رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل السادس عشر 16 بقلم دينا جمال


  رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل السادس عشر


جاسر ورؤي أبطال الأجزاء اللي فاتت عندهم 6 أولاد رعد وجوري أول تؤام 

يوسف ومريم تاني تؤام 

سليم وياسين آخر تؤام

-----------------

نرمين أخت جاسر اللي جاسر كان بينتقم من صبري وبنته شاهندا عشانها 

نرمين وياسر جوزها عندهم 2 

( جاسر الكبير 29 سنة دكتور نفسي 

اريج في 2 كلية طب )

ياسر كان ليه بنت من مراته اللي ماتت قبل ما يتجوز نرمين اسمها سما جوزها اسمه مصطفى

______________

عاصم أخو رؤي خال العيال اللي كان بيحب تهاني واتجوز حلم في الجزء التاني عنده ولدين 

حسين الكبير مهندس ، مراد الصغير في ثانوية عامة ساقط سنة 

_____________

رؤى كان ليها جيران أخ وأخت ساكنين سوا اللي هما عمرو وايمان 

ايمان اتجوزت علي صاحب جاسر وعندها شريف الكبير ظابط شرطة ، وليان الصغيرة المدلوقة على الجاموسة جواد 

_________

أما عمرو فاتجوز روان بنت صاحب الشركة اللي كان شغال فيها وخلف ولد وبنت 

جواد جاموسة متنقلة مهندس ديكور 

ومرام دلوعة ماما 22 سنة في كلية إعلام ومخطوبة لشريف ابن عمتها 

________

فاضل طرب وملاك ، ومليكة وتوحة وكل الناس دي هنعرف اصلهم وفصلهم فيما بعد 

لما تتلغبط اطلع بص هنا وكمل الفصل عادي 

نبدأ الفصل ❤

____________

وقف جاسر عدة لحظات يحاول إستيعاب ما حدث تلك التي تلف ذراعيها حول رقبته ، رفع نظره للحضور أمامه لتقع عينيه على مليكة التي تنظر إليه في ذهول وكأنه رأت خيانة زوجها لها ، والأدهى من ذلك رقية التي كانت تنظر له متألمة وكأنه طعنها بخنجر في قلبها ، حمحم مد يده يفك ذراعي الفتاة من على رقبته يعطيها نظرة غير راضية تماما عما فعلت قبل أن يحمحم يعتذر للجالسين:

-أنا بعتذر للي حصل ، عن إذنكوا

وأمسك بيدها يجذبها خلفه للغرفة ، دخل وهي معه يغلق الباب عليهم التفت لها يهمس حانقا :

- روز أنتِ بتعملي ايه هنا وايه لازمته اللي عملتيه برة دا قدام الناس 

ابتسمت لتقترب منه تتحرك بخطى متغجنة وقفت أمامه تغمغم مبتسمة:

- في اي يا جاسر وحشتني بقالي سنتين ما شوفتكش من ساعة ما قررت أننا ننفصل 

تأفف حانقا يبتعد عنها توجه صوب مكتبه يوليها ظهره يغمغم بنبرة هادئة:

- روز أنا من بداية علاقتنا كنت صريح معاكِ من أول لحظة ، وقولتلك أن العلاقة دي مش هتطول وأني في أي لحظة هقولك ننفصل ، ما اظنش اني كذبت أو وعدتك بحاجة ، وفعلا انفصلنا ايه لزمتها وجودك دلوقتي 

امتلئت حدقتي الفتاة بالدموع لتقترب منه وقفت أمامه تشير لنفسها تغمغم متألمة :

- ليه يا جاسر أنا حبيتك رغم كل دا حبيتك ، صدقني حاولت السنتين اللي فاتت واتخطبت واتجوزت بس ما عرفتش اعيش مع راجل غيرك فاطلقت كان بينا مشاكل كتير وقولت ارجعلك

تنهد بعمق يمسح وجهه بكف يده يحاول أن يرسم ابتسامة هادئة على شفتيه يردف مترفقا :

- روز لو اتطلقتي عشان عاوزة ترجعيلي تبقي غلطانة ، ولو اتطلقي بسبب أنك مش عارفة تعيشي مع جوزك وشيفاني مكانه ، تبقي مش بس غلطانة تبقي غلطانة وخاينة كمان ، أنا عمري ما وعدتك بحاجة أنا فاكر لما كنا في البعثة كويس لما بدأتي تقربي مني قولتلك أنا مش شخص هيحب ، ومش شخص تستني مقابل لحبك ليه صح ولا لاء 

اغمضت عينيها تنهمر دموعها تومأ برأسها بالإيجاب ليتنهد بعمق اقترب منها يردف بهدوء :

- روز لو لسه في مجال أنك ترجعي لجوزك اعملي كدة وادي لحياتك فرصة وأنا براها ، أرجوكِ يا روز اعملي كدة 

رفعت رأسها تنظر إليه لبضع لحظات قبل أن تجذب حقيبة يدها تهرع لخارج الغرفة ، ليتهاوى على مقعد مكتبه ذلك حقا ما كان ينقصه في نهاية يوم طويل مرهق كهذا 

لحظات ودخلت رقية إليه دون رفقة صديقتها ، صديقتها تنتظر بالخارج منذ عدة جلسات رقية باتت تثق فيه أتم الثقة ابتسم ورحب بها يطلب منها الجلوس وبدأ يسألها عدة أسئلة اعتادتها في بداية كل جلسة وهي تجيب :

- أخبار الكوابيس ايه

-اختفت بشكل كبير

- عظيم جداا 

- والشعور بالخوف وأنه ممكن يظهر في اي وقت

-من ساعة ما روحت قبره ووقفت قدامه وشوفت اسمه منقوش عليه وأنا الاحساس دا جوايا بيقل بشكل كبير

-هايل يا رقية ، أنتِ بتتقدمي بشكل كبير ... فاضلنا بس كام نقطة وترجع الأمور زي ما كانت واحسن 

قاطعته رقية قبل أن يكمل دورة أسئلته المعتادة تسأله هي بنبرة حادة لم تستطع إخفائها :

- هي مين البنت اللي حضنتك وقالتلك يا حبيبي برة دي 

لم يتفاجأ جاسر من سؤالها بل توقعه منذ بداية ردودها الجافة على أسئلته .. ابتسم يغمغم بهدوء :

- صديقة

ويبدو أن الإجابة لم تعجب رقية فأصابعها شدت وثقاها على حقيبة يدها بعنف أكبر وعادت تسأله بنبرة حادة من جديد:

- صديقة ، أصلها حضنتك قدام الكل وقالتلك يا حبيبي ، متأكد أنها صديقة بس

ضحك بخفة يومأ برأسه بالإيجاب يغمغم :

- آه يا رقية صديقة بس ، بمعنى أصح كانت مريضة عندي مع تحفظي على كلمة مريضة عشان ما بحبهاش ، المشكلة أنها ما تجاوزتش فكرة إني الدكتور النفسي بتاعها وعندنا في الطب ممنوع منعا باتا الدكتور يقع في حب المريضة اللي بيعالجها ولا يسمحلها تحبه .. أنا اتعاملت مع بنات كتير وعدد مش قليل منهم بيبقى خارج من صدمات عنيفة وبيدور على أول حد سمع له وساعده عشان يتعلق بيه ودا غلط ، دي مشاعر مضطربة مكانها مش مع الدكتور اللي بيعالج ، مع شخص تاني يستحق فهماني يا رقية ، دي حالة البنت اللي حضنتني

اخترقت كلماته جسدها كل كلمة قالها شعرت وكأنه يقصدها بها ، وأن تلك الفتاة ليست سوى صورة عنها ، هي الأخرى تعلقت به وأحبته وها هو يخبرها بحقيقة تلك المشاعر التي لم تُفصح عنها حتى ارتجف كف يدها الممسك بالحقيبة تشعر برغبة ملحة في البكاء قبل أن تسمعه يغمغم بنبرة قلقة :

- شكلك تعبان تحبي نأجل الجلسة لبعدين 

اومأت له لتقف سريعا تغمغم مرتبكة :

- أنا فعلا تعبانة عن إذنك 

تحركت إلى باب الغرفة وقبل أن تفتحه سمعته ينادي باسمها ليدق قلبها بعنف التفت له لتراه مبتسما يغمغم :

- نصيحة أخوية مني ما تحبيش واحد بتدفعيله فلوس فهماني 

اومأت برأسها سريعا لتفتح باب الغرفة تخرج منها سريعا ، اضطجع هو لظهر المقعد يغمض عينيه متعبا ، كان عليه أن يصارح رقية بحقيقة مشاعرها الغير حقيقية تماما نحوه الآن ، رقية لا تحبه ... رقية صاحبة المشاعر المبعثرة لا يزال أمامها الكثير حتى يهدأ طوفان مشاعرها ويستقر ويتجه للشخص المناسب 

___________

في منزل جاسر مهران 

الصدمة كانت هنا من نصيب يوسف أكثر منها من نصيب رعد ، شقيقه رآه وهو يتسلل كلص دنئ خارج غرفة فتاة غريبة عنهم وتلك الفتاة تكون شقيقة زوجة رعد ، تحرك رعد إليه ملامحه تفور غضبا ذكره بأبيه حين يغضب ، ليقبض على كتفه يدفعه إلى غرفته يصفع الباب عليهم يحاول ألا يصرخ حتى لا يسمعهم أحد ، قبض على ذراع شقيقه يسأله غاضبا:

- أنت كنت في أوضتها بتعمل ايه يا يوسف انطق ، لولا إني عارف تربيتك كويس كنت قولت أنك بتعمل حاجة شمال في البنت المريضة 


توسعت حدقتي يوسف هلعا يحرك رأسه للجانبين انتفض يغمغم سريعا :

- قسما بالله أبدا أنا عمري ما أفكر أعمل كدة 


اقترب رعد خطوة أخرى من شقيقه نظر له حانقا يردف غاضبا :

- أومال كنت بتهبب ايه في أوضتها ، ومن غير كدب يا يوسف ، أنا عارف أنك مش كداب

تنهد يوسف بعنف يمسح وجهه بكف يده قبل أن ينظر لشقيقه يهمس يترجاه :

- هقولك بس اوعدني يفضل سر بينا 

قطب رعد جبينه قلقا قبل أن يومأ برأسه سريعا يعده بما يريد تردد يوسف عدة لحظات قبل أن يهمس متربكا :

- بصراحة ومن غير كذب أنا أعرف ملاك أخت مراتك من قبل ما تيجي هنا

قطب رعد جبينه وزادت دهشته ، في حين حمحم يوسف يردف متوترا :

- أنا اعرفها من حوالي شهرين ، بعد ما أبوك بعدني عن وليد بقيت على طول مخنوق ومتضايق وبحاول اعمل أي حاجة ، أنا عارف أنه غلط وتفكيره كان زفت على دماغه بس دا صاحبي وكان لازم ابقى جنبه في الازمة دي بس بابا رفض ، في مرة وأنا بقلب على الفيس شوفت بوست ليها على جروب مدرس من المدرسين بتسأل على فيديوهات اليوتيوب تجيبها إزاي ، كتبت كومنت وقولتلها على الطريقة يعني لاقتها دخلتلي في الرسايل تشكرني لأن الادمن حذفوا البوست ، وابتدا الكلام بينا بجملة لو مش فاهمة اي حاجة أنا ممكن أساعدك ، ومن ساعتها وإحنا بنرغي صبح وليل في كل تقريبا ، بس هي ما قالتليش الحقيقة هي كانت بتكدب عليا ، قالتلي أن والدها عايش وأنه رجل أعمال كبير وأنهم عايشين في قصر وما قالتليش حتى على موضوع الحادثة اللي حصلتلها ولا على أي حاجة في حياتها ، لما شوفتها اتصدمت ، كنت عايز اقولها أنتِ ليه كدبتي عليا ... صدقيني أنا كنت بدأت اتعلق بيها وقولت لما أخلص ثانوية عامة هقول لبابا ونروح حتى نقرا فتحة مع باباها ، بس أنا دلوقتي اللي مستحيل أربط اسمي بواحدة كدابة زيها ، ما انكرش أنها عوضتني عن غياب وليد وكانت بتهتم بيا جداا 

في كل وقت بتفضل جنبي في كل لحظة اقولها فيها أنا مخنوق ، بس إنت عارف العلاقة دي اصلا بدأت غلط ... فلازم تكون دي نهايتها 


تنهد رعد حائرا لا يعرف ما يقول ولا يجد ما يقول ، طريقة يوسف وهو يتحدث عنها وعن مدى اهتمامها به ذكره بنفسه حين كان يتحدث عن طرب ، يوسف الصغير أحب ؟! بتلك السرعة الفتى لا يزال صبيا في مقتبل عمره ووالدهم لن يوافق على ذلك الارتباط هو بالكاد يتحمل وجود طرب بينهم ، فكيف يخبرونه بأن يوسف يحب شقيقتها الأمر اشبه بتابع للزلزال تابع قوي لا يستهان به ، أجفل حين غمغم يوسف :

- أنت سرحان في أي يا رعد ، لو بتفكر في رعد فعل بابا فالموش داعي أنا اصلا نهيت العلاقة دي ، هي كدبت عليا من أول لحظة في علاقتنا وأنا الكذب عندي ما بيتغفرش ، وبعدين اللي يكدب مرة يكدب ألف ، فالموش داعي تشيل هم رأي بابا في حاجة مش هتحصل 


