رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل الثامن عشر 18 بقلم ولاء رفعت علي


 رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل الثامن عشر


انتفضت و ارتجفت ذعراً، تهز رأسها يميناً و يساراً، تردد: 
"معرفش، و الله العظيم ما أعرف مكانه". 

وضع كلا يديه خلف ظهره و يجز على أسنانه، رأته منار فى تلك الحالة فهنا نهضت و سارت نحوه لتخبره بهمس: 
"أنا قعدت ساكتة من الصبح و ماردتش أدخل فى حاجة مليش فيها، بس عايزة أقولك هى ما بتكذبش عليك و ممكن جداً أخوها ضحك عليها أو خلاها شريكة معاه غصب عنها". 

نظر إليها و مازالت عينيه تحدق بتلك النظرة المخيفة قائلاً: 
"ممكن تقعدي مكانك و أنتِ ساكتة". 

عادت حيثما كانت جالسة على الفور و أردفت: 
"ده مجرد رأيي يعنـ... 

"منار". 
صاح بها محذراً فوضعت يدها على فمها، ألتفت إلى أسيل و اقترب منها حتى وقف أمامها مباشرة و أمرها بحزم: 
"اتصلي على أخوكِ". 

صدح رنين هاتفها الموجود أعلى المائدة، فأشار بعينيه إلى إحدى رجاله نحو الهاتف، فذهب الأخر ليجلبه و يعطيه إياه، أمسكه قائلاً: 
"رقم غريب، طبعاً مش هيتصل عليكِ من رقمه، هاتردى عليه عادى و تسأليه هو خد يونس فين، و حاولي تطولي معاه فى الكلام على قد ما تقدري، و إلا لأخلى الرجالة ياخدوكِ و يرموكِ فى مكان الجن نفسه ما يعرفش طريقه و هاعرف أوصل لأخوكِ و هاجيبه وقتها قدامك و هخلص لك عليه قدام عينيكِ". 

هزت رأسها بالموافقة و قالت بخوف: 
"حاضر". 

رمقها بازدراء و ضغط على علامة قبول الإتصال ثم مكبر الصوت 
"ألو يا أسيل". 

ابتلعت لعابها ثم أجابت: 
"أيوه يا هانى، يونس عامل إيه دلوقتي، أوعى تكون عملت فيه حاجة؟". 

أشار قصى إلى إحدى رجاله و جعله يلتقط الرقم و يحتفظ به على الهاتف الذى لديه و ذهب إلى الخارج. 

رد شقيق الأخرى بسخرية: 
"ما تقلقيش عليه يا أم قلب حنين، الواد دماغه ناشفة مش عايز يمضي شيك على بياض، كله بسببك قعدت أقولك خدي منه فلوس على قد ما تقدري، قعدتي تقولي لي هايفتكرني طماعة و أتجوزته عشان الفلوس". 

نظرت إلى قصى فلوح لها بيده بأن تستمر فى المحادثة بقدر ما يمكن، فعادت بالنظر إلى الهاتف و عقبت على حديث شقيقها بدفاع: 
"ما أنا فعلاً جوازي منه مكنش عشان الفلوس، أنا بحبه و عايزاه هو، أنت اللى طماع و مش مكفيك اللى أخدته من طليقي و اللى أجبرتني أن أتجوزه غصب عني". 

"و برضو خليتك تعرفي تطلقي منه و أتجوزتي اللى بتحبيه و كان شرطى أنك تضحكي عليه و تسحبي منه مبلغ محترم نأمن بيه نفسنا و أخدك و نسافر برة، بس أنتِ غبية أخترتِ الحب و هاتفضلي طول عمرك فقرية، خلى الحب ينفعك أهو عرف حقيقتك و أبقى قابلينى لو بس فى وشك تانى". 

"بقولك صح هو حد كلمك من قرايبه أو أخواته؟". 

أشار إليها قصى بالنفي فأجابت: 
"لاء، محدش أتصل و لا جه". 

عقب الأخر: 
"أحسن برضو لحد ما أشوف صِرفة معاه". 

خشيت أن شقيقها يقترف فعلاً بشعاً فأخبرته بتوسل و رجاء: 
"طيب عشان خاطري يا هانى سيبه فى حاله، و أنا هخليه يعملك اللى أنت عايزه بس بالله عليك أوعى تأذيه". 

رد بنبرة مليئة بالشر: 
"أنتِ عبيطة و لا بتستعبطى!، ده أول حاجة هيعملها لو خرج من عندى هايروح يبلغ عليا و عليكِ و لا يسلط علينا حد يخلص علينا، و أنا لو فضل مُصر إنه ما يمضيش على الشيك هضطر ألجأ للخطة التانية و دى اللى هتكون ضربة الحظ". 

ضرب الخوف ملامحها فسألته على الفور: 
"أنت ناوى على إيه بالظبط؟". 

