رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل الرابع عشر 14 بقلم ولاء رفعت علي


 رواية صراع الذئاب الجزء الثالث (غابة الذئاب) الفصل الرابع عشر

كانت رؤية تلك المرأة التي تقف أمامها كافية بجعل قلبها يكاد يتوقف من فرط الخفق بشدة، تظن إنها قد توصلت إليها من أجل أن تأخذ صغيرها منها عنوة، سرعان ما تحول شعورها بالخوف إلي الدفاع بشراسة، و بملامح تنذر الأخري إذا خطت خطوة واحدة تجاه ابنها سوف تفتك بها قامت بتهديدها قائلة: 

"أقسم بالله لو قربتي من ابني ما هيكفيني موتك". 


شبه ابتسامة بدت علي ثغر شيريهان يشوبها نظرة ساخرة و غرور ينضح من عينيها، فقالت إليها: 

"أنا لو كنت عايزة أخطفه، مكنتش جيت لك في المكان البشع ده، بس أحياناً الظروف هي اللي بتحكم و بتخلينا نستحمل".


لم تدرك إلي ماذا ترمي، فسألتها:

"أنتِ جاية عايزة مننا إيه؟". 


حدقت إليها بتعالى ثم أجابت: 

"في حد يقابل ضيوفه كدة برضو!". 


أخبرتها الأخري من بين أسنانها:

"الضيوف برحب بيهم لما بيكونوا جايين في خير، لكن أنتِ و ابنك ماشوفتش منكم غير كل شر". 


ابتلعت تلك الإهانة من أجل الوصول إلي غايتها، تمسكت بإبتسامتها الزائفة لتجيب علي حديثها: 

"كانت غلطة و أوعدك مش هاتحصل تاني، أنا جاية لك و عايزة أفتح معاكِ صفحة جديدة". 


مازالت لا تشعر بالطمأنينة حيال هذه المرأة التي تتلون كالحرباء: 

"اتفضلي قولي اللي عايزاه من غير لف و لا دوران". 


"و هو ينفع الكلام يبقي علي الباب!". 

رغم خوفها بأن تكون تلك خدعة لتخطف منها صغيرها، لكن شعرت بالحرج فأشارت إليها بتردد نحو الداخل دون التفوه بكلمة، ولجت الأخرى إلي الداخل و تنظر من حولها بازدراء، و عندما وقعت عينيها علي حفيدها، ركض نحو والدته و وقف أمامها يحدق إلي جدته بنظرة عدائية، بينما هي وقفت لدي الأريكة القديمة، قامت بنفض الغبار بإشمئزاز ثم جلست قائلة: 

"ما تخافش يا حبيبي، أنا مش هأذي ماما". 


تحولت ببصرها نحو علا و أردفت: 

"واقفة عندك ليه، تعالي أقعدي". 


كانت تمسك يد صغيرها و سارت نحو الأريكة ثم جلست علي مقربة من الأخري ونظرات الخوف و القلق بادية علي ملامحها، ابتلعت لعابها و قالت: 

"لو جاية عشان الورث، فأنا بقولك مش عايزة حاجة منكم، أنا كنت كل اللي عايزاه هو إثبات نسب حمزة، لكن عمري ما طمعت في فلوس و لا سألت يسري بيه الله يرحمه عن ورث حمزة". 


ابتسامة خبث و دهاء لا تليق سوي بأنثي ثعلب ماكرة يتبعها قولها: 

"و أنا مش جاية عشان الورث، أنا هنا عشانك و عشان حفيدي". 


وضعت ساق فوق الأخري بعنجهية ثم أردفت: 

"أنتِ عمرك ما هتستغني عن ابنك، و أنا نفسي حفيدي يتربي علي نفس مستوي ابوه و عمه، يعني يعيش عيشة تليق بحفيد عيلة الشريف". 


استمعت إليها و كان حديث الأخري زادها خوفاً و توتراً، فهي لا تريد أن تعيش وسط هذه الشيطانة و ابنها الذي لا يقل شراً عنها و خاصة بعدما حاول الإعتداء عليها، فما بال إذا وافقت علي العيش معه تحت سقف منزل واحد! 


قرأت شيريهان كل ما يدور في خُلد الأخرى فأخبرتها: 

"اللي بيدور في دماغك دلوقت إزاي هاتعيشي معانا و خصوصاً مع أحمد". 


قبل أن تعقب الأخري بكلمة قاطعتها: 

"عندكم عادة في الصعيد لما الست جوزها بيموت فأهل الزوج مش عايزين أحفادهم يتربوا بعيد عنهم، فلو كان ليه أخ تاني بيعرضو عليها الجواز منه و بكدة يحافظوا علي أحفادهم و ضمنوا إنهم مش هيتبهدلوا مع أي حد غريب". 


هنا أدركت علا ما ترمي إليه الأخرى، فتخلت عن صمتها و قالت بحدة: 

"لو أنا اللي فهمته دلوقتي ده صح، فأنا بقولك لاء و ألف لاء، حتي ابنك لو كان أخر راجل في العالم ". 


مازالت تحتفظ بإبتسامتها الخبيثة و أجابت عن قول الأخرى: 

"و ماله أحمد!، ده راجل أي واحدة تتمناه، من غير ما أسرد لك عن مواصفاته أنتِ شوفتيه بعينيكِ، و علي فكرة أنتِ هاتبقي أول ست هيتجوزها، ده لو أي أم غيري عمرها ما كانت هاترضي ابنها يتجوز واحدة ست و كمان مخلفة، بس أنا بفكر في مصلحة حفيدي و مصلحتك". 


رفعت زاوية فمها بتهكم و قالت ساخرة: 

"شكراً علي اهتمامك بس أنا زي ما قولت لك، سواء أحمد أو غيره، مش هاتجوز، و أنا مش هامنعك تشوفي حفيدك بس و هو معايا و في حضني غير كدة أقولك شرفتي و نورتي يا مدام شيريهان". 


نهضت الأخري بتعالى و كبر لتخبرها دون أن تبالي إلي إصرارها علي رفض ذاك العرض: 

"أنا هاسيبك يومين تفكري براحتك". 


سارت نحوها بضع خطوات فوقفت الأخري و تتشبث بيد صغيرها، تحولت إبتسامة شيريهان إلي نظرة أخري تحمل تهديداً صريحاً خالي من الشفقة مُردفة: 

"ما أنتِ لو موافقتيش بمزاجك هتوافقي غصب عنك، و أظن حمزة مش هيقدر يستحمل يعيش بعيد عن مامته، وقتها لا عم صابر و لا أي حد يقدر يوقف جمبك، و يا عالم ممكن يحصل إيه المرة الجاية، كله لمصلحتك في الأخر". 


نظرت لأسفل إلي الصغير وضعت يدها علي رأسه قائلة: 

"هستناك يا حمزة أنت و ماما". 


أبعد الصغير يدها عن رأسه بعنف، رمقته بإبتسامة صفراء ثم ذهبت أمام عينين والدته التي بمجرد أن غادرت هذه الأفعي أرتمت بثقل جسدها فوق الأريكة و الصدمة كانت أفضل ما يوصف حالتها الآن. 

