![]() |
رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل الخامس عشر
تنظر إلي شاشة الأشعة التليفزيونية و تسألها هذه السيدة التي تتمدد علي السرير:
"ها يا دكتور، بنت و لا ولد؟".
ابتسمت علياء و أجابت:
"بنوتة إن شاء الله".
شهقت الأخري و ضربت بكفها علي صدرها بنواح:
"بنت!، يا خراب بيتك يا نعمة، الراجل خلاص هيروح يتجوز عليا".
تركت الأخري ما في يدها جانباً و نظرت إليها عاقدة ما بين حاجبيها، فسألتها بتعجب:
"إيه علاقة إن ربنا هيرزقك ببنوتة و ما بين جوزك عايز يتجوز عليكِ؟".
نظرت السيدة بحزن إليها و أجابت:
"حضرتك زي ما أنتِ عارفة معايا بنتين، و اللي في بطني تبقي التالتة، و حماتي حسبي الله نعم الوكيل فيها كل شوية تعايرني هي و سلفتي في الراحة و الجاية، يقولوا لي يا أم البنات، و لما حملت حماتي سمعتها بتقول لجوزي لو طلعت بنت هجوزك واحدة تجيب لك الواد، و الله ما بكدب عليكِ يا دكتورة علياء".
كانت تستمع إليها و تتعجب إنه مازال هناك من يفكر بتلك الطريقة التي لا تنم سوي عن الجهل و الرجعية و عدم الإيمان بما قسمه الله.
عادت بظهرها إلي الخلف و قالت إليها:
"مصدقاكِ يا نعمة و ورد عليا حالات زيك كتير،
عشان كدة عايزاكِ المرة الجاية تجيبي معاكِ جوزك و حماتك و أنا ليا كلام معاهم".
نظرت إليها بتوجس قائلة:
"هتقولي لهم إيه بالظبط؟".
أجابت الأخري:
"اطمني، اسمعـ...
توقفت عن الحديث عندما دوي صوت المساعدة في الخارج:
"يا دكتور معاها حالة جوة ما ينفعش حضرتك تدخل دلوقت".
رمقها الأخر بتحذير و أمرها بتهديد:
"امشي من وشي بدل ما هيبقي آخر يوم ليكِ هنا".
و بالداخل نهضت علياء عندما علمت بمن يصيح في الخارج قالت إلي الأخرى:
"قومي يا نعمة، و تعالي بعد تلات أسابيع و زي ما قولت لك ابقي هاتِ معاكي جوزك و حماتك ".
"حاضر يا دكتورة".
نهضت علي الفور و ضبطت من مظهر ثيابها، بينما علياء ذهبت لتفتح الباب:
"فيه إيه؟".
تلاقت عينيها بخاصته فوجدته يحدق إليها بنظرة غاضبة، ألتفت لتجد السيدات اللاتي في انتظار دورهن للكشف لديها جميعهن ينظرن إليهما، ابتلعت ريقها من الشعور بالحرج، فقالت علي مضض إليه:
"اتفضل يا دكتور يوسف".
ولجت إلي الداخل فدخل ورائها، مازالت نعمة بالداخل نظرت إلي يوسف ثم إلي علياء و قالت متجهة إلي الخارج:
"سلام عليكم يا دكتورة".
رددت الأخرى التحية:
"و عليكم السلام و رحمة الله".
ذهبت خلفها و أغلقت الباب ثم سارت نحو المكتب و جلست علي الكرسى، تسأله و تعلم سبب مجيئه إلى هنا جيداً:
"إيه اللى جابك؟".
وقف أمام المكتب و يفتح زر سترته ثم جلس
قائلاً و عينيه تنضح بنظرة لم يوجد بها أسف أو شعور بالندم علي ما اقترفه معها قبل أن تذهب إلي حفل زفاف ابنة خالتها
"جيت عشان عايز أعرف ليه قافلة تليفونك و لما أتصلت على مامتك، خلتيها تقولي إنك نايمة و أنا واثق أنك كنتِ صاحية".
اتسع ثغرها بابتسامة صفراء و ببرود أجابت:
"أيوه كنت صاحية، هو أنت فاكر إن هعدي رفعة ايدك عليا عشان تضربني بالقلم لولا ابنك دخل علينا!".
صاح بقوة و غضب جعلها انتفضت:
"أيوه كنت همد ايدي عليكِ عشان مش محترمة كلامي و لا لما حلفت عليكي ما تخرجيش كسرتِ حلفاني و عليتِ صوتك عليا و كأني مش جوزك و لا ليا كلمة عليكي".
نهضت و تظاهرت بالقوة، رمقته بغضب قائلة:
"ايوه عملت كدة عشان مفيش أى مبرر أو سبب مقنع لرفضك إن أروح الفرح، و عليت صوتي بسبب اسلوبك اللي بقى مستفز و أنت بتتكلم معايا، زي اللي بتعمله كدة دلوقت".
عقب بسخرية قائلاً:
"اه طبعاً أسلوبي معدش يعجب لكن أسلوب دكتور أسر هو اللي علي قلبك زي العسل، و الضحك ما بيبقاش غير معاه و بس".
كان علي وجهها علامة استفهام، لم يأت في مخيلتها إنه يرمى إليها إتهاماً بعينه أو يشك في علاقتها بصديقه، ظنت إن غضبه مازال قائماً منذ ذلك اليوم عندما كانا داخل المطعم، و بدلاً أن تسأله عن أن هذا سبب غضبه أخبرته بما يسبر أغواره:
"ياريتك كنت زي أسر، علي الأقل لما بيلاقيني مضايقة أو زعلانة بيقدر يضحكني و يخرجني من اللي أنا فيه مش زيك عاشق للنكد".
ها قد تملك منه الغضب للغاية، و خلال لحظات نهض و اتجه نحوها ليقبض على عضدها بقوة يجذبها لتنهض معه، قائلاً من بين أسنانه:
"أنا هوريكِ النكد على حق".
صرخت بألم:
"اه، أوعى سيب دراعي".
صاح بها مما أصابها بالهلع:
"مش هسيبك غير لما ترجعي معايا علي القصر، و مفيش شغل من النهاردة، و لا أقولك انسي شغلك ده خالص، و كلمة هتخرج من بوقك أقسم بالله لأكون جرك بالعافية قدام الناس اللى برة".
صرخت في وجهه:
"أنت أتجننت!، أنا عملت لك إيه يخليك تتعامل معايا بالهمجية دي".
تمكن من جذبها لتنهض ثم حملها من خصرها قائلاً بسخرية:
"أصل أنا مفتري و ظالم، معلش استحملي بقى ".
قالها و خرج بها أمام النسوة في الخارج و جميع العاملين في الخارج، صاحت به:
"نزلني يا يوسف".
لم يكترث لصراخها الذي ظنه من رآها دلالاً، فقالت احداهن:
"مش اللي شايلها ده يبقى دكتور يوسف جوزها؟".
و لدي سيارته في الخارج فتح الباب و أنزلها ليدفعها إلي داخل السيارة عنوة، صاحت برفض تام:
"مش راجعة معاك، أنت إيه ما بتفهمش!".
رمقها بنظرة قاتلة دون أن ينطق ببنت شفه، يليها دفعة من يده جعلتها داخل السيارة و صفق الباب بقوة ثم ألتفت ليجلس في مقعد القيادة المجاور لها و أغلق الباب الذي جواره، ضغط علي الزر المسئول عن وصد الأبواب، حدقت إليه بغضب و أخبرته بسأم:
"أنت بتقفل الأبواب ليه؟، ما قولت لك مش راجعة معاك القصر".
أنطلق بالسيارة و أجاب دون أن ينظر إليها:
"مش رايحين علي القصر".
إزداد قلقها أكثر فسألته مرة أخرى:
"أومال واخدني علي فين؟".
و بإجابة مقتضبة قال إليها:
"لما نوصل هاتعرفي".
༺༻
خرج كلا من قصى و شقيقه من غرفة المكتب يبتسمان بسعادة، نظرت كارين إليهما بتعجب و تتأمل ملامح يونس، تخشي أن شقيقه قد قام بضربه كالسابق، لكن الفرح الجلي على ملامحهما جعل قلبها يطمئن، و بالطبع قرأ قصى كل ذلك من عينيها فأخبرها بمزاح:
"أنا مضطر أوافق علي رجوعكم لبعض بس طبعاً بشرط إنه يطلق اللي اسمها آسيل، و ده مش عشانك أنتِ و هو، عشان بس خاطر حبايب عمهم چوليانا و رسلان ملهمش ذنب يعيشوا بعيد عن حد فيكم، و أظن يونس كدة أتعلم من غلطته كويس أوى".
رفع شقيقه يده قائلاً:
"أول و أخر مرة، أنا خلاص ما بقتش أستحمل البعد عن حبيبتي أكتر من كدة".
حدقت إليه كارين بعشق و وله قائلة:
"و لا أنا و الله يا حبيبي".
جال قصي بنظره بينهما و ضرب كفه بكفه الأخر متعجباً من هذا الثنائى المجنون، و عندما انتبهت كارين وقفت بجدية بينما يونس تنحنح ثم أجاب:
"لما ألحق أروح أطلق البومة اللي من وقت ما ظهرت فى حياتي و المصايب نازلة فوق دماغي و راجع لكم على طول، استأذن أنا بقي".