حين نظر رعد لشقيقه رأى انعكاس صورته في حدقتيه ، يوسف لم يسامح ملاك الفتاة الصغيرة التي في أغلب تقدير كذبت حتى تجمل صورتها أمامه ، أما هو فالعكس سامح وأحب أيضا ، تحرك صوب شقيقه يجلس على طرف فراشه يسأله :

- ماما بتقولي أن حالك مش عاجبها بقالك فترة ، على طول ساكت وقافل على نفسك .. حتى مراد بتبعده عنك ... مالك في أي دا بسببها 

تنهد يوسف حائرا ليتحرك يجلس جوار شقيقه يستند بمرفقيه إلى فخذيه زفر أنفاسه يغمغم :

- مش عارف يا رعد ، أنا بقالي فترة عمال ألطش مش أنا رايح فين ولا جاي منين ، فجاءة أحس أن عاوز ابقى لوحدي ، فجاءة أحس بالفشل وإن أنا مش هنجح ، فجاءة أحس بنفور شديد ناحية كل حاجة كنت بحبها ، ممكن يكون دا بسبب ضغط الثانوية أنا عارف ... وصدقني بحاول اتعايش على قد ما أقدر وممكن يكون بردوا على فكرة يكون بسبب ملاك لأني لما اتعرفت عليها بقيت بقضي معظم وقتي الفاضي إن ما كنش كله في الكلام معاها 

رفع يده يربت على كتف شقيقه ما يثير إعجابه حقا في يوسف أنه عملي يعرف المشكلة وحلها ويقيم جيدا هل سيقدر على حل المشكلة بمفرده أم سيحتاج لمساعدة خارجية كما حدث في مشكلة وليد ، ابتسم لشقيقه يردف يشجعه:

- خلاص يا يوسف فاضل القليل جدااا أنا واثق أن كل اللغبطة والاكتئاب دول هيروحوا بعد ما ثانوية عامة تخلص يا دكتور يوسف 


ابتسم يوسف يومأ برأسه ينظر للساعة المقابلة لفراشه يغمغم :

- يلا اتفضل عشان عندي درس بدري ومحتاج أنام ساعتين


ضحك رعد يصدم شقيقه على رأسه بخفة قبل أن يتحرك لخارج الغرفة لم يذهب لغرفته وإنما توجه لغرفة ملاك ، دق بابها ليسمع صوتها تأذن بالدخول فتح الباب ودخل مبتسما ليراها تمسح دموعها سريعا يبدو أن يوسف قال الكثير ليجعلها تبكي ، اقترب منها يجلس على طرف الفراش جوارها يردف مترفقا :

- يوسف حكالي يا ملاك ، أنا...


قاطعته تهمس باكية بحرقة :

- أنا ما كذبتش أنا فعلا كنت بحكيله حياتي قبل ما بابا يموت وعمي ينهب ميراثنا ، ويحصلي الحادثة .. ما كنش ينفع اقوله أن أنا عاجزة ما بمشيش ، ما كنش ينفع أقوله أن اختي بتشتغل رقاصة غصب عنها ... ما كنش ينفع احكيله اي حاجة ما كنش هيصدقني 

حاولت اشرحله وافهمه الحقيقة ولكنه رفض وكل اللي قاله أنه ندمان أنه عرف واحدة زيي وأنه عمره ما هيقبل يرتبط بيا في يوم 

ورفعت يديها إلى وجهها تجهش في البكاء ليتنهد رعد حزينا على حالها رفع يده يمسح على شعرها برفق يهمس يهدئها :

- اهدي يا ملاك ، صدقيني يوسف مش قصده هو بس كان فكرك بتخدعيه ، أنا هفهمه الحقيقة ... اهدي يا حبيبتي وبطلي عياط .. اهدي عشان أنا عاوز اسألك على حاجة أهم

رفعت وجهها إليه تمسح دموعها بكفيها بعنف ليبتسم يردف :

- أنتِ ليه رافضة أنك تاخدي دروس طرب قالتلي أنها اتحايلت عليكِ كتير لا عاوزة تروحي المدرسة ولا تروحي دروس ، لازم حد يشرحلك المنهج يا حبيبتي 

من جديد عادت الفتاة تبكي تحرك رأسها للجانبين تهمس بحرقة :

- تفتكر إني ما روحتش صدقني جربت ، واتنمروا واتريقوا عليا كتير أوي ... أنا هعرف اذاكر لوحدي ، بس مش هستحمل كلامهم تاني


مسكينة ملاك الصغيرة الفتاة لاقت الكثير وهي لا تزال في سن صغير مسح دموع عينيها برفق يغمغم مترفقا :

- أنا هتصرف ما تشليش هم ، امسحي دموع ... وصدقيني هشدلك الواد يوسف دا من ودانه على اللي هو قاله ، يلا يا حبيبتي تصبحي على خير 


أما هناك في غرفة مريم القريبة من غرفة ملاك اضطجعت مريم إلى عارضة فراشها تضع هاتفها على أذنها تستمع إلى مراد وهو يغمغم حانقا :

- يا مريم احلفلك لا معجب بيها ولا نيلة ، أنا بصيت ناحيتها على اساس أنها واحدة غريبة أول مرة اشوفها عندكوا ، بطلي قلة الثقة دي يا مريم ، حبيبتي والله العظيم أنا بحبك أنتِ


تنهدت قلقة تغمض عينيها حزينة لتفر دمعة من عينيها عليها همست متألمة :

- هي أحلى مني يا مراد مش كدة ، صدقني أنا مش هلومك لو ....


- يا الله يا بنتي ما تطلعيش الواحد عن شعوره قسما بالله ما اتنيلت أعجبت بيها ، أنا بحبك أنتِ وشايفك أحلى بنت في الدنيا ، بطلي قلة الثقة اللي أنتِ فيها ناحية نفسك دي 


صاح بها مراد بنزق مما تقول منذ نصف ساعة وهو يحاول إقناعها بالعكس دون فائدة ، دق باب غرفتها لتتوتر مريم تغلق الخط سريعا ، فتح رعد الباب يطل برأسه منه يغمغم متعجبا :

- أنتِ بتكلمي نفسك ولا إيه 

ابتسمت متوترة تحرك رأسها للجانبين تهمس سريعا :

- ها لا أبدا أنا بس كنت بذاكر فقرة رخمة شوية فكنت بسمعها لنفسي 

ابتسم رعد من جديد ليتحرك صوبها جلس جوارها ينظر للكتاب أمامها يغمغم:

- وريهالي يمكن اساعدك 

أصفر وجهها لتشير لفقرة عشوائية في الصفحة أمامها ليقطب رعد جبينه حين نظر لما أشارت رفع رأسه إليه يغمغم ببعض الحدة :

- دي معلومة إثرائية يا مريم ، أنتِ بتكدبي ... كنتِ بتكلمي مين يا مريم ؟ 

توقف قلبها عن الخفقان في تلك اللحظة ، تجمدت الدماء بين عروقها لتطرف عينيها الدموع تهمس متلعثمة :

- ما كنتش بكلم حد ، أنت ليه مش مصدقني ، أنا بس شاورت على فقرة غلط ، أنت بتزعقلي ليه يا رعد 

وانفجرت تبكي ليتنهد رعد حائرا يجذبها لأحضانه يمسح على رأسها برفق يهمس لها :

- يا حبيبتي أنا عارف أنك مش كذابة ، أنتِ ممكن تكوني خايفة عشان كدة بتخبي .. لو في اي حاجة مخبياها احكيلي عنها يا مريم واوعدك أن ما حدش هيعرف أبدا


ابتعدت عن أحضانه تمسح دموعها تحاول أن تبتسم تهمس متوترة :

- صدقني يا رعد ما فيش حاجة اخبيها أنا بس أعصابي تعبانة بسبب الثانوية العامة 

هي أيضا ما بال شبح الثانوية العامة يخيف الجميع ، مال برأسه يقبل جبينها يهمس مترفقا :

- ما تخافيش يا حبيبتي اللي ربنا كاتبه هو اللي هيكون ، اعملي اللي عليكِ وسيبي الباقي على الله ما تشليش هم ، وبعدين يعني يا مريم جاسر باشا بجلالة قدره قادر اللي يشتريلك الكلية اللي أنتِ عيزاها مش تدخليها بس


ضحكت مريم بخفة تحرك رأسها بالإيجاب ليبعثر رعد شعرها بخفة يغمغم :

- يلا نامي يوسف قالي أن عندكوا درس بدري 

تصبحي على خير يا حبيبتي 

قبل جبينها وقف عن مكانه لتلمح عينيه جزء صغير يظهر من هاتفها من أسفل الغطاء ، نظر لشقيقته لعدة لحظات عقله يرفض فكرة أن مريم تحادث شابا دون علمهم ... زفر أنفاسه ليتحرك لخارج الغرفة يرغب في النوم ... تحرك في الممر قبل أن يصل لغرفته سمع صوت والدته تغمغم متعبة :

- يا حبايبي ناموا يلا ، ماما عاوزة تنام وبابا مش هيرضى تناموا معانا عشان بتقعدوا تتشاقوا وما بيعرفش ينام 

دخل رعد غرفة الصغيرين ليجدهما يقفان فوق الفراش ، كلٍ فوق فراشه يرفضان النوم ، صرخا في سعادة حين رأوه ليهرعا إليه ليحملهم ليصيح ياسين :

- هنام في حضن رعد 

ويكمل سليم :

- والعلوسة 

ضحك رعد عاليا ، اقترب رؤى منهم ليغمغم رعد مبتسما :

- خلاص يا أمي سيبيهم هيناموا في حضن رعد والعلوسة 

ضحكت رؤى تربت على ذراع رعد تتمتم مبتهجة :

- أنا لحد دلوقتي مش مصدقة أنك وأبوك اتصالحتوا أخيرا ، تعرف يا رعد أنا طلعت صليت ركعتين شكر لله ... الحمد لله ربنا استجاب لدعايا ، كنت بدعلكوا في كل سجدة 


أنزل رعد سليم الصغير من فوق وجهه يضعه أرضا يحادث والدته :

- الدنيا مش مضمونة يا أمي عشان أفضل يوم كمان مخاصم والدتي ، بصراحة لولا طرب شالت العند اللي كان ماسك دماغي ، يا ابني بس بطل شعلقة في البنطلون هيقع 


ضحكت رؤى تنظر لسليم الذي يتسلق ساق شقيقه وكأنه هريرة صغيرة لتلتقطه بين ذراعيها تحمله تحادث رعد :

- شكلها طيبة وبنت حلال ، صحيح مش العروسة اللي اتمنهالك بس كل شيء قسمة ونصيب في الأول وفي الآخر ... سيب بقى الفيران دول هنيمهم وروح نام يا حبيبي


تعلق ياسين بعنق شقيقه يصيح معترضا :

- لاااا هنام في حضن رعد 

ضحك رعد يأخذ سليم من بين ذراعي والدته يغمغم :

- خلاص يا أمي هيناموا جنبي بدل ما الحج يقوم يرميهم من البلكونة 


رفضت رؤى تغمغم تحاول أن تنثيه عما يقول :

- لاء طبعا إزاي يا إبني ، انتوا لسه عرسان ... عيب نضايق البنت وهي لسه عروسة 


ابتسم رعد يربت على يد والدته برفق يغمغم متبسما :

-ما تقلقيش طرب مش هتضايق ، تصبحي على خير يا أمي

وتحرك يغادر وصل إلى غرفته لينزلهمت أرضا ركض الصغيران إلى فراش رعد يتقافزان فوقه لتفتح طرب عينيها مدهوشة من الحركة المفاجئة جوارها ، تنحنح رعد يغمغم محرجا :

- معلش يا طرب شبطوا يناموا جنبنا 

ابتسمت طرب لتجلس على الفراش تحادث الصغيرين :

- يلا هنلعب لعبة هعد لحد 3 وهنغمض كلنا عينينا واللي هيفتحها هيخسر ، يلا ناموا جنبي 

تسابق الطفلان يتممدان جوار طرب لتعد الى 3 ليغلقلا أعينهم جميعا دقائق بسيطة وراح الطفلين في نومٍ عميق ، فتحت طرب مقلتيها تنظر لهما مبتسمة لتوجه حديثها لجاسر بصوت خفيض هامس :

- ملاك وهي صغيرة بردوا كانت بتنفع معاها اللعبة دي 

ضحك بخفوت ليتسطح على الجانب الآخر ينظر لها يبتسم لتشعر بوجهها يحمر خجلا ، تململ أحد الطفلين كاد أن يصحو لتسارع طرب تأخذه بين أحضانها تربت على رأسه برفق ليتمسك بها يعود للنوم من جديد وهي معه تحت نظرات رعد الغير مفهومة بالنسبة لها

____________

الواحدة بعد منتصف الليل في منزل ياسر ، ياسر لم يعد بعد ... نرمين قلقة للغاية عليه 

أما أريچ تحاول بشتى الطرق الإتصال به دون فائدة ، أخيرا سمعوا صوت مفتاحه يدخل في قفل الباب وظهر ياسر هرعت نرمين إليه تسأله مذعورة : 

