رواية جمر الجليد ج 2 (وأنصهر الجليد) الفصل الحادي عشر بقلم شروق مصطفي
ابتعد عنها رغمًا عنه، فأخذتها الممرضة لتجلسها على الكرسي المتحرك استعدادًا للتوجه إلى غرفة العمليات بعد تجهيزها. لكن قبل أن تغادر، التفتت إليه بعينيها الممتلئتين بالدموع، ونطقت بكلماتها الأخيرة بصوت مرتعش:
– عاصم، اسمعني... لو مطلعتش، كمل حياتك وما تبكيش عليّ... أنا بحبك، بحبك أوي، وبحبكم كلكم.
خرجت الكلمات منها وكأنها تودّع الحياة، فيما دفعها الكرسي إلى الداخل وأُغلق الباب خلفها، تاركًا عاصم في مواجهة فراغٍ خانق.
عودة من باك.
وضع يده على قلبه الذي يخفق بقوة، وتمتم بألم:
– أنا قلبي مقبوض... في حاجة بتحصل جوا... مش قادر أقف بجد.
اقترب منه وليد وربّت على كتفه محاولًا تهدئته:
– اهدى يا عاصم... تعالَ اجلس، شكلك هتقع مننا خلاص.
في ركن آخر، كانت همسة واقفة تناجي ربها، تدعو بنجاة شقيقتها، أن تعود إليهم سالمة، لتعيش حياتها التي لم تبدأ بعد.
وأخيرًا، فُتح الباب... خرج الطبيب مرهقًا، يتبعه طاقم التمريض بوجوه متجهمة، وكأنهم يحملون معه خبرًا لا يودّون قوله. مسح الطبيب حبيبات العرق عن جبينه، وخلع قفازاته الثقيلة، بينما حدّق عاصم في ملامحه محاولًا تكذيب ما يراه. رفض أن يصدق لغة عينيه، رفض أن يستسلم لشعور غامض بالكارثة القادمة.
اندفع إلى الداخل كالمجنون، لم يستطع أحد منعه، كان أقوى منهم جميعًا... وحينما دلف إلى الغرفة، توقفت الدنيا من حوله. تجمدت أنفاسه، وغامت الرؤية أمامه... هناك، على السرير، كانت هي، جسدها مسجّى تحت الغطاء الأبيض!.
لم يصدق أن الحلم انتهى بهذه السرعة. لم يستوعب عقله أنها رحلت. لم يبكِ فقط كما أمرته، بل شعر برغبة في الصراخ بأعلى صوته، لكنه حتى الصراخ لم يخرج.
في الخارج... همسة، التي كانت تنتظر، انهارت مغشيًا عليها فور سماعها كلمات الطبيب:
– جسدها لم يتحمل العملية... قلبها استسلم، لم يساعدنا، توقف تمامًا رغم محاولات الإنعاش بالصدمات الكهربائية... النبض لم يعد بعد.
وقف وليد عاجزًا، ثم نظر إلى معتز بجانبه، فوجده مصدومًا هو الآخر. وكزه بكتفه ليوقظه من شروده:
– معتز! فوق! خلي بالك من عاصم، وأنا هطمن على همسة.
فاق الأخير من ذهوله، وأومأ برأسه سريعًا:
– حاضر... حاضر.
اتجه معتز إلى النافذة المطلة على الغرفة، حيث كانت ستائرها قد فُتحت بعد انتهاء العملية. وقعت عيناه على جسدها المسجّى، والغطاء الأبيض الذي يلفها. بجانبها، كان عاصم، ممددًا جوارها، وقد أزال الغطاء واحتضنها كما فعل قبل دخولها غرفة العمليات، وكأن بينهما عهدًا لا ينتهي بالموت.
ثم فجأة... حدث شيء لم يكن في الحسبان...
…
وقفت الكلمات في حلقه، وتضاربت الأفكار في عقله... أهذا حلم أم حقيقة؟ هل أصابه الوهم، وصار يتخيل ما لا يُصدق، أم أن الواقع أمامه واضح كالشمس، قاسٍ لا مجال لإنكاره؟!
ابتلع ريقه بصعوبة، وخطى نحوها خطوة بعد خطوة، حتى بات الألم ينحر روحه مع كل اقتراب. انخفض إلى مستواها، مدّ يده المرتجفة نحو وجهها البارد، وكأنه يأمل أن يوقظها لمرة أخيرة، لكنه لم يلبث أن اصطدم بالحقيقة المرة... هذه هي آخر مرة يراها فيها!