قام بمصافحة شقيقه بالعناق و قد تذكر أمر صبا التي تقف علي بعد أمتار، فأخبره بصوت خافت:
"ياريت ترجع أنت كمان عن اللى عملته في مراتك، صبا طيبة جداً و مهما اختلفتوا هي ما تستهلش منك تتجوز عليها و جايب لها مراتك الجديدة تعيش معاها يا جبروتك يا أخى".
رمقه بنظرة تحذيرية قائلاً:
"خليك في حالك أحسن لك، أنا عارف بعمل إيه، و لا مش عايز كارين ترجع لك!".
حك ذقنه مبتسماً و أخبره:
"إيه يا كينج، طبعاً عايزها، بس أنا كان قصدي كفاية بقي علي صبا، إحنا عارفين بتحبها قد إيه و اللي بيحب حد عمره ما يقسى عليه و لا إيه!".
نظر الأخر فى ساعة يده و بيده الأخرى وضع يده على كتف شقيقه:
"طيب يا يونس، يا دوب تلحق المأذون عشان تطلق آسيل، لأن لو جه بكرة و أنت ما جتش يبقى تنسى كارين".
"استأذن أنا بقى عشان فعلاً يا دوب ألحق، سلام عليكم".
قالها و طبع قبلة خاطفة علي خد كارين و أطلق ساقيه للريح، فأطلقت ضحكاتها و هي تنظر في اثره، استدارت لتجد قصى ينظر إليها رافعاً إحدى حاجبيه، تجنبت النظر إليه ثم أخرجت هاتفها من جيب بنطالها و وضعته علي أذنها تتصنع التحدث في الهاتف:
"أيوه يا نهى، إيه الأخبار؟".
و صعدت الدرج بخطوات أقرب للركض، ابتسم على ما فعلته و سرعان تحولت تلك الإبتسامة إلي نظرة غضب نارية عندما تذكر للتو أمر زوجته حيث الخروج دون علمه و ثيابها الغير محتشمة، بحث بعينيه عنها ليجد المكان من حوله ليس به أحداً سواها حيث كانت تجلس فى زاوية تتصنع النظر في هاتفها، و من طرف عيناها انتبهت إلي ذلك القادم نحوها و نظراته لا تبشر بالخير على الإطلاق، نهضت كمن أصابتها صاعقة و أخذت تنادى علي مُربيتها:
"داده زينات، يا داده زينات".
و صعدت هي أيضاً الدرج بخطوات أشبه بالركض حتي وصلت إلى غرفتها و على الفور ولجت إلي الداخل و أغلقت الباب و استندت عليه بظهرها، قلبها يخفق بشدة وجلاً، قد نست أن أمر الغيرة لديه لا مزاح فيه، يكفى نظرة عيناه كافية بدب الرعب في أوصالها.
༺༻
"و أنتِ إزاي تتكلمي مع حد ما تعرفهوش و لا شوفتيه قبل كدة؟".
قالتها رودينا بعتاب إلي صديقتها التى تبكي و تمسك بالمنشفة الورقية، تجيب بقلبٍ مقهور:
"و الله العظيم ما كنت أعرف إنه راجل و عامل نفسه واحدة ست".
رمقتها الأخرى بغضب و عندما رأتها فى تلك الحالة التى يرثى لها، شعرت بالحزن عليها فأخذت تربت عليها و قالت:
"خلاص بطلي عياط، اللى حصل حصل و مقدمناش غير نتصرف فى أسرع وقت و الحيوان اللى اسمه زيكو ده لازم يتعاقب، عشان واضح إنه نصاب محترف و أنتِ مش أول ضحية ليه".
ارتمت الأخرى بين ذراعيها و تخبرها بقلة حيلة:
"أنا بموت يا رودينا و خايفة أوى، أنتِ ما شوفتيش شكل مصعب لما حكيت له الموضوع على إنه حصل لواحدة تانية، قعد يقولي دى ست مش محترمة و اقطعي علاقتك بيها، أومال لو عرف إنها أنا هيقول عليا إيه و لا هايتصرف معايا إزاى!".
"ما هو أنتِ لازم تحكي له على كل حاجة بالتفصيل و تفهميه إنك كنتِ بتتعاملي بحسن نية و قولي له أنا أول ما كشفت حقيقة النصاب ده لجأت لك".
ابتعدت ملك من بين ذراعي صديقتها كمن لدغها عقرب و أخذت تهز رأسها برفض تُردد:
"لاء، لاء مش هقوله، بقولك الحيوان مصور المحادثة كلها إسكرينات، من غبائي كنت بفضفض معاه لما كنت فاكراه واحدة ست بحاجات خاصة بينى و بين مصعب، ده كمان لما هكر الفون عرف يوصل لصورة كنت متصوراها قدام الشاليه بالبكيني من غير مصعب ما يعرف، و المصيبة الأخيرة لما روحت قابلته في الكافيه أتاريه كان عاملي كمين و مخلى واحد يصورنا، و رسالته الأخيرة ليا بيقولي قدامك تلات أيام، مش عايز فلوس و بس ده القذر عايزني أنا شخصياً و أنتِ فاهمة الباقى طبعاً".
كانت الأخرى تنصت و تنظر إليها بصدمة واضعة كفها على فمها غير مصدقة ثم قالت:
"لازم نتحرك بسرعة قبل ما المجرم يستغل الصور دى و يعملك فضيحة أو يوصلك و يعمل حاجة فيكِ لا قدر الله، أنا عندى حل يخلصك من الموضوع ده من غير شوشرة و من غير جوزك يعرف".
نظرت إليها كالغريق الذى وجد طوق النجاة فى عرض محيط عميق، سألتها بتوسل:
"إيه هو بالله عليكِ؟".
رمقتها فى صمت لثوان فأجابت:
"تحكي لحد من أخواتك و هو اللي هايتصرف ".
نظرت إلى الفراغ بحزن دفين قائلة:
"أقول لمين فيهم، آدم مع خديجة فى الجونة، و يوسف أصلاً بشوفه كل فين و فين و تقريباً مشغول أغلب الوقت، و يونس من وقت ما هو و كارين أتطلقوا و هو هايتجنن، ياسين عايش فى ملكوت تانى بقى له سنتين من وقت اللى حصل، يعنى كل واحد فيه اللى مكفيه، و مامي مش معقول هكلمها و هخليها ترجع من السفر عشان أنكد عليها".
كانت الأخرى شاردة فى أفكارها فصاحت دون سابق إنذار:
"أنتِ نسيتِ أهم واحد و اللى هيجيب لك الواد النصاب ده من قفاه".
رمقتها بعدم فهم أو ربما أخر ما كان ينقصها حقاً، فسألتها:
"قصدك على مين؟".
"هو فيه غيره، قصى أخوكِ".
شهقت بخوف ثم قالت:
"بالتأكيد بتهزري!، أهو قصى بالذات أكتر واحد فى أخواتى بترعب منه".
نهضت الأخرى و جلست على حافة المنضدة أمامها و سألتها:
"هيعمل فيكِ إيه إنه أخره هيعاتبك؟".
"أنتِ ما تعرفيش قصى، ده هو و مصعب وجهين لعملة واحدة مع بعض الإختلافات، بس الأتنين طباعهم صعبة جداً، يمكن قصى أكتر، و خايفة يقول لمصعب و يبقى زاد الطين بلا فوق دماغي، ده مش بعيد يقيموا عليا الحد".
ابتسمت رودينا رغماً عنها، رأتها الأخرى و رمقتها بضيق:
"يعنى أنا بحكي لك المصيبة اللى أنا فيها، و أنتِ عمالة بتضحكِ!".
كبتت ابتسامتها و قالت:
"و الله ما قصدى أضايقك، بس أنتِ بتفكرينى بأيام لما كنا فى الجامعة، لسه زى ما أنتِ طيبة و على نياتك، و إحنا دلوقت بقينا فى زمن ما ينفعش فيه الطيبة بزيادة و التعامل بصفاء نوايا خالص، على رأى المثل حرص و لا تخون، يعنى قبل ما تتعاملى مع أى حد غريب سواء في محيط معارفك أو على الواقع الإفتراضى و خصوصاً الفيس لازم تاخدى حذرك، اللى زي زيكو كتير أوى و بتبقى دي شغالنتهم، النصب و الإبتزاز، و ضحياهم بيبقوا عاملين زيك، أنا دلوقت فهمت ليه جوزك رافض موضوع إنك تشتغلي، عارف إنك صيد سهل لأي ذئب بشرى مش فارق معاه إنك single و لا متجوزة".
"للأسف اتعلمت الدرس متأخر و ربنا يستر من اللى جاى".
قالتها و تنظر إلى أسفل بحزن و ضياع، أمسكت الأخرى يدها لتربت عليها قائلة:
"و لا متأخر و لا حاجة، اسمعي بس أنتِ زى ما قولت لك و أحكي لقصى و هو هيجيب لك حقك إن شاء الله من غير أى خساير".
قالتها و ألقت نظرة فى ساعة هاتفها فنهضت و تخبرها:
"معلش بقى يا ملوكة، هضطر أستأذنك عندي مشوار دلوقتي، و أنتِ لما تكلمى أخوكِ أبقي كلميني و طمنيني قالك أو عمل معاكِ إيه".
أومأت إليها و كانت نظرات عيناها كالتائهة فى دروب مظلمة، تبحث عن بصيص من النور لينقذها من تلك العتمة المخيفة، لا تعلم ما خفيٰ كان أعظم!