- كنت فين يا ياسر حرام عليك ، كنت هموت من القلق عليك ، وأريچ من بدري بتتصل بيك 

وبالمستشفى وما حدش بيرد في اي يا ياسر مالك ، شكلك تعبان أوي 

تحرك ياسر يتهاوى إلى أقرب أريكة قابلته ارتمى بجسده إليها يغمض عينيه متعبا ، لا يصدق أنه أخيرا انتهى من ذلك اليوم المتعب العجيب في الأمر أنه حاول تواصل مع والد سامر ، ليخبره بالأمر وجد جاسر قد سبقه وأخبره بالفعل ، أخبره بطريقة لا تدينه إطلاقا بل ظهر بها الطبيب النبيل الذي سارع بفصل طبيب ارتكب خطأ جسيما ، الرجل ظل يشكره كثيرا على تصرفه ، جاسر لم ينتقم منه رغم أنه كسر كبريائه حين صفعه أمام سمير ، ولكن كيف نسي أنه سيظل ولده رغم كل شئ ، جاسر لم يكن ليؤذيه أبدا ... فتح عينيه ينظر لزوجته وابنته يغمغم متعبا :

- أنا كويس اليوم بس كان طويل بسبب الزفت اللي اسمه سمير واللي هببه 

وقص عليهم سريعا ما حدث ليردف:

- إجراءات التحقيق والفصل وعلاجه لأن جاسر دمره ، وتفاوضي معاه إني مش هبلغ النقابة مقابل أنه ما يقدمش محضر في جاسر 

كلوا اليوم ، وبعدين عملت إجتماع مع الدكاترة عشان ما حدش فيهم تسوله نفسه يكرر غلطة سمير وزودت كاميرات المراقبة في ركن في المستشفى وحطيت فريق جديد يكون مسؤول عنها بيرصد أقل غلطة ، وخصصت ناس تكون مسؤولة عن كاميرات المراقبة اللي في أوض المرضى ، لقيت اليوم اتاكل لسه مخلص 


نظرت نرمين لزوجها لتربت على كتفه تغمغم تعاتبه :

- شوفت بقى أن جاسر ما قبلش أنك تتأذي ، ما كنش بأي حال تطرده من البيت ومن الشغل 


اومأ ياسر برأسه يوافقها ربما قد تسرع كثيرا فيما فعل ، نظر ياسر صوب ابنته ليمد يده يربت على وجهها برفق يحادثها :

- قومي يا حبيبتي نامي كفاية سهر لحد هنا ، تصبحي على خير 


ابتسمت لهم تودعهم لتتحرك إلى غرفتها تسمع والدتها تغمغم :

- لو بس أعرف ايه اللي حصل خلى جاسر يعمل كدة ، يضرب جوز أخته ويمشي أخته زعلانة ، أكيد في حاجة كبيرة حصلت 


دخلت إلى غرفتها تغلق عليها الباب بالمفتاح لتهرع إلى فراشها تنهمر الدموع من عينيها وعقلها لا يتوقف عن لومها هي السبب فيما حدث ، هي من شتت شمل عائلتها لأنها كانت مراهقة حمقاء سهل خداعها ... وضعت يدها على فمها تبكي بحرقة ... وصل إلى هاتفها صوت رسالة ، ظنته مصطفى يهددها من جديد فانتفضت سريعا تفتح الرسالة لتجد الرسالة من عمار !! ... فتحتها لتجده أرسل لها مقال كامل عن علاقة الألم بالروح وكيف أن الألم له مفعول السحر في تحطيم الندم ...ابتلعت لعابها متوترة تتحرك عينيها على الأسطر أمامها 

ينتفض جسدها مع كل سطر تقرأ .... ما إن انتهت من قراءة ما أرسل وجدت رسالة منه 

موافقة إني أساعدك ولا لاء ؟

ابتلعت لعابها خائفة لا تعرف كيف تفكر جسدها ينتفض قلبها يخبرها أنه موافقتها ستكون خاطئة وعقلها مشتت خائف حائر وقبل أن تجيب وجدته أرسل مرة أخرى 

- دا مش فرض يا أريچ في اي وقت حبيتي تنهي أو تتراجعي حقك ليكِ مطلق الحرية ، أنا بس عاوز أساعدك 

وفي حركة لم يحسبها العقل تماما أرسلت له :

- أنا موافقة !!

______________

الثالثة إلا ربع ليلا في تلك الغرفة الشبه مضاءة لن تسمع هنا سوى صوت ضربات عنيفة وداخل الغرفة يقف جواد ممسكا بطوق من الجلد أمامه اماندا تبتسم سعيدة تحاول تحفيزه :

- جواد بليز بطل تضرب الحزام على الهوا 

تأفف حانقا يلقي الطوق من يده يصيح فيها حانقا :

- بقولك إيه أنا ماليش في الطريقة المقرفة بتاعتك دي وشغل أنك تستفزيني عشان اضربك دا ، شغل رخيص أوي ... أنتِ لازم تتعالجي اللي أنت دا مرض نفسي وأنا مش هشارك فيه بأي شكل يا اماندا 

ابتسمت اماندا ساخرة تضع ساقا فوق أخرى تغمغم تتهكم منه :

- غريبة جواد أنت مش متضايق ولا زعلان إني خليت البادي جارد يحاول يغتصب نور ، اللي أنت كنت بتحبها تعرف أن أنا خليته يقطع هدومها كلها وشافها وهي naked 

أحمر وجه جواد غضبا ليشدد يده على الطوق رفعه عاليا يهوي به عاليا مرة والثانية قبل أن تتسع حدقتيه حين سمع ضحكاتها المتشفية القى الطوق من يده يصرخ فيها متقززا :

- أنتِ شيطانة كاتك القرف

القى الطوق من يده يجذب سترته ليتحرك لخارج المكان يقود سيارته مسرعا متوجها إلى بيته ، لا تغيب صورة نور من أمام عينيه ، يتمنى أن تكن معه الآن يبتعد بها عن ذلك العبث الذي يحدث في حياته ، توقفت سيارته في حديقة منزل والده نزل منها يتحرك لداخل البيت كان يظن أن الجميع نيام ولكنه تفاجئ أن والدته لا تزال مستيقظة ، ابتسمت ما رأته ليشيح بوجهه بعيدا يتحرك إلى أعلى لتقطع طريقه تغمغم تترجاه :

- جواد أرجوك اسمعني يا ابني جواد عشان خاطري أنا آسفة ، صدقني دا كان غصب عني 

توقف والتفت إليها ليضحك عاليا يسخر منها :

- غصب عنك ايه بالظبط ، غصب عنك أنك تطرديني برة حياتك وأنا طفل ، غصب عنك إني كنت بتحايل عليكِ عشان تحضنيني وبترفضي وتزعقيلي وأنا لسه عيل صغير ، أنتِ عيشتيني طفولتي كلها حاسس بالذنب على حاجة ما عملتهاش ، أنا السبب في أن عندك اكتئاب بجد .. أنا قربت منك زمان واتحايلت وبكيت وأنتِ بعدتيني ورفضتي وجودي ما تستنيش مني إني اخدك بالحضن دلوقتي عن إذنك يا روان هانم 


وتركها وصعد لأعلى لتنهمر الدموع من عينيها لا تعرف ما تفعل لتراضيه !!

____________

السابعة صباحا في الحي القديم ... كانت نائمة تغرق بين أمواج كوابيسها المعتادة حين تسللت لأنفها رائحة البيض المخفوق وصوت مذياع عالي يعلو بآيات سورة الكهف ، فتحت عينيها تنظر حولها متعجبة ما ذلك الصوت ، وأين السيدة صفاء ألم تكن نائمة بجوارها بالأمس ... تحركت لخارج الغرفة صوب المطبخ لتجد السيدة صفاء هناك تُعد الفطور رفعت يدها تفرك عينيها ناعسة تهمس :

- صباح الخير يا خالتي 

التفتت صفاء إليها تغمغم مبتسمة:

- صباح الفل يا قمر ، كويس أنك صحيتي فوقي كدة على ما أنزل اجيب الفطار

حركت رأسها للجانبين تغمغم سريعا :

- لاء خليكي يا خالتي أنا هنزل أجيبه

اقتربت صفاء منها إلى أن باتت أمامها لتحادثها بنبرة حادة :

- وهتنزلي بقى بالبنطلون الجينز اللي هيتقطع عليكِ من ضيقه دا ولا ببلوزة معرية نص بطنك ، عيزاني اسيبك تنزلي تلبسي حاجات مغطياكِ وحجابك على راسك


توترت فاطمة من طريقة صفاء الحادة وشعرت بالذنب لما تفعل ، قبل أن تحرك رأسها سريعا تتمتم :

- حاضر يا خالتي 

توجهت إلى المرحاض اغتسلت ومنه إلى غرفة النوم فتحت دولاب ثيابها لتخرج منه جلباب بُني اللون كان ترتديه حين تنزل إلى السوق وحجاب ، ارتدت ثيابها تمسك حافظة نقودها خرجت حيث السيدة صفاء لتُفاجئ بوجود محمود عند باب الشقة ، نظر لها لتتسع حدقتيه انبهارا وتعلو ابتسامة واسعة شفتيه قبل أن تلكزه والدته في ذراعه تهمس له خفية :

- يا مفضوح عينيك هتاكل البت اتلم 

تنحنح محرجا يحاول تجميع جملة مفيدة ليردف :

- خليكِ أنتِ يا فاطمة أنا هجيب الفطار ، ما فيش داعي تنزلي... 


قاطعته صفاء تغمغم سريعا :

- لاء في داعي طبعا ، أصلها مش هتجيب فطار بس ، دا أنا عاوزة كرنبة وحضرة للمحشي واتنين كيلو طماطم ، هعملكوا النهاردة حلة محشي على دكر البط اللي اشتريته من البلد حاجة كدة ترم العضم ، يلا يا بت همي ما تتأخريش عشان نلحق نحشي ، هات معاها الحاجة وطلعها معاها عشان ما تشلش لوحدها وبعدين شوف وراك ايه 

حرك محمود رأسه بالإيجاب يتحرك للخارج لتلحق به فاطمة أغلقت صفاء باب المنزل يعلو ثغرها ابتسامة كبيرة تغمغم :

- على الله بس ما تعكش الدنيا يا ابن بطني ، احسن أنا عرفاك مدب 

في الأسفل تحركت فاطمة جوار محمود إلى أقرب مطعم منهم ما أن وصلوا لهناك التفت إليها يسألها:

- تحبي تفطري إيه ؟

لا تعرف وربما لا تذكر ، رفعت كتفيها لأعلى قليلا تهمس مرتبكة :

- أي حاجة 

اومأ لها ليتحرك لداخل المطعم وهي معه يطلب من الشاب الواقف ما يريد ، فتحت فاطمة حافظة يدها لتخرج منها النقود لتجد يد محمود تمتد تقبض على الحافظة يغلقها لم ينطق بحرف فقط اغلقها يعطيها نظرة غير راضية قبل أن يضع يده في جيب سرواله يخرج منه النقود أعطاه للرجل يأخذ منه الإفطار تحركا لخارج المطعم وهي أمامه كاد أحد الرجال أن يرتطم بها دون قصد ، ليسارع في جذبها بعيدا يمسك بيدها لخارج المكان ، سحبت يدها من يده تهمس متوترة :

- أنا آسفة ما خدتش بالي ، بس مش هينفع تفضلوا تصرفوا عليا ، عاصم سايبلي فلوس كتير وأنا مش عايزة ابقى عالة عليكوا ، كدة ما ينفعش 

لف رأسه إليها وهي تسير جواره يعطيها ابتسامة صغيرة يغمغم ضاحكا :

- عالة عشان جبت ب 7 جنية بدل 5 فعلا أنتِ عالة جداا ، يا بنتي دا أنتِ ما بتاكليش أصلا وبعدين أنتِ عارفة خالتك صفاء بتحب تعمل الأكل يكون زايد وفايض يعني أنتِ حتى مش مكلفانا ، شيلي الفكرة دي من دماغك 


ابتسمت محرجة تومأ برأسها ... تحركا في السوق الشبه فارغ تبحث عما تريد صفاء ، وقفا عند إحدى المحال لشراء حبات الطماطم حين وهو يقف جوارها يحمل ما ابتاعوا .. حين سمع كلاهما صوت رجل يغمغم ساخرا:

- مش ممكن فطوم 

نظرت خلفها لتجد منير شقيق زوجها الراحل يقف هناك يقترب نحوها وضعت ما في يدها تنظر إليه حانقة عينيها تقدح شررا لتغمغم مشمئزة :

- عايز ايه يا منير ، مش عاصم وجاسر أنك ما تظهرش قدامي تاني ، مش فاكر آخر علقة خدتها منهم لو نسيت اكلمهم يفكروك 


ابتسمت منير ساخرا ليرفع كفيه قليلا يغمغم متهكما :

- وعلى ايه يا ستي أنا بعيد أهو ، بس ايه السرعة دي قوام كدة نسيتي نور ومشيتي مع غيره

احتدت عيني محمود ليترك ما في يده أرضا تحرك صوب الواقف أمامه يقبض على عنقه يهدده هامسا:

-اخفى من وشي قبل ما ادفنك مكانك بالحيا 


نظر منير إليه محتدا قبل أن ينظر صوب فاطمة يرميها بنظرة خبيثة تعرفها جيدا دفعه محمود بعيدا ، ليضبط تلابيب ثيابه يغادر ... التفت لفاطمة قبل أن تغيب عن عينيه يهمس في نفسه يتوعدها :

- مش هتخلصي مني بالبساطة دي يا فاطمة ، دا أنا ما صدقت أنك ظهرتي تاني ...!!

