رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل السابع عشر 17 بقلم ولاء رفعت علي


رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل السابع عشر 

فتح عينيه بصعوبة و هذا لشعوره بثقل فى رأسه بسبب حقنة المخدر التى حُقنَ بها فى عنقه، ذلك كان بالإمس عندما صف سيارته أمام البناء و ترجل منها و عندما وطأت قدمه داخل البناء ظهر إليه شخص ملثم و أخر مثله، قام الأول بضربه برأسه فى جبهته و الأخر جاء من خلفه و قام بحقنه بإبرة تحمل مخدراً جعله يفقد وعيه فى الحال ثم قاما بحمله داخل سيارة سوداء و أنطلقت. 

ما زالت جفونه ثقيله و الألم يدق كالناقوس فى رأسه، و عندما تمكن من فتح عينيه استطاع رؤية ما حوله برغم الظلام الدامس لكن هناك بصيص من أشعة الشمس يتسلل من فتحات خشب الصغيرة من النافذة، كما هناك ضوء أسفل الباب الذى أنفتح للتو و يدخل رجلاً يحمل صينية يخطو ببطئ، و لعدم وضوح الرؤية لم يستطع أن يرى ملامحه جيداً، بينما هذا المجهول علم إنه استيقظ، فقال إليه: 
"صباح الخير يا أبو نسب". 

قالها ثم جذب كرسى و قام بوضعه أمامه ثم وضع أعلاه الصينية و أردف: 
"معلش ده فطار مش قد المقام، لكن ده محل الأكل الوحيد اللى ليقناه فى المنطقة اللى مفيهاش صريخ ابن يومين دى". 

حاول الأخر تحرك يديه و قدمه لم يتلقى سوى الشعور بالعجز، فسأله بلسان ثقيل: 
"أنت مين؟". 

قام بالضغط على زر المصباح الذى يتدلى من السقف و أجاب و على ثغره إبتسامة زائفة: 
"أنا هانى عرفة أخو آسيل مراتك". 

حاول الأخر استيعاب ما يحدث إليه و لما يفعل به شقيق زوجته الثانية ذلك، قرأ هانى هذا فى نظرة عينيه فأردف: 
"طبعاً مستغرب ليه الرجالة اللى خدروك و كتفوك و جابوك على هنا و عايزين منك إيه بالظبط!". 

جذب كرسى أخر و جلس فوقه ثم أنحنى بجذعه إلى الأمام مقترباً منه قائلاً بصوت خافت ساخراً: 
"أصل أنا سمعت إنك عايز تطلق أختي، ينفع كدة يا أبو نسب بعد ما أمنتك على نفسها و قالت لك ملهاش غيرك هنا، تقوم تطلع ندل و عايز تسيبها". 

حاول جاهداً بأن ينطق بتلك الكلمات: 
"ده كان إتفاقى معاها من الأول". 

اغمض عينيه و هز رأسه محاولاً استعادة كامل وعيه ثم فتح عينيه، فقال الأخر إليه:
"ما أنا عارف، بس عشان تسيبها لازم تدفع يا حلو". 

"ادفع!". 
تفوه بها يونس بتعجب فأخرج الأخر سلاحاً من خلف ظهره و رفعه أمام عينيه و كأنه يتأمل إياه: 
"ما هى آسيل أختى دى جبانة و خايبة، معرفتش تاخد منك حاجة، قلبها الرهيف اللى لسه بيحبك خلاها تتمسك بيك و خافت تطلب أى فلوس منك لتفتكرها طمعانة فيك تقوم تسيبها". 

حدق الأخر إليه بإمتعاض، تذكر ما أخبره قصى من حقيقة هذه الآسيل و شقيقها المحتال، فسأل هانى على مضض: 
"عايز كام من الأخر؟". 

نظر إليه بمكرٍ ثم أجاب بثقة بالغة: 
"شيك على بياض، اكتب فيه الرقم اللى أنا عايزه و عليه إمضتك الحلوة". 
༺༻
ضوء الشمس يداعب جفونها التى يتحرك أسفلها حدقتيها، رائحة مياه البحر تتخلل حاسة الشم لديها، تشعر بثقل على خصرها، ذراعاً عارياً يقيدها بتملك، فتحت عينيها و جالت بها من حولها فوجدت إنها داخل غرفة المنزل الصيفى الخاص بهم، داهم الألم رأسها بقوة و أخذت تتذكر ماذا حدث قبل المجئ إلى هنا... 

بعد أن أخذها عنوة داخل سيارته و أغلق الأبواب من زر التحكم، لم يكن لديها فرصة للهرب منه و تخشى أن تثير غضبه إذا اقترفت شيئاً ما، استسلمت إلى النوم طوال الطريق حتى استيقظت بفزع لتجد إنه يحملها على ذراعيه و يدخل إلى منزلهما الصيفى و الذى يقع بالقرب من شاطئ البحر. 
صاحت بتوجس: 
"إيه ده أنت جيبتنا هنا ليه؟". 

أنزلها فوق الأريكة و نظر إليها بسخرية قائلاً: 
"يا ترى إحنا بنيجى هنا فى الشاليه بنعمل إيه، أكيد هنقضى لنا يومين اجازة". 

نهضت و وقفت أمامه ترمقه بتعجب و كأن ظهر له رأساً أخر: 
"نعم!، هو أنت بتقرر كدة من دماغك، و بعدين  مين قالك إن أنا عايزة أقضي معاك يومين اجازة و لا طايقة حتى أشوفك". 

