رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الثامن عشر بقلم مريم الشهاوى
ذهب إلى منزل والدة شهاب ليقنعها كي يتزوج سارة التي يحبها
نظر إلى شهاب:
"جاهز؟ "
قال شهاب بتوتر:
"ربنا يستر أنا هستناك هنا لانها مش طايقة تشوفني فادخل أنت ظبط وابقى ناديني."
-ماشي طب استخبى
وحين فُتح الباب تفاجأ بهدير أمامه ممسكة بمكنسة وتنظر إليه بصدمة
تحدث بريبة:
"هدير؟؟! "
-مين يا هدير
أتى هذا الصوت من داخل المنزل نظرت خلفها وتحدثت مع صاحبة المنزل قائلة:
"ده.. ده ضيف... اتفضل حضرتك."
فتحت الباب وأذنت له بالدخول وشهاب وراءه همس له بأذنيه :
"إيه اللي جاب هدير هنا؟ "
نظر له مصطفى :
"أنت بتسألني؟... هو بيتي ولا بيتك؟... يلا روح استخبى مش عاوزها تشوفك."
ذهب شهاب وابتعد عنه ودخل مصطفى إلى المنزل ورحب بوالدة شهاب التي تدعى"هدى"
-اهلا اهلا يا حبيبي عامل إيه؟
ابتسم مصطفى بهدوء:
"ازي حضرتك يا طنط."
تحدثت هدى بلوم:
"كده يا مصطفى متسألش عليا كل المدة دي اخص عليك."
-والله دايما بسأل شهاب على حضرتك وبيطمني عليكِ... بس كنتِ واحشاني فقولت أجيلك أقعد معاكِ شوية.
لم تستمع لبضع كلماته بسبب حديثها التي امتزج مع حديثه وهي تقول لهدير:
"هاتي حاجة يشربها يا هدير."
ذهبت هدير مسرعة إلى المطبخ تأخذ أنفاسها بصعوبة..ما الذي أتى به إلى هنا؟ وما علاقته بتلك السيدة هل هم أقرباء؟
وضعت براد الشاي على النار وخرجت من المطبخ لمراقبته!
ابتسم مصطفى محدثًا هدى بهدوء :
"طمنيني عنك عاملة إيه دلوقتي مواظبة على علاجك؟"
-اه الحمد لله.. من بعد ما شهاب سابني وأنا مبقتش عارفة مين ياخد باله مني.. فشغلت معايا واحدة تساعدني في شغل البيت عشان مبقتش قادرة عليه لوحدي وعلى التعب أهو.. ماشية علمسكنات."
-ليه يا طنط؟... المسكنات مش حاجة كويسة... مش ماشية على علاج اللي الدكتور اداهولك؟
- العلاج مبقاش ليه فايدة ولا بتعالج لسه ضهري زي مانت شايف حتى الصلاة في آخر فترة بقيت بصليها علكرسي.
قال بحزن:
"شفاكِ الله وعافاكِ... والله أنا لو اعرف إن حالتك كده كنت اتطمنت عليكِ كل يوم بس البيه كان بيقولي إنك كويسة."
تساءلت بتعجب:
"بيه مين؟"
-الشاي يا هانم
قاطع حديثهم صوت هدير بدخولها
-تسلم ايدك يا هدير يا بنتي
نظرت إليه وتلاقت عيونهم بنظرة عميقة ورحلت هدير عنهم ونظرت إليهم من بعيد تود معرفة سبب مجيئه؟
سألها يود فتح الموضوع قائلًا:
"وهي سارة عاملة إيه؟ "
ضمت حاجبيها بغضب:
"إيه جاب سيرتها دلوقتي !"
ضحك مصطفى بخفة:
"لا والله بتطمن بس... يعني اتجوزت أو أي حاجة عاملة إيه هي وعيالها؟ "
-أهي قاعدة جمب أمها لسه متجوزتش سمعت إنها قالت يا تتجوز شهاب يا مش هتتجوز نهائي.. خليها قاعدة.
-طب إيه سبب رفضك؟... يعني هي مش ست برضو كاملة مفيهاش إيد ناقصة أو رجل... فين عيوبها عشان نكون واضحين.
