رواية أسيرة الشيطان الجزء الثالث (للقلب سلطان اخر) الفصل الخامس عشر
بناء على رغبة القراء هنحط في بداية كل فصل كل عيلة بولادها عشان الناس اللي لسه بتتلغبط
جاسر ورؤي أبطال الأجزاء اللي فاتت عندهم 6 أولاد رعد وجوري أول تؤام
يوسف ومريم تاني تؤام
سليم وياسين آخر تؤام
-----------------
نرمين أخت جاسر اللي جاسر كان بينتقم من صبري وبنته شاهندا عشانها
نرمين وياسر جوزها عندهم 2
( جاسر الكبير 29 سنة دكتور نفسي
اريج في 2 كلية طب )
ياسر كان ليه بنت من مراته اللي ماتت قبل ما يتجوز نرمين اسمها سما جوزها اسمه مصطفى
______________
عاصم أخو رؤي خال العيال اللي كان بيحب تهاني واتجوز حلم في الجزء التاني عنده ولدين
حسين الكبير مهندس ، مراد الصغير في ثانوية عامة ساقط سنة
_____________
رؤى كان ليها جيران أخ وأخت ساكنين سوا اللي هما عمرو وايمان
ايمان اتجوزت علي صاحب جاسر وعندها شريف الكبير ظابط شرطة ، وليان الصغيرة المدلوقة على الجاموسة جواد
_________
أما عمرو فاتجوز روان بنت صاحب الشركة اللي كان شغال فيها وخلف ولد وبنت
جواد جاموسة متنقلة مهندس ديكور
ومرام دلوعة ماما 22 سنة في كلية إعلام ومخطوبة لشريف ابن عمتها
________
فاضل طرب وملاك ، ومليكة وتوحة وكل الناس دي هنعرف اصلهم وفصلهم فيما بعد
لما تتلغبط اطلع بص هنا وكمل الفصل عادي
نبدأ الفصل ❤
____________
- ما تاخدوش مني يا رعد ، عشان خاطري اوعى تاخده مني
لم يفهم ما بها ولكنه ظل يحضتنها يحاول أن يهدئها وبمجرد ما هدأت هي ، علا صوت صرخات ترج البيت ذعرا تأتي من الخارج ، انتفضت ذعرا حين سمعت صوت شقيقتها تصرخ لتهب تركض لخارج الغرفة وهو يحاول اللحاق بها ، هرعت طرب إلى حيث الغرفة التي مكثت بها شقيقتها بالأمس رأت ملاك هناك تجلس على الفراش تصرخ مذعورة لتهرع طرب إليها تنتشلها بين أحضانها تعانقها بقوة تمسح على رأسها تحاول أن تهدئها :
- اهدي يا ملاك ، اهدي يا حبيبتي ما تخافيش أنا جنبك أهو
احتاجت ملاك بضع دقائق حتى توقفت عن الارتجاف في تلك اللحظة نظرت طرب حولها لترى رعد وشقيقته مريم ووالدته وطفلين صغيران يقفان خلف قدمي والدة رعد ينظران لما يحدث بدهشة ، نظر رعد صوب مريم يسألها :
- حصل ايه يا مريم ، ليه ملاك صرخت كدة
حركت مريم رأسها للجانبين سريعا تغمغم :
- ما اعرفش والله أنا كنت في الحمام ، خرجت لقيتها صحيت لسه بقولها صباح الخير راحت مصرخة ، هي مجنونة ؟
نظرت طرب صوب مريم سريعا تحدجها بنظرة حادة قبل أن تردف منفعلة :
- لو سمحتي أنا أختي مش مجنونة ، ملاك بتترعب لما بتصحى تلاقي نفسها في مكان غريب
حمحمت مريم محرجة تنظر أرضا ، ليبادر رعد يوجه حديثه لطرب متضايقا :
- اهدي يا طرب مش كدة ، مريم مش قصدها حاجة هي اتخضت هي كمان لما أختك صرخت
اشاحت بوجهها بعيدا عنهم تحتضن شقيقتها تبتسم متألمة ، هنا تدخلت رؤى اقتربت منهم تربط على كتف طرب ، نظرت طرب لها مرتبكة لتدمع عينيها رغما عنها ، جلست رؤى جوار طرب تجذب ملاك برفق من بين أحضانها مسحت على رأسها بحنو تحادثها :
- ما تخافيش يا بنتي ، دا بيتك واعذري مريم على كلامها ما كنتش تقصد ، بصي يا حبيبتي طرب أختك اتجوزت ابني
واشارت صوب رعد تكمل :
- ما اعرفش أنتي عرفاه ولا لاء
نظرت ملاك إليه مدهوشة ومن ثم لشقيقتها لتومأ طرب برأسها بالإيجاب تهمس لها :
- ايوة يا ملاك ، هحكيلك كل حاجة بعدين ، اللي عيزاكي تعرفيه دلوقتي أننا خلصنا منها ومن قرفها ومش هتضربك ولا هتهددني بيكِ تاني
لم تفهم ملاك ما يحدث كيف تزوجت شقيقتها في أقل من يوم ولما تشعر بأنها كانت في غيبوبة طويلة المدى ليست نائمة فقط ، نظرت للجمع حولها مرتبكة لتربط رؤى على كتفها برفق تردف :
- دا خلاص بقى بيتك يا بنتي ، وأنا زي ماما ودي مريم قد في 3 ثانوي أكيد هتذاكروا مع بعض ، ودا رعد ابني الكبير جوز أختك ، في چوري أخته التؤام بس دي مسافرة ، أما المقاريض دول فيوسف وسليم آخر العنقود. ، وفي يوسف تؤام مريم ، بس دا عايش في ملكوت لوحده ، ما تخافيش من حاجة ونضفنالك أوضة تقعدي فيها ، وأختك هتنزل مع رعد تشتريلك اللي أنتِ عيزاه ، يلا يا أولاد الفطار جاهز ، رعد شيل ملاك وديها الأوضة الثالثة اللي على أيدك الشمال ، وسيب أختها معاها تحكيلها زي ما كانت بتقول
اومأ رعد لوالدته ليتحرك صوب ملاك حملها بين ذراعيه خرج بها من الغرفة وطرب خلفه تسرع خطاها وقف أمام باب غرفة مغلقة لتسرع طرب في فتح الباب ، دخل رعد إلى الغرفة يضع ملاك على فراشها يحادثها مبتسما:
- اتمنى الأوضة تعجبك ، لو عوزتي أي حاجة أنا دلوقتي أخوكِ الكبير زيك زي مريم بالظبط ، ماشي يا حبيبتي
اومأت ملاك له مرتبكة ليستأذن ويخرج من الغرفة ، اقتربت طرب من فراش شقيقتها لتمسك ملاك بيدها تغمغم متلهفة :
- مين دول يا طرب ، وازاي اتجوزتي بالسرعة دي ، وإزاي أنا جيت هنا من غير ما أحس ، أنا حاسة اني كنت في غيبوبة مش نايمة
تنهدت طرب بعمق تمسح على وجه شقيقتها تهمس تهدئتها :
- اهدي يا ملاك وأنا هفهمك ، أنا ورعد نعرف بعض بقالنا مدة طويلة وأنا حكيتله على كل حاجة و هو لما عرف راح للحرباية مرات ابوكي ودفع فلوس الشيك وكويس أننا لحقناك ِ لأنها خدرتك وكانت عاوزة ترميكِ في الشارع ، وعرض عليا الجواز عشان يحميني من شرها وبشاعتها ، وأنا تعبت يا ملاك ومحتاجة حد يقف جنبي ويساعدني ، ما تلومنيش يا ملاك أرجوكِ أنا بعمل كل دا عشانك والله
انهمرت دموع ملاك لترتمي بين أحضان شقيقتها تشهق في البكاء تغمغم بحرقة :
- يا رتني كنت مت في الحادثة يا طرب ، أنا السبب ، أنتِ بتستحملي كتير عشان خاطري
حركت طرب رأسها نفيا بعنف تغمغم منفعلة :
- ما تقوليش كدة بعد الشر عنك ، مالكيش دعوة أنا اقدر استحمل كل حاجة بس إنتِ تكوني كويسة
ابعدتها عنها تمسح الدموع عن وجهها تغمغم :
- ما تعمليش مشاكل مع حد يا ملاك ، مهما كان هيفضلوا هما أصحاب البيت وإحنا اللي ضيوف عندهم ، مش عايزين نبقى ضيوف تقال ، ماشي يا حبيبتي
اومات ملاك برأسها بالإيجاب تبتسم لشقيقتها ، لحظات ودُق الباب قامت طرب لتفتح لتجد مريم تقف أمامها تفرك يديها مرتبكة ابتسمت متوترة تهمس :
- أنا آسفة حقيقي ما كنش قصدي أقول عنها كدة ، أنا جبتلها هدوم اهي اتفضلي
ابتسمت طرب تشكرها تأخذ منها الملابس لتردف مريم سريعا:
- آه صحيح ماما بتقولك الفطار جاهز
حمحمت طرب مرتبكة تهمس لها :
- معلش ممكن تعتذرليها ملاك مش معاها الكرسي بتاعها ومش هعرف أنزلها
ما إن أنهت جملتها ، فُتح باب غرفة قريبة منها بابها كان أضخم منهم جميعا وأطل جاسر والد رعد منها نظر لمريم يغمغم :
- مريم تعالي هنا
اومأت مريم برأسها تتحرك صوب غرفة والدها دخلت لغرفتها غابت لعدة لحظات كادت طرب أن تغلق باب الغرفة حين فُتح باب غرفة جاسر من جديد وخرجت مريم تدفع أمامها مقعد متحرك تتحرك به صوبها تغمغم مبتسمة:
- اتفضلي يا ستي بابا جايبه لملاك
توسعت حدقتي طرب مدهوشة لما يفعل جاسر ذلك وهو لا يطيق وجودها في منزلهم ، شكرت مريم تنظر صوب باب غرفة جاسر تحاول أن تفهم شخصية ذلك الرجل الغريبة ، لما يساعدهم تنهدت حائرة قبل أن تدخل إلى غرفتها تساعد شقيقتها في تبديل ثيابها ، سمعت من جديد دق على باب الغرفة لتجد رعد يقف أمامها ، ابتسم يغمغم :
- روحي غيري هدومك عشان هننزل أنا وأنتي نشتريلك هدوم أنتِ وملاك ، ملاك خلصت؟
اومأت برأسها تفسح له الطريق ليدخل إلى الغرفة يبتسم لشقيقتها الصغرى حملها بين ذراعيه يضعها على مقعدها يغمغم مبتسما :
- يلا عشان ننزل نفطر يا ست ملاك
ومن ثم رفع رأسه صوب طرب يردف:
- ما تتأخريش
حركت رأسها سريعا ليدفع مقعد شقيقتها بخفة لخارج الغرفة ووقفت هي عدة لحظات قبل أن تقرر الذهاب لغرفتهم في طريقها مرت على غرفة جاسر القريبة في اللحظة التي مرت بها فُتح باب الغرفة وظهر جاسر ، ارتعشت حين رماها بنظرة حادة بعثت في نفسها الرعب ليشيح بوجهه بعيدا عنها كأنه لا يراها يأخذ طريقه لأسفل
على طاولة الإفطار بالأسفل ، أُزيح أحد مقاعد الطاولة ليحل محله مقعد ملاك في المنتصف بين مريم ومقعد فارغ جوارها من الاتجاه الآخر بالطبع لطرب ، وأمامها جلس رعد ووالدته والطفلان الصغيران ... شعرت ملاك بالارتباك بينهم تحرك رأسها للخلف بين الحين والآخر تبحث عن شقيقتها ، لتتسع عينيها فجاءة حين رأته ينزل السلم يوسف ما الذي جاء به إلى هنا ، لم يبدو مندهشا لرؤيتها بقدر دهشتها ، تحرك بخفة يتوجه إليهم ليجلس على المقعد المقابل لها ، هنا أشارت رؤى إلى يوسف توجه حديثها لملاك :
- دا يوسف اللي قولتلك عليه يا ملاك اللي عايش في ملكوت لوحده دا
نظر يوسف إليها لترتبك تنظر للصحن أمامها الآن بالطبع علم أنها كانت تكذب عليه ، اختطفت نظرة سريعة له لتراه يبتسم ساخرا ينظر إليها من طرف عينيه ابتلعت لعابها مرة بعد أخرى ، ارتبكت أكثر حين أقترب رجل طويل القامة له هالة حادة اقترب يترأس الطاولة تشعر به ينظر إليها لتقبض كفيها بعنف متوترة أين شقيقتها الآن ، نظرت لرعد تهمس خائفة:
- هي طرب فين ؟
لما تأخرت طرب صحيح كاد أن يصعد ليراها ، ليجدها تنزل درجات السلم تنظر للجمع مرتبكة هي الأخرى اقتربت من المقعد الفارغ جوار شقيقتها ، توجهت إليه تجلس هناك لتشعر بيد ملاك تقبض على يدها وصوتها تهمس لها خائفة :
- أنا خايفة يا طرب ، أنا مش متعودة على المكان دا ، تعالي نمشي
أين سيذهبون لا مكان لها الآن سوى أزقة الشوارع لو خرجت من هنا ، ربتت على يد شقيقتها تحاول أن تطمأنها ، في اللحظة التالية أصفر وجهها حرجا حين أردف جاسر يوجه حديثه لرعد ساخرا :
- صباحية مباركة يا عريس
ابتسم رعد ساخرا يومأ برأسه يغمغم :
-الله يبارك فيك ، مش هينفع أقولك عقبالك والله
شعر جاسر بالغيظ من طريقة رعد التي تشبه طريقته الساخرة في حقيقة الأمر ليردف ساخرا من جديد:
- ما قولتليش صحيح هتقعد المدام من الشغل بعد الجواز ولا أنت open minded
اغتاظ رعد بشدة من تلميح والده الساخر ليقبض كف يده يشد عليه بعنف يغمغم محتدا :
- جاسر باشا ما اسمحلكش أبدا لا تهيني ولا تهين مراتي
في حين لم يُحرك جاسر ساكنا ظل مكانه فقط كتف ذراعيه أمامه يتشدق ساخرا:
- فين الإهانة بالظبط ، ما رجالة كتير بتسيب زوجاتهم تشتعل بعد الجواز عادي ، آه معلش أصلها شغلانة عن شغلانة تفرق
هنا لم تستطع طرب إن تظل صامتة أكثر من تلميحاته وكلماته الساخرة الحادة كالسيف لتهب واقفة تصرخ فيه بحرقة :
-أرجوك كفاية بقى ، كفاية إهانة أوي كدة ، أنا شوفت اللي يشيب شعر الراس بس عمري ما حسيت بالإهانة والاقتحار زي اللي حسيتهم منك في كام جملة