بصوت مرتجف، كأنه يخشى أن يزعج سكونها، ناداها:
– أنا بحلم... أكيد بحلم، صح؟! سيلا، انتي بس بتختبري غلاوتك عندي، صح؟ طيب، انتي عارفة أنا بحبك قد إيه؟! أرجوكي... كفاية كده، فوقيني من الكابوس ده، صحيني...
صمت قليلًا، خنقته غصة مريرة اجتاحت حلقه، ومعها انهمرت دموعه كشلالات لا تنضب. هزّ رأسه بيأس، كأنه يحاول تصديق الوهم، ثم تمتم بصوت مخنوق:
– سيلا... انتي نفسك في حضني، صح؟ أنا حاسس بيكي... أنا جنبك، مش هسيبك لوحدك، ولا هبعد عنك أبدًا، وهفضل أمانك وسندك، زي ما وعدتك... تعالي يا حبيبتي...
اقترب منها أكثر، احتضن وجهها بكفيه المرتجفتين، نظر في عينيها المغلقتين كأنه ينتظر منها ردًا، ثم جلس بجوارها، وسحب جسدها بين ذراعيه، دافنًا رأسها داخل ضلوعه، متشبثًا بها وكأنها ستضيع منه أكثر مما ضاعت.
أخذ يشتم رائحتها العالقة بأنفاسه، تلك الرائحة التي كانت دومًا تمنحه دفئًا وأمانًا لا مثيل لهما. أغمض عينيه، تلاحقت الذكريات داخله، ضربت عقله في موجات مؤلمة... ابتسامتها التي كانت تضيء ظلامه، بريق عينيها حين تصمت لكنها تقول كل شيء، لمساتها الحانية، همساتها باسمه، ونطقها لأحضانه وكأنه ملاذها الوحيد.
بكى وانتحب... روحه فارقت جسده كما فارقته هي، أخرج من أعماقه آهاتٍ عالية، آهاتٍ ممزقة، كأنما يحاول إخراج روحه من بين ضلوعه لتلحق بها...
ولم ينتبه إلى...
باب الغرفة الذي فُتح بهدوء، ودخول الطبيب برفقة أحد الممرضين، كانت نظراتهما تحمل شيئًا لم يلحظه في خضم ألمه... شيء لم يكن يتوقعه أبدًا!
قيل سابقًا إن القُبلة أعادت الأميرة للحياة، ولكن لا أحد تذكر دفء الأحضان عندما تلامس جسدًا فاقدًا للحياة...
كأن الكون توقف للحظات، كأن الزمن عاد للوراء ليرسم مصيرًا جديدًا... تتذكرون الرضيع الذي وُلد ميتًا من رحم أمه، وحين لامس صدرها للمرة الأخيرة، عاد للحياة من جديد؟!
هرول الأطباء وطاقم التمريض بأصواتهم العالية، يسابقون الزمن لفصل عاصم عنها، محاولين إنقاذها، إذ دوّى صوت جهاز القلب فجأة، معلنًا بقوة عن عودة نبضاتها للحياة مرة أخرى!
ثبتت أنظاره على الجهاز في ذهول، يرى أمامه معجزة لم يكن يتخيلها. لمعت عيناه بدموع امتزجت بالدهشة والفرحة، بينما شفتاه تبتسمان بجنون، وكأنه فقد عقله.
لحظات... مجرد ثوانٍ، تغيّر فيها كل شيء، تبدّل فيها القدر.
بصعوبة بالغة، استطاع الأطباء إخراجه من الغرفة، ليفسحوا المجال للفحص واستكمال العمل.
خرج إلى الممر، تائهًا، ضائعًا، لا يعرف كيف يتعامل مع مشاعره المتضاربة، يبتسم تارة، ويبكي تارة أخرى كالمختل، حتى خانته قدماه وسقط أرضًا مغشيًا عليه... لولا أن تلقّفه معتز في اللحظة الأخيرة، قبل أن يرتطم جسده بالأرض.
---
على الجانب الآخر...
نظر وليد إلى همسة، التي كانت الدموع متحجرة في عينيها، منتفخة من أثر البكاء. لا يعلم هل يشفق عليها أم على انهيار عاصم؟
جلس بجوارها، أحاطها بذراعه، محاولًا تهدئتها، ثم همس بصوت دافئ:
– اهدئي... عشان خاطري، وخاطر ابننا أو بنتنا اللي جاي قريب.
