رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الاول 1 بقلم دينا جمال


 رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الاول


الإحتفال ضخم بليلة رأس السنة في ذلك الملهى الفاخر يجب أن يكن كما قال الكتاب ، الاضواء المتراقصة ، الزينة تملئ كل شبر في المكان؛ الصالة ، الأرض ، الطاولات ، الحوائط 
وأمامها حفرة من حفر جهنم تشتعل بنيران العاهرات التي تتمايل هنا وهناك على أعمدة الرقص ،وصوت زجاجات النبيذ تنفجر والضحكات الماجنة تغطي على صوت الموسيقى ، والمشاهد تزاد بشاعة وفجورا لتبتسم ساخرة وهي تتمايل ، أتقزز منهم وهي جزء لا يتجزأ من تلك الحفرة الملعونة أليست هي راقصة المكان جميع من هنا جاء فقط ليرى طرب الجميلة وهي تتمايل تهتز القلوب لرؤية خصرها المنحوت ينحني ، التفت حول نفسها تسمع الأصوات حولها  تردد العد التنازلي لبداية السنة الجديدة مع كل لفة تدورها يقترب العام الجديد لحظة إلى أن علا التصفيق وصدى صوت الألعاب النارية لتنحي هي تحييهم ، نزلت من المسرح تلتقط مئزرها تستر به جسدها تتحرك سريعا صوب غرفة تبديل ثيابها دخلتها تصفع الباب عليها 
وقفت خلف الباب المغلق تغلق عينيها تلتقط أنفاسها ، حين فتحت عينيها وقعت أنظارها على صورتها في المرآة الكبيرة أمامها ابتسمت ساخرة تنظر لحُلة الرقص التي لا تستر منها سوى أقل القليل ، أغمضت عينيها تتجرع مرارة شعورها بالاشمئزاز من نفسها ، ابتعدت عن الباب حين سمعت دقاته تلاها صوت مدير الملهي يغمغم مبتهجا :
_راقصة مصر الأولى ، أنتِ جوا
لم ترد عليه وهو لم ينتظر ردها فتح الباب يدخل ليراها تجلس أمام مرآة زينتها تمسح مستحضرات التجميل عن وجهها ابتسم يقترب منها يغمغم سعيدا :
_دا إيه الأداء العظيم دا ، كنتي مولعة الصالة النهاردة ، لو بس تطاوعيني وتنزلي لجمهورك ، النهاردة راس السنة علية القوم كلهم تحت يتمنوا بس إشارة من صباعك وهينزلوا تحت رجليكِ 
تركت قطعة القطن من يدها لتلتف له تنظر إليه بتعالٍ تغمغم محتدة :
_أفتكر أننا اتكلمنا في النقطة دي لما شبعنا ، واتفضل بقى عشان عاوزة أغير هدومي 
زفر مهاب أنفاسه محتدا تلك الفتاة تظن أنها لا تزال تسكن في برجها العاجي ، لم تدرك بعد أنها ليست سوى راقصة وُصمت في المجتمع أنها بائعة هوى ، ولكنه لم يكن ليستسلم خاصة وضيفه الليلة مميز للغاية ، ابتسم لها قبل أن يخرج من الغرفة يحادث الواقف خارجا :
_في انتظار جنابك يا يامن بيه ، بس خد بالك أصلها شرسة شويتين ، أنا هقفل الباب من برا احتياطي 
ابتسم الأخير يخرج ورقة بمبلغ ضخم وضعها في يد مهاب ، ليمسك بمقبض الباب فتحه يدلف للغرفة 
وقفت طرب ما أن رأته التفت تصيح فيه محتدة :
_أنت مين وازاي تدخل هنا ، أكيد مهاب الكلب هو اللي دخلك ، أطلع برة 
لم يتحرك جسده بل تحركت عينيه تمسح جسد الواقفة أمامه ، حرك لسانه على دفة شفتيه السفلى يشتهي الجميلة الشرسة ، لاحظت طرب نظراته المقززة لتصرخ فيه :
_أطلع برة بقولك ، أنا ماليش في الشمال
هنا ضحك الواقف بعلو صوته يقترب منها خطوة تليها أخرى يغمغم من بين ضحكاته ساخرا :
_ حلوة الرقاصة ال new version اللي مالهاش في الشمال دي ، ايه يا روحي بترقصي بحجابك ، لو بتعملي الشويتين دول عشان تعلي سعرك فنقصر على بعض الطريق ، طبعا أنتِ عارفة أنا مين 
وغد دنئ ترى مثله يوميا مئات النسخ حتى باتت تراهم جميعا بملامح واحدة لا فرق بينهم ، أما هو فدس يديه في جيبي سروال حلته الفاخرة يتفاخر بنفسه :
_ يامن المحمدي صاحب أكبر مصانع حديد وصلب في البلد ، يعني مهما كان سعرك هديهولك وزيادة فبلاش فرهدة بقى ، أصل الباب مقفول علينا من برة وأنا مش هخرج من هنا غير لما ادوق العسل !