-أنت عاوز تتجوزها ولا إيه يا مصطفى؟
اتسعت عينا هدير حين سمعت بتلك الجملة وهدأ من روعها حين سمعت إجابته قائلًا :
"مش قصة أتجوزها والله... الموضوع هو إني عاوز أي إجابة واضحة لسبب رفضك؟"
قالت بحزن:
"سبب رفضي إيه بس يابني... أنا لو كنت رافضة زمان... هوافق دلوقتي... بس شهاب يقولي كده تاني وأنا هوافق."
تحمس مصطفى وارتسمت على وجهه ابتسامة واسعة :
"يعني حضرتك مش رافضة؟ "
-كنت رافضة في الأول لإني كنت شايفة إن شهاب يتجوز بنت ومعهاش عيال أحسن ما ياخد واحدة اتجوزت وخلفت وياعالم هيتوافقوا مع بعض ولا لا... مكنتش حابة يواجه مشاكل وإنه يفرّق بين عياله وعيالها... الجوازات دي يا بتفشل يا بتنجح ونسبة نجاحها بيبقى قليل لإن الطبيعي إن شهاب هيخاف وهيحب عياله أكتر وهيفرّق في معاملته معاهم غصب عنه... فليه يبقى السبب إنه يطلع ولد متوحد ومش سوي نفسيًا بسبب المقارنة اللي هيتحط فيها ووالدته هتكون قلبها على عيالها الاتنين وهتبقى مش عارفة تبَقّي مين على مين ما الاتنين عيالها فالموضوع على قد ما يبان عادي لكن بيبقى صعب أوي وناس قليلة اللي بتنجح فيه... هو ده اللي كان دايما شاغل بالي... أنا مكانش شاغل بالي إنها بكر ولا متجوزة مش أنا اللي هتجوز هو اللي اختار فبراحته... كل اللي كان شاغلني هو حتة العيال دي.
تفهّم مصطفى لوجهة نظرها وتحدث بتلقائية:
"جملية وجهة نظر حضرتك ومحترمها بس حضرتك عارفة إن شهاب مش كده ؟"
-عارفة إيه بس يابني... دنا اللي مربياه... بس بردو أنا كلمتي مش هينفذها مهما أقول من النصايح.. عنده نفس أمارة بالسوء وفيه شياطين...الله ير...
قاطعها بقول:
"يعني لو جبتلك شهاب دلوقتي هتوافقي إنه يتجوز سارة؟"
ابتسمت بحزن وعينيها تمتلئ بالدموع شوقًا :
"أشوفه بس... وأنا هوافقله على كل حاجة يطلبها مش بس أجوزه... يرجعلي تاني بس."
لمعت عينا مصطفى بوهج ووقف واتجه نحو الباب مباشرة فتحدثت هدى وهي تنظر إليه باستغراب:
"رايح فين يابني؟... اشرب الشاي بتاعك طيب؟"
-دقيقة يا طنط...
فتح الباب وهو ينظر بخارجه وينادي بصوته:
"شهاااب... تعالَ طنط وافقت."
استغربت مما قال وشكّت بسمعها فسألته:
"أنت بتنادي على مين يا مصطفى؟"
نظر إليها مصطفى بابتسامة وأجاب:
"على شهاب يا طنط."
وظهر شهاب أمامه فضحك مصطفى وحدثه بحماس وفرح:
"طنط هدى وافقت... بس تيجي وتصالحها ماشي... يلا ابسط ياعم."
صدمت هدى مما سمعته وشكت بسمعها !
فرح شهاب بسعادة وعانقه فبادله مصطفى العناق بحب وهو مبتسم لسعادة رفيقه.
فنظرت هدير نحو الباب وتفاجئت بمصطفى يعانق نفسه!
_____________________________________
كان بعمله ورأسه مشوش لا يعرف كيف يعمل بعد كل ما مر به تلك الفترة كان لا يقدر على التركيز بعمله طوال النهار وجاء بنصف النهار استأذن بالرحيل مبكرًا.
دخل إلى منزله ليرى علي أمامه مبتسمًا !