༺༻
ظلت تنصت إلي خطوات قدميه التي تقترب من الغرفة فسرعان أدارت المفتاح لضمان عدم استطاعته الدخول، رأت ظله من أسفل الباب و يبدو إنه متجهاً نحو الجناح الذي يقع في نهاية الرواق حيث تمكث زوجته الثانية، و حين تذكرت وجودها غلت الدماء في عروقها، و برغم قوتها في ظهور اللامبالاة لم تتحمل ذهابه إليها، أدارت المفتاح مرة أخرى لفتح الباب و اشرأبت بعنقها لتتأكد من ولوجه إلي داخل الغرفة الأخرى
"و أنتِ فاكرة هعدي لك اللي عملتيه ده بالساهل".
شهقت بفزع حينما رأته يقف بجوار الباب و كأنه ظهر من العدم، لم يمهلها أن تلتقط أنفاسها فدفعها إلي الداخل و دلف ثم أغلق الباب خلفه، تراجعت بضع خطوات إلي الوراء واضعة يدها علي موضع قلبها، بينما هو يقترب منها و بصره يجول علي جسدها من أعلي إلي أسفل، فقال هاكماً:
"و لما أنتِ خايفة أوى كدة، ليه خرجتِ من ورايا و لابسة فستان شبه قميص النوم!".
ابتلعت لعابها ثم توقفت و عقدت ساعديها أمام صدرها و تظاهرت بالقوة غرار ما تشعر به من خوف و هو على يقين من ذلك، فأجابت:
"مين قالك إن أنا خايفة، أنا أتخضيت بس لما لاقيتك جمب الباب، و بالنسبة للـ dress تشبيهك ليه over أوي بصراحة و...
أطلقت صرخة حينما في غضون لحظة مد يديه إلي مقدمة الثوب و قام بتمزيقه حتي وصل المزق إلي الأسفل و أصبحت أمامه شبه عارية، حيث يستر جسدها ثيابها الداخلية فقط.
نظر إليها بإبتسامة من جانب فمه لم تصل إلى عينيه قائلاً:
"أبقى كرريها تانى، و المرة الجاية مش هاكتفى بقطع الفستان، و ياريت ما تخلنيش أدي أمر للـ security بمنع خروجك من القصر و لو وصلت هحبسك فى أوضتك هعملها، مش هكرر الكلام ده مرة تانية، اللهم بلغت".
استدار لتجنب النظر إليها و يكبت داخله تلك الرغبة التى اشتعلت من رؤيتها في تلك الهيئة المثيرة إليه للغاية، يا لها من حمقاء كيف ترى إنها زائدة الوزن و تحتاج إلي عمليات تجميل! ، لا تعلم أن جسدها البض و قدها ذو المنحنيات و خصرها الذي يشبه الساعة الرملية، كل هذا جعلها أكثر جاذبية و إثارة، لا تعلم أيضاً عندما تتظاهر بالقوة أمامه تزيد رغبته بأن يجذبها بقوة و يأسرها بين ذراعيه، لم يتركها إلا و هي تصرخ بإسمه و تتوسله ليطلق سراحها و يبتعد بعدما يجعلها منهكة القوي.
و قبل أن يخضع إلي نيران رغبته أفاق على ضربة قوية أصابت ظهره، ألتفت فى الحال ليرى إنها قد قامت بقذف حذائها عليه و لا تكتفى بهذا فقط بل صاحت بغضب:
"أنت تعرف الـ dress اللي قطعته ده تمنه كام يا غبي!".
اتسعت عيناه بينما هي ترى الغضب ينضح من زيتونتيه كألسنة النيران التى تحرق الأخضر و اليابس، ابتلعت لعابها و استجمعت قواها لتخبره بلغة الجسد و نبرة صوتها القوية إنها لا تأبه و لا تخاف، فأردفت:
"و يكون فى علمك أنا هعمل اللى أنا عايزاه بمزاجي زي ما أنت برضو بتعمل اللى على مزاجك، و لو ده ضد رغبة سيادتك بقولها لك لتالت مرة طلقني يا...
و فى تلك اللحظة لا مكان للصبر، فهى فاقت و تعدت كل الحدود لديه، جذبها من ذراعها بقوة ليس لفعل ما كان فى مخيلته منذ قليل بل من أجل أن يُأدبها، ظلت تصرخ و تحاول التملص من بين يديه حيث قام بلوى ذراعيها خلف ظهرها و تمكن من تقيد يديها بقبضة واحدة، كانت تصرخ ليترك يديها لكنه دفعها على بطنها أعلى الفراش بُغتةً ثم قيد ساقيها التى أخذت تحركهما بقوة بين ساقيه قائلاً وعيده إليها و الذى شرع في تنفيذه، يخلع ربطة عنقه ليُقيدها:
"أقسم بالله أول ما شوفتك راجعة من برة كنت ناوى لك على نية سودة و مسكت نفسي عنك بالعافية، و لما حذرتك من دقيقة ده كان مراعاة لحالتك النفسية، لكن تسوقي فيها و تقلي أدبك، كدة بقى أنتِ عايزة تتربى من أول و جديد".
أنهى كلماته و خلع حزام بنطاله ثم انهال على أسفل ظهرها بحزامه، كادت تطلق صرخة لكنها لم تتحرر من شفاها لأنه قام بوضع يده علي فمها ليمنعها من الصراخ و يخبرها:
"الضربة دى عشان تبقى تفكري قبل ما تعملي حاجة من ورايا".
أعقب حديثه بضربة ثانية لم تقل قوة عن الأولى، و أردف:
"و دى عشان الفستان المسخرة اللى خرجتِ بيه".
ضربة ثالثة، فأعتصرت عينيها من الألم و أجهشت في البكاء للتو، أردف مرة أخرى:
"و دى عشان اللى عملتيه من شوية و لسانك اللى بدأ يطول عليا و كمان عشان تبطلي كلمة طلقني، أنا هنسيها لك خالص".
أخذ يكيل إليها ضربات متتالية و عندما شعر بدموعها الدافئة على يده توقف على الفور، أبعد كفه عن فمها و ترك الحزام، فأخيراً استطاعت تبكى و تتأوه من الألم في آن واحد.
قام بفك الربطة من حول يديها و ألقاها على الفراش، شعر بالغضب من نفسه قدر ما كان غاضباً منها، أبتعد قليلاً و أطلق زفرة قوية بعد أن جلس بالقرب منها، ضرب قبضة يده على الكمود ثم ألقى نظرة عليها فوجدها تبكي و كأنها تحترق من الألم، فصاح بغضبٍ:
"عاجبك اللى بيحصل ده و أنتِ السبب من البداية".
كانت تنهض بثقل و تمسك بتلابيب ثوبها الممزق، تجيب من بين دموعها التى تحرق فؤاده الآن:
"أنا غلطت مرة لكن غلطك أنت بألف، و أى حاجة بعملها ببقى عايزة أطفى ناري اللى ما بردتش لما روحت اتجوزت عليا و خليت منظري زى الزفت قدام الناس، لاء و كمان جايبها لي هنا عشان تحرق لى دمي أكتر، عايز ردة فعلي تكون إيه بعد اللى بتعمله فيا!، ده أنا بس عشان خرجت من غير علمك و لبست dress مفتوح شوف أنت حسيت بإيه، ما بالك بقى لو عملت زيك و لاقيتنى مع راجل غيرك...
قاطعها و الشرر يتطاير من عينيه دون وعى:
"ده أنا كنت دبحتك".
عقبت على إجابته التى تنضح عن غيرته القاتلة:
"و أنا بقى مش قادرة و لا هقدر أعمل فيك كدة، و مش عارفة أخد حقي منك، و فى الأخر تضربني بالحزام".
رفع سبابته كإشارة تحذيرية قائلاً:
"ما تخلطيش الأمور ببعضها، أنا لما ضربتك دلوقت كان بسبب أنك اتعديتي حدودك معايا فى الكلام و جذمتك اللى حدفتيها عليا، و عمايلك قبلها من خروج من غير إذني و فستانك اللى المفروض محدش يشوفك بيه غيري، يعني أنتِ السبب، خلتيني ألجأ لأسلوب بطلته معاكِ من سنين و كان وقتها برضو كنتِ غلطانة، تحبي أفكرك بغلطك و قتها!".
شعرت بالتعب بعدما أصابها الوهن، فكادت تجلس على طرف الفراش و بمجرد أن لمس أسفل ظهرها المضجع انتفضت، لم تستطع الجلوس، ولت ظهرها إليه و أخبرته:
"أى غلط بعمله بيبقى ردة فعل على تصرفاتك معايا، عايز أوامرك تتنفذ على طول من غير نقاش و لا تشوف أوامرك دي هتناسبني و لا لاء، و كأن احترام رغبتي بالنسبة لك ملهوش أى أهمية".
نظر نحوها بإمتعاض و تعجب يخبرها:
"و الله أنتِ عارفة طباعي من الأول، و عمري ما أمرتك بحاجة فيها ضرر ليكِ، كل اللى طلبته منك تحملي، قعدتي تتحجى لي بأسباب تافهة أصل أنا تخنت و عايزة أشفط، أصل أنا عايزة أعمل نحت، و أنا مش هخليكِ تعملي الهبل ده، أولاً مش هسمح جسمك ينكشف على حد غيرى، ثانياً أنتِ مش محتاجة أى حاجة من دول، لكن طالما أنا قولت لك لاء ما تبقيش صبا غير لما تعندى و عايزة تنفذي اللى فى دماغك ".