༺༻

تنظر من نافذة السيارة تراقب الطريق في شرود، هبطت من عينيها عبرة و تتذكر كلام المحامي الذي كانت لديه منذ قليل... 


في داخل مكتب محامي شهير و المتخصص في الأحوال الشخصية، تجلس أمام مكتبه تنصت إلي حديثه بإهتمام و هو يخبرها: 

"بصي يا مدام دنيا، دلوقتي عشان تقدري ترفعي دعوة طلاق لازم يكون بشروط زي لو كان زوجك بيعتدي عليكِ بالضرب و السب ديماً فده اسمه طلاق للضرر، أو زوج حضرتك بخيل و مش بيصرف عليكِ و لا علي الأولاد و فيه كمان في قانون الطلاق الجديد، بيقول من حقك كزوجة تانية أو جديدة برفع قضية طلاق في حالة لو ما تعرفيش إن زوجك متجوز واحدة قبلك و ما زالت علي ذمته، فمن حقك تطلبي الطلاق". 


كانت يديها تتشابك معاً في توتر، كانت تنظر إلي أسفل، و عندما أنتهي الأخر من حديثه، رفعت وجهها و نظرت إليه بحزن قائلة: 

" أنا حضرتك متجوزة منه بقي لي ٨ سنين و معرفش إن مراته الأولي لسه علي ذمته، أنا كنت عارفة إنه متجوز بس كنت فاكراه طلقها ". 


أومأ لها بجدية مُعقباً: 

"تمام، بس هل فيه إثبات، عقد جوازه من زوجته الأولي؟". 


هزت رأسها بعدم معرفة و أجابت: 

"معرفش، أصلها مش مصرية". 


عاد بظهره إلي الوراء و أخبرها بكل ثقة: 

"موضوع العقد سيبيه عليا، حضرتك بس هاتحضري لي الأوراق اللي هطلبها منك عشان نبتدي الإجراءات بشكل رسمي، أولها هاتعملي لي توكيل، و عايز نسخة ضوئية من قسيمة الجواز و نسخ زيها من شهادات ولادكم". 


فتحت حقيبتها و أخرجت منها ملفاً ورقياً، ابتلعت لعابها من التوتر الذي تشعر به، فتلك الخطوة المقبلة عليها ليست هينة، تعلم إنها تفتح باب من أبواب الجحيم، كلما تذكرت تهديدات زوجها، استجمعت قواها و لم تستسلم إلي مخاوفها، وضعت الملف فوق المكتب و قالت: 

"أنا كنت عاملة حسابي". 


تناول الملف و ألقي نظرة علي الأوراق: 

"تمام أوي". 


أخرج ورقة من الدرج الذي أمامه و تناول قلماً و أعطى كلاهما لها قائلاً: 

"أتفضلي بقي أملي لي الورقة دي". 


أخذت الورقة و القلم بيد ترتجف من التوتر، تركتهما علي المنضدة أمامها لتخرج بطاقة الهوية خاصتها من حقيبتها، أمسكت بالقلم و حاولت أن تبدأ بملىء البيانات، لكن تلك الرجفة جعلتها لم تستطع كتابة حرفاً واحد و وقع من يدها القلم، نهض الأخر و مد يده إليها قائلاً: 

"عنك يا مدام، هاتي البطاقة، ليه التوتر ده كله! ". 


أعطته الورقة و البطاقة، ألقي نظرة علي ظهر البطاقة لمعرفة اسم الزوج 

«كنان صفوت العمري»، توقف بصدمة أمام هذا الإسم و أصبح مكفهر الوجه، نهض و أخبرها: 

"أستأذنك دقيقتين و راجع لحضرتك تاني". 


أومأت له بشبه ابتسامة: 

"اتفضل". 


ذهب و تركها بمفردها تنظر من حولها إلي الأثاث و الجدران، و اللوحة التي تزين الجدار خلف المكتب يتوسطها رسمة لميزان العدل، لم تشعر بالدقائق التي مرت، انتبهت إلي عودته من الخارج، لكنه جلس علي الكرسي المقابل لها، كان يشعر بالحرج و التوتر أيضاً و يخبرها: 

"مدام دنيا، أنا بعتذر لحضرتك و أسف جداً مش هقدر أقبل القضية". 


تسمرت و غرت فاها لتستوعب ما يخبرها به، نهضت و تستند علي حافة المكتب، سألته: 

"أنت تعرفه؟". 


أخفض بصره و نظر إلي أسفل قائلاً: 

" أنا مش عارف أقول لحضرتك إيه بس الموضوع... 


و كأن عادت إليها قوتها من جديد، حدقت إليه بإمتعاض و ازدراء، اختطفت البطاقة من يده: 

"من غير ما تقول، واضحة زي الشمس، لما قريت اسمه روحت تتصل عليه عشان تتأكد إنه هو و لا لاء، عموماً اللي خلقك خلق ألف محامي غيرك". 


غادرت المكتب علي الفور و لم تترك فرصة إليه للدفاع عن نفسه و لو بحرفٍ واحد. 


و في الوقت الحالي، انتبهت إلي السائق الذي يقول لها: 

"وصلنا يا مدام". 


أخرجت من حقيبتها مبلغ من المال لتعطيه الأجرة ثم ترجلت أمام البناء


و بعدما وصلت قامت بفتح الباب بالمفتاح الذي لديها، وجدت جدتها تجلس في الردهة و تبكي، ركضت نحوها بخوف و قلق: 

"حبيبتي يا تيتا مالك فيه إيه؟". 


أجابت من بين بكائها بحزن شديد: 

"ابن صاحب البيت جه قالي إننا لازم نسيب الشقة،لأنه باع البيت كله لواحد، و الراجل اللي اشتراه منه جاب قرار من الحي بهد البيت". 


اتسعت عيناها في حالة صدمة من ما قد أخترق سمعها للتو، و من دون الحاجة إلي التفكير العميق تجاه هذا الأمر فهي علي دراية بمن هو وراء ذلك، و قد صدق حدسها بالفعل عندما صدح تنبيه رسالة واردة في هاتفها، أخرجته من الحقيبة فوجدته المرسل إليها، ابتلعت ريقها الذي كان بطعم العلقم ثم بدأت تقرأ الرسالة الذي تتضمن الآتي

 

«شكلك مكنتيش مصدقاني لما قولت لك حبايبي كتير، من ضمنهم المحامي اللي روحتي له المكتب اللي في المعادي، و أي محامي غيره هيرفض قضية الطلاق اللي عايزة ترفعيها عليا مجرد ما هيعرف مين جوزك، و معلومة تانية أضيفها لك أنا المالك الجديد للبيت و اللي عرفت بنفوذي أجيب له قرار إزالة، حبيت أعرفك بس إنك مهما عملتي هخليكِ تعرفي ترجعي لحد عندي غصب عنك» 

༺༻

تجول داخل الغرفة ذهاباً و إياباً في حيرة و حنق في آن واحد، تريد مغادرة هذا القصر و العودة إلي منزلها، و هناك ما قد سلب النوم من عينيها منذ الأمس، قلبها الذي يصرخ من الإشتياق لرؤية مالكه، أو سماع صوته و الإطمئنان عليه لكن عقلها يرفض تلك الرغبة.