نهضت و همت بالذهاب فأوقفها و يمسك يدها، نظرت إليه و ترفع إحدى حاجبيها، فأخبرها: 
"رايحة فين يا دكتورة علياء، دى القعدة لسه هتبتدى و الليل طويل، و لا ابعت لدكتور أسر يجى يسليكِ!". 

جذبت يدها من قبضته قائلة بغضب: 
"حاسب على كلامك يا يوسف، لتانى مرة توجه ليا إتهام عمري ما أقبله، و أظن  أنت عارف أخلاقي كويس". 

"اتهام إيه بالظبط؟". 
بدى على ملامحه التوتر، برغم شكوكه لكن لم تكن لديه الجرأة بأن يخبرها صراحةً بذلك الإتهام الشنيع و دون دليل أيضاً، ربما يخشى أن يخسرها و ليس كما سبق فى الماضى بل تلك المرة سوف تكون النهاية إذا حدث شيئاً مرة أخرى يؤدى إلى درب الفراق. 

عقدت ساعديها أمام صدرها قائلة: 
"بطل لف و دوران أنت فاهم كويس إن أنا أقصد إيه، أنا أخر واحدة فى العالم تقدر توجه لها تهمة الخيانة، يكفى فضلت عايشة على ذكرى حبنا لمدة تسع سنين من وقت ما اتخليت عني و لفت الأيام و اتجمعنا تانى، كان بإمكاني وقتها أنتقم منك و أحرق قلبك، بس مع الوقت ضعفت و قلبي استسلم لك تانى، و ربنا يشهد عليا بحترمك فى غيابك قبل وجودك، و أسر بعتبره أخويا لأنى مليش أخوات رجالة، هو كمان بيعتبرني زى أخته و كل اللى ما بيني و بينه كل إحترام". 

شعر كم هو أحمق كيف له أن يظن بها هكذا، فهى لديها الحق فى كل ما تفوهت به، و المخطئ هنا هو و يجب عليه الإعتذار

جلس على الكرسى المجاور للأريكة ليخبرها دون النظر إلى عينيها حتى لا تكشف كذبه: 
"أنا ما أتهمتكيش بالخيانة، كل اللى كنت أقصده إن بقيت أخر اهتماماتك و لا فيه تقدير و لا بتسمعي كلامي". 

تركت ساعديها بحرية و اقتربت منه ثم انحنت بجذعها قليلاً أمامه و أمسكت طرف ذقنه لترفع وجهه و تنظر صوب عينيه عن كثب قائلة: 
"بلاش كذب يا يوسف، أنا أعرفك أكتر من نفسك". 

ساد الصمت بينهما و كانت لغة الأعين أبلغ و أقوى بينهما، بداخل عينيه صراع بين عقله المسيطر عليه الشك و بين قلبه الذى يحذره من تلك الأفكار المدمرة و إذا استسلم لتلك الأفكار السوداء ستأتِ على رأسه بالخراب المُبين. 

ابتعدت قليلاً فنهض و وقف أمامها مباشرة ثم قال: 
"و ياريت تكونى عارفة أنتِ إيه بالنسبة لي، و تقدري حبي ليكِ و أوعي تخوني ثقتي فيكِ فى يوم من الأيام". 

عقدت ما بين حاجبيها بتعجب من كلماته التى تفوه بها للتو فسألته و القلق داهم قلبها: 
"يوسف، أنت مش واثق فيا؟". 

هز رأسه بالنفى و قال: 
"لاء طبعاً واثق فيكِ، بس عايزك تحافظي على الثقة دى زى عينيكِ". 

"اللى ما بينا المفروض عدى مرحلة الثقة، و اتهامك الغير صريح جرحني و قبلها كنت هتمد إيدك عليا، أنا اللى كدة محتاجة أثق فيك مش العكس". 
قالتها و داخل عينيها حزن و خوف، فما كان يملك سوى أن يجذبها بين ذراعيه و يغمرها فى عناقٍ حميمي، يلقى على مسامعها كلمات  نابعة من قلبه الذى أنتصر فى النهاية
"حقك عليا يا حبيبتي، أنا بحبك أوى و بغير عليكِ من أى حد، و عمري ما هكرر اللى حصل ده تانى، لأنك روحي يا علياء". 

أبعد رأسها عن صدره لينظر إلى ملامح وجهها الفاتنة مردفاً: 
"روحي اللى لو بعدت عني ممكن أموت". 

رضخت إلى نداء قلبه إليها فأبتسمت و قالت: 
"بعد الشر عليك، أنا اللى من غيرك مقدرش أعيش، لأنك أنت ليا كل حاجة، عيشت سنين على حبك و قلبي من غير حياة و أول ما قابلتك تاني و كأن الحياة رجعت له من جديد، بالله عليك يا يوسف ما تخليش أى حاجة تهز اللى ما بينا، لأن اللى حصل لو أتكرر تانى هابعد بجد و مش هاتعرف ليا طريق عشان ما أضعفش قصادك و الضعف ده فى حد ذاته عندى هو الموت". 

وضع كفه على خدها و كان ينظر إليها بعشق و وله، لم يستطع مجرد التخيل أن تبتعد عنه يكفى تلك السنوات التى مضت قبل أن يلتقى بها منذ تسع أعوام التى يود أن يمحوها بتلك الذكريات السيئة لا سيما زواجه من ابنة خاله الخائنة. 