ألتفت إليه و بنبرة حادة أجابت بدفاع:
"و أنا معملتش كدة لمسألة عِند زى ما أنت فاهم، أنا ربنا رزقني منك بالولد و البنت يعنى مش حرمتك من الخلفة، و اللى عايزة أعمله ده عشان نفسي و عشانك، عايزة أكون على طول أفضل ست في عينيك".
"طب ما أنتِ فى عينيا كدة فعلاً، عمري جيت علقت لك إنك تخنتى و لا خسيتى!، بالعكس أنا بحبك فى كل حالاتك و على طبيعتك و ياما قولت لك، لكن تقتنعي إزاى و أنتِ ماشية ورا دماغك".
اقترب منها ليردف إليها:
"أنا كان طلبي واضح من الأول و عارفة أنا ليه نفسي يكون عندنا أكتر من طفلين و تلاتة، عاوزهم يكونوا عزوة و سند لبعض، لما واحد فيهم يحصل معاه حاجة يلاقى أخواته فى ضهره، أديكِ شوفتي بعينيكِ يوم ما كارين اكتشفت ان يونس أتجوز عليها، لجأت لمين غيرى، و وقفت معاها طالما هى على حق، و نفس الحكاية مع باقى أخواتى، أي شدة هاكون في ضهرهم، أنا بقى نفسى أشوف ولادي كدة قلبهم على قلب بعض، كلهم إيد واحدة".
قامت بمسح آثار دموعها من فوق خديها بيدها و الأخرى تضم تلابيب ثوبها الممزق، فسألته بنبرة قد فاض منها الحزن:
"و أفرض أنا مش مهيئة لا نفسياً و لا جسدياً لكدة!، هتخلينى أحمل بالعافية!".
فى تلك اللحظة ظل ينظر إليها فى صمت، لما هذا الإصرار العجيب لديها فى عدم الرغبة أن تنجب مرة أخرى!، و كالعادة عنادها و إصرارها على موقفها لم يقابله سوى بـ ردة فعل قوية أو إجابة كفيلة أن تصيبها بصدمة كما يخبرها للتو:
"أنا عمري ما هجبرك على حاجة تعمليها غصب عنك برغم معندكيش أى مبرر أو مانع، كل حاجة متوفرة عندك، طلباتك مجابة، الأولاد كبروا و معاهم دادة زينات اللى بتراعيهم معاكِ، عمري ما قصرت معاكِ فى أى حاجة تخطر على بالك، حتى أنا شخصياً غيرت من نفسي عشانك و فتحت وقتها على نفسي أبواب جهنم و كان ممكن أدفع حياتي التمن، لكن كان كل همي ما أخسركيش، و ياريتك تقدري، فى الأخر بطلع أنا الوحش و الشرير".
حاولت الجلوس بروية على طرف الفراش لتعقب على حديثه قائلة:
"تغيرك ده كان لنفسك قبل ما يكون عشاني، و زي ما أنت قدمت لي كتير، أنا فى المقابل استحملت طباعك و تحكماتك اللى مفيش أى واحدة غيري تقدر تتحملها إلا لو كانت بتحبك، لكن اللى فات كله كوم و اللى عملته مؤخراً فى حقي كوم تانى".
عقد ما بين حاجبيه و سألها بإمتعاض:
"اعتبر ده تهديد؟".
نهضت و رمقته بكبرياء و قوة لا تليق سوى بها فأجابت:
"اعتبره زى ما أنت عايز".
هَّمَ بالمغادرة ثم سار نحوها خطوة فتراجعت إحترازاً، وقف أمامها مباشرة و يحدق إليها ببسمة لم تصل إلى عينيه التي تنضح بالوعيد، ربت على خدها بقليل من الحدة قائلاً:
"إن كنتِ فاكرة اللى بعمله لعبة هيبقى بجد، بس ياريت ما تجيش تعيطِ فى الأخر، و أبقي خلي كبريائك ينفعك".
غمز بعينه و تركها فى حالة من الصدمة و محاولة إدراك ما أخبرها به للتو، هنا علمت إن الحرب الحقيقية قد بدأت!
༺༻
༺༻
منذ عامين...
كان يتمدد على الفراش بجوار ابنته بعدما كانت تبكى منذ أن تركتها والدتها إليه و ذهبت، طُرقَ الباب فنهض بهدوء حتى لا تستيقظ صغيرته و تبكى من جديد.
فتح الباب فوجد الطارق والدته، ترمقه بإمتعاض، تسأله بتعجب:
"أنت لسه قاعد هنا!".
أجاب بضيق:
"يعنى حضرتك عايزاني أعمل إيه، أجري وراها و أبوس إيديها بعد ما قالت لي إنها خلاص مش قادرة تستحمل العيشة معايا و كمان عايزة تطلق!"
اقتربت منه و وضعت يدها على كتفه قائلة:
" هى قالت كدة عشان ترد جرح كرامتها لما عايرتها قدام أختك باللى حصل من سنين، و أنت عارف إن الموضوع دة لحد دلوقت لسه مأثر فيها و مخلي عندها عدم ثقة فى نفسها و حاسة ديماً بالفرق اللى بينك و بينها".
نظر إليها بملامح أضناها العشق منذ ذلك اليوم الذى أحب فيه ابنة عامل الحديقة التى اختطفت قلبه و سلبت لُبه، لم ينكر خطأه عندما قام بالإعتداء عليها حينما كان ثملاً، لكنه لم يتخلى عنها بل و تشبث بها برغم رفض والده زواجه منها، تحمل نظرة اللوم و العتاب طوال السنوات المنصرمة من أجل هذا العشق.
"و أنا يا ماما عمري ما عايرتها قبل كدة و لا حسستها بالفرق اللى ما بينا، هى اللى ديماً على طول عايشة فى دور الضحية و أديكِ شوفتى لما بابا الله يرحمه كان رافض إن أتجوزها جيبت لها شقة برة، و سيبت القصر مش عشان كنت بهرب منه و الله كان عشان ما يجرحهاش بنظرة، حضرتك ما تعرفيش ياسمين بالنسبة لى إيه".
ولى ظهره إليها و أتجه نحو الشرفة حتى لا ترى مدى ضعفه أمام سطوة العشق و هو يخبرها مُردفاً:
" أنا بعشقها لدرجة ما بستحملش عليها الهوا، و لما كنت معاقبها و مخلتهاش تخرج من الأوضة عشان خايف عليها، و مش لازم أحكي أسبابي لأنها حاجة خاصة ما بيني و ما بينها، هى للأسف على طول ما بتقدرش، على طول محسسانى بالذنب، و مهما أبسطها و أفرحها تقوم قلبه الفرحة نكد و لو نطقت أطلع أنا اللى غلطان فى الأخر".
و دون النظر إلى وجهه علمت مدى الحزن الذى يشعر به، أهذا ولدها الذى كان مُفعماً بالنشاط و الحيوية و ابتسامته كانت لا تفارق شفاه، كيف أصبح الآن بل منذ زواجه من الأخرى.
قامت بمناداته:
"ياسين؟".
استدار و نظر إليها فوجدها تشير إليه:
"تعالي يا حبيبي".
سار نحوها فقامت بفتح ذراعيها لتحتضنه و تغمره بحنانها، أخذت تربت على ظهره و قالت:
"أنا حاسة بيك و عارفة قد إيه أنت حنين و لما بتحب، بتدى اللى بتحبه كل ما عندك".
أبعدته قليلاً لتنظر إلى عينيه و أردفت:
"بس لازم تعرف إن العطاء و الحب لازم يبقوا بحدود، لأن الشئ لو زاد عن حده بيبقى العكس، مش بقولك ما تحبهاش، حبها و خلي بالك منها و حطها فى عينيك، بس ما تخلهاش تستنزف طاقة الحب اللى جواك ليها، اللى حصل زمان خلاص صفحته أتقفلت و بقيتوا زوج وزوجة و أب و أم لبنت زى القمر، لما تلاقيها تحسسك بالذنب ما تديهاش الفرصة، عرفها وجودك معها كافى لمسح أى شئ ماضى، خليك حنين و حازم فى نفس الوقت، و أنا أوعدك أول ما هى ترجع هاقعد معاها و أفهمها إن كل واحد فيكم زى ما ليه برضو عليه".
أومأ لها ثم سألها:
"هى ما قالتش لملك رايحة فين؟".
أجابت لتطمئن فؤاده:
"ملك أدت لها مفتاح شقتها لما لاقيتها مصرة إنها تمشي، و كلمت مصعب يجي يبيت هنا، يلا روح لها و خدها فى حضنك و أحتويها، هى مالهاش غيرك و عمرها ما تقدر تبعد عنك".
أومأ لها مبتسماً و قال:
"حاضر، خدي بالك بقي من ياسمين عقبال ما نيجى الصبح، الوقت متأخر و زمانها نامت".
ضحكت والدته و حدقت إليه بنظرة ماكرة:
"تيجوا الصبح، طيب".
حك فروة رأسه و نظر إلى أسفل بخجل مبتسماً:
"على طول قافشاني من غير ما أتكلم".
لكزته في كتفه قائلة بمزاح:
"عشان أنا اللى مربياك و بفهمك من بصة واحدة بس، أنا ماما يالا".
ضحك كليهما ثم ذهب متجهاً إلى منزل مصعب
وقف الآن أمام الباب و أخذ يضغط على زر الجرس ريثما تفتح إليه الباب لكن دون جدوى، أطلق زفرة ثم أخرج هاتفه و تذكر إنه لم يجرى إتصالاً واحداً بها منذ أن غادرت القصر، لمس علامة الإتصال بطرف إبهامه، جرس و الثانى و قبل أن يسمع الثالث أجاب صوتاً رجولياً:
"ألو يا فندم".