ارتجفت أناملها، ووضعت يدها تلقائيًا على بطنها، تتحسسها، كأنها تحاول استيعاب ما سمعت، مشاعر الأمومة تنبض داخلها، لكنها سرعان ما تذكرت كلمات الطبيب عن استسلام أختها للموت، فتهاوت دموعها من جديد.
رفعت نظرها إليه بعينين مترقرقتين، تسأله بصوت مبحوح:
– أنا... أنا حامل بجد؟!
رغم حزنه العميق، ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي وليد، وأومأ برأسه مؤكدًا:
– آه والله، هتبقي أجمل أم قريب... الدكتور قالي إنك حامل في أربع أسابيع، ولازم راحة، وبلاش زعل الفتره دي عشان الحمل يثبت و...
توقف عن الكلام عندما رآها تبكي بصمت، لم يحتمل ضعفها، فسحبها إلى أحضانه، يربت على رأسها بحنان، هامسًا:
– هششش... أنا جنبك، ومعاكي... هي في مكان أحسن دلوقتي، ادعيلها.
لكن كلماته لم تهدئها، بل زادتها ألمًا ووجعًا، أخذت شهقاتها تتزايد حتى تحوّلت إلى نحيب هستيري:
– لأ... مش مصدقة! أنا حاسة بيها، والله حاسة إنها عايشة! لا يمكن تسيبني لوحدي كده! ماليش غيرها بعد ماما وبابا... لااا!
علت أنفاسها، صدرها يرتفع ويهبط بجنون، فارتبك وليد، وضرب الجرس أعلى الفراش بسرعة، فدلفت الممرضة على الفور، قامت بحقنها بمهدئ حتى هدأت، وارتخى جسدها أخيرًا.
اعتدل في جلسته، وطبع قبلة على جبينها، دثرها جيدًا، ثم نهض ونظر إليها بحزن، لم يحتمل رؤيتها بهذه الحالة، فخرج ليستعلم عن ابن عمه.
#شروق_مصطفى
بحث عن عاصم حتى علم بالغرفة التي نُقل إليها، وحين دخل، وجده نائمًا بإرهاق شديد، كأنما خرج للتو من معركة طاحنة. كان معتز جالسًا بجواره، وعندما رأى وليد، أشار له بيده للخروج بهدوء حتى لا يزعج عاصم.
استجاب وليد، وخرجا سويًا، وما إن أغلقا الباب، حتى تحدث بقلق:
– عامل إيه؟ طمني... إيه اللي حصل؟
لكن بدلًا من الرد، بدأ معتز يبتسم تلقائيًا، مما أثار استغراب وليد، إلا أنه فضل الصمت حتى يسمع تفسيره.
أجاب معتز أخيرًا، بابتسامة امتدت إلى عينيه:
– الحمد لله... سيلا فاقت، واستجابت للأطباء، والدكتور قال يومين وترجع أوضتها.
ظهرت علامات الارتياح على وجه وليد، وحمد الله بصوت خافت:
– الحمد لله... يا رب لك الحمد.
ثم صمت قليلًا، كأن شيئًا تذكره فجأة، فسأل بترقب:
– طيب... وعاصم؟ عرف إنها عايشة، ولا لسه؟
هزّ معتز رأسه مؤكدًا، ثم بدأ يروي ما حدث داخل غرفة الإنعاش:
– آه، عرف... لكن انهار، مقدرش يتحمل... اضطروا يدوّه مهدئ، ومفروض يفوق كمان شوية.
ثم ابتسم تلقائيًا عندما تذكر لحظة رؤيته لهما من خلف النافذة، وقال بشرود:
– أول مرة أشوف عاصم بالحالة دي... تحس إنهم توأم بجد، بيكملوا بعض، كأنهم روح واحدة... ربنا يكمل طريقهم على خير.
ابتسم وليد بخفة، ثم أراد أن يوقظه من شروده، فقال:
– عاصم مشي ورا حلمه، وحققه في الآخر... آه، تعب كتير، لكنه وصل، الحمد لله. معملش زي ناس أول ما واجهوا مشكلة، هربوا وضيعوا حلمهم بإيديهم.
بدا الانكسار في عيني معتز وهو يرد بصوت خافت:
– أنا غير عاصم، يا وليد...
نظر إليه وليد بجدية، محاولًا أن يوقظه من الضياع الذي يسلكه:
– جربت؟ حتى حاولت؟ ولا اخترت الهروب فجأة؟! للأسف... أنت محبتش بجد، لو كنت حبيت، مكنتش ضيعت اللي بين إيديك بسهولة، كنت حاربت لحد ما توصل... الحب الحقيقي مش بنلاقيه بسهولة، ولو لقيناه، لازم نتمسك بيه.