______________

التاسعة صباحا في المستشفى حيث يوجد زين 

راقدا في غرفته وهو يجلس بالخارج منذ الأمس على ذلك المقعد الصغير الذي بالكاد يحوي جسده لماذا ، لأنه الجورية التي يحب تشعر بالذنب وترفض ترك المستشفى قبل أن يستيقظ وتطمأن عليه ... يحب فتاة مجنونة تكاد تطيح بعقله وعليه أن يظل ثابتا وهو يراها قلقة على رجل آخر ، بسبب تعليمات مراد الأحمق ... فقط يتزوجها وسينفي ذلك الزين من حياتهم تماما ، فقط يخبطها ، لا فقط تعترف بحبها .... وسيبيده من حياتهم تماما كما تباد الحشرات 

نظر إليه وهي تنام تستند برأسها إلى كتفه دون حتى أن تدري فبعد أن نامت سقط رأسها على كتفه ليجذب سترته من جواره يضعها عليها وظلا هكذا طوال الليل ... رآها تتململ في نومتها تفتح عينيها لتقع عينيها على السترة التي تدفئها نظرت لأعلى لترى وجهه ينظر إليها مبتسما لتنتفض تنظر له مدهوشة يبدو أنها غقا على كتفه الليل بأكمله دون أن تدري ، حمحمت تردف محرجة :

- أنا آسفة يا حسين أكيد كتفك خدل بسببي ، أنا ما حستش بنفسي ونمت 

ابتسم ولم يعقب ، قامت من مكانها تتحرك صوب غرفة زين دقت الباب تفتحه لترى زين ممدد أمامه ، اقتربت منه تنظر إليه حزينة تشعر بالذنب:

- أنا آسفة يا زين أنا بجد آسفة على اللي حصلك بسببي 


ابتسم لها يهمس بنبرة خفيضة متعبة :

- ما تقوليش كدا ، أنا مستعد اضحي بحياتي عشانك ، أنتِ ما تعرفيش أنتِ بالنسبة لي ايه ، أنا عمري ما كنت هسامح نفسي لو حصلك حاجة صحيح أن الغلطة عند حسين لأن أنا حذرته أن قالب الطوب على الحافة وهو ما سمعش كلامي ، بس أنا مبسوط بجد أنك بخير 

توسعت حدقتيها ذهولا تنظر خلفها لترى حسين يقف خلفها اقتربت منه تُخفض صوتها تهمس له محتدة :

- كنت عارف إن القالب دا على الحرف وسيبته 

حرك حسين رأسه للجانبين يغمغم بهدوء:

- ما كنش على الحرف كان في مسافة كبيرة بينه وبين الحافة أنا حاسبها كويس ... القالب دا مستحيل يقع لوحده 


هنا اغتاظت چوري للغاية من رد فعل حسين الهادئة وكأن كارثة لم تحدث بسبب إهماله لتصيح فيه محتدة :

- أنا مش مصدقة بجد ، مش مصدقة أنك أنت السبب في المصيبة دي وكمان مش حاسس بالذنب حساباتك هتلاقيها غلط يا باشمهندس ويكون في علمك أنا هبلغ باشمهندس عاصم باللي حصل وهطلب أنك تسيب المشروع !!


____________

اغتاظت چوري للغاية من رد فعل حسين الهادئة وكأن كارثة لم تحدث بسبب إهماله لتصيح فيه محتدة :

- أنا مش مصدقة بجد ، مش مصدقة أنك أنت السبب في المصيبة دي وكمان مش حاسس بالذنب حساباتك هتلاقيها غلط يا باشمهندس ويكون في علمك أنا هبلغ باشمهندس عاصم باللي حصل وهطلب أنك تسيب المشروع 


لا يعرف كيف ظل هادئا وهي تلقيه بالتهم جزافا وهي تهدده أنها ستلقيه خارج المشروع الذي يكون هو رئيسه ، كيف لها أن تصدق ذلك الفتى بتلك البساطة لما لم تشك أنه فقط يكذب ... كيف احتفظ بقناع الهدوء على وجهه لا يعرف إطلاقا ، جل ما فعله أنه ابتسم يردف ساخرا:

- وأنا المفروض أخاف ، أنا عارف إن حساباتي مش غلط ، كونك مش مصدقة دي مش مشكلتي ... دي مشكلتك أنتِ ، وأنا مش هقدم أي مبررات لأن اللي بيبرر بيكون غلطان وبيحاول يداري على غلطه ، لكن أنا مش غلطان ... وبما إني رئيس المشروع دا لحد ما اتشال منه ، فمطلوب من حضرتك تكوني قدامي في الموقع بعد نص ساعة عن إذنك 

والتفت وغادر دون أن ينطق بحرف آخر ، ووقفت چوري في حيرة في أمرها ، حسابات حسين لم تُخطئ قبلا ولكن لما لا يريد الإعتراف أنه لربما اخطأ الآن ... خطأ كاد أن يودي بحياة أي شخص ليس شرطا أن تكن هي ... التفتت حين سمعت زين يغمغم من خلفها بنبرة خافتة مرهقة:

- مافيش داعي يا چوري تبلغي باشمهندس عاصم ، ممكن يكون حد من العمال زق القالب من غير قصد وخاف يقول ... الحمد لله عدت على خير ، بلاش أكون أنا السبب في مشاكل بينك وبينه وأنا عارف أنكوا قرايب ... وأرجوكي روحي الموقع زي ما قالك 

تنهدت متعبة تمسح وجهها بكف يدها ربما قد بالغت في رد فعلها كثيرا وليس قليلا ، ابتسمت لزين تغمغم :

- هعدي عليك آخر النهار ، شكرا يا زين ... شكرا أنك انقذت حياتي 

ابتسم لها خجلا لتتحرك هي للخارج تبحث عن سيارة أجرة لتقلها للموقع ... ما أن استقلت السيارة وغادرت ، دخلت سيدة متشتحة بالسواد لا يظهر منها إلا عينيها تسأل عن غرفة زين ... دلتها الممرضة عليها ، لتسارع إلى هناك 


أما چوري فشردت طوال طريق عودتها فيما حدث علاقتها بحسين المذبذبة وزين المسكين ، وقلقها المبالغ فيه على حسين حين مرض ، وقلقها الآن على زين لا تعرف لما تشعر أنها مشتتة بين دفتين كل منهما يجذبها نحوه خطوة حتى تكاد تتمزق ... لكن الأهم الآن أنها حقا شعرت بالغيظ من نفسها حين انفعلت تصيح في وجه حسين بتلك الطريقة ، لما لم تعطه الفرصة ليبرئ ساحته أولا قبل أن تقضي حكم أنه مذنب ، وقفت سيارة الأجرة أمام الموقع نزلت چوري منها متعبة تجر ساقيها جرا تشعر بالخمول والوخم الشديد لا ترغب سوى في الارتماء على فراشها والنوم ، بدأت تشعر بالندم حقا لأنها أصرت على المجئ لهنا ليتها استمعت لوالدها قبل أن تصر على الذهاب ... تحركت لداخل الموقع تبحث عن حسين لتراه واقفا أمام أحد العمال والأخير يغمغم مرتعشا :

- والله العظيم يا باشمهندس كان غصب عني أنا كنت بهزر مع منعم وهو زي التور راح زاقنني جامد على السور خبطت في قالب الطوب وقعته 

وقفت تشاهد ما سيفعل حسين لتراه يحادثه بنبرة حادة:

- أنت عارف إن بسبب هزاركوا دا كان ممكن تحصل مصيبة 

وصمت عدة لحظات حين رأى نظرات الرجل الخائفة المصوبة إليه ليتنهد يغمغم :

- لولا إني عارف إن عندك بيت وعيال كان هيبقى ليا تصرف تاني معاك ، من النهاردة أنت ومنعم تشتغلوا في الأرضي بس ، وأي تحقيق يحصل ما تنطقش بحرف .. أنا المسؤول تمام 


توسعت حدقتيها ذهولا ، حسين يضع نفسه بدلا من العامل ليحمي الأخير ، رأت كيف ادمعت عيني الأخير يغمغم متلهفا :

- أنا آسف والله يا باشمهندس أنا ما كنش قصدي سامحني ، أنا مش عايزك تتأذي بسببي


ابتسم عاصم يربت على كتف الرجل يغمغم بهدوء:

- ما فيش أذى ولا حاجة خير بإذن الله ، ارجع كمل شغلك وزي ما قولتلك في الأرضي بس 


اومأ الحارس برأسه يتحرك مغادرا ، هنا هي اقتربت من حسين الذي أشاح بوجهه بعيدا ما أن رآها زفرت أنفاسها تغمغم :

- حسين بص ، أنا فعلا ما كنش قصدي ... ما كنتش أعرف أن العامل هو السبب هو 

ولم تكمل شهقت مدهوشة حين أمسك عاصم بذراعيها يلف جسدها صوب المبنى يرفع يده يشير للسور يهمس محتدا :

- شايفة عرض السور قد ايه ، الحجر دا اتحرك من مكانه واللي حركه كان قاصد أن أي حركة تحصل جنبه توقعه ، على فكرة هو ما كنش قاصد يقع عليك ِ ، هو كان قاصد يقع على أي حد المهم تحصل مصيبة في الموقع ... بس واضح أن مرورك في الوقت ووقع القالب عليكي أنتي خلاه يتحرك ويعمل فيها هيرو قدامك اهو منه يضرب عصفورين بحجر واحد يعمل مصيبة ويطلع قدامك البطل 

توسعت حدقتيها تشهق بعنف هل يقصد أن زين هو من فعل ذلك ولكن لماذا ؟! لا من المستحيل طبعا أن يحدث 

التفتت إليه تقطب جبينها تسأله مدهوشة :

- أنت قصدك أن زين هو اللي عمل كدة ، لاء طبعا مستحيل وزين هيعمل كدة ليه اصلا 


ابتسم حسين ساخرا يكتف ذراعيه أمامه يردف متهكما :

- أنتِ محسساني أنكوا متربيين مع بعض ، دا أنتِ ما بتثقيش فيه الثقة اللي بتثقيها فيه وأنا اللي ابن خالك وأنتِ عارفة و متأكدة إني مستحيل اضرك ... أنا شاكك في الواد دا من ساعة ما شوفته شغل السهنتة اللي هو بيمثلها دا ما يخلش عليا ، من ساعة القهوة فاكرة كوباية القهوة ما أنا كلت من الشارع كتير وقليل ، أنا في الشغل باكل وايديا في رمل واسمنت عمري ما حسيت بالوجع اللي حسيت بيه لما شربت كوباية القهوة اللي كان عاوز يدهالك ، مش عايزة تصدقيني أنتِ حرة ... بس خلي بالك من نفسك كويس ما تشربيش ولا تاكلي حاجة يقدمهالك أبدا ... 

وابتعد خطوتين للخلف يكمل :

- تقدري تروحي الفندق ترتاحي شكلك مجهد جداا ، اتفضلي 

تنهدت مشتتة حائرة قبل أن تومأ برأسها ، نظرت للسور من جديد لتعاود النظر إليه تنهدت من جديد تهمس مرتبكة :

- حسين أنا بجد آسفة إني انفعلت وقولتلك الكلام دا 

ابتسم ساخرا ولم ينظر إليها ليردف قبل أن يرحل:

- روحي ارتاحي يا چوري ، أنا كمان هروح الفندق محتاج أغير هدومي قبل صلاة الجمعة

عن إذنك 

لم يعرض عليها حتى أن يوصلها للفندق حسين غاضب وبشدة تحركت لخارج الموقع لتجده يقف جوار سيارة أجرة جلس جوار السائق ما أن رآها تاركا باب المقعد الخلفي مفتوحا لتبتسم رغم غضبه لن يذهب دونها ...

______________

تبقت ساعة إلا ربع تقريبا على الصلاة حين خرج جاسر من مرحاض غرفته بعد أن اغتسل وارتدى ثيابه ود لو يذهب لرعد ليوقظه ولكن رعد الآن متزوج لم يعد لديه الحق في فتح .. باب الغرفة والدخول ، وقف أمام المرآة في غرفته يمشط خصلات شعره يضع القليل من عطره حين دخلت رؤى إلى الغرفة يعلو ثغرها ابتسامة كبيرة ، اقتربت منه ليبتسم يغمغم مشاكسا :

- يا صباح الروقان من زمان ما شوفتش الضحكة الحلوة دي ، فرحيني معاكِ طيب

اقتربت منه تمسك بمبخرة يتصاعد منها رائحة بخور عطرة جميلة لفت المبخرة حوله تغمغم سعيدة :

- مبسوطة أوي يا جاسر أنك اتصالحت أنت ورعد ، ما تروحش تصلي من غيره ماشي ... أنا هروح اصحيه عشان يلحق الصلاة 


ابتسم لها يومأ برأسه لتتحرك لخارج الغرفة ، دقت باب غرفة رعد بخفة ... لتجده يفتح لها الباب يبتسم :

- صاحي والله يا ست الكل ، بس ما حبتش أعمل دوشة عشان ما اصحيش سليم وياسين وطرب ، بابا صحي


اومأت رؤى برأسها تبتسم سعيدة أمسكت بيده تسحبه خارج غرفته متوجهة صوب غرفتها هي وجاسر تغمغم سعيدة :

- ايوة وسأل عليك كذا مرة ، وقال مش هيتحرك من غيرك ... أدخله على ما اعملكوا لقمة سريعة قبل ما تروحوا تصلوا ، وعلى ما ترجعوا هيكون يوسف ومريم رجعوا .. نفطر كلنا سوا 

ابتسم سعيدا لسعادة والدته الكبيرة يحرك رأسه موافقا ، تحرك لداخل الغرفة ليجد والده يميل يرتدي حذائه ، حين رفع رأسه ابتسم حين رأى رعد يقف أمامه ليغمغم مبتسما:

- كنت فاكرك لسه نايم ، أمك قالتلي أن الفيران شبطوا يناموا جنبك ودول ما بيناموش ، قولت أكيد ما نمتش طول الليل 


ضحك رعد يحرك رأسه للجانبين يغمغم ضاحكا: 

- لاء بالعكس ناموا على طول ، طرب نيمتهم بسرعة بس لبدوا في النص بيني وبينها 


لاحظ كيف اختفت ابتسامة أبيه حين ذكر اسم طرب ، تحرك جاسر صوب ولده يخفض صوته إلى أن بات هامسا يسأل ولده :

- معلش في سؤالي ، أنا عارف أنها حاجة خاصة وأنا ماليش اسأل فيها ..