أنهار أمام تلك الشفاه التى ترتجف أمام عينيه فألتقمها بين خاصته و جعلها تستكين بعد أن بث بهما الدفء النابع من قلبٍ لم يعرف معنى للعشق سوى معها فقط. 

عودة إلى الوقت الحالى... 
حاولت إزاحة يده من فوقها لتنهض بجذعها و تمسك بالغطاء الذى يدثر جسدها العاري، أخذت تبحث عن شئ ترتديه وجدت كل ما كانت ترتديه فى الأمس مبعثراً على الأرض و أقرب شئ فى متناول يدها قميصه الذى ألقاه و وقع بجوار السرير، انحنت قليلاً و التقطت قميصه ثم قامت بإرتدائه و نهضت تبحث عن هاتفها لتقوم بالإتصال على والدتها و تخبرها إنها برفقة زوجها، تذكرت أن عندما قام بحملها إلى سيارته، تركت كل متعلقاتها داخل غرفة الفحص خاصتها. 

رأت هاتفه بجواره فوق الكمود، أمسكت به و حاولت فتحه وجدته موصداً ببصمة إصبعه، أمسكت يده برفق حتى لا يستيقظ و قامت بوضع طرف إبهامه على أسفل الشاشة، فتحت الهاتف و كادت تضغط على ملف جهات الإتصال انتبهت إلى إشعار لرسالة واردة على تطبيق الدردشة و كان محتواها كالآتى
«معقول نسيت كل اللى ما بينا، لكن أنا عمرى ما هانسي، أنا بحبك و هانرجع لبعض بأى تمن» 

ارتفع بصرها إلى اسم المرسل لتجده مُسجلاً بإسم إنچى المهدى. 
༺༻
يجتمعون جميعهم حول المائدة يتناولون وجبة الإفطار، و ها هو انتهى لتوه من تناول طعامه و امسك المحرمة الورقية و مسح فمه ثم تركها أمامه، لاحظ من طرف عينيه تلك التى تحدق من تجلس فى الجهة المقابلة بنظرة نارية، تود أن تفتك بها و هذا أسعده كثيراً لعلها تشعر و لو القليل من الندم على ما فعلت، لذا ابتسم و ألتفت إلى زوجته الأخرى و قال لها بأمر لا يخلو من رومانسية متعمدة لإثارة حنق الأولى: 
"حبيبتى بعد ما تخلصي حضري نفسك عشان رايحين الشركة و بعدها هنخرج عندنا مشوار" 

ذلك كان أمام كارين و صغيريها و ابنه و ابنته و والدتهما الذى أقسم داخله إنه يشعر بإهتزاز ساقها أسفل المائدة، بينما كانت الأخرى تتأمل الطبق الذى أمامها و لم تنتبه إلى حديثه إليها و ذلك تجنباً للنظر إلى صبا، تفاجئت عندما امسك بيدها و بإهتمام تعمد أن يظهره أمام زوجته الأولى يسألها: 
"مال الجميل سرحان فيه إيه؟". 

رفعت وجهها فتراشقت سهام نارية مصوبة نحوها بعناية، سرعان ما جالت بصرها نحوه تسأله بعفوية: 
"حضرتك كنت بتقول حاجة؟". 

ابتسم و كأن لا يوجد سواهما على المائدة فأخبرها: 
"حضرتي بيقولك لو خلصتي فطارك قومي يلا عشان تجهزى قدامنا ساعة و نكون فى الشركة". 

بادلته الابتسامة و أومأت إليه بطواعية ثم قالت: 
"اه صح نسيت أقولك السكرتيرة اتصلت بيا عشان كانت بتتصل عليك و لاقت فونك مقفول، عايزة تتأكد من ميعاد صفقة الواحات مع شركة السويفي لأنهم بعتوا لك إيميل يأكدوا على الميعاد، أنا قولت لها هاتصرف و بعد ما قفلت معاها بعت لهم رد من إيميل المكتب إننا على الميعاد اللى حددته معاهم". 

لاح على ملامحه نظرات الرضا و السعادة قائلاً: 
"برافو عليكِ، كل يوم بتثبت لي أنك متفوقة جداً فى شغلك". 

نظر بجانب عينيه إلى صبا التى تظاهرت بعدم الإكتراث إلى ما يتفوه به، لذلك أردف بنبرة صوته الرجولية مشيداً: 
"و أحلى حاجة فيكِ بتسمعي اللى بقولك عليه من قبل ما أخلص كلامي، عشان كدة هعملك مفاجأة بعد ما نخلص شغل النهاردة". 

و بمجرد أن أنتهي من تلك الإشادة أمسك يدها و قام بتقبيلها أمام مرأى و مسمع صبا التى لا تتحمل رؤية ذلك، نهضت و تحدق إليهما بازدراء و كأنها تخبره أن ما يفعله لا يعنى لها أى شئ ثم تركتهم متجهة نحو الدرج بخطوات تسبق عقرب الثواني، و كذلك أيضلً صغيرها مالك نهض و ينظر إلى والده بإمتعاض لما يفعله مع والدته دون أن ينبث ببنت شفه ثم. صعد خلفها، بينما والده نظر فى إثرها و تحولت ملامحه من السعادة و التشفي إلى الحزن، يريد أن يجعلها تكف عن العند و المكابرة لكن لا فائدة، علاقة طردية لم تأتِ سوى بالألم لدى كليهما. 