 نظرت إلي ابنتها المستيقظة من الصباح الباكر و تلهو علي الهاتف، جائت إليها فكرة حتي لا تظهر إلي طليقها هي من تريد التحدث إليه، جلست جوار صغيرتها فسألتها: 

"چوليانا أنتِ كلمتي بابي أو بابي كلمك؟". 


أجابت الصغيرة دون أن ترفع عينيها عن الهاتف: 

"هو كلمني الصبح بدري و أنتِ نايمة، بيطمن عليكِ و علي رسلان و كان بيسألني إزاي يعمل account علي الـ tik tok ". 


نظرت بتعجب و حيرة من ما قد أخبرتها به الصغيرة للتو، فسألت بصوت خافت و كأنها تتحدث مع نفسها: 

"و ده عايز يعمل account علي الـ tik tok ليه إن شاء الله، ده عمره ما حب الـ application ده أبداً". 


هللت ابنتها بصياح: 

"ألحقي يا مامي، تعالي شوفي بابي منزل إيه". 


نظرت إلي الشاشة لترى مقطعاً من الفيديو قد قام يونس بنشره للتو، فكان ملتقط عبر كاميرا هاتفه الذي يبدو إنه مثبت علي حامل معدني و مصباح علي شكل دائري يعكس ضوئه عليه، يجلس علي كرسي و يمسك باللوحة صغيرة قد رسمها إليها، بدأت موسيقي لأغنية شهيرة للفنان عبدالمجيد عبدالله، بدأ بتحريك شفاه و كأنه يغني إلي صورتها: 

"ياطيب القلب وينك حرام تهجر ضنينك

مشتاق لك يا حياتي عسى يردك حنينك

يا شوق عيني لي عينك". 


امسك بمرآة في يده الأخري و أردف بتحريك شفاه: 

" أتخيلك في المرايا، في مجلسي و الهدايا

ياشين ديك الزوايا من غير طلعت جيبينك

يا شوق عيني لي عينك". 


و في نهاية المقطع ترك المرآة و أحتضن صورتها و قال بصوته: 

"و الله العظيم بحبك و مش قادر أبعد عنك أكتر من كدة". 


أصابها الحزن عندما أخترقت كلماته قلبها الذي لا يقل شوقاً إليه، فسرعان أمسكت بهاتفها و قامت بالإتصال به، انتظرت حتي أجاب عليها غير مصدق: 

"ألو كارين و لا چوليانا؟". 


أجابت بصوت خافت: 

"أنا، أخبارك إيه؟". 


"طبعاً بقيت بخير و كويس أوي بعد ما سمعت صوتك، حرام عليكِ سامحيني بقي و تعالي نرجع لبعض". 


تنهدت و قالت بعتاب: 

"أنت السبب، محدش قالك تروح تتجوز عليا، لاء و ست شهور مستغفلني، قولي سبب واحد يخليك تعمل كده، عمري ما قصرت معاك في حاجة، أنا كل ما افتكر عقلي هيقف من كتر التفكير". 


"أوعدك كل حاجة هاتخلص، و هارجع ملكك لوحدك من تاني" 

تدخل صوت آسيل التي كانت تسترق السمع قائلة بدلال: 

"يلا يا بيبي كفاية رغي في الفون، الأكل هيبرد". 


نظر إليها بحدة متوعداً لها ثم عاد إلي كارين التي صاحت بحنق و صوتها كاد يصيبه بالصمم: 

"أنا غلطانة و أستاهل ضرب الجذم إن كلمتك، كلكم صنف واطي، إن كان أنت و لا أخوك قصي، واحد يتجوز من ورايا و أكون أخر من يعلم و التاني يتجوز و يعزم مراته علي فرحه، و من غير باي يا بيبي". 

أنهت المكالمة علي الفور تاركة إياه علي الجانب الأخر يردد تلك المفاجأة التي علمها للتو: 

"قصي أتجوز علي صبا!، إزاي!، و ليه!، و اشمعنا!، لاء ما بدهاش بقي لازم هاروح بنفسي أشوف الموضوع ده ". 


سألته آسيل و تنظر بتعجب إليه عندما كان يتحدث إلي نفسه: 

"أنت رايح فين؟". 


أتجه إلي المشجب و أخذ ثيابه قائلاً لها بغضب: 

"ملكيش دعوة، و حسابك معايا بعدين علي الحركة اللي عملتيها من شوية". 


و كالعادة لجأت إلي الحيلة التي لا تملك سواها، أجهشت في البكاء: 

"أنا معملتش حاجة، كنت بقولك الأكل هيبرد، فين الغلط في كلامي؟". 


ألتفت إليها بوجه غاضب: 

"بقولك إيه أنا زهقت منك و من زنك كل شوية، كان يوم أسود لما ظهرتي في حياتي يا شيخة، ياريت تكلمي أخوكِ إنه ياخد أول طيارة و ينزل مصر يجي ياخدك عشان هطلقك خلاص". 


توقفت عن البكاء و عيناها قد اتسعت بصدمة، لتجده يصيح مرة أخرى في وجهها: 

"أنتِ لسه واقفة!، اتفضلي اطلعي برة عايز أغير هدومي". 

انتفضت و فعلت كما أمرها و داخلها نيران اشتعلت للتو، عليها أن تفعل شيئاً حتي لا يذهب من بين يديها مرة أخري. 

༺༻

و في غرفة أخري داخل القصر، كان يغط في النوم أعلي الأريكة المخملية بعد سهر دام إلي الساعات الأولي من الصباح، بينما الأخري داخل المرحاض، تتحدث في الهاتف،فهي استيقظت منذ قليل و مازالت مرتدية ثوب الزفاف و هذا لعدم استطاعتها خلعه بمفردها

"أيوه يا ماما بقولك مكنش عندي شبكة و أول ما لاقيت كلمتك". 


"معندكيش شبكة و لا بتعملي حاجة من ورايا!، أوعي يا منار تكوني بتخرجي مع مديرك في الشغل و تروحي معاه في حتة كدة و لا كدة". 


أجابت بنبرة تحاول جاهدة أن لا تظهر من خلالها التوتر الذي تشعر به: 

"هو أنا أول مرة أسافر تبع شغلي يا ماما، أطمني مديري راجل محترم ملهوش في الحوارات دي". 


"ربنا يحفظك من كل سوء و يوقف لك ولاد الحلال، بالله عليكِ يا بنتي خدي بالك من نفسك و أوعي تأمني لأي حد، و أبقي طمنيني عليكِ كل يوم". 


"حاضر يا ماما ما تقلقيش، مضطرة أقفل معاكِ عشان بيندهوا عليا، سلام يا حبيبتي". 


"سلام يا حبيبتي في رعاية الله". 


أنهت المكالمة ثم نظرت إلي هيئتها في المرآة، فهي حقاً عروس في أبهي زينتها، لكن ماذا بعد ذلك!، كم تمنت أن يكون زواجها حقيقياً مع رجل يحبها بصدق و هي تبادله هذا الشعور الصادق. 