نظر إلى النائم أمامه، صمت قليلًا، ثم تابع حديثه متنهّدًا:
– عاصم فعلًا مش زيّك، حارب وعافر لحد ما وصل لحلمه. آه، تعب كتير، لكن مَهِربش مع أول مشكلة قابلته. وقف جنبها في موت والديها، واتمسّك بيها في مرضها، بل بالعكس، دعمها وفضل وراها لحد ما بقوا زي ما انت شايف روح واحدة.
توقف للحظات، يأخذ نفسًا عميقًا، ثم واصل بنبرة أكثر جدية:
– آه، انت مش زيه. قولي، انت عملت إيه مع أول مشكلة؟ ضعفت، وهربت، وحبّك بيتضيّع قدام عينيك، وأنت واقف تتفرج عليه.
تنهّد وليد، ثم وضع يده على كتف معتز بحزم، وقال:
– خلاصة الكلام، يا معتز: حارب، حاول، لحد ما توصل. كلنا غلطنا... أنت، وأنا، وعاصم، وحتى هي، لكن ربّنا غفور رحيم. المهم إننا نتعلم من غلطنا. آه، هتتعب في الأول، ده أكيد، بس مع بعض هتعدّوا الأزمة دي، وهتخرجوا منها أقوى.
توقّف قليلًا، ناظرًا إليه بجدية، ثم أضاف:
– قعدتك هنا مبقاش ليها طعم ولا لازمة. روح، الحَق اللي باقي من حكايتك، ما تضيعش الباقي من عمرك في الهروب. لأن لما الوقت يعدّي، وقت الندم مش هيفيد... هيكون فات الأوان خلاص.
حاول وليد تغيير مجرى الحديث، عندما لاحظ شروده وحزنه، لكنه فوجئ بوميض أمل خافت في عينيه، فابتسم وقال بمكر:
– مش تبارك لي بقى؟ هكون أب قريب!
عندما لاحظ استمرار شروده، نغزه في كتفه، فأفاق من أفكاره أثر الضربة، ثم أعاد وليد كلماته، فابتسم معتز أخيرًا، وتبادلا الأحضان، وهو يربت على كتفه بفرح:
– ألف ألف مبروك! فرحت لك أوي.
ردّ وليد بحب:
– الله يبارك فيك، يا صاحبي. بس بجد، ما تتضايقش من كلامي، أنا عاوز مصلحتك. حالتك دي مش عاجباني، معزول مع نفسك، ولو مش واثق إني فاهمك، وعارف إنك فعلًا اتغيرت، مكنتش قلتلك الكلام ده.
ابتسم معتز بامتنان، وقال بصوت هادئ:
– انت أكتر شخص برتاح في الكلام معاه، عمري ما أضايق منك... انت أخويا.
صمت لحظات، ثم تابع بمرارة:
– عارف أكتر حاجة خنقتني؟ إن اللي حصل ده هزّني من جوا، كسرني قبل ما يكسرها. خلّاني مش قادر أقعد في نفس المكان اللي هي فيه، ولا حتى أبص في عينيها... هربت من نفسي! تتخيّل؟ الإنسانة الوحيدة اللي دقّ لها قلبي، شفت في عينيها نظرة... مهما أوصف لك، عمري ما هنساها.
ثم سأل بصوت مكسور:
– تفتكر... ممكن تنسى فعلاً؟ نبدأ من جديد؟
أجابه وليد بثقة:
– لو جواكم نبتة حب حقيقية، تقدروا تحطوا كل حاجة ورا ضهركم، وتبدأوا من جديد. وطول ما انت عرفت طريق التوبة وماشي في الطريق الصح، ربنا عمره ما هيقفل بابه في وشك... بالعكس، هييسر لك طريقكم سوا.
شعر معتز بقلبه ينبض بقوة، وكأن الأمل بدأ يضيء طريقه من جديد، فقال بحماس:
– أنا مش عارف من غيرك كنت هعمل إيه... عطتني قوة غريبة، وأمل كبير. أنا فعلًا لازم أتحرك من هنا... بس أطمن عليهم الأول.
لكن قبل أن ينهي حديثه، قطع صوت عاصم كلماته، وهو يهلوس ببعض العبارات غير المفهومة، محاولًا النهوض من سريره. أسرع وليد ومعتز نحوه، يحاولان تهدئته، لكن عاصم كان يبحث بجنون، عيناه تائهتان، وصوته مرتعش:
– هي فين؟! سيلا... كنت بحلم؟! ولا بجد؟! هي فين سيلا؟!