لا يعلم أيضاً أن احداهن تراقب ما يفعله بغضبٍ جعل حمرة وجنتيها ازدادت توهجاً، فى رماديتيها الصغيرتين وعيد إلى التى جاءت و حصلت على إهتمام والدها الذى قام بتوبيخها منذ قليل من أجل قيامها بإطلاق الجرذ الصغير لإخافة زوجته الأخرى. 

تحركت عينيها نحو الخادمة التى تدفع العربة التى يعلوها فناجين القهوة و توقفت جانباً، بدأت سكب القهوة داخل كل فنجان، وضعت الأول أمام والدها: 
"اتفضل حضرتك القهوة". 

و ذهبت الخادمة لتسكب الفنجان الأخر إلى منار التى أخبرتها: 
"لو سمحت أنا عايزة نسكافيه". 

انتهت الأخرى من إعداد طلبها و اقتربت تحمل الكوب المصنوع من الخزف الفاخر قائلة: 
"اتفضلي حضرتك". 

و هنا وجدت الصغيرة إنها حانت لحظة تنفيذ ذلك الوعيد، نهضت و سارت من جوار الخادمة و دفعتها مما جعل كوب خليط القهوة بالحليب الساخن ينسكب على فخذي منار التى أطلقت تأوهاً دوى فى أرجاء القصر، كتمت كارين ضحكتها و كذلك صغيريها، بينما الصغيرة تراجعت بخوف لاسيما عندما حدق إليها والدها و بصياح غاضباً يسألها: 
"إيه اللى أنتِ عملتيه ده؟". 

ابتلعت لعابها بخوف تشعر به لأول مرة و أجابت: 
"مكنش قصدي يا بابي". 

صاح بحزم مشيراً إليها نحو منار التى تحاول تجفيف القهوة بالمحارم الورقية: 
"بطلي كذب، و أتاسفِ حالاً لطنط منار". 

كانت أنامل يديها تتشابك معاً، هزت رأسها برفض و سخط قائلة بإصرار رغم خوفها من والدها: 
"لاء". 

نهض و اتجه نحوها فقامت منار بإمساك يده قائلة: 
"خلاص يا قصى، هى أكيد مكنش قصدها". 

"اسكتِ أنتِ أنا عارف بعمل إيه، أنا شايفها بعيني برغم لسه كنت محذرها من قبل ما ننزل و برضو ما بتسمعش الكلام و كمان بتكذب". 
مازال يحدق إليها بغضب خاصة بعد أن رأى فى عينيها ذات النظرة التى تحدقه بها والدتها كلما تخطئ  فى حقه. 

صاحت الصغيرة بنبرة أوشكت على البكاء: 
"أيوه أنا عملت كدة، عشان نان وحشة بتروح تنام جمبها و سبتني و بقيت تزعق لي عشانها، أنا زعلانة منك يا قصى و مش هكلمك تانى أبداً". 

يستمع إلى كلماتها بتعجب و ذهول و يراها تركض نحو الدرج و من المؤكد إنها تبكى الآن، فقالت منار إليه: 
"روح لها و صالحها بسرعة، هى مالهاش ذنب فى اللى بيحصل ده كله". 
༺༻
صدح صوت رنين المنبه فأيقظه من النوم، تلفت من حوله فلم يجدها بجواره بل رأى مكانها شاغراً و كأن لم يلمس جسدها الفراش بتاً مما جعله نهض فجأة منادياً: 
"دنيا؟، دنيا؟"
فهى منذ أن عادت إليه بالأمس، لم يصدق نفسه إنها قد عادت بملئ إرادتها بينما فى الحقيقة سر عودتها هو لا خيار لديها سوى العودة و هذا من أجل ابنائها، لا تملك القدر الكافى من المال لتلبية متطلباتهم أو توفر إليهم المعيشة التى ينعمون بها فى كنف والدهم، بل و هناك أمر أكثر أهمية هى غير مؤهلة للدخول أمامه فى معركة سوف تكون فيها الطرف الخاسر لا محالة. 

كرر النداء عدة مرات و لم يجد إجابة، فتح باب المرحاض الملحق بالغرفة لم يجدها، خرج و ذهب إلى غرفة ابنائه لا أثر لها، و الآن يقف فى وسط الردهة يضع يديه على جانبي خصره يجز على أسنانه حتى وصل إلى سمعهِ صوت فتح الباب فكانت هى، قد ولجت للتو و على ثغرها ابتسامة عارمة و هى تنظر إلى شاشة الهاتف و بيدها الأخرى تحمل حقيبة يدها، و برغم إنها تراه من جانب عينها لكن تظاهرت بالتجاهل نحوه و اتجهت إلى غرفة النوم فذهب خلفها ثم وقف لدى مدخل باب الغرفة يسألها بجدية يشوبها الغضب: 
"كنتِ فين؟". 

اكتفت بالإشارة إليه لينتظر ريثما تنتهى من الدردشة الكتابية، مما أثار ذلك غضبه فأسرع نحوها و اختطف الهاتف من يدها قائلاً: 
"لما أكلمك تسيبِ الزفت ده من إيدك و تبصي لي". 

و ألقى الهاتف بعنف أعلى الفراش، بينما هى لم تتظاهر سوى بالبرود التام الذى يكفى لإنتفاخ أوادجه قائلة بسخرية: 
"مالك متعصب ليه!، براحة على نفسك شوية ليجى لك الضغط" 

أجاب بصياح و ضيق فى آن واحد: 
"بطلى إستفزاز عشان ما أزعلكيش". 