شعرت بالخوف من النظرة المقززة المخيفة التي رأتها في عينيه ، رأت براءتها تُغتال داخل نظراته ، امتدت يدها إلى المزهرية تمسك بها تحاول تهديده :
-لو قربت مني هقتلك، قولتلك أنا مش شمال ، عندك الكبارية مليان أختار اللي تعجبك إنما أنا لاء
ابتسم يامن ساخرا يلعق شفتيه كم يعشق القطط الشرسة وتلك الصغيرة أن تظن أن لها مخالب لتخدشه بها ، امتدت يده ينزع سترة حلته يلقيها جانبا لتتسع حدقتيها ذعرا حاولت أن تبدو ثابتة وهي تصرخ فيه :
-قولتلك اطلع برة ، لو قربت مني هقتلك ، أخرج برة 
لم يتراجع بل تقدم إليها، ارتعشت قدميها تعد تلقائيا للخلف تقبض على المزهرية لن تردد في تهشيم رأسه أن فكر في وضع إصبعا عليها ، شهقت حين ارتطم جسدها بالحائط البارد خلفها وبات مهاب أمامها يبتسم مشتيها الجميلة ، رفعت يدها وقبل أن تهبط على رأسه بالمزهرية قبض على رسغ يدها يضحك ، لتتسع حدقتيها ذعرا تنتفض خائفة ليثني ذراعها خلف ظهرها يديرها بعنف يلصق ظهرها بصدره يقبض على رقبتها بيده الأخرى لتسمع صوته المقزز يهمس لها:
-أنا بعشق القطط الشرسة وبعرف أروضهم كويس ، أبويا كان مدرب أسود في السريك وعلمني أدرب كويس أوي يا طرب 
بكت خائفة حين شعرت أنها قاب قوسين أو أدنى من أن تغتصب براءتها تلوت بين يديه بعنف تصرخ فيه أن يتركها ولكنه لم يفعل بل قبض على جسدها يرفعها عن الأرض قليلا لتصرخ ترتد بين يديه تحاول ضربه ، خدش يديه ،دفعه بعيدا عنها بلا جدوى ... انتفض نابضها ذعرا حين سطحها على الأريكة في غرفتها يحتجز جسدها بجسده تجري يده الماجنة على جسدها بلمسات عنيفة مقززة ، بكت تحاول الحفاظ على آخر ذرة كرامة لها ... ظلت تتلوى بين يديه تصرخ وهو يمزق ثيابها كالوحش الجائع ، إلى أن استطاعت اخيرا أم تصدمه بقدمها لتبعده عنها هبت سريعا تقبض على مطفأة السجائر تصدمه بها على رأسه لينحنى أرضا على ركبتيه يصرخ من الألم .. فُتح الباب حين علا صراخه ليدخل مهاب يصرخ فيها :
-أنتِ عملتي ايه يا مجنونة ، أنتِ ما تعرفيش مين دا هتودينا في ستين داهية 
نظرت إليه كارهة يا ليتها تملك الفرصة كانت أغرق دمه هو والآخر ولكن لأجل ملاك فقط ستصمت ، دفعت المطفأة أرضا لتتوجه صوب مهاب بصقت في وجه تصرخ تتوعده:
-صدقني هدفعك تمن اللي عملته دا غالي أوي