همت بالذهاب خارج المرحاض، فوجدته مازال نائماً، و علي المنضدة التي أمامه منفضة مليئة ببقايا السجائر، انتفضت عندما قام احدهم بطرق الباب و يليه صوت الخادمة تخبر سيدها: 

"قصي بيه، الغدا جاهز". 


ذهبت الأخرى نحو الباب و أخبرتها دون أن تفتح: 

"قصي بيه لسه نايم، روحي دلوقتي و أنا هاصحيه دلوقت و أقوله". 


ذهبت الخادمة، فألتفت هي و سارت نحو هذا النائم، لاحظت إنه مثلها لم يبدل ثيابه، لكنه خلع سترته، و ينام مرتدياً البنطال و القميص المفتوحة أزاره حتي منتصف صدره، خصلات شعره مبعثرة علي جبينه، كم هو وسيم حتي عندما يكون نائماً، لكن تحيطه هالة تصيبها بالرهبة كلما نظرت إليه، ترددت قبل أن تمد يدها و تربت علي كتفه لتوقظه بصوت أقرب إلي الهمس: 

"قصي، يا قصي". 


أمسك بيدها و لم يفتح عينيه قائلاً بصوت يغلبه النوم و في حالة اللاوعي: 

"وحشاني أوي". 


جذبها لتقع علي صدره، ضربت حمرة الخجل خديها و أنفاسها كادت تتوقف: 

"قصي، أنا...


لم يعط إليها فرصة لإكمال كلماتها حيث توسد صدرها برأسه:

"ما تزعليش مني يا صبا، حقك عليا". 


كان حالها لا يرثي إليه، و لم تتحمل هذا الوضع أكثر من ذلك و خاصة إذا فتح عينيه و أستيقظ، حاولت التملص من يده و كادت تتحرر من قبضته لكن الغلبة كانت لقوته، فوقعت بقوة أعلاه جعلته يستيقظ بفزع و وجدها فوقه


"أنا، أنا و الله كنت بصحي حضرتك و أنت شكلك كنت بتحلم و افتكرتني مدام صبا، اتحرجت و اتكسفت فجيت ابعد عنك قومت شدتني فوقعت عليك، أوعي تفهمني غلط".


كانت نبرة صوتها قد أوشكت علي البكاء، فأجاب بسخرية و مزاح: 

"ما أنتِ لو ما قومتيش من عليا كده هافهم صح". 


و كأن أصابتها صاعقة، نهضت و ولت إليه ظهرها لا تريد النظر إليه، همت بالذهاب من أمامه فأوقفها مبتسماً: 

"رايحة فين؟". 


استدارت و نظرت إلي أسفل بخجل: 

"هاسيبك تقعد براحتك في الأوضة، بالتأكيد عايز تغير هدومك و تدخل التويليت فمنعاً للإحراج هاسيبك علي راحتك". 


أخبرها مشيراً إليها نحو ثوبها: 

"و هاتخرجي إزاي برة و أنتِ لسه بفستان الفرح من إمبارح". 


رفعت وجهها لتنظر إليه خلسة قائلة: 

"ماله الفستان، ما هي مدام صبا خلاص فاهمة اللعبة، مش هاتفرق بقي إن أنا لابسة الفستان". 


رمقها في صمت و قد عادت أحداث ليلة أمس إلي ذاكرته، أطلق زفرة عميقة ثم تلاها بأمر لا نقاش فيه: 

"أنا بقي عايز اللعبة تتصدق بجد". 


حدقت إليه بعدم فهم و سألته: 

"إزاي؟". 


نهض و يشعر بثقل في أنحاء جسده، بدأ يفك أزرار قميصه، شهقت و وضعت كفيها علي وجهها، أجاب عليها غير مبالي: 

"هقولك بس بعد ما أخرج من التويليت تكوني غيرتي هدومك". 


عادت مرة أخري تنظر إلي أسفل بخجل و إلي يديها المتشابكة بتوتر: 

"مش عارفة أخلع الفستان، ممكن حضرتك لما تخلص تنادي لي واحدة من الشغالات تيجي تساعدني". 


لم يجب علي طلبها بل اقترب منها و وقف خلفها، مد أنامله إلي مقدمة السحاب، انتفضت و ابتعدت، حدقته بتوتر و خجل: 

"مستر قصي ده مكنش اتفقنا". 


"و أنا اتفاقي معاكِ إن الكل يصدق إنك مراتي بجد، فمش معقول هاروح أنادي واحدة تيجي تفتح لك سوسة الفستان، أومال أنا بعمل إيه!". 

أخبرها بذلك مما جعلها أدركت لا مفر من المعاملة عن قرب، قرأ ما يقلقها داخل عينيها فأردف: 

"منار أنا عارف الوضع هايبقي صعب عشان كدة كتبت عليكِ علي سنة الله و رسوله، لأن لحد ما اللعبة تنتهي، هايتقفل علينا باب واحد، هامسك إيدك قدامهم، و ما ينفعش كل ده غير ما تكوني مراتي في الحلال، فهماني؟". 


أومأت إليه بنعم و أثرت الصمت، لم تجد ما تقوله و تشعر كأنها مقيدة أمامه، أشار إليها بأن تقترب منه: 

"تعالي". 


اقتربت منه و استدارت لتعطي إليه ظهرها، اغمضت عينيها، سرت قشعريرة في جميع خلايا جسدها بمجرد ملامسة يده إلي ظهر ثوبها و هو يجذب السحاب إلي أسفل، مرت لحظات و هي علي ذلك الوضع فسألته: 

"خلاص؟". 


كان جوابه صوت باب المرحاض الذي قام بإغلاقه للتو، فتحت عينيها فوجدت الثوب انزلق إلي خصرها و لم يستر جذعها سوي صدريتها، قامت بصفع خدها: 

"يا فضحتك يا منار". 

تمسكت بالثوب و بخطوات أقرب إلي الركض ذهبت إلي داخل غرفة الثياب. 

༺༻

داخل مركز التسوق، يسير الصغير بجوار والده يمسك بيده، و الأخر يتحدث إلي زوجته عبر السماعة اللاسلكية: 

"أنا اشتريت لك كل حاجة أنتِ قولتي لي عليها، عايزة حاجة تاني قبل ما أطلع من الهايبر؟". 


أجابت علي الناحية الأخري حيث تقف داخل المطبخ و تعد الطعام: 

"لاء يا حبيبي كده كله تمام، أهم حاجة خد بالك من يوسف، أوعي تسيبه من إيدك". 


"حاضر يا حبيبتي، هاقفل معاكِ عشان خلاص داخلين علي الكاشير، باي". 


و بعد أن أنتهي من دفع ثمن المشتروات، دفع العربة المعدنية إلي الخارج حتي وصل إلي سيارته، فكان المركز يقع مباشرة علي الطريق الرئيسي للسيارات. 


أخذ يضع الأشياء في حقيبة السيارة قائلاً: 

"خليك جمبي أوعي تتحر...


لم يكمل جملته و لم يجد ابنه الذي قام بخطفه احدي الملثمين و صعد به أعلي الدراجة النارية، صرخ الصغير مستغيثاً: 

"بابي، بابي". 