فهم رعد ما سيقول أبيه ليتنهد يهمس بدوره :

- هي فعلا حاجة خاصة ، بس على العموم أنا ما لمستهاش ، جوازنا جه بسرعة جدا وأنا عايزها تاخد وقتها في تقبل خطوة حياتنا الجديدة ، طرب شافت كتير واتعذبت أكتر وأنا مش عايزها تحس أنها حق مكتسب ليا طالما اتجوزتها يبقى هاخدها حتى لو دون إرادتها 

تنهد جاسر قلقا ينظر لولده عدة لحظات قبل أن يجلس على الفراش يطلب من رعد الجلوس جواره :

- أقعد يا رعد عاوز اتكلم معاك كلمتين قبل ما نروح نصلي 

تقدم رعد يجلس جواره ليلتفت جاسر إليه تنهد قبل أن يتحدث بهدوء :

- رعد أنا عارف إن بسبب عقدة قديمة في حياتي بعدتك عني ، والحمد لله قدر ولطف ، بس عايزك تعرف حاجة يا رعد ما حدش هيخاف على مصلحتك في الدنيا دي قدي .. يا ابني دا أنت ابني البكري 


زفر أنفاسه قبل أن يغمغم بنبرة أكثر هدوءً:

- رعد ، أنا معاك أنها ممكن تكون ضحية بس مش هي العروسة اللي تستحقك يا رعد ، ما فيش حاجة بتستخبى للأبد ، أنا مستعد اتدخل وامحي أي أثر للماضي بتاعه ، بس الناس ... الناس اللي شافت مش هتعرفها ، حبيبي أنت تستاهل واحدة تمشي تتفاخر بيها مش تخبيها عن عيون الناس ، وكويس أنك لسه ما لمستهاش ، طلقها وأنا والله هقف جنبها وهمحي أي أثر للماضي زي ما قولتلك وهجيبلها شغل وهتكفل بيها هي وأختها لآخر نفس ليا ... بس وهي بعيد يا إبني ، رعد أنت ما بتحبهاش أنت ما عرفتش في حياتك غيرها 


انتهى جاسر من كلامه ينظر لولده يأمل فقط لو يقتنع بما قال ، فما حدث أنه وجد رعد يهب واقفا قسمات وجهه تقول أنه يرفض كل ما قال ، ولكن ما فاجاءه تلك الدموع التي غزت مقلتيه في لحظة ويسمعه يهمس بحرقة :

- أرجوك بطل اللي بتقوله دا ، أنت بتحسسني بالذنب ، أنا بحبها والله بحبها ومش هقدر أطلقها ... هي مالهاش ذنب يا بابا والله العظيم ماليها ذنب ، كانوا مهددينها بأختها ... حرام لما نحكم عليها بالإعدام معاهم ، أرجوك اديها فرصة واحدة 


تنهد جاسر حائرا متعبا لا يجد ما يقوله في الوقت الحالي .. وقف من مكانه يغمغم يائسا :

- والله ما حد هيجلطني غيرك أنت واخواتك ، يلا يا إبني عشان نلحق الصلاة 

تحرك رعد بصحبة أبيه إلى خارج الغرفة إلى أسفل حيث وجدا والدته تقف أمامها تبدو غاضبة :

- مش هتلحقوا تاكلوا حاجة اتاخرتوا أوي فوق ، لما ترجعوا ابقوا كلوا ، بسرعة يلا عشان تلحقوا الصلاة 

أسرعا إلى السيارة ليأخذ رعد مقعد السائق وجاسر مجاور له تنطلق بهم السيارة 

______________

استيقظ متأففا على صوت ضوضاء تأتي من الأسفل نهض عن فراشه غاضبا ينظر للساعة لا تزال الثانية عشر ضهرا لما تلك الضوضاء الباكرة ، نزل لأسفل يستعيد لإلقاء وصلة طويلة من التوبيخ حين وصل لأسفل توقفت الكلمات داخل حلقه جحظت مقلتيه ورفرف قلبه فرحا حين رآها تجلس على مقعد جوار من لا يعرف لم يتبين المهم أنها أمامه هنا تجلس تبتسم ولكنها لا تتحدث ، لو فقط يعرف ما حل بها لتصمت ويحرم من أنغام عشقها ، تنهدت يستيقظ فجاءة على صوت والدته تحادثه متوترة:

- جواد اطلع ألبس التيشرت بتاعك يا حبيبي مش هتبطل العادة دي هتتعب في مرة 

نظر لنفسه ليجد صدره عاري ، نظر حوله ليجد أنه يقف وسط جمع من السيدات والدته وشقيقته وعمته وليان ابنتها وحبيبة القلب نور 

حمحم محرجا ليسرع الخطى لأعلى سريعا اندفع كالسهم إلى المرحاض اغتسل يبدل ثيابه إلى أخرى نظيفة يمشط شعره جيدا يضع عطره يتأكد أن مظهره جيدا ، نزل لأسفل يمسك هاتفه يتحدث إلى الفراغ يتصنع ببراعة أن لديه مكالمة هامة :

- ايوة ، يا ابني اسمع الهطل اللي أنت بتقوله دا ما ينفعش التصميم أنا متأكد منه ويتنفذ بالطريقة اللي قولت عليها يا أما نسحب التعاقد ، لاء هو حلو اووووي كدة ، حلو وبسيط ويجنن ، احم قصدي أن هو مش ناقصة حاجة إطلاقا تمام ، شوف هتعمل ايه وبلغني .. سلام

أغلق الخط ينظر للجمع أمامه ليغمغم مازحا :

- ايه دا دي قبيلة النساء اومال فين رجال القبيلة راحوا الحرب 


ضحكت ليان بشدة على مزحته أما نور فابتسمت فقط ، قامت مرام من مكانها وقفت أمامه تعقد ذراعيها تغمغم ساخرة :

- لا يا خفة راحوا يصلوا الجمعة ، صحيح يا جواد أنا عمري ما شوفتك ما بتصلي ، أنت يهودي صح ومخبي علينا 

ضحك جواد ساخرا يطفقها بنظرة حادة يحذرها من أن تتمادي :

- دا على أساس أنك الشيخة مرام اتحجبي الأول شوفي ليان أصغر منك ولابسة الحجاب من زمان والبنوتة اللي جنبها 

نظر صوبها لتهيم عينيه استعاد نفسه سريعا يغمغم :

- شريف قالي أن اسمها نور ، ما هي شكلها صغير خالص أهي ومع ذلك محجبة ، حاسبي نفسك قبل ما تيجي تحاسبيني يا سيادة البلوجر ، ولا صحيح دا شريف حالف لو فتحتي الاكونتات تاني لتنفصلوا 

أخفض صوته تماما حتى بات هامسا ليقترب منها يهمس ساخرا :

- وأنتِ طبعا مستحيل تنفصلي عنه ، دا في قناة مهمة عيزاكِ تطلعي معاه .. لمي نفسك احسنلك بدل ما اقول لشريف على كل حاجة 

حدجته مرام بنظرة غاضبة لتترك له المكان وتغادر ليعلو بصوته يغمغم :

- مرام اعملي لي فنجان قهوة وعلى الله ما تعجبنيش شوفي أنا هعمل ايه 

وضحك ساخرا ليتهاوى على المقعد حيث كانت جالسة يضع ساقا فوق أخرى من حسن حظه أن جلس جوار نور ورأى كيف احمرت وجنتيها خجلا حين بات جوارها ، تنهد بعمق يحاول أن يهدأ تلك الفتاة تطيح بثباته لو ترك العنان لنفسه في تلك اللحظة لتزوجها في الحال ، ظل يحاول اختلاس النظرات إليها وليان تحاول إختلاس النظرات إليه إلى أن سمع صوت أبيه يتحاور مع زوج عمته ومعهم شريف ، واخيرا ظهر جمع الرجال ، رماه شريف بنظرة حادة حين رآه في حين غمغم عمرو متعجبا :

- جواد وصاحي دلوقتي عجبت لك يا زمن ، ايه اللي مقعدك هنا يا حبيبي بتسمع طريقة عمل الكوسة بالبشاميل ولا حلقة مسلسل امبارح 

خلي حد يعملنا شاي وحصلني على الصالون 

تأفف جواد حانقا ليقم من مكانه يتوجه صوب المطبخ وجد مرام تحاول صنع كوب من القهوة وقف خلفها يغمغم ساخرا :

- لاء خلاص اعملنا أربعة شاي وهاتي بسكوت ووديه على الصالون اللي جوا ما تتأخريش يا حبيبتي

وضحك ساخرا وتركها وغادر يتوجه حيث يجلس والده ... جلس على المقعد الفارغ جوار شريف ، جاءت مرام بعده وضعت الشاي ليبتسم شريف لها في حين أصفر وجهها حين رأت جواد جواره تنظر إليه تتوسله ألا يقل شيئا ليبتسم الأخير ساخرا يومأ برأسه ، خرجت مرام من الغرفة ليلتفت عمرو على صوت علي يسأله :

- قولي يا جواد أنا بقالي مدة مسافر ومش عارف ، ليان أخبارها ايه في الشغل معاك

اعتدل جواد في جلسته العابثة يغمغم بجدية :

- كويسة بتتعلم بسرعة وتصميماتها في تحسن دائم ، الممارسة العملية أهم بكتير من كلام الكتب لوحده 

ابتسم علي يشكره يوصيه عليها ، لاحظ جواد نظرات شريف الحادة إليه ليقترب برأسه منه يسأله متعجبا :

- أنت بتبصلي كدة ليه يا عم ، هو أنا واكل ورثك 

ابتسم شريف ساخرا ليقبض على يد جواد يستأذن منهم خرج به إلى الحديقة لينزع جواد يده من يد شريف يغمغم محتدا :

- جرى ايه يا شريف أنت فاكرني متهم عندك أنت ماسكني كدة ليه وعايز ايه 

أشار له شريف ليُخفض صوته ويفعل هو الآخر طحن أسنانه يهمس محتدا :

- وطي صوتك مش عايز حد يسمعنا ، أنت عايز ايه يا جواد ، أنا مش فاهمك طالما بتحب نور أوي وهتموت وتتجوزها النهاردة قبل بكرة بتقول لليان أنك بتحبها ليه ، أنت بتلعب بمشاعر أختي دا أنا اقتلك فيها دي

وقبض على تلابيب ثيابه بعنف يجذبه نحوه ليغضب جواد يدفع شريف بعيد عنه يهسهس محتدا :

- شريف ، لآخر مرة تتعامل معايا بالشكل دا ، أنت مش هتعمل ظابط عليا ، أنا ما قولتش لأختك اني بحبها ولا نيلة هي اللي رامية نفسها عليا ومدلوقة قولها تتلم شوي...

