهمًا:
- آه طبعًا، الكيماوي بيأثر، يا حبيبتي. والله فرحتلها أوي، تستاهل الخير، والله. همسة دي طيبة زي أختها.
صمتت قليلًا، ثم تساءلت بتعجب:
- الله! طيب مش سيلا خلاص نجحت العملية؟ ليه كيماوي تاني يا بنتي؟
أجابت مي:
- يا ماما، لازم بعد العملية ياخدوا تحاليل وعينة عشان يتأكدوا لو فيه بقايا ورم. والكيماوي ده عشان يقضي عليه نهائيًا. فسيلا هتقعد شهرين كمان. همسة بتقولي إنها على آخرها وزهقت أوي، وكمان همسة هتمشي وتسيبها، كانت مونسّاها شوية.
ربّتت نبيلة على يدها بلطف:
- معلش، صبرت كل ده، تصبر الشهرين دول كمان وترجع لنا بالسلامة وتبدأ حياتها.
ثم نظرت إلى مي بحب أمومي، قائلة:
- أول مرة أشوف ضحكتك دي من زمان. كنتِ مخبياها علينا كده؟ نفسي أطمن عليكي وأفرح بيكي زي ما اطمنت على أخوكي.
حاولت مي الابتسام:
- إن شاء الله، يا ماما، كله بوقته. ولا إنتِ عاوزة تخلصي مني بقى؟
عبست والدتها:
- أخلص إيه يا بنتي؟ ده حتى البيت بقى فاضي بعد ما أخوكي اتجوز، وإنتِ اللي عاملة حس دلوقتي. لكن هييجي اليوم اللي تنوري فيه بيت جوزك وتيجي تزوريني إنتِ وعيالك. مش عارفة، أنا حساها قريبة!
قالت الأخيرة بابتسامة خبث لم تلاحظها مي، فأجابت بتكلف:
- إن شاء الله. طيب، أنا هقوم لأنّي هموت على النوم بجد، جاية من الشغل وتعبانة جدًا. تصبحين على خير.
أحست نبيلة بحزنها وتشتتها، فحاولت أن تريحها قليلًا، قائلة:
- مي!
كادت أن تنهض لكنها التزمت مكانها:
- نعم، يا ماما؟ عاوزة حاجة مني؟
تنهدت نبيلة ثم واصلت:
- لو لسه حاسة إنك تقدري تسامحي أو تغفري، ما تتردديش. أو لو شايفة إن معتز يستاهل فرصة تبدأوا صفحة جديدة، لو فعلًا اتغير، ما تتردديش. إحنا مش ملايكة، ومفيش إنسان كامل.
حاولت مي إنهاء الحديث بحزم:
- ماما، الصفحة اتقفلت خلاص. مفيش داعي تفكريني بيه تاني. أنا عاوزة أنام، ممكن؟
تابعتها نبيلة بنظراتها وهي تنهض. كانت تعلم بالمكالمة التي أجراها معتز مع ابنها قبل السفر، وتعلم ما حدث في مقابلته مع هيثم، وما قيل عن الذنب الذي ارتكبه وجعله سببًا في انفصالهما. فقالت بحنان:
- إنتِ نفسك أخطأتِ، ورجعتي لربنا تاني، وقَبِل توبتك. ليه مش عاوزة تديله فرصة تانية؟
نظرت إليها مي بذهول:
- خطأ! إيه اللي عملته أنا؟!
تنهدت والدتها بهدوء:
- اقعدي طيب، ما تجريش على أوضتك كل ما أكلمك.
جلست مي على مضض، فأردفت والدتها:
- كلنا بنخطئ، لكن المعاصي بتختلف من شخص للتاني. في ناس عندها نفس لوامة، تلوم صاحبها عند التقصير، فيرجع لربنا يطلب المغفرة. وفي نفس أمّارة بالسوء، تأمر صاحبها بكل شر، ولو استسلم ليها، يغرق في الذنوب.
صمتت قليلًا، تلتقط أنفاسها، بينما تابعتها مي بتعجب:
- طيب، وأنا أخطأت في إيه؟
أجابت نبيلة بهدوء:
- جايالك في الكلام. بصي، إنتِ مثلًا أخطأتِ بتأخيرك في لبس الحجاب. ده فرض، مش سنة ولا واجب. كان المفروض تلبسيه من أول ما بلغتِ، لكنك كنتِ بتبصي لأصحابك وبتفكري تلبسيه عن اقتناع. في الآخر، رجعتي لربنا وطلبتِ منه يثبتك. معتز كمان، أيًا كان خطأه، رجع لربنا وطلب منه يثبته على توبته.