ترك كل ما في يده، و ركض ليلحق بالدراجة و ينقذ صغيره، لم يستطع هذا الملثم الفرار حيث ظهرت سيارة من حيث لا يدري و قطعت طريقه و جعلته ينقلب، استطاع الصغير الإنفلات من يديه ، ترجلت من السيارة هذه الصهباء تركض نحو الصغير و دنت منه تسأله بخوف و قلق عليه: 

"أنت بخير يا حبيبي؟". 


كان يوسف يبكي و يرتجف بخوف من الفزع، احتضنته و قامت بالتربيت عليه، بينما آدم قد أمسك بالملثم و سدد له العديد من اللكمات و كان الأخر يحاول أن يصمد ثم دفعه و أسقطه علي الأرض بقوة لكي يستطيع ركوب دراجته النارية و الفرار مرة أخرى. 


نهض آدم و حاول أن يحفظ أرقام الدراجة ليقوم بإبلاغ الشرطة ثم ألتفت إلي صغيره ليجدها هي من قامت بإنقاذه، دنا من صغيره و جذبه إلي صدره و عانقه قائلاً: 

"حبيبي ماتخافش أنا جمبك، اهدي و بص لي". 


رفع ولده رأسه و بدأ بكائه يخبو، نظر آدم إلي روڤان و بكل شكر و امتنان قال لها: 

"مش عارف أشكرك إزاي، بجد اللي عملتيه ده هيفضل دين في رقبتي". 


"ما تقولش كدة يا آدم، يوسف زي ابني، أنا كنت جاية علي الهايبر و كنت بتكلم في الفون، أخدت بالي من المجرم اللي كان راكب الموتسيكل عمال يقرب عليكم و أنت مش واخد بالك، و لما لاقيته شد يوسف و بيخطفه مجاش في بالي غير أقطع عليه الطريق و الحمدلله أهم حاجة يوسف بخير". 


"الحمدلله، الحمدلله ". 

أخذ يرددها، كانت تنظر إليه و التردد بادياً من نظرات عينيها، سألته: 

"هو أنت ناوي تبلغ البوليس؟". 


أومأ لها و أجاب: 

"أنا صاحبي مقدم، هاتصل بيه و هديه رقم الموتسيكل و هو هيتصرف". 


عقبت بتوتر أخفته بنبرة جادة: 

"أيوة طبعاً لازم تبلغ عشان المجرم الحيوان ده ياخد عقابه، و لو محتاج أي حاجة أنا تحت أمرك، ممكن رقم الفون بتاعك عشان أبقي أطمن عملت إيه؟". 

مدت يدها بهاتفها إليه، أمسكه و قام بكتابة رقم هاتفه: 

"أتفضلي ". 


أجابت و هي تنظر بسعادة رفرف لها قلبها الذي يقفز: 

"هسجله، thank you". 

أنهت جملتها بإبتسامة، لم يدرك منها الأخر ما خلفها من مكر و دهاء للتقرب منه بل تريد أن تظفر به! 

༺༻

نزل علي الدرج و يمسك بيدها فوجد ابنته تقف لدي نهاية الدرج و تعقد ساعديها أمام صدرها، ترمقه بغضب و تحدق إلي زوجة أبيها بنظرة نارية قاتلة، و عندما رآها في تلك الهيئة كاد ينفجر في الضحك لكنه كبت قهقهته و دنا منها يسألها ببراءة و كأنه لا يعلم سبب غضبها ذاك: 

"حبيبتي مالك زعلانة ليه؟". 

وضع يده علي خدها الممتلئ، أزاحت يده و صاحت به: 

"أوعي إيدك، أنا مخمصاك و مش هكلمك تاني، يعني أنا مستحملة مامي بالعافية، تقوم متجوز البت الوحشة دي". 

أشارت بإصبعها و بازدراء نحو منار، فنظر قصي إلي منار التي ترمقهما في صدمة و تتأمل تلك الصغيرة المشاكسة، عاد بالنظر إلي ابنته: 

"لاء عيب يا زوزو، أنتِ بنوتة شطورة و مؤدبة ما ينفعش تشتمي أو تتكلمي بأسلوب مش مؤدب مع حد أكبر منك، دي اسمها طنط منار و هقولك علي سر بس بيني و بينك". 


ألتفت من حوله و كأنه يطمئن أن لا يسمعه أحداً سواها ثم أخبرها بهمس: 

"أنا متجوزها كدة و كدة عشان أغيظ مامي، لكن أنا قلبي بتاع زوزا و بس، أنتِ حبيبتي و روحي". 


تحولت ملامحها من الغضب إلي سعادة عارمة و سألته: 

"بجد؟".


أومأ لها قائلاً:

"بجد، هو أنا قولت لك حاجة قبل كدة و كذبت عليكِ؟". 


هزت رأسها بنفي و أجابت: 

"لاء". 


عانقها و ربت عليها بحنان متدفق علي أميرته الصغيرة: 

"بحبك أوي يا زوزا ". 


بادلته العناق و أجابت بصوتها الطفولي: 

"و أنا كمان بحبك أوي يا قيصو". 


"يلا بقي سلمي علي طنط منار و خديها وصليها لحد السفرة ". 


نظرت الصغيرة إليها من أعلي إلي أسفل ثم أشارت إليها بأمر: 

"تعالي ورايا يا نان". 


نظرت الأخري إليها بصدمة لم تصدق إن هذه طفلة ذات خمس أعوام و تتحدث و كأنها امرأة ناضجة، ابتسمت إليها ثم أخبرتها بصوت طفولي لتكتسب محبتها: 

"ممكن تمسكِ إيدي و توديني عشان أنا مش عارفة". 


زفرت زينب بنفاذ صبر و مدت يدها علي مضض قائلة: 

"أمري لله، تعالي". 


نظرت منار إلي قصي الذي يكبت ضحكاته ثم ذهبت برفقة الصغيرة. 


و حول المائدة جلسوا جميعهم حيث ترأس قصي الطاولة كالمعتاد، و علي يمينه كرسي شاغر الخاص بزوجته، و علي يساره جلست منار و بجوارها ابنته و يليها مالك الذي كان يراقب الأجواء في صمت. 


جاءت كارين و خلفها ابنتها و ابنها، جلست دون أن تتحدث بحرف و كانت تختلس النظر إلي منار التي تجلس في توتر كلما لمحت نظرات الأخري إليها


"مين دي يا uncle؟". 

كان سؤال چوليانا فلكزتها والدتها و أخبرتها بهمس: 

"بس اسكتِ". 


و جاء صوت من علي بعد بضع أمتار تتقدم صاحبته نحوهما، فألتفت الجميع إليها و هي تجيب علي الصغيرة بنبرة ساخرة: 

"دي تبقي طنط منار اللعبة الجديدة، excuse me مراته الجديدة". 


لم يهتم إلي سخريتها بقدر إهتمامه معرفة أين كانت، و هذا لأنها ترتدي ثوب أحمر قصير ضيق للغاية و بأكمام تصل إلي منتصف الساعد، و من الأسفل يكاد يصل إلي أعلي ركبتها، بينما من الأعلي حيث فتحة الصدر متسعة و تظهر أعلي مفاتنها و التي تستقر بينهما قلادة من الألماس الأسود، تسير بحذائها الأسود ذو الكعب المرتفع و يتدلي علي كتفها سلسلة تنتهي بحقيبة صغيرة سوداء. 