التقط ثوبها تضعه فوق حلة رقصها الممزقة ، توجهت للخارج لا يعرف حتى كيف تستطيع المشي كل ذرة ترتجف خوفا ، أوقفت سيارة أجرة ركبت على الأريكة الخلفية ولم تستطع سوى أن تنفجر في البكاء رفعت كفيها تختبئ بهما وجهها تبكي بحرقة على ما آل له الزمن فابنة الحسب والنسب راقصة وعليها أن تصير رغما عن أنفها بائعة هوى ، رفعت وجهها لتجد السائق ينظر إليها مشفقا لتعطيه ابتسامة باهتة تستند برأسها إلى النافذة تتذكر حياتها القديمة كان أقل ما يقال عنها رائعة الجمال حتى دخلت الحية بينهم ودمرت كل شيء ، كل شئ تبدل بين ليلة وضحاها 
وصلت سيارة الأجرة لحي سكين متوسط الحال لا بالفقير المعدم ولا بالرغد الفاخر ، أعطت للسائق نقوده ،  وقفت أمام عمارتها السكينة لتأخذ طريقها تصعد لأعلى ، خطواتها ثقيلة محطمة تماما من الداخل قبل الخارج 
وصلت لشقتها تفتح الباب لتبصر عينيها ما أن دخلت تلك الحية التي دمرت حياتها ، بسببها حدث لهم ما حدث كانت تجلس أمام التلفاز تشاهد فيلم غربي أمامها طبق من التسالي ، التفتت إليها ابتسمت تردف ساخرة:-
اهلا بطرب هانم ، مهاب لسه قاقل معايا بيقولي أنك فتحتي دماغ واحد من أهم الزباين عنده 
خدي بالك لو اتحبستي ، هرمي أختك في الشارع لكلاب السكك يعملوا فيها ما بدالهم 
فبضت كفها تغرز أظافرها في كف يدهت تحاول أو تهدأ ، لأجل شقيقتها فقط ... دخلت تبتلع لسانها إلى غرقتها بصحبة شقيقتها ، فتحت الباب ليعلو ثغرها ابتسامة كبيرة ، تنظر للملاك الجالس فوق سطح الفراش بين يديها كتاب مدرستها ، هرولت إليها تاخذها بين أحضانها تقبل رأسها تغمغم :
-وحشتيني يا ملاك عملتي ايه النهاردة
عبست الفتاة تضع الكتاب جانبا تكتف ذراعيها أمام صدرها تشير لقدميها تغمغم ساخرة:
-هكون عملت ايه يا طرب ، جريت التراك أربع مرات برجليا المشلولة دي ، اديني قاعدة طول النهار هنا بذاكر عشان امتحانات ثانوية 
أحترق قلب طرب على حال شقيقتها الصغرى ، مدت يدها إليها تعبث في خصلات شعرها تردف :
-طب ما بتقعديش على كرسيكي وتتحركي ليه ، حابسة نفسك هنا ليه
لوت ملاك شفتيها تغمغم حانقة :
-ما بحبش اشوف البومة اللي برة دي 
ضحكت طرب بخفة تعتدل في جلستها جوار شقيقتها تضجع إلى عارضة الفراش تغمزها بطرف عينيها تردف ضاحكة:
-عندك حق والله هي فعلا بومة ، شبه كلب البحر في نفسها كدة
ضحكت ملاك تومأ توافق ما تقول شقيقتها لتجذبها وتر إلى أحضانها تعانقها بقوة تنهدت بقوة تهمس داخل نفسها:
-عشان خاطرك أنتِ بس يا ملاك أنا مستعدة أعمل أي حاجة !