وقف جاسر من مكانه نظر إليها ثم لولده الذي يقف متأهبا له وكأنه عدوا له وليس أبيه ليردف ساخرا من جديد:
- أنا قولت حاجة غير الحقيقة ، أنا واثق أنك كدابة وأن لسه وراكِ مصيبة وجوازك من رعد غرضه بس أذيته ، لو فعلا مظلومة ابعدي عن حياة ابني وأنا مستعد اجبلك بيت ووظيفة وأديكِ الفلوس اللي أنتِ عيزاها كلها
اشتعلت الدماء في رأس رعد ليتحرك صوب والده يصرخ فيه بعلو صوته:
- إياك ، إياك تهينها ...أنا اللي مانعني من أذيتك بس أنك أبويا ، إنما هي مراتي وكرامتها من كرامتي وأنا مش هسمح لأي حد أنه يهين كرامتها ، أنا قاعد هنا عشان خاطر أمي ، بس قسما بالله كلمة كمان تهينها بيها وهيبقى رعد فعلي وحش أوي
وتحرك صوبها يجذب يدها خلفها لخارج المنزل
يصفع الباب خلفه بعنف ، نظرت رؤى لزوجها حانقة لتقم من مكانها جلست جوار ملاك تربط على كتفها برفق تحادثها بحنو :
- ما تزعليش يا حبيبتي ، عمو مش قصده والله ، كلي يا حبيبتي
حركت رأسها للجانبين بعنف تتساقط دموعها سريعا لتتمتم بحرقة توجه حديثها لجاسر دون أن تنظر إليه :
- حرام عليك طرب غلبانة وشافت كتير بعد موت بابا وماما ، أنت ليه بتكلمها كدة ، ما كنتش موجود ما شوفتهومش وهما بيحبسوها بالأيام من غير أكل وماية ، ما شوفتش عمو عُدي وهو بيضرب فيا لحد ما كانت هتموت في أيده وخلاها تمضي بالعافية على الشيك ، أنت مش حقك تهين أختي
ودفعت مقعدها للخلف تبتعد عنهم لتنظر رؤى إلى مريم تغمغم سريعا:
- قومي وراها يا مريم معلش يا بنتي طيبي خاطرها وأنا هجيبلكوا الفطار في الجنينة
قامت مريم سريعا مشفقة على حال الفتاة تلحق بها لتجلس رؤى على المقعد القريب من جاسر تهمس حانقة :
- ما كنش ليه لزوم أبدا تقول اللي أنت قولته دا قدام أختها الصغيرة والولاد وأنت عارف إن رعد هيتضايق وانت زودتها أوي يا جاسر ، أنت مش سامع أختها ، أنت ليه مش مقدر حال البنت وأنها فعلا كانت مجبورة ، لو كنت ناسي أنا اتجبرت زمان عشان أحمي أهلي وشوفت المر ألوان
رؤى تذكره ببداية علاقتهم الغير سوية إطلاقا كان هو فيها الطرف المؤذي ، ربما لذلك تشعر بالشفقة على الفتاة لأنها تراها مجبرة كما كانت هي مع اختلاف الظروف والأحداث ، مسح وجهه بكف يده قبل أن يقم من مكانه يجذب سترة حلته يتحرك للخارج ، لمح في طريقه ملاك الصغيرة تبكي بين أحضان ابنته مريم ، شعر بالسوء مما قال تنهد بقوة ليخرج متوجها إلى سيارته أخذها وغادر ، قبل أن يغلق الحرس البوابة عبرت سيارة مراد لداخل المنزل ، نزل مراد من المقعد الخلفي يتوجه للداخل ليبصر مريم في الحديقة بين أحضانها فتاة تبكي ، قطب جبنيه متعجبا المشهد أمامه تحرك إليها ليحمحم ما أن اقترب ، انتفضت ملاك من بين أحضان مريم لتهدئها الأخيرة سريعا :
- ما تخافيش يا ملاك دا مراد ابن خالي
نظر مراد لمريم يسألها بعينيه عن من تكون تلك الفتاة لتشير له بأنها ستخبره فيما بعد ، نظر مراد للفتاة من جديد ليرى فتاة جميلة وجهها مستدير بشرتها بيضاء ، وحمرة قانية عند خديها وأنفها من أثر البكاء عينيها زرقاء واسعة ، أتلك هي زوجة رعد؟! ولكن ما تبدو صغيرة للغاية هل أصيب رعدب بمرض نفسي ليتزوج بقاصر ؟! ولكن لحظة تلك الفتاة قعيدة ومريم أخبرته أن رعد تزوج من راقصة وتلك الفتاة بالطبع لن تستطيع الرقص إذا ما الذي يحدث هنا ؟!
لاحظت مريم أن مراد يحدق في وجه ملاك لتشعر بغصة مؤلمة في قلبها ، هل أعجبه شكلها ، ملاك جميلة تفوقها جمالا بدرجات عدة ، حمحمت ليستيقظ مراد من أفكاره المبعثرة يغمغم مرتبكا:
- أنا هدخل ليوسف عن إذنكوا
وتحرك للداخل ليبصر يوسف يجلس على طاولة الإفطار ينظر للفراغ شاردا ، اقترب منه يجلس على المقعد المجاور له يلتقط شريحة خيار يمضعها يغمغم :
- هو ايه اللي بيحصل يا عم يوسف ومالك سرحان في اي
التفت يوسف إلى مراد وجهه له وعينيه شاردة بعيدا قبل أن يغمغم ساخرا:
- فاكر البنت اللي حكتلك عنها اللي كنت بتكلم معاها بقالي فترة على النت
اومأ مراد برأسه بالإيجاب ليبتسم يوسف يغمغم ساخرا:
- طلعت أخت البنت اللي اتجوزها رعد
- أخت الرقاصة اللي اتجوزها رعد
غمغم بها مراد فجاءة مندهشا ، ليقطب يوسف جبينه مستنكرا كيف مراد من الأساس أن رعد تزوج من راقصة ، صوب عينيه عليه يسأله محتدا :
- أنت عرفت منين أن رعد اتجوز رقاصة ؟
ارتبك مراد عدة لحظات يحاول إيجاد حجة مقنعة حمحم يردف :
- من مريم ما أنا قبلتها برة وقالتلي
لم يقتنع يوسف لسببين مريم قليلة الكلام للغاية مع مراد ومريم الآن تجلس مع ملاك شقيقة طرب وبالطبع لن تقل أمامها أن شقيقها تزوج من راقصة ، ضيق حدقتيه يهمس محتدا :
- مراد أنا لو عرفت أنك بتكلم مريم من ورانا حتى لو غرضك جواز صدقني أنا اللي هقفلك فيها ومش هخلي الجوازة دي تتم
قطب مراد جبينه غاضبا ليهمس محتدا :
- ليه بقى أن شاء الله ما أنت نفسك بتكلم بنت وطلعت اخت مرات أخوك ، ولا هو حلال ليك وحرام ليها ، على العموم أنا كدة كدة فعلا ما بكلمهاش عايز تصدق أنت حر مش عاوز أنت بردوا حر ، سلام أنا ماشي
________________
في منزل عمرو وروان ، تحديدا في صالة المنزل جلست روان هناك تغمض عينيها تذرف عينيها الدموع هي المخطئة لما تبكي الآن ، ألم تكن هي من نبذته وهو طفل صغير بسبب إصابتها بالاكتئاب ألم تكن تصرخ فيه كلما اقترب منها يحاول احتضانها ، ألم تطلب من عمرو أن يرسله بعيدا إلى والدها ليعيش معه لأنها لا ترغب في رؤيته ، لا تعرف حتى كيف كان يتحمل طفلها منها تلك الكلمات القاسية ، إصابتها بالاكتئاب دمرت الكثير والصغير لم يفهم وقتها سوى أن والدته تكرهه ، فتحت عينيها تمسح دموعها ...جواد لم يعد للمنزل منذ يومين ، قامت تلتقط حقيبة يدها ستذهب إليه في مكتبه علها تستطيع محادثته
في مكتب جواد ، تحديدا أمام باب المكتب من الخارج وقفت فتاة صغيرة ربما هي في العاشرة على اقصى تقدير تحمل حقيبة بها علب طعام ، توجهت لداخل المكتب تتحرك هنا وهناك تبحث عن شهاب إلى أن وجدته لتقف عند باب المكتب تصيح باسمه بسعادة :
- شهاااب اخيرااا لقيتك
رفع شهاب رأسه عن الأوراق أمامه لتتسع حدقتيه ذهولا حين رأى شقيقته سارة الصغيرة تقف أمامه هب من مكانه يتحرك إليها يغمغم مدهوشا :
- سارة أنتِ ازاي عرفتي تيجي هنا إزاي اصلا ، الطريق بعيد جداا
ابتسمت شقيقته الصغرى ابتسامة كبيرة واسعة تغمغم بحماس :
- اللي يسأل ما يتوهش يا شهوبي ، أنا جيت اديلك أكل عشان عرفت أنك هتتأخر ، فضحكت على حنان وقولتلها اني رايحة عند صاحبتي وجيتلك
رفع يده يفرك جبينه براحة يده تلك الصغيرة ستصيبه بجلطة دماغية نزل إلى مستواها يغمغم حانقا :
- حنان زمان هتموت من الخوف عليكِ ما كنش ينفع تيجي المسافة دي كلها لوحدك أبدا يا سارة ، وبعدين أنا مش عيل صغير هعرف اتصرف ، دلوقتي أنتِ أنا مش هسيبك تروحي لوحدك ، خليكِ اقعدي على المكتب دا على ما اشوف يمكن أعرف أخد إذن
اومأت سارة له تبتسم باتساع لتتحرك إلى مكتبه جلست هناك تؤرجح قدميها تنظر للمكان حولها لتقع عينيها على ليان الجالسة في مكتب قريب منها هي الآخرى تنظر لها ، لتبتسم سارة تغمغم تشاكسها :
- شوفتك على فكرة وأنتِ بتبصيلي ، أنا سارة أخت شهاب الكبيرة بس هو شايفني صغيرة
ضحكت ليان رغما عنها لتمد يدها تصافح سارة تغمغم ضاحكة :
- أنتِ بقى أستاذة بصارة بنفسها
توسعت حدقتي سارة ذهولا لتجذب يدها من يد تغمغم حانقة :
- هو حكالك عني ولا ايه ، طب على فكرة بقى اللي حكالك عني وأنت صدقته جه وحكالي عنك بس أنا هزقته
ضحكت ليان عاليا من طريقة الفتاة الظريفة سمعت ضحكاتها أماندا لتشعر بالغيظ منها ، تحركت تدخل المكتب وقفت أمامها تكتف ذراعيها تغمغم محتدة :
- أنتِ بتضحكي ليه ومش بتشتغلي ، أنا هقول لجواد يرميكِ برة ، أنتِ مالكيش لازمة هنا في الشغل اصلا
أدمعت عيني ليان تشعر بالاحراج من كلمات اماندا الحادة المهينة وشعرت سارة بالغيظ مما تقول تلك السيدة لتنزل من على المقعد وقفت جوار ليان كتفت ذراعيها تنظر لأماندا حانقة تغمغم ساخرة:
- مالك يا طنط يا أم صورم ، ما تسيبيها تضحك هي بتضحك من بوقك ، وبعدين ما تضحكي أنتي كمان ولا خايفة طقم السنان يقع
اتسعت حدقتي اماندا ذهولا مما تقول تلك الفتاة الصغيرة الوقحة صرخت اماندا غاضبة :
- أنتِ قليلة الأدب امشي اطلعي برة بدل ما ارميكي برة ، مين دي وتبع مين
هرع شهاب لداخل الغرفة يقف أمام شقيقته يغمغم سريعا :
- معايا أنا يا مدام أماندا ، خير في ايه ، ايه اللي حصل
صرخت اماندا بوقاحة :
- أنت قليل الأدب واختك قليلة الأدب امشوا اطلعوا برة مكتبي
- دا مش مكتبك يا اماندا دا مكتب جواد ابني وأنت يا دوب شريكة بنسبة 30 في المية مالكيش حق لا تزعقي ولا تمشي أي موظف
التفتت اماندا خلفها لتجد روان والدة عمرو تقف أمامها تناظرها بأعين حادة ، غاضبة
خرج جواد على تلك الأصوات من مكتبه اقترب يغمغم محتدا :
- في ايه دا بقى سوق
اقتربت اماندا منه سريعا تمسك بذراعه تشير لشهاب وليان والفتاة الصغيرة تنتحب باكية :
- بيشتموني في مكتبي جواد مشيهم برة دول ناس بيئة ، كلهم بيئة وقلالات الأدب
هنا تدخلت روان من جديد تغمغم محتدة :
- ما تبطلي كدب بقى ، أنا جاية من برة على صوتك وأنتِ بتشتميهم ومعتبرة المكتب بتاعك وبتطرديهم منه
توسعت حدقتي جواد غضبا لينظر لأماندا غاضبا ينزع ذراعه من يده يهمس لها محتدا :
- استنيني في المكتب ، يلا
تحركت اماندا غاضبة صوب غرفة مكتب جواد في حين نظر جواد لشهاب ليغمغم :
- روح يا شهاب وصل أختك وارجع كمل شغلك
اومأ شهاب يمسك بيد سارة التي لوحت بيدها إلى ليان لتبتسم ليان ابتسامة شاحبة تودعها ، التفت جواد إلى ليان يغمغم :
-أنا آسف يا ليان واوعدك اللي عملته دا مش هيعدي أبدا بسهولة ، اتفضلي ارجعي كملي شغلك
اومأت ليان له تنظر لزوجة خالها تبتسم لها ممتنة ، في حين تحرك جواد لخارج المكتب وكأنه لم ير والدته من الأساس ، تحركت روان خلفه تسرع خطاها إلى أن باتت أمامه لتهمس مدهوشة :
- أنت بتسيبني واسمي عامل مش شايفني يا جواد ، جواد أنا عاوزة اتكلم معاك ضروري
وأنا مش عاوز ، عن إذنك
غمغم بها بيجاد ودون أن يعطيها فرصة للرد تركها وغادر يدخل مكتبه يوصد عليه الباب بالمفتاح من الداخل لتدمع عيني روان ألما ، كما نبذته قبلا ها هو ينبذها الآن
في داخل الغرفة أقترب جواد من اماندا ودون سابق إنذار رفع يده وصفعها بعنف لدرجة أن وجهها التف من عنف صفعته ، لفت رأسها تنظر إليه لترى على شفتيها ابتسامة كبيرة واسعة قامت من مكانها تلف ذراعيها حول عنقه تغمغم سعيدة:
- أنت بقالك كتير ما ضربتش أنا جواد ، لازم أنا اضايقك أوي عشان تضربني !!