لاحظت نظراته النارية و لم تعط إليه أدني إهتمام، فهي تدرك جيداً مدي غضبه من رؤيتها في ذلك الثوب الذي يجسد عن قدها ذو المنحنيات و ما يكشفه من جسدها لكل من ينظر إليها. 


 توقفت لدي الكرسي الخاص بها و كادت تجذبه فأوقفها بسؤاله إليها: 

"كنتِ فين؟". 


رمقته بلا مبالاة و أجابت: 

"كنت مع أصحابي في النادي". 


"و مين اللي قالك تخرجي من غير إذني؟". 

سؤال أخر بنبرة جادة و غضب ينضح من عينيه، تدخلت كارين لأنها تدرك ما سيحدث: 

"هي قالت لي قبل ما تمشي و أنت كنت نايـ... 


قاطعها الأخر بوضع طرف سبابته أمام شفاه: 

"هوس أسكتِ أنتِ، أنا بسألها هي". 


عقدت ساعديها أمام صدرها و رفعت إحدي حاجبيها قائلة: 

"أنا اللي سمحت لنفسي، مش أنت بتعمل اللي علي مزاجك، أنا كمان هعمل اللي علي مزاجي". 


ضرب قبضته علي المائدة فأهتز كل ما عليها و انتفضت منار و ابتعدت من جواره عندما رأت ملامحه الغاضبة و هو ينهض متجهاً نحو صبا التي لم تتحرك إنشاً بل و تنظر بإبتسامة ساخرة لسبر أغواره، جذبها من ذراعها و بأمر لا رجعة فيه: 

"قدامي علي المكتب". 


حاولت جذب ذراعها لكن قبضته كالعادة أقوي 

"سيب دراعي، مش رايحة معاك في حتة". 


أخبرها بتهديد جوار أذنها حتي لا يسمعه الأخرون: 

"اتقي شري و أمشي قدامي أحسن لك". 


صاحت في وجهه بإصرار و تحاول جذب ذراعها من يده: 

"قولت لك لاء، و لو مش عاجبك طلقني". 


كانت هنا النظرة أبلغ من الإجابة، فبرغم قوتها الواهنة لكن أرتجف جسدها و قد شعر بها، هيهات و كان علي وشك أن يحملها رغماً عن أنفها لكن هناك صوت قاطع تلك الأجواء المشحونة

"سلام عليكم". 


نهض كلا من رسلان و چوليانا و ركض كليهما إلي والدهما: 

"بابي، وحشانا أوي يا بابي". 


عانقهما و كان ينظر إلي كارين بشوق و حنين قائلاً: 

"أنتم كمان يا حبايب بابي واحشيني أوي أوي، و عمكم هو السبب في بعادي عنكم و عن مامي". 


رمقه قصي بحدة يسأله بغضب: 

"أنت إيه اللي جابك هنا؟". 


اعتدل و وقف يرمقه بتحديٍ: 

"جاي أخد ولادي و مراتي". 


صاح بتعجب و كأن هذا أخر ما ينقصه: 

"نعم يا أخويا!". 


أجاب الأخر بجدية : 

"علي اعتبار ما سيكون لأني هاردها عند المأذون ". 


أطلق قصي زفرة لعله ينفث غضبه الذي إذا أطلقه سيحدث ما لا يحمد عقباه

"أمشي يا يونس من وشي". 


نظر أولاً إلي تلك الغريبة فتأكد من حديث كارين فصاح: 

"مش ماشي يا قصي، و لا هو حلال ليك وحرام عليا، طب أنا أتجوزت من ورا مراتي عشان ده مؤقت و هيروح لحاله و محبتش تعرف عشان ما أجرحش مشاعرها، لكن أنت بقي ماشاء الله تتجوز و كمان عزمت صبا علي فرحك و من جبروتك جايب مراتك التانية و مقعدها معاكم علي السفرة". 


سأله الأخر: 

"مين قالك الكلام ده؟". 


حك يونس ذقنه و كان ينظر إلي كارين، فألتفت الأخر إليها فوجدها في لحظة اختبأت أسفل المائدة


هنا وجدت صبا عليها إستغلال الموقف جيداً، فعقبت علي ما يحدث قائلة: 

"اللي أنت عرفته يا يونس صح، و لما أنت عملت كدة قبله هو اللي وقف لك و خدك أنت و كارين غصب عنك للمأذون عشان تطلقها، لكن أنا بقي بابا للأسف مش هنا و مليش حد ألجأ له". 


قالتها و ارتسمت ملامح الحزن علي وجهها ببراعة، فصاح يونس بشهامة: 

"ملكيش حد إزاي، أنتِ بنت عمتي و في مقام أختي و اللي يزعلك يزعلني حتي لو أخويا ذات نفسه". 


تقدم منها و جذبها أمام أعين زوجها من يدها: 

"تعالي أقعدي معانا في قصر خالك لحد ما ناخد لك حقك منه". 

شهقت كارين من أسفل المائدة ثم نهضت واضعة كفيها علي فمها. 

أمسك يد شقيقه و قام في هدوء ارعب كلا من الأخر و كذلك صبا أيضاً

"سيب بس إيدها و تعالي نتكلم في المكتب، عشان بس ما ينفعش نتكلم قدام الأولاد، و انا هعملك اللي أنت عايزه". 


رد الأخر قائلاً: 

"ما كان طب من الأول". 


كانت كارين تلوح إليه بيدها أن لا يذهب معه دون أن تتفوه خشية من قصي و تقول داخل عقلها: 

"يا غبي أوعي تروح معاه، ده هيعمل منك بفتيك". 


و بعد أن ذهب مع شقيقه، تفوهت زينب: 

"يا عيني يا uncle يونس بابي هيعمل منك حواوشي". 


ثم نظرت إلي منار بغضب و اردفت: 

"كله منك يا نان يا جلابة المصايب". 


عقبت صبا بسخرية و هي تحدق نحو منار بازدراء: 

"و لسه هانشوف يا زوزو". 


نهضت منار لتتجنب المشاجرة مع صبا، و صعدت إلي الأعلي، و كارين دب الخوف في قلبها علي يونس فركضت إلي الغرفة


و بداخل غرفة المكتب يقف يونس واضعاً يديه في جيبي بنطاله، و قصي كان يخلع ساعة يده و يلقي بها علي المكتب قائلاً: 

"كنت بتقول إيه برة بقي عشان ماسمعتش كويس". 


التفت إليه فأخذ الأخر يتراجع خطوة تلو الأخري إلي الوراء بحذر: 

"فيه إيه يا قصي، مش أنت قولت إن إحنا هنا عشان نتفاهم و لا ده كان كمين؟". 


جذبه الأخر من تلابيبه بكلتا يديه: 

"أنت كل مرة بتاخد مني علقة لحد ما وشك بقي مليان إصابات، و برضو ما بتحرمش". 


أمسك الأخر يديه و أخبره: 

"ما أنت خليك في صف اخوك و لو مرة واحدة و خلي كارين ترجع لي و أنا مش هخليك تشوف وشي تاني، أنت أكتر واحد عارف إن أنا بحبها قد إيه". 