استغرب من ابتسامته الآن يرى ابتسامته غير طبيعية
هتف علي بحب مصتنع:
"حمد لله على سلامتك ياخويا."
تكلمت دعاء باستغراب من مجيئه بهذا التوقيت:
"راجع بدري يعني !"
-تعبان شوية يا ماما... أنا هدخل أنام ... أومال علا فين؟
أجابه علي بهدوء وهو يضع يده حول كتف عمر بود:
"بتنشر الغسيل... تعالَ أقعد عايزك."
أمسك عمر بيده بعنف وأبعدها عنه محدثا إياه بغيظ:
"علي... متتعاملش معايا كده عشان مبحبش التصرفات دي... منبقاش زعلانين من بعض وتيجي تكلمني كإن مفيش حاجة حصلت !"
تفهّم علي غضبه ورفع يديه باستسلام قائلا:
"طب أقعد اسمعني.. اسمعني بس هقولك جملتين."
جلس عمر وزفر بضيق ثم نظر إليه مستمع إليه فيما سيقوله
تنحنح بجانبه محمحمًا ثم قال:
"أنا آسف... غلطت إني زعقت معاك وضربتك.. أنت مهما كان أخويا الكبير... وبعدين أنا اكتشفت إني مش بحب يارا... وإن أنا كنت معجب بيها بس وفاكر إنه حب... وغلطت فيك عارف أنا آسف والله حقك عليا... ولو عاوز تتجوز أنا أول واحد هيطبل في الفرح."
تفاجأت دعاء عندما سمعت حديث إبنها فالبارحة قال لها أن تعجّل بزواجه من يارا وإلا سيقتل عمر !
تعمقه عمر بنظراته متوجسًا الخوف من ذلك الكائن... هل يمكن لأخيه أن يتشبه بالحية التي يصعب إخراج سمُّها ولكن بداخلها السم تحتفظ به وتنتظر الوقت لاخراجه بالجميع؟
عانقه علي بقوة وهو يربت على ظهره:
"ميبقاش قلبك أسود بقى إحنا اخوات."
بادله عمر العناق وهو مازال قلقًا من تغيّره هذا ولكن حاول أن يكون طبيعي ابتسم علي وهو يتحدث وكانت ابتسامة شر ولا تبشر بالخير أبدا قائلا بسره:
"مش طمعت في اللي اختارتها.. استلقى وعدك."
(كلموني بصراحة شايفين مين غلط في مين الاول بغض النظر عن اللي عمله علي في يارا انتو شايفين ان في المطلق العام ينفع اللي عمر عمله مع اخوه ؟)
______________________________________
بعدما دخل عمر لينام دخلت دعاء غرفة علي وواجهته:
"يعني ربنا هداك؟"
تنفس علي بصعوبة وأجابها:
"أيوة يا ماما يارا متنفعنيش زي مانتي قولتي خليها تتجوز عمر دي كانت وزة شيطان وراحت لحالها."
ضحكت دعاء بفرحة وذهبت لتعانقه وهي تشكر ربها بأن ابنها ابتعد عن هذه الفكرة وإنها ربت الأخوين على حب بعضهم البعض.
______________________________
دخل مصطفى ومعه شهاب يضمه تحت ذراعه وينظر لهدى بابتسامه قائلاً:
"أديني جبتهولك أهو يا طنط... مش متصورة هو فرحان قد إيه إنك أخيرا وافقتي."
نظرت هدى إلى ذراعه الذي يرفعه باستغراب ثم عاودت النظر إليه بدهشة:
"أنت رافع إيدك كده ليه يابني ومين هيتبسط إني وافقت ؟؟"
أجاب بثقة:
"شهاب... أهو جبتهولك لحد عندك... وعلى فكرة هو اللي قالي تعالَ صالحنا على بعض."
وقفت هدى وهي ترتعب من شدة ثقته :
"ا.. أنت بت.. بتقول إيه يابني !... فين شهاب اللي بتتكلم عليه؟... هدير بسرعة هتيلي ماية مش قادرة أسند طولي."
جاءت هدير بالماء مسرعة وظلت تنظر لمصطفى باستغراب من حالته ؟!