اقتربت منه و قفت أمامه ثم عقدت ساعديها أمام صدرها فأخبرته و الإبتسامة لا تفارق شفتيها، قالت بنبرة تبدو هادئة لكن تحمل فى باطنها وعيد جلى: 
"على فكرة أنا رجعت بس عشان ولادك و حط تحت الجملة دى مليون خط، أنا رجعت عشان ولادنا و بس". 

حدجها بإستفهام و بضيق فسألها: 
"يعنى إيه؟". 

رمقته بتحدى و أخبرته: 
"مع الأيام هاتعرف بنفسك". 

كادت تبتعد فتوقفت لتردف: 
"ياريت تقول للـ security يشوف لنا شغالة تكون أمينة و سواق يوصل الأولاد للنادى و يجيبهم". 

حدق إليها بتعجب قائلاً: 
"مش كنتِ على طول رافضة أجيب لك واحدة تساعدك فى شغل البيت، إيه اللى حصل دلوقت!". 

"أديك قولتها بنفسك، كنت يعنى فعل ماضى راح لحاله". 

ظل كليهما يتبادل النظر حتى اردفت: 
"اه نسيت، ياريت تحولى فلوس على الـ credit عشان عايزة اشتري شوية حاجات". 

كان ينظر إليها و فى رأسه تدور آلاف الأفكار، يرى تلك النظرة الغريبة التى تحدقه بها الآن، فسألها و مد يده ليمسك بيدها: 
"اعتبري كل اللى طلبتيه حصل، بس ياريت لما تنزلي أو هاتخرجي من البيت تقولي لي قبلها عشان أنا بقلق عليكِ". 
قالها و اقترب من شفتيها بخاصته، كاد يُقبلها لكنها ابتعدت و قالت: 
"كنان أنا قولت لك أنا سبب رجوعي ليك ولادك و بس، ياريت تكون فهمت قصدي كويس". 

عقد ما بين حاجبيه بعدما أدرك رسالتها جيداً، فكان ذلك يكفى للثأر لكرامتها بأن تجعله يشعر و لو بالقليل من ما تشعر به، و مازال هناك الكثير. 
༺༻
فتح الباب و ولج إلى الداخل يبحث عنها، وجدها تتمدد على بطنها أعلى الفراش و تبكى، جلس بجوارها و وضع يده يربت عليها بحنان قائلاً: 
"حبيبة بابي حقك عليا، مكنش قصدى أزعق لك، بس أنتِ اللى عملتيه ده عيب و ما ينفعش بنوتة زى القمر زيك تعمل كدة". 

نهضت و الدموع تلمع على خديها و أسفل جفونها التى ازدادت حمرة: 
"أنا ما بقتش حبيبتك و لا أنت بقيت حبيب مامي، أنت بتحب نان بس". 

تفاجئ بتعجب من كلماتها التى تحمل معنى عميقاً جعل داخله يهتز و الصدمة تعلو ملامح و جهه، اقترب منها و جذبها من يديها الصغيرتين ليعانقها قائلاً: 
"مين قال كدة، أنتِ اللى حبيبتى و مفيش حد يقدر ياخد قصى منك". 

رفعت وجهها من صدره و من بين دموعها الماسية تسأله ببراءة: 
"بابي أنت بتحب مامي و لا نان؟". 

ازدادت ابتسامته ثم أجاب و عينيه صوب خاصتها ليؤكد إليها إجابته دون تردد: 
"بحبك أنتِ يا روح قلب بابي". 

قامت بمعانقته و بقوة: 
"و أنا بحبك أوى، و هاحبك أكتر لما تطرد نان و أرميها فى الشارع، أو أخلى شرنوبى يعضها، أو ممكن نخلى شلبى ياكلها". 

أبعدها عن صدره ليسألها عاقداً ما بين حاجبيه: 
"مين شلبى ده كمان؟". 

"شلبى الكلب الأسود الكبير اللى فى الجنينة تحت". 
ضغط على وجنتها بإصبعيه قائلاً: 
"ده إيه كمية الأفكار الشريرة دى يا زوزو!". 

حاوطت وجهه بكفيها الصغيرين لتخبره: 
"مش عايزة حد يحبك غيرى حتى لو مامي، و أنت تحبني أنا بس". 

حملها و جعلها تجلس أعلى فخذيه يسألها: 
"طيب و اللى بيحب حد مش المفروض يسمع كلامه و ما يزعلهوش منه؟". 

اومأت إليه بالإيجاب فأردف يسألها: 
"طيب ليه ما بتسمعيش كلامي؟". 

نظرت إلى أسفل و تحرك ساقيها التى تشبه ساقين الدمية و لم تجب بحرفٍ واحد، رفع وجهها ممسكاً بطرف ذقنها و سألها مرة ثانية: 
"توعديني إنك مش هاتعملى حاجة تانى تزعلني منك؟". 

هزت رأسها مرة أخرى بنعم قائلة: 
"وعد يا بابي". 

ابتسم إليها و فتح ذراعيه: 
"فين الحضن و البوسة بتاعت بابي". 

ارتمت عليه و تعانقه بقوة ثم قامت بتقبيل وجنته، بادلها العناق و أخذ يُقبل وجنتيها. 
و هناك من تتابع ذلك دون أن تظهر نفسها إليه، عادت تستند بظهرها إلى الجدار بجوار الغرفة، كادت تتحرك و تعود إلى غرفتها توقفت عندما خرج أمامها، تلاقت عينيه بخاصتها فأخبرته: 
"يعنى لما بنتك كانت بتغلط فيا و كنت بشتكي لك منها مكنتش بتعمل ربع اللى عملته معاها النهاردة عشان بس زعلت الهانم اللي جايبها تغيظني بيها، للدرجدى بتخاف على شعور الست زفتة!". 