تأفف حانقا يحاول إبعاد يديها عن عنقه يغمغم محتدا :
- اماندا اياكِ تشتمي أو تهيني حد من الموظفين تاني فاهمة
ابتسمت باتساع تحرك رأسها بالإيجاب تحاول تقبيله ليبتعد عنها يغمغم حانقا :
- إحنا في الزفت المكتب ما ينفعش هنا ، لينا شقة ، اسبقيني يلا وأنا هحصلك
وقفت على أطراف أصابعها تهمس له بشئ لتتقزز قسمات وجهه ، يحاول ألا ينظر لها مشمئزا ليبعدها عنه يغمغم :
-أنتِ عارفة أنا ماليش في طريقتك الغريبة دي ، أنا لا هضربك ولا هعمل أي حاجة من دي تمام ، اتفضلي بقى
تأففت اماندا حانقة منه تلتقط حقيبتها وتغادر
ليتنفس هو بعمق يحاول التفكير في حل سريع ليتزوج نور !
_______________
أنها الثانية ظهرا الشمس في كبد السماء حارقة وقفت تباشر العمال في الموقع ترفع يدها أمام رأسها تحاول إبعاد أشعة الشمس الحادة عنها ، رآها حسين ليمسك بخوذة صفرا أعطاها لها يغمغم مبتسما :
- حطيها فوق دماغك عشان الشمس
ابتسمت چوري له تشكره توجه أنظارها للمبنى أمامهم تغمغم سعيدة:
- تعرف أنا مبسوطة أول مرة اشوف تصميم ليا وهو بيتنفذ دايما كنت بشوفه في الآخر وفي الصور ، صحيح أنا هتهزق لما ارجع ، بس مش مهم حقيقي قصاد سعادتي دلوقتي
ابتسم حسين يشعر بالسعادة لسعادتها ، رفع يده يشير إلى جزء جانبي يغمغم:
- فاكرة الجزء دا أنا وانتي عملنا تصميمه سوا
اومأت برأسها سعيدة ، التفت حسين لها يغمغم مبتسما:
- بقولك ايه تيجي نتغدا سوا في مطعم سمك جامد قريب من هنا ، نخلص ونروح
وافقت ليطرب قلبه فرحا ، استأذنت منه تتجول في المكان وقفت أسفل طابق قيد الانشاء تحتمي به من الشمس توجه تعليماتها لأحد العمال ، حين سمعت صوت زين يصرخ باسمها مذعورا ، وقبل أن تعي ما يحدث كان يدفعها بعنف لتسقط على وجهها أرضا بعيدا ويسقط حجر ليس بهين على ساقه ارتمى أرضا يصرخ من الألم لتشخص عيني چوري ذعرا قامت من مكانها تهرع إليه تصرخ مذعورة :
- إسعاف بسرعة !
_______________
يجلس في شرفة شقته الجديدة على مقعد نن الخشب يتحرك للامام وللخلف بخفة جواره كوب قهوة ، وفي يده كتاب قديم من مراجع علم النفس ، يضع نظاراته الطبية الشفافة على حدقتيه ينظر لصفحات الكتاب بإمعان ، قبل أن يشعر بالتعب أزاح الكتاب من أمام عينيه يخلع نظارته وضعها جانبا يضجع بظهره إلى ظهر المقعد التقط كوب القهوة يرتشف ما به ، يوجه أنظاره لأسفل ليلاحظ حركة غريبة ، سيارة وقفت ونزل منها عدة رجال ، منهم رجل غريب الشكل ، يتحركون صوب مدخل عمارته ، لا شأن له ، حتى لو صوت المصعد توقف في الطابق الذي هو فيه لا شأن له ، حتى لو سمع دقات عنيفة على باب الشقة المقابلة له لا شأن له ، حتى ولو سمع صرخات لا شأن...
صرخات!! هب واقفا يتحرك صوب باب منزله فتحه ليتحرك إلى باب الشقة المقابلة له يدق الباب بعنف ، هرعت مليكة تفتح الباب لتصرخ تتوسله ما أن رأته :
- الحق زينب يا دكتور جاسر ، ابوها جايب دجال وبيكتفوها جوا
توسعت حدقتيه ليتحرك إلى غرفة الفتاة فتح بابها ليرى رجل زينب تشبهه ليخمن أنه والدها يمسك بحبل يقيد معصمها الايمن ورجل آخر يقيد معصمها الأيسر ليصرخ فيهم :
- انتوا بتعملوا ايه يا مجانين ، بنتك مش ملبوسة ، بطلوا تخلف وجهل
نظر ذلك الرجل صاحب الهيئة الغريب له ليصرخ فيه عله يخيفه :
- اخرج لأخليهم يؤذوك ابتسم جاسر ساخرا ليقترب منه يكتف ذراعيه يغمغم متهكما :
- يلا حضرهم أنا نفسي اتأذي من زمان
اضطربت حدقتي الرجل حين رأى أن التهديد لم يخيفه ليصرخ في والد الفتاة :
- طلع الراجل دا برة يا حج منير ، بنتك مش هتخف طول ما هو هنا ، هو بيقتحم حرمة البيت
مد جاسر يده يقبض على تلابيب ثياب الرجل يجذبه صوبه يغمغم محتدا :
- الشويتين بتوعك دول ما يدخلوش عليا ، اطلع برة على رجليك أحسنلك
نظر الرجل لعيني جاسر عدة لحظات قبل أن يبتسم ساخرا يتمتم :
- ليه كدة يا دكتور جاسر ولا عشان أبوك طردك أنت كمان عايز تطردني أقولك طردك ليه عشان ضربت مصطفى جوز أختك ، دا حتى رفدك من المستشفى ، نصيحة سامر الغلبان هو اللي بيدفع التمن الحقه ، روح شوف حالك وسيبني اشوف شغلي يا دكتور
توسعت حدقتي جاسر ذهولا مما يسمع ليترك ثياب الرجل في حين ضحك الأخير ساخرا !
نظر الرجل لعيني جاسر عدة لحظات قبل أن يبتسم ساخرا يتمتم :
- ليه كدة يا دكتور جاسر ولا عشان أبوك طردك أنت كمان عايز تطردني أقولك طردك ليه عشان ضربت مصطفى جوز أختك ، دا حتى رفدك من المستشفى ، نصيحة سامر الغلبان هو اللي بيدفع التمن الحقه ، روح شوف حالك وسيبني اشوف شغلي يا دكتور
توسعت حدقتي جاسر ذهولا مما يسمع ليترك ثياب الرجل في حين ضحك الأخير ساخرا
كانت لحظة واحدة اهتز ثباته فيها قبل أن يعد كما كان ليقترب من الرجل من جديد ضيق حدقتيه يهمس يتوعده :
- أنا عارف اللي زيك كويس أوي وقابلت منهم كتير أوي ومش كلمتين هايفين زي اللي أنت قولتهم هيخلوني اخاف منك ولا أصدقك ، ألاعيبك أنت واللي زيك مكشوفة أوي وقديمة أوي أوي أوي ، فاطلع برة احسنلك
ضحك الرجل عاليا يكتف ذراعيه أمامه يغمغم متباهيا بذاته :
-بس أنا مش دجال ولا نصاب وكل اللي قابلتهم دول في كفة وأنا لوحدي في كفة أنا فوقهم كلهم
ضحك جاسر يسخر منه يردف متهكما :
- ايه أنت رئيس نقابة الدجالين ولا المندوب الأول لجماعة السحرة ولا تكون اللورد فولدمورت وما ينفعش نقول اسمك
تبادل الرجل وجاسر نظرات تحدي ساخرة قبل أن يحرك الرجل وجه صوب والد زينب يغمغم في هدوء :
-يا تمشيه يا امشي أنا يا أبو زينب ، وجوده هنا مش هيضر بس هيعطلني وبنتك هتتأذي أكتر
هنا تحرك والد زينب غاضبا صوب جاسر يشير له لباب الغرفة يطرده خارجا:
- امشي اطلع برة يا جدع أنت ، اطلع برة على رجليك احسنلك
ابتسم جاسر ساخرا لا يبدو أنه سيغادر بتلك البساطة كما يظنون ، نظر صوب والد زينب ليغمغم بهدوء يتخلله بعض الحدة :
- بص يا عم أبو زينب بنتك مش ملبوسة ولا عليها عفريت ولا جن واللي أنت جايبه دا سواء دجال ولا ساحر ما يفرقوش عن بعض كتير كدابين ونصابين ، وهيأذي بنتك مش هيفيدها بنتك مريضة محتاجة علاج مش محتاجة نفتح الودع ولا نبين زين ، بنتك عندها اكتئاب وميول انتحارية ، ما انتوا لو بتسمعوا عيالكوا وتصدقوهم وتحتوهم مش هيوصلوا للحالة دي
ومن ثم التفت صوب الدجال لتزداد نبرة صوته حدة :
- أنا لحد دلوقتي بتكلم بالحسنى شوية كمان مش هتسمع صوتي اتفضل بقى برة
وعلى عكس المتوقع ابتسم الرجل ساخرا ، تحرك يقترب إليه خطوة وأخرى إلى أن صار أمامه ليهمس ضاحكا :
- تعرف أن أنا قولتها قبلك قبل كدة ، أنا لحد دلوقتي شوية كمان ومش هتسمعوا صوتي من صوت الرصاص
قطب جاسر جبينه يضيق حدقيته ينظر للرجل أمامه ساخطا ، صحيح أنه لم يفهم ما قال ولكن في العرف والعادة الطبيب النفسي هو العدو الأول للدجال الكاذب ، اقترب الرجل منه إلى أن بات قريبا للغاية ليهمس له ساخرا :
- عنيد وأرعن وما بتقدرش اللي قدامك ، أنا ماشي يا دكتور جاسر ، الحالة قدامك اهي عيش حياتك
ومن ثم أخفض صوته للغاية جتى بات أشبه بالهمس يشير بعينيه إلى مليكة التي تقف عند باب الغرفة تنظر لما يفعل جاسر بنظرة ممتنة مطمئنة ليهمس له :
- شايف بتبصلك إزاي ، شيفاك البطل الحامي ، آه لو تعرف اللي جوا عقلك ناحيتها يا حامي الحمى
من جديد تفاجئ جاسر دون أن يظهر اي تعبير على وجهه ، تحرك الرجل لخارج الغرفة تتابعه عيني جاسر إلى أن صار عند باب الشقة رفع يده ليودعه يبتسم ساخرا ، ليبصر جاسر على ذراعه أثر حرق مخيف ليس بهين إطلاقا !!