ضم مصطفى حاجبيه:
"شهاب أهو قدامك يا طنط... حضرتك مش شايفاه؟؟...روح يلا بوس إيديها وراسها وقولها أنا آسف."
ابتسم شهاب وذهب لوالدته وقبّل يدها ورأسها ولم تعطي هدى أي ردة فعل.. هي فقط واقفة تنظر لمصطفى بدهشة مما يقول !
استغرب مصطفى من ردة فعلها فقال:
"إيه يا طنط هدى مش مبسوطة إنه صالحك ولا لسه زعلانة منه فيه إيه؟... أنت مزعلها في حاجة تانية يا شهاب؟ "
تحدثت هدير بقلق موجهة الكلام إليه:
"هو حصرتك بتكلم مين؟ "
نظر إليها مصطفي وعلّق بملل:
"هو في إيه ؟؟ كلكم بتقولولي بكلم مين !... بكلم شهااااب.... اللي واقف قدام طنط وبيبوسها من راسها وايديها أهو."
زرفت هدى دموعًا حارقة وهي تتناول كوب الماء وتأخذ منه رشفة وتعاود التحدث معه وأنفاسها تعلو:
"يابني شهاب مين... شهاب ابني؟؟ "
-أيوة يا طنط... أومال هيكون شهاب مين !
بكت بكاءًا حارا فعانقتها هدير وهي حزينة على حالتها قائلة:
"اهدي يا هانم.. الله يرحمه."
صرخت هدى بقهر:
"شهاب ابني ميت... شهاب ميت يا مصطفى من زمان... أنت اللي مش راضي تصدق."
ابتسم بوهن:
"شهاب مين اللي ميت !... أومال مين اللي واقف قصادكم ده؟؟"
تحدثت هدير بحزن على حالته:
"مفيش حد قدامنا وأنت بس اللي شايفه... لكن الحقيقة إنه مش موجود وشهاب ابن الست هانم ميت من سنين !"
بكت هدى أكثر فنظر مصطفى إلى شهاب بصدمة:
"قولهم حاجة ولا اتكلم ؟"
تحدث شهاب:
"يا ماما أنا شهاب... سامحيني على اللي عملته."
تجدد الأمل بقلب مصطفى ليرفع اصبعه يشير به على شهاب قائلا:
"أهو بيقولك سامحيني على اللي عملته... أهو بيتكلم معاكِ مش سمعاه ؟؟"
قالت هدى بقهر ومرارة:
"ياريتني... يارتني كنت سامعاه زيك... يبختك إنك لسه بتشوفه."
اعتدلت وبعدت عن هدير واقتربت من مصطفى وضعت يدها على وجهه وتقول بحزن:
"كلنا زعلنا عليه يا حبيبي.... والحقيقة اللي أنت مش راضي تتقبلها إن شهاب مات."
صرخ مصطفى بها بعدم استيعاب:
"شهاب إيه اللي مات يا طنط استهدي بالله... هدير... هدير أنتِ شوفتيه.. شوفتيه ساعت أول مرة قابلتك في السوبر ماركت هو كان معايا."
تحدثت هدير لتوضح له:
"كنت أنت لوحدك ومكانش حد معاك !"
صرخ أكثر:
"والبيت...لما كنتِ مستضيفاني عندك... كان.. كان هو معايا بردو... كان معايا... مشوفتهوش إزاي دخل البيت بتاعك وخرج منه معايا !!"
امتلأت الدموع بعينيها من حالته كم هي صعبة ومؤلمة:
"أنا كنت جبتك ونيمتك علسرير ومحدش كان دخل بعدي البيت وإلا كنت شوفته ومحدش خرج أما أنت خرجت يعني محدش كان موجود معاك !"
أمسك رأسه بصدمة وعيناه تبرقان بشدة وتصبب العرق على جبينه وهو يهز رأسه برفض:
"إزاااي؟... أنا شوفته... أنا شايفه... شايفه لحد دلوقتي... أنا مش مجنون ! "
هدى ببكاءٍ حار:
"أنت مش مجنون يا حبيبي أنت بس لحد الآن مفوقتش من الصدمة لان شهاب كان أقرب حد ليك كنت بتشوفه أكتر ما أنا بشوفه... أنت بس محتاج تقتنع بفكرة إنه لسه مش موجود... كان نفسي والله... كان نفسي يكون لسه معانا ولحد الآن بدعي أشوفه في الحلم ولو لمرة عشان هو وحشني أوي."