"ها يا دكتور، بنت و لا ولد؟".
ابتسمت علياء و أجابت:
"بنوتة إن شاء الله".
شهقت الأخري و ضربت بكفها علي صدرها بنواح:
"بنت!، يا خراب بيتك يا نعمة، الراجل خلاص هيروح يتجوز عليا".
تركت الأخري ما في يدها جانباً و نظرت إليها عاقدة ما بين حاجبيها، فسألتها بتعجب:
"إيه علاقة إن ربنا هيرزقك ببنوتة و ما بين جوزك عايز يتجوز عليكِ؟".
نظرت السيدة بحزن إليها و أجابت:
"حضرتك زي ما أنتِ عارفة معايا بنتين، و اللي في بطني تبقي التالتة، و حماتي حسبي الله نعم الوكيل فيها كل شوية تعايرني هي و سلفتي في الراحة و الجاية، يقولوا لي يا أم البنات، و لما حملت حماتي سمعتها بتقول لجوزي لو طلعت بنت هجوزك واحدة تجيب لك الواد، و الله ما بكدب عليكِ يا دكتورة علياء".
كانت تستمع إليها و تتعجب إنه مازال هناك من يفكر بتلك الطريقة التي لا تنم سوي عن الجهل و الرجعية و عدم الإيمان بما قسمه الله.
عادت بظهرها إلي الخلف و قالت إليها:
"مصدقاكِ يا نعمة و ورد عليا حالات زيك كتير،
عشان كدة عايزاكِ المرة الجاية تجيبي معاكِ جوزك و حماتك و أنا ليا كلام معاهم".
نظرت إليها بتوجس قائلة:
"هتقولي لهم إيه بالظبط؟".
أجابت الأخري:
"اطمني، اسمعـ...
توقفت عن الحديث عندما دوي صوت المساعدة في الخارج:
"يا دكتور معاها حالة جوة ما ينفعش حضرتك تدخل دلوقت".
رمقها الأخر بتحذير و أمرها بتهديد:
"امشي من وشي بدل ما هيبقي آخر يوم ليكِ هنا".
و بالداخل نهضت علياء عندما علمت بمن يصيح في الخارج قالت إلي الأخرى:
"قومي يا نعمة، و تعالي بعد تلات أسابيع و زي ما قولت لك ابقي هاتِ معاكي جوزك و حماتك ".
"حاضر يا دكتورة".
نهضت علي الفور و ضبطت من مظهر ثيابها، بينما علياء ذهبت لتفتح الباب:
"فيه إيه؟".
تلاقت عينيها بخاصته فوجدته يحدق إليها بنظرة غاضبة، ألتفت لتجد السيدات اللاتي في انتظار دورهن للكشف لديها جميعهن ينظرن إليهما، ابتلعت ريقها من الشعور بالحرج، فقالت علي مضض إليه:
"اتفضل يا دكتور يوسف".
ولجت إلي الداخل فدخل ورائها، مازالت نعمة بالداخل نظرت إلي يوسف ثم إلي علياء و قالت متجهة إلي الخارج:
"سلام عليكم يا دكتورة".
رددت الأخرى التحية:
"و عليكم السلام و رحمة الله".
ذهبت خلفها و أغلقت الباب ثم سارت نحو المكتب و جلست علي الكرسى، تسأله و تعلم سبب مجيئه إلى هنا جيداً:
"إيه اللى جابك؟".
وقف أمام المكتب و يفتح زر سترته ثم جلس
قائلاً و عينيه تنضح بنظرة لم يوجد بها أسف أو شعور بالندم علي ما اقترفه معها قبل أن تذهب إلي حفل زفاف ابنة خالتها
"جيت عشان عايز أعرف ليه قافلة تليفونك و لما أتصلت على مامتك، خلتيها تقولي إنك نايمة و أنا واثق أنك كنتِ صاحية".
اتسع ثغرها بابتسامة صفراء و ببرود أجابت:
"أيوه كنت صاحية، هو أنت فاكر إن هعدي رفعة ايدك عليا عشان تضربني بالقلم لولا ابنك دخل علينا!".
صاح بقوة و غضب جعلها انتفضت:
"أيوه كنت همد ايدي عليكِ عشان مش محترمة كلامي و لا لما حلفت عليكي ما تخرجيش كسرتِ حلفاني و عليتِ صوتك عليا و كأني مش جوزك و لا ليا كلمة عليكي".
نهضت و تظاهرت بالقوة، رمقته بغضب قائلة:
"ايوه عملت كدة عشان مفيش أى مبرر أو سبب مقنع لرفضك إن أروح الفرح، و عليت صوتي بسبب اسلوبك اللي بقى مستفز و أنت بتتكلم معايا، زي اللي بتعمله كدة دلوقت".
عقب بسخرية قائلاً:
"اه طبعاً أسلوبي معدش يعجب لكن أسلوب دكتور أسر هو اللي علي قلبك زي العسل، و الضحك ما بيبقاش غير معاه و بس".
كان علي وجهها علامة استفهام، لم يأت في مخيلتها إنه يرمى إليها إتهاماً بعينه أو يشك في علاقتها بصديقه، ظنت إن غضبه مازال قائماً منذ ذلك اليوم عندما كانا داخل المطعم، و بدلاً أن تسأله عن أن هذا سبب غضبه أخبرته بما يسبر أغواره:
"ياريتك كنت زي أسر، علي الأقل لما بيلاقيني مضايقة أو زعلانة بيقدر يضحكني و يخرجني من اللي أنا فيه مش زيك عاشق للنكد".
ها قد تملك منه الغضب للغاية، و خلال لحظات نهض و اتجه نحوها ليقبض على عضدها بقوة يجذبها لتنهض معه، قائلاً من بين أسنانه:
"أنا هوريكِ النكد على حق".
صرخت بألم:
"اه، أوعى سيب دراعي".
صاح بها مما أصابها بالهلع:
"مش هسيبك غير لما ترجعي معايا علي القصر، و مفيش شغل من النهاردة، و لا أقولك انسي شغلك ده خالص، و كلمة هتخرج من بوقك أقسم بالله لأكون جرك بالعافية قدام الناس اللى برة".
صرخت في وجهه:
"أنت أتجننت!، أنا عملت لك إيه يخليك تتعامل معايا بالهمجية دي".
تمكن من جذبها لتنهض ثم حملها من خصرها قائلاً بسخرية:
"أصل أنا مفتري و ظالم، معلش استحملي بقى ".
قالها و خرج بها أمام النسوة في الخارج و جميع العاملين في الخارج، صاحت به:
"نزلني يا يوسف".
لم يكترث لصراخها الذي ظنه من رآها دلالاً، فقالت احداهن:
"مش اللي شايلها ده يبقى دكتور يوسف جوزها؟".
و لدي سيارته في الخارج فتح الباب و أنزلها ليدفعها إلي داخل السيارة عنوة، صاحت برفض تام:
"مش راجعة معاك، أنت إيه ما بتفهمش!".
رمقها بنظرة قاتلة دون أن ينطق ببنت شفه، يليها دفعة من يده جعلتها داخل السيارة و صفق الباب بقوة ثم ألتفت ليجلس في مقعد القيادة المجاور لها و أغلق الباب الذي جواره، ضغط علي الزر المسئول عن وصد الأبواب، حدقت إليه بغضب و أخبرته بسأم:
"أنت بتقفل الأبواب ليه؟، ما قولت لك مش راجعة معاك القصر".
أنطلق بالسيارة و أجاب دون أن ينظر إليها:
"مش رايحين علي القصر".
إزداد قلقها أكثر فسألته مرة أخرى:
"أومال واخدني علي فين؟".
و بإجابة مقتضبة قال إليها:
"لما نوصل هاتعرفي".
༺༻
خرج كلا من قصى و شقيقه من غرفة المكتب يبتسمان بسعادة، نظرت كارين إليهما بتعجب و تتأمل ملامح يونس، تخشي أن شقيقه قد قام بضربه كالسابق، لكن الفرح الجلي على ملامحهما جعل قلبها يطمئن، و بالطبع قرأ قصى كل ذلك من عينيها فأخبرها بمزاح:
"أنا مضطر أوافق علي رجوعكم لبعض بس طبعاً بشرط إنه يطلق اللي اسمها آسيل، و ده مش عشانك أنتِ و هو، عشان بس خاطر حبايب عمهم چوليانا و رسلان ملهمش ذنب يعيشوا بعيد عن حد فيكم، و أظن يونس كدة أتعلم من غلطته كويس أوى".
رفع شقيقه يده قائلاً:
"أول و أخر مرة، أنا خلاص ما بقتش أستحمل البعد عن حبيبتي أكتر من كدة".
حدقت إليه كارين بعشق و وله قائلة:
"و لا أنا و الله يا حبيبي".
جال قصي بنظره بينهما و ضرب كفه بكفه الأخر متعجباً من هذا الثنائى المجنون، و عندما انتبهت كارين وقفت بجدية بينما يونس تنحنح ثم أجاب:
"لما ألحق أروح أطلق البومة اللي من وقت ما ظهرت فى حياتي و المصايب نازلة فوق دماغي و راجع لكم على طول، استأذن أنا بقي".
قام بمصافحة شقيقه بالعناق و قد تذكر أمر صبا التي تقف علي بعد أمتار، فأخبره بصوت خافت:
"ياريت ترجع أنت كمان عن اللى عملته في مراتك، صبا طيبة جداً و مهما اختلفتوا هي ما تستهلش منك تتجوز عليها و جايب لها مراتك الجديدة تعيش معاها يا جبروتك يا أخى".