______________
في تمام الثامنة صباحا في منزله الكبير ، في غرفة نومه خرج من المرحاض ما أن اغتسل وبدل ثيابه ، أمام المرأة تمتد يده لرابطة عنقه يحاول ربطها بلا فائدة تتحرك مقلتيه على انعكاس صورته يرى ما فعل الزمن به بعد ستة عشر عاما بعد أن صار أبا لشابٍ في مثل طوله الآن تقريبا ورغم الشيب الذي أخذ طريقه لشعره ولحيته إلا أنه لا يزال يحب ملامح وجهه الحادة ، غريب الزمن حين يتحرك بتلك السرعة يلصق بك ما لا تريده ، قديما كان يتفاخر بلقب الشيطان ، وبعد أن تاب الشيطان وعاد لصوابه لم يستطيع أن ينزع عنه ذلك اللقب ، على نطاق واسع الجميع يعرفه باسم الشيطان ، فيضيف في نفسه أنه الشيطان التائب الخارج من نيران معاصيه 
التقط سترة حلته يعقد زرها ، وساعة يدها يغلقها على معصمه ، ينظر لهيئته ليعلو شفتيه ما يشبه ابتسامة ، اتسعت تلقائيا حين رآها تدلف من باب الغرفة تبحث عنه بعينيها تبتسم ما إن رأته ، لتخطو إليه وهو ينظر إليها يتذكر أول مرة رآها بها من كان يصدق أن تلك الصفعة ستخلق كل ما حدث بينهما ، رؤى زوجته الجميلة صاحب أعين اللؤلؤ الاسود ، كم يعشق ملامحها كلما كبرت لم تزداد في عينيه إلا جمالا ، ضحك في نفسه حين تذكر أول لقاء جمعهما معا كم كان هزليا للغاية
« جاسر : انتي مين وبتعملي ايه هنا 

ازدردت ريقها متوترة ، لا تعرف لما شعرت بأن الكلام علق داخل جوفها ، وجدت نفسها تلقائيا تعود للخلف الي أن وقفت خلف ظهر حسين 
لتحتمي به من ذلك الرجل المخيف تشعر بأن نظراته الحادة تجردها من ملابسها عطره القوي هذا يشعرها بالاختناق 
جاسر غاضبا: ما تنطقي انتي مين وبتعملي ايه هنا 
حسين سريعا : جاسر باشا ، دي ، رؤي بنتي 
لانت ملامح وجهه ومد يده ليصافحها 
جاسر مبتسما: جاسر مهران 
رؤي : آسفة ما بسلمش 
جاسر غاضبا: ليه يا اختي حد قالك أن أنا جربان 
رؤي : لاء أبدا ، بس الرسول صلى الله عليه وسلم قال " ليطعن أحدكم بمخيط من حديد ، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " 
جاسر في نفسه: اممم ، عاملة فيها ست الشيخة ، حلو 
جاسر بأدب مصطنع: هي حضرتك خريجة ايه 
رؤي : تجارة
جاسر : ومش عايزة تشتغلي 
حسين: لاء يا باشا مش عايزة
جاسر بغيظ : لما أكون بتكلم ما تتحشرش احسنلك 
تلك المرة رفعت رؤي نظرها ، تنظر الي جاسر بغيظ : ما اسمحلكش تكلم والدي بالطريقة دي 

تعالت ضحكات جاسر الساخرة : انتي مين يا بتاعة تاني عشان تسمحيلي و لا ما تسمحليش انتي عارفة أنا مين
رؤي ببرود: طاوس مغرور نافش ريشه 
نظر لها بصدمة: انتي ازاي تتكلمي معايا بالطريقة دي
حسين غاضبا: اسكتي يا رؤي ، أنا آسف يا باشا امسحها فيا 
رؤي : يا بابا أنا
حسين مقاطعا بغضب : اسكتي يا رؤي 
اخفضت رأسها ارضا وهزت رأسها إيجابا: حاضر يا بابا ، عن اذنك 