أمسك مصطفى هاتفه واخرجه وكان يبحث عن ملف الصور الفوتوغرافية وفتحه واختار صورة له هو وشهاب بها سويًا قائلًا :
"هجيب صورنا سوا واوريكم إنه موجود ه... "
كان يبحث بين الصور ولكن وجد إنه وحده بالصور !
تقدمت هدير ونظرت للصور ولوهلة كانت تريد أن يكون كلامه صادق ولا يكون مختالًا ولكن الحقيقة واضحة وضوح الشمس نظرت إليه:
"اهدأ... أنت ممكن تح... "
صرخ مصطفى وهو يقلب ببقية الصور بذهول:
"طب ودي ودي ودي !!! كلهم فاضيين ليه؟؟؟.. فين شهاب؟؟.. هو مش موجود في الصور ليه؟؟"
نظر إلى شهاب:
"أنت لعبت في الصور؟... رد عليا مسحت نفسك من الصور ليه؟.. عاوز تثبتلهم إني مجنون؟... بلاش هزار عشان هزارك تقل."
هدى ببكاء :
"مفيش حد... أنت بس اللي متصور... شهاب مش موجود... لازم تصدق ده يا مصطفى وإلا هتعيش طول حياتك في وهم وهتتعب وتمرض بسببه... فوق يا مصطفى... وادعيله بالرحمة."
حاولت هدير اقناعه والتصرف معه بهدوء بشكل يتناسب مع حالته الآن:
"طب افتح فيديو... بص هنفتح فيديو أهو ونصور شهاب اللي بتتكلم عنه هو فين مكانه."
أعطاها هاتفه وهو يدعو بأن يصدقوه فامسكت هدير هاتفه وصورت مكان الذي يقف به وحين رأي مصطفى المقطع ذُهل مما رآه !
كانت الستار وحدها فقط نظر لشهاب الذي أمامه وعاود النظر إلى الهاتف بالفديو يراه جيدا ولكن لم يراه بداخل المقطع المصور !
هل حقا يتخيله مثلما يقولون ،كيف هذا؟؟؟
-ها شايفه؟
ولأول مرة دموعه تظهر أمامها ونظر إليها بوجع وهو يردد بخوف ورعب بعينيه:
"شها... ب... مش موجود... شه..ا.. ب مش مو.. جود ! "
جلست هدى على الأريكة وهي تبكي بحرقة وتفاجئوا بمصطفى يتركهم ويرحل من المنزل.
للحظة قلقت عليه بشدة ونظرت لهدى :
"اسمحيلي يا هانم أنزل وراه... خايفة يعمل بنفسه حاجة!"
قالت هدير بألم:
"أه يا حبيبتي... انزليله... ربنا يحفظه يارب انزلي يا حبيبتي إلحقيه أحسن ما يعمل في نفسه حاجة أو يجراله حاجة هو مش على طبيعته.. ربنا يسترها عليه."
نزلت هدير وراءه خائفة عليه وتبحث عنه بكل مكان.
____________________________________
كانت زينة واقفة مع أخيها بالمطبخ
-وضع كوبين حليب وخمس بيضات.
سألها يزن وهو وقفا أمام الثلاجة:
"بلدي؟"
فاعترضت مجيبة:
"لا لا البلدي مش بيبقى طعمه حلو في الكيكة هات أبيض."
-بس أنا بحب الأحمر.
زفرت زينة بضجر:
"يا يزن هات أبيض وأنت ساكت... خلي الكيكة تطلع حلوة ولا تيجي تعملها أنت ؟"
-خلاص... خدي
كانت تحضر الكعكة وهي مبتسمة وتدندن:
"كيكة حبنا... آآآه... كيكة حبيبيي ونور عينييي."
مد يده يمسك بسكين ووجهها نحوها:
"هدب السكينة دي في بطنك.. اعملي الكيكة وأنتِ ساكتة."