ومن ثم رحل ، تحركت مليكة سريعا تفك يدي زينب من الحبال لترتمي الأخيرة بين أحضانها تشهق في البكاء ، في حين نظر جاسر لوالد زينب يردف :
- ممكن اتكلم مع حضرتك خمس دقائق برة ولو ما اقتنعتش بكلامي أنا بنفسي اللي هروح اجبلك الدجال دا تاني
زفر الرجل حانقا ينظر لجاسر بغيظ قبل أن يتحرك معه يخرج من الغرفة ولكن جاسر لم يقف بل استمر إلى شقته المقابلة لشقتهم والرجل يتحرك خلفه دخل جاسر إلى الشقة يطلب من الرجل بتهذيب أن يجلس ومن ثم غاب عدة لحظات عاد ومعه كوبين من القهوة وبطاقته الشخصية وضع الاكواب على الطاولة ليمد يده للرجل بالبطاقة الشخصية يغمغم :
- دي بطاقتي أنا دكتور نفسي عشان لو حضرتك عندك شك ، أستاذ سامح مش كدة ؟
حرك الرجل رأسه بالإيجاب ليبتسم جاسر يمد يده له بكوب القهوة يغمغم :
- اتفضل القهوة ، أستاذ سامح معلش في سؤالي ولكن أنا اقسملك أن اي حديث هيدور بينا ما حدش هيعرف بيه أبدا ، والدة زينب علاقتها بيها عاملة إزاي ؟
ظل الرجل صامتا لعدة دقائق يبدو أنه يحاول تجميع جملة هادئة ارتشف من كوب قهوته قبل أن يضعها مكانها نظر لجاسر ليتنهد بعمق يردف :
-والدة زينب ست شديدة أوي من طفولة زينب وهي بتعاملها بقسوة ومهما اتكلمت معاها ما فيش فايدة ، هي دايما خايفة من كلام الناس ، ودا للأسف انعكس على زينب ، زينب لحد الآن بتترعب من والدتها
حرك جاسر رأسه بهدوء الآن الصورة باتت أكثر وضوحا تبقى فقط رد فعل الأب عليه أن يتأكد أنه لن يؤذي ابنته ، تنهد بعمق قبل أن يردف بهدوء :
- بص يا أستاذ سامح ، وأكيد أنت عارف الكلام دا بس خليني اعيده لحضرتك ، الإنسان في طفولته عامل زي النبتة الصغيرة هش ضعيف ، والاهتمام والحب هما اللي بيكبروا النبتة دي ، عودها يشد وتفضل نضرة من الجذر للورق ، إنما القسوة والإهمال والحرمان بتكبر النبتة وبتخلي شكلها جميل من الورق بس إنما لو تبص على جذرها هتلاقيه ميت والساق خاوي مخوخ زي ما بيقولوا ، بنتك قسوة والدتها خلتها بتترعب من كل حاجة مش بس منها ودا دخلها في اكتئاب ومحاولات انتحار ، بنتك محتاجة تحس بالأمان محتاجة حد ياخدها في حضنه ويطبطب عليها ، تخيل مع كل ذعرها من الدنيا دا رايح تربطها في السرير وجايبلها راح شكله مرعب لوحده يطلع من عليها عفريت
رفع الرجل كفيه يخفي بهما وجهه لا يعرف ما يفعل ، ظل هكذا بضع لحظات قبل أن يرفع رأسه لجاسر يسأله :
-طب والعمل يا ابني أنا خايف عليها ، أنا عارف إني قصرت في حقها فترة طويلة وهي صغيرة كنت مسافر عشان اكل العيش وسيبتها لأمها وقسوة قلبها وقولت اهي بتربيها أحسن تربية ولما رجعت والناس كلها بتشكرلي في أدب وأخلاق بنتي كنت مبسوط وفخور ، فعملت مش واخد بالي من أنها بتقعد لوحدها ، بتخاف حتى من الكلام معايا أو مع أمها ، إنها على طول ساكتة وحزينة ، أنا السبب
أدمعت عيني الرجل ينظر لجاسر متحسرا عاجزا ، ليتنهد الأخير بعمق يردف حذرا :
- في حاجة كمان أنا متردد أقولك عليها بس أنا عايز من حضرتك وعد أنك مش هتأذي زينب بأي شكل من الأشكال
حرك الرجل رأسه سريعا يعده ويقسم له ليردف جاسر :
- ابن خالة زينب اللي اسمه فؤاد أخو خطيبها ، كان بيتحرش بيها وهي صغيرة
هب الرجل واقفا توسعت حدقتيه يهتف مصعوقا :
- ايه اللي أنت بتقوله دا ، مستحيل طبعا
وقف جاسر أمامه يحاول أن يهدئه :
- اهدا يا عم سامح ، للأسف دا حصل ، كان بيتحرش بيها وهي طفلة وبسبب معاملة والدتها كانت بتخاف تقولها وخصوصا لما حصل حادثة لحد من جيرانكوا أم حر..قت عشان غلطت على حسب تعبير زينب وجت والدة زينب هددتها أنها لو غلطت هي كمان هتعمل فيها زيها وأسوء ، بنتك عاشت حياتها كلها في رعب بسبب والدتها ، وأنا على تم ثقة أنها ما بتحبش خطيبها زي ما قالتلي وأن والدتها اللي جبرتها عليه ، الخطوبة دي لازم تتفشكل .. بنتك مش هتتحمل تشوف اللي اسمه فؤاد دا في حياتها تاني ، ولازم تكمل علاجها ، ولازم حضرتك تحتويها أرجوك ، وجودك معايا هيوازن المركب ومش هتغرق بيها
هنا انفجر سامح في البكاء لا يصدق ما مرت به ابنته لأعوام ، على ما كان يفخر بأن ابنته تعش في رعب وعذاب نظر لجاسر يسأله عاجزا :
- أعمل ايه يا ابني شور عليا ، أصلح اللي أمها عملته دا إزاي
اقترب جاسر يربت على كتف الرجل يغمغم بهدوء مترفقا بحاله:
- أول وأهم نقطة تبقى جنبها وتحتويها وتطمنها ، بنتك لو اتطمنت هنبقى قطعنا مشوار كويس في علاجها ، وأرجوك ما تكررش موضوع الدجال دا تاني ، ورجاء تاني ما تعرفهاش خالص بموضوع التحرش دا ، والأهم من دا كله أنك لازم تفشكل الخطوبة دي ، وأنا عليا الباقي
اومأ الرجل برأسه سريعا ليترك جاسر ويتحرك صوب شقة ابنته ، فتحت له مليكة الباب ليسرع خطاه صوب غرفة زينب ، لأول مرة ينتبه إلى نظرة الرعب التي تنظر له بها ابنته دوما هو ووالدتها ، أقترب منها يسرع خطاه إلى أن بات جوارها ليجذبها بين أحضانه ، شعر بجسدها ينتفض بين أحضانه ليدرك أنه ربما لم يحتضن ابنته أبدا من قبل!! ، ضمها لذراعيه يقبل رأسها مرة بعد أخرى يهمس بحرقة:
-سامحيني يا بنتي ، حقك عليا يا حبيبتي والله ما هخلي حد يأذيكِ تاني ، وحياة غلاوتك ما هخرجك من حضن أبوكِ تاني
__________
الخامسة عصرا ، حين خرجت من جامعتها أخذتها قدميها إلى المشفى التي يعمل بها والدها علها تقنعه أن يبدل رأيه ويصالح جاسر هي السبب في كل ما يحدث لولا علاقتها الخاطئة بذلك الدنئ زوج شقيقتها لما حدث لها كل ذلك ، خطت في حديقة المستشفى لتبصر السيدة كاميلا تجلس هناك في مكانها المعتاد لم تمنع نفسها من الذهاب خاصة وهي لم ترها من فترة طويلة جداا ، توجهت إليها ترسم ابتسامة صغيرة على شفتيها تحادثها:
- إزيك يا مدام كامليا عاملة ايه وحشاني اوي ، أنا آسفة عارفة إني غبت عنك بس إن الدنيا عاملة تلطش فيا بقالها فترة كبيرة
مدت السيدة كاميلا يدها تربت على يد أريچ تهمس لها مترفقة :
-مالك يا بنتي احكيلي يمكن أقدر اساعدك ، أنا بعتبرك بنتي اللي ربنا عوضني بيها عن بناتي
رفعت مرام وجهها نظرت لكاميلا بأعين دامعة تحاول تغيير دفة الحديث :
- هو حضرتك عندك بنات ؟ ما قولتليش عنهم قبل كدة ، وهما فين ما بيجوش يزوروكِ ليه ، ليه القسوة دي
حركت كاميلا رأسها للجانبين بعنف تغمغم سريعا :
- لا يا بنتي طرب وملاك عمرهم ما كانوا قاسيين عليا ، هما أصلا ما يعرفوش إن أنا عايشة هما فاكرني ميتة منهم لله اللي كانوا حية وتعبان دمروا حياتنا ، المهم أنتِ احكيلي فيك ايه يمكن أقدر اساعدك
اغمضت أريچ عينيها تحرك رأسها نفيا تهمس بحرقة :
- مش هتقدري ، أنا السبب غبائي السبب ، بس والله أنا كنت عيلة صغيرة ما كنتش فاهمة أن دا غلط وأن دي أكبر خيانة ، دلوقتي الكل اتأذى بسببي ، أنا مش عارفة أعمل إيه
كادت كاميلا أن تقول شيئا حين قامت أريچ فجاءة تُسرع خطاها لداخل المستشفى تهرب منها ، في طريقها للداخل سمعت صوت ينادي باسمها التفت خلفها لتجد عمار ودون أن يعطيها فرصة لفعل أي شئ أمسك بيدها يجذبها معه يغمغم :
- المرة دي مش هتهربي يا أريچ ، أنا لازم افهم فيكِ إيه
من الجيد أن مكتبه كان قريبا منهم ادخلها مكتبه ليدخل خلفها وقف أمامها يغمغم ببعض الحدة :
- فيكِ ايه يا أريچ ، ايه اللي حصلك فين البنت اللي كلها نشاط وحماس ، لما كنت ببصلك كنت بحس أنك شعلة حياة فجاءة انطفيتي فجاءة دبلتي ، حصل ايه فهميني
ماذا تخبره ، فكرت لبضع عن سبب لتقوله لو قالت الحقيقة لتقزز فقط من النظر لوجهها ، يكفي ضغط تشعر بأن أعصابها على شفا الانهيار ، انهمرت دموعها تهمس محتدة :
- أنت مالكش دعوة بيا أنت فاهم ، أنا اللي غلطت وأنا اللي لازم اتحاسب على الغلط دا ، أنا استاهل
وانهارت دموعها أكثر ووقف عمار عاجزا عن فهم حالها ، أقترب منها عدة خطوات إلى أن صار أمامها يغمغم يهدئها :
- اهدي يا أريچ مهما كان اللي حصل أكيد ليه علاج وليه حصل ، ثقي فيا واحكيلي وأنا اقسملك هساعدك ، انهارت أريچ على المقعد جالسة ليجلس عمار على المقعد المقابل لها مد يده يمسك بكفها لترفع وجهها إليه حين أردف :
- أنتِ بتأمني بنظرية الثواب والعقاب ، وأن الألم هو اللي بيطهر الروح والجسد من الغلط
قطبت جبينها لا تفهم ما يقول ولكنها شعرت بالقلق من كلمات قالها
مضى ما يزيد عن نصف ساعة قبل أن تخرج مرام من غرفة عمار شاحبة الوجه عينيها زائغة شاردة في كل مكان يتكرر في عقلها كل كلمة قالها وكل حرف سمعته ، لمحت في طريقها ذلك الشاب لا تتذكر اسمه ولكنها رأت جاسر شقيقها في غرفته قبلا لما يبدو كجثة هامدة ، يسنده أحد الممرضين يتوجه به إلى غرفته وخلفهم ذلك الطبيب المدعو سمير ، انقبض قلبها من منظر الفتى البائس الذي يشبه الجثة الحية ، أكملت طريقها لمكتب والدها دقت الباب ودخلت لترى والدها خلف مكتبه ، رفع وجهه عن الأوراق ما أن رآها يغمغم:
- تعالي يا أريچ
اقتربت منه تغمغم سريعا تتوسله :
- بابا عشان خاطري كلم جاسر وصالحه ، جاسر ما ينفعش يبعد عن البيت وما ينفعش حضرتك ترفده من المستشفى ، أرجوك يا بابا
ترك ياسر القلم يده تنهد يغمغم بهدوء :
- جاسر أخوكِ عنيد ومغرور واللي عمله دا غلط كبير ولازم يعترف أنه غلط لكنه عمره ما هيعمل كدة ، يضرب جوز أخته ويطرده يخلي أخته الكبيرة تسيب البيت الساعة 7 الصبح وتحلف ما تدخله تاني من غير حتى ما يحاول يراضيها ، لاء يا أريچ جاسر غلطان ولازم يروح يعتذر لأخته ويراضي جوزها اللي أهانه
ابتسمت أريچ داخلها ساخرة لو يعلم والدها حقيقة زوج شقيقتها لذهب ودق عنقه بدلا من أن يطلب من جاسر أن يعتذر منه !