ولم يكمل حين لكمه شريف بعنف ليسقط أرضا احتدت عينيه غضبا مسح عن فمه الدماء ليهب واقفا يغمغم محتدا :

- أنت بتضربني يا شريف ، أنت ليه مش عاوز تعترف أنها الحقيقة وأنت عارف ومتأكد من اللي بقوله ولا الحقيقة بتوجع 

تحرك شريف ليضرب جواد من الأخير ليتفاداه الأخير يسدد له لكمة عنيفة في بطنه جعلت شريف يتأوه متألما ، نظر لجواد يغمغم غاضبا :

- أنت عيل كداب و*** هي غلطتها الوحيدة أنت يا زبالة 

تحرك شريف سريعا يسدد لكمة عنيفة أصابت فك جواد ليتراجع للخلف يصرخ غاضبا :

- أنا ما ضربتهاش على أديها 

أخفض صوته مرغما يكمل حانقا :

- من زمان وهي بتتلزق فيا وأنا بحاول ابعدها ما تشلنيش ذنبها 

واندفعا يتصارعان بعنف يلكم كل منهما الآخر

وحين حاول ضربه سمعوا صرخة عالية جاءت من روان التي رأتهم يتصارعون بذلك الشكل المخيف الهمجي ليخرج على صوت صراخها الجميع ، اندفع علي وعمرو يقفان بينهما يصرخ كل في ولده

- أنت اتجننت خلاص يا جواد / ايه اللي أنت بتههبه دا يا شريف 

- هتموتوا بعض ليه حصل ايه / ما تنطق يا حضرة الظابط

نظر شريف صوب ليان قبل أن يعاود النظر لأبيه يغمغم :

- أنا عايز امشي ، إحنا كنا بنهزر والموضوع قلب جد شوية واتغبينا على بعض ، يلا يا ليان هاتي نور وتعالي

تحرك عمرو صوب شريف يحاول تهدئته :

- خلاص يا شريف ما تكبرش الموضوع طالما كنتوا بتهزروا وما تهزروش تاني بالشكل الغبي دا 

ابتسم شريف يعتذر منه:

- معلش يا خالي ، بس أنا بجد لازم امشي ، يلا يا ليااان

رأى ليان تحاول إسناد نور تتحرك صوبه ليتقدم نحوها يحمل نور بين ذراعيه لتشتعل عيني جواد لهبا ينظر لشريف كارها ، تحرك شريف صوب سيارته يضع نور على المقعد الخلفي لتجلس ليان جوارها ، اقترب علي منه قبل أن يدخل إلى السيارة جذبه بعيدا عنها يخفض صوته يحادثه حانقا :

- استنى هنا ، أنا مش مقتنع على فكرة بولا كلمة من اللي قولتها ايه اللي حصل يا شريف اتخانقتوا ليه


تنهد شريف حانقا يحادث والده يتوسله :

- بابا أرجوك سيبني امشي ، أنا تعبان ومش طايق نفسي من ضغط الشغل ، وطلع في جواد هبقى أكلمه اعتذرله سيبني أرجوك بقى امشي


تركه علي وهو غير مقتنع تماما بما قال ليتحرك شريف إلى سيارته نظر لجواد من خلال زجاج السيارة يبتسم ساخرا ، لتقدح عيني جواد غضبا منه يتوعده بالانتقام ، تحرك يغادر الحديقة إلى غرفته يبحث في هاتفه عن رقم ما إلى أن وصل إليه ليطلبه سريعا ليسمع صوت رجل يهلل فرحا :

- يا اهلا يا اهلا بجواد باشا بنفسه دا التليفون بيزغرط من الفرحة يا ولاااا خير يا باشا رقبتي ليك


احتدت عيني جواد يفكر في شئ ما قبل أن يغمغم :

- اسمعني يا كامل نفذ اللي هقوله عليك وليك قد المرة اللي فاتت أربع أضعاف ، اسمع  هتعمل ايه


____________

-شريف في ايه يا شريف مالك وايه لزوم اللي عملته دا

صاحت بها ليان وهي تجلس جوار شقيقها في السيارة ليضرب شريف مقود السيارة بقبضة يده بعنف يحادثها محتدا :

- ليان أنا مش عاوز أسمع صوت خالص كفاية أوي أن القرف دا كله بسبب...

وصمت لم يستطع أن يضع حرف الكاف لن يستطع أن يؤذي مشاعرها زفر أنفاسه بعنف بوجه أنظاره للطريق أمامه يضغط على المقود بعنف تدهس قدميه على الدعاسات بعنف إلى أن وصل بهم إلى المنزل أوقف السيارة لتخرج ليان من السيارة أولا تصفع بابها بعنف تنظر لشريف غاضبة تكاد تنفجر غضبا لما ضرب حبيبها ماذا فعل جواد ليضربه شريف ، قبل أن يأتي جلس جواد على المقعد المجاور لها وتحدث وضحك وجاء شريف ليدمر كل شيء ، صعدت لأعلى سريعا ليزفر شريف أنفاسه غاضبا ... توجه صوب نور يحملها بين ذراعيه ليشعر بها ترتجف بين يديه مما أثار تسأله هل يا ترى هي خائفة منه بسبب ضربه لجواد ؟! 

هل تحبه هي أيضا ؟! ما المميز في جواد حتى يحببنه جميع الفتيات ذلك الوغد لا يتسحق سوى أن يظل وحيدا مع اماندا إمرأة مقززة مثله ، دخل لغرفة نور يضعها على فراشها لم ينظر لها رغم أنها أمسكت يده قبل أن يغادر في رغبة منها أن تتحدث معه ولكنه لم يستجب وغادر ... أغلق باب غرفتها ليدخل إلى غرفته ارتمى جالسا على أريكة صغيرة مجاورة لفراشه يغمض عينيه يفكر في السبيل الذي سيقنع به ليان أن ذلك الوغد لا يحبها ... جذبه صوت رنين هاتفه ليجد مرام لاح على شفتيه ابتسامة صغيرة مرام تغيرت كثيرا عما كانت لم تتغير بقدر كونها عادت مرام الفتاة التي أحبها من أعماق فؤاده فتح الخط يهمس متعبا :

- ايوة يا مرام

في اللحظة التالية سمع صوتها تصيح قلقة :

- شريف أنت كويس يا حبيبي ، الحيوان جواد أكيد استفزك ما أنا عرفاه مستفز ويحرق الدم وكلامه كله زفت 

قاطعها يغمغم بنبرة هادئة:

- ما تقلقيش يا حبيبتي أنا بخير دا كان سوء تفاهم هريح شوية واكلمك سلام يا حبيبتي

وأغلق معها الخط يضع الهاتف جواره يسند رأسه إلى ظهر الأريكة يغمض عينيه يحاول أن يهدأ ، ولكن يبدو أن ذلك لن يحدث في اللحظة التالية فُتح باب غرفته بعنف كان متوقع أن ليان ستفعل ذلك وها هي أمامه تصرخ غاضبة :

- ممكن تفهمني بقى أنت ليه ضربت جواد ، هو عملك ايه عشان تضربه ، عشان أنا كنت واقفة بتفرج عليكوا إنت اللي بدأت ، أنت اللي ضربته الأول

ابتسم ساخرا ، شقيقته التي لا يحب في حياته بقدر حبه لها على أتم استعداد أن تنبذه تماما خارج حياتها لو طلب منها جواد ذلك وقف عن مكانه يتنفس بعمق يحاول أن يهدأ، اقترب منها يحتضن وجهها بين كفيه يهمس مترفقا :

- ليان يا حبيبتي أنتِ عارفة أن أنا بحبك وبعتبرك بنتي مش بس أختي ، ليان عشان خاطري اسمعي كلامي جواد ما بيحبكيش عشان خاطري لو بتحبيني ابعدي عنه 


قطبت جبينها حانقة مما يقول لتبتعد للخلف تغمغم بحدة :

- أنا مش عيلة صغيرة يا شريف ، أنا عارفة أنك ما بتحبش جواد من زمان ، بس هو بيحبني وأنا بحبه هو قالي أنه بيحبني


- عشان وسخ وزبالة وبيلعب على 100 حبل في وقت واحد

صرخ بها شريف بعد أن فقد صبره من تلك البلهاء ، اقترب من شقيقته يمسك بذراعيها يغمغم بنبرة أكثر حدة :

- افهمي بقى جواد ما بيحبكيش والله ما بيحبك ، جواد بيحب ....

وسكت لم يخبرها أنه يحب نور ، خوفا على نور من أي تصرف متهور من ليان شقيقته من الممكن أن تؤذيها ؟! لا ، ليان لن تؤذي أحد ، ليان أضعف ما يكون ..أجفل على صوتها تغمغم تسخر منه :

- ما قولتش يعني بيحب مين ، عشان تعرف بس أنك بتألف ، أنا مش فاهمة أنت بتعمل كدة ليه ، رغم أنك عارف إني بحبه ... المشكلة عندك أنت يا شريف مش عنده ، أنت اللي عندك عقدة تملك ، شايفني حق مكتسب ليك ، وما اتجوزش غير الراجل اللي على مزاجك أنت 

كنت بحبه بقى ولا لاء مش فارقة ، المهم أنك شايفة مناسب مش كدة ! 

وكم كانت كلماتها قاسية اذهلته ، لا يصدق أنها نطقت بها ... ليان لا تراه سوى وغد متملك متحكم كيف لها أن تفكر فيه بذلك الشكل ، تقهقرت خطواته للخلف ينظر لها مصعوقا قبل أن تعلو شفتيه ابتسامة جريحة يتمتم :

- للدرجة دي يا ليان ، شايفة حبي وخوفي عليكي تملك وتحكم ، ماشي يا ليان اعملي اللي انتي عوزاه بس يوم ما يكسر قلبك ما تجليش عشان هتلاقي حضني مفتوحلك زي ما اتعودتي ، اتفضلي اخرجي من أوضتي 

نظرت صوب شقيقها تشعر بألم حاد يخترق قلبها ، تحبه وتحب جواد لما لا يفهم أن حبها لجواد ليس خطاء ولا يتعارض مع حبها له ...طرفت عينيها الدموع قبل أن تخرج من غرفة شقيقها تهرع إلى غرفتها تغلق الباب عليها 

وقف شريف مكانه ينظر لباب غرفة ليان قبل أن تتحرك عينيه ينظر لغرفة نور.. الفتاة المسكينة لا ذنب لها في كل ما يحدث ، عقله يطرق فكرة سامة ولكن لا الفتاة لا ذنب لها في شيء 

_____________

في منزل جاسر مهران 

نزلت طرب على سلم البيت الكبير تنظر حولها وكأنها تستكشف المكان، الهدوء يعم الارجاء تعلم أن أغلب أهل البيت بالخارج لا يوجد سوى والدة زوجها والصغيرين وهي وملاك فقط ، تجولت هنا وهناك تنظر لفخامة المكان حولها ، يذكرها بقصر أبيها كان أضخم وأفخم كان قصرا كما في الحكايات ولكنه لم يعد ... سمعت صوت والدة زوجها تأتي من مكان قريب لتتحرك خلف الصوت ، أطلت برأسها بخفة تختلس النظر لتتسع حدقتيها مذعورة حين رأت إحدى الخادمات تمسك في يدها كيس أبيض صغير قبل أن تخبئه بين ثيابها ، إذا تلك الخادمة أيضا تعمل لصالح ذلك الوغد ، يبدو أنه شك في أنها لا تضع له المخدرات ، إذا وجود تلك السيدة التي تمثل دور زوجة أبيها لم يكن بلا داعي ، جاءت لهنا لتدخل المواد المخدرة إلى تلك الخادمة ، استندت إلى الحائط تضع يدها على قلبها تتنفس بعنف لن تسمح لها بأن تؤذيه أو تؤذي أي منهم 

دخلت إلى المطبخ وكأنها لم ترِ شيئا مساحة المطبخ الواسعة تجعل من الصعب على رؤى أن ترى ما تفعل كل واحدة منهن ... تحركت إليها تقف جوارها حمحمت تغمغم مرتبكة :

- صباح الخير حضرتك ، مش عوزاني أساعدك في حاجة 

نظرت رؤى إليها وابتسمت لتعطيها حبات الطماطم المجاورة لها تغمغم :

- قطعي الطماطم وحطيها على الجبنة ، رعد بيحبها 

ابتسمت طرب تأخذ منها حبات الطماطم والسكين ، تقف جوارها تختلس النظرات إليها وإلى تلك الخادمة .. انتفضت حين التفتت رؤى إليهم تغمغم بنبرة هادئة :

- تقدروا تروحوا اجازة سعيدة ، اشوفكوا يوم الحد 

بدأت الخادمات تنسحبن واحدة تلو الأخرى لم يكونوا بالكثيرين فقط ثلاثة لا غير رحلت اثنتين وبقيت تلك الخادمة توجهت صوب رؤى تغمغم :

- أنا هفضل يا مدام رؤى مش معقول هتشيلني البيت كله لوحدك وبعدين أنا ما وريش حاجة الأسبوع 

ابتسمت رؤى لها تومأ برأسها بالإيجاب في حين أصفر وجه طرب وتأكدت من نوايا السيدة الخبيثة ، ابتلعت لعابها توجه تركيزها لما في يدها حين سمعت رؤى تسألها :

- سرحتي في ايه فجاءة ، اللي واخد عقلك 

وضحكت ضحكة عابثة لتبتسم طرب رغما عنها ، والدة زوجها تظن بالتأكيد في أنها تفكر في زوجها ولو تعلم أنها تحاول إيجاد حل للكارثة الموجودة بينهم الآن ، اجفلت من جديد على صوت رؤى تغمغم:

- تعرفي أنا فعلا بحب اطبخ بحب أكلهم من ايديا وهما اتعودوا على أكلي خلاص 


ابتسمت طرب تغمغم بنبرة مهذبة قدر الامكان:

- عندهم حق أكل حضرتك حلو جداا اصلا

ابتسمت رؤى لتقترب منها وضعت يدها على كتفها تزيح خصلات شعرها بيدها الأخرى تضعها خلف أذنيها تحادثها بحنو :

- قلبي بيقولي أنك نقية ونضيفة وعمرك ما هتأذي إبني ، أنا مش عيزاكِ تزعلي من كلاك عمك جاسر ... صدقيني والله دا طيب أوي ، على طول يقولي رعد طالع طيب زيك وهو والله طالعه هو ، بس هو بيقلق وبيخاف بزيادة 

بالكاد ابتسمت طرب ، حركت رأسها للجانبين تنظر للفراغ شاردة تهمس بنبرة حزينة متخاذلة :