اقترب منها حتى أصبح أمامها مباشرة و وضع يديه داخل جيبي بنطاله فأخبرها ببرود قاتل: 
"طبعاً لازم أخاف على شعورها مش مراتي!". 

اخرج إحدى يديه و استند بها على الجدار و اقترب بشفتيه من أذنها ليردف: 
"خليكِ عايشة فى وهم لحد ما فى يوم هتخسريني بجد، و ارجع و أقولك كله فى إيديكِ". 

لم تصدق ما قد سمعته أذنيها للتو فعقبت بتهكم: 
"قول بقى إن الموضوع جاي على هواك و عينك منها، و واخد اللى حصل بينا حجة و مبرر عشان تتجوز عليا بجد". 

رفع جانب فمه بسأم و سألها: 
"هو ده اللى جه فى دماغك!، على وضعك زى ما أنتِ و هافكرك للمرة المليون، أنتِ اللى هاتعيطِ فى الأخر". 
قالها و تركها أسيرة ظنونها المهلكة، استدارت لتعود إلى غرفتها فوجدت زينات تنظر إليها بإمتعاض و لوم، فلم تتحمل اليوم أكثر من ذلك، ولجت إلى داخل غرفتها و صفقت الباب ثم أطلقت إلى عبراتها العنان. 
༺༻
انتهت للتو من تأدية فرضها و تمسك بسجادة الصلاة، انتبهت إلى صوت إشعار رسالة واردة من تطبيق الدردشة فأنتفضت بفزع، و فى تلك اللحظة خرج زوجها من المرحاض مرتدياً المأزر البطنى، يجفف شعره بالمنشفة القطنية قائلاً: 
"ملوكة حبيبتي، فنجان قهوة بسرعة من إيديكِ الحلويين، بس بسرعة بالله عليكِ عشان المفروض عامل Meeting بعد نص ساعة للموظفين و أنا لحد دلوقت لسه ما لبستش هدومي". 

أومأت إليه و قالت: 
"حاضر". 

همت بالذهاب فأوقفها ممسكاً بيدها: 
"مال القمر وشه شاحب و متغير كدة ليه؟". 

ظهرت شبه ابتسامة على شفتيها و استدارت نحو المرآة للتأكد من ما يخبرها به لتجده على حق، لكن لا يعلم سبب هذا الشحوب، يكفى إنها تقع تحت التهديد و الإبتزاز بل فى كارثة فأجابت بإنكار: 
"فين ده، مفيش حاجة أو يمكن عشان لسه قايمة من النوم". 

تقدم نحوها ليحتضنها بذراعيه حول جذعها ثم انحنى ليستند بذقنه على كتفها، ينظر إليها من خلال المرآة مبتسماً: 
"أو يمكن من سهرة ليلة إمبارح و الليلة اللى قبلها". 

غمز بعينه فابتسمت و قالت بدلال: 
"ممكن". 

اعتدل و جعلها تلتفت لتقف أمامه وجهاً إلى وجه رغماً من فرق الطول بينهما و ذلك ليخبرها: 
"هو مش ممكن، ده أكيد و ممكن نتأكد أكتر دلوقت". 

قالها و انحنى ليقترب من شفاها بخاصته فأوقفته قائلة: 
"استنى بس مش أنت كنت لسه بتقول عندك Meeting كمان نص ساعة، كدة هتتأخر و مش هينفع مدير الشركة يوصل آخر واحد". 

عقد ما بين حاجبيه و كأنه يفكر فى الأمر بجدية زائفة: 
"لاء فعلاً عندك حق، بس برضو ده ما يمنعش أخد حتة سكر  تصبيرة لحد ما أرجع لك بالليل". 
قالها و قام بعناقها مختطفاً شفتيها، يتذوق عسل فمها حتى ينقطع الهواء عن كليهما فيتركها لتلتقط أنفاسها التى توقفت مرة أخرى عندما سمعت تنبيه رسالة واردة أخرى من التطبيق لا سيما عندما سألها: 
"يا ترى مين اللى بيبعت لك رسايل على الصبح كدة، أوعى تكونى يا ملك لسه بتكلمى الست الخاينة دى؟". 

وقع الوصف الذى تفوه به الآن جعلها اهتزت من الداخل، فأجابت و هى تحاول أن لا تظهر ما تشعر به: 
"لاء ما بقتش بكلمها و عملت لها block زى ما قولت لي، بس أنت ليه بتقول عليها خاينة، أنا زى ما قولت لك هى انضحك عليها من راجل نصاب و عامل نفسه واحدة ست، يعنى يعتبر ضحية مش خاينة زى ما وصفتها". 

وضع يديه على كتفيها قائلاً بجدية: 
"الخيانة ما بتنحصرش فى المعنى اللى كلنا عارفينه، مجرد أنك تطلع أسرارها مع جوزها لحد تالت حتى لو كان من أهلها اللى من دمها دى تبقى خيانة، اسمها خيانة للأمانة و اللى بتعمل كدة ست غير أمينة، و تستاهل إنها وقعت تحت إيد واحد نصاب عشان تحرم و تفكر ألف مرة قبل ما تكلم حد ما تعرفهوش و كمان رايحة تحكي له أسرارها مع جوزها". 