حاولت مع والدها عدة مرات بلا فائدة ، لتخبره أنها سترحل .. خرجت من المستشفى لتبعت رسالة صوتية لهاتف جاسر :
( جاسر أنا عارفة أنك مش طايقني ، بس نصيحة مني الحق الولد اللي أنت كنت بتعالجه في المستشفى عند بابا ، أنا شوفت شكله دلوقتي مرعب ، شبه ميت .. وشوفت الدكتور سمير دا معاه )
بعثت الرسالة لهاتف شقيقها وتحركت تأخذ سيارة أجرة قبل أن تتحرك السيارة لمحت عمار يقف في شرفة مكتبه ينظر لها يبتسم لتبتلع
لعابها متوترة خائفة يترطم في عقلها جمل متفرقة مما قال ( الألم يا أريچ ليه سحر الدوا في التطهير ، أنتِ محتاجة حد تثقي فيه تسلميله زمام أمرك يكون على دراية كاملة بمصلحتك ويعرف إزاي هيخلصك من شعورك بالذنب والندم ، على العموم أنا موجود دايما لو احتجتي حد تثقي فيه !!)
_____________
قرابة السادسة والنصف مساء في إحدى المولات الكبيرة جلست طرب في ذلك المقهى منذ 3 ساعات تقريبا تنتظر رعد الذي جاءه اتصال مفاجئ من الشركة التي يعمل بها وطلبوا منه الحضور في الحال ، جلست وطال وقت الانتظار وتزاحمت الأفكار السيئة في رأسها أولهم أن رعد تركها ولن يعود وأنه ندم على زواجه منها ، قاطع تلك الأفكار حركة المقعد أمامها لترى رعد قد عاد يعطيها ابتسامة صغيرة يبدو مرهقا قبل أن يغمغم:
-معلش اتأخرت عليكِ أنا آسف جداا ، بس أنا قولتلك لو اتأخرت عن ساعة روحي ، كويس اني اتصلت بالبيت قبل ما اروح عرفت أنك ما روحتيش ، ما روحتيش ليه يا طرب ؟
ارتبكت عدة لحظات قبل أن تهمس متلعثمة :
- خوفت يا رعد ، خوفت أروح وأنت مش معايا ، خوفت من الكل
تنهد بعمق يمسح وجهه بكفي يده الأيام القادمة ستكن حقا متعبة وطويلة ، أبعد وجهه عن كفيه يردف فجاءة :
- تحبي ننفصل في شقة لوحدنا أنا وأنتي وملاك لو هتبقي مرتاحة أكتر بعيد عن كلام والدي لأني عارف أنه مش هيبطل اللي بيقوله دا
ودَّت ولكنها لن تستطع إبعاده عن والدته وأخوته حتى أبيه رغم كلماته السامة إلا أنه يحبه ، حركت رأسها للجانبين تغمغم مرتبكة :
- لاء أنا كويسة ، يومين وهتعود ، يلا نروح إحنا خلاص جبنا كل حاجة ، أنا آسفة أنا كلفتك كتير و....
صمتت حين أمسك بكف يدها نظرت إليه لتراه غاضبا ينظر لها بضيق قبل أن يهمس :
- أنتي مراتي يا طرب ومسؤولة مني من ساعة ما اتكتبي على اسمي مش عايز اسمع الكلام دا تاني لو سمحتي
ابتلعت لعابها تومأ برأسها له بالإيجاب ، طلب رعد الحساب ومن ثم أخذها وغادر اوقفا سيارة أجرة ليجلس جوارها تلك المرة ، انطلقت السيارة بهم وهي تشعر بالتعب والإرهاق ودون وعي لما تفعل أسندت رأسها إلى كتفه تهمس متعبة :
-أنا تعبانة أوي يا رعد ، تعبت من الدنيا واللي بتعمله فيا ما بقتش قادرة أقف قصادها تاني ، سامحني
لم يفهم لما تطلب منه السماح بين الوقت والآخر ، أزاح ذراعه التي تستند عليه ليقع رأسها على صدره لف ذراعه حول كتفيها يهمس يطمأنها :
- خلصت يا طرب من النهاردة مش مطلوب منك لا تقفي ولا تواجهي تاني ، أنا موجود وهفضل دايما جنبك
رفعت رأسها له قليلا ليقابل عينيها الدامعة بابتسامة هادئة أراد أن يقبل جبينها ولكنهم في سيارة الأجرة والسائق من الأساس ينظر غير راضيا لما يفعلان ، اخيرا توقفت السيارة في حديقة المنزل نزلت طرب أولا ومن ثم رعد لحق بها ، دقت الباب ليُفتح من الداخل وتبصر طرب تلك السيدة التي تفرض أن تكن زوجة والدها أمام رعد ، ها هي أمامها تبكي بحرقة وأمامها جاسر مهران ينظر لهما ساخرا !!
____________
في المستشفى وقفت چوري هي وحسين أمام غرفة الطوارئ ، زين هنا منذ ساعات لما تأخروا لذلك الحد ، اقتربت چوري من حسين تهمس له قلقة :
- أنا خايفة أوي يا حسين ليجراله حاجة وهيبقى ذنبه في رقبتي ، هو اللي انقذني
والبتاعة وقعت عليه هو
شعر بالغضب الشديد لخوفها عليه ولكنه لم يعبر عن غضبه فقط غمغم بهدوء:
- إن شاء الله هيبقى كويس
خرج الطبيب من الغرفة اخيرا لتهرع چوري إليه تسأله :
- ها يا دكتور طمني هو كويس
اومأ الطبيب لها يغمغم بهدوء :
- الحمد لله وضعه استقر الجرح كان عميق ونزف كتير يس نحمد ربنا أنه ما اثرش على العضم لدرجة الكسر ، هينقوله أوضة دلوقتي لحد ما يفوق
لحظات وخرج فراش ينقل زين إلى غرفته وقعت عيني چوري عليه وهو راقد عينيه مغمضة جبينه منعقد ، لتقطب جبينها نظرت صوب حسين تهمس له متعجبة :
- تعرف أنه شبهك آه والله ، فيه شبه كبير منك وأنت تعبان !!
____________
في الحي الشعبي عند فاطمة وصفاء ومحمود
جلست فاطمة في غرفتها شاردة عينيها دامعة تحتضن آخر ما تبقى لها من زوجها الراحل قميص له ، تحتضنه وتبكي عادت لوحدتها المريرة السيدة صفاء قضت معها ليلة واحدة ومن ثم سافرت هي وولدها إلى بلدهم حين حدثت حالة وفاة وتركوها وحيدة تتلمس طيف الأهل بين الجدران والحوائط ، احتضنت قميص زوجها إليها تبكي بحرقة ، لم ترد في تلك اللحظة سوى أن تجد من يعانقها ، دق الباب لتقم من مكانها بالكاد ترى الطريق من دموعها فتحت الباب لترى عاصم أمامها كانت في أشد الحاجة إليه ارتمت بين ذراعيه تشهق في البكاء تمسكت بأحضانه تصرخ بحرقة :
- قلبي بيوجعني أوي يا عاصم ، رجعلي نور يا عاصم عشان خاطري رجعهولي أنا ما بقتش قادرة أعيش من غيره
احتضنها عاصم يربت على رأسها لتحرك ليدخلها إلى شقتها ليسمع صوت حاد يأتي من خلفه يغمغم:
- أنت مين يا جدع أنت وايه اللي موقفك هنا
نظر خلفه يدقق النظر لذلك الرجل الغاضب
لتتسع حدقتيه يغمغم مدهوشا :
- محمود
في حين غمغم الآخر مدهوشا هو الآخر :
- مش معقول عاصم
في تلك اللحظة ظهر صوت أنثى يغمغم فرحا :
- واد يا عاصم عامل ايه يا مزغود ما شفتكش بقالي زمن
توسعت حدقتي عاصم ينظر لوالدة محمود ألا تزال تلك السيدة حية ، ها هي تبدو بأحسن صحة ، ضحك ليقترب منها يقبل كف يدها :
- إزيك يا خالتي صفاء ، عاملة ايه وحشاني والله
ضحكت صفاء تربت على كتفه تغمغم :
- وأنت ياض طول عمرك مؤدب وتفهم في الأصول
رفعت وجهها تنظر صوب فاطمة لترى الدموع تغرق وجهها لتشهق بعنف تضرب بيدها على صدرها تركتهم تتوجه إليها تسألها مذعورة :
- مالك يا بت فيكي ايه معيطة ليه ، أنت زعلت أختك يا عاصم ولا ايه
حرك الأخير رأسه بالنفي سريعا يغمغم قلقا هو الآخر :
- والله ابدا يا خالة صفاء ربنا يعلم ، هي بتفتحلي الباب وهي مفطورة من العيال
اخذتها صفاء بين أحضانها تدخل بها إلى شقة فاطمة توجه حديثها لمحمود :
- محمود خد عاصم عندنا واعمله شاي ، تعالي يا فاطمة أما نشوف بتعيطي ليه !
____________
غاضب تلك كلمة قليلة للغاية هو لا يغضب نادرا ما يفعل وحين يغضب ينفجر قدميه على وشك أن تخلع الدعاسات يديه تشد على عجلة القيادة بعنف إلى أن وصل للمستشفى نزل من السيارة يركض لداخل المستشفى متوجها لغرفة سامر ، فتح بابها بعنف ليجد سمير على وشك أن يحقن سامر بذلك المهدي والممرض يقيده له ، دخل إلى الغرفة يوصد بابها عليهم تحرك صوب سمير ودون سابق إنذار لكمه في وجهه مرة بعد أخرى ليسقطه أرضا قبض على عنقه يرفعه عن الأرض يصرخ فيه بعلو صوته :
- يا كلب يا مريض ، هو ذنبه اييييه ، بتنتقم مني في بني آدم مريض بدل ما تساعده وحياة أبويا يا سمير الكلب نهايتك على ايدي إنت فين يا دكتور ياسر ، فين يا سعادة المدير ، أنا هبلغ عنكوا كلكوا !!