- هو عنده حق ، مين يقبل ابنه يتجوز رقاصة حتى لو بترقص غصب عنها .. حضرتك عارفة جاسر باشا بيفكرني بوالدي الله يرحمه هو بردوا كان بيخاف علينا أوي وبيقلق جامد من أقل حاجة 

وأرادت أن تبدل دفة الحديث حتى لا تتذكر أبيها وتنهار باكية كطفلة في الخامسة ، نظرت صوب رؤى تسألها :

- هو حضرتك اتعرفتي على جاسر باشا إزاي


ضحكت رؤى ما أن نطقت طرب تلك الكلمات لتمسك بيدها تجذبها معها لتجذبها معها تجلس أمامها على طاولة المطبخ تغمغم ضاحكة :

- هحكيلك ، بصي يا ستي الحكاية بدأت من ملف مهم لشغل بابا نسيه في البيت وأنا روحت شركته ادهوله وعينك ما تشوف إلا النور 

وبدأت رؤى تقص عليها ما حدث وتقتص الكثير من التفاصيل الخاصة تعلق على ما حدث في حياتها ساخرة :

- وفضل بقى يقولي أنا جاسر مهران ، أنا الشيطان ، والحلم مع جاسر مهران حقيقة ، ومع تايد الغسيل ما فيش مستحيل


ضحكت طرب عاليا على ما تقول ورؤى تكمل قص ما حدث قديما وتعلق عليه :

- ويهدد عاصم لو تشوفيه هو وعاصم دلوقتي تقولي اتنين أخوات تؤام ، ويهدد والدي الله يرحمه لو تشوفيه بقى بعد كدة ما كنش قشور بم قدامه 


- الله يرحمه كانت ايده تقيلة أوي

التفت رؤى وطرب معا ينظران لمصدر الصوت هناك عند باب المطبخ كان يقف جاسر ، توترت طرب ما أن رأته لتقف من مكانها في حين ابتسمت رؤى تغمغم ضاحكة :

- كنت لسه بحكيلها قصة حبنا الملحمية الغريبة ، بس إنت جيت قطعتني ، فاكر لما نرمين كانت بتقول عليك هادم اللذات 


ضحك عاليا في حين ضمت طرب شفتيها حتى لا تضحك ويغضب ، اقترب جاسر من رؤى يغمغم :

- شغل الحموات بدأ بقى وواخدها تعمل شغل المطبخ

توسعت حدقتي رؤى تغمغم سريعا :

- لا والله العظيم ابدا حتى اسألها ، هي اللي جت قالتلي عاوزة اساعدك ، مش كدة يا طرب.


حركت رأسها بالإيجاب تنظر أرضا تفرك يديها متوترة ، ليضحك جاسر عاليا يشاكس زوجته 

لتحمحم هي تستأذن منهم لخارج المطبخ لتلتفت رؤى إلى جاسر تغمغم تستعطفه :

- والله طيبة وغلبانة يا جاسر ، على فكرة بتخاف منك أوي ... اعتبرها زي چوري ومريم

ابتسم لها يقرص ذقنها بخفة يغمغم عابثا :

- وحياتك ما في طيب وغلبان وعسل وسكر غيرك


ضحكت تصدمه على صدره بخفة ليجذبها نحو صدره يقبل قمة رأسها تنهد يهمس لها :

- ما تقلقيش خير ، أنا هحلها 

ابتسمت سعيدة لينزل بيديه يكوب وجهها بهما يلاعب حاجبيه يغمغم عابثا :

- فاكرة زمان ، بابا الحق يا بابا عمو جاسر بيبوس رؤى في المطبخ بوسة عيب 

ضحكت رؤى عاليا تومأ برأسها قبل أن تختفي ابتسامتها تدريجيا تهمس حزينة :

- ياريتها فضلت صغيرة الدنيا جت عليها أوي وهي ما استحملتش ، تعرف أنا انبسطت اوي لما عاصم قالي أنها قاعدة مع خالة صفاء ، دي ست زي العسل وفاطمة بتحبها أوي ، وأنا بسبب اللغبطة اللي حصلت ما عرفتش أروح اشوفها خالص ، ايه رأيك أخد طرب معايا ونروحلها 


قطب جبينه يسألها متعجبا :

- وتاخديها معاكِ ليه ، هي ما تعرفش فاطمة أصلا 

ابتعدت عنه تتوجه صوب الطاولة تحمل صحنين من فوقها تمد يدها له بهما تغمغم :

- عيزاها تحس أنها في بيتها يا جاسر ، البت بتتكسف تطلب كوباية ماية ... موافق ولا ايه


اومأ برأسه موافقا يأخذ منها الأطباق تحرك للخارج ورؤى معه تحمل هي الأخرى طبقين تضعهم على الطاولة ، لتربط على كتفه تغمغم:

- أقعد وهجيب أنا وكوثر باقي الأطباق ،اومال رعد فين مش شيفاه

قطب جاسر جبينه ، أين رعد كان معه حين دخل إلى البيت ... نظر إلى زوجته يغمغم:

- يمكن يكون طلع الحمام ولا حاجة لأنه داخل معايا 

اومأت رؤى تنظر لأعلى !!

في الأعلى في غرفة رعد وطرب ... الوضع كان متوترا طرب تجلس على حافة فراشهم تفرك يديها متوترة في حين يقف رعد أمامها يبدو غاضبا لسبب ما لم تفهمه بدا متضايقا ، رفعت رأسها إليه تسأله مرتبكة :

- أنت متضايق ليه ، كل دا عشان خرجت الجنينة 

حرك رأسه للجانبين اقترب منها يغمغم محتدا :

- لاء يا طرب عشان وأنتِ علي باب البيت طلبت منك ترجعي وما سمعتيش كلامي ، وخرجتي الجنينة والحرس كانوا لسه فيها وما خرجوش ، أنتي خرجتي وسط عشر رجالة بهدوم البيت وبشعرك وتقوليلي متضايق ليه 

ابتلعت لعابها تشعر بأنها مخطئة ولكنها لم تكن تقصد ، وقفت أمامه تغمغم تعتذر منه:

- أنا آسفة ما كنش قصدي ، أنا بس فرحت لما شوفتك وكنت خارجة ليك

وأدركت ما قالت لتحمر وجنتيها خجلا في حين شقت شفتيه ابتسامة سعيدة حاول السيطرة عليها قدر الامكان ، اقترب منها يبسط أصابعه أسفل ذقنها يرفع وجهها إليه لتتحرك أهدابها وتتسارع دقاتها ارتباكا حين سمعت يهمس :

- بجد فرحتي لما شوفتيني 

تحركت حدقتيها على وجهه ، ملامح وجهه الهادئة لم تجد بها خبثا قط ، حين تنظر إليه تشعر بالأمان وكانت قد نست ذلك الشعور .. نست شعور الخجل والأمان والسعادة والاشتياق ومعه تشعر بهم جميعا دفعة واحدة ، هل ذلك هو الحب إذا ؟ شعورها بالأمان وهو موجود والسعادة حين يتحدثان ويضحكان ، والخجل حين ينظر إليها بتلك الطريقة والاشتياق حين يطول غيابه ... حركت رأسها بالإيجاب ببطئ لتتوسع ابتسامته أكثر يقرب رأسه منها حتى باتت تشعر بأنفاسه تضرب وجهها ولحيته تدغدغ ذقنها برفق ، وبعدها لم تعرف ما حدث ، سوى أنها شعرت بشعور غريب لم تجربه قط ، دقات قلبها أعلنت طبول الحرب تشبثت كفيها بذراعيه حين شعرت أنها ستتهاوى وهي بالفعل تهاوت في دوامة غريبة بها من اللذة ما بها حين قبلها رعد 

اجفل كلاهما مفزوعا حين صدح صوت صراخ أحد الصغيرين :

- عييب ، يا بابا يا ماما ، رعد عيييب هو والعلوسة 

ونزل يركض لأسفل لينتفض رعد خلفه يحاول الإمساك به :

ولاااا سليم ، خد هنا يا جزمة ، بتفتح باب أوضتي زي الحرمية وبعدين تقف تصرخ 


ولكن الصغير كان أسرع نزل لأسفل ليسارع إلى والده يصرخ سريعا :

- بابا ، رعد عييب هو والعلوسة ، بيبوسها على بوقها ، رعد عييب 

حمحمت رؤى متربكة لتحمل صغيرها على قدمها تؤنبه :

- سليم مش أنا قولت وبابا قال 100 مرة ما ندخلش أي أوضة من غير ما نخبط 

كتف الصغير ذراعيه يعقد جبينه ينفخ خديه غاضبا:

- رعد عيب هو والعلوسة وماما بتزعق لسليم ، سليم مش عيب ، سليم شاطر

ضحكت رؤى رغما عنها تقرص وجنته بخفة ليمسكه جاسر من ملابسه من الخلف يحمله وكأنه حقيبة يغمغم :

- واد يا سليم ، اشوفك بتفتح اي باب تاني من غير ما تخبط هعاقبك ، ومش هيبقى عقاب أمك بتاع إنت نوتي يا حبيبي ، دا أنا هعلقك على الباب برة فاهم 

قوس الصغير شفتيه حزينا يحرك رأسه خائفا لتسارع رؤى بأخذه من بين ذراعي جاسر تغمغم محتدة :

- براحة يا جاسر دا لسه عيل صغير ، ما تزعلش يا حبيبي

في اللحظة التالية فُتح الباب وظهر يوسف ومعه مراد مريم ليتحرك سليم والدته يركض صوب يوسف يحتضن ساقه يبكي ، حمله يوسف يربت على ظهره برفق يغمغم قلقا :

- مالك يا سولي بتعيط ليه 

أبعد الصغير رأسه عن صدر شقيقه يغمغم حزينا من بين شهقاته المتتابعة :

- رعد عيب هو والعلوسة بيبوسها على بوقها وبابا وماما بيزعقوا لسولي ورعد كمان 

وانفجر يبكي من جديد يخبئ رأسه بين أحضان شقيقه ، والجمع الواقف صامت ينظر كل منهم للآخر متوترا ... الى أن حمحم جاسر يغمغم محتدا :

- انتوا هتفضلوا باصين لبعض روحوا اغسلوا ايديكوا يلا عشان نفطر ، يوسف فهم الفار اللي على أيدك دا أنه ما يفتحش اي باب من غير ما يستأذن ، ياسين سمع الكلام إنما هو لاء ، وأنت يا رعد اطلع هات مراتك واختها يلا الساعة بقت 2 دا ما بقاش فطار دا بقى سحور يلا 

وتفرقوا جميعا ... صعد رعد لأعلى ليجد طرب تضع وسادة على وجهها ، حاول ألا يضحك حين اقترب منها سمعها تصرخ داخل الوسادة :

- مش هنزل ، مش هوريهم وشي تاني خالص


هنا ضحك رعد عاليا يمسك بكف يدها يجذبها عن الفراش يغمغم :

- يا بنتي يلا ، أنا أمي فكراكي حامل أصلا.. غيري هدومك وحصليني أنا وملاك 

تركها وتوجه إلى غرفة ملاك دق بابها ليسمع صوتها تأذن له بالدخول ابتسم ما أن رآها تجلس على مقعدها تقرأ في كتاب ما :

- حد يذاكر على الصبح كدة ، يلا عشان نفطر وكملي مذاكرة زي ما تحبي 

ابتسمت له تومأ برأسها ليتحركها صوبها يدفع مقعدها بخفة إلى أن وصلا لنهاية السلم ، عجل المقعد لا يساعد تمام في نزول درجات السلم حاول حملها بالمقعد ولكن الوضع صعب ، ولكن ها هو يوسف يمسك بالمقعد من الاتجاه الآخر يرفعه معه عن الأرض يبعد أنظاره عنها تماما يوجه حديثه لرعد :

- هساعدك مش هتقدر تشيله لوحدك 

وتعاون كلاهما على نزول المقعد لأسفل يدفعها رعد إلى مكانها على الطاولة جوار مريم التي ابتسمت لها تغمغم :

- جبتلك قناة مدرس ممتاز للفيزيا على يوتيوب نبقى نشوفه أنا وانتي بعد الفطار 

ابتسمت ملاك تشكرها بصوت هامس ... جاءت طرب تجلس جوارها تضع وجهها في الطبق أمامها ترفض رفعه عن الطبق ، حاول رعد أن يجذب انتباهها ولكنه فشل ، زفر حانقا حين وجد طبق فارغ يمتد أمام وجهه وصوت مراد يغمغم :

- والنبي يا روميو ، حطلي شوية سلطة 

غض رعد على شفتيه غاضبا يضع السلطة في صحنه قبل أن يقبض على تلابيب ثيابه من الخلف يغمغم حانقا :

- ولا أنت عايش عندنا ليه ، هو خالي عاصم مجوعك يا ابني ، دا الراجل كريم حتى 

نزع مراد يد رعد يضع الطعام في فمه يغمغم ساخرا:

- يا عم أنت مالك أنا بحب طبيخ عمتي ، وحطلي شوية سلطة كمان ما تبقاش معفن بقى

ضحكت خفية على ما يحدث قبل أن تلمح بطرف عينيها تلك الخادمة تتقدم منهم تحمل بين يديها صينية مشروبات عليها أكواب جميعها متشابهة عدا كوب واحد فقط وضعت الصينية جانبا وحملت بيدها الكوب المختلف تضعه أمام رعد تغمغم مبتسمة:

- أنا عارفة يا ابني أنك ما بتحبش الشاي بلبن فعملتلك كوباية شاي بس بالهنا 

وتحركت تغادر لتمد طرب يدها تأخذ الكوب سريعا ، تختطفه حرفيا مما جعل الجميع ينظر لها متعجبا لتبتسم متوترة تردف :

- أصل أنا كمان ما بحبش الشاي بلبن 

مد رعد يده يود أخذ الكوب يغمغم:

- ماشي هخليهم يعملولك واحد إنما دا مش هيعجبك تقيل وسكره قليل 

ومد يده كاد أن يمسك الكوب لترفعه طرب إلى فمها ترتشف ما فيه رغم كونه ساخن إلا أنها رفضت تركه إلا بعد إنهاءه حتى لا يشرب منه ، وضعته جانبا تحاول أن تقل شيئا طريفا ليمر ذلك الموقف :

- الشاي دا حلو أوي ، دا مستورد دا 

ولم يضحك أحد ظلوا يرمونها بنظراتهم المتعجبة والمستنكرة ما فعلت ، أما هي لم تمر الدقائق إلا وشعرت بألم شديد في معدتها وخدر غريب ورغبة ملحة في التقئ ، تشعر بجسدها بارد كلوح الثليج يغرق قرعا وكأن اللوح يذوب ... زاغت عينيها وبدأ وجهها يشحب شيئا فشئ ، يبدو أن ما داخل الكيس لم يكن مخدرات وإنما سم !!