رمقه بنظرة تحذيرية قائلاً:
"خليك في حالك أحسن لك، أنا عارف بعمل إيه، و لا مش عايز كارين ترجع لك!".
حك ذقنه مبتسماً و أخبره:
"إيه يا كينج، طبعاً عايزها، بس أنا كان قصدي كفاية بقي علي صبا، إحنا عارفين بتحبها قد إيه و اللي بيحب حد عمره ما يقسى عليه و لا إيه!".
نظر الأخر فى ساعة يده و بيده الأخرى وضع يده على كتف شقيقه:
"طيب يا يونس، يا دوب تلحق المأذون عشان تطلق آسيل، لأن لو جه بكرة و أنت ما جتش يبقى تنسى كارين".
"استأذن أنا بقى عشان فعلاً يا دوب ألحق، سلام عليكم".
قالها و طبع قبلة خاطفة علي خد كارين و أطلق ساقيه للريح، فأطلقت ضحكاتها و هي تنظر في اثره، استدارت لتجد قصى ينظر إليها رافعاً إحدى حاجبيه، تجنبت النظر إليه ثم أخرجت هاتفها من جيب بنطالها و وضعته علي أذنها تتصنع التحدث في الهاتف:
"أيوه يا نهى، إيه الأخبار؟".
و صعدت الدرج بخطوات أقرب للركض، ابتسم على ما فعلته و سرعان تحولت تلك الإبتسامة إلي نظرة غضب نارية عندما تذكر للتو أمر زوجته حيث الخروج دون علمه و ثيابها الغير محتشمة، بحث بعينيه عنها ليجد المكان من حوله ليس به أحداً سواها حيث كانت تجلس فى زاوية تتصنع النظر في هاتفها، و من طرف عيناها انتبهت إلي ذلك القادم نحوها و نظراته لا تبشر بالخير على الإطلاق، نهضت كمن أصابتها صاعقة و أخذت تنادى علي مُربيتها:
"داده زينات، يا داده زينات".
و صعدت هي أيضاً الدرج بخطوات أشبه بالركض حتي وصلت إلى غرفتها و على الفور ولجت إلي الداخل و أغلقت الباب و استندت عليه بظهرها، قلبها يخفق بشدة وجلاً، قد نست أن أمر الغيرة لديه لا مزاح فيه، يكفى نظرة عيناه كافية بدب الرعب في أوصالها.
༺༻
"و أنتِ إزاي تتكلمي مع حد ما تعرفهوش و لا شوفتيه قبل كدة؟".
قالتها رودينا بعتاب إلي صديقتها التى تبكي و تمسك بالمنشفة الورقية، تجيب بقلبٍ مقهور:
"و الله العظيم ما كنت أعرف إنه راجل و عامل نفسه واحدة ست".
رمقتها الأخرى بغضب و عندما رأتها فى تلك الحالة التى يرثى لها، شعرت بالحزن عليها فأخذت تربت عليها و قالت:
"خلاص بطلي عياط، اللى حصل حصل و مقدمناش غير نتصرف فى أسرع وقت و الحيوان اللى اسمه زيكو ده لازم يتعاقب، عشان واضح إنه نصاب محترف و أنتِ مش أول ضحية ليه".
ارتمت الأخرى بين ذراعيها و تخبرها بقلة حيلة:
"أنا بموت يا رودينا و خايفة أوى، أنتِ ما شوفتيش شكل مصعب لما حكيت له الموضوع على إنه حصل لواحدة تانية، قعد يقولي دى ست مش محترمة و اقطعي علاقتك بيها، أومال لو عرف إنها أنا هيقول عليا إيه و لا هايتصرف معايا إزاى!".
"ما هو أنتِ لازم تحكي له على كل حاجة بالتفصيل و تفهميه إنك كنتِ بتتعاملي بحسن نية و قولي له أنا أول ما كشفت حقيقة النصاب ده لجأت لك".
ابتعدت ملك من بين ذراعي صديقتها كمن لدغها عقرب و أخذت تهز رأسها برفض تُردد:
"لاء، لاء مش هقوله، بقولك الحيوان مصور المحادثة كلها إسكرينات، من غبائي كنت بفضفض معاه لما كنت فاكراه واحدة ست بحاجات خاصة بينى و بين مصعب، ده كمان لما هكر الفون عرف يوصل لصورة كنت متصوراها قدام الشاليه بالبكيني من غير مصعب ما يعرف، و المصيبة الأخيرة لما روحت قابلته في الكافيه أتاريه كان عاملي كمين و مخلى واحد يصورنا، و رسالته الأخيرة ليا بيقولي قدامك تلات أيام، مش عايز فلوس و بس ده القذر عايزني أنا شخصياً و أنتِ فاهمة الباقى طبعاً".
كانت الأخرى تنصت و تنظر إليها بصدمة واضعة كفها على فمها غير مصدقة ثم قالت:
"لازم نتحرك بسرعة قبل ما المجرم يستغل الصور دى و يعملك فضيحة أو يوصلك و يعمل حاجة فيكِ لا قدر الله، أنا عندى حل يخلصك من الموضوع ده من غير شوشرة و من غير جوزك يعرف".
نظرت إليها كالغريق الذى وجد طوق النجاة فى عرض محيط عميق، سألتها بتوسل:
"إيه هو بالله عليكِ؟".
رمقتها فى صمت لثوان فأجابت:
"تحكي لحد من أخواتك و هو اللي هايتصرف ".
نظرت إلى الفراغ بحزن دفين قائلة:
"أقول لمين فيهم، آدم مع خديجة فى الجونة، و يوسف أصلاً بشوفه كل فين و فين و تقريباً مشغول أغلب الوقت، و يونس من وقت ما هو و كارين أتطلقوا و هو هايتجنن، ياسين عايش فى ملكوت تانى بقى له سنتين من وقت اللى حصل، يعنى كل واحد فيه اللى مكفيه، و مامي مش معقول هكلمها و هخليها ترجع من السفر عشان أنكد عليها".
كانت الأخرى شاردة فى أفكارها فصاحت دون سابق إنذار:
"أنتِ نسيتِ أهم واحد و اللى هيجيب لك الواد النصاب ده من قفاه".
رمقتها بعدم فهم أو ربما أخر ما كان ينقصها حقاً، فسألتها:
"قصدك على مين؟".
"هو فيه غيره، قصى أخوكِ".
شهقت بخوف ثم قالت:
"بالتأكيد بتهزري!، أهو قصى بالذات أكتر واحد فى أخواتى بترعب منه".
نهضت الأخرى و جلست على حافة المنضدة أمامها و سألتها:
"هيعمل فيكِ إيه إنه أخره هيعاتبك؟".
"أنتِ ما تعرفيش قصى، ده هو و مصعب وجهين لعملة واحدة مع بعض الإختلافات، بس الأتنين طباعهم صعبة جداً، يمكن قصى أكتر، و خايفة يقول لمصعب و يبقى زاد الطين بلا فوق دماغي، ده مش بعيد يقيموا عليا الحد".
ابتسمت رودينا رغماً عنها، رأتها الأخرى و رمقتها بضيق:
"يعنى أنا بحكي لك المصيبة اللى أنا فيها، و أنتِ عمالة بتضحكِ!".
كبتت ابتسامتها و قالت:
"و الله ما قصدى أضايقك، بس أنتِ بتفكرينى بأيام لما كنا فى الجامعة، لسه زى ما أنتِ طيبة و على نياتك، و إحنا دلوقت بقينا فى زمن ما ينفعش فيه الطيبة بزيادة و التعامل بصفاء نوايا خالص، على رأى المثل حرص و لا تخون، يعنى قبل ما تتعاملى مع أى حد غريب سواء في محيط معارفك أو على الواقع الإفتراضى و خصوصاً الفيس لازم تاخدى حذرك، اللى زي زيكو كتير أوى و بتبقى دي شغالنتهم، النصب و الإبتزاز، و ضحياهم بيبقوا عاملين زيك، أنا دلوقت فهمت ليه جوزك رافض موضوع إنك تشتغلي، عارف إنك صيد سهل لأي ذئب بشرى مش فارق معاه إنك single و لا متجوزة".
"للأسف اتعلمت الدرس متأخر و ربنا يستر من اللى جاى".
قالتها و تنظر إلى أسفل بحزن و ضياع، أمسكت الأخرى يدها لتربت عليها قائلة:
"و لا متأخر و لا حاجة، اسمعي بس أنتِ زى ما قولت لك و أحكي لقصى و هو هيجيب لك حقك إن شاء الله من غير أى خساير".
قالتها و ألقت نظرة فى ساعة هاتفها فنهضت و تخبرها:
"معلش بقى يا ملوكة، هضطر أستأذنك عندي مشوار دلوقتي، و أنتِ لما تكلمى أخوكِ أبقي كلميني و طمنيني قالك أو عمل معاكِ إيه".
أومأت إليها و كانت نظرات عيناها كالتائهة فى دروب مظلمة، تبحث عن بصيص من النور لينقذها من تلك العتمة المخيفة، لا تعلم ما خفيٰ كان أعظم!