نظرت إليها مي بتوتر، فقد أصابت كلماتها حقًا. شعرت بأنها تائهة، ضائعة، لم تنسَ ما دار بينهما في آخر لقاء، وأحست بصدق كلماته، لكنها خافت مما رأته وقتها. فحاولت التهرب:
- بس... خلاص، يا ماما. هو مشي من وقتها، وقصتنا انتهت. أنا جاية من الشغل وتعبانة جدًا. تصبحين على خير.
نهضت متوجهة إلى غرفتها مباشرة، بينما ابتسمت نبيلة داخليًا، ثم أمسكت هاتفها وأجرت مكالمة لابنها، تخبره بـ...
...
خلاص، هعملك اللي انتي عاوزاه... مبسوطة يا ستي؟
"قالها عاصم مقربًا وجهه منها، وهي مستلقية على الفراش"
نظرت إليه سيلا بابتسامة هادئة، ثم أمسكت وجنتيه برقة وردّت بحماس:
"جدًا جدًا."
ثم تابعت بعد لحظة، متسائلة:
"هي همسة فين؟ مشوفتهاش النهاردة خالص!"
اعتدل عاصم في جلسته وتحدث بهدوء:
"بتحضّر شنطها هي ووليد، لأن بكره هيسافروا."
شعرت سيلا بوخزة ألم في قلبها، فقالت بحزن:
"هتوحشني قوي..."
ربّت عاصم على يدها بحنان ليخفف عنها قائلًا:
"كلها شهرين وهننزل لهم، هانت يا حبيبتي."
لكن سيلا لم تستطع إخفاء ضيقها، فتمتمت بحزن:
"حتى معتز سافر النهاردة... كلكم هتمشوا كده وتسيبوني؟"
همس عاصم بصوت خافت لم تسمعه، وهو يقترب أكثر منها، بنظرات عاشقة:
"نزل عشان يلحق حلمه قبل ما يضيع منه..."
رفعت نظرها إليه، وهي تشعر بقربه الشديد، فسألته بخجل:
"بتقول إيه؟ مش سامعة!"
انتبه عاصم إلى نفسه، فعدل كلامه سريعًا قائلًا:
"بقول نزل عشان يتابع الشغل اللي فاتنا، وبعدين انتي شاغلة بالك بيهم ليه؟ هو أنا مش مالي عنيكي ولا إيه؟"
تحدثت سيلا بسرعة محاولة تبرير كلامها:
"أبدًا والله، انت كل حاجة في حياتي، لو أقولك انت إيه بالنسبة لي مش هتصدقني بجد، بس يعني... أخدت عليهم، ونس معايا وكده."
غمز عاصم مازحًا وهو يقلّد حديثها بطريقة متقطعة توحي بتوترها:
"وكده برده؟ ولا بتهربي مني خلاص؟ قعدلك مفيش بقا، بس أصل همسة هنا، بس أصل ووليد، ومره معتز واقف بره، ومش عارف إيه... انسي خالص، لا مفر من الآن!"
ثم أطلق ضحكة عالية وأضاف:
"مفيش كلام ده، هستفرد بيكي لوحدك يا جميل!"
خجلت سيلا بشدة من كلماته حتى احمرّت وجنتاها، فأدارت وجهها إلى الجهة الأخرى وهمست بخفوت:
"سافل!"
لكنه أمسك ذقنها برفق وجعلها تنظر إليه وهو يبتسم بمكر:
"سمعتك على فكرة... بس مفيش هروب مني، بقيتي حياتي خلاص."
تمتمت بعبوس مصطنع محاولة إخفاء خجلها:
"كده تستفرد بيا وأنا كده... في حالتي دي؟"
ضحك عاصم وهو يردّد كلماتها مستنكرًا:
"وهي مالها حالتك؟ انتي زي القمر، واطمني، أنا مش هستفرد بيكي دلوقتي خالص، إلا بعد فرحنا. لكن وقتها بقى... مفيش هروب ولا خجل، لأنك بقيتي في قلب عاصم من جوه... ومقفول عليه."
نظرت إليه سيلا بذهول، وترقرقت عيناها بالدموع وهي تتمتم بتردد:
"فـ... فرحنا؟"
أجابها عاصم بحزم وتصميم:
"أحلى فرح لأحلى بنوتة في الدنيا كلها."
نظرت إليه بعدم تصديق، وهمست متلعثمة:
"بس... بس..."
وضع إحدى أصابعه أمام شفتيها هامسًا:
"أنا نفسي أفرحك بجد، وتبقي أحلى عروسة... وانتي أجمل بنت في نظري."
ثم انحنى ليطبع قبلة دافئة على جبينها، مبتسمًا وهو يهمس:
"أنا حمدت ربنا كتير على رجوعك ليا بالسلامة، ونفسي أفرحك بجد."