____________

قرابة الثالثة عصرا في منزل الطبيب جاسر راضي ... في الشقة التي يمكث بها الآن بصحبة سامر ، اضطجع جاسر إلى ظهر الأريكة يغمض عينيه متعبا ، سامر يجلس جواره يأكل البيتزا بفواكة البحر ، يشاهد فيلم ما على شاشة التلفاز ... التفت سامر إلى جاسر يسأله :

- مالك شكلك تعبان 

حرك الأخير عظام رقبته يعتدل في جلسته يغمغم مرهقا :

- مش عارف يا أخي الواحد باينله عجز ولا ايه دا أنا لسه ما دخلتش في ال29 حتى ، عارفة لو ما سبتليش من البيتزا هزعلك

ابتسم سامر ابتسامة باهتة قبل أن يوجه اهتمامه بالكامل لجاسر يسأله متهكما :

- أنت أكتر بني آدم مريب أنا شوفته في حياتي ، طريقة علاجك شخصيتك نفسها ، ضحكك وهزارك حتى تريقتك على نفسك وهوسك الغريب بالنظام ، عايش مع نفسك وبنفسك ولنفسك ... تركيبة عجيبة 


ابتسم جاسر يومأ برأسه يلتقط شريحة بيتزا من أمامهم يقضم منها قضمة كبيرة ابتلعها يضع ما بقي منها جانبا يردف مبتسما:

- أنا شخص عنده اكتفاء ذاتي ، عارف ايه هو الاكتفاء الذاتي يا سامر

قطب سامر جبينه يغمغم ساخرا:

- مش دا بتاع العيش والرز والمكرونة

ضحك جاسر عاليا يحرك رأسه للجانبين يردف من بين ضحكاته :

- دا كدة التموين الذاتي يا حبيبي 

وانتظر إلى أن هدأت ضحكاته والتقط أنفاسه يغمغم بنبرة عقلانية هادئة :

- الاكتفاء الذاتي اللي أنا قصدي عليه يا سامر هو اكتفائك بنفسك ، أنت عارف فين المشكلة اللي الإنسان بيعاني منها كل يوم أنه مش راضي عن نفسه والموضوع دا بيبدأ معاه من وهو طفل صغير بسبب الأهل زي المقارنة المعتادة ابن عمتك جاب أعلى منك بدرجة ونص ، هو ابن عمتك أشطر منك وأنت اللي فاشل ، بنت خالتك طلعت الأولى على الفصل وأنتِ يا دوب ناجحة يا خيبتك في خلفتك الفاشلة يا سعاد

ضحك سامر رغما عنه على طريقة جاسر في حين أكمل جاسر بنفس النبرة :

- دي أول بذرة بتتغرس في شجرة رفض الإنسان لنفسه ، عادي لو كان ابن عمته أشطر أو بنت خالتها متفوقة عنها ، دي قدرات كل نفس ليها قدرات ، مهما حاولت تحمل عليها فوق قدراتها مش هتستجيب بالعكس دي هتأذيك زي ما اذيتها ، الشعور بالفشل والخذلان والاكتئاب طبعا ...

قاطعه سامر يسخر منه :

- يعني أنت عايز تفهمني أن كل واحد وواحدة اتقارنوا بقرايبهم وهما صغيرين كبروا عندهم اكتئاب مش منطقي يا دكتور جاسر 


ابتسم جاسر يحرك رأسه للجانبين يغمغم دون تكلف:

- أنا ما قولتش كدة أنا لسه ما كملتش ، أنا كان قصدي أن مرحلة الطفولة في حياة كل إنسان مهمة جدااا ، الإنسان من قديم الأزل وهو بيحارب عشان يوصل للأفضل حاطط نفسه من زمان في صراع من ساعة ما كان بيصارع الحيوانات البرية عشان يصطادها ، لحد ما بقى بيصارع بصمة الشغل اللي مش عايزة تتعرف عليه وهو متأخر وكدة اليوم هيتخصم 

الصراع اللي حاطط نفسه فيه إجباري ما قدرش فيه أبدا تفاوت قدرات كل نفس عن التانية ، في ناس قدراتها محدودة ما تقدرش تزود عليها ومهما زودت للأسف مش هتدي النتيجة المطلوبة يهدي بقى الإنسان يفضل يلوم نفسه ويحتقرها ويقلل منها ويدخل معاها في صراع طويل ، وأن أكيد الغلط عنده وأنه أكيد قصر ، وأنه وأنه وأنه ..وكل الكلام دا مش حقيقي هو بس ليه حد ما عرفش يعديه ، 

زي بالظبط علاقات الحب اللي بتقوم على المشاعر المبالغ فيها من طرف واحد ويجي الطرف التاني يرفض المشاعر ويتعرض للخذلان ودا شعور مش لطيف تماما على النفس ويبدأ الصراع تاني ،أكيد أنا السبب أنا كنت بضايقه أصل أنا رغاية ، أنا السبب أنا كنت بتصل بيها كتير ، وهيفضل يلوم نفسه أن هو السبب مع أن ممكن يكون الطرف التاني هو السبب أصلا ، بس كم المشاعر اللي أضخت واتخذلت كانت السبب في شكل من أشكال الصراع دا 


ونوعا ما بدأ سامر يُجتذب لحديث جاسر ويود أن يعرف بشدة حل تلك المشكلات ليغمغم متعجلا :

- طب والعمل

ابتسم جاسر حين سمع لهفته بين أحرف كلماته ها هو عقل سامر يستجيب له من جديد ، رفع كتفيه لأعلى يردف ببساطة :

- العمل هو أول كلمة قولتها الاكتفاء الذاتي ، اقعد مع نفسك ، كأنك قاعد مع واحد صاحبك وافهمها وأعرف أنها عندها حد معين لو حابب تطوره تبقى نسخة أفضل من نسخة قديمة مش عشان أنت في سباق مع حد ، أعرف عيوبها وتقبلها وأعرف مميزاتك وحبها وحاول تحول العيب لميزة ما عرفتش خلاص ، أصل ما فيش إنسان ما فيهوش عيوب ، المهم تسيطر على العيب دا وما يبقاش مؤذي لغيرك بس ، 

أعرف أن الشخص البشري الوحيد في الدنيا دي اللي تستحق تحبه في الدنيا دي هو أنت ، أنت لو حبيت نفسك واكتفيت بيها وعرفت تتصالح معاها تعملوا اتفاقية ودية كدة بصي يا ست الكل أنا عارف حدود مقدرتي عارف نقط ضعفي وقوتي ، متقبل ضعفي وعيوبي وهحاول احسنهم ، هدي مشاعر والله لو اتقابلت بالقبول شكرا ، اترفضت أنا مخسرتش وما لومتش نفسي أن أكيد الغلط عندي وأن أنا السبب في الرفض ، الموضع محتاجة أنك تعرف أكتر عن نفسك يا سامر وتتعلم إزاي تتعامل معاها 

حرك سامر رأسه بالإيجاب لتشرد عينيه وتضطرب حدقتيه ، يفكر في نفسه وما يفعل بها لابد أنها غاضبة للغاية منه ... نظر صوب جاسر يسأله من جديد :

- يعني نقدر نقول أن القلب هو السبب صاحب المشاعر الجياشة الفياضة اللي بسببه الإنسان بيتعرض للخذلان في حالة من الحالات يعني ما تنكرش أنه بشكل أو بآخر أنت بتستفاد من الأمراض دي ، هي اللي فاتحة بيوت الدكاترة النفسيين اللي زي حالاتك 


ضحك جاسر يحرك رأسه للجانبين يغمغم :

- والله القلب دا مظلوم معانا ، يا دكتور سامر القلب مش صانع المشاعر ، القلب زيه زيك بيتأثر بالمشاعر اللي بيصنعها مين ؟! ، العقل هي المشكلة كلها عند دا 

وأشار إلى رأسه تحديدا إلى عقله مكملا :

- الاعمي اللي جوا دا ، اعمى عايش جوا كهف عمره ما شاف الدنيا بس يقدر يخليها نعيم ويقدر يرميك من النعيم للجحيم ، العقل وعقلي والعقل عموما عامل زي نصل سيف ليه حدين ؛ حد صديق وحد عدو ، يا سعدك لو كان ليك صديق ، ويا ويلك لو شافك أنت العدو ،هنا بقى يجي دوري أنا ، أنا بالظبط زي المحامي اللي بيتفاوض مع القاضي عشان يخفف الحكم جلسة في جلسة لحد ما ياخد منه البراءة هي دي وظيفة الدكتور النفسي يا دكتور سامر ، تعرف أنا بحب أوي النقاشات اللي زي دي ، أنا شخص عاشق لعلم النفس ... تعرف بردوا وأنا بعمل ماجستير اتعرض عليا أدرس في جامعة ما ، وفعلا بدأت وكنت مبسوط جداا وأنا بشرح للطلاب وأعرفهم أن قد ايه العلم دا عظيم ، لحد امتحانات الترم الأول أنا صححت 10 ورقات بالظبط وقومت قدمت استقالتي ، ما استحملتش الهبد والقرف اللي شوفته ، المهم عندي كتاب هنا في المكتبة لدكتور إبراهيم الفقي اسمه الثقة والاعتزاز بالنفس هجبهولك تقراه ودا إجباري مش اختياري 

ضيق سامر عينيه حانقا ليضحك جاسر يبعثر خصلات شعره يغمغم ضاحكا :

- افرد وشك ياض ، مش أنت لسه بتقولي أنت طريقتك غريبة في العلاج ، أنت لسه ما شوفتش حاجة 

في طريق جاسر للداخل دق الباب ليتحرك نحوه فتح الباب ليرى مليكة تقف أمامه تحمل بين يديها كعكعة متوسطة الحجم تمد يدها بها نحوه تغمغم مرتبكة :

- زينب عملتها بس اتكسفت تجبها لحضرتك اتفضل 

ابتسم يشكرها مدت يدها له بالكعكعة ليظهر معصم يدها وجزء من ذراعها لفت نظره علامات جروح ولكن تلك العلامات حديثة الصنع قبل يوم واحد على أقصى تقدير ، أمسك معصم يدها يأخذ الكعكعة منها يضعها جانبا يشير للعلامات في يدها يسألها مرتابا :

- مليكة أنتِ بتأذي نفسك ليه ؟ ليه بتشوهي جسمك ، أنا واثق أن اكيد في غيرها كتير ... مليكة ميعاد جلسة زينب بكرة ما تنسيش 

وترك معصم يدها لتفر من أمامه هاربة تلعن زينب في نفسها على الموقف البشع الذي وضعتها فيه 

أغلق الباب التفت خلفه ليرى سامر يقف خلفه يغمغم ساخرا :

- مليكة ميعاد جلسة زينب بكرة ، لا يا راجل .. دا بدل ما تقولها تبقى جلستنا بكرة ولا زينب ما تجيش وتيجي أنتي ، ولا أنت صحيح ما بتحبش اي حالة عندك فمش عايزها تبقى حالة عندك

أخذ جاسر الكعكعة من بين يدي سامر يشير إلى غرفة مكتبه يغمغم :

- تالت رف ، على أيدك اليمين الكتاب التالت .. وتقعد تقراه يلا 

تأفف سامر يتحرك مجبرا ليغمض جاسر عينيه يفكر فيما سيفعل غداا 

_____________

الخامسة عصرا في الحارة بالأعلى فاطمة والسيدة صفاء يعدان الطعام بالأسفل ورشة محمود الوضع هادئ لا شئ يثير الريبة ، سوى شئ واحد فقط أن الوضع الهادئ تغير في لحظة حين وقفت كبيرة بها عدد لا بأس به من الرجال يترأسهم منير ، نزل منير من السيارة ينظر لورشة محمود يشير لأحد رجاله :

- عايز عاليها واطيها ، وتجيبولي العريس اللي جوا دا تحت رجلي!!

الفصل السابع عشر من هنا

تعليقات



×