"و لما أنت بتحبها أتجوزت من وراها ليه؟". 

صاح به و دفعه ليقع علي الأرض، نهض و أجاب: 

"السؤال تقوله لنفسك يا كبير أخواتك". 


رمقه بتحذير قائلاً: 

"أنا عارف أنا بعمل إيه، مش غبي زيك". 


رد الأخر بدفاع: 

"و أنا كمان عارف بعمل إيه، و خلاص أنا قولت لآسيل تكلم أخوها عشان يرجع من السفر و يجي ياخدها بعد ما أطلقها، أنا كنت مستني لحد ما تولد بس". 


رمقه قصي بتعجب فأردف يونس: 

"مش مني طبعاً، إحنا لما أتجوزنا مكنتش تعرف إنها حامل من طليقها". 


"شوفت بقي إن عندي حق لما بقولك أنت غبي، البت دي نصابة و بتشتغلك و هي بالتأكيد عارفة إنها حامل من قبل ما تتجوزوا، و كله كوم و أخوها هاني اللي مفهماك إنه مسافر برة بيشتغل ده كوم تاني، لأنه حضرتك هربان و عليه شيكات بعشر مليون جنيه كان واخدهم من طليق أخته و هرب عشان معهوش يسدد له المبلغ، و مش بعيد تلاقيه هو اللي رسم الليلة اللي عملتها أخته عليك يا مغفل". 


جلس علي أقرب كرسي و سأله و عقله تدور داخله الكثير من الأسئلة: 

"عرفت منين كل المعلومات دي؟". 


رفع الأخر زاوية فمه بتهكم و قال: 

"عيب أوي لما تسألني السؤال ده".


تناول سيجاراً من العلبة فوق المكتب و قداحة مردفاً:

" المهم البت دي تروح تطلقها حالاً، أصلاً جوازكم باطل عشان هي حامل من جوزها الأولاني، و أنا هخلي كارين ترجع لك النهاردة قبل بكرة". 


سأله غير مصدق إياه: 

"بتتكلم بجد و لا بتشتغلني؟". 


نفث دخان سيجاره و أجاب: 

"خلاص مفيش كارين و انسي أي حاجة قولتها لك". 


نهض الأخر من مكانه مبتسماً: 

"لاء يا كبير كنت بهزر معاك، أنا هاروح دلوقت و هاطلقها و لو عايزيني أسجلك اللحظة دي فيديو و ابعته لك ماشي". 


ابتسم رغماً عنه و قال له: 

"كل اللي عايزه منك تكون أتعلمت الدرس كويس، و لما تحصل معاك أي حاجة تعالي خد رأيي و أنا هقف جمبك". 


اقترب يونس نحو شقيقه و عانقه بقوة مُربتاً علي ظهره: 

"ربنا ما يحرمناش من بعض". 

༺༻

أجواء الربيع قد بدأت رغماً من عدم ذوبان الثلوج من أعلي قمة قلعة عائلة رومانوف، يجلس داخل غرفة المكتب الذي يغلب عليها لوني الأسود و الرمادي، ينقر علي لوحة المفاتيح و يرسل رسالة عبر البريد الألكترونى، يمسك بكأس الخمر و يرتشف منه القليل، 

وصل إلي أذنه ضجيج يأتي من الخارج، فتوقف و ترك الكأس أعلي المكتب ليرى ماذا يحدث، حتي وصله صوت سيلينا تصرخ في وجه حارسه

"دعني يا أحمق لم أذهب إلي سيدك ". 


قال لها بجدية و إصرار: 

"تلك هي أوامره". 


قد نفذ صبرها و فاض بها الأمر فهبطت علي وجهه بكفها و ركلته بين ساقيه، نفض ذراعها و أخذ يتأوه، نظرت إليه بازدراء و قالت: 

"تباً لك و لسيدك". 


خرج فلاد من الغرفة علي ذاك المشهد، يسأل بغضب: 

"ماذا يحدث هنا؟". 


اعتدل الحارس و كبت ألمه حتي لا يراه سيده في تلك الحالة المزرية، فأجاب: 

"السيدة سيلينا حاولت الخروج من القلعة و عندما قام الرجال بمنعها إمتثالاً لأمرك ، أخذت تلقي وابل من السباب و اللعنات علينا جميعاً، فأتيت بها إليك". 


رمقها فلاد بإمتعاض ثم نظر إلي الحارس و قال بأمر: 

"أذهب أنت الآن". 


"اسمعـ...

لم تكمل كلمة واحدة حيث جذبها من يدها في لحظة وجدت نفسها داخل غرفته و الباب قام بإغلاقه ثم أدار القفل الذي أصدر صوت الغلق فأصبح الباب موصداً من الداخل، سألته بتوجس: 

"ماذا تفعل فلاد!، دعني أعود إلي منزلي لقد سأمت من المكوث هنا داخل غرفة بمفردي". 


اقترب منها و هي تتراجع إلي الخلف حتي التصق ظهرها في الباب، استند بيد واحدة، عاقداً ما بين حاجبيه يحدق إليها بنظرة لم تدرك منها شيئاً مما دب الرعب في أوصالها حتي تحدث أخيراً ليخبرها: 

"أنتِ هنا لأنك أمام الجميع رفيقة فلاديمير رومانوف، فهذا دورك هنا و يجب عليكِ أن تؤديه بإتقان". 


رفعت جانب ثغرها و عقبت بسخرية: 

"رفيقة أم عاهرة تقصد!". 


استند بيده الأخري فأصبحت أسيرة بين ذراعيه ليسألها بسخرية مماثلة: 

"إذاً لما تسللتِ إلي هنا و حاولتِ قتلي، أم تردين إثارة انتباهي إليكِ؟ ". 


ابتسمت بدهاء و حدقت إليه بنظرة تعلم مدي تأثيرها عليه جيداً كما فعلت منذ سنوات قائلة: 

"تسللتُ لرؤيتك و العودة إليك، لم أجد منك سوي التجاهل و المعاملة الخالية من المشاعر". 


و في غضون لحظات جذبها بين ذراعيه و كان منقضاً علي شفتيها بقوة ليث جائع، أخذت تدفعه في صدره، فتركها تتنفس و هبط بشفتيه إلي عنقها و أخذ يلتهم كل إنشاً به، تلوي جسدها بين ذراعيه، تتوسل إليه بصوت يكاد يخرج من بين شفتيها: 

"أرجوك فلاد، ابتعد". 


تجاهل توسلها إليه و محاولتها البائسة بالإبتعاد عنه، لكن لا محالة، فكلماتها و نظراتها هي من اعطته الإشارة بأن يفعل بها ما يريد، لكنها لم تكن ترغب ذلك في الوقت الحالي، فلديها هدف تسعي إليه و يجب عليها إستغلال رغبته نحوها و حبه إليها للوصول إلي هدفها التي تنتظره منذ سنوات! 


لجأت إلي حيلة البكاء لعله يتوقف لاسيما بعدما قام بتمزيق تلابيب كنزتها، أجهشت في البكاء و قالت: 

"أنت هكذا لم تفرق شيئاً عن كلاوس". 