تجمدت الدماء تتوقف عن السريان بين خلاياها ، شحب وجهها كالموتى حين رأت تلك السيدة أمامها ، ملاك لا تعرفها وإن قالت ملاك أنها لا تعرفها فقد تدمر كل شئ ، لفت بعينيها سريعا تبحث عن كلام فلم تجدها سمعت صوت جاسر يغمغم ساخرا :
- اتفضل النسب اللي يشرف عندنا ، حماتك هنا
ابتلعت طرب لعابها خائفة تنظر لتلك السيدة مذعورة في حين انفعل رعد يصدح بصوته غاضبا :
- أنتِ عايزة ايه يا ست أنتِ ، أنا مش رميتلك الفلوس اللي أنتِ عيزاها
فتحت تلك السيدة حقيبة يدها تخرج الشيك منها اقتربت من رعد تغمغم ساخرة :
- خد الشيك بتاعك أهو أنا ما صرفتوش واتصل اتأكد من البنك ، بصراحة أنا حسبتها لقيتها خسرانة البت دي كانت بتجيبلي كتير أوي ، زي البير ما بيخلصش إنما فلوسك في الأول وفي الآخر هتخلص ، واديك انبسطت معاها يومين رجعهالي بقى
نظر لطرب ليرى عينيها جاحظة وجهها شاحب مما قالت تلك السيدة ، ليبتسم هو ابتسامة بسيطة هادئة يغمغم :
- تمام وعلى قولك اديني انبسطت يومين ، هاتي الشيك وخديها
شهقت طرب مذعورة تترك يدها من يده لتسارع تلك السيدة التي تؤدي دور زوجة والدها بإعطاء الشيك لرعد أخذ رعد الشيك منها يمزقها إلى فتات صغيرة ، يغمغم مبتسما:
- تصدقي أنا ابن حلال وفلوسي حلال ، أنا كنت مستخسر فيكِ ، شوفي سبحان الله رجعتلي
خدي بعضك واطلعي برة ورجلك ما تعتبش المكان دا تاني خالص
توسعت حدقتي السيدة في حدة لتصرخ فيه بعلو صوتها:
-أنت اتجننت يا جدع أنت ،أنا هاخدها وامشي يلا يا بت قدامي بلا قرف
قبل أن ينطق بحرف آخر ظهرت رؤى اقتربت من تلك السيدة لترفع يدها تصفعها بعنف على وجهها تغمغم بنبرة حادة :
- أنتِ ما سمعتيش هو قالك ايه ، جاية تاخدي البنت عشان تشغليها رقاصة عشان أنتي مش مكفيكي ال 2 مليون جنية ، اديكي خسرتي ال2 مليون وهتطلعي برة دلوقتي حالا ولو شوفتك بتحاولي تقربي من بيتي أو من ابني ومراته تاني هقطعلك رجليكي الاتنين ، مع السلامة
أحمر وجه تلك السيدة غضبا ، تنظر لطرب ترميها بنظرة قاتلة لتصرخ فيها :
- صدقيني هتدفعوا التمن كلكوا
وحملت نفسها ترحل غاضبة عن المكان تصفع الباب خلفها تحركت عدة خطوات أخرجت هاتفها تطلب رقمه انتظرت إلى أن أجاب لتغمغم سريعا :
-ايوة يا عدي باشا أنا روحتلهم وعملت اللي قولتي عليه واديت الخدامة كيس البودرة في الخباثة زي ما قولتلي اي أوامر تانية؟ إحنا خدامينك يا باشا
أما بالداخل ما أن خرجت تلك السيدة انتفضت طرب تهرع إلى رؤى تسألها مرتبكة :
- اومال ملاك فين مش شيفاهها
ابتسمت رؤى في هدوء تربت على كف يدها :
-ملاك مع مريم بيذاكروا في أوضة مريم ما رضتش اقولها أن الست دي هنا عشان ما تخافش واهي غارت في ستين داهية
تنفست طرب الصعداء تبتسم تشكر رؤى ، وقعت عينيها مصادفة في عيني جاسر لتراه يرمقها بنظرة عميقة حادة ، نظرة شعرت بها تقتحم أغوارها ، ابتلعت لعابها تبتعد بعينيها عنه ، اقتربت من رعد تمسك بكف يده تهمس تعاتبه :
- على فكرة أنت خضتني افتكرت أنك هتسيبها تاخدني بجد
ابتسم يلف ذراعه حول كتفيها يميل برأسه صوبها يهمس مشاكسا لها :
- ودي تيجي بردوا يا طرب استغنى عن العروسة في أول أسبوع ، يمكن بعد شهر
امتعضت ملامحها حانقة منه تضربه على صدره ، هي ليست حمقاء رعد يغازلها أمام أبيه ليثير غضب الآخر ، ضحك رعد في حين غمغمت رؤى :
- يا عصافير ، اطلعوا يلا غيروا هدمكوا عشان نتعشى ، رعد استنى عوزاك في حاجة مهمة
حمحمت طرب محرجة لتستأذن منهم تصعد لأعلى ، أما رؤى فاقتربت من رعد تهمس له :
رعد عدي على أوضة يوسف وشوفه ماله ، الواد دا يوم بعد التاني حاله بيسوء أكتر أنا مش عارفة ماله ، وكل ما أسأله يقولي كويس
ابتسم رعد لها يومأ برأسه تحرك ليغادر لتمسك بذراعه تهمس بنبرة لينة تستعطفه :
- مش هترجع تشتغل مع أبوك تاني بقى عشان خاطري أنا ، وأنا أوعدك مش هيضايقك لا أنت ولا طرب بكلمة واحدة ، يا حمار زعيقه معاك كله منكافة عايزك تكلمه تاني أنا عارفة جاسر كويس ، طب أقولك هو اللي كل يوم يقولي قوليله يرجع الشغل ، عشان خاطري أنا ... هو حمزة دا أحسن من أبوك عشان تفضله عليه ، لو بتحبني يا رعد يلا بقى ، احلفك بايه تاني يارب تجيب دستة عيال نصهم ولاد ونصهم بنات لو سمعت كلامي
ضحك رعد على ما ختمت به والدته كلامها ، تنهد يختلس نظرة سريعة صوب والده ليراه ينظر إليهم متلهفا وابتعد بعينيه سريعا ما أن رآه ينظر إليهم ، ربت على كف والدته يهمس لها :
- ربنا يسهل يا أمي ، عن إذنك
تركها وأخذ طريقه لأعلى وقف في منتصف السلم فجاءة ينظر خلفه ليجد والده يقف جوار والدته يوليه ظهره يحادثها بصوت خفيض بالكاد سمعه :
- لسه ما وافقش بردوا ، طب قوليله هرقيه وهزودله مرتبه ، حاولي معاه يا رؤى تاني أنا حاسس إن الشركة قبر من غيره ، رعد بيتشغل معايا من وهو في أولى ثانوي من ساعة ما كنت باخده يحضر معايا الشغل والاجتماعات عشان يتعلم بس
رفعت رؤى عينيها تنظر صوب رعد لتومأ برأسها ، أما هو فتحرك لأعلى قلبه يدق بعنف منذ متى ووالده يتحدث عنه بتلك اللهفة هل حقا وجوده يشكل فارقا لديه لتلك الدرجة على عكس ما كان يتصور ، تنهد بعمق ليجد طرب تخرج من غرفة مريم اقترب منها يمسك بيدها يجذبها لغرفتهم فجاءة لتقطب جبينها تسأله مرتبكة :
- في ايه يا رعد ، طب براحة في اي
ادخلها الغرفة يغلق الباب عليهم بالمفتاح لتتسع حدقتيها وفكرتين لا ثالث يدوران في محور عقلهما أولهما أن رعد عرف الحقيقة وسينتهي كل شئ الآن ، وثانيهما أن رعد يود أن يأخذ حقه الشرعي منها قصرا ولكنها تعرف أن رعد ليس بتلك الدناءة ليفعل ذلك
اقترب رعد منها إلى أن بات أمامها ليمسك ذراعيها بين كفيه يهمس لها حائرا :
- فاكرة أنا حكيتلك عن سبب معاملة جاسر باشا ليا قبل كدة لما جيتلك بليل في شقة مرات أبوكي دي وكنت هنفجر من الوجع فاكرة؟
اومأت برأسها بالإيجاب سريعا بالطبع تتذكر كيف تنسى ذلك اليوم العجيب ، ليقص عليها ما حدث بعد ذلك وما سمعه اليوم انهى كلامه لترى الدموع تتجمع بحدقتيه يهمس حائرا :
- طرب أنا عشت سنين طويلة في عمري ، نفسي اعرف أنا عملت ايه غلط عشان والدي يكرهني ، كنت دايما بشوف حنيته على اخواني من بعيد زي المحروم ولا اليتيم ولما عرفت سبب قسوته اتقهرت أكتر ،بعدت عنه بكل السبل الممكنة بس بردوا ما ارتحتش لسه النار قايدة في قلبي
وكان ردها أعجب مما توقع أن يسمع :
- طب ليه ما فكرتش تأذيه زي ما أذاك تاخد حقك منه ، ترفع عليه قضية حجر مثلا ، هو أنت صحيح مش هتكسبها بس تكون قهرته زي ما قهرك
توسعت حدقتي رعد غضبا مما تقول ، ليجد نفسه يصرخ فيها بعلو صوته:
- أنتِ اتجننتي ايه اللي أنتِ بتقوليه دا ، أنا أعمل كدة في أبويا
هنا ابتسمت طرب تكتف ذراعيها أمامها تغمغم مبتسمة بنبرة هادئة:
- شوفت بقى أنك بتحبه أوي ومش متقبل حتى فكرة اذيته ، رعد والدك بيحبك ، بيحبك أوي كمان ، حتى الكلام اللي بيقوله دلوقتي بيقوله من دافع خوفه عليك ، لو حطيت نفسك مكانه هتعمل أكتر من كدة ، واحد زي جاسر باشا مهران بجلالة قدره لو حب يأذيني مش هيقول كلمتين وإحنا بنتغدا ولا بنتعشى ، لاء خالص والدك الحكايات عنه كتير ، هو خايف عليك مني من ناحية وخايف على زعلك من ناحية تانية عشان كدة مش عايز يأذيني ، طب أقولك هو اللي جاب الكرسي أبو عجل لملاك عشان تتحرك بيه ، سامح والدك يا رعد صدقني إنت نفسك هترتاح ، أشبع منه يا رعد ما تخليش الزعل يبعدك عنه ، أنا نفسي والدي يرجع ولو دقيقة واحدة نفسي اترمي في حضنه واشكيله ، عشان خاطري أنا .. سامح والدك والله هو بيحبك أوي
كل حرف نطقت به تغلغل داخل أعماقه خاصة جملتها ( أشبع منه يا رعد ما تخليش الزعل يبعدك عنه ) تخيل في تلك اللحظة أن والده توفته المنية وهو بعيد غاضب منه لينتفض قلبه وكل جارحة به خوفا عليه ، هي محقة لا يجب أن يبقى غاضبا أكثر ، اشتاق لأبيه وكأنه لم يره منذ أعوام وهو أمامه طوال الوقت ، فكيف أن رحل ... حين نظر لها رأى الدموع تملئ حدقتيها يبدو أنها تذكرت أبيها الراحل ، اقترب منها يعانقها لتتمسك به تنساب دموعها في صمت ليرفع يده يربت على خصلات شعرها يهمس ممتما :
- متشكر يا طرب ، متشكر أوي... أنا آسف بجد إني فكرتك
حركت رأسها للجانبين ابتعدت عنه تحاول أن تبتسم تمسح دموعها بكفي يدها تهمس بنبرة باهتة :
- أنا عمري ما نسيته يا رعد ، أنا هاخد دش وأغير هدومي عن إذنك تحركت صوب المرحاض ليتحرك هو لخارج الغرفة قاصدا غرفة شقيقه يوسف ، ما أن خرج من غرفته رأى والده يتحرك في الممر متجها إلى غرفته ، مر جواره لينظر إليه خلسة يكمل طريقه ... ابتسم رعد يعلو بصوته قليلا يوجه حديثه إليه :
- على فكرة أنا موافق أرجع الشغل لو فيها ترقية
تسمرت قدمي جاسر مكانها توسعت حدقتيه وشق ثغره ابتسامة كبيرة حاول إخفاءه حين التفت خلفه ينظر لرعد حمحم يحاول ألا تبدو نبرة صوته سعيدة للغاية :
- احم تمام ، دي شركتك طبعا ولو عايزني اعتذرلك قدام الموظفين على الموقف اللي حصل ....
قاطعه رعد يردف بنبرة قاطعة :
- ما يرضينيش أنك تعمل كدة ، أنت جاسر باشا مهران
نبض قلب جاسر بعنف وجل ما يريده في تلك اللحظة هو أن يعانق ولده بقوة يخبره كم يحبه ، كم اشتاق له ، اغمض عينيه يتنفس بعنف للحظات قبل أن ينظر لولده يغمغم نادما حزينا :
- أنا آسف يا ابني لو مش عايزني اقولها قدام حد ، فخليني اقولهالك لوحدك ، أنا بجد آسف ، أسف عشان خوفي من الماضي خلى بيني وبينك سد ، أسف عشان خليتك تحس إني ما بحبكش زي أخواتك وربنا يعلم أنك اغلاهم عندي ، أسف على كل مرة قسيت عليك فيها من غير ما تعمل حاجة ، رعد أنا بجد آسف
صمت للحظة يلتقط أنفاسه يحاول ألا يبكي يردف بنبرة تزيد شجنا :
- أنا بدخل كل يوم الشركة وأنا مش طايق الشغل فيها ، عشان عارف أنك مش هتخبط الباب وتدخل ، مع كل خبطة على الباب بفتكرك أنت ، لما كنت بتسيب البيت وترجع آخر الليل وتجري أمك واخواتك يحضنوك ، كنت ببقى هموت واخدك في حضني زي ما أنا دلوقتي هموت واخدك في حضني ، حقك عليا يا ابني
انهمرت الدموع من عيني رعد وكلمات طرب تتضارب في عقله مع كلمات والده ، تحرك صوب والده إلى أن بات أمامه ظل واقفا أمامه للحظات قبل أن يرتمي بين أحضانه ، لف جاسر ذراعيه حول جسد ولده يعانقه بقوة يشدد على وجوده بين ذراعيه لم ينطق أي منهما بحرف ، بعد مدة طويلة ربما ، ابتعد رعد عن أحضان والده رفع يده يمسح دموعه يهمس له:
- أنا مسامحك يا بابا عن كل اللي فات ومش مستعد اقضي يوم وأنا بعيد عنك بسبب الزعل اللي بينا ، بس أرجوك عشان خاطري عامل طرب كويس صدقني هي ضحية ومالهاش ذنب في حاجة أنا ...