ظلت تنظر إليه فى صمت، تبتلع غصة و تتخيل مئات السناريوهات إذا علم أنها هى من فعلت ذلك الأمر الذى لا يغتفر لديه فماذا عساه أن يفعل معها حينها؟ 

تخلت عن صمتها و سألته دون تردد: 
"طيب لو اللى كان حصل معاها حصل معايا، هابقي فى نظرك خاينة برضو؟". 

بدى على ملامحه عدم تقبل الأمر بتاً و أجاب بثقة و جدية بالغة: 
"إستحالة تعملى حاجة زى كدة، لأن أنا واثق فيكِ". 

سألته مرة أخرى تود معرفة ماذا سيفعل: 
"بقولك لو، مجرد إفتراض مش أكتر ". 

و ما أن تخيل ذلك الأمر بدى على ملامحه التجهم و تحولت حدقتيه التى تتميز باللون الرمادي مثل السماء المُلبدة بالغيوم إلى سماء الليل الحالكة و قال إليها: 
"بلاش أجاوب لأن كلامي هيزعلك مني جامد"

ابتلعت لعابها و أخفت توترها و خوفها خلف ابتسامة زائفة ثم ابدلت دفة الحديث قائلة: 
"شوفت خدنا الكلام و معملتش القهوة، هاروح بسرعة أعملها لك". 

استدارت و اتجهت نحو باب الغرفة فأوقفها سؤاله الذى جعلها تتسمر فى مكانها: 
"ملك أنتِ مخبية عليا حاجة؟". 

ألتفت إليه و مازالت تتظاهر بتلك الإبتسامة الحمقاء فأجابت: 
"حاجة إيه يا حبيبي اللى هاخبيها عليك، ما أنت عارفني مقدرش أخبى عليك أى حاجة خالص". 

بادلها الإبتسامة محدقاً إليها بنظرة لم تستطع تفسيرها بل زادت من خوفها أكثر حيث قال: 
"و أنا واثق فيكِ". 

صدح رنين هاتفه فذهبت نحو الكمود و أمسكت بكلا الهاتفين، أعطته هاتفه و بيدها الأخرى هاتفها و قالت: 
"هاروح أعملك القهوة". 

أومأ و أجاب على الإتصال، فسرعان غادرت الغرفة، بينما هو أجاب على الإتصال: 
"ألو يا king  أمرك؟... 

بالعودة إلى ملك التى ذهبت إلى المطبخ تلتقط أنفاسها و التى كادت تنقطع من فرط التوتر و الضغط النفسى الذى تقع تحت سطوته لا سيما عندما تذكرت أمر الرسائل الواردة، قامت بفتح شاشة الهاتف لتجد الرسائل واردة من الحساب الآخر لهذا المحتال، قد أرسل إليها الآتى: 
«عدى يومين يا حلوة و النهاردة اليوم الأخير و مفيش رد منك، بكرة الصبح لو ما لقتكيش و معاكِ الفلوس فى العنوان اللى تحت ده أبقى وقتها أقرأي الفاتحة على سمعتك و سيرتك اللى هاتبقي ترند الموسم اللهم بلغت» 
༺༻
بداخل السيارة يجلس مشغولاً فى الإتصال على شقيقه و لم يتلق سوى الرسالة المسجلة تخبره بغلق الهاتف، أطلق زفرة بضيق و قد خالجه الشعور بالشك أو ربما تأكد أن هناك أمر ما يحدث و ليس لديه علم به. 

انتبه إلى التى تجلس بجواره و هى تنظر إلى شاشة هاتفها، أتاها إتصالاً من رقم غير مسجل، تكرر الرنين مرة أخرى فسألها: 
"مامتك اللى بتتصل عليكى؟". 

نظرت إليه و التوتر يغزو ملامح وجهها فأجابت: 
"لاء مش هى، ده unknown number و أنا ما بحبش أرد على أرقام غريبة". 

و قبل أن يعقب تكرر الرنين للمرة الثالثة فقال: 
"مادام الرقم أتصل بيكِ أكتر من مرة يبقى حد يعرفك". 

لم تكن لديها الرغبة فى الإجابة لأنها تعلم جيداً من هو صاحب تلك الأرقام الغريبة و الذى يطاردها كلما تجاهلته، و فى النهاية لم تجد سبيلاً للفرار فهى على دراية به لا يكل و لا يمل حتى يلاحقها أينما ذهبت. 

أجابت بصوت خافت يبدو فى نبرته التوتر: 
"ألو؟". 

رد الأخر بصوته ذو النبرة الغليظة يوبخها: 
"فاكرة لما تعملي لرقمي حظر مش هعرف أوصلك!". 

نظرت إلى قصى ثم تنحت جانباً و تحدثت بصوت خافت: 
"أنا مش عايزة أرد و لا عايزة أكلمك، عايز منى إيه، سيبني فى حالى زى ما سيبتنا زمان". 

"ليكِ حق تتكلمي معايا كدة، عشان أنا مش قدامك، لكن لو كنتِ قصادي دلوقت كان زمانك بتكلميني و عينيكِ فى الأرض، بس طبعاً اللى مقوى قلبك دلوقت البيه اللى مرافقك يا صايعة يا... 

اتسعت عيناها بصدمة و انهت المكالمة على الفور، حاولت على قدر ما استطاعت أن لا تبكي، سألها قصى الذى كان يراقب ما يحدث دون أن يجعلها تلاحظ ذلك: 
"مين اللى كان بيتصل بيكِ؟". 