و كأن أصابته الصاعقة فأبتعد فجأة، يلتقط أنفاسه و يسألها: 

"ماذا تردين سيلينا؟". 


اقتربت منه مثل الأفعى عندما تزحف إلي فريستها و علي وجهها ترتسم البراءة، أجابت: 

"أريد أن أكون زوجتك". 

༺༻

تقف الآن أمام الباب الزجاجي للشركة التي يمتلكها زوجها، لأول مرة تأتي إلي هنا، جاءت بعدما وجدت أنها لا تملك شيئاً لتقف ضده، و الخسارة لم تصيبها هي فقط، بل ستطول جدتها، ربما مجيئها إليه يجعله يتراجع عن الحرب التي بدأها عليها، هبطت من بين شعيرات هدبها دمعة، تنزلق ببطئ علي خدها، قامت بمسحها و أكملت خط سيرها فأوقفها الحارس يسألها: 

"عايزة إيه حضرتك؟". 


نظرت إلي هذا الرجل الضخم و المخيف، فهو حارس أمام بوابة شركة للأمن و الحراسة، فيجب أن كل من يعمل بها في هذا المجال أن يكون علي قدرٍ مناسب من حيث المظهر و القوة. 


أجابت بهدوء: 

"أنا جاية أقابل كنان العمري". 


"ثواني هاسأل السكرتيرة، اسم حضرتك إيه؟". 

سألها و كاد يتحدث في السماعة اللاسلكية، فأجابت: 

"أنا مراته". 


أصابته الدهشة فقال لها معتذراً: 

"حقك عليا يا فندم أتفضلي، كنان بيه فوق في المكتب هابعت مع حضرتك واحد من الـ security يوصلك لحد مكتبه". 


فتح لها الباب و ولجت إلي الداخل، أمر الحارس أحدهم بأن يتبعها و يرشدها إلي مكتب رب عمله


و بعد أن وصلت إلي الطابق الذي يوجد به مكتبه، انتظرت مساعدته ريثما تخبره إنها تريد مقابلته، فهي الآن تجلس علي الكرسي و من فرط التوتر تهتز ساقها دون إرادة منها، فمن الصعب عليها أن تصبح أمامه بهذا الضعف لكن ماذا عساها أن تفعل سوي ذلك! 


"أتفضلي حضرتك". 

قالتها المساعدة مشيرة إليها نحو داخل المكتب، نهضت و صوت صدي دقات قلبها يتخلل سمعها، سارت بخطوات وئيدة إلي داخل الغرفة، تلاقت عيناها بخاصته يرمقها بنظرة انتصار فحدقت إليه بكبرياء وقفت أمام مكتبه و سألته:

"عايز مني إيه يا كنان؟". 


نهض و عيناها تتبعه حيث سار نحوها ليقف خلفها و أجاب: 

"عايزك تعقلي و ترجعي البيت". 


تمسك بيد حقيبتها بكلا يديها و كأنها تتشبث بها و تستمد القوة، استدارت إليه لتصبح أمامه وجهاً إلي وجه قائلة: 

"طيب و لو أنا مش عايزة، هترضي إن أعيش معاك غصب عني؟". 


أجاب عليها ببرود واضعاً يديه في جيبي بنطاله: 

"هاتعيشي معايا سواء بمزاجك أو غصب عنك لأنك أنتِ و الولاد و جدتك ملكمش غيري، و أنا مش هسمح أن عيالي يتبهدلوا و يعيشوا في حارة كلها بلطجية و شمامين، اعقليها كويس هتلاقي نفسك طول ما أنتِ معايا هاتعيشي زي ما كنتِ عايشة في مستوي غيرك يتمني يعيش فيه، ولادنا في مدارس international، متوفر لهم كل حاجة ". 


عقبت علي حديثه بقلبٍ مُلتاع: 

"و أنا فين من كل ده؟". 


أجاب بتلقائية: 

"أنتِ كل طلباتك مجابة و أي حاجة عايزاها بتيجي لحد عندك". 


"يعني هافضل مجرد زوجة تلبي لك طلباتك و مش مشكلة أعيش معاك و أنت علي ذمتك مراتك الأجنبية اللي عمرك ما تقدر تنساها!، عايزني أدوس علي قلبي و كرامتي و أكمل عادي!، أنت شايف كدة؟". 

كانت تسأله و تكبت عبراتها و تشعر بغصة تقف في حلقها، تريد الصراخ بأعلي صوت لديها، لكنها كالمقيدة داخل صندوق بسلاسل من حديد. 


"إيه كمية الـ over اللي أنتِ عايشة فيها دي، ما تعيشي زي ما ستات كتير عايشين، أنا يوم ما أتجوزتك كانت هي قبلك، و أنتِ كنتِ عارفة كدة". 

يا له من قلب متحجر متبلد المشاعر، أجابت هي و لم تستطع أن تمنع دموعها أكثر من ذلك: 

"كنت فاكراك طلقتها، و قولت خلاص مليش دعوة بحياتك قبل مني، مليش غير من أول ما عرفتك". 


"يعني شوفتيني روحت لها!، ما أنا من وقت ما أتجوزنا و أنا عايش معاكِ، هاتفرق إيه بقي سواء طلقتها و لا مطلقتهاش". 

صاح بها بعد أن تخلي عن بروده و فقد صبره للتو، فقالت من بين بكائها: 

"ايوه بالنسبة لي تفرق كتير، و قولتها لك قبل كدة، أنت عايش معايا بجسمك لكن قلبك و مشاعرك كله معاها". 


ولي ظهره إليها بعدما رأي دموعها و كم يشعر إنه وقح و وضيع لأنه هو السبب فيما وصلت إليه من معاناة و ألم، تهرب بالحديث و يلقي اللوم عليها من جديد: 

"كل اللي قولتيه مش مبرر كافي، فكري في اللي حواليكِ و بطلي أنانية بقي ". 


صرخت ببكاء و دفاع بإستماتة: 

"أنا مش أنانية، أنا عايزاك تبقي ليا لوحدي زي ما أنا ليك، عايزة أحس بحبك و لهفتك عليا زي ما بحبك و لما بتبعد عني ببقي مشتاقة ليك، عايزة لما أكون في حضنك أحس أنه ليا أنا مش ليها هي!، الأناني فينا هو أنت، عايز كل حاجة و ما تديش، العطاء بالنسبة لك ماديات بتحاول تعوضني بيها عنك، بس أنا مش عايزة فلوس أنا عايزاك أنت". 


استدار إليها و جذبها بين ذراعيه، يدفن وجهها في صدره، فشعر بدموعها الدافئة قد بللت قميصه، ربت عليها و أغمض عينيه قائلاً: 

"كفاية دموع، و خلي الأيام تداوي جروح كل واحد فينا بس و أنتِ معايا، إحنا ملناش غير بعض يا دنيا، ما ينفعش نبعض عن بعض أبداً ". 


كانت تزداد بكاءً و نحيباً بين يديه، تشعر بالضعف و الوهن لا تملك سوي الرجوع إلي معذب فؤادها الذي ودت أن تقتلعه من جذوره لأنه يعشقه و لم يتلق منه سوي القهر و الألم.

الفصل الخامس عشر من هنا

 

تعليقات



×