قاطعه جاسر يردف بنبرة هادئة :
- أنت بتحبها يا رعد ؟
تنهد مرتبكا يبتعد بعينيه بعيدا عن والده ابتلع لعابه يهمس متوترا :
- ايوة يا بابا ، أنا بحبها ... بحبها أوي ، كانت جنبي في كل لحظة صعبة عدت عليا الفترة اللي فاتت ، اتعلقت بيها ... يوم ما قولت هخرجها من حياتي ما قدرتش اسيبها ، ما قدرتش أبعد
- ولو طلعت بتضحك عليك يا رعد
قالها جاسر ليلتفت رعد له يقطب جبينه يغمغم متعجبا :
- تضحك عليا ليه ؟ هي قالتلي كل حاجة واديك شوفت مرات أبوها بعينيك ست بشعة
كانت بتستغلها بالعافية ، أنا واثق فيها ... طرب مستحيل تكون بتضحك عليا
أغلقت شق الباب الصغير التي كانت تشاهد منه ما يحدث بين رعد وأبيه لتضع يدها على فمها تنهمر دموعها جلست خلف الباب المغلق تبكي ، رعد يحبها يثق بها ، وهي في المقابل لا تحبه وتخدعه ، رعد يسعى لحمايتها لأقصى درجة وهي هنا لتؤذيه ... شعرت برغبة ملحة في التقيأ تشعر بالاشمئزاز من نفسها ، هرعت إلى المرحاض تتقيأ أمام حوض الغسيل بعنف ، سمعت صوت الباب ظنته رعد ولكنه حين اقترب رأت والدته التي هرعت إليها تسندها تغمغم قلقة :
- مالك يا بنتي فيكِ ايه
لم ترد فقط انحنت تخرج كل ما في جوفها تستند على كف رؤى التي تمسك بها جيدا ، ما أن انتهت فتحت الصنبور تغسل فمها ووجهها جيدا ... اسندتها رؤى إلى خارج المرحاض تُجلسها على طرف الفراش تسألها قلقة :
- أنتي كويسة يا بنتي؟ تحبي اطلبلك دكتورة
حركت رأسها للجانبين تهمس :
- لاء أبدا ، هو بس الأكل بتاع المطعم ما كنش نضيف وكان واجع معدتي أوي ، كويس أنه خرج
ابتسمت رؤى تمسح على رأسها برفق لترفع طرب رأسها إليها تبتسم مجهدة لتردف رؤى :
- قومي يا بنتي يلا عشان نتعشى ، لو مش قادرة تاكلي اشربي حتى شوية شوربة لسان عصفور وأنا هعملك نعناع ، عمك جاسر دكتور على فكرة لو مش عارفة أنا لما أنزله هسأله على مسكن كويس لمعدتك
اومأت برأسها محرجة ، لتتحرك بصحبة رؤى إلى أسفل ... على طاولة الطعام جلست جوار رعد الذي لاحظ شحوب وجهها ليهمس لها قلقا :
- أنتِ كويسة وشك أصفر ليه كدة؟
- بطني وجعاني ، تقريبا الأكل ما كنش نضيف
همست بها بصوت خفيض محرج ، لتأتي والدته في تلك الأثناء تضع كوب من المشروب الساخن أمامها :
-خدي يا حبيبتي اشربي النعناع
خافت ملاك على شقيقتها لتهمس لها مفزوعة :
- مالك يا طرب أنتي تعبانة ولا ايه
ابتسمت الأخيرة تحرك رأسها للجانبين تردف تطمأنها :
- لاء يا حبيبتي معدتي بس وجعاني شوية ما تقلقيش
انتظرت تعليق ساخر من والد رعد ولكنه لم يفعل يبدو أن منظرها المزري جعله يشفق عليها ، أما رؤى فنظرت لجاسر تغمغم :
- جاسر أكيد تعرف مسكن كويس
ترك المعلقة من يده ينظر صوب زوجته يغمغم :
- مسكنات المعدة ما فيش أكتر منها في بيتنا يا حبيبتي مش معقول نسيتيهم كلهم ، على العموم لو عايزين حاجة سريعة تنجز معاكوا عندك حقنة ....... هتلاقيها في الصيدلية الصغيرة اللي في الأوضة
______________
التاسعة والنصف مساء في حيهم الشعبي القديم ، عاصم لازال يجلس في شقة محمود يتحدثان عن كل ما فات في حياة كل منهم ، فضول محمود أراد أن يعرف وبشدة عن ذلك الرجل المدعو نور ، زوج فاطمة الأسبق الفتاة التي كانت على وشك أن تصبح زوجته لولا ظروف سفره المفاجئة ، حمحم يغمغم حَذِرًا :
- بس فاطمة شكلها حزين فعلا ، شكلها مختلف عن زمان ، أنا أول مرة شوفتها فيها ما عرفتهاش شكلها مختلف وحتى طريقة لبسها وكلامها
تنهد عاصم بحرقة يضع كوب الشاي من يده على الطاولة يردف يتحسر على حال شقيقته :
- فاطمة شافت كتير أوي في فترة قليلة بداية من وفاة أمي اللي كانت متعلقة بيها جداا ، انهارت وقتها ورفضت الأكل والشرب وكانت بتموت ، بس وجود نور جنبها خلاها تعدي الأزمة دي ، نور دا جوزها وكانت بتحبه جداا وهو كمان كان بيحبها جداا ، ربنا يرحمه يارب
بعد وفاة والدتي ب أربع شهور للأسف نور توفى في حادثة عربية كانت صدمة كبيرة على فاطمة ما قدرتش تستحملها ، كانت بتموت حرفيا رغم كدة رفضت تسيب بيت جوزها لأنها كانت حامل وبسبب الضغط والزعل للأسف الجنين مات ، بعدها فاطمة حاولت تنتحر كذا مرة ودخلت في حالات صعبة من الانهيار كانت عايشة على المهدئات اللي بيكتبهالها دكتور نفسي وبعد شهور ، طلب مني إني اخليها تسافر أي مكان بعيد تريح فيه أعصابها ، حاولت اسافر معاها ولكنها رفضت وأصرت تسافر لوحدها ، وللأسف من شدة الألم فاطمة بدأت تفقد إيمانها تحت جملة أنا عملت ايه عشان اتعاقب وبدأت تتمرد على كل حاجة هي اتربت عليها ، بتعاند مين ؟ هي ما بتعاندش غير نفسها الحقيقة وأنا حقيقي مش عارف اعمل ايه ، بس تعرف أنا انبسطت حقيقي لما شوفت والدتك لأن فاطمة كانت ولا تزال بتحبها جداا زي والدتها والست صفاء ست شديدة ما يعجبهاش الحال المايل ، فيمكن هي اللي تصلح حالها
حرك محمود رأسه يوافق ما يقول عاصم ، يشعر بغصة مؤلمة في نفسه حين سمع ما عانت مسكينة فاطمة لاقت الكثير ، سمعا كلاهما صوت السيدة صفاء وهي تنادي بعلو صوتها :
- يا محمود ، يا عاصم يلا ياض أنت وهو الأكل ، الفطير سخن
ضحك كلاهما ليتحركا معا إلى خارج شقة محمود متوجهين إلى شقة فاطمة دخل عاصم أولا يبحث بعينيه عن شقيقته ليراها تجلس جوار السيدة صفاء أرضا جوار الطاولة ذات الأقدام القصيرة ( الطبلية ) ليتذكر حين كان يلتف هو وأخوته ووالديه حولها لتناول الطعام ، كان الطعام بسيطا ولكنه ألذ ما تذوق في حياته ، والآن وقد بات يملك الكثير لا يجد لذة الماضي في أي شيء تحرك يجلس جوار شقيقته يجذب رأسها إلى صدره يربت على كتفها برفق يهمس لها :
- تعالي روحي معايا يا فاطمة ، مش هطمن عليكِ وانتي لوحدك هنا
كادت فاطمة أن ترفض ولكن الرفض جاء من السيدة صفاء نفسها قاطعته تعلو بصوتها محتجة :
- وأنا خيال مآتة مش مالية عينك ياض يا عاصم ولا ايه ، أنا غبت عنها عشان حالة وفاة بس خلاص كل العيلة اتكلت على الله ، آخر ما فيهم ربنا يرحمه ، وأنا من الليلة دي هنقل أقعد معاها والواد محمود أهو في الشقة اللي جنبي مش هيتوه وورشته تحت البيت
نظر عاصم لصفاء يغمغم يترجاها قلقا على شقيقته :
- خلي بالك منها يا خالة صفاء بالله عليك ، ولو احتجتوني في اي وقت رقمي معاها ومع محمود من أول رنة هتلاقوني قدامكوا
ابتسمت صفاء تربت على ذراعه تغمغم مبتسمة:
- طول عمرك حنين يا عاصم ، ما تخافش عليها يا ابني أنا هظبطلك صواميل مخها اللي هوت دي ، ما تاكلوا الأكل هيبرد ، الفطير لو برد هقومكوا واحد واحد يسخنه من أول وجديد
ضحك كلا من عاصم ومحمود في حين ابتسمت فاطمة حزينة مرهقة ، اعتدلت جوار شقيقتها تلتقط بضع لقيمات عينيها شاردة في اللاشئ وعيني محمود شاردة فيها يتنهد حزينا على حالها بين الحين والآخر ، أما صفاء فامتعضت حانقة تغمغم في نفسها :
- شوف الواد ابن بطني متنح فيها إزاي ، أخوها قاعد يا موكوس ، والنبي شكلها لسه بتحبها ياض وماله دي طمطم دي حبيبتي وقريب تبقى مرات ابني وأم ولاده ، بس الموضوع دا محتاج تكتيك ويتسوى على نار هادية عشان نفسية البت بردوا
____________
أما هناك في المستشفى فصوت جاسر وهو يصرخ بعلو صوته يسب كل من في المستشفى تقريبا لم يتوقف سوى قبل بضع دقائق ، وها هو هنا في مكتب ياسر يقف يلهث من العنف وعلى المقعد أمامه ذلك الطبيب المدعو سمير تكاد لا ترى وجهه المكدوم ، أمامه جاسر يصرخ فيه:
- أنت لسه شوفت حاجة دا أنا هفضحك في كل حتة ، لاء مش كفاية دا أنا هخلص عليك بإيدي ، تطلع كرهك فيا فيه ليه ، أنت ما عندكش ضمير ، هو ذنبه ايه ترجعه للصفر ليه
أنا هوديكوا كلكوا في ستين داهية
هنا تدخل ياسر يحادث جاسر محتدا :
- دكتور جاسر دي مسؤوليتي أنا وأنا اللي ملزوم احاسبه على الجريمة دي ، ومن غير تهديداتك أنا هاخد معاه الإجراءات القانونية اللازمة وعليه هيتم شطبه من النقابة ومنعه من مزاولة المهنة مرة تانية
التفت جاسر لياسر والده يصرخ فيه :
- وما حسبتوش من الأول ليه ، ما خدتش بالك يا سيادة المدير من اللي هو بيهببه ليه ، أنا هاخد سامر وقول لاء وأنا هبلغ عن الكل وأنت أولهم وجاسر مهران يجي يشوف اللي بيحصل في المستشفى بتاعته ويحاسب الكل
احتدت حدقتي ياسر غضبا ليقترب من جاسر يصفعه بعنف يصرخ فيه:
- أنت اتجننت يا ولد ، أنت بتعلي صوتك عليا وبتهددني كمان ، اعمل اللي تعمله وأعلى ما في خيلك اركبه
نظر جاسر لوالده عدة لحظات قاتما غاضبا ، اندفع لخارج الغرفة صوب غرفة سامر يفتح دولاب ثيابه يخرج ما به من ثياب يضبها في حقيبته بعنف ، والأخير بالكاد يفتح مقلتيه جسده خامل ضعيف للغاية ، اقترب جاسر منه يحقن وريده بمصل ما وأكمل ضب أغراضه دقائق وبدأ سامر يشعر بجسده يستفيق من حالة الهزال تلك لم يعد لحالته الطبيعية ولكنه أفضل كثيرا مما كان عليه ، استطاع أن يتحرك ويقف ، اقترب جاسر منه يغمغم :
- يلا معايا ، أنا كلمت والدك وهو هيحصلنا على العنوان اللي قولتله عليه
لم يعترض الأخير فقط تحرك جوار جاسر إلى سيارته بالخارج ، جلس جواره ليقود جاسر السيارة بعنف يبتعد عن المستشفى ، التفت إلى سامر يسأله :
- حاسس بإيه ؟
اسند الأخير رأسه إلى زجاج النافذة يهمس بنبرة فارغة من الحياة :
- مش عارف ، في ألف شعور بيتخانق جوايا كلهم عايزني انتحر ، كل الأصوات اللي في دماغي عيزاني أموت ، وماما كل شوية تجيلي تقولي أن أنا السبب في موتها وأني لازم أموت زيها عشان أكفر عن ذنبي
وكما توقع ما بناه في أسابيع نسفه ذلك الدنئ في أيام ، عاد سامر لنقطة الصفر ... وعاد الإكتئاب أشرس مما كان ، وبدأ عقله في الهجوم من جديد بعد أن كان اكتسبه صديقا ها هو ينقلب عدوا من جديد واعتى مما كان ، تنهد قلقا أراد أن يقف بسيارته أمام أحد المقاهي ليرى رد فعل سامر وفعل ، توقفت السيارة أمام مقهى كبير نظر لسامر يحاول أن يغمغم بنبرة الصديق الودودة :
- ما تيجي ننزل نشرب قهوة ولا كابتشينو أبو رغوة دا
ولكن سامر لم يُبدي أي رد فعل وفي تلك الحالة فصمته رفض ، أدار جاسر محرك السيارة إلى أن وصل إلى منزله يحاول أن يجد ما سيقوله لوالد سامر ، حتى لا يصيب أبيه الضرر على كل حال هو لم يكن ليؤذيه أبدا
حين وقفت السيارة رأى والد سامر ينتظره أمام العمارة أغلق السيارة على سامر ونزل هو منها اقترب من والد سامر الذي بادر يسأله متلهفا :
- في اي يا دكتور ، ماله سامر قلقتني ، هو ما نزلش ليه
ابتسم جاسر تنحنح يغمغم بنبرة هادئة نوعا ما :
- للأسف أنا الأخبار اللي عندي مش كويسة ، أنا كنت دايما في تواصل مع حضرتك وببلغك.بآخر تطورات حالة واللي كان بدأ يعيش حياته بشكل طبيعي نوعا ما ، ولكن للأسف أنا اضطريت أسافر لمؤتمر عاجل في لندن وحصل خطأ من الدكتور البديل في جرعات الأدوية اللي بياخدها ، دكتور ياسر أول ما عرف حول الدكتور للتحقيق وفصله تماما لأن دي خطأ جسيم حتى خلاني قطعت المؤتمر ونزلت على طول ، فللأسف الحالة تراجعت بضع خطوات للخلف وعليه أنا اقترحت على دكتور ياسر إني اخرجه من المستشفى أفضل ، هو وافق بس قالي طبعا لازم أخذ إذن حضرتك ، فأنا بستأذن حضرتك أن سامر يفضل عندي أنا شقتي هنا في الدور السادس ، ما تقلقش سامر مش أول حالة استخدم معاها الأسلوب دا ، وكلهم خفوا الحمد لله ، وطبعا لحضرتك مطلق الحرية للقبول أو الرفض
طريقة جاسر المنظمة الهادئة السلسة بالإضافة لسمعته الشهيرة ناصعة البياض جعلت الرجل يوافق :
- ماشي يا إبني أنا موافق ، بس أنا ينفع أجي كل وقت التاني اطمن عليه
اومأ جاسر برأسه يردف مبتسما:
- أكيد طبعا ، ومتشكر لموافقة حضرتك
بعد حوار بسيط رحل الرجل وعاد جاسر إلي السيارة يفتح الباب المجاور لسامر يغمغم ضاحكا :
- ايه يا عم أنت عجبتك القعدة في العربية ، يلا يا أبو الصحاب .. انزل يا عم
لم يبدي سامر رد فعله سوى أنه نزل من السيارة ، أغلق جاسر الباب يسير جواره إلى مدخل العمارة إلى المصعد هناك أمامه رأى مليكة ومعها زينب ، ينتظران المصعد ... لكزت زينب مليكة تشير لها إلى جاسر خفية لتحمحم الأخيرة مرتبكة ، أما جاسر فبادر يغمغم مبتسما :
- بنسوار يا آنسات ، طلتكم الليلة بديعة ...