أجابت دون أن تنظر إليه حتى لا يعلم إنها تكذب: 
"ده واحد معرفة كان بيسألني عن حاجة". 

بالطبع ليس بالحاجة أن ينظر إلى وجهها، يكفى إنه شعر بتوترها من خلال نبرة صوتها التى تهتز إلى حد ما و ساقها التى تهتز دون إرادة منها. 

توقفت السيارة و خلفها سيارة أخرى ترجل منها رجاله أمام البناء الذى يوجد به المنزل الذى تملكه شقيقته، ترجل بعد أن قام السائق بفتح الباب إليه و ترجلت منار بعده، كانت تنظر من حين إلى أخر فى شاشة هاتفها و تضغط على علامة رفض المكالمة، بينما هو قبل أن يدلف إلى داخل البناء تقدم منه إحدى رجاله فأخبره بشئ ما ثم تركه و أكمل سيره إلى داخل المبنى، تتبعه الأخرى خلفه حتى وصل كليهما أمام باب الشقة، ضغط على زر الجرس مرة، لا إجابة فكرر الضغط مرة أخرى، فتحت أسيل الباب بحذر و رأت أمامها هذا الرجل الذى يتميز بالهيبة و الوسامة يخبرها بهويته: 
"أنا قصى البحيرى أخو يونس و دى منار مراتي". 

ابتلعت لعابها فى محاولة بائسة لتخفى توترها، فتحت الباب على مصرعه و أشارت إليهما قائلة بترحاب زائف: 
"اتفضلوا". 

و بالداخل جلس قصى و بجواره منار، كان ينظر إلى أسيل ذات البطن المنتفخ و كأنه يقرأها جيداً مما أصابتها نظراته المتفحصة بالخوف، فأرادت أن تذهب من أمامه لتلتقط أنفاسها، قالت لهما: 
"تحبوا تشربوا إيه، فيه كل حاجة". 

أشار الأخر إليها نحو المقعد الشاغر و قال: 
"تعالي يا مدام أسيل ما تتعبيش نفسك إحنا مش ضيوف، لو ممكن بس تدخلي تصحى لي يونس". 

نظرت بتعجب متقن و سألته: 
"إيه ده مش المفروض كان عندك إمبارح؟". 

أوما لها و قال بصوته الأجش و نظرته الثاقبة لا تحيد عن قراءة لغة الجسد لديها: 
"هو فعلاً كان عندى و المفروض جاى على هنا عشان تطلقوا". 

ظهرت على ملامحها الصدمة و شحب وجهها فقالت بإنكار بارع: 
"أنا معرفش حاجة عن موضوع الطلاق، بس كان قايل لى إنه بعد ما هيروح لك هيعدى على الـ gallery و بعدها هايرجع، و لما لاقيته متأخر اتصلت عليه لاقيت تليفونه بيديني مقفول، فقولت ممكن الشبكة واقعة عنده". 

لاحظ يديها المتشابكة معاً و تحرك إبهاميها فى توتر كما تتجنب النظر صوب عينيه، نهض و يمسك بهاتفه يقرأ رسالة واردة، تنهد و أخبرها: 
"معلش إننا جينا من غير ميعاد، و أنا هاروح له الـ gallery و لو لاقيته هابقي أطمنك عليه". 

أومأت له و بلهفة لم تنطلِ عليه قالت: 
"ياريت بجد، لأن أنا كدة قلقت عليه أوى، ده أنا ماليش حد غيره". 

"طبعاً من غير ما تقولي". 
قالها و نظر إلى شاشة هاتفه مرة أخرى و قام بالإتصال على إحدهم بالأحرى يعطى الإشارة لكبير رجاله الذين ينتظرون فى الأسفل، عاد بالنظر إلى أسيل و أردف: 
"ألا قولى لي يا مدام أسيل هو أستاذ هانى أخوكِ رجع من برة و لا لسه؟". 

غرت فاها و تخشى أن تكذب فنظرته ونبرته يؤكدان لها إنه يعلم الحقيقة، أصابتها قشعريرة على طول عمودها الفقرى، فأجابت بدهاء لكى لا تضع نفسها أمامه فى محل الإتهام: 
"معرفش قصدى بقى لى أسبوع ما اتكلمتش معاه، هو فيه حاجة؟". 

ظهرت على شفتيه تلك الإبتسامة التى لم تصل إلى عينيه فتراجعت بخوف ثم انتفضت عندما سمعت جرس الباب، ذهب ليفتح بنفسه و دخل ثلاثة من رجاله ذوى الأجساد الضخمة، ألتفت إليها ليراها تنظر نحو رجاله بخوف واضعة يدها على فمها و يدها الأخرى على بطنها المنتفخ، فقال لها و هو يتجول أمامها ذهاباً و إياباً: 
"أخويا مشي من عندى إمبارح ما وصلش على هنا و ده طبعاً كان كلام الـ security تحت لما رجالتى سألوه، حتى الـ gallery مارحهوش بقى له أسبوع، و فوق ده كله تليفونه مقفول من إمبارح و يا سبحان الله أخوكِ رجع فى نفس الميعاد إمبارح، و كان حاجز فى فندق تعبان فى رمسيس و ما نزلش على هناك، ده كله معناه حاجة واحدة بس هو إن أخوكِ خطفه و أنتِ شريكته لأنك عارفة خط سيره".

توقف فجأة و بنظرة قاتلة تنضح بالشر سألها:
" هو سؤال واحد و عايز إجابته حالاً منك أخويا فين؟". 

تعليقات



×