لم يخبرها حتى لا يضيع أجر الثواب، أنه أوصى وليد بذبح شيء وتوزيعه على الفقراء بنية شفائها.
نظرت إليه سيلا بامتنان، وهي تشعر بحبه يغمرها، فقالت بصوت يملؤه الصدق:
"بجد، أنا فرحانة بوجودك معايا... وجنبي، مش محتاجة أي حاجة تانية."
ابتسم عاصم بمكر وقال ممازحًا:
"ولا حتى نفسك في حضن؟"
نطقها وهو يفرد ذراعيه على اتساعهما، كأنه يدعوها للارتماء بينهما.
وانصهر الجليد
اعتدلت سيلا في جلستها، ونظرت إلى ذراعيه الممدودتين، فابتسمت له، ثم دفنت نفسها بين أحضانه، تشعر بالأمان الذي حُرمت منه... ووجدته فيه هو فقط.
ظل يمسد بيده على ظهرها برفق، من أعلى لأسفل، وهمس بجانب أذنها:
"كلمة حب قليلة على اللي حسيته معاكي..."
شعر بارتجاف جسدها تحت تأثير لمسته، فتوقف فورًا، وبدأ يربت على ظهرها بحنان، حتى أحس بارتخاء جسدها وانتظام أنفاسها.
ابتسم وقبّل جبينها مجددًا، ثم دثّرها جيدًا بالغطاء، وظل يراقب ملامحها البريئة التي عشقها منذ ذلك اليوم.
…
صباح اليوم التالي بمركز الأطباء المتخصص، حيث يعمل العديد من الأطباء داخل المركز، كانت هناك فتاتان في قاعة الاستقبال تعملان على تنظيم المواعيد والحسابات.
أمل نظرت إلى الجالسة جانبها وقالت:
"فاضل أد إيه و الشفت بتاعنا يخلص؟ شوفي كده؟"
مي، وهي تنظر إلى شاشة هاتفها، أجابت:
"مش عارفة، مستعجلة ليه؟ ما إحنا كده كده هنستنى أشرف وحسن، أول ما يحضروا هنمشي."
تمتمت أمل بعبوس:
"نفسي أعرف، مش بتستني أخوكي وتمشوا مع بعض ليه؟ ما بينكم ربع ساعة غريبة قوي، أنتو في نفس المركز يا بنتي!"
لوت مي فمها بغيظ وهتفت:
"بصي قدامك يا أمل، مش عاوزة كلام كتير، ويلا نقفل الحسابات قبل ما يوقفوا على دماغنا، مش بحب أشتغل وحد واقف لي."
ظلت مي تتحدث، لكن أمل كانت شاردة أمامها وغير منتبهة لها أبدًا. حتى ضربتها مي على كتفها بنفاد صبر:
"يا بنتي ركزي معايا! متنحة ليه كده، الله!"
بقلم شروق مصطفى
ردت أمل، ما زالت شاردة في نقطة ما أمامها، ثم نظرت لها بنظرات مريبة، وقالت:
"مفيش... معاكي حاضر، هخلص اهوه."
لكن لم ترتاح أمل، وبدأ الشك يدخل عقلها أكثر عندما لاحظت رجلًا يقف عند مدخل المركز، يرمق المكان بنظرات حادة كأنه يبحث عن شيء أو شخص معين.
لم تستطع منع نفسها من التركيز عليه، خاصة أنه بدا وكأنه يراقب أحدًا داخل المركز، لكنه لم يتحرك من مكانه.
عقدت حاجبيها وقالت بصوت خافت، وهي تميل برأسها قليلًا نحو مي:
"بصي كده للراجل اللي واقف عند الباب... حاسه إنه غريب، بقاله وقت واقف ولا بيتكلم مع حد."
نظرت مي سريعًا ثم لوت فمها بلا مبالاة:
"وبعدين يا أمل؟ يمكن مستني حد جوه، أو بيفكر يدخل ولا لأ... إنتي ليه مكبرة الموضوع؟"
لكن أمل لم تقتنع أكملت الفتيات عملهن، وتم تبديل الشيفتات، ثم رحلن سويًا حيث تقيم أمل بالقرب من مي. لكن أمل شعرت بشيء مريب، فحاولت الإسراع وسحبت يد مي، التي نظرت إليها بدهشة من تصرفاتها الغريبة.
مي توقفت فجأة وسحبت يدها قائلة باندهاش:
"براحة! في إيه؟ بتجرينا ليه كده؟ على مهلك، هتوقعينا!"
أمل، وهي تتلفت حولها برعب:
"في عربية ماشية ورانا!"
التفتت مي خلفها وووو