رجعت للخلف بقلق وصاحت بغيظ:
"مانت بتحب أهو ومقولتش حاجة ومرخمتش عليك."
-طب اسكتي... مش كفاية بساعدك في الكيكة.. ما كنتِ تجيبيها له من برا وخلاص أنتِ غاوية تعب !
-لا طبعا... لازم يدوقها من ايدي... وبعدين أنت ناسي إنه بيعشق كيكتي ودايما يقولي إني بنافس مونجيني وايتويل.
ضحك يزن :
"أنتِ بس اللي هبلة وبتصدقي... كملي كملي."
فضربته بكتفه:
"يا خفيف... أه صح نسيت أقولك على اللي حصلي النهاردة في المستشفى."
-احكي
-أخدت حالة مريضة عشان الدكتور اللي كان ماسكها قبلي مشي لظرف ما.. فأنا مسكت حالتها... والحمد لله كانت في غيبوبة بس فاقت منها.
-ودي إيه حكايتها؟
-دي بقالها سنين في المستشفى مفيش غير ست واحدة هي اللي بتزورها دايما محدش فينا عارف حكايتها... كل ما في الأمر إنها كانت بتتعالج من حادثة والحادثة دي أثرت على المخ خلته يدخل في غيبوبة للفترة دي كلها... بس لما شوفتها وشوفت السجل بتاعها كان فيه صورتها وهي بتضحك... عارف افتكرت مين؟... أسيل."
اتسعت عيناه بذهول وهو يردد:
"أسيل !"
أكدت برأسها بإيجاب:
"نسخة منها طبق الأصل وكأنها والدتها... لو إنك مقولتليش إنها ماتت كنت شكيت إنها مامتها بجد من كتر الشبه اللي بينهم... أنا لسه ماسكة حالتها بس هحاول أقعد مع الست دي وأعرف إيه حكايتها... عشان لما مريض الغيبوبة بيقوم بيحتاج لدكتور نفسي لفترة لحد ما يتداوي نهائي وربنا يقومها بالسلامة.. زعلانة عليها أوي عارف ملهاش لا قريب ولا غريب ولا حتى عيال... هي الست اللي بتجيلها دي ومش أختها كمان لا دي صاحبتها... متخيل القهر اللي هتعيشه لما تصحى ومتلاقيش حد من أهلها حواليها أو كان بيسأل عنها طول الفترة دي؟"
____________________________________
كان واقفًا عند محطة القطار شاردًا.. يسمع أصواتًا لا أحد يسمعها سواه !
نظر بجانبه فوجد شهاب ينظر إليه ويبتسم تحدث معه:
"يعني أنا بس اللي شايفك؟... كل دول مش شايفينك !... أنا... أنا مجنون؟... خلاص أنا بقيت مجنون لدرجة إني بشوف أشخاص ميتين ومش موجودين !!"
نظر له شهاب:
"أنت اللي وصلت نفسك للمرحلة دي يا مصطفى... أنت اللي قافل على نفسك دايما... عينيك مبتشوفش إلا اللي أنت عايزه... محاولتش تغير حياتك من بعدي فضلت ماشي على نفس الرتم ونفس الحياة مكنتش حابب تغير أي شيء لإن ده اللي كنت عايزه وكنت متعود عليه متقبلتش حياتك الجديدة ولازلت عايش في الماضي !"
نزل عند القضبان الحديدية ووقف أمامه ومصطفى ينظر إليه فتحدث شهاب بصوتٍ عال:
"أنت اللي خليتني موجود.... "
هجم عليه مصطفى ليضربه بقوة ليخرج ما بداخله ثم صرخ الجميع بأن القطار سيأتي وأجراس المحطة تشعل آذانهم.
يصرخون جميعا:
"اطلع بسرعة القطر جاي !"
"حاسب يابني هات إيدك اطلع."
كان مصطفى لا يسمع شيئا فقط ينظر لشهاب ويضربه بحرارة وفجأة اختفى من أسفله ولم يجده ليضربه عاد لرشده ونظر للناس ولم يفهم لماذا يصرخون ثم نظر بجانبه ليرى القطار قادم نحوه.