وانصهر الجليد بقلم شروق مصطفى
حاول وليد الإمساك به، مهدّئًا:
– اهدأ يا عاصم... هي بخير، مش حلم، بس مش هتعرف تشوفها دلوقتي... نُقلت للعناية المركزة، ارتاح شوية بس.
لكن عاصم لم يستمع له، فقط يريد أن يتأكد مما رأى... أكان حقيقة أم وهمًا؟ دفع وليد عن طريقه، وهرول خارج الغرفة، كالمجنون، يبحث عنها.
لم يهدأ حتى وجد الطبيب، فتقدّم إليه بلهفة، وعيناه مشتتة بين الخوف والرجاء:
– أين هي؟!
ابتسم الطبيب بودّ، وقال بصوت مطمئن:
– اهدأ أيها العاشق! إنها معجزة الله... الفضل لله أولًا، ثم لك. أهنّئك، لقد أفاقت، وتم نقلها للعناية الفائقة. يجب أن تمرّ عليها ٤٨ ساعة حتى نطمئن على المؤشرات الحيوية لديها، وإذا مرت بسلام، سيتم نقلها لغرفتها. لكن، الزيارة ممنوعة حاليًا، من فضلك.
شعر عاصم بقلبه يستعيد نبضه، وابتسم لا إراديًا. لم يكن حلمًا! التفت ليجد يدًا تربت على كتفه، وحين استدار، وجد وليد أمامه، ليحتضنه بقوة، هامسًا بصوت مرتجف:
– ما سبتنيش... رجعت لي تاني! سمعت الدكتور، صح؟!
بقلم شروق مصطفى
ابتسم وليد، قائلًا:
– سمعت... مبروك، ألف مبروك.
خرج من أحضانه، ليتلقفه معتز باحتضان آخر، ويربت على ظهره:
– مبروك، يا صاحبي.
نظر إليهما وليد، وقال بابتسامة واسعة:
– باركولي أنا كمان... هبقى أب قريب!
نظر إليه عاصم بدهشة، ثم ضحك بسعادة غامرة:
– بجد؟! ألف ألف مبروك، يا وليد!
ردّ وليد بامتنان:
– الله يبارك فيك، يا رب... وحمدًا لله على سلامتها.
التفت عاصم حوله، يبحث عن وجه معين، لكنه لم يجدها، فسأل بقلق:
– أمال همسة فين مش شايفها ليه؟
انتفض فجأة الأخير فزعًا، متذكّرًا أن همسة لا تزال لا تعلم بعودة أختها للحياة. انشغل تمامًا بحديث معتز، وها هو الآن يهرول خارجًا من أمامهما، تاركًا إياهما ينظران إليه في صدمة. ثم، لم يلبثا أن تبادلا النظرات قبل أن تنفجر ضحكاتهما عاليًا.
بخطواتٍ سريعة، اندفع إلى غرفتها. وعندما دلف إليها، وجدها ما زالت نائمة من تأثير المهدئ. جلس بجانبها، يتأمل تقاسيم وجهها الحزين، متمنيًا أن تستيقظ سريعًا، لترى النور الذي عاد إلى حياتها مجددًا، ويخبرها بالخبر الذي سيضيء قلبها.
مرّ يومان...ثم نُقلت سيلا إلى غرفة أخرى، كانت ما تزال نائمة حين دخل إليها عاصم. راقبها للحظات، ثم لمح حركة طفيفة من جفونها. حاولت فتح عينيها عدة مرات، لكن الإضاءة القوية أجبرتها على إغلاقهما من جديد. بعد قليل، بدأت تتأقلم مع الضوء، وحاولت الاعتدال في جلستها، لكن قبل أن تتمكن من ذلك، أسرع إليها عاصم، وأحاط كتفيها بيديه، مثبتًا إياها في مكانها، رافضًا تحرّكها.
سيلا، بصوت واهن:
– سيبني... عاوزة أقوم شوية.
عاصم، مبتسمًا بسعادة لم يستطع إخفاءها:
– حمد لله على سلامتك، يا حبيبتي... مش عاوز أتعبك، خليكي نايمة عشان الجرح.
رفعت عينيها نحوه، والتمع فيهما شيء لم يفهمه للحظة. حدّقت به طويلًا، ثم همست بصوت خافت، يحمل بين طيّاته حنينًا خفيًا:
– عارف...
أنا حلمت بيك.