اتجهت الي باب الغرفة وخرجت فسمعت جاسر ينادي عليها 
جاسر: استني يا بتاعة انتي 
لم تعره انتباها وأكملت طريقها الي باب الشركة ولكنها فجاءة وجدت من يقبض على يدها  
جاسر غاضبا: أنا مش بكلمك
التفت اليه بأعين حادة غاضبة وبدون سابق إنذار صفعته علي وجهه أمام جميع موظفي الشركة ثم جذبت يدها بعنف من يده
رؤي غاضبة: إياك، تفكر تلمسني تاني 
تركته وخرجت سريعا من الشركة ، بينما وضع جاسر يده على خده وقد اسودت عينيه غضبا »
عاد من شروده يبتسم حين وقفت أمامه ترتفع على أطراف أصابعها تمسك بطرفي رابطة عنقه تعقدها له 
فما كان منه ألا أن أغلق ذراعيه عليها لتبتسم تكمل ما تفعل تردف يائسة :
_جرجر يا حبيبي بطل شغل افلام الهندي دا ، حاسة أن أنا سامعة اغنية ربااابااااي في الخلفية
ضحك بملئ ثغره مجنونة لن تتغير ألن تتوقف عن تلقيبه بذلك الاسم السخيف ، توسعت ابتسامته يغمغم في خبث :
_يا برقوقة يا حبيبة قلبي ، بطلي تناديلي بالدلع المهبب دا أحسن اكرشلك عيال الصيع دول من البيت ونقعد لوحدنا نعمل كيكة بالشكولاتة ، وذنبك على جنبك بقى يبقوا ٨ مش ٦ 
شهقت مدهوشة، ثمانية !! إلا يكفي أنهم قبل أربعة أعوام فقط سبف السيف العزل ولديها الآن طفلان ذكور في الثالثة من العمر ( يس و سليم ) تكاد تُجن منهما 
لم تكد تنطق بحرف دُفع باب غرفتهم بعنف ليظهر الصغيران يهرولان للداخل يضحكان ليبتعد جاسر عنها حمل سليم كاللعبة من تلابيب ملابسه من الخلف يغمغم حانقا :
_يا أوزعة يا شبر إلا نص هو أنا مش قايل ألف مرة ، تخبطوا قبل ما تدخلوا ، طالعين للبيه الكبير 
ضحكت رؤى تحمل يس عن الأرض ليتعلق برقبتها اقتربت منهم تغمغم ضاحكة :
_جاسر خلاص ، بردوا لسه صغيرين ، بعدين نرمين قالتلي أنك كنت بتعمل كدة وأنت صغير يعني هما طالعين ليك أنت ، بطل تظلم رعد 
ضيق حدقتيه حانقا ألن تتوقف شقيقته المصون عن فضح أسراره في الصغر ، توعد لها ما أن يراها ليقطع ما يحدث بالكامل صوت صرخات متتابعة يأتي من الأسفل ، تنهد يأسا يقلب عينيه نظر لرؤى يغمغم ساحظا :
-مريم هانم ويوسف بيه كالعادة بيتخانقوا على الصبح ، دا أنا هنزل اعلقهم ... صحيح البيه الكبير فين 

تنهدت رؤى متضايقة من طريقة حديثه عن رعد المسكين ، رعد الذي لم يفعل أي شئ ولكن دوما ما يجد جاسر سببا واهيا ليصب غضبه عليه ، أنزلت الصغير أرضا تغمغم حانقة :
-كفاية بقى يا جاسر ، رعد عمرك ما شوفته بيعمل حاجة غلط ، ومع ذلك طريقة معاملتك معاه زي الزفت ، أنا نفسي أعرف أنت بتعمل معاه كدة ليه ، هو رعد عمل ايه ... أنا واثقة أنك مستحيل تكون بتكرهه بس ليه دايما قاسي عليه وبتصطادله الغلط 