༺༻
ظلت تنصت إلي خطوات قدميه التي تقترب من الغرفة فسرعان أدارت المفتاح لضمان عدم استطاعته الدخول، رأت ظله من أسفل الباب و يبدو إنه متجهاً نحو الجناح الذي يقع في نهاية الرواق حيث تمكث زوجته الثانية، و حين تذكرت وجودها غلت الدماء في عروقها، و برغم قوتها في ظهور اللامبالاة لم تتحمل ذهابه إليها، أدارت المفتاح مرة أخرى لفتح الباب و اشرأبت بعنقها لتتأكد من ولوجه إلي داخل الغرفة الأخرى
"و أنتِ فاكرة هعدي لك اللي عملتيه ده بالساهل".
شهقت بفزع حينما رأته يقف بجوار الباب و كأنه ظهر من العدم، لم يمهلها أن تلتقط أنفاسها فدفعها إلي الداخل و دلف ثم أغلق الباب خلفه، تراجعت بضع خطوات إلي الوراء واضعة يدها علي موضع قلبها، بينما هو يقترب منها و بصره يجول علي جسدها من أعلي إلي أسفل، فقال هاكماً:
"و لما أنتِ خايفة أوى كدة، ليه خرجتِ من ورايا و لابسة فستان شبه قميص النوم!".
ابتلعت لعابها ثم توقفت و عقدت ساعديها أمام صدرها و تظاهرت بالقوة غرار ما تشعر به من خوف و هو على يقين من ذلك، فأجابت:
"مين قالك إن أنا خايفة، أنا أتخضيت بس لما لاقيتك جمب الباب، و بالنسبة للـ dress تشبيهك ليه over أوي بصراحة و...
أطلقت صرخة حينما في غضون لحظة مد يديه إلي مقدمة الثوب و قام بتمزيقه حتي وصل المزق إلي الأسفل و أصبحت أمامه شبه عارية، حيث يستر جسدها ثيابها الداخلية فقط.
نظر إليها بإبتسامة من جانب فمه لم تصل إلى عينيه قائلاً:
"أبقى كرريها تانى، و المرة الجاية مش هاكتفى بقطع الفستان، و ياريت ما تخلنيش أدي أمر للـ security بمنع خروجك من القصر و لو وصلت هحبسك فى أوضتك هعملها، مش هكرر الكلام ده مرة تانية، اللهم بلغت".
استدار لتجنب النظر إليها و يكبت داخله تلك الرغبة التى اشتعلت من رؤيتها في تلك الهيئة المثيرة إليه للغاية، يا لها من حمقاء كيف ترى إنها زائدة الوزن و تحتاج إلي عمليات تجميل! ، لا تعلم أن جسدها البض و قدها ذو المنحنيات و خصرها الذي يشبه الساعة الرملية، كل هذا جعلها أكثر جاذبية و إثارة، لا تعلم أيضاً عندما تتظاهر بالقوة أمامه تزيد رغبته بأن يجذبها بقوة و يأسرها بين ذراعيه، لم يتركها إلا و هي تصرخ بإسمه و تتوسله ليطلق سراحها و يبتعد بعدما يجعلها منهكة القوي.
و قبل أن يخضع إلي نيران رغبته أفاق على ضربة قوية أصابت ظهره، ألتفت فى الحال ليرى إنها قد قامت بقذف حذائها عليه و لا تكتفى بهذا فقط بل صاحت بغضب:
"أنت تعرف الـ dress اللي قطعته ده تمنه كام يا غبي!".
اتسعت عيناه بينما هي ترى الغضب ينضح من زيتونتيه كألسنة النيران التى تحرق الأخضر و اليابس، ابتلعت لعابها و استجمعت قواها لتخبره بلغة الجسد و نبرة صوتها القوية إنها لا تأبه و لا تخاف، فأردفت:
"و يكون فى علمك أنا هعمل اللى أنا عايزاه بمزاجي زي ما أنت برضو بتعمل اللى على مزاجك، و لو ده ضد رغبة سيادتك بقولها لك لتالت مرة طلقني يا...
و فى تلك اللحظة لا مكان للصبر، فهى فاقت و تعدت كل الحدود لديه، جذبها من ذراعها بقوة ليس لفعل ما كان فى مخيلته منذ قليل بل من أجل أن يُأدبها، ظلت تصرخ و تحاول التملص من بين يديه حيث قام بلوى ذراعيها خلف ظهرها و تمكن من تقيد يديها بقبضة واحدة، كانت تصرخ ليترك يديها لكنه دفعها على بطنها أعلى الفراش بُغتةً ثم قيد ساقيها التى أخذت تحركهما بقوة بين ساقيه قائلاً وعيده إليها و الذى شرع في تنفيذه، يخلع ربطة عنقه ليُقيدها:
"أقسم بالله أول ما شوفتك راجعة من برة كنت ناوى لك على نية سودة و مسكت نفسي عنك بالعافية، و لما حذرتك من دقيقة ده كان مراعاة لحالتك النفسية، لكن تسوقي فيها و تقلي أدبك، كدة بقى أنتِ عايزة تتربى من أول و جديد".
أنهى كلماته و خلع حزام بنطاله ثم انهال على أسفل ظهرها بحزامه، كادت تطلق صرخة لكنها لم تتحرر من شفاها لأنه قام بوضع يده علي فمها ليمنعها من الصراخ و يخبرها:
"الضربة دى عشان تبقى تفكري قبل ما تعملي حاجة من ورايا".
أعقب حديثه بضربة ثانية لم تقل قوة عن الأولى، و أردف:
"و دى عشان الفستان المسخرة اللى خرجتِ بيه".
ضربة ثالثة، فأعتصرت عينيها من الألم و أجهشت في البكاء للتو، أردف مرة أخرى:
"و دى عشان اللى عملتيه من شوية و لسانك اللى بدأ يطول عليا و كمان عشان تبطلي كلمة طلقني، أنا هنسيها لك خالص".
أخذ يكيل إليها ضربات متتالية و عندما شعر بدموعها الدافئة على يده توقف على الفور، أبعد كفه عن فمها و ترك الحزام، فأخيراً استطاعت تبكى و تتأوه من الألم في آن واحد.
قام بفك الربطة من حول يديها و ألقاها على الفراش، شعر بالغضب من نفسه قدر ما كان غاضباً منها، أبتعد قليلاً و أطلق زفرة قوية بعد أن جلس بالقرب منها، ضرب قبضة يده على الكمود ثم ألقى نظرة عليها فوجدها تبكي و كأنها تحترق من الألم، فصاح بغضبٍ:
"عاجبك اللى بيحصل ده و أنتِ السبب من البداية".
كانت تنهض بثقل و تمسك بتلابيب ثوبها الممزق، تجيب من بين دموعها التى تحرق فؤاده الآن:
"أنا غلطت مرة لكن غلطك أنت بألف، و أى حاجة بعملها ببقى عايزة أطفى ناري اللى ما بردتش لما روحت اتجوزت عليا و خليت منظري زى الزفت قدام الناس، لاء و كمان جايبها لي هنا عشان تحرق لى دمي أكتر، عايز ردة فعلي تكون إيه بعد اللى بتعمله فيا!، ده أنا بس عشان خرجت من غير علمك و لبست dress مفتوح شوف أنت حسيت بإيه، ما بالك بقى لو عملت زيك و لاقيتنى مع راجل غيرك...
قاطعها و الشرر يتطاير من عينيه دون وعى:
"ده أنا كنت دبحتك".
عقبت على إجابته التى تنضح عن غيرته القاتلة:
"و أنا بقى مش قادرة و لا هقدر أعمل فيك كدة، و مش عارفة أخد حقي منك، و فى الأخر تضربني بالحزام".
رفع سبابته كإشارة تحذيرية قائلاً:
"ما تخلطيش الأمور ببعضها، أنا لما ضربتك دلوقت كان بسبب أنك اتعديتي حدودك معايا فى الكلام و جذمتك اللى حدفتيها عليا، و عمايلك قبلها من خروج من غير إذني و فستانك اللى المفروض محدش يشوفك بيه غيري، يعني أنتِ السبب، خلتيني ألجأ لأسلوب بطلته معاكِ من سنين و كان وقتها برضو كنتِ غلطانة، تحبي أفكرك بغلطك و قتها!".
شعرت بالتعب بعدما أصابها الوهن، فكادت تجلس على طرف الفراش و بمجرد أن لمس أسفل ظهرها المضجع انتفضت، لم تستطع الجلوس، ولت ظهرها إليه و أخبرته:
"أى غلط بعمله بيبقى ردة فعل على تصرفاتك معايا، عايز أوامرك تتنفذ على طول من غير نقاش و لا تشوف أوامرك دي هتناسبني و لا لاء، و كأن احترام رغبتي بالنسبة لك ملهوش أى أهمية".
نظر نحوها بإمتعاض و تعجب يخبرها:
"و الله أنتِ عارفة طباعي من الأول، و عمري ما أمرتك بحاجة فيها ضرر ليكِ، كل اللى طلبته منك تحملي، قعدتي تتحجى لي بأسباب تافهة أصل أنا تخنت و عايزة أشفط، أصل أنا عايزة أعمل نحت، و أنا مش هخليكِ تعملي الهبل ده، أولاً مش هسمح جسمك ينكشف على حد غيرى، ثانياً أنتِ مش محتاجة أى حاجة من دول، لكن طالما أنا قولت لك لاء ما تبقيش صبا غير لما تعندى و عايزة تنفذي اللى فى دماغك ".
ألتفت إليه و بنبرة حادة أجابت بدفاع:
"و أنا معملتش كدة لمسألة عِند زى ما أنت فاهم، أنا ربنا رزقني منك بالولد و البنت يعنى مش حرمتك من الخلفة، و اللى عايزة أعمله ده عشان نفسي و عشانك، عايزة أكون على طول أفضل ست في عينيك".