ضحكت الفتاتان من السهل إضحاك الفتيات أما سامر فابتسم ساخرا يتهكم منه :
- دا فيلم عربي قديم دا
جاء المصعد وصعد أربعتهم للداخل التفت زينب لجاسر تشكره :
- أنا متشكرة يا دكتور جاسر على اللي عملته بجد شكرا
نظر جاسر لساعة يده يغمغم:
- الشكر الوحيد اللي عايز اسمعه منك ، أنك تبقي في العيادة بعد نص ساعة والدك هيسبقك على هناك لسه مكملني
حركت زينب رأسها ، دق هاتف جاسر برقم مساعدته حين انفتح المصعد أجاب :
- أيوة يا مدام عبير ، تمام لاء هما الثلاثة المترحلين من اليوم الملغي الآنسة زينب ، ومدام رقية ، ووليد ... كشف جديد ، طب خليه يجي يوم الأحد ... خلاص يا مدام عبير خليه طلاما مصر أنا نص ساعة وهبقى في العيادة مع السلامة
أغلق الخط يفتح باب شقته بالمفتاح ، دخل هو وسامر ما أن أغلق جاسر الباب قذف حقيبة الثياب على سامر يغمغم حانقا :
- أنا تحفل عليا قدام البنات على فكرة دي بتجيب صريخ ضحك دي لولا أنك بوظتها ، أهل دول وأصحاب ولمة صحيح
ابتسم سامر لامبالايا يضع الحقيبة أرضا توجه يجلس على أقرب مقعد يغمض عينيه متعبا جسده بالكامل يؤلمه
مفعول ذلك المصل الذي أعطاه إليه جاسر بدأ يختفي تدريجيا وبدأ يشعر بالخمول ينهش جسده من جديد ، تحرك جاسر إلى المطبخ يحضر له كوب عصير يضع به مهدئ بنسبة قليلة ، عاد إليه يمد الكوب له ليأخذ الكوب الآخر يغمغم ساخرا:
- اشرب يا ابني ما تقلقش مش حاططلك فيه حاجة أصفرة ، لو كان مكانك بنت من اللي قدامنا كنت حطيت فيه حاجات أصفرة وأخضرة وأحمرة
التقط سامر كوب العصير يرتشف ما فيه يغمغم ساخرا:
- أكيد قصدك على البنت أم شعر كيرلي أصل عينك ما نزلتش من عليها
ضحك جاسر عاليا يرتشف ما بقي من كأسه يغمغم :
- في دفاعي عن نفسي ، دي مش حالة عندي ، صاحبتها هي اللي حالة عندي وأنا ما بصتش لصاحبتها شوفت بقى أنا محترم إزاي
ابتسم سامر ساخرا يشعر بالخمول ، ليمسك جاسر بيده يرشده إلى غرفة نوم للضيوف يغمغم :
- الباب اللي قصادك دا ، أوضة نوم للضيوف ... ادخل نام ولما تقوم ابقى رتب حاجتك ، أكيد مش مستنى مني إني ارتبهالك ، ما أنا مش الفلبينية
لم يبتسم ربما لم يصل إليه معظم ما قال جاسر
والخمول يشوش عقله ، ساعده جاسر على الوصول للغرفة ، لم يكذب جاسر حين قال انه استضاف العديد من الحالات من قبل والغرفة معدة لذلك ، لا آلات حادة بها ، النافذة محكمة الغلق ، الطاولة والمقاعد ودولاب الثياب يلتصقون في الأرض من الصعب للغاية تحريكهم ، نظام إضاءة الغرفة آمن لأبعد حد
في كل شقة مكث فيها عمل على وجود غرفة مشابهة تحسبا
خرج جاسر من الغرفة يغلق بابها من الخارج بالمفتاح في الأغلب لن يستيقظ سامر الليلة ولكن تحسبا ، تنهد بعمق يحاول تصفية ذهنه .. سامر يتفاعل مع بعض المحفزات الخارجية الحالة لم تنهار تماما ... جيد
لا شبهه على والده ... جيد
الآن في جدوله
مصطفى زوج شقيقته عليه أن يصل لحقيقة ذلك الوغد
أريچ عليه أن يتقرب منه أكثر يشعر بأنها لا تزال تخفي الكثير
والعديد من الحالات التي تحتاج لمساعدتهم
وسامر بالطبع
وانتهى الجدول
ولكن مهلا مليكة كيف نسي أنه يخطط للانتقام منها ،تلك الفتاة على أغلب تقدير سيعالجها بدلا من أن يثأر منها تبدو محطمة أكثر من زميلتها ولكنها تغض الطرف عن حطام نفسها ، خرج من المنزل يستقل سيارته إلى العيادة ، وصل بعد دقائق قليلة يأخذ المصعد ، ما أن دخل إلى العيادة ألقى التحية على الجميع تحرك يدخل إلى غرفة الكشف ليسمع صوت يأتي من خلفه:
- دكتور جاسر
صوت أنثوي لا يتذكره نظر خلفه ليجد فتاة تقترب منه تعانقه تغمغم سعيدة:
- وحشتني يا حبيبي !
______________
عودة لمنزل جاسر مهران
مشهد طرب حين هبت واقفة تغمغم متوترة :
- لالالا حقن ايه أنا كويسة جداا
كان حقا هزليا مضحكا ، نظر جاسر إليها لينظر لولده يغمغم ساخرا:
- هي في تالتة ابتدائي
ضحك جاسر يحرك رأسه للجانبين يغمغم ضاحكا:
- لا والله البطاقة بتقول أنها كبيرة
شعرت بالغيظ حين بدأوا يسخرون منها لتعاود الجلوس من جديد تضع ساقا قوق أخرى تغمغم بإباء :
- على فكرة أنا ما بخافش عادي يعني
نظرت ملاك إليها ترفع حاجبيها ساخرة وكأنها تقول حقا ؟! لترميها طرب بنظرة حادة لتضع يدها على فمها تضحك ساخرة ... لاحظت نظرات يوسف إليها لتحمحم مرتبكة توجه أنظارها لطبقها ، لم تكن هي فقط من لاحظت نظرات يوسف إليها فحين نظر رعد ليوسف رآه ينظر صوب ملاك بطريقة غريبة ، قطب جبينه متعجبا لما ينظر يوسف لملاك وكأنه يعرفها ؟!
بعد قليل سيعرف
انتهوا من العشاء ليصعد كلا إلى غرفته تنفست طرب الصعداء حين دخلوا إلى غرفتهم العشاء مر على خير ، والد رعد لم يسخر منها كعادته ، رؤى والدة زوجها بدت سعيدة للغاية تكاد تبكي من الفرح وهي تنظر لرعد وهو يتحدث مع والده بإنسجام ، طوال مدة العشاء وهما لم يتوقفا عن الكلام بشكل أسعدها وأسعد الجميع ، والأهم نسيوا موضوع الحقنة ولكن في اللحظة التالية دخل رعد إلى الغرفة يمسكها في يده يغمغم متعجلا يغلق الباب عليهم :
- طرب بسرعة بالله عليكِ عشان عاوز الحق الواد يوسف قبل ما ينام ، عايزه في موضوع مهم قولتله ما تنامش قالي معاك عشر دقايق وهكون بحلم بالفيزيا ومعادلات كريشوف
توسعت حدقتي طرب رعبا انفعلت تغمغم غاضبة :
- أنت ايه يا عم أنت سلق البيض دا ، خلاص أنا كويسة شكرا مش عاوزة
نظر لها يرفع حاجبيه يغمغم ساخرا :
- شوف مين اللي كانت بتقول تحت أنا ما بخافش على فكرة عادي
حمحمت ترفع رأسها تحاول تمثيل الشجاعة تغمغم :
- على فكرة ايوة ما بخافش
- اثبتي
غمغم بها بابتسامة واسعة ، لتشد على قبضتها تتنفس بعمق تحاول أن تهدأ خاصة حين رأته يبتسم ساخرا شامتا ، تسطحت على الفراش توليه ظهرها قلبها يدق بعنف تقبض على الوسادة جوارها ، اقترب منها يزيح جزء صغير للغاية من ثيابها لا يتعدى السنتيمترات لتبتلع لعابها تهمس خائفة :
- أنا جبانة قسما بالله وبخاف
ضحك عابثا لتتأوه حين شعرت بوخزة السن يخترق جلدها للحظات قبل أن ينزع السن ، مال على أذنها يغمغم ساخرا :
- يلا يا جبانة ، دا أنا همسكها عليكي ذلة قدام عيالنا وأقولهم ماما جبانة بتخاف من الحقن يا حبايبي
نظرت له لتختفى ابتسامته ويرتبك ويصمت ، أطفالهم !! ابتلع لعابه يردف متلعثما :
- أنا مش قصدي ، يعني لو كملنا يعني ، أصل ماما بتقولي انها افتكرتك حامل لما شافتك بترجعي بس رجعت قالت دول متجوزين بقالهم كام يوم ، هو انتي مش حابة يكون بينا أطفال
لم يعرف ما يقول من كل قصيد كان يجلب بيت ويضعه جوار بيت من قصيد آخر ، أما هي فادمعت عينيها وتذكرت الكابوس التي أخذ رعد فيها طفلها يخبرها أنها لن تراه أبدا ، أغمضت عينيها تهمس :
-رعد معلش أنا مش قادرة اتكلم، الحق يوسف ، أنا تعبانة أوي ... شكرا على الحقنة أيدك خفيفة
قطب جبينه لا يفهم ما بها ، وشعر بالغضب من تجاهلها كلامه ليتحرك لخارج الغرفة ، توجه لغرفة يوسف قبل أن يدخلها رأى يوسف يتسلل خارج غرفة ملاك !!