أجاب بلسان إبليس: 
"الواد ده يحتكم على ثروة و ممتلكات قد كدة، و كمان مطلق مراته الأولى يعني مفيش غيرك و بس اللى على ذمته، و اللى فى بطنك نسجله بإسمه و لو حد تبعه أتكلم تقرير DNA مزور نثبت بيه النسب، تخيلي بقى بعد ما تكونى أرملة يونس البحيري هايبقى معاكِ كام مليون و ليك جزء فى كل ملك من أملاكه". 

صاحت الأخرى: 
"يخربيتك إيه اللى أنت بتقوله ده، إياك يا هانى تقرب منه إلا و الله... 

أنهى قصى المكالمة و أغلق الهاتف قائلاً بتهديد: 
"هاتفضلى هنا تحت عيون رجالتى، حركة غدر منك هخليهم يخلصوا عليكِ". 

و أشار إلى منار و أردف بأمر: 
"تعالى ورايا". 

نهضت و ذهبت معه، و قبل أن يغادر المنزل أوقفته أسيل لترجوه: 
"بالله عليك أوعي تأذى أخويا، أنا مليش غيره ". 

نظر إليها بحدة و أجاب: 
"أخوكِ تعدي كل الخطوط الحمراء، و جه على واحد من أخواتي فالجزاء من جنس العمل، يتحمل بقى اللى هايحصله". 

قالها و تركها تبكي خوفاً على حبيبها و شقيقها معاً. 
༺༻
انتهت خبيرة التجميل من وضع اللمسات الأخيرة للعروس التى تجلس أمام مرآة الزينة، تغمض عينيها ليس من أجل إنتظار مفاجأة رؤية مظهر زينتها النهائى بل من أجل أنها تتخيل أن ما يحدث الآن مجرد كابوساً و سيتلاشى أو هكذا تتمنى، لكن الطرق على باب الغرفة جعلها تنتفض و تعود إلى الواقع خاصة بعد أن فتحت الخادمة الباب و أخبرتها: 
"مدام علا، أحمد بيه بيقول لحضرتك المأذون جه تحت". 

دقات قلبها تزداد خوفاً، فها هى اقتربت للغاية من حافة الهاوية، لكن عندما تذكرت أن كل ذلك من أجل صغيرها و سلامته فعليها أن تتحمل أي شئ كان، لكن كما تريد هى. 

ألتفت بجانب وجهها إلى الفتاة و قالت: 
"قولى له يدخل". 

أخبرته الخادمة بأمر الأخرى، تعجب و ظن إنها تتلهف إلى رؤيته، ابتسم بغرور و ولج إلى الداخل، نهضت من أمام المرأة و استدارت إليه، و ما أن وقعت عيناه عليها غر فاه، لم يصدق ذلك الجمال الصارخ سيصبح ملكاً له بعد قليل، أخذ يتأمل ملامحها و الحجاب الأبيض المحاوط لوجهها البدر المنير، انتبهت جيداً إلى نظراته إليها فخفضت بصرها خجلاً كما لا تطيق نظراته تلك نحوها، فبالرغم إنها ترتدى ثوباً أبيض محتشماً لكن نظراته المتفحصة تلك تجعلها تشعر و كأنها تقف عارية أمامه. 

تنحنح فأشار إلى كل من بالغرفة أن يغادرونها، فعلوا ذلك و مع إغلاق الخادمة الباب خلفها، اقترب نحوها بـ تؤدة حتى وقف أمامها فشعرت بأنفاسه المليئة برائحة السجائر و تطغى عليها رائحة أخرى قوية و ما هى إلا رائحة عطره التى أخترقت حاسة الشم لديها بقوة. 

ابتسم بمكر و بدهاء قال إليها: 
" لما أنتِ اللى قولتى بنفسك للشغالة قولى له يدخل باصة للأرض و مكسوفة ليه بقى؟". 

صعدت ببصرها من الأرض حتى وصلت إلى عينيه، تراه فى كامل أناقته و وسامته، ربما إذا تقابلت معه فى ظروف أخرى و لم تربطه علاقة بعائلة حازم فكانت قد وقعت فى حبه، و ما أن تذكرت لحظة إعتدائه عليها و أسلوبه الحاد و المتعجرف معها نظرت إليه بإمتعاض فأجابت بحدة و تهكم: 
"و ما تقولش ليه مش طايقة أبص فى وشك و إن أنا وافقت تتجوزني عشان مصلحة ابني و بس، و جوازنا هايكون على ورق". 

رفع جانب فمه بسخرية مماثلة و أخبرها بزهو و كبرياء رجل مغرور ليرد لها الإهانة على الفور: 
"طيب ما أنا فعلاً هاتجوزك عشان خاطر ابن أخويا و بس". 

دنا بشفتيه بجوار أذنها و أردف: 
"لأن أنا اللى ما يشرفنيش ألمس واحدة كانت فى يوم من الأيام خدامة عند أخويا، لاء و كمان خد منها غرضه و رماها و لولا وقفة بابا الله يرحمه معاكِ، كان زمانك أنتِ و ابنك مرمين فى الشارع أو فضلتوا عايشين فى الحارة المعفنة اللى كنتِ عايشة فيها". 

حدقت إليه بازدراء و أجابت على كم تلك الإهانات: 
"و أنت و أهلك تعرفوا إيه عن الشرف و الأخلاق، أخوك كان شاب صايع و بتاع خمرة و كل يوم يجيب واحدة شكل فى شقته، و لا مامتك مستعدة تعمل أى حاجة عشان تضمن ورث جوزها و ابنها اللي مات ما يروحش برة قامت خليتك تتجوز من خدامة أخوك". 

أمسك رسغها بعنف و يحدق فى عينيها بقوة قائلاً: 
"أديكِ قولتيها بنفسك خدامة، ده وضعك و مقامك هنا فى الفيلا، يعنى اللى أؤمرك بيه تنفذيه بالحرف الواحد". 

كان الصمت سيد الموقف و قاطعه صوت والدته فى الخارج و هى تخبرها: 
"يلا يا علا المأذون وصل". 

و فى الأسفل وسط الحضور من أقارب و معارف عائلة الشريف تتم مراسم عقد القران، كان الصغير يرتدى حُلة صغيرة و يجلس بجوار والدته حتى غلبه النوم فأشارت جدته إلى أحدى الخادمات لتحمله و تصعد به إلى الأعلى، بينما علا كانت تنظر إلى أحمد الذى يمسك بيدها أسفل المحرمة البيضاء ثم تردد ما يمليه عليها المأذون، كالغزالة لم تجد مأوى من العاصفة سوى داخل عرين الأسد الذى يحدق إليها بإبتسامة نصر فماذا عساها أن تفعل بعد أن أصبحت فريسته التى قُدمت إليه على طبقٍ من الذهب! 

و ما أن انتهى الحفل بسلام كما أرادت السيدة شيريهان، لاحظت علا اختفاء أحمد و كأنه تبخر بعد عقد القران، و قبل أن تتقابل مع جدة صغيرها التى كانت تلقى تعليماتها على العاملين و هم ينظفون المنزل، قررت الصعود إلى الغرفة التى كانت تمكث بداخلها مع صغيرها، و بعدما قامت بفتح الباب لم تجد ابنها على فراشه، انتفضت بفزع عندما أتاها صوت الأخرى من خلفها و تخبرها: 
"حمزة نايم فى أوضتي و من النهاردة هينام جمبي، و لا أنتِ شايفة إيه يا عروسة؟". 

حدقت إليها الأخرى و قالت بتهكم: 
"عروسة!، واضح أن حضرتك صدقتي اللعبة، أنا قولتها لإبنك و بقولها لك أنتِ كمان جوازي منه على ورق مش أكتر من كدة". 

ابتسمت والدة زوجها بسخرية قائلة: 
"و الله ابني هو اللى يقرر وضع جوازكم هيبقى إزاى و فى كل الحالات هو حر، فى الأول و الأخر هو جوزك و أنتِ مراته". 

ألقت عليها تلك الكلمات و تركتها تجز على أسنانها من الغيظ، هذه المرأة كلما تتحدث معها تنجح فى إثارة غضبها، فكادت تذهب من أمامها فأوقفتها الأخرى و تشير إليها نحو نهاية الرواق: 
"من هنا و الأوضة اللى فى أخر الطرقة". 

ألتفت و اتجهت حيثما أُشير لها فدلفت إلى داخل الغرفة و صفقت الباب بحنق. 
༺༻
و لدى يونس الذى ينزف الدماء من فمه و أنفه أثر اللكمات التى سددها إليه شقيق أسيل، هذا الشيطان الذى سيقع فى جحيم شره. 

"يعنى مش عايز تمضي برغم اللى عملته فيك، بس خد بالك أنت بقى اللى خلتنى ألجأ للخطة التانية، و ما تخافش مش هاضربك و لا هعذب فيك". 

ابتسم يونس و سأله بسخرية: 
"هتقتلني؟". 

سقف الأخر بيديه و قال: 
"برافو ده أنت طلعت أذكي أخواتك أهو، و ما تقلقش أنا و لا هادبحك و لا هضربك بالمسدس اللى معايا". 

أخرج من جيبه إبرة طبية فارغة و قام بسحب الهواء داخل الأنبوب البلاستيكي فعندما رأى يونس ما يفعله هذا الشيطان قال بتهكم و شجاعة: 
"أنت صعبان عليا أوى، أصلك ما تعرفش أنت وقعت مع مين، و أنا واثق قبل ما تقرب مني هايجي اللى يخليك تتمنى تاخد حقنة الهوا اللى معاك دى أرحم من اللى هايعمله فيك". 

أطلق ضحكة ساخرة و سأله بتهكم: 
"و ده مين اللى يعرف أصلاً أنك هنا، أنا لسه كنت مكلم أختى و ما قالتليش أى حد عبرك أو سأل عليك". 

صوت إقتحام فى الخارج نتج عنه صوت فرقعة و إطلاق رصاصة فى الهواء يتبعها صوت جهوري يصيح فى رجال هانى فى الخارج آمراً رجال القوة: 
"خدوهم ". 

لم يستطع هانى استيعاب ما يحدث فى الخارج حتى وجد الباب يُدفع على مصرعه و يقف أمامه الضابط يأمر باقى رجاله: 
"خدوا الحيوان ده على البوكس". 

صاح الأخر بسخط: 
"أنا معملتش حاجة يا باشا، أنا كنت بجيب حق أختي الغلبانة المظلومة". 
دفعه الضابط و صفعه على مؤخرة عنقه موبخاً إياه: 
"اخرس يالاه مش عايز اسمع صوتك". 

قام الضابط بفك قيود يونس الذى نهض بثقل و استند على أحدى رجال القوة و الذى ساعده فى مغادرة هذا المكان الموحش، و عندما غادر البناء وجد ما كان يتوقعه بالفعل، ها هو قصى يقف ينتظره و يفتح ذراعيه فتقدم منه الأخر و ارتمي عليه معانقاً إياه و يخبره: 
"كنت واثق إنك هتيجى تنقذني". 

عقب شقيقه بمزاح و يربت على ظهره: 
"عشان تعرف إنك ملكش غيري". 

انتهى الأخر من العناق و قال: 
"طلع عندك حق فى كل اللى قولته، كنت غبى فعلاً لما صدقت واحدة زى أسيل و أدينى دفعت تمن اللى عملته فى كارين". 

ربت شقيقه على كتفه بمؤازرة: 
"مفيش حد فينا معصوم من الخطأ، أهم حاجة تكون أتعلمت الدرس كويس، المرة دى عرفت أنقذك المرة الجاية يا عالم هاقدر و لا هاكون لسه عايش". 

عقب يونس قائلاً: 
"ربنا يديك طولة العمر و يخليك لينا و نفضل سند طول عمرنا لبعض". 

جاء الضابط إليهما ليخبرهما: 
"بستأذنك يا قصى بيه تيجوا معانا عشان نكمل المحضر". 

و أمام مكتب الضابط المحقق تبكى أسيل بقوة و هى تسرد مخطط شقيقها فى حضور قصى و يونس الذى يرمقها بازدراء بعد أن انكشفت حقيقتها كاملة أمامه، بينما كان شقيقها يصرخ بنفي التهم الموجهة إليه بل أدعي أن شقيقته هى من قامت بتحريضه، و فى النهاية حسم الضابط الأمر كالتالى: 
"لقد قررنا نحن الرائد محسن شكرى بقسم شرطة أكتوبر أول بإحالة كلا من هانى عرفة و أسيل عرفة إلى سراى النيابة الخطف و الشروع فى قتل يونس عزيز حكيم البحيرى... 

كان الجميع يستمع إليه و تقدم العسكرى من أسيل التى كانت تنظر إلى يونس بتوسل و تردد: 
"و الله مظلومة يا يونس أوعى تصدقهم". 

نهض و اقترب منها فنهض قصى ليمسك بهحتى لا يرتكب فعلاً أحمق، بينما كان يقترب فقط ليلقى عليها تلك الكلمة التى اخترقت قلبها بنظرة عدائية: 
"أنتِ طالق". 
༺༻
تقف أمام المرآة داخل المرحاض تضبط من حجابها، فكما أخبرته إن زواجهما قانونياً فقط لذا ستتعامل معه كالغريب. 
خرجت من المرحاض و أسرعت نحو الباب لإغلاقه بالمفتاح، و ما أن لمست يدها المفتاح المعلق فى فتحة القفل اندفع الباب مما أدى إلى اختلال توازنها و وقعت على الأرض، رفعت وجهها لتجده هو أمامها، ينظر إليها بإبتسامة ساخرة و عينيه تتجول على أنحاء جسدها و الثوب القطنى الفضفاض الذى ترتديه و الحجاب الذى يغطى شعرها كلياً، فكل ذلك كفيلاً بإثارة قهقهته فقال: 
"أول مرة أشوف عروسة فى ليلة فرحها لابسة عباية قطن و تحجيبة، ما كنتِ إلبسي إسدال أحسن". 

نهضت و عادت إلى الوراء بضع خطوات و هى تراه ثملاً، حدقت إليه بإمتعاض و قلبها يدق وجلاً، تخشى أن يكرر ما فعله معها فى السابق لا سيما بعد أن أصبحت الآن زوجته، سألته بتوتر و توجس: 
"هو أنا مش متفقة معاك جوازنا هايكون على ورق و لا أنت نسيت؟". 

أغلق الباب بقدمه و مد يده إلى المفتاح و قام بغلقه و عينيه لا تحيد عنها قائلاً: 
"لاء فاكر، بس ده كان كلامك أنتِ، و أنا هنا اللى أقول إيه اللى يحصل". 

كلما تحدث بكلمة يقترب نحوها بخطوة، بينما هى تتراجع خطوة إلى الوراء و تمسك بتلابيب ثوبها 
"أحمد بيه لو سمحت ياريت تحترم رغبتي زى ما وفقت على جوازنا، أنا كنت ممكن أخد ابني و اهرب فى مكان ما تقدرش أنت و لا والدتك توصلوا له، بس أنا معملتش حاجة غلط عشان أفضل هربانة". 

و فى لحظة كانت ملتصقة بالحائط و أمامها، يفصل بينهما مسافة كافية لمرور ورقة، استند بكلا يديه على الحائط و تفوه بأنفاسه المليئة برائحة الخمر غير مكترث بحديثها إليه: 
"حلوة أوى من شفايفك أحمد بيه، إيه رأيك ما تقولي لى يا سي أحمد، هاتبقى منك أحلى". 

قالها و اقترب بشفتيه من وجنتها، وضعت كفيها على صدره تحاول أن تدفعه من أمامها بكل قوتها، فكان كالجدار الصامد أمامها لم يتزحزح إنشاً واحداً، ابتلعت ريقها و يخالج الخوف ملامحها: 
" أنت سكران و مش فى وعيك، بالله عليك سيبني فى حالي". 
قالتها ودفعته بقوة و بسبب الثمالة التى بها تحرك إلى الوراء، فكادت تفر من أمامه لكنه جذبها من يدها بقوة لترتطم على صدره، يسألها و عينيه تخبرها برغبته الجامحة نحوها، كالذئب الذى يتضور جوعاً و وجد أمامه صيداً ثميناً يريد إفتراسه بنهم 
"مش المفروض إن أنا جوزك و دى ليلة دخلتنا و لا بيتهيق لي!". 

كان الخوف يتطاير من عينيها و كأنه يتذكر أمر فضحك ساخراً و أردف بكل جرأة و وقاحة: 
"اه نسيت، ليلة الدخلة بتتقال لو العروسة لسه virgin".

نظرت إليه بازدراء فأطلق ضحكة ثم توقف و اقترب من أذنها يخبرها بصوت خافت:
"هقولك على سر أنا الـ virgin، ما أتجوزتش قبل كدة، يعنى أنتِ أول واحدة هلمسها، أنسي اللى فى دماغك و قدامك اختيارين يا تسيب لي نفسك بمزاجك يا إما بمزاجي أنا". 
كان على وشك أن يُقبلها، فقامت بلطمه على وجهه: 
"فوق بقى". 

ترك يدها و وقف يحاول استيعاب ما فعلته به للتو، زمجر بغضب و أقدم نحوها قائلاً: 
"أنتِ اللى اختارتِ". 

لم يدع لها فرصة للهرب، قبض على كلا رسغيها و يدفعها نحو الفراش، أخذت تقاوم بكل قوتها لكن لا فائدة، فكانت كالعصفورة أمام وحش كاسر، معركة غير عادلة، ألقاها على الفراش و أنهال على شفتيها و وجنتيها بوابل من القبلات، تدافعت ذكريات من الماضى و كان حينها فعل شقيقه المثل و كأن اليوم أشبه بالبارحة. 
استطاعت أن تفلت يدها من قبضته و تحاول الوصول إلى تلك القنينة الزجاجية المليئة بالماء، حاولت أن تتحرك و لو قليلاً من أسفله. 

نجحت أخيراً للوصول إليها و بكل قوة تملكها أنهالت بها فوق رأسه صارخة: 
"قولت لك لاء". 

صوت حطام الزجاجة فوق رأسه دب الرعب فى قلبها خاصة بعد أن تأوه و فقد وعيه فى الحال ليس هذا فقط بل سالت دمائه من أعلى رأسه، و تساقط منها بضع قطرات على وجهها، شهقت بخوف شديد، و بعد جهد شاق دفعته من أعلاها و تمدد على ظهره دون حراك! 

نهضت واضعة كفها على فمها و عينيها ترمقه برعب غير مصدقة ما حدث، تخشى إنها قد قامت بقتله! 
༺༻
يقف على حافة سطح القلعة يمسك بيده قلادة والدته و علبة أخرى يكسوها المخمل الأسود، يحتفظ بهما منذ ذلك اليوم الذى قرر فيه الإبتعاد حتى لا يخسر أقرب الناس إليه... 

منذ سنوات مضت، تتجمع عائلة رومانوف حول المائدة للإحتفال بعيد الشكر، يتوسط المائدة الديك الرومي و الكثير من المأكولات الشهية و التى لا تخلو من وجود كؤوس النبيذ التى رفعها كلا من رومانوف و ولديه كلاوس و فلاد و كذلك شقيق سيلينا و والدها أيضاً و هذا بعد دعوة السيدة رومانوف للإحتفال معهم. 

"عيد شكر سعيد". 
رددها الجميع و تناوبوا فى ارتطام الكؤوس، فتلك طقوس الإحتفال لديهم، كان يجلس على يمين والده و كل فينة و الأخرى ينظر إليها بإعجاب دون أن يلفت انتباهها المنصب على ما يفعله بها كلاوس من أسفل المائدة، يضع يده على فخذها و يتحسسه ما سبب إليها قشعريرة فأنتفضت و قالت إليه بهمس لا يسمعه سواه: 
"كفى كلاوس، يبدو أن فلاد ينتبه إلى ما تفعله بي". 

نظر إليها من جانب وجهه يسألها بمكرٍ: 
"و ماذا أفعل بكِ؟". 

قالها و يرفع طرف ثوبها القصير إلى أعلى فوضعت يدها على يده و رمقته بنظرة تحذيرية

"استعد كلاوس للسفر غداً، لدينا أعمال كثيرة فى البرازيل". 
قالها السيد رومانوف، فأنتبه الأخر إلى ما تفوه به والده، صاح بسخط: 
"ماذا؟". 

نظر إليه والده بحدة و سأله بتهكم: 
"ما الذى تعنيه بسؤالك أيها الفاشل!". 

شعر الأخر بحنق حينما نعته والده بالفشل أمام سيلينا و عائلتها، نهض بغضب و قال: 
"أنا لست بفاشل والدى، و لن أسافر كما تريد، لدى كثير من الأعمال هنا فى موسكو". 

ترك والده الكأس على المائدة و نهض أمامه: 
"اتتحدي أبيك؟". 

حدقه ولده بتحدى و سخط قائلاً: 
"إذا قُلتُ نعم ماذا ستفعل بي أتقتلني!". 

صفعة دوى صداها هبطت على وجنته أمام الجميع، شهقت سيلينا و وضعت كفها على فمها، فأمسك بكأسه و ألقاها بكل قوته على الأرض ثم ذهب إلى الداخل، نهضت الأخرى و كادت تذهب فأمسك شقيقها بيدها يسألها: 
"إلى أين ستذهبين؟". 

أجابت ببراءة تتقنها جيداً: 
"أريد الذهاب إلى المرحاض". 

أطلق الأخر زفرة و أخبرها بحزم: 
"هيا اذهبي ثم عودي على الفور". 

تخلى فلاد عن صمته و قال إلى والده: 
"دعه لى والدى سأتحدث معه و أقنعه بشأن السفر، ربما هناك شيئاً ما وراء رفضه فلا تتحامل عليه أكثر من ذلك". 

"أفعل ما تريد قبل أن اقتلع بيدي رأسه العنيد ". 
أخبره والده بذلك التهديد البالغ، بينما الأخر عينيه تتابع سيلينا التى كادت تتعثر و تقع على العشب لكن استندت على يدها و ألتفت خلفها فتلاقت عينيها بعينيه فأبتسمت ثم تابعت سيرها إلى الداخل، نهض و أجاب: 
"حسناً، سأذهب للتحدث معه". 

نهض و أسرع من خطواته حتى وصل إلى الداخل فأوقفه إحدى رجال والده يخبره بشيئاً ما، و مازالت عينيه لا تحيد عن هذه الشقراء التى أختفت فى ظلام الرواق. 

و لدى سيلينا كانت تبحث عن كلاوس، فهى تعلم المكان الذى يفضل الإنعزال فيه حينما يكون غاضباً، تتلفت من حولها فجذبتها يد قوية من ذراعها لتجده هو، ينظر إليها و كأنها حلوي شهية أمامه قائلاً إليها و الرغبة تنضح من عينيه: 
"اجعلني انسي ما حدث فى الخارج". 

رمقته بعدم فهم و سألته: 
"كيف ذلك؟". 

"هكذا أيتها الشقراء المثيرة". 
دفعها إلى الجدار ذو ورق الحائط الأحمر لينقض على شفتيها بقوة، يحملها بين ذراعيه و أمسك بساقيها لجعلها تلتف حول خصره، كانت معركة ضارية بينهما تفاجئ بها شقيقه الذى وقف ينظر نحوهما بصدمة و يمسك بيده القلادة و يده الأخرى العلبة التى يكسوها المخمل الأسود! 

عودة إلى الزمن الحالى... 

يقف فى إنتظارها بلا جدوى، جاءت الخادمة و تحمحمت ليلتفت إليها و تخبره: 
"سيدى، السيدة سيلينا تعتذر إليك عن عدم تلبية دعوتك للإحتفال بعيد الشكر و هذا لأنها تشعر بالتعب". 

عقد ما بين حاجبيه و يتمعن فى هذا الإعتذار و الذى يعلم إنها مجرد أكذوبة أو أسلوب مراوغة لتجعله يتعلق بها أكثر. 

نظر إلى المائدة و ما عليها من أطباق طعام لذيذة و زجاجتان من النبيذ الأحمر و كأسان شاغران، فقال بداخله: 
"هكذا إذاً سيلينا، أتريدين اللعب معي، سأعلمك جيداً أصول اللعب أيتها الشقراء المثيرة". 
༺༻
تزرع الأرض ذهاباً و إياباً ثم توقف لدي النافذة الزجاجية، تنظر إلى شاشة الهاتف و تتحدث: 
"برضو ما بتردش عليا يا قصى، طيب دقيقة بس تطمنى عليه بدل ما هاتجنن من كتر قلقي، يارب يكون بخير يارب، أنا بحبه أوى رغم اللى عمله، لو اللى كان اللى بيحصل معاه ده بسبب ذنب اللى عمله معايا فأنا مسامحاه و عايزاه يرجع لنا بالسلامة". 

 القلق و الخوف ينهشان قلبها، و فى زاوية كانت تراقبها هذه الصغيرة المشاكسة و تحدق نحوها بضجر فصاحت بصوتها الطفولي: 
"ما تتهدي بقى يا عمتو، قرفتينى فى عيشتي، رايحة جاية، جاية رايحة و عمالة تكلمي نفسك زى أم زغلول المجنونة ". 

استدارت الأخرى و تنظر إليها بحنق ثم ضيقت عينيها قائلة: 
"عارفة أنتِ يا شبر و نص لولا اللى أنا فيه و مش فايقة لك، كنت مسكتك من لسانك و علقت منه فى النجفة". 

كان صغيريها يجلسان على الأريكة كل منهما يلعب على هاتفه، و عندما تفوهت ابنة خالهما هكذا تابعا الحوار، فضحك كليهما مما ثار حنق ابنة أبيها الشقية و نزلت من فوق الكرسى و تقدمت نحو عمتها ثم وقفت واضعة يديها على جانبى خصرها الصغير فتشدقت: 
"أنتِ قد الكلام اللى قولتيه ده يا كارين". 

زجرتها الأخرى بنظرة مخيفة مازحة، دنت منها و قالت: 
"اسمى عمتو يا naughty، و أنا بقى هقول لقصى لما يجي". 

"و أنا هخلى بابي يطردك أنتِ و نان و يخلى چولى و رسلان عشان بحبهم". 

قبضت كارين على تلابيب كنزتها من الخلف و أخبرتها: 
"يا بت أنا نفسي أفهم أنتِ طالعة غلباوية كدة لمين، باباكِ و مامتك مش كدة خالص، أومال أنتِ طالعة لمين؟". 

رفعت كتفيها الصغيرين و أجابت: 
"مش محتاجة سؤال طبعاً، بالتأكيد طالعة لعمتو الحرباية". 

قالتها و ركضت من أمامها فصاحت كارين بغيظ: 
"هاتو لي البت أم لسانين دى هنا، و الله يا زوزا لأعلمك الأدب". 

كانت تركض و تنظر خلفها تضحك على الأخرى فأصتدمت بوالدتها التى هبطت من الدرج ثم وقعت، تأوهت و تنهض من الأرض تصيح فى وجهها: 
"مش تشوفى قدامك و لا أنت معندكيش عينتين!". 

قبضت والدتها على تلابيبها لتوبخها: 
"أنتِ يا بت أنتِ، لو ما بطلتيش كلامك اللى عامل زى المطلقة خمس مرات و أرملة مرتين هحبسك فى الأوضة الضلمة اللى ورا القصر و هخلى الكلب يعضك". 

كانت تستمع إليها و تمد شفتيها إلى أسفل و تتصنع الحزن و كأنها ستجهش فى البكاء فأردفت والدتها: 
"بلاش الحركات و دموع التماسيح دى عليا، عمالة تضايقي فى عمتو و تطولى لسانك عليها و محدش مالى عينك، أبوكِ مش هنا عشان يحوشك من إيدى". 

و إذا بها تطلق صرخة ببكاء و تضع يديها على عينيها و تردد: 
"عيني، بتضربينى ليه على عيني". 

حدقت صبا بصدمة فتركتها الصغيرة و ركضت إلى هذا الذى ولج من الخارج للتو و خلفه تتبعه منار، ارتمت الأخرى على صدره فسألها بقلق: 
"مالك يا حبيبتي فيه إيه؟". 

أشارت إليه نحو والدتها فنظر إليها لتخبره بدفاع و سخط: 
"بتبص لي كدة ليه، معملتهاش حاجة". 

لم يعقب و أخذ يربت على صغيرته و قال لها: 
"زوزو حبيبتي، يلا أطلعي مع دادة زينات على أوضتك عشان أنا هاجي لك هبات جمبك الليلة دى". 

توقفت عن البكاء فجأة و اتسع ثغرها: 
"بجد يا قصى!". 

كاد يضحك فأومأ لها بشبه ابتسامة و أجاب: 
"بجد يا قلب قصى". 

اعطته قبلة و قالت: 
"هستناك يا حبيبي". 

قالتها و صعدت الدرج مع زينات، و على الجانب الأخر منذ أن رأته يدخل خلف شقيقه ركضت نحوه و وثبت لتعانقه بقوة: 
"كنت فين قلقتني عليك أوى، موبايلك كان مقفول ليه؟". 

ابتعدت عن صدره لتنظر إلى ملامح وجهه فوجدت كدمة بجوار شفتيه فسألته: 
"مين عامل فيك كدة؟، هو حصل إيه؟". 

نظر إلى قصى أولاً فأومأ إليه بعينيه ثم عاد. ببصره إليها و قال: 
"اتزحلقت من على السلم و الفون وقع اتكسر عشان كدة مقدرتش أجى من الصبح". 

"ألف سلامة عليك يا روحي، كله من الغرابة اللى اتجوزتها عليا، من وقت ما دخلت فى حياتك و عمال يحصلك مصايب". 

حدقها بشبه ابتسامة و اخبرها: 
"خلاص راحت لحالها". 

حاولت أدراك ما قاله فسألته بسعادة عارمة: 
"أنت طلقتها؟". 

هز رأسه بالإيجاب و قال: 
"خلاص أنا هابقي ملكك أنتِ و بس". 

و من فرط سعادتها قد نست إنها أمام قصى و صبا و صغيريها چوليانا و رسلان حيث قامت بتقبيل شفاه أمامهم جميعاً، تحمحم قصى و أشار إلى المأذون الذى كان ينتظر أمام الباب: 
"تعالى يا شيخ بسرعة اكتب لهم الكتاب قبل ما يتهوروا أكتر من كدة". 

ضحك الجميع و بالفعل تمت مراسم عقد القران و عادت زوجته مرة أخرى و كان الشاهدين قصى و إحدى رجال الحراسة

"بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينكما على خير إن شاء الله". 

أطلقت الخادمات الزغاريد، و ركض كلا من چوليانا و شقيقها نحو والدهما فعانقوه و قاما بتهنئته: 
"ألف مبروك يا بابي، ألف مبروك يا مامي". 

ربت عليهما بحنان و هما بين ذراعيه: 
"الله يبارك لى فيكم يا حبايبي". 

ثم نظر إليها بعشق و أردف: 
"و يبارك لي فى أجمل و أحلى مامي فى الدنيا اللى عمري ما هزعلها تانى أبداً". 

تدخل قصى قائلاً: 
"يارب تكون اتعلمت من اللى حصل". 

رفع يونس يده و قال: 
"توبت إلى الله". 

ضحكوا جميعاً فنظر الأخر إلى صبا بنظرة عتاب و قال: 
"عقبال اللى فى بالي". 

بادلته بنظرة ازدراء و قالت: 
"مش الأولىٰ تدعي لنفسك يا يونس". 

رفع يونس كلا حاجبيه و هو يراقب كليهما، كان قصى ينظر إليها من طرف عينه و لم يعقب فحدق إلى كارين بسعادة: 
"الحمدلله دلوقتى اطمنت عليكم ياريت بقى ما اسمعش عنكم غير كل خير". 

نظرت كارين إلى زوجها ثم إلى قصى و قالت: 
"طالما رجعنا لبعض إن شاء الله كل اللى جاى هيبقي خير". 

"يلا بقى تعالوا نتعشي السفرة جاهزة من بدرى ". 
قالها قصى فأجاب الأخر على عجلة من أمره: 
"اتعشوا أنتم بالهنا و الشفا أنا هاخد مراتي و الولاد و هانروح بيتنا، بصراحة وحشانى البيتزا من إيد كارين أوى". 

وضعت الأخرى يدها على خده و قالت: 
"يا روحى بس كدة هعملك أحلى و أكبر صينية بيتزا". 

هز قصى رأسه ضاحكاً من هذا الثنائي المجنون، بينما كانت منار ترى كل ما يحدث كم ألفت هذا الجو العائلى الرائع، حب الأخوة و حب كل زوج منهما إلى زوجته، كانت ترمق قصى بنظرة مليئة بالإعجاب و ذلك تحت مراقبة صبا التى تأكدت أن تهديد زوجها ليس كان مزاحاً و تلك النظرة التى تراها الآن فى أعين الأخرى تخشى أن تراها يوماً فى عيون زوجها فمجرد التخيل جعلها تشعر بالإختناق. 

بعد إلقاء التحية و الوداع، غادر يونس مع عائلته كالمغترب الذى عاد إلى وطنه. 

و على رأس المائدة يجلس قصى، و على يمينه تجلس صبا فقط تتناول العشاء و ذلك بعد أن أخبرته منار إنها غير قادرة على تناول وجبة العشاء و تريد النوم. 

يمضغ ما بفمه و ينظر إلى الأخرى و هى تأكل و لا تكترث إلى وجوده، انتبهت إلى تحديقه إليها، كانت تأكل بنهم فقال: 
"كولي براحة محدش بيجري وراكِ". 

و إذا بها تشعر بغصة علقت فى حلقها فانتابها سعال قوى، شعر بالقلق و الخوف عليها فمد يده إليها بكوب الماء، تناولته و ارتشفت منه حتى هدأ السعال لديها، سألها و عينيه تنضح بالقلق عليها: 
"أنتِ كويسة؟". 

نظرت إليه بكبرياء و أجابت بتهكم: 
"اللى يشوف نظرة القلق فى عينيك، يقول أنا خايف بجد عليا". 

رفع إحدى حاجبيه و رمقها بضيق قائلاً: 
"تصدقي بالله أنا غلطان، ماشى يا صبا كله بحسابه على راحتك أوى". 

قالها و نهض ليهم بالذهاب تاركاً لها المائدة لكن أوقفه صوت شقيقته التى ولجت للتو تبكى و تستغيث: 
"ألحقني يا قصى". 

تعليقات



×