نظر في الإتجاه الآخر ، حركة جاسر المعتادة حين لا يرغب في الإجابة عن سؤالها وماذا سيقول ؟ ذلك الهاجس الذي يؤرق نومي ليل نهار يصرخ دائما داخل عقلي أن رعد على شفا أن يصبح نسخة منه حين تمكن منه الشيطان ، لن يتحمل رؤية رعد في الصورة التي كان عليها هو ، لديه هاجس لا ينتهي أن رعد سيصبح أسوء مما كان هو سيفعل الكثير والكثير لذلك عليه دائما أن يبقيه تحت حصاره القاسي حتي يمنع اي شيطان من التسلل إليه 
حين لم يجيب زفرت رؤى تردف تعاتبه :
-براحتك يا جاسر بس افتكر أن أنت الوحيد اللي هيخسر في الآخر ، رعد نايم كان سهران امبارح مع أصحابه ورجع متأخر ، أنا هنزل احط الفطار 
وامسكت بيد الصغير الآخر ينزل ثلاثتهم لأسفل ، ليتحرك جاسر غاضبا إلى غرفة رعد .. فتح بابها فجاءة ليرى رعد يغط في النوم ، توجه إلى الشرفة يفتحها على مصراعيها بعنف لتُحدث صوتا مدويا ، تأفف رعد على أثره رفع يده يحاول حجب ضوء الشمس عن عينيها يغمغم عانسا :
-يا ماما اقفلي الشباك ، الحق اناملي شوية قبل ما بابا يصحى 
-لاء بابا صحي خلاص ، قوم يا بيه 
غمغم بها جاسر ساخرا ، ليفتح رعد عينيه ابتلع لعابه متوترا ليعتدل سريعا جالسا يفرك عينيه براحتي يده حمحم يتمتم :
-صباح الخير يا بابا
أقترب جاسر سريعا من فراش رعد وقف على بعد خطوتين منه كتف ذراعيه يسأله ساخرا:
-البيه كان فين امبارح ، كنت سهران في أنهي كبارية ... أمك بتقولي أنك راجع متأخر 
لم يعد رعد يندهش من سوء ظن والده به تعود على ذلك منذ الصغر  ، ابتسم في وجه أبيه يغمغم ببساطة :
-ما هو أنا أكيد لو كنت سهران في كبارية مش هقول لحضرتك إني كنت سهران في كبارية ، مش كدة بردوا
احتقن وجه جاسر غضبا ، ذلك الأحمق المتحذلق يتلاعب بالكلمات ، اقترب منه سريعا يصيح فيه محتدا:
- على الله أعرف أنك روحت أي مكان من الأماكن دي ، هخليه تشوف الضلمة في عز الشمس ، قوم يلا عشان نروح الشركة 
بصق تهديده في وجهه ليندفع يخرج من الغرفة يصفع الباب خلفه ، ابتسم رعد يأسا يرتمي بجسده إلى سطح الفراش ينظر لأعلى شاردا لا يعرف أ ما يفعله صحيحا ، أم أنه فقط يود الصراخ على كل تلك القواعد التي تقيده حد الموت ، نزع عنه الغطاء قام واغتسل وبدل ثيابه ينزل لأسفل لتلتقط أذنيه أصوات ضحكات عالية نزل عدة درجات ليرى والده قد تخلى عن سترة حلته يشمر ذراعي قميصه يلاعب يوسف مصارعة لينضم إليهم الطفلين سليم يحاول ضرب والده وياسين يحاول ضرب يوسف بحركات مضحكة للغاية ومريم تقف كحكم بينهم تمسك صافرة لعبة من ألعاب الصغيرين وقف ينظر إليهم ونيران قلبه تشتعل ، وشعوره بالحرمان يتفاقم ماذا فعل لكي لا يعش والده لحظانه سعيدة كتلك ، ماذا فعل ليُنبذ منذ طفولته ، أجفل على يد توضع على كتفه نظر خلفه ليجد چوري شقيقته التؤام تقف خلفه تبتسم له ليفعل المثل أمسكت بيده تجذبه معها لأسفل ، لتأتي والدتهم تصفق بيديها تعلو بصوتها :