"طب ما أنتِ فى عينيا كدة فعلاً، عمري جيت علقت لك إنك تخنتى و لا خسيتى!، بالعكس أنا بحبك فى كل حالاتك و على طبيعتك و ياما قولت لك، لكن تقتنعي إزاى و أنتِ ماشية ورا دماغك".
اقترب منها ليردف إليها:
"أنا كان طلبي واضح من الأول و عارفة أنا ليه نفسي يكون عندنا أكتر من طفلين و تلاتة، عاوزهم يكونوا عزوة و سند لبعض، لما واحد فيهم يحصل معاه حاجة يلاقى أخواته فى ضهره، أديكِ شوفتي بعينيكِ يوم ما كارين اكتشفت ان يونس أتجوز عليها، لجأت لمين غيرى، و وقفت معاها طالما هى على حق، و نفس الحكاية مع باقى أخواتى، أي شدة هاكون في ضهرهم، أنا بقى نفسى أشوف ولادي كدة قلبهم على قلب بعض، كلهم إيد واحدة".
قامت بمسح آثار دموعها من فوق خديها بيدها و الأخرى تضم تلابيب ثوبها الممزق، فسألته بنبرة قد فاض منها الحزن:
"و أفرض أنا مش مهيئة لا نفسياً و لا جسدياً لكدة!، هتخلينى أحمل بالعافية!".
فى تلك اللحظة ظل ينظر إليها فى صمت، لما هذا الإصرار العجيب لديها فى عدم الرغبة أن تنجب مرة أخرى!، و كالعادة عنادها و إصرارها على موقفها لم يقابله سوى بـ ردة فعل قوية أو إجابة كفيلة أن تصيبها بصدمة كما يخبرها للتو:
"أنا عمري ما هجبرك على حاجة تعمليها غصب عنك برغم معندكيش أى مبرر أو مانع، كل حاجة متوفرة عندك، طلباتك مجابة، الأولاد كبروا و معاهم دادة زينات اللى بتراعيهم معاكِ، عمري ما قصرت معاكِ فى أى حاجة تخطر على بالك، حتى أنا شخصياً غيرت من نفسي عشانك و فتحت وقتها على نفسي أبواب جهنم و كان ممكن أدفع حياتي التمن، لكن كان كل همي ما أخسركيش، و ياريتك تقدري، فى الأخر بطلع أنا الوحش و الشرير".
حاولت الجلوس بروية على طرف الفراش لتعقب على حديثه قائلة:
"تغيرك ده كان لنفسك قبل ما يكون عشاني، و زي ما أنت قدمت لي كتير، أنا فى المقابل استحملت طباعك و تحكماتك اللى مفيش أى واحدة غيري تقدر تتحملها إلا لو كانت بتحبك، لكن اللى فات كله كوم و اللى عملته مؤخراً فى حقي كوم تانى".
عقد ما بين حاجبيه و سألها بإمتعاض:
"اعتبر ده تهديد؟".
نهضت و رمقته بكبرياء و قوة لا تليق سوى بها فأجابت:
"اعتبره زى ما أنت عايز".
هَّمَ بالمغادرة ثم سار نحوها خطوة فتراجعت إحترازاً، وقف أمامها مباشرة و يحدق إليها ببسمة لم تصل إلى عينيه التي تنضح بالوعيد، ربت على خدها بقليل من الحدة قائلاً:
"إن كنتِ فاكرة اللى بعمله لعبة هيبقى بجد، بس ياريت ما تجيش تعيطِ فى الأخر، و أبقي خلي كبريائك ينفعك".
غمز بعينه و تركها فى حالة من الصدمة و محاولة إدراك ما أخبرها به للتو، هنا علمت إن الحرب الحقيقية قد بدأت!
༺༻
༺༻
منذ عامين...
كان يتمدد على الفراش بجوار ابنته بعدما كانت تبكى منذ أن تركتها والدتها إليه و ذهبت، طُرقَ الباب فنهض بهدوء حتى لا تستيقظ صغيرته و تبكى من جديد.
فتح الباب فوجد الطارق والدته، ترمقه بإمتعاض، تسأله بتعجب:
"أنت لسه قاعد هنا!".
أجاب بضيق:
"يعنى حضرتك عايزاني أعمل إيه، أجري وراها و أبوس إيديها بعد ما قالت لي إنها خلاص مش قادرة تستحمل العيشة معايا و كمان عايزة تطلق!"
اقتربت منه و وضعت يدها على كتفه قائلة:
" هى قالت كدة عشان ترد جرح كرامتها لما عايرتها قدام أختك باللى حصل من سنين، و أنت عارف إن الموضوع دة لحد دلوقت لسه مأثر فيها و مخلي عندها عدم ثقة فى نفسها و حاسة ديماً بالفرق اللى بينك و بينها".
نظر إليها بملامح أضناها العشق منذ ذلك اليوم الذى أحب فيه ابنة عامل الحديقة التى اختطفت قلبه و سلبت لُبه، لم ينكر خطأه عندما قام بالإعتداء عليها حينما كان ثملاً، لكنه لم يتخلى عنها بل و تشبث بها برغم رفض والده زواجه منها، تحمل نظرة اللوم و العتاب طوال السنوات المنصرمة من أجل هذا العشق.
"و أنا يا ماما عمري ما عايرتها قبل كدة و لا حسستها بالفرق اللى ما بينا، هى اللى ديماً على طول عايشة فى دور الضحية و أديكِ شوفتى لما بابا الله يرحمه كان رافض إن أتجوزها جيبت لها شقة برة، و سيبت القصر مش عشان كنت بهرب منه و الله كان عشان ما يجرحهاش بنظرة، حضرتك ما تعرفيش ياسمين بالنسبة لى إيه".
ولى ظهره إليها و أتجه نحو الشرفة حتى لا ترى مدى ضعفه أمام سطوة العشق و هو يخبرها مُردفاً:
" أنا بعشقها لدرجة ما بستحملش عليها الهوا، و لما كنت معاقبها و مخلتهاش تخرج من الأوضة عشان خايف عليها، و مش لازم أحكي أسبابي لأنها حاجة خاصة ما بيني و ما بينها، هى للأسف على طول ما بتقدرش، على طول محسسانى بالذنب، و مهما أبسطها و أفرحها تقوم قلبه الفرحة نكد و لو نطقت أطلع أنا اللى غلطان فى الأخر".
و دون النظر إلى وجهه علمت مدى الحزن الذى يشعر به، أهذا ولدها الذى كان مُفعماً بالنشاط و الحيوية و ابتسامته كانت لا تفارق شفاه، كيف أصبح الآن بل منذ زواجه من الأخرى.
قامت بمناداته:
"ياسين؟".
استدار و نظر إليها فوجدها تشير إليه:
"تعالي يا حبيبي".
سار نحوها فقامت بفتح ذراعيها لتحتضنه و تغمره بحنانها، أخذت تربت على ظهره و قالت:
"أنا حاسة بيك و عارفة قد إيه أنت حنين و لما بتحب، بتدى اللى بتحبه كل ما عندك".
أبعدته قليلاً لتنظر إلى عينيه و أردفت:
"بس لازم تعرف إن العطاء و الحب لازم يبقوا بحدود، لأن الشئ لو زاد عن حده بيبقى العكس، مش بقولك ما تحبهاش، حبها و خلي بالك منها و حطها فى عينيك، بس ما تخلهاش تستنزف طاقة الحب اللى جواك ليها، اللى حصل زمان خلاص صفحته أتقفلت و بقيتوا زوج وزوجة و أب و أم لبنت زى القمر، لما تلاقيها تحسسك بالذنب ما تديهاش الفرصة، عرفها وجودك معها كافى لمسح أى شئ ماضى، خليك حنين و حازم فى نفس الوقت، و أنا أوعدك أول ما هى ترجع هاقعد معاها و أفهمها إن كل واحد فيكم زى ما ليه برضو عليه".
أومأ لها ثم سألها:
"هى ما قالتش لملك رايحة فين؟".
أجابت لتطمئن فؤاده:
"ملك أدت لها مفتاح شقتها لما لاقيتها مصرة إنها تمشي، و كلمت مصعب يجي يبيت هنا، يلا روح لها و خدها فى حضنك و أحتويها، هى مالهاش غيرك و عمرها ما تقدر تبعد عنك".
أومأ لها مبتسماً و قال:
"حاضر، خدي بالك بقي من ياسمين عقبال ما نيجى الصبح، الوقت متأخر و زمانها نامت".
ضحكت والدته و حدقت إليه بنظرة ماكرة:
"تيجوا الصبح، طيب".
حك فروة رأسه و نظر إلى أسفل بخجل مبتسماً:
"على طول قافشاني من غير ما أتكلم".
لكزته في كتفه قائلة بمزاح:
"عشان أنا اللى مربياك و بفهمك من بصة واحدة بس، أنا ماما يالا".
ضحك كليهما ثم ذهب متجهاً إلى منزل مصعب
وقف الآن أمام الباب و أخذ يضغط على زر الجرس ريثما تفتح إليه الباب لكن دون جدوى، أطلق زفرة ثم أخرج هاتفه و تذكر إنه لم يجرى إتصالاً واحداً بها منذ أن غادرت القصر، لمس علامة الإتصال بطرف إبهامه، جرس و الثانى و قبل أن يسمع الثالث أجاب صوتاً رجولياً:
"ألو يا فندم".