-خلاااص ماتش المصارعة خلص وياسين وسليم هما اللي فازوا ، يلا بقى الفطار قبل ما تخرجوا
ضحك الجميع يتوجهون إلى طاولة الطعام جلسوا جميعا على الطاولة ليجلس الصغيران كعادتهم على قدمي يوسف ، ابتسم رعد يربت على ساقه برفق يردف :
-واد يا ياسين تعالا اقعد على رجلي سيبوا يوسف يوم ياكل من غير ما تلزقوا فيه زي القطط
انكمش الصغير يحرك رأسه للجانبين بعنف يغمغم خائفا:
-لاء أنت وحش ، بابا مش بيحبك وعلى طول بيزعقلك تبقى وحش 
-ياسين
صرخت بها رؤى لينتفض الصغير يبكي مذعورا أخذه يوسف بين أحضانه يهدهده في حين انتفضت رؤى نظرت لجاسر تغمغم محتدة:
- شوف نتيجة اللي بتعمله خليتهم يخافوا من أخوهم 
تحركت لتغادر ليهب رعد سريعا يمسك بيدها يمنعها من ذلك ، اضحك شفتيه رغما عنه يغمغم سريعا :
-ما حصلش حاجة يا ماما ، ياسين لسه صغير ومش فاهم ، ما ينفعش تقومي وتسيبي الأكل طبعا ، تعالي اقعدي والله ما حد فينا هياكل لو ما قعدتي كلتي معانا

ادمعت عيني رؤى حين نظرت لوجه ابنها رأت ذلك الألم الذي أخفاه بابتسامة صغيرة ، لتنظر لجاسر تعاتبه على ما فعل ، ربتت رؤى على ذراع رعد ليقبل قمة رأسها ... عادت تجلس مكانها ليأخذ هو مكانه جوار جوري ، لاحظ شرودها ليميل برأسه إليها يهمس يسألها :
-مالك ساكتة ليه مش بتتشعوذي على الصبح بجنانك ليه ، حصل حاجة ولا ايه
اومأت جوري له تزفر أنفاسها تتمتم حانقة :
-أنا عايزة اسيب الشغل عند خالو عاصم في الشركة ، أنا بجد مش هستحمل تحكمات واوامر حسين تاني ، دا مستفز دا ناقص يحاسيني على النفس اللي بتنفسه هيبقى مع مين
ضحك رعد يحرك رأسه ياسا ليميل يهمس لها من جديد :
-أنتِ عارفة هو بيعمل كدة ليه ، صدقيني تحكمات حسين أهون من اللي بيعمله ابوكي دا بيسحلنا يا بنتي 
اومأت تبصم بأصابع يديها الاثنين لن تنسى أبدا تلك الصفقة التي كانت بين شركة والدها وشركة خالها ، لا تزال تحلم بكوابيس تلك الفترة والدها حرفيا لا يعجبه عجب العجاب ، اضطروا لإعادة تصميم المنتجع لأكثر من سبع مرات على الورق وبعد بدأ التنفيذ مرة لم يعجبه أيضا وأمرهم بهدم كل ذلك وإعادة تنفيذ تصميم آخر ، اجفل كلاهما على صوت جاسر وهو يوجه حديثه لجوري :
-صحيح يا جوري أنا وخالك عاصم قررنا نستلم مشروعات المدينة الجديدة كلها ، عايزة تصميمات out of box  يا جوري ماشي يا حبيبتي
شخصت عيني جوري فزعا في حين انفجر رعد في الضحك عليها ، الفترة القادمة لن تكون سهلة عليها أبدا 
دُق جرس الباب لتذهب أحدى مدبرات المنزل لتفتح ليطل من خلف الباب المغلق شاب طويل القامة لديه عينان سوداء وشعره كثيف في عمر الثامنة عشر ، دخل مراد إليهم يغمغم فرحا :
-حماتي بتحبني ، لاء هي بتحبني جداا 
قام يوسف يصافح صديقه في حين اخفضت مريم عينيها خجلا !